عين الشباب

اليدا غيفارا في الجامعة اللبنانية

استضافت الجامعة اللبنانية المناضلة اليدا غيفارا في قاعة المؤتمرات-مجمع الحدث الجامعي، بحضور طلابي واسع اكدت غيفارا على اهمية دور الطلاب في التغيير وبناء مستقبل الاوطان.

وعرضت ايضا د. غيفارا لواقع ومستقبل أميركا اللاتينية في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية.

كما كانت كلمة ترحيبية لعميد الكلية البروفسور كميل حبيب الذي قدم في نهاية اللقاء درعاً تذكارياً إلى الضيفة الكبيرة.

وصية الاديب "غابرييل غارسيا ماركيز" للناس قبل وفاته صاحب مئة عام من العزلة .وكتب الروائي غابريل غارسيا ماركيز رسالة وداع الى القراء ووضع فيها وصيته إلى الناس حين ادرك أن الموت قريب بعدما علم أنه مصاب بالسرطان، وهنا "لو شاء الله أن يهبني شيئا من حياة أخرى، فإنني سأستثمرها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتما سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الجميع نيام. لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، من دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق. للطفـل سأمنحه الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلم التحليق وحده. وللكهول سأعلمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة، بل بفعل النسيان. تعلمت منكم الكثير أيها البشر. تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سر السعادة يكمن في تسلقه. تعلمت أن المولود الجديد حين يشد على أصبع أبيه للمرة الأولى فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد. تعلمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف.تعلمت منكم أشياء كثيرة، لكن قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضع في حقيبتي أكون أودع الحياة. قل دائماً ما تشعر به، وافعل ما تفكر فيه. لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعي ولتضرعت إلى الله ليجعلني حارساً لروحك. لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت "أحبك" ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك. هناك دوما يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبداً. لأن الغد ليس مضموناً، سواء لشاب أو مسن، ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم، فلا تنتظر أكثر. تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو أنك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرة. حافظ بقربك على من تحب، أهمس في أذنهم أنك في حاجة إليهم، أحببهم واعتن بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات، مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها، لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الرب القوة والحكمة للتعبير عنها وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك. قل ما تشعر به وافعل ما تفكر فيه. وصية الاديب "غابرييل غارسيا ماركيز" للناس قبل وفاته الحياة تمنحنا الفرصة دائماً أن نفعل الافضل. يجب أن تندم على الوقت الذي لم تجد فيه فرصة لابتسامة

يصادف يوم الخامس عشر من ايار/مايو لعام 1948...عام النكبة.... حيث هجر في ذلك اليوم اكثر من 800 الف فلسطيني وطردوا قسرا من قراهم وبيوتهم حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم...وآمال في العودة الى الديار.

 

في ذلك اليوم طرد الاحتلال اهالي 530 مدينة وقرية فلسطينية بالاضافة الى اهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة ليكون الشعب الفسلطيني ضحية اكبر عملية تنظيف عرقي مخطط لها في التاريخ الحديث.استخدم الاحتلال لبلوغ مقاصده، اسلوبيين اولهما الترهيب والترغيب لجعل الجاليات اليهودية الموزعة على دول العالم تأتي الى فلسطين لتقيم المستوطنات وتقضم الاراضي العربية الفلسطينية شيئا فشيئا.

اما الثاني فكان التقرب من الدول الفاعلة عالميا والتأثير عليها لعقد اتفاقيات واستصدار وعود تعترف بوجود حق يهودي في فلسطين فاصبحت الفرصة سانحة اما الحركة الصهيونية في اوائل القرن العشرين عندما بدأت علائم الموت تظهر على الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المشرق العربي فاستغلّ اليهود ذلك الوضع لاستصدار وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما عرف باسم "وعد بلفور".

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ونتيجة لاتفاقية سايكس، وقعت فلسطين تحت الانتداب الانكليزي المباشر، ما أعطى فرصة كبيرة لليهود بتفعيل هجرتهم إلى الأراضي الفلسطينية، حيث عملوا على إقامة عدد كبير من المستوطنات، وبدأوا تدريبات عسكرية لتشكيل عصابات سرية، تتسلح بأسلحة بريطانية، وتهاجم المواطنين العرب وتطردهم من أراضيهم.

اغتصبت ارض فلسطين واعلن قيام الكيان الاسرائيلي المصطنع. بعد اعلان بريطانيا انهاء انتدابها على فلسطين في الخامس عشر من ايار مايو عام ثمانية واربعين بعد ان ساعدت في غرس جدور لليهود في ارض فلسطين...لتبدأ منظومة التيه والشتات والمأساة التي ما زالت تفرزها النكبة لتعمل على تغيير كل ما يمت إلى تاريخ فلسطين وجغرافيتها بصلة.

ومنذ ذلك الحين  تعددت قرارات الامم المتحدة والمبادرات والحلول المطروحة التي تنكر لها الاحتلال بدءا من القرار الدولي مائة وواحد وثمانين الى القرار مائة واربعة وتسعين والقرار مائتين واثنين واربعين والقرار ثلاثمائة وثمانية وثلاثين وغيرها الكثير من القرارات والمبادرات التي تم اغتيالها في مهدها رغم توقيع عدة اتفاقيات اختلفت مسمياتها من كامب ديفد الى اوسلو ووادي عربة بالاضافة لجولات الحوار والمؤتمرات الاقليمية والدولية برعاية الحليف الاميركي، دون ان يتحقق اي تقدم يذكر في عملية تسوية مزعومة منذ النكبة وحتى الان.

لا .. بل على العكس من ذلك تمادت سلطات الاحتلال في غيها وطغيانها وعدوانها مترافقا مع المزيد من مصادرة الاراضي الفلسطينية وتهويدها لبناء وتوسيع المستعمرات وجدار الفصل العنصري بالاضافة الى سياسة العقاب الجماعي وزيادة الحواجز في الضفة الغربية المحتلة وتشديد الحصار على قطاع غزة لتدمير بناه التحتية والمجتمعية وتفكيك بنية المقاومة المسلحة...وفصل وعزل سكان فلسطين عن حقوقهم وممتلكاتهم الحيوية اليومية وحرمانهم من التواصل مع عمقهم الاجتماعي الفلسطيني والعربي 

"حركتنا" ترى أن أشكال الفن جميعها هي خادم جيد لدى أعظم الفنون: أي فن الحياة. ولأن الأمور على ما هي عليه، ذلك يعني أنها لن تبقى على ما هي عليه. إن أسوأ أنواع الفنانين الأميين هم الفنانون الأميون سياسياً، لا يسمعون، لا يتكلمون، ولا يشاركون في الأحداث السياسية، لا يعلمون أن كلفة الحياة، وأسعار الحبوب والأسماك والدقيق والإيجار والأحذية والدواء، كلها تعتمد على قرارات سياسية. لا يدركون أن السياسة التي يفاخرون أنهم "لا يحبونها" هي من تنتج التشوهات التي تكون مواضيع أعمالهم، هي من تنتج المومس، والطفل المهجور، وأسوأ اللصوص، والسياسيين المتخمين من الشركات المحلية ومتعددة الجنسيات. الفن ليس مرآة قابضة على الواقع، بل مطرقة تساعد في تشكيله.برتولد بريخت                      

سامحنا يا  محمد أننا لم نكن هناك عند باب بيتك، وأننا لم نزر والدتك ولم نسألها عما اذا كُنتَ تُدوّن مذكراتك. الكلام لا ينفذ يا رفيقي، لكن إرادة القول والصدق الذي ينسج إيقاع الحروف، يخور ويشتدُّ مع تعب الأيام ولامعقولية الواقعة .

يُنظّف أبو محمد المقبرة منذ عقود، يُعلّم ابنه محمد قراءة أنواع الخط العربي المعماري والكوفي والريحانيّ التي ترسم ألم الوداع على الشواهد. كبر محمد بلسان عربي يسأل عن قصّة حياة الأسماء التي على الشواهد. حفظ محمد الأسماء وأخرجها من المجهول الذي يحاصر سؤال الأبديّة فيها، يُخرج الموتى عن صمتهم بضحكه وصراخه وكلماته الأولى وبكائه وهمسات إخوته وهم يركدون حول الحجارة. فكنتَ اذا اقتربت من المقبرة خلت أن موتاها أحياء، لأن محمدَهم هو  شاهد شواهدهم المنسية. أصبح محمد الذاكرة الحية لمعاني الأسماء، أصبح يقاوم شريعة النسيان. في 29  من حزيران 2019 استنفر جُندُ النظام اللبناني – جند النسيان، فاطلقوا الرصاص وسقط محمد جريحا وساد الصّمت القبور، وكأنه بكاء الموتى ينهش في عشب نمى بين شواهد بيروت.

في تلك البقعة من بيروت شاهد لقبر باحثة ، كانت في زهر شبابها ترتاد مبنى يقع في شارع السادات مقابل خيمة اعتصام جوج عبدالله اليوم . كانت الوفود الاستعمارية تتعثر بذاك المبنى، في كل مرة تجوب فيها مسافة الهضبة بين صرحي الإمبريالية الأولين : الجامعة الامريكية في بيروت أسفل التل والجامعة اللبنانية الأمريكية أعلاه. كان هذا المبنى الذي عكّر صفو الإطباق الجغرافي ذاك، يسمى بمركز الأبحاث الفلسطيني الذي أسسته الثورة الفلسطينية بأيدي عمال ومزارعي صفد وعكا وطبريا ودرعا وصيدا وصور... كان المركزُ صرح الإنتاج المعرفي الأول، الذي جعل لمفهوم الممارسة (praxis) حجارة وقبوا للطباعة وملجأ للمنفيين، فكان العامل والمقاتل عند الصفوف الأمامية يصعد إلى الطابق الثالث، حيث يكتب عن نضالاته وخواطره بصيغ نثرية حينًا وبحثيةٍ حينا آخر. في بيروت شاهدٌ لتلك الباحثة التي اغتيلت عند الثامنة صباحًا على باب المركز، إثر انفجار قنبلة كانت قد زُرعت بأيادي ميليشيات اليمين الانعزالي في ليل تشريني عام 1983.  اغتيلت ونستها شوارع رأس بيروت ولم يبقى لها سوى محمد يحفظ لها ذكراها.

في تلك البقعة من بيروت دُفنت الأممية بصيغة شواهد ثلاث لأبطال عملية اللد عام1972، الذين حُكم عليهم بالإرهاب في بلدهم الآسيويّ باسم قضائهم الياباني البرجوازي، هو نفسه ذاك النظام الذي لم يترك طالبا يابانيًا انتفض لشدة القمع في بلاده، إلا وأرداه جثة بين بنادق العَسّ ودبابات الجيش الوطني الباطش. وبقي محمد يلعب بين جرارالماء ويسمع للنشطاء شهادات من بقي من رفاق السّلاح.

في تلك البقعة من بيروت شاهدٌ لأولى حروب الإبادة الطبقية المنظمة عام 1976– معركة تل الزعتر، حيث توحدت صفوف اليد العاملة السورية السودانية الفلسطينية الأردنية اللبنانية في مخيم الثورة الفلسطينية، وحين بدأت رائحة زعتر وحدتهم التنظيمية تمتدّ، هلعت جيوش أنظمة البعث السورية - اللبنانية الى محو معالم الجمع المتمرّد على قواعد الصمت، فاغتيل المخيم. ووقف محمد تحت ظل الشجر أمام النصب يشهد إحياء الذكرى.

في تلك البقعة من بيروت شاهد لروائي طهى من بارود البنادق في عز ساعة الاشتباك حبرًا، يخطّ فيه قصصًا عن وجدان كل من كُبلت يداه بين بساطير جُند الاستعمار وجند الأنظمة العربية. في بيروت شاهدٌ لكل من أعلن الحرب باسم حبّ مضنى على أشباح الفاشية. في بيروت شواهد لآثار ثورة استعرت احشاءها عام 1971 بالأقلام والبنادق وأغاني الليالي ولغات الدنيا. ولكن الشواهد ازدحمت لكثرتها ولم تستقبلها الدولة الشيحاوية[1] على كامل أرضها، التي ضاقت بالبنوك والسجون ومكاتب التعذيب ودور العبادة الموصدة، ومعابر استيراد السلاح والفاكهة والأفيون. ضاقت أرض بيروت على ثورتها بعد المعركة الأخيرة، فاستقرت كُلها في بقعة أرضٍ منسيةٍ تُسمى بمقبرة شهداء الثورة. وكان بيت مُحمد داخل أسوار المقبرة.

لم تبدأ الثورة اللبنانية في تشريننا المعاصر هذا، بدأت مع صرخة أول لاجئ عام (1947)، وافتتاحية أوائل مصارف الجغرافيا اللبنانية (1870). ومذاك الحين لم تفارق جيوش الأنظمة الرأسمالية المتعاقبة عقيدة الإحلال، وهي عقيدة عسكرية تقضي بالإجهاز على كل من لا يرضخ لشريعة النسيان.

وُلد محمد بعد أكثر من 6 عقود على حكم المصرف في لبنان، وبعد 4 عقود على إعدام الثورة الفلسطينية اللبنانية، لكن ذَنبه أنه وُلد بين الشواهد، فكان شاهدًا على شذرات الخلود التي تحملها القصص، فأمسى جسده صيرورةً لذاك التاريخ .

في العاشرة من ليل 29 حزيران، وقع محمد جريحًا أمام بوابة تلك المقبرة. في العاشرة من مساءٍ بيروتيّ متوتر، اغتيلت طفولة ابن حارس مقبرة الشهداء. في العاشرة والنصف ابعدت سيارة الإسعاف عن المقبرة قاهر نسيانها، ومُسامْرها الأخير.

اغتيلت طفولة شاهد الشواهد، اُقفلت بوابة القصص، وضحك الشيحاويون* بين زجاج النبيذ الفاحش لحظةً، متشبثين بوهم البقاء.

أمّا نحن، الساهرون أمام أحرف الخبر، الحائمون حول شموع انقطاع الكهرباء نقول:

إسمع أيها الجندي المرقّط بالتبعية المستلبة، إسمع أيها المودع الصغير الخائف على الحُلم الأمريكي الذي تسعى عبثًا أن يخط مسار أيامك، إسمع أيها الصحفي الغارق في تراكيب الجمل عند الفجر قبل النشرة الصباحية في فانات العمال المتعبين، إسمعي أيتها الريح التي تنسى عمدًا مداعبة رايتنا الحمراء، التي رُميت في قبو بين بيوت رأس النبع وحديقة الصنائع. اسمعوا عن قصّة موتكم المُعلنة قُبيلَ قدومها وتمعنوا في ذلك الصمت الذي حام حول جريحكم الأخير. فليسمع كُل من هرب من فاجعة الخبر وكُل من سارع إلى تجاهل الواقعة. فليسمع كل "لبناني" و"فلسطيني" يتمول بالقومية وبشقاء الموت...

في مقبرة شهداء الثورة عند الدوار بين شارع مشروع الربيع وقصقص، مئات من الجثث تحضن بعضها لشدة الاكتظاظ. منذ أن شُيدت المقبرة، ما انفكت تكتنف شهداء الثورة التحررية منذ 1965 – 1970، التي كانت تُنظم نفسها ضد الصهيونية والفاشية في النُظُم العربية. تحضن الجثث بعضها تحت الأرض، وبين الأغصان وخشب أعلام الثورة، فيغسلها مُحمد وعائلته شاهدًا شاهدًا لكي يبقى للإسم زائرٌ أو اثنين، واحدُ باكيًا والآخر تائها يقع  على الإسم صدفة، فيكتشف تشابهًا في الأنساب وربما ثغرةً في سردية خُطًت في الكتب، فيبتسم دون أن يشكر مُحمد. في المقبرة يكنس مُحمد وعائلته آثار حركية الزمن التي تقع على الشواهد وبين تصدّعاتها، ورقة ورقة ونثرة خشبٍ تلو نثرة. يُنظّف أبو مُحمد حديد بوابتها وسجاد المداخل، ويُبخرها ويروي عطش ورود الباحثين عن التاريخ بين ألسنة الشمس التي تغمرها. تصعد رائحة الزعتر من بيت حارس المقبرة، من لفافة خُبز مُحمد واخوته ومن يدي والدته، لتُنسي الشهداء نسيانهم في تلك المقبرة المُعَسكَرة.

لقد وضع النظام اللبناني عام 2010 عند المنعطف المؤدي إلى باب المقبرة فيلقا من الجُند، ليتأكد من أن زائر المخيم سيشعُر بالغربة عن المدينة، وأن المدينة ستُغرّبُ عن ضوضاء المخيم. وُضع الجُندُ المُدججين مع قُمرة مراقبةٍ وحواجز حديدية وسواتر طُليت بألوان ذاك العلم الذي رسمه تلاميذ الإستعمار الفرنسي. ووقف العساكر ليل نهار أمام باب المقبرة، وكأنهم جُندُ روما حائمين حول سراديبها. وكأنهم يُحاصرون أشباح الثورةِ خوفًا من مُعجزةٍ تَبعثُ في القبور المُحيّا وتفتكُ ببنادقهم المستوردة. يقفون ويتفحصون كُلَّ مارٍ والبارحة أطلق الجُندُ الرّصاص، فوقع لاجئ فلسطينيّ آخر في بيروتَ جريحًا.

 مُحمد لاجئ، أبو مُحمد عامل، أخو مُحمد عاطل عن العمل، وأم مُحمد ربة منزل تعيد انتاج الظرف الذي يسمح لكل منهم بالصمود رُغمًا عن الاستغلال. اللاجئون حالهم حالُ المهاجرين، إنهم خزانُ اليد العاملة الذي يحتاجه النظام اللبناني للحفاظ على سطوته. فبالقانون وبالعنصرية تُفرَّقُ اليد العاملة على أساس الهوية القومية، ويُستخدم المهاجر واللاجئ رأس حربة لخطاب محاربة الإرهاب، الذي يدفع تجاه ازاحة ازمة اليد العاملة بتحويلها الى أزمة أقليات وديموغرافيات. إن الكيانية اللبنانية تقتات على النسيان في فاجعة مُحمد، وعلى اللامرئية في حياته. لكن ليس في وسع الدولة اللبنانية احتمال من يحمل قصص الثورات التي سبقت. لا تستطيع احتمال مُحمد، لأنه سيهمس لكل من سيزور المقبرة بالحقيقة، وهي أن أبا سفيان  كان قد كذب حين قال إنَّ الحرب سجال. ليست سجالًا بل صراعٌ بين نقيضين نحو السردية الحاسمة، إنها الفعل التالذيي يُعلن عداءه لتراكيب التاريخ البرجوازي ولشروطه القائمة.

فكيف وأنت ما أنت عليه يا مُحمد، كيف لم تتوقع أن تقصدك الرصاصة؟ إن الجندي الذي أطلق النار يا مُحمد، اطلقها دفاعًا عن تاريخ صعود مجامع الصناعة العسكرية (1920)، وعن بنوك المال الاستعمارية في منطقتنا. أطلق الجنديُّ النار لأنه يمثل التاريخ ، والتاريخ هو مسار الأحداث التي تقف أمامك بساستها ومصرفييها وتجارها وتشاؤمها البرجوازي، لتحمي ما خطّوه لك من معاني للأوطان، معانٍ انعزالية هُندست لِتَلفظك وتلفظ ذكراك وخطاط شاهدك وإخوتك دفعة واحدة. كُنتَ تعرف كل ذلك يا مُحمد، فماذا تفعل أمام باب بيتك عند صفر الزمن اللبناني؟  إنك وبوقوفك أمام بيوت الذاكرة، تُعكّر تصور ميشيل شيحا وسعيد عقل وبشير الجميل ورفيق الحريري وكريم مروة وقتلة مهدي عامل وكل جامعات الإمبريالية ومبشريها وحوزاتها، تُعكّر تصورهم لفلسفة "الوجود اللبناني".  إنك تُهدد أمن الأوطان يا مُحمد.

مُحمد قصدته الرصاصة لأنه أعلن الحرب ضدّ تاريخ النسيان – تاريخ الرأسمالية الإحلالية. مُحمد أُصيب على باب بيته لأنه كان حيث كانت الثورة. وأين نحن من اغتيال طفولة مُحمد؟ من اغتيال سكينة حارس مقبرة الشهداء قبل ولادته؟ وكيف لا تكون مأساة مُحمد مأساةً جماعية؟

كُلُّ هُتافات الأرض لن تُمزق الصمت الذي حام حول وداعك. لكننا سنثأر لموتك وستُحرق مؤللات قاتليك، سنثأر للجوئك وستُمزّق اتفاقيات أوسلو والطائف ومذكرات ميشيل شيحا، سنثأر لباب بيتك وملح عيون أمك، وسنهدم أسوار المُخيم، وسنصقل حديد حواجزهم الى ان تصير أراجيح تُزرع مكان بيوت التنك، أو حبال قيثارة بين أنامل من سيأتي بعدنا، وسنثأر للقصة التي لم تسمعها بعد عن تاريخ جغرافيا الاستعمار، وصروح الامبريالية الثقافية في قصص كنفاني الذي لعبتَ حول شاهده، ودليتنا عليه، وسندحر لك من يحاصر غزّة ومن يحكمها. وبأيدي العمال من كل الجنسيات وبوحدتهم سنحطّم قلب هذا النظام الذي حكم على سكينة جسدك بالإعدام.

إن الطفل الفلسطيني الذي عكرتم مسيرة جسده أمام عتبات بيته، سيحيا وسيبقى الشاهدَ على إجرامكم، هو الذي ترعرع بين قصص الثورات التي مضت، هو الذي سيبقى يُذكّرنا بالوحشية التي تتلازم وبنادقكم وسيحيا، أمّا في لحطة جرحه كان محمد فقط يُسامر شهداء طرابلس الأبية وعمال لبنان النائمين على عتبات سفاراتهم، ويعدهم بأنكم هالكون لا محالة يا جُندَ أنظمة العار البرجوازي.

[1] نعت مُستقى من اسم ميشيل شيحا، من كُتّاب الدستور اللبناني وأول الداعين والمُدافعين عن المذهب الليبرالي وحُكم المصارف في لبنان، مواليد 1891، توفي 1954

موازنة الجامعة اللبنانية.. رهينة لسياسات ربابينها!

الدولة هي شخصيّة معنويّة مُجرَّدة، تهدف لتلبية الإحتياجات المختلفة للأفراد. تنشئ هذه الدولة لأنَّ الفرد ضعيفٌ بمفرده ممّا يجعل الإئتلاف ضرورة، ويبلغ هذا الإئتلاف  غاياته عندما يشعر المواطن بالإنتماء لا بالحِصار من قِبَل سُلطة مُنحازة لفئة أو طبقة أو حاشية معيّنة. لذلك، يسقط مصطلح "الدولة" هنا، نتيجةً لغياب دور السُلطة اليوم عن تلبية احتياجات الأفراد المختلفة الإقتصادية منها والتعليميّة في ظل واقع معقّد يوحي بإنفجار قريب سنشهد أبرز "سيناريوهاته" في الجامعة الوطنيّة حيث يغيب التخطيط عن طاولات حوار أربابها.

 

لا يُخفى على أحد أنّ وضع الجامعة اللبنانيّة بطلّابها وأساتذتها بات على المحك لِما يتحمّله هؤلاء من تراكم لأزمات سابقة، يُضاف إليها اليوم أزمات جديدة ما هي إلّا انعكاس لِوضع البلد ككُل. فبعد أزمة التعليم عن بُعد وتقديم الإمتحانات ميدانيّاً، تُشرف الجامعة اللبنانية على خوض مرحلة جديدة مليئة بالعقبات تبدأ مع ازدياد أعداد الطلاب في مطلع العام المُقبل. تضمُّ الجامعة اللبنانيّة سنويّاً حوالي الثمانين ألف طالب يتوزّعون على فروعها كافة، يُضاف إليهم هذا العام عدد إضافي نتيجة توزيع الإفادات على طلّاب الثانوية العامة مما يعني ارتفاع نسب النجاح من معدّل تقريبي لكل الفروع وهو ٨٠٪ الى ١٠٠٪ مقارنةً بالعام السابق. إنّ أغلب هؤلاء الطلاب سيتجه نحو الجامعة اللبنانية نتيجةً للأزمة الإقتصادية الحالية في البلد، كما أنّ الأعداد الإضافية ستتمركز في الكليات التي لا تشهد امتحانات دخول ولا تقبل أعداد محددة. هذه الكليات التي تعاني أساساً من التُخمة، إذ نجد أنّ القاعة الواحدة في كلية العلوم- الفرع الأول (حدت) تضم حوالي الأربعمائة طالب، يجلس بعضهم على مقاعد جانبية حيناً أو يفترش أرض القاعة وأدراجها أحياناً. فأين خطة المسؤولين لحماية حق هؤلاء في الحصول على مقعد ثابت؟

من جهة ثانية سنشهد نزوحاً نحو الجامعة اللبنانية من الجامعات الخاصة بعد دولرة الأقساط فيها وربطها بسعر الصرف، كما سنشهد عودة عدد كبير من الطلاب المغتربين للأسباب السابقة نفسها، نضيف إليها أزمة التحويلات المالية للمغتربين.

إنّ ارتفاع عدد الطلاب يوازيه ارتفاع الحاجة للأساتذة و مراكز التعلّم بمتطلّباتها، في حين أنّ ميزانيّة الجامعة اللبنانية عاجزة عن تغطية هذه التكاليف، إذ ليس بغريب أنّ هذه الميزانية في تناقص مستمر بسبب تهميش السلطة للجامعة واقتطاعها الدائم من ميزانيتها، لتأتي أزمة العملة الوطنية اليوم وتقضي على قيمة هذه الميزانية، في حين أنّ أغلب إحتياجات الجامعة مرتبطة بسعر الدولار.

إنّ هذه الميزانية تنقسم إلى شقّين، الأول يغطي الرواتب والأجور والثاني يُعنى بتأمين المتطلبات من معدّات، أثاث ومازوت وغيره.عن أي شق تتوقّع السُلطة أن نتخلّى لكي نستمر؟

إنّ أسوء ما في سيناريوهات العام المُقبل هو انفصال ربابين الجامعة عن واقع طلابها واساتذتها، إذ أنّ في ظل حُكم الone man show، لا يوجد مَن هو مَعني بدراسة الجوانب الإقتصادية والأكاديميّة والنفسية لهؤلاء، وكأننا غير مقبلين على أزمة تتبلور بعجز الطالب عن تأمين رسوم تسجيله أو تنقّله بعد هذه الصعوبات المادية المتزايدة. عليه، لا بُدَّ من التشديد على ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات فعلية على الأرض بعيداً عن"بروباغندا" الإعلام الشهيرة، وتتمثّل برفع موازنة الجامعة اللبنانية، البت بملف التفرّغ، دعم مجانية التعليم بشكل رسمي بعيداً عن صناديق العلاقات الزبائنيّة والمحسوبيات، إيجاد اختصاصات جامعية تستوعب كافة الطلاب المقدمين على الجامعة وقيام توازن بين هذه الاختصاصات وسوق العمل كي لا نرفع من نسبة بطالة المتعلّمين، وأخيراً توظيف خبرات واختصاصات الجامعة اللبنانية في المؤسسات الوطنية بدلاً من التعاقد مع الشركات الأجنبية.

 

 

بعد العودة الى تاريخ قيام الجامعة اللبنانيّة، نُدرك أنّ بداية الحل تكمن بتوحّد الحركات الطلّابيّة ما بين قديم ووافد، في ظل حُكم سلطة لطالما رجّحت كفّة القطاع الخاص على القطاع العام لما يحمله الأول من منفعة مادية وزبائنيّة وإيديولوجيّة عليها. لذا، إنّ بقاء الجامعة اللبنانية هو مسؤوليتنا نحن، عسكر هذه الجامعة المواجه لمن يحاول اسقاطها.

من المعاني الأساسية للسرد كما جاء في لسان العرب لابن المنظور هو التتابع بالحديث، الا أن السرد كان موضوعا للنظريات الأدبية التي أنتجت مع ميخائيل باختين وفلادمير بوب ثم الفرنسي تزفيتان تودوروف مفهوم علم السرد أو "السرديات" وهو علم يعنى من ناحية بالخطاب السردي أسلوبا وبناء ودلالة ومن ناحية  ثانية بكيفية تأثير هذا الأخير على ادراكنا للعالم. لم يقتصر استخدام هذا المفهوم في الأدب بل استخدم في علم التاريخ وعلم الاجتماع وحتى في علم النفس.

تعد السرديات التاريخية والحدثية احدى المتلازمات الأساسية للهيمنة والتلاعب بالوعي وتشويهه. غالبا تكون وسائل الاعلام الاداة الأبرز لفرض هذه السرديات. بمعنى اخر ان الواقع يصبح سردية تحمله هذه الوسائل ومثقفيها، وهذه السردية نفسها  ليست بالضرورة واقعية، أي لا تعكس حقيقة واقعية بل هي جزء من منظومة هيمنة طبقية وامبريالية.

 

 

 خرافة الجيش الذي لا يقهر

عقب حرب تموز مباشرة ابدى رئيس جهاز الموساد "مئير ديغان" ورئيس جهاز الشين بيت "يوفال ديسكين" في اجتماع مع رئيس وزراء الكيان أولمرت ملاحظات واضحة فحواها "أن الحرب كانت كارثة وأن اسرائيل تلقت ضربة قاصمة".

قد تكون حرب تموز هي من أكثر الحروب التي أذلت العدو وحطمت سردياته عن قوة جيشه وجبروته. وتأثيراتها لا يمكن أبدا أن تتوقف عند هذا الانهزام العسكري، وذلك لان جزءا أساسيا من وظيفة الكيان الصهيوني هو الحرب والأمن الامبريالي وهذه الهزيمة ضربت جوهر هذه الوظيفة.

في ليلة 12 تموز اعتقد "دان حالتوس" رئيس أركان الجيش الاسرائيلي انه انتصر في الحرب بعد أن دمر ال54 منصة اطلاق صواريخ "زلزال" التابعة لحزب الله. الا أن الواقع أثبت العكس كليا فشمال الكيان لم يسلم من صواريخ المقاومة.

 

 

 

 

 

هناك وهم تاريخي تقع به أغلب الدول الامبريالية في مواجهتها حركات المقاومة، وهو الاعتقاد بأن الأسلحة المتطورة والطائرات بوسعها تدمير هذه الحركات والقضاء على وعيها المقاوم. وهذا الوهم وقعت به الولايات المتحدة مثلا في فيتنام وفرنسا في الجزائر والكيان الصهيوني(بصفته مخفرا لهذه الامبريالية) في لبنان. فكل هذا الحفل من الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الذي انتظر العالم لكي يراه يستخدم في لبنان فشل منذ النهار الأول للحرب.  

 

عن الحياد وأزلامه

 

عند الكلام عن حرب تموز والعدو الصهيوني يعود دائما خطاب الحياد معطوفا على خطاب السلام الذي عبرعنه علي القادري بتوصيف دقيق في مقابلته مع مجلة الاداب حين قال أن "السلام كلمةٌ غريبةٌ عن السياق التاريخيّ للرأسماليّة". تدفع بعض وسائل الاعلام الى شيطنة كل مقاومة ضد الكيان الصهيوني تحت حجة الحياد وحماية البنى التحتية والخوف من ضرب السياحة والخدمات...

من الخطأ اختصار موقف الحياد بالوهم السياسي الذي يحمله بعض المثقفين والأحزاب السياسية، فمسألة الحياد أعمق من ذلك بأشواط .اجمالا موقف الحياد بصيغته هذه هو ملازم للبنان الكبير التي أرسته القوى الاستعمارية الأوروبية، بصيغة أدق هو ملازم لهذه البرجوازية الكولونيالية التي هي وليدة الاستعمار. احدى أهداف الاستعمار الأساسية في القرن التاسع عشر كانت تدميرالفضاء الاقتصادي الذي كان قائما قبل هذا القرن في المنطقة والذي كان في طريق تطوره، مع هذا التدمير ولدت نواة لبرجوازية كولونيالية في رحم بنية تتميز كلها بالتبعية. اجمالا موقف الحياد ملازم كخطاب أيديولوجي لهذه الهيمنة الطبقية البورجوازية في جوهرها التابعة للغرب، فمصالحها تفرض عليها أن تشيطن المحيط الجغرافي بل وأن تشيطن الحلول التي هي  من خارج فضاء الغرب، وما ردة الفعل على العروض الصينية الا تأكيدا على هذه النقطة. لذلك تم خلق سردية تاريخية تؤمن مصالح هذه البرجوازية التبعية، عبر تسلسل تاريخي وهمي، عبره تعلن أصالتها و"مشروعيتها" التاريخية. تأسست السردية على فكرة تميز لبنان الكبيرعبر العصور وعلى فرادته وطبيعة اقتصاده الخدماتي. والسردية نفسها تحاول الأجهزة الأيديولوجية فرضها كمسلمة عامة.

 

 

 

 

 

 

 

في خلق سردية بديلة

 

جزء من فشل الهيمنة الكاملة لسردية مثل سردية "لبنان الكبير" ولسرديات العدو الصهيوني هو وجود مقاومة لهذه السرديات، وللمفارقة كل مقاومة لواحدة منها هي حكما مقاومة للثانية، جزء من ذلك يرتبط في أن للسرديتين مصدر واحد هي الامبريالية.

لذلك تفرض الضرورة أمام كل القوى التي تحارب الامبريالية وتحارب نظامها التبعي أن تفرض سردية بديلة، وحكما هذه السردية ان قامت بالترفع عن الصراع الطبقي وغيبته تصبح محدودة في اطار يجعل منها وبجزء أساسي وليدة مفاهيم عاجزة عن مقاومة الامبريالية، فكل مفهوم مقاوم للامبريالية يجب أن يكون حكما مقاوما للرأسمالية. واحدة من الاشكاليات الأساسية للأحزاب الشيوعية بعد سقوط المنظومة الاشتراكية عجزها عن خلق سرديات بديلة والتي في صلبها البرنامج الشامل الذي يطال المرحلة.

في الأزمات يكون الوعي حكما مفتوحا على سرديات جذرية أي حقيقية، ذلك الوعي الذي في الوضع الطبيعي لسيطرة البرجوازية يكون واهما بطبيعية الحياة، والمثل الأبرز هو رؤية الناس للقطاع المصرفي اللبناني قبل وبعد الأزمة. هناك هيكل سردية-وهم انهار كله في ظرف فترة قصيرة وهذا يطال كل المسلمات الذي بني عليها النموذج اللبناني وخصيصا نموذج النيوليبرالية بعد الحرب. جزء من مسلمات هذا النموذج كانت تقوم على أن الشرق غير موجود أبدا وأن "العصر الأمريكي" لن ينهار مطلقا.

لعل العمل السياسي في هذه المرحلة يكثف اشواطا من العمل التراكمي، اذا خيض من قبل قوى التغيير الجذري بالطريقة الصحيحة، بمعنى اخر اذا خيض كصراع سياسي تتكثف به كل مستويات الصراع الطبقي.

في مرحلة كهذه التي نمر بها عالميا ميزتها انهيار مسلمات أربع مئة عام مترافقا مع انهيار للعقل الفردي، ليس هناك أكثر عقلانية من التشبث بالماركسية وبأفكار التغيير

هي ليست المرّة الاولى الّتي يتّحد بها الشعب لمواجهة ازمةٍ او كارثةٍ محدقة و ليس الامر بعجيبٍ ايضاً بل يأتي في سياقٍ طبيعيٍّ طلقائيّ، فعلى مكوّنات المجتمع ان تحرص على سلامة هذا الاخير و استمراريّته ضمانةً لمستقبل كلّ واحد منها. امّا في ظلّ سلطة الاوليغارشيا و النظام الرأسماليّ يتوزّع ثقل الازمة و الثروة بشكلٍ نسبيٍّ متعاكس على طبقات المجتمع لا بل انّ طبقة ال 1% اي طبقة الاوليغارشيا لا تتحمّل عبىء الازمات بل تخلقها و هي المستفيدة لا بل الضامنة لهذا النظام الذي يسلّع حياة الانسان.

قد بان جليّاً في لبنان انّ هذا النظام لا يأبه لمصيرنا بل يعتبرنا نحن ال 99% (و كلّ ما نرتكز عليه من مؤسّسات و موارد) انّنا مادةٌ تصرف اوراقاً و ارقام. فمنذ لحظة الانفجار لم يكن للدولة ايّ وجودٍ فعليٍّ على الارض و ان التقطت العدسات بعض "الشخلعات"، بل ترك المصاب لينقل الميت. و اين الغرابة ؟ فالسلطة التي تحرم المواطن من الطبابة و التعليم المجانيّ اللّائق و ضمان الشيخوخة... لن تأبه للجراح التي تنزف دماً و دمعاً و لن تسارع الى ترميم المنازل فهي الاخبر بتهديمها و رفع الابراج البرجوازيّة مكانها... هي الاخبر باستبدال الحياة بالموت.

"عملنا السياسيّ هو العمل الانسانيّ الاهم" بهذه الكلمات تعبّر عضو اتّحاد الشباب الديمقراطيّ اللّبنانيّ و المتطوّعة في قسم الصمود الشعبيّ عن جذريّة ذلك الاخير في مواجهة السلطة و انّ صراعنا ضدّها هو قائم في كلّ زمانٍ و مكان. انّ رفع الانقاض و ترميم المنازل لتعود صالحة للسكن هو عملٌ نضاليٌّ صرف اذ يحافظ على ما تملكه الفئات الشعبيّة من امكاناتٍ للمواجهة و من ذاكرةٍ ماديّة تمتدّ عميقاً في صلب البنية الاجتماعية و ترسّخ هوية المدينة الحقيقيّة.

و كما ننطلق من النظريّة الثوريّة باتّجاه العمل على اقامة البديل و دولة العدالة الاجتماعيّة فلا بدّ لنا ان نقيم اولّاً مجتمعاً جديداً يرتكز على اسس جديدةٍ كذلك اي علينا ان نثبّت عقداً اجتماعياً يضمن وحدة الطبقة اذ لا يمكن الشروع في صراعٍ طبقيٍّ ببنية اجتماعيّة مشقّقة عاموديّاً تتناحر اقسامها افقيّاً. انّ على ذلك العقد ان يخلو من رواسب الرجعيّة اي من الطائفيّة و العنصريّة و الفاشيّة بل ان يحقّق مراتب الانسانيّة التقدميّة. و للرّفاق الف تحيّة ! هؤلاء من هجروا منازلهم طوعاً من اجل من جبروا على ذلك فكان الرّكام و الحاجة للمساعدة معياراهم الوحيدان لاختيار المنازل دون اي اعتبارٍ آخر، و لمن شارف امله بالتغيير و التقدم على الاندثار فليمسك رفشاً و ليستقي من همّة الشباب و اندفاعهم ما يكفيه للاستمرار فبجعبتهم الكثير اذ انّهم مدفوعون بالسيرورة الثوريّة... انّهم مدفوعون بالحقيقة الازليّة.

 

بيروت تُلملم أشلاءها و تنتفض ...

 

‏‎ليت عقارب الساعة تدور عكس القاعدة ، فتعيدنا بالزمن قليلاً، تعيدنا لبيروت ما قبل ٤ آب ٢٠٢٠ ، اليوم المشؤوم .

‏‎ الساعة السادسة و سبع دقائق بتوقيت بيروت ، حريقٌ كبيرٌ يندلع في مرفأ المدينة ، في العنير رقم ١٢ ، رجالُ الإطفاء يحاولون السيطرة على الحريق ، لكنّ النيران ابتلعتهم و انفجر عنبر الموت .

‏‎ في لحظاتٍ قليلةٍ تحوّل كلّ شيء لحطام. تسارعت نبضات قلوبنا ، و إلتزمت قلوب آخرين الصمت الأبديّ . أشلاءٌ تطايرت هنا و هناك ، بعضها قُذف إلى البحر و بعضها الآخر ضاع تحت الركام .لم يبقى شيء من مدينة السلام . فالمنازل التي أوَت سكّانها لسنين طويلة خذلتهم في تلك اللحظات و سقطت على رؤوسهم . ملأ الدمار المدينة ، سالت دماء الشهداء و الجرحى على الأرصفة و في الشوارع ، و اكتست السماء رماداً معلنةً بيروت مدينةً منكوبةً . 

‏‎الساعة السادسة و النصف بتوقيت بيروت ، مئات الرسائل لا تصل لأصحابها ، و مئات الإتصالات تنفصل ، ما من إشارة ، ما من خبر يشفي غليل المنتظرين. لحظات ذعر عاشتها الأمّهات بانتظار ابنائها ، قلوبٌ خائفة و منكسرة ترتجف و ما من خبر عن الأحباب . آباءٌ يركضون أمام المستشفيات بحثاً عن أولادهم ، و عيونهم تحترق بالدموع . صرخات أطفال تبحث عن مستغيث ، عن أمٍ و أبٍ رحلوا متأثرين بجراحهم .

‏‎هكذا مضت أوّل ليلة من انفجار مرفأ بيروت ، وجوهٌ كساها الحزن ، عيون تنتظر بأمل عودة حبيبٍ و قريبٍ ، بيوتٌ تحوّلت لركامٍ و حطام ٍ.

‏‎كلّ دول العالم تستورد عبر مرافئها مقوّمات الحياة ، إلاّ دولتنا ، استوردت لنا الموت ، و زرعت بين بيوتنا و شوارعنا قنبلة موقوتة ، ٢٧٥٠ طنّاً من نيترات الأمونيوم . هذه هي دولة الفساد و المحسوبيّات ، هكذا تُذهق الأرواح في بلادي ، هكذا ينتهي مشوار شعب ليس له سوى عرق جيبنٌ يعتاشُ منه .

‏‎و مرّت ساعات الليلة الأولى من انفجار المرفأ ، كقطار يدهس جسماً مرهقاً مرميّاً على سكتّه الحديديّة . بذغت شمس بيروت من جديد ، لكنّها أضحت إشراقةً منكسرة الخاطر ، تتألم بصمتٍ مع مشهد الدمّار ، مع صرخات الفراق ، مع دموع الناجين . أشرقت الشمس و رغم الألم الكبير انتصرت إرادة الحياة ككل مرّة ، فبيروت قاومت الإجتياح الإسرائلي و انتصرت فانسحب الأخير مردداً "يا أهالي بيروت لا تطلقوا الرصاص نحن منسحبون" ، بيروتُ الإنطلاقة و بيروتُ المقاومة لا تنكسر . فالأرضُ التي ارتوت بدماء شهدائها الأبطال قامت من تحت الردم و ثارت لأجل أهلها و شهدائها و جرحاها و مفقوديها ، ثارت لأجل الوجوه التي لم ترى النوم و لا الراحة و الهناء .

‏‎لبّى الشعب العظيم نداء الإنسانية ، نداء الوطن المجروح ، حملوا مكانسهم و جمعوا بها أشلاء بيروت و جراحها ، لملموا القلوب المكسورة محاولين ترميمها .قدموا من جميع المناطق و من مختلف الأعمار لأجل بيروت و لأجل الإنسان . في الأمس اجتمعوا في شوارع بيروت و انتفضوا سويّاً  في شارع الحمرا و شارع المصارف و في مار الياس و رياض الصلح ، انتفضوا ضدّ عصابة المصارف و سلطة رأس المال مطالبين بدولة مدنيّة تتحق فيها العدالة الإجتماعيّة .و اليوم ها هم يعودون للشوارع نفسها ، يزيلون عنها الغبار ، لتكون غداً انطلاقة لمسيرة شعبيّة تتطالب برغيف الخبز .

‏‎نظّفوا الشوارع ، و علّقوا مشانق الأسى في ساحات الإنتفاضة . كانت المشانق فارغة لكن غداً سيعلّق عليها كل من كان سبباً في هذا الألم. 

١٧٧ قتيلًا، اكثر من ٦٠٠٠ جريح و ٢٠ مفقود حتى الساعة. 

‏‎رحل كلّ شيء . رحلت ملامحهم البريئة تلك ، لمعة عيونهم ، وجوههم الضاحكة . 

‏‎لم يبقى سوى صورٌ قليلة و ذكريات تسكب الملح على الجرح .

‏‎اذكروا اسمائهم و تذكروا ملامحهم .

‏‎لأجلهم و لأجل مدينتا سننتقم من سلطة المال و الفساد و المحسوبيات فالوطن لا تبنيه السلطة كهذه بل تلك السواعد التي اندثرت غبارًا تحت الركام الاصم. لاجلها ولاجل الدموع التي لم تجف، لاجلها ولاجل الاحزان الدامغة في القلوب، سننتقم.

 

من أين نبدأ بالشرح عن اتحاد الشباب الديمقراطي! عن منظّمة تشكّل منصّة آمنة للنضال والتطوّر الشخصي والجماعي. في البداية المنظمة الجذّابة لفتتني كشاب في بداية شبابه عبر أحد المخيمات منذ تسعة سنوات. في هذا المخيّم، اذكر انّي كوّنتُ عدداً كبيراً  من الأصدقاء أو لاحقاً الرفاق...منذ تلك المشاركة وبدأت المسؤولية الشغوفة للعمل الشبابي في منظّمة تُفسح مجالاً للمبادرة الفردية وتدمجها بالعمل الجماعي المنسجم. يتوسّع أفقنا سريعاً لنصبح مهتمّين بالشأن العام، بكل قضية في لبنان والعالم.. بإختصار تصبح يسارياً.

تكرّس هذه المنظمة قيم أخلاقية عالية لا مساومة فيها. تجعل من الشبان والشابات مناضلين متمرّسين بالنقاش المقترن إلتماس المباشر على الأرض. النقاش ثم النقاش هو أكثر ما يغنينا و يطورنا. الكثير من النقد الذاتي يدفع بمنظمتنا قدماً نحو  طليعة المنظمات الشبابية في مختلف المناطق اللبنانية.

 

في التطلّعات السياسية النضالية...

السياسة هي حياتنا، تؤثر عليها، ونراها الأساس في بناء مجتمع يضمن لنا الحقوق ولا يستمر بتهجيرنا واحباطنا. قد نعاني الكثير من الإحباط والتعب ولكن ماذا لو خضعنا واستسلمنا؟

اتحاد الشباب الديمقراط اللبناني يواجه الإحباط بالأمل، بالنضال اليومي في المدن والضواحي والقرى، في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة. ننطلق من مبادئ اساسية اننا منحازون لمن هم "تحت"، للمهمّشين والمتضررين من النظام اللبناني القاتل. هذا النظام العفن الذي ينحاز للأغنياء ليراكموا الثروات بينما يتركنا نراكم البؤس. هذه السلطة التابعة تعد الشباب للتصدير، تواجهنا بتهميش الجامعة اللبنانية بِسعيها  الممنهج لتغييب دورها التقدمي في بناء الثقافة الوطنية، باقتصاد ريعي لا ينتج فرص عمل، بنظام لا يؤمّن حد ادنى من حقوقنا(مواصلات عامة، اتصالات وسكن). اذاً مواجهته واجب لنبني مستقبل يليق بالشباب اللبناني وطموحاته وطبعاً حقوقه التي يناضل الاتحاد لإنتزاعها. في سياق متّصل، علّمتنا المنظّمة المقاومة، وغرست بنا قيمها ورسّخت حقنا بالدفاع عن أرضنا وحب فلسطين، وكان لنا شهداء في الجنوب والبقاع، وأبطال أحرار كسهى بشارة وانور ياسين نقتدي بهم ونفخر بالإنتماء لنفس المنظّمة وإيّاهم، والذي لاشك به، هو الإنحياز الكامل لإرادة الشعوب العربية وحقها بتقرير مصيرها.

في أفق التطوّر الى الأمام في كل ميدان...

ميدان السياسة يؤدّي دوما بمنظّمتنا نحو الشارع الى اسقاط النظام الطائفي، من حراك 2015 وصولاً الى انتفاضة 17 تشرين التي توّجت نضال تراكمي، كان للاتحاد محطات وجولات حملت قضايا الشباب ربطاً بضرورة تغيير النظام وبناء دولة العدالة الإجتماعية والعلمانية والمساواة.

يناضل الاتحاد منذ نشأته في سبيل تأسيس الجامعة اللبنانية وتطويرها، لم نوفّر وسيلة لتشكيل حركة طلابية وطنية تحمل شعارات الوطن بقضية راسخة الجامعة اللبنانية هي ليست للعمل الأكاديمي، انما ليكون التعلّم اداة لتطوير المجتمع وبناء ثقافة وطنية تسهم في تطوير الهوية الوطنية وتكافح لكسر التبعية الثقافية والسياسية والإقتصادية للغرب الرأسمالي.

أمّا كشّاف مساحة الاطفال على طريق التنشئة الوطنية، يغرث كشاف الاتحاد بالناشئة مفاهيم حب الوطن والبيئة. 

الصمود الشعبي ليس بجديد على منظمتنا فهي من الناس وللناس، الصمود الشعبي هو رد فعل طبيعي وسط هول الكوارث التي يعاني منها الشعب اللبناني من الحرب الأهلية وحرب تموز مروراً بحرائق الدامور حتى الكورونا واخيراً جريمة المرفأ، انّه قدر اللبنانيين أن يدفعوا  ثمن أعمال السلطة دماً ودماراً وحزناً.

 

ختاماً، ونحن على أبواب المؤتمر الوطني العام الثاني عشر، لا بد من تقدير ما تقدّمه هذه المنظمة لنا على المستوى الشخصي، وما تناضل من أجله في سبيل قيمة الإنسان الأساس ودولة العدالة الإجتماعية. هذه المساحة الديمقراطية والشباب النابض بالحب، بالعزم والارادة، سيحقق يوما ما يريد! ليس حلماً، انّما  هدفاً بوحدتنا التي ستتحقق ولو بعد حين.

جمول...كانت و لا تزال

هي جبهة المقاومة الوطنيّة اللّبنانيّة، جبهة الانسان الحقّ. يوم التحق الرّفاق بالجبهة الشعبيّة خارج ايّ قيدٍ طائفيٍّ كان او مناطقيّ لتلبية الواجب الانسانيّ صوناً للحريّة في وجه المشروع الصهيونيّ الغاصب و الامبرياليّة المولّدة له. و لم يكن التحاق التقدميّين الّا التزاماً بواجب التصدّي للرجعيّة و الاستعمار في الدّاخل و الخارج عبر كلّ الطرق الضروريّة و مهما كلّف الامر حفاظاً على الغد لا بل خلق آخر جديد.

هي ليست حدثاً نحييه في كل عام بل دفقاً خفّاق في فكر و عمل كلّ يساريٍّ عضويّ، هي الدّليل انّ المقاومة و التغيير لا يتمّان بإسقاطٍ بل بمدّ الشعب و دفعه الثوريّ المنطلق من صلب الواقع الماديّ. و انّ المقاومة ليست حيّزاً يُرتهن بل ردّة فعل المظلومين و المقموعين في كلّ اصقاع الارض و قضاياها للانسان اينما وجد.

لعلّ ما يميّز جمول انّها لم تكن ردة فعلٍ آنية تزول مع اندثار الخطر او انّه تم استحداثها من عدم بل كانت هناك حاجة لتنظيمٍ مسلّح يرّد الرّصاص بالرّصاص و كان الردّ وافياً لكنّ الاهمّ هو انّ من قام بها يخوض معركةً حتميّة جذريّةً في كلّ حين ضد الرأسماليّة و انظمتها مع الطبقات العاملة فالخندق و النقابة كلاهما تنظيمان ثوريّان ضروريّان لتحقيق العدالة الاجتماعيّة للفئات المهمّشة.

انّ التغيير مشروطٌ بتكامل النظريّ و العمليّ فجاءت جمول لتترجم جذريّاً هذا الشرط و لتبرهن لقوى التغيير كافة انّ لا مساومةً على المبادىء و الاهداف و لا انتقاصاً من اجل الديبلوماسيّة الرّاهنة و المسايسة. لتعود هذه القوى و تنصهر مع الشعب مستمدّةً الشرعيّة الوحيدة و لتنطلق كما في السادس عشر من ايلول باتّجاه التحرير الحقيقيّ و الكامل للارض و الانسان.

الى من حمل السلاح في الامس لنحمل القلم اليوم...الى القادة و المقاتلين، الى الشهداء و الجرحى، الى المحرّرين و الاسرى كلّ التحايا و مروج الورد !

 

 

عندم نتطرق الى أهم ما يتداوله الشاب اللبناني في أحاديثه خلال الفترة الأخيرة، سنلاحظ مدى ارتفاع طلب الشباب للهجرة والسفر.

كما ان هذه المطالب لم تقتصر على فئة الشباب فقط بل والعجوز اللبناني اصبح يفضل الإنتقال لعله يهنأ بموته.

بدايةً مع الجريمة المفجعة لمرفأ بيروت في ٤ آب وسلسلة الحرائق التي رافقتها، اي المنفس الأخير للبلد قبل الإنهيار التام، غرز في نفس كل لبناني سكين جعله اقرب لقرار الهجرة والهرب.

ما نعيشه اليوم كلاماً عن فايروس كورونا الذي بات اقرب لكل بيت ولا حل في المستنقع الذي نعيش فيه، فآلية العمل منذ البداية ادت الى البطالة اللامنطقية. اضافةً الى تدخلات خارجية جعلت قيمة الليرة اللبنانية ما بين السيئة والمعدومة. 

كلامنا هنا عن حال خريجين الجامعات عموماً والجامعة اللبنانية خصوصاً، خريجين حاملين شهادات عالية عاطلين عن العمل، طلاب جامعات حاليين الضباب في مستقبلهم مخيف، طلاب تخرجوا من ثانوياتهم بإفادات غير مجدية، عمال وموظفون طردوا من عملهم بسبب الأزمة الإقتصادية، جميعهم بمأزق واحد، يندرجون تحت عنوان عريض بحثاً عن الهجرة، 

اختلفت الأسباب والنتيجة خسارة ابناء وطننا بمختلف الفئات والأعمار. ومن تقاسموا الدولة هم المذنبون اللذين لازالوا بلباس الطهارة يخاطبون قطيعهم ويلومون الشعب بإنتفاضتهم الأخيرة. 

قد تبدوا قضية هجرة الشباب اللبناني قضية لا خطورة فيها، إلا اننا في مواجهة أزمة نخسر فيها شبابنا واطفالنا وأهلنا، فالهجرة الشرعية اليوم  قد تتطلب ما لا يوجد عند جميع الشباب، كحسابات مصرفية وشهادات عالية ما يدفع شبابنا إلى تبسيط هجرتهم بالتهريب عبر معابر غير شرعية، فيموت أطفالنا ويسجن شبابنا وتحرق قلوب أمهاتنا لفشل تلك الوسائل، فما بالنا في شباب فضلت الموت في سبيل الهجرة بدل الموت في سبيل الوطن

قالها جيفارا يوماً "إنّ الشّعب الذي لا يشعر بالحقد لا يمكنه أن يهزم عدواً همجيّاً".

و أعداؤنا اليوم كُثر ، نبدأ بالإمبريالية الأميركيّة و الكيان الصهيوني الإرهابي ، وصولاً إلى الداخل اللبناني حيث النظام الطائفي الراعي للأوليغارشيّة الحاكمة التّي تتمثّل بالمصارف ، حيتان المال و بما تبقّى من أجهزة الدولة اللبنانيّة و السلطات الثلاث التي استمدَّت شرعيّتها طوال ثلاثين سنة و أكثر من جهل الأكثريّة المطلقة من الشعب و انتمائهم الطائفي الهمجي للأحزاب الطائفيّة اللبنانيّة و ولائهم لزعيم الطائفة. 

واللافت في الموضوع أنّ جميعها إتحد من وراء الستار تحت عنوان موحّد ألا و هو إفقار المواطنين و قتل أحلام الشباب اللبناني ليبقى رهينة لها ، يتسكّع أمام عتباتها للحصول على رغيف خبز و البحث عن فرصة عمل . و قد اتّبعت سياسات ممنهجة تُغلق عن طريقها آفاق إمكانيّة تطوير المجتمع و العبور لوعي مجتمعي و وعي فكري للطّبقات العاملة التّي تُسنزفُ طاقاتها و عرق جبينها لصالح فئة قليلة تُسيطر على معظم ثروة البلد . و استمرّت هذه السياسات منذ تسعينيات القرن الماضي وصولاً إلى اليوم ، حيث كانت تَستمدّ استمراريّتها من عمر اللبنانييّن و من سعادتهم و أحلامهم ، إلا أنّ هذا النظام و هذه المنهجيّة بدأت تسقط تباعاً على مدار السنين الأخيرة ، إلى أن إشتدّت أزمتها  أواخر العام ٢٠١٩ ، مؤكدّةً أنّه ما من إستمراريّة لنموذج إقتصادي مماثل يهمّش الطّبقات الفقيرة و المؤسسات الرسميّة ليدعم القطاعات الخاصة و حيتان المال ، كي ينحصر في نهاية الأمر المال و السلطة داخل طبقة واحدة :" طبقة المصارف و حيتان المال و زعماء الطوائف " . و لازالت سلطة الإجرام هذه تقتلنا يوماً بعد يوم ، موتٌ ممنهجٌ بطيئٌ ، يقتلُ الأرواح و النفوس قبل الأجساد ، ليبقى اللبناني داخل متاهات القلق و الخوف من المستقبل المجهول نظراً لعدم إستقرار الواقع . و هذه السلطة نفسها فجّرت بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠ و قضت على ما تبقّى من أملٍ داخل قلوب اللبنانيين ، و دفنت الأحلام و الطموحات تحت ركام البيوت و دمار الإنفجار . مجرمةٌ هي و متاجرةٌ بدماء شعبها الذي سال على الأرصفة في ذلك اليوم المشؤوم و فاحت رائحته في شوارع و أحياء المدينة التي غدت مدينة منكوبة . و لا بدّ من الإشارة أنّ جميع أركان السّلطة كانوا على عِلم بوجود مواد خطيرة في المرفأ و لم يحرّكوا ساكناً . ما من غريب في الأمر فهذه السّلطة قتلت اللبنانيين منذ زمن عن طريق  أدوية السّرطان المنتهية الصلاحيّة ، أو عدم إستقبال المرضى في المستشفيات فيلفظوا أنفاسهم الأخيرة أمام أبوابها . هذا هو نموذج مشاريع الموت و الإفقار التي تعدّهُ السلطات هنا ، هكذا يقتل المواطن اللبناني ، بالسرطان ، بالرصاص الطائش ، بالإنتظار أمام المستشفيات ، أو ينتهي الأمر به الإنتحار نتيجة للضغوطات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التي ينتجها هذا النظام . 

هذه هي ثمار دولة المحاصصات و الفساد و المحسوبيّات ، المهلّلة للنظام الليبيرالي الحرّ الذي بدأ يقتل نفسه بنفسه اليوم أمام أعين المدافعين عنه : تضخمّ اقتصادي ، ؜ يترافق بإنهيار قيمة الليرة اللبنانيّة أمام الدولار الأميركي ، آلاف العاطلين عن العمل و أكثر من مليونين لبناني تحت خطّ الفقر .

شعبٌ مسلوبٌ من حقوقه ، يعمل و يشقى لساعات و ساعات ليعيش حياةً كريمة و يؤمّن أقل إحتياجاته في ظلّ غياب الدولة ، و رغم كل هذا لم يجرؤ سوى قلّة قلائل على رفع الصوت ضدّ هذا النظام و المطالبة بتغييره و بتحقيق عدالة إجتماعيّة .

١٧ تشرين ... ذكرى لن تمحوها أذهاننا ، ليلة ولد أمل جديد من رحم إرادةٍ شعبيّة لا تنكسر برَدمِ هذه المنظومة و تغييرها .

و اليوم تأتي الذكرى و يأتي تشرين محمّلاً بمشاعر تعصف غضباً و ألماً كبيرين في صدورنا ، ليأكدّ أنّه لا حلّ إلا بتغيير هذه المنظومة و تغيير النماذج الإقتصاديّة و السياسيّة المعتمدة منذ سنين .

١٧ تشرين الليلة الثوريّة الخالدة للأبد ، بداية جديدة لنضال شعبي على كلّ مساحة الوطن . انتفاضةٌ واحدة موحّدة من شمال لبنان إلى جنوبه ، ضدّ الظلم و القهر و نهج التّجويع المعتمد ، ضدّ سلطة الإكراه و الحقد الطائفي ، ضدّ المصارف و سياسات حجز أموال الطبقة العاملة و جنى عمرها . فكان عسكر حامي الأوليغارشيّة بالمرصاد ، قمعٌ و ضربٌ و قنابل مسيلة للدّموع و سلسلة من الإعتقالات كمحاولة من السلطة إلى وقف الغضب الشعبي و تهديد المواطنين خوفاً من أن تستمرّ الإحتجاجات و تشتد في الأيام المقبلة . الإ أنّ ليل ١٧ تشرين لم ينتهي ، لم تفرغ الطرقات و لم تفتح ، آلاف اللبنانين باتوا ليلتهم في الطرقات ، أصواتهم و شعاراتهم المطالبة بإسقاط النظام و المنظومة الحاكمة صدعت في شوارع و قرى لبنان . نعم ، فشلت محاولات السلطة الخائفة بإسكات صوت الحقّ ، فشلت و  هتفت الأصوات الحاقدة على النظام عالياً ...

مضى عام على إنطلاق إنتفاضة ١٧ تشرين ،و لم تخجل  هذه السلطة من نفسها و من أعمالها و إجرامها ، و في ظلّ الفراغ الحكومي و الإنهيار الإقتصادي الذي تدفع ثمنه حصراً الطبقات العاملة و الكادحة ، لم تتقدّم هذه السلطة بإستقالتها لا بل ازدادت تمسكّاً بالحقائب و الوزاريّة و مواقع الحكم . و إذا ما إستمرّ الأمر على التالي فعلى السلطة أن تتجهزّ لأنّ الإنفجار الشعبي قادم و البادي أظلم .

نحن عمّال و فلاحي و طلاّب هذا الوطن ، سقينا الأرض في الأمس دماً ، و دفعنا ثمن سياسات الدولة لكننا لن نساوم بعد اليوم على حقوقنا و على أرضنا ، هذا الوطن لنا ، فليرحلوا و لنبقَ نحن خالدين في هذه الأرض كالسنابل ، كشجر الزيتون . وعداً منّا يا سلطة الإجرام ، سننتقم لضحايا إنفجار المرفأ ، و ضحايا نظامك الكافر و سنبني على أنقاض هذه المنظومة و ما تبقّى من هذا النظام وطناً حراً و شعباً سعيد ...

يارا حوحو

إن كان لا بدّ من رباطٍ عاطفي يربطنا بالجامعة اللبنانيّة فهو يعود إلى عام ١٩٥١ عندما خرج طلاب الطبقة العاملة والفقيرة مطالبين بتأسيس جامعةٍ وطنيّةٍ لهم، فمن منّا لا يملك عواطف خاصة تجاه صرح تعليمي تأسّس بنضالات الطلاب ودماء الشهداء ضدّ البورجوازيّة اللبنانيّة آنذاك؟ إلّا أنّ العاطفة هذه لا تغيّر شيئًا، على اسم "فرج الله حنين"، شهيد الجامعة اللبنانية، أن يضعنا أمام مسؤوليّاتنا كطلاب في الجامعة لاستكمال نضاله الّذي لم ينتهِ مع انتزاع حقّ الفقراء في تأسيس الجامعة.

إنّ نظام الخصخصة وحكم المصرف وحكم ال1% القائم اليوم في لبنان يُدخِل معركتنا الطبقية معه إلى قلب الجامعة اللبنانية. هكذا تعمل الأنظمة الرأسمالية، كما يؤكد الفيلسوف والمفكر نعوم تشومسكي، تضرب القطاع العام لتخلق تبريرًا لخصخصته. وكأيّ نظامٍ رأسمالي آخر، يضرب النظام اللبناني جامعة الوطن إمّا لخصخصتها فيما بعد، أو لحثّ طلّابها على تركها والنزوح إلى الجامعات الخاصة الّتي تتعاون مع المصارف لتأمين قروضٍ تعليمية للطلاب لا حرصًا منها على تنمية البلاد بل رغبةً بإثراء أصحاب رؤوس الأموال والمصرفيين.

لأجل هؤلاء الرأسماليين، ربط النظام اللبناني الجامعة اللبنانية بمجلس الوزراء، فغدت كلّ قراراتها الإدارية والمالية صادرةً عنه أو لا تمرّ إلّا بموافقته، فطالت المحاصصة الطائفية إدارة الجامعة وإدارات الكليات وأساتذتها وموظفيها، وضُرِبت بعرض الحائط الكفاءة، كما حصل في منتصف العام الدراسي السابق حيث أقيل أساتذة في كلية العلوم الطبية وجيء بآخرين تابعين لأحد أحزاب السلطة. 

تطال الجامعة اللبنانيّة أيضًا سياسات التقشف الّتي تلجأ إليها الدولة عند كلّ عجز في موازنتها، وكما يدفع المواطنون الفقراء ثمن فشل النظام عندما ترفع الدولة الدعم عن بعض المنتجات تطبيقًا لسياساتها التقشفية، ندفع نحن طلاب الجامعة اللبنانية من صحّتنا الجسدية والنفسية أثمانًا باهظة كلّما قلّصت الحكومة من الموازنة المخصصة للجامعة تطبيقًا لسياساتها التقشفية أيضًا. هذا ويتم هدر مبالغ كبيرة من موازنة الجامعة، إذ أنّ بعض هذه الأموال تُدفع بدل إيجارات مبانٍ لا تستخدمها الجامعة ولا يستفيد منها الطلاب مثلًا بدلًا من إنفاقها في سبيل تطوير البنية التحتية في المباني الجامعية أو في سبيل تطوير بحوثٍ علمية تشكّل خطوةً من خطواتٍ كثيرة يجب اتخاذها للبدء بالإنتقال نحو اقتصادٍ منتج. وفي الحديث عن الهدر، أذكر ما صرّح به وزير التربية في الحكومة المستقيلة طارق المجذوب خلال مقابلته في برنامج "يسقط حكم الفاسد" حول تجديد العقد مع شركة دنش والإستشاري LACECO لتشغيل وصيانة مجمع الحدث الجامعي مع بداية شهر نيسان الفائت وحتى نهاية شهر تموز، وقد طلبت الشركتان تخصيص مبلغ مليوني دولار من موازنة الوزارة لتغطية النفقات اللازمة، وقد هوجمت ورفضت مطالب الوزير بالإفادة عمّا تم تنفيذه من أشغال في المجمع منذ تاريخ ١/٤/٢٠٢٠ في مثلٍ حي عن استيلاء الشركات الخاصة على المال العام الّذي يفترض أنّه مخصّص لاستفادة الطلبة منه. 

كلّ هذا الإهمال للجامعة الوطنية انعكس عجزًا واضحًا في إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها، فخلال جائحة كورونا الّتي تطلبت إقفال الجامعة واعتماد التعليم عن بعد الّذي لم يتم تقييمه حتّى الآن بطريقةٍ علميّة، وفي ظل لامبالاة الإدارة بصرخاتنا الّتي علت في تلك الفترة لافتةً الأنظار إلى الّطلاب الفقراء جدًّا الذي لا تتوفر لديهم أجهزة لابتوب أو اشتراك شهري بالإنترنت، كنّا نحن الطلاب نساعد بعضنا في مبادراتٍ بسيطة، إما عبر التبرعات المادية لزملائنا أو عبر تأمين اشتراكاتهم في خدمات الإنترنت. هذه الإدارة نفسها الصامتة أمام الأزمة الإقتصادية الّتي أفقرت الناس، لا تبذل أي مجهود لإيجاد حلول لمن يعجز من الطلاب عن دفع رسوم التسجيل، ومرة أخرى نقف نحن الطلاب لنساعد بعضنا ونجمع التبرّعات في ظل مطالبتنا بتعليم مجاني لائق للجميع. 

قرارات الإقصاء من السكن الجامعي المحصور بفرع واحد أصلًا، المجالس الطلابية التي لم ننتخبها والّتي تنصّب نفسها علينا حاكمًا وقاضيًا وتمنعنا من المشاركة في التظاهرات الطلابية، التعميمات البوليسية التي تقمع حرية التعبير وإجراءات الطرد الّتي اتخذت بحق الطلاب الذين أبدوا آراءهم على مواقع التواصل الإجتماعي، قانون انتخاب مجلس الطلاب المفصّل على مقاس السلطة والّذي يقصي غير اللبناني منّا، مناهج السلطة القديمة غير المحدّثة المستوردة من بلاد الاستعمار والّتي تغرّب الطلاب عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تصديرنا إلى الخارج حفاظًا على الإقتصاد الريعي المعتمد الّذي ينظر إلى الطلاب والطالبات على أنّهم/ن رأسمال بشري "يضخّ" العملات الصعبة في البلاد، كلّ هذا يجعل الجامعة الوطنية مؤسسةً أخرى من مؤسسات البنية الفوقية للبورجوازيات اللبنانية، وكلّها تقذفنا إلى قلب صراعنا الطبقي، كلّها تؤكّد على ضرورة الإنخراط في الحراك الطلابي الّذي يحمل خطابًا سياسيًا معاديًا للسلطة ورأس المال لنكمل طريق من سبقنا، لنعيد للفقراء جامعتهم الوطنية وحقهم في التعليم المجاني اللائق.

ريم دياب

المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني أُنجِز... تقييم ونقاش ومهام على قدر المسؤولية! 

 

خاض اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني يومين من ورشة النقاش والتقييم اأنجز خلالهما مؤتمره الوطني العام بدورته الثانية عشر.

أضاف المؤتمر لديمقراطية المنظّمة الشبابية تألّقاً، ولنقاشها غنى ولمستواها السياسي تطوّراً، وهذا بديهي لشبابٍ يساري يطمح لمجتمع يضمن المساواة والعدالة وحفظ قيمة الإنسان بعيداً عن كل تمييز طبقي، عنصري، ثقافي، مناطقي، وطائفي.

لا بدَّ من التنويه بتقييم شبابنا البنّاء للأداء خلال الإنتفاضة وما تخلّله من تبادل وجهات نظر، تجارب وأراء شدّدت على ضرورة استكمال المبادرة الشبابية السياسية المعارِضة، كما وقيّمت التحالفات محددةً ضرورة بنائها أو فضّها ذما يتناسب مع مشروعنا السياسي...

بالرغم من ضبابية الواقع وغياب لأفق المستقبل، رسم الاتحاديّون معالم المشروع السياسي لمرحلة معقّدة مؤكّدين على ضرورة مواجهة السلطة الفاشلة وانتقالنا لمشروع شبابي عملاني مرتبط بمهامه مع اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي الضامن لحق الشعوب بتقرير مصيرها، بانحيازنا للفئات المهمشة، لمصلحة الشعوب تجاه الرأسمالية الجشعة المدمّرة للحجر والبشر.

في ميادين النضال الطلابي والكشفي،  نؤكّد أننا سنمضي قدماً بالمواجهة من أجل حق التعلّم وضرورة تطوير وحماية الجامعة اللبنانية وتطوير نضالتنا في المهنيات والثانويات في ما يخدم تعليم مجاني ومتطور للجميع...

اما عن الصمود الشعبي، وضع المؤتمر مداميك تطوير الذات وفعالية تصدّينا للجرائم التي يرتكبها النظام السياسي الطائفي القائم.

المؤتمر أُنجز، تاركاً الإتحاد أمام مسؤولية تنفيذ ما خطط له وأمام مهام شاقة من اجل حقوق الشباب والطلاب والعدالة الاجتماعية والدور التقدّمي...

يُفرض الإقفال العام في ظلّ فيروس كورونا المميت لحفظ انفسنا منه ونحن متفقين على ضرورة الالتزام بالحجر، قمنا بتأمين بعض من المواد الغذائية التي استطاعت بعض الناس ان تجده ؛ مرّ الأسبوع الأول من الحجر و بقينا صامدين ومرّ الأسبوع الثاني، اصبحت المواد الغذائية تنخفض مرّ الأسبوع الثالث، لا يوجد في منازلنا من مواد الغذائية شيء و لا زال الأقفال موجود . 

  _  ماذا سنفعل؟

  _ ماذا سيحصل في الأيام القادمة؟ 

  _ هل ستبقى في المنزل و انت ليس لديك عمل و لا يوجد لديك اي شيء كي تطعم اولادك؟

 

أسئلة كثيرة نسألها للدولة التي فرضت علينا الأقفال العام بسبب الفيرس و في ظل الأزمة الاقتصاديّة أيضًا، فحوّلت إمكانيّة الإلتزام بالحجر إلى حكر على الأغنياء، إذ غيّبت الخطط  اللازمة لتأمين مستلزمات الحجر للمفقّرين وفرضت علينا التزام منازلنا من دون ان تؤمن أدنى احتياجات الناس.

 

هذا كلّه في ظلّ قطاعٍ صحي منهك وطاقمٍ طبي متعب، لا مكان لنا في المستشفيات إن مرضنا،  المستلزمات الطبية اصبحت شبه مقطوعة  بسبب تدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وصعوبة الاستيراد، حتّى أدويتنا مقطوعة عن الصيدليات بسبب احتكار التجار.

 

بعض الناس لا يؤمن بوجود هذا الفيروس بسبب انتشار التشكيك والإشاعات ولا يثق بالأعداد التي تعلن عنها الدولة، ولكن يوجد من ينجو منه و يوجد ايضاً من يموت من هذا الفيروس، ليس بكذب، أنه موجود ويجب اخذ الأحتياطات اللازمة و الإلتزام في المنازل لكي تحمي نفسك و من تحب، وفي ظلّ هذه الأزمة، الحلّ يكمن اليوم في اللقاح بحيث يمكّننا من احتواء الڤيروس وبالتالي تدارك تبعاته على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي للناس، كما تبعاته على القطاع الصحي.

 

اصبح اللقاح في متناول معظم الدول، اما في لبنان- ورغم عدم اتّضاح المشهد بعد- نجد غياب ثقة المواطنين بالدّولة وشكّهم بأنّ اللقاح سيوزّع تبعًا للمحسوبيات الطائفيّة والحزبيّة كالعادة في كلّ الخدمات مبرّرًا، إذ أنّ عمق الأزمة مع هذه السلطة تجعل غياب ثقة الناس عنها بديهيًّا جدًّا.

               ندين المصري

ولعلّ النّساء الغاضبات والحزينات في المصحّات العقلية هنّ نساء الأمازون اللواتي عُدن إلى الأرض بعد عدّة قرون. وكلّ واحدة منهنّ تجري بحثًا خاصًّا وغامضًا عن الانتماء - بحث أسميناه الجنون".

-           فيليس تشسلر، كتاب "المرأة والجنون".

  منذُ قرّر الإنسان الخوض في الحياة النفسيّة، عانت المرأة من استهدافٍ واضحٍ لكيانها وتشخيص ذكوريّ لحالتها النّفسانيّة بُني على نظرة دونيّة لجسدها. فرأينا مثلًا مع أبقراط أنّ الهستيريا كانت تمثّل حالة قلق وحزن عند النّساء لأنّهنّ كنّ يمتلكن رحم، حتّى أنّ كلمة هستيريا في اشتقاقها تعود إلى مصطلح hystera  الّذي يعني حرفيًّا "الرّحم". فعُرِّف هذا المرض تاريخيًّا على أنّه مرض يرتبط فقط بالنّساء، ومع الأسف لازلنا إلى حدّ اليوم نعاني من الوصمة والتّنميط على أنّنا أشخاص هستيريّات في طبيعتنا.

  حاولت عدّة كاتبات سردَ معاناتهنّ مع الطّب النّفسيّ والأشخاص الّذين كانوا موكَلين علاجهنّ، والّذين كانوا طبعًا رجالًا. فڨيرجينيا وولف مثلًا، ذكرت في روايتها "السّيّدة دالواي" أنّ الشرّير هو السير ويليام برادشو، وهو طبيب نفسي يرى كلّ الأمراض الباطنيّة على أنّها مجرّد نقص في التّناسب، ويسيء التّعامل مع أحد شخصيّات الرواية، السّيّدة سبتيموس وارين سميث. العلاج الوحيد الّذي يطرحه برادشو هو حبس النّاس وبالتّالي سلبهم/نّ من حقوقهنّ/م السياسيّة والوجوديّة.

  وفي الأدب العربي، نصادف تجربة مي زيادة الّتي أدخلها أقاربها إلى مصحّة العصفوريّة للأمراض النّفسيّة في لبنان، إلّا أنّها استطاعت إثبات سلامتها العقليّة وخرجت من المستشفى.

  اليوم، في ال٢٠٢١، لازالت النّساء تعاني بشدّة من تجاربهنّ مع الاختصاصيين النفسانيّين والاختصاصيات النّفسانيّات. تقول غدير: "مرّة عم قول لمعالجتي إنّه بحسّ منّي مقدرة حالي وعندي مشاكل بهالنّاحية، قالتلي: هههههه انت ما مقدرة حالك؟ حتعملي تمثال لحالك عشوي ههههه. وأكيد من وقتها معش رجعت لعندها". وفي حديثٍ آخر مع هبة، تروي: "معالجتي السابقة، وهيي معها دكتوراه  والمفترض كتير شاطرة، إجت لعندي ع غرفة العناية بعد ما وعيت تاني يوم من محاولة إنتحار تقلّي إنّه أنا عندي هستيريا ومحاولة الإنتحار هيي لشدّ الإنتباه، وانّه هيي شخّصتني هيك بناء على زيارات قبل، وذكرتلي وحدة من الإشيا إنه انا كنت إجي عالجلسات لابسة قصير ومكشّف". تسرد مريم أيضًا معاناتها، فتخبرني:" يا ستي رحت عند معالج قبل سنتين مدري سنة، قبل ما قول أي شي يعني أوّل ما فتت دغري، قلّي: زاعجك جسمك؟ لأنّه واضح إنّك سمينة وهالوزن مش طبيعي. مع إنه وزني ما كان مضرّ لصحتي أبدًا". هذا كلّه بالإضافة إلى المئات من تجارب التحرّش والإبتزاز وتسريب معلومات المريض/ة الشّخصيّة.

  لكلّ هذه الأسباب، ارتأت النساء أنّه من الضروري وجود علم نفس نسويّ. ونقصد به؛ علم النّفس الّذي يدرس المريض/ة كفرد إجتماعي وليس كحالة فرديّة. بمعنًى آخر، يحاول تبيان الإطار السياسي والإقتصادي والاجتماعي الّذي يتحكّم بحياة المُعالج/ة، ويبيّن تقاطع تجارب الأشخاص مع هويّاتهم/نّ الجنسيّة والجندريّة، مع قضاياهم/نّ الطبقيّة والعرقيّة.. إلخ. فخلال تجاربنا مع المعالجين النّفسيّين نلاحظ أنّهم يعاملوننا على أنّنا نحن المشكلة، أو على أنّ الخلل في أجهزتنا النفسيّة. بينما الحقيقة الواضحة هي أنّ أجهزتنا النّفسيّة تتفاعل مع محيطها، وتنتج ردّات فعل بناءً على ما تمرّ به من تجارب مع السلطة الّتي تتمثّل أحيانا بالدولة وأجهزتها، أو بالعائلة، أو بأيّ فردٍ يعطى إليه حقّ التّسلّط على غيره.

  في يوم المرأة العالميّ، اخترتُ التحدّث عن علم النّفس النّسوي لأنّني أعلم شراسة كلّ التّجارب الّتي تخوضها النّساء والأقليّات والمجموعات المهمّشة، خاصّة في هذه الفترة الّتي تزداد فيها الصعوبات الاقتصادية، وبالتّالي تزداد فيها شراسة الرأسماليّة الّتي تحاول من خلال كلّ أشكالها في كلّ دول العالم أن تزيد من تفاقم معاناتنا مع الذكورية والأبويّة وأجهزة السلطة كافّةً.

  أرى أنّ الهدف الأوّل من علم النّفس هو "المقاومة"، لذلك - كطالبة علم نفس - أحاول دائمًا فهمه في إطاره النّسويّ. وأرى أنّه من الضروري اعتماد التحليل النّفسيّ النسويّ لمعالجة كل الأفراد الّذين واللواتي يلجأن إلى النّفسانيّين لفهم ومعالجة مشاكلهم النّفسيّة.

في ٨ آذار وكل يوم، فلْنعمل معًا على تأمين العلاج النّفسي الّذي نستحقّ.

 

ملاحظة: تمّ الاعتماد في هذا المقال على معلومات من ويكي الجندر.

 

-لورين الخطيب

 بالرّغم من الحرّيات التي تحاول الرأسمالية الترويج لها وادّعائها، إلّا أنّها -ومهما حاول النهج الليبرالي اختزال قضايانا- ما زالت حتّى الآن تقيّد النّساء وتحصرهنّ بأدوار اجتماعيّة جندريّة قد لا يردنها، وفي ما يأتي توصيف بسيط لواقع المرأة ضمن أنظمة رأس المال الأبوية:

 

 - واقع المرأة في الأسرة

  ما زالت الأسرة بشكلها ضمن النظام الرأسمالي تستغلّ النساء، إذ تتفاوت أشكال القمع والاستغلال داخل الأسر تبعًا لاختلاف أشكال رأس المال، وتفاوت القمع وحدته لا ينفي وجوده أينما وجدت الأنظمة الرأسمالية الأبوية.

يُفرض على النساء غالبًا العمل داخل المنزل، القيام بأعمال التنظيف والغسيل والطبخ كما رعاية الأطفال وتربيتهم وتعليمهم، تقوم النساء بذلك دون أجر، دون إجازات عمل، ودون حقّ في اتخاذ قرار الإستقالة.

 

- واقع المرأة في سوق العمل

  ازدهر دور المرأة في سوق العمل خلال العقود القليلة الماضية نتيجة تناقضات رأس المال، إلّا أنّها ما زالت تحصل على أجورٍ أقلّ بكثير من أجور الرجال في المنصب المهني نفسه، ضمانًا لاستمرارها في العمل المنزلي، هذا إضافةً إلى منع الكثيرات من العمل في كثير من المجتمعات بما يضمن استمرار سيطرة رجال العائلة الاقتصاديّة على النساء.

 

- واقع المرأة في السياسة

  تشغل المرأة مناصب سياسية قيادية على المستوى المحلي والدولي في معظم دول العالم، فقد ازدادت نسبة مشاركة المرأة في البرلمانات الوطنية على مستوى العالم في العقدين الماضيين، إلّا أنّ مشاركتها ما زالت ضئيلة مقارنةً بالرجال. أمّا الأزمة الحقيقية فتكمن بضعف مشاركة النساء النسويات في الحكم، أي شبه غياب الأصوات النسوية المناهضة للأنظمة الرأسمالية والأبويّة والعنصرية والقمعيّة في البرلمانات، إنّما تستغلّ النساء لإعادة إنتاج الأنظمة القائمة.

 

- واقع المرأة في الطب

  لم تدخل النّساء إلى حقل الطب إلّا في القرن الماضي، وذلك أتى بعد نضالاتٍ طويلة من طبيبات دخلن كليات الطب رغمًا عن الأنظمة، أو ادّعين أنّهنّ رجال، أو تعلّمن الطب وحدهنّ في بيوتهنّ.

وإلى الآن، تهمّش الرعاية الصحية النساء وأجسادهن، ما يؤدّي إلى غياب الفهم الواضح لأجساد النساء ما يمنع عنهنّ حقّهنّ بالرعاية الصحية الآمنة، والإجهاض الآمن، كما يمنع عنهنّ حصولهنّ على مستلزماتهنّ الصحية الأساسية بأسعار مقبولة -أو بالمجّان.

دخول النساء، وتحديدًا النسويات منهن، إلى عالم الطب وقيامهنّ بالاكتشافات الطبية قد يساهم إلى حدّ كبير بالنضال والعمل السياسي بتغيير واقع الرعاية الصحية التي تحصل عليها النساء ضمن أنظمة القهر والقمع والحرمان الرأسمالية القائمة.

 

  في اليوم العالمي للمرأة المهمّشة في مختلف الأصعدة، يتجدّد صراعنا النسوي ضد الرأسمالية الأبوية المتوحشة، ويتجدد وعينا النسوي لحقوقنا المسلوبة منذ قرونٍ من الطبقية والأبوية، وتظهر حاجتنا للنسوية في وجع أبوية وعنصرية رأس المال في كلّ المجالات.

 

-ندين المصري.

                               لا تقرروا عنا أسباب الإجهاض.   تخلع  الإيديولوجيا الأبوية ثوبها كل مرة وتكشف بوضوح عن وحشيتها، فالتهميش الإجتماعي للمرأة والتمييز الجنسي لها هما من ركائز تلك الإيديولوجيا التي تحط من قيمة المرأة كإنسان صاحب قرار. إن العذرية، التحرش، الزواج المبكِّر والإجهاض… جميعها قضايا نسوية تُحمل اليوم على أكتاف نساءٍ يحاول النظام الأبوي  تقييد أجسادهن وأفكارهن ساعياً دائماً لمبرمجة عقولاً ذكوريةً ليضمن بذلك ديومومته.      تكرِّس المنظومات الحاكمة على مدى سنوات ادواتها  لحماية مصالحها الأبوية وتسعى عبر ممارساتها الذكورية في كل مكان وزمان الى اضطهاد النساء ومحاولة التحكم بأجسادهن عبر هيكلية أبوية من تشريعات ومؤسسات و قوانين تمنع الإجهاض وتحاول تبرير منعه بحجج أخلاقية دينية وجودية . إذ يعد الإجهاض اليوم ، واحد من أبرز القضايا التي تخلق جدلاً اجتماعياً، أخلاقياً او دينياً وتتكاثر حوله الآراء. فتستوقفنا، على مرور السنوات  مواقف عديدة سياسية، أخلاقية، دينية وإجتماعية كما هناك تساؤلات عديدة تُطرَح: هل الجنين إنسان؟ ومتى يحصل على حقه في الحياة؟ وتنقسم الآراء بين داعمة لحق المرأة بالإجهاض؛ اي أشخاص "مع الاختيار"، مقابل أولئك المعارضين "لأسباب اخلاقية ودينية" لهذا الحق ويلقبون انفسهم "أشخاص مع الحياة ".         تعارض بعض المجتمعات والمؤسسات الدينية الإجهاض وتعتبره  بمثابة جرم أخلاقي او جريمة  قتل، مستثنيةً بعض حالات الضرورات القصوى كما تسميها، والتي لها علاقة بمضاعفات الحمل و بصحّة المرأة الحامل وتتطلب تدخلاً طبياً، لكن لماذا لم تطرح يوماً تساؤلات عن المضاعفات على صحة المرأة النفسية ؟ وهل حق الجنين في الحياة يعتبر أولوية على حق المرأة التصرف بجسدها ؟    لكن المجتمعات الذكورية لا تبالي  بفكرتين اساسيتين :  الأولى هي أن المرأة هي المتأثرة الأولى من الحمل وما يتبعه من تغيرات عديدة خلال فترة الحمل او ما بعد الولادة  كتغيير نمط الحياة والطعام، التعب والإرهاق ،المهام الجديدة ، التضحية  وسماع  تعليقات المجتمع لتقييم أمومتها  بالإضافة الى احتمالية حدوث اكتئاب خلال فترة الحمل او ما بعد الولادة. أما الثانية هي قدرة الأهل على تربية الطفل مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف المعيشية  التربوية  الإقتصادية ، فليس المهم إنجاب طفل بل القدرة على احتضانه وتأمين له أدنى حقوقه والحفاظ على صحته النفسية والجسدية. بمعنى آخر الأهم من إنجاب طفل هو معرفة الاهل الكاملة بطرق التربية السليمة وتجنّب المشاكل نفسية  التي قد تنتج لدى الطفل وسببها المعاملة السيئة له...      تجد العقليات الذكورية  في منع النساء  من الإجهاض والفرض عليهن إنجاب اطفال وسيلة لإضطهادهن خاصة اللواتي يطمحن منهن بالتعلم، العمل او حتى السفر . فالكثيرات قد يواهجهن حملاً غير مرغوب به ، كونهن غير متزوجات مع ما يتبع ذلك من خطر على حياتهن أو تحديات للطفل القادم او لا يزلن على مقاعد الدراسة او اللواتي حملن اثر تعرضهن لعنف جنسي  او كونهن واقعات في مشاكل عاطفية ، مالية ، عائلية  لكنهن  يجدن انفسهن مجبرات على الاستمرار بالحمل - وتغيير بذلك مخططات حياتهن - او اللجوء الى الإجهاض غير الآمن  -وتعريض حياتهن للخطر-  بسبب غياب قانون يسمح لها بالإجهاض الآمن .   اننا  لا ننفي رغبة الكثيرات في ان  تحمل يوماً ما في المستقبل لكن ليس بالضرورة الآن ، اي أنه من الضروري السعي الى إسقاط البنية الاجتماعية الأبوية التي تقوم بحصر دور المرأة بالأمومة او بالأعمال المنزلية وبإقصائها من ميادين التعلم والعمل لتغيير تلك النظرة الى المرأة على انها حاوية للجنين فقط والإقتناع بحقوقها واحتياجاتها بما في ذلك حريتها الكاملة في التصرف بجسدها دون استثناءات .

 

  تُجرِّم  الكثير من الدول الإجهاض. إلا أن تجريمه لم يشكل عائقاً امام النساء لإتخاذ هذه الخطوة ، فتلجأ الكثيرات الى الإجهاض سراً بوسائل غير آمنة وفي أماكن غير صحية. أسوأ ما قد يحدث هو أن تُحرم النساء من الإجهاض الآمن الا انهن يؤذين اجسادهن وحياتهن بسبب ضرورة الإجهاض غير الآمنة. يعتبر الإجهاض آمناً اذا كان تحت إشراف طبي (من طبيب/ة  او عاملة/عامل صحي) ،اي إذا استُخدمت فيه الأدوات المناسبة و توافرت شروط النظافة والتعقيم وإذا جرى بالوسيلة التي تناسب فترة الحمل لكن في الواقع وخوفاً من المجتمع تلجأ الكثيرات  – خاصة اللواتي لا يملكن المال - الى استخدام وسائل خطيرة في المنزل وإدخالها عبر المهبل ثم عنق الرحم إلى داخل الرحم،  حقن مواد سامة ‏كالمبيضات، إدخال مستحضرات عشبية في المهبل، أو بإحداث صدمة من خلال الضرب على البطن  والذي يخلف عواقب وخيمة على صحة المرأة وحياتها  كحدوث وفاة او ثقب الرحم والنزيف الحاد أو حدوث إجهاض غير مكتمل. قد يلجأْن ايضاً الى أطباء يقومون بالعمليات بسرية دون الإبلاغ عن المرأة ، لكنهم قد يسعون الى ابتزاز النساء مالياً او جنسياً

 

  اذاً تجريم الإجهاض لا يؤدي إلى منعه، إنما يمنع النساء من الحصول على طرق آمنة، خاصة الفقيرات منهن، لأن المرأة المصممة على إنهاء حملها  ستفعل ذلك بغض النظر عن سلامة وقانونية الإجراء المتّبع. من هذا المنطلق تناضل الحركات  النسوية والمنظمات الحقوقية في أنحاء مختلفة من العالم وفي الدول العربية لمنح المرأة حقها في الإجهاض الآمن كحق من حقوق النساء في  الصحة النفسية والانجابية، وتحارب المواد القانونية التي  تمثل انتهاكاً جسيماً لحق النساء في الحياة والصحة والسلامة الجسدية و الخصوصية وحقهن في إتخاذ قرارات تخص أجسادهن.

 

  خلاصة الامر ، ان البدء  بالتعامل بسلاسة اكثر مع  موضوع الاجهاض عبر السعي الى تأمين الرعاية الصحية الآمنة  للنساء  عندما ‏يحتجنها واعطاءهن الحق في الاختيار بين الإستمرار في الحمل او إنهاءه، اي اعطاء الحرية للمرأة  في تحديد ها مصيرها، ان كانت  تريد أن تكون أمّاً ومتى تريد ذلك . الحب كل الحب للمرأة في يومها لنضالها المستمر، لسعيها نحو تحرير جسدها من قبضاتهم، لمقاومتها وعزيمتها وإن كل يوم  في وجه هذه المنظومة الأبوية هو الثامن من اذار.

ندى مشورب

 

  تمارس السلطة الأبوية والذكورية سيطرتها على النساء في نظامٍ متكامل يدعم الرجل ويكثف امتيازاته في حين يعمق هوّة الفروقات المبنية على النوع الاجتماعي. إذ تظهر هذه السيطرة في كل الجوانب الحياتية؛ الاقتصادية: فجوة الأجور بين الجنسين، السياسية: ضعف المشاركة السياسية والتمثيل السياسي للنساء في السلطة، والاجتماعي وغيره..

 

  ولكن هل تساءلنا يومًا كيف تُمارس هذه السلطة والسيطرة على أجسادنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، تتدرج بهرميتها من الأسفل إلى الأعلى، من سلطة الأهل؛ الأخ والأب والأقارب، من الجيران والرجال في الشارع وصولًا إلى رب العمل. هكذا تُكبَّل أجساد النساء بوصمة العار والشرف وتتطبع بالجنسانية فيغدو كل جزء من هذه الأجساد موقعًا قابلًا للإغواء، ولإغواء الرجل -حصرًا- الذي تمتع بامتيازاته غير المبذول لها أي جهد، منذ الولادة في حين ورثنا نحن العار و"شرف" القبيلة، شرفه هو، الموضوع في أجسادنا. يُحدَّد للنساء مَن تتزوج، متى تمارس الجنس، كيف تمشي، ماذا ترتدي في العمل والبيت والطريق. وإن لم تنصاع فسوف تلاحقها نظرات الحقد والكره، وربما الأذى والنبذ في كثيرٍ من المواضع. فضلًا عن الشعور بالذنب بعد كل علاقةٍ جنسية تقوم بها المرأة، الخوف والذنب والعار، وكأنها "خطيئةٌ" حُصِرت بأجساد النساء، أما عندما يفعلها الرجل تغدو مدعاة فخرٍ واعتزاز، كجسده.

  تُعامل أجساد النساء وكأنها ممتلكات خاصة. تُنمّط للجنس، للرجل، للقبيلة، للإعلانات. تنمط "بالجمال"، توصف وتُرصّ في عُلب جاهزة "للماركيتيغ".

  يُشكّل النظام الرأسمالي كذلك عمق النظام الأبوي الذكوري. يعمل للرجل "الأيقونة" صاحب رأس المال. تسعى الرأسمالية في صورها النمطية لأجساد النساء في الإعلانات والمسلسلات والأفلام، في عالم "الفن" والمال أن تخلق معايير جديدة، منمقة ومحددة. أنف صغير مدبب، عينان لوزيتان ملونتان، بشرةٌ بيضاء خاليةٌ من الشوائب، لا هالات لا حبوب، جسد ممشوق مؤخرة ممتلئة، صدرٌ كبيرٌ مشدود خصرٌ لا يتعدى عرضه العشر سنتمترات، لا تشققات في الأفخاذ, صورٌ محددةٌ للصدور، وكأننا نملك الصدور نفسها؟ أجئنا من مطبعة؟!

 

  هذه المعايير المرصوصة من قبل النظام الرأسمالي الذكوري تساهم بكراهية النساء لأجسادهن، وتخلق كذلك صورةً "مثالية" للجسد، غير موجودة، غير حقيقية! تُشكّل "هدف الوصول" عند النساء. وتسهم بتغذية الرأسمالية: كريمات لتفتيح الوجه، أدويةٌ للتنحيف، وعملياتٍ لشد الترهلات. عزيزي، الترهلات طبيعية، محاولة جعلك لأجسادنا أداةً إعلانيّةً رأسماليّة ذكوريّة هي الشيء الخارج عن الطبيعة. تتحكم الإعلانات بنظرة النساء لأجسادهن: تقول زينب: "بحب إحرق وجي، بكره حالي وبكره جسمي، ما بحب صدري."  تسعى رينا دائمًا لمحاولة اكتساب الوزن لأنها ترى جسدها "نحيلًا أكثر من اللازم". مَن حدد اللازم!؟ ترى باتريسيا بأن مؤخرتها "كبيرةً جدًّا" تكرهها وتجرب كل الحميات في سبيل إنقاص وزنها.

  هل هذا حقًا ما نريده نحن؟ أم أنها أصوات السلطة والإعلانات والصور "المثالية" في رؤوسنا؟ هل هذا ما نريده نحن أم أنها أدوات النظام لإحكام أيديه على أجسادنا ورصها كما يفترض بها أن تكون -برأيه- نتيجة اقتناعهم بالوصاية على النساء. والتي تبدو بنظرهم طبيعية، لا بل ضرورية.

 

كنساء ما الدور الذي يترتب علينا في هذه المسألة؟

  يعتبر نزع العار عن أجسادنا من أهم الخطوات اللازمة لتقييد السلطة الموضوعة والمتحكمة أو لتقليص تأثيرها، وكذلك هي المساحات الآمنة التي تكوّنها النساء للدعم والحب، ويبقى العنصر الأهم هو فهم العلاقة ما بين النظام الذكوري الرأسمالي وأجسادنا وبالتالي التصالح مع هذه الأجساد وإعطائها القيمة التي تستحق بعيدًا عن النماذج الرأسمالية والمعايير الذكورية والعار والخوف الملصق بها منذ الأزل.

-مريم شعيب

  يلوك البعض المصطلحات السياسية ويبصقها كعلكة رخيصة، يشوّهها من دون حق بالتحدث فيها أساساً ، يتباهى بتفاهته وتحقيره لنضالات الالاف وقضاياهم الوجودية ثم يضع المسدس في رأسك لو تجرأت على "مناقشته" بقضيته. كثيرون هم حولنا، تنقطع انفاسهم اذا لم يحظوا بالانتباه فتراهم يتكالبون على جمع أكبر عدد من التافهين مثلهم حولهم... يضحكون على ما لا يفهمون، يتنافسون فيما بينهم على من هو الاكثر سفالة، يتصارعون مع خيالهم للفت الانتباه، يصفقون لبعضهم، وتقتلهم النشوة عندما يسخرون من حركات سياسية نضالية تكبر بلادهم وتاريخها.

 

  المقدمة هذه التي تفتقر للأدب ربما، هي أقل ما يقال بحق هؤلاء. فليس للمنطق والنقاش والحوار الراقي مكانا مع هؤلاء، ولا نخجل بعد اليوم بمواجهة الحديد بالحديد والنار بالبركان. فيما يلوك هؤلاء مصطلح النسوية، يشكّل هذا المصطلح عنوان صراعنا اليومي منذ يومنا الأول في الحياة. فمنذ اليوم الاول يُحكم علينا وُيحدد لنا، نساءً ورجالاً، شكل حياتنا ونمط عيشنا. من طريقة اللبس والوانه الى طول الشعر وشكل الجسم ودوره وقدراته ودورنا الاجتماعي، وتوضع مشاعرنا في قوالب وتُجمّد أخرى، ونتعلم "الحكي والمشي" على أساس كل ما سبق، ونصير ما أرادوه ونعيش في اغتراب عن انفسنا وعن عالمنا، ويموت البعض منا قبل ان يدرك ذاته وما تريد  وينتحر البعض بعد أن يتعرف الى ذاته ويخشاها، وينجو البعض بعد ان يختار أصعب الطرق وأخطرها.. أن يصارع ويكافح ويقاوم. النسوية لنا هي حركة سياسية ونضال سياسي يومي، نضطر الى خوضه على عدّة جبهات مهما كانت قاسية وطاحنة. النسوية بالنسبة الينا هي اللحظة الاولى من حياتنا التي ادركنا فيها ما نريده حقًّا فبدأنا نصارع لنكون، هي قضية وجود وشكل هذا الوجود. النسوية هي تاريخ عنيف مات فيه الكثير ليحيا الأكثر، هي مسمار اساسي في نعش النظام الرأسمالي المتوحش، هي أقوى الحركات واشرسها في الدفاع عن الفئات المهمشة ومأساتها.

 

  لا يكون الرد لطيفاً حين يكون الفعل هو سخرية تافهة على واقع عنيف ومأساوي، ولسنا في صدد أخذ موقف الحمل الوديع بوجه الذئاب الجائعة، ولسنا من محبي السلام والعواطف المهترئة مع من لا يستحقونها. نحن تربينا على تقديم الحب غير المشروط، تربينا على التصرف وفقا لعواطفنا التي جُيِّشَت لتلائمهم، واضطررنا للنجاة بأقل الاضرار أن نروّض انفسنا وان نسلخ جلدنا لينمو آخر، اضطررنا على مرّ سنين طوال أن لا نتعلم ما تعلمناه ان نكسر القواعد التي كسرت عظامنا، أن نمزّق قلبنا حين يحكم علينا بالشقاء.

 

  كان من الممكن ان يكون هذا المقال مادة سياسية دسمة ومقاطع تثقيفية هائلة، لكننا على استعداد بالتخلي عن التنظير الجميل والضروري لمرة واحدة بهدف التصدي لمن لا آذان لهم تسمع الا السخرية والانتهاكات والتوبيخ. وعلى الرغم من ذلك فإن للسخرية والنقد والتوبيخ فنٌّ لا يفقهونه احباء المنصات الافتراضية عبيد اهواء المجتمع ورأيه، عبيد الامتيازات الذكورية والحماية الابوية، الذين يأبون العيش الا تحت جناح الذكور وعطفهم وفخرهم. الى النساء اللواتي يجدن متعة في استفزازنا من اجل ارضاء اصحاب الامتيازات نقول: نحزن لأجلكنّ ونخشى عليكنّ كما نحشى على أنفسنا، ولا نخفي عليكنّ سراً فإننا نحزن ونغضب حين تخسركنّ صفوفنا، لكنّ التاريخ لا يرحم والمستقبل لا ينتظر احدا... نحن سائرات الى النصر والتحرر مهما كانت مواقفكنّ، ولن نرحم كل من يقف عائقاً في الطريق.

 

-ريم الخطيب.

نُتّهم بأنّنا ليبراليّات من رفاقنا اليساريّين عندما نتحدّث عن قضايا النّساء، نُطالَب بالصّمت داخل منظّماتنا اليساريّة عندما نطرح أمراً يتعلق بقضايانا بحجّة أنّنا معنيّون بكلّ فئات الطبقات العاملة - لا بالنّساء وحدهنّ - وكأنّ الطبقة العاملة كتلةٌ واحدة، لا تفاوت بين شرائحها بحجم الاستغلال والاضطهاد في ظلّ الأنظمة والرّجعيّات القائمة.

  إنّنا إذا أردنا تعريف اليساري بشكلٍ مبسّط، فاليساري هو كلّ رافضٍ لأنظمة الاستغلال والحرمان ولكلّ إفرازاتِها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافيّة، وذلك يشمل العنصرية، الطائفية، الطبقيّة، الذّكورية، السلطة الدينية والأبوية وسلطة العسكر، وغيرها من الأدوات الّتي تنتجها الأنظمة وتتغذّى عليها وتستمرّ عبرها، لهذا فإنّنا لا نرى انفصالاً بين يساريّتنا ونسويّتنا، بل نراهما متلازمان، لا يكتمل أحدهما دون الآخر.

  ومن هنا، تأتي مسؤوليّتنا كنسويّات في محاربة اختزال النسوية بفكرة "المساواة بين الجنسين" فقط لا سيّما في الأوساط اليساريّة، هنا تبرز أهميّة توضيح تقاطع صراعنا النسوي مع صراع باقي فئات المجتمع المهمّشة ضدّ رأس المال وأدواته، كما ضرورة توضيح منشأ السلطة الأبويّة المرتبط أساساً بالملكيّة الخاصّة والمجتمع الطبقي لنخلص بعدها إلى أنّ تحرير النساء يتطلّب القضاء على سبب استعبادهن، وأنّ لا خلاص حقيقي لنا إلّا عبر تهديم أنظمة الاستعباد القائمة وإرساء أنظمةٍ نقيضة تنتج عنها المساواة الطبقية بين الجميع.

  بعد أن كانت النّساء تجسّد كآلهةٍ في الأساطير القديمة، وبعد أن كنّ رموزاً للحياة والحبّ والجمال، بعد أن كنّ الطبيبات الشّافيات من الأمراض، حصل تحوّل في المجتمع البشري، فإنتقل الإنسان من كونه جامعاً للنّباتات وصيّاداً للحيوانات إلى حالة تربية الحيوان وتدجينه كما زراعة النّباتات فمارس الرجال تلك المهام الّتي تطلّبت قوّةً جسديةً عالية فامتلكوا الأراضي نظراً لقيمتها الاقتصاديّة ما تطلّب ضرورة توريثها إلى النّسل القادم، وتزامن ذلك مع فهم الرّجل لدوره في عمليّة الإنجاب ومنح الحياة عندما تعرّف أكثر إلى تلك العملية عند الحيوانات الّتي قام بتربيتها. وبحيث أنّ المرأة هي من تحمل وتنجب، كانت بالتّأكيد تميّز نسلها، وبالتّالي كان يُنسَب لها، في حين كان الرّجل عاجزاً عن تمييز نسله نظراً لتعدد العلاقات الّتي كانت تقوم بها النساء آنذاك.

  ولتوريث الأرض، صار الرجل يحتاج إلى تمييز نسله، فصار مهمّاً بالنّسبة له أن تمارس المرأة الجنس مع رجلٍ واحد لينسب نسله إليه، وصار على ذكور عائلة المرأة أن "تحافظ عليها" للرّجل القادم للزواج منها، ونشأت العائلة الّتي تُستعبد فيها المرأة وتقمَع وتمنَع من ممارسة حياتها بشكلٍ طبيعي "حفاظاً على عذريّتها" الّتي رُبطت لاحقاً بمفاهيم أخلاقيّة كالشّرف والعفّة.

  ساد استعباد النساء وقمعهنّ واستملاك أجسادهن، فمنعن من الخروج والعلم والعمل والدخول في علاقات عاطفيّة أو جنسيّة، وُضِعت قيودٌ على لباسهن وحقوقهنّ في ممارسة حياتهنّ السياسيّة لاحقًا، وظلّ هذا القمع القائم على مصادرة أجساد النساء يتطوّر ويأخذ أشكالاً متعدّدة مع التطور التاريخي للمجتمعات الطبقية وعلاقات الإنتاج السائدة، واستمرّ ذلك حتّى في النّظام الرأسمالي الّذي يدّعي الحرّيّات، حتّى استغلّ النهج الليبرالي قضايا النّساء وسلّعها لخدمته في بعض الأماكن للتّرويج لبروبغندا "الحريات في رأس المال"، هذا الأمر الّذي جعل تقاطعيّة الصّراع النسوي مع الصراع ضدّ رأس المال مبهماً يجب توضيحه.

  في المجتمع العبودي والاقطاعي حيث تغيب المنافسة بقيت المرأة في البيت، تهتمّ بالطبخ والغسل والتنظيف وتربية الأطفال، أمّا في الرّأسماليّة الّتي تقوم على المنافسة في السوق والمليئة بالتّناقضات، كان على العامل أن يعمل لقاء أجورٍ ضئيلة، لكن كان يفترض أن يعيش؛ يأكل ويشرب ويحصل على السكن والملبس ليتمكّن من العمل ثانيةً. ومن هنا احتاجت الرأسماليّة إلى المرأة في البيت، تستكمل مهامها في الطبخ والغسيل والتنظيف والإنجاب والتربية من دون أجر، فلا تضطر الرأسمالية إلى تأمين هذه الخدمات بالمجّان ما يكلّفها أثماناً باهظة، كما لا تضطرّ إلى رفع أجور العمّال من أجل تحصيل تلك الخدمات.

  مع ذلك، فإنّ حاجة الرأسماليّة للعمّال كما حاجتها لإدخال المرأة إلى سوق العمل لادّعاء المساواة داخلها، دفعها إلى تمكين المرأة من العمل لكن بأجورٍ أقل، بحيث تحافظ على وجودها داخل البيت وتقوم ب"دورها" فيه، وهكذا صارت المرأة تعمل أكثر بأجرٍ أقل، وهكذا صارت الرأسمالية تستغلّ العاملات ضعف ما تستغلّ العمّال.

  هذه السلطة الاقتصاديّة على النّساء انعكست اجتماعياً، سياسياً وقانونياً، إذ لم تنتزع النّساء حقوقهنّ في التصويت والانتخاب والمشاركة في القرار إلّا منذ عقود قليلة، وحتّى الآن تستغلّ السلطات الرأسمالية الذكوريّة وجود نساء من داخل الأنظمة الرجعيّة لتثبت "تقدّمها"، حتّى الآن لا تستطيع النساء في الكثير من البلاد منح جنسياتهنّ لأطفالهنّ، حتى الآن تناضل النساء في العديد من البلدان من أجل حقّهن في الإجهاض والرعاية الصحية الآمنة، حتّى الآن تتعرّض النساء للختان والتعنيف الأسري والتحرش والإغتصاب والقتل من دون آليّات محاسبة جدّيّة وواضحة، حتّى الآن يتمّ التحكّم بأجسادنا وتُفرض علينا معايير جسديّة روّجت لها الشّركات الكبرى لتبيع منتجاتها "التجميلية" ويتمّ إخضاعنا لأدوار جندريّة يعرّضنا رفضها للقتل أو النّبذ في أفضل الأحوال، ومع ذلك فإنّنا حتّى الآن نُطالَب بتأجيل قضايانا!

"إنّ حصول المرأة على بعض حقوقها لا يعني تحرّرها الكامل، ولكنّه يؤدّي إلى إضعاف الاستثمار الرأسمالي الّذي تعاني منه"، هكذا تقول النسويّة الماركسية ألكسندرا كولونتاي في إشارةٍ إلى أهميّة انتزاع النساء لحقوقهن في إضعاف الذّكورية بصفتها أداةً لرأس المال، وهذا تماماً ما يجعل النسوية لا تناقض يساريّتنا في شيء، بل يجعلها جزءاً لا يتجزّأ من اليسار، وهذا ما يضع المنظمات اليساريّة أمام مسؤوليّاتها في تعزيز الثقافة النسوية داخلها، كي لا نعيد نحن ضمن منظّماتِنا إعادة إنتاج أدوات وثقافة الأنظمة الرّجعية التي نحاربها.

 

ريم دياب

الجامعة اللبنانية اولى النضالات، وأي انزلاق للدفاع عن المؤسسات التعليمية الطائفية او من يستفيد منه هو انحراف اساسي عن مبدأ ديمقراطية التعليم واتاحته للجميع.

بشار علي

ازمة الجامعة اللبنانية بكل اركانها تتعمق، نرى نتائج الازمة تُقَهقِر خدمات التعليم التي تقدمها لشريحة واسعة من الطلاب،وبالمقابل جامعات خاصة تلعب بمصير الطلاب، تتخبط في ظل تخبط المنظومة السياسية /الاقتصادية التي تعطيها الدور، وتتكامل في جعل وطننا تابع للغرب الرأسمالي. مع انهيار النموذج، تطرح قضية التعليم كقضية اساسية اليوم وللغد مما يحتّم علينا البحث معمقاً في صلب الدور الذي يلعبه هذا القطاع الاساسي.

ان الازمة المطروحة هي ليست في مجال التعليم انما هذا المجال هو للإنعكاس او الشكل السياسي/الاقتصادي التي تظهر من خلاله المشكلة الأساسية الاجتماعية، وتحديداً الاقتصادية. هذا القطاع التربوي يخدم الاقتصاد المنتج، يلعب دور اساسي في بناء نموذج متهالك يمتاز بالتبعية والارتهان ونسخ ثقافة غربية لتنتج مسخ ثقافة في وطن لا ثقافة وطنية له.

يمكن ان نقسم المؤسسات التربوية في لبنان الى ثلاث:

المؤسسات التجارية:هذه المؤسسات التي لا تلعب دور ايديلوجي اساسي، رغم كونها تحتوي عدد كبير من الطلاب، يكاد ينحصر دورها في عملية ربح عن طريق بيع خدمات رائجة سيئة الجودة.

المؤسسات الطائفية: هي مؤسسات تابعة بشكل عام للمؤسسات الاستعمارية فهي ترتبط بالمساعدات المالية وغير المالية من الدول الاستعمارية. فالطائفية ظاهرة تاريخية اجتماعية تحددت بفعل السيطرة الاستعمارية في شكلها المتميز في لبنان. اطار ايديلوجي لصهر وعي الشباب واعادة تشكيله بما يخدم السيد الأول اي الاقتصاد. لهذه المؤسسات دور تجاري ولكن ثانوي وهنا يمكن فهم ما يدفعها لرفع اقساطها ودولرة اقساطها دون أن تأبه بمن يتسرب من حاميتها الطبقية فهي مكرّسة للاغنياء وتقصي اي محاولة سياسية جنينية لتواجهها من داخلها. انها ممثلة للاستعمار ويلجئ لها وينقذها فهي مدخله الأساس والنهائي.

المؤسسات الرسمية: ان هذه المؤسسة أنشئت تحت ضغط الحركة الطلابية والحجم المتزايد للحجم البشري المحروم من التعليم، خلقت ببطورها النسبي وتوسعها المشوه، وضعاً يشكل خطر على بقية المؤسسات الطائفية والرسمية، فتوسع المؤسسة الرسمية يقلص من حجم الموسسات التجارية الطائفية بالتالي تقلص من امكانية تطور بناء الدولة البرجوازية التي هي تعمد للجم المؤسسة الرسمية وتضع امامها العوائق المادية وتشويه سمعتها التربوية والحدّ من ملاك التعليم فيها وتكريس نظم التقاعد.

الجامعة اللبنانية من اولى النضالات ومساره الصحيح، وليس اي مكان او جامعة اخرى. ولا يمكن الا ان نكون في هذه المواجهة، فأي انزلاق للدفاع عن المؤسسات التعليمية الطائفية او من يستفيد منه هو انحراف اساسي عن مبدأ ديمقراطية التعليم واتاحته للجميع. على اثر الأزمة، صار من مصلحة الطغمة المالية الحاكمة ان تقضي على الجامعة وتسد افق تطورها لأن تطور الجامعة بدلاً من أن يخدمها أصبح يهدد مصالحها الطبقية... لهذا تظهر قضية الجامعة اللبنانية هي الوجه الاساسي للصراع الطبقي وليس غريباً ان ينعكس هذا الصراع الطبقي بين صفوف الطلاب فهم يحملون معهم الى الجامعة تناقضات البنية الاجتماعية.

ان التطور التاريخي للجامعة اللبنانية اخذ يفرض بالتزامن مع انهيار النموذج الاقتصادي المسخ الى ضرورة التحول في بينة الانتاج الاجتماعي بشكل تكون فيه الغلبة للقطاعات المنتجة لا القطاعات الخدماتية، هذا التحول البينوي يتطلب مزيد من بلورة والعمل على تقدمية الحركة الطلابية  بالتزامن مع ضرورة بناء للحركة الشعبية لنفسها ضمن بديل سياسي متكامل.

ان كل المؤسسات التعليمية اليوم خاضعة لسيطرة الطبقة البرجوازية ومن ضمنها المؤسسات الرسمية، ولكن تحمل بمنطقها بذور تدمير النموذج ككل فهي نقيض للنظام القائم، الطبقات التي تستفيد منها حكماً  في مواجهة النموذج المسخ المنهار...ديمقراطية التعليم واتاحته للجميع شعار المرحلة الأساسية من خلال النضال للجامعة اللبنانية كقضية مركزية ببعدها الطبقي وما تستطيع ان تقدمه من بناء ثقافة وطنية واقتصاد وطني.

بشار بحسون

الأكثر قراءة