ولعلّ النّساء الغاضبات والحزينات في المصحّات العقلية هنّ نساء الأمازون اللواتي عُدن إلى الأرض بعد عدّة قرون. وكلّ واحدة منهنّ تجري بحثًا خاصًّا وغامضًا عن الانتماء - بحث أسميناه الجنون".
- فيليس تشسلر، كتاب "المرأة والجنون".
منذُ قرّر الإنسان الخوض في الحياة النفسيّة، عانت المرأة من استهدافٍ واضحٍ لكيانها وتشخيص ذكوريّ لحالتها النّفسانيّة بُني على نظرة دونيّة لجسدها. فرأينا مثلًا مع أبقراط أنّ الهستيريا كانت تمثّل حالة قلق وحزن عند النّساء لأنّهنّ كنّ يمتلكن رحم، حتّى أنّ كلمة هستيريا في اشتقاقها تعود إلى مصطلح hystera الّذي يعني حرفيًّا "الرّحم". فعُرِّف هذا المرض تاريخيًّا على أنّه مرض يرتبط فقط بالنّساء، ومع الأسف لازلنا إلى حدّ اليوم نعاني من الوصمة والتّنميط على أنّنا أشخاص هستيريّات في طبيعتنا.
حاولت عدّة كاتبات سردَ معاناتهنّ مع الطّب النّفسيّ والأشخاص الّذين كانوا موكَلين علاجهنّ، والّذين كانوا طبعًا رجالًا. فڨيرجينيا وولف مثلًا، ذكرت في روايتها "السّيّدة دالواي" أنّ الشرّير هو السير ويليام برادشو، وهو طبيب نفسي يرى كلّ الأمراض الباطنيّة على أنّها مجرّد نقص في التّناسب، ويسيء التّعامل مع أحد شخصيّات الرواية، السّيّدة سبتيموس وارين سميث. العلاج الوحيد الّذي يطرحه برادشو هو حبس النّاس وبالتّالي سلبهم/نّ من حقوقهنّ/م السياسيّة والوجوديّة.
وفي الأدب العربي، نصادف تجربة مي زيادة الّتي أدخلها أقاربها إلى مصحّة العصفوريّة للأمراض النّفسيّة في لبنان، إلّا أنّها استطاعت إثبات سلامتها العقليّة وخرجت من المستشفى.
اليوم، في ال٢٠٢١، لازالت النّساء تعاني بشدّة من تجاربهنّ مع الاختصاصيين النفسانيّين والاختصاصيات النّفسانيّات. تقول غدير: "مرّة عم قول لمعالجتي إنّه بحسّ منّي مقدرة حالي وعندي مشاكل بهالنّاحية، قالتلي: هههههه انت ما مقدرة حالك؟ حتعملي تمثال لحالك عشوي ههههه. وأكيد من وقتها معش رجعت لعندها". وفي حديثٍ آخر مع هبة، تروي: "معالجتي السابقة، وهيي معها دكتوراه والمفترض كتير شاطرة، إجت لعندي ع غرفة العناية بعد ما وعيت تاني يوم من محاولة إنتحار تقلّي إنّه أنا عندي هستيريا ومحاولة الإنتحار هيي لشدّ الإنتباه، وانّه هيي شخّصتني هيك بناء على زيارات قبل، وذكرتلي وحدة من الإشيا إنه انا كنت إجي عالجلسات لابسة قصير ومكشّف". تسرد مريم أيضًا معاناتها، فتخبرني:" يا ستي رحت عند معالج قبل سنتين مدري سنة، قبل ما قول أي شي يعني أوّل ما فتت دغري، قلّي: زاعجك جسمك؟ لأنّه واضح إنّك سمينة وهالوزن مش طبيعي. مع إنه وزني ما كان مضرّ لصحتي أبدًا". هذا كلّه بالإضافة إلى المئات من تجارب التحرّش والإبتزاز وتسريب معلومات المريض/ة الشّخصيّة.
لكلّ هذه الأسباب، ارتأت النساء أنّه من الضروري وجود علم نفس نسويّ. ونقصد به؛ علم النّفس الّذي يدرس المريض/ة كفرد إجتماعي وليس كحالة فرديّة. بمعنًى آخر، يحاول تبيان الإطار السياسي والإقتصادي والاجتماعي الّذي يتحكّم بحياة المُعالج/ة، ويبيّن تقاطع تجارب الأشخاص مع هويّاتهم/نّ الجنسيّة والجندريّة، مع قضاياهم/نّ الطبقيّة والعرقيّة.. إلخ. فخلال تجاربنا مع المعالجين النّفسيّين نلاحظ أنّهم يعاملوننا على أنّنا نحن المشكلة، أو على أنّ الخلل في أجهزتنا النفسيّة. بينما الحقيقة الواضحة هي أنّ أجهزتنا النّفسيّة تتفاعل مع محيطها، وتنتج ردّات فعل بناءً على ما تمرّ به من تجارب مع السلطة الّتي تتمثّل أحيانا بالدولة وأجهزتها، أو بالعائلة، أو بأيّ فردٍ يعطى إليه حقّ التّسلّط على غيره.
في يوم المرأة العالميّ، اخترتُ التحدّث عن علم النّفس النّسوي لأنّني أعلم شراسة كلّ التّجارب الّتي تخوضها النّساء والأقليّات والمجموعات المهمّشة، خاصّة في هذه الفترة الّتي تزداد فيها الصعوبات الاقتصادية، وبالتّالي تزداد فيها شراسة الرأسماليّة الّتي تحاول من خلال كلّ أشكالها في كلّ دول العالم أن تزيد من تفاقم معاناتنا مع الذكورية والأبويّة وأجهزة السلطة كافّةً.
أرى أنّ الهدف الأوّل من علم النّفس هو "المقاومة"، لذلك - كطالبة علم نفس - أحاول دائمًا فهمه في إطاره النّسويّ. وأرى أنّه من الضروري اعتماد التحليل النّفسيّ النسويّ لمعالجة كل الأفراد الّذين واللواتي يلجأن إلى النّفسانيّين لفهم ومعالجة مشاكلهم النّفسيّة.
في ٨ آذار وكل يوم، فلْنعمل معًا على تأمين العلاج النّفسي الّذي نستحقّ.
ملاحظة: تمّ الاعتماد في هذا المقال على معلومات من ويكي الجندر.
-لورين الخطيب