تمارس السلطة الأبوية والذكورية سيطرتها على النساء في نظامٍ متكامل يدعم الرجل ويكثف امتيازاته في حين يعمق هوّة الفروقات المبنية على النوع الاجتماعي. إذ تظهر هذه السيطرة في كل الجوانب الحياتية؛ الاقتصادية: فجوة الأجور بين الجنسين، السياسية: ضعف المشاركة السياسية والتمثيل السياسي للنساء في السلطة، والاجتماعي وغيره..
ولكن هل تساءلنا يومًا كيف تُمارس هذه السلطة والسيطرة على أجسادنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، تتدرج بهرميتها من الأسفل إلى الأعلى، من سلطة الأهل؛ الأخ والأب والأقارب، من الجيران والرجال في الشارع وصولًا إلى رب العمل. هكذا تُكبَّل أجساد النساء بوصمة العار والشرف وتتطبع بالجنسانية فيغدو كل جزء من هذه الأجساد موقعًا قابلًا للإغواء، ولإغواء الرجل -حصرًا- الذي تمتع بامتيازاته غير المبذول لها أي جهد، منذ الولادة في حين ورثنا نحن العار و"شرف" القبيلة، شرفه هو، الموضوع في أجسادنا. يُحدَّد للنساء مَن تتزوج، متى تمارس الجنس، كيف تمشي، ماذا ترتدي في العمل والبيت والطريق. وإن لم تنصاع فسوف تلاحقها نظرات الحقد والكره، وربما الأذى والنبذ في كثيرٍ من المواضع. فضلًا عن الشعور بالذنب بعد كل علاقةٍ جنسية تقوم بها المرأة، الخوف والذنب والعار، وكأنها "خطيئةٌ" حُصِرت بأجساد النساء، أما عندما يفعلها الرجل تغدو مدعاة فخرٍ واعتزاز، كجسده.
تُعامل أجساد النساء وكأنها ممتلكات خاصة. تُنمّط للجنس، للرجل، للقبيلة، للإعلانات. تنمط "بالجمال"، توصف وتُرصّ في عُلب جاهزة "للماركيتيغ".
يُشكّل النظام الرأسمالي كذلك عمق النظام الأبوي الذكوري. يعمل للرجل "الأيقونة" صاحب رأس المال. تسعى الرأسمالية في صورها النمطية لأجساد النساء في الإعلانات والمسلسلات والأفلام، في عالم "الفن" والمال أن تخلق معايير جديدة، منمقة ومحددة. أنف صغير مدبب، عينان لوزيتان ملونتان، بشرةٌ بيضاء خاليةٌ من الشوائب، لا هالات لا حبوب، جسد ممشوق مؤخرة ممتلئة، صدرٌ كبيرٌ مشدود خصرٌ لا يتعدى عرضه العشر سنتمترات، لا تشققات في الأفخاذ, صورٌ محددةٌ للصدور، وكأننا نملك الصدور نفسها؟ أجئنا من مطبعة؟!
هذه المعايير المرصوصة من قبل النظام الرأسمالي الذكوري تساهم بكراهية النساء لأجسادهن، وتخلق كذلك صورةً "مثالية" للجسد، غير موجودة، غير حقيقية! تُشكّل "هدف الوصول" عند النساء. وتسهم بتغذية الرأسمالية: كريمات لتفتيح الوجه، أدويةٌ للتنحيف، وعملياتٍ لشد الترهلات. عزيزي، الترهلات طبيعية، محاولة جعلك لأجسادنا أداةً إعلانيّةً رأسماليّة ذكوريّة هي الشيء الخارج عن الطبيعة. تتحكم الإعلانات بنظرة النساء لأجسادهن: تقول زينب: "بحب إحرق وجي، بكره حالي وبكره جسمي، ما بحب صدري." تسعى رينا دائمًا لمحاولة اكتساب الوزن لأنها ترى جسدها "نحيلًا أكثر من اللازم". مَن حدد اللازم!؟ ترى باتريسيا بأن مؤخرتها "كبيرةً جدًّا" تكرهها وتجرب كل الحميات في سبيل إنقاص وزنها.
هل هذا حقًا ما نريده نحن؟ أم أنها أصوات السلطة والإعلانات والصور "المثالية" في رؤوسنا؟ هل هذا ما نريده نحن أم أنها أدوات النظام لإحكام أيديه على أجسادنا ورصها كما يفترض بها أن تكون -برأيه- نتيجة اقتناعهم بالوصاية على النساء. والتي تبدو بنظرهم طبيعية، لا بل ضرورية.
كنساء ما الدور الذي يترتب علينا في هذه المسألة؟
يعتبر نزع العار عن أجسادنا من أهم الخطوات اللازمة لتقييد السلطة الموضوعة والمتحكمة أو لتقليص تأثيرها، وكذلك هي المساحات الآمنة التي تكوّنها النساء للدعم والحب، ويبقى العنصر الأهم هو فهم العلاقة ما بين النظام الذكوري الرأسمالي وأجسادنا وبالتالي التصالح مع هذه الأجساد وإعطائها القيمة التي تستحق بعيدًا عن النماذج الرأسمالية والمعايير الذكورية والعار والخوف الملصق بها منذ الأزل.
-مريم شعيب