قالها جيفارا يوماً "إنّ الشّعب الذي لا يشعر بالحقد لا يمكنه أن يهزم عدواً همجيّاً".
و أعداؤنا اليوم كُثر ، نبدأ بالإمبريالية الأميركيّة و الكيان الصهيوني الإرهابي ، وصولاً إلى الداخل اللبناني حيث النظام الطائفي الراعي للأوليغارشيّة الحاكمة التّي تتمثّل بالمصارف ، حيتان المال و بما تبقّى من أجهزة الدولة اللبنانيّة و السلطات الثلاث التي استمدَّت شرعيّتها طوال ثلاثين سنة و أكثر من جهل الأكثريّة المطلقة من الشعب و انتمائهم الطائفي الهمجي للأحزاب الطائفيّة اللبنانيّة و ولائهم لزعيم الطائفة.
واللافت في الموضوع أنّ جميعها إتحد من وراء الستار تحت عنوان موحّد ألا و هو إفقار المواطنين و قتل أحلام الشباب اللبناني ليبقى رهينة لها ، يتسكّع أمام عتباتها للحصول على رغيف خبز و البحث عن فرصة عمل . و قد اتّبعت سياسات ممنهجة تُغلق عن طريقها آفاق إمكانيّة تطوير المجتمع و العبور لوعي مجتمعي و وعي فكري للطّبقات العاملة التّي تُسنزفُ طاقاتها و عرق جبينها لصالح فئة قليلة تُسيطر على معظم ثروة البلد . و استمرّت هذه السياسات منذ تسعينيات القرن الماضي وصولاً إلى اليوم ، حيث كانت تَستمدّ استمراريّتها من عمر اللبنانييّن و من سعادتهم و أحلامهم ، إلا أنّ هذا النظام و هذه المنهجيّة بدأت تسقط تباعاً على مدار السنين الأخيرة ، إلى أن إشتدّت أزمتها أواخر العام ٢٠١٩ ، مؤكدّةً أنّه ما من إستمراريّة لنموذج إقتصادي مماثل يهمّش الطّبقات الفقيرة و المؤسسات الرسميّة ليدعم القطاعات الخاصة و حيتان المال ، كي ينحصر في نهاية الأمر المال و السلطة داخل طبقة واحدة :" طبقة المصارف و حيتان المال و زعماء الطوائف " . و لازالت سلطة الإجرام هذه تقتلنا يوماً بعد يوم ، موتٌ ممنهجٌ بطيئٌ ، يقتلُ الأرواح و النفوس قبل الأجساد ، ليبقى اللبناني داخل متاهات القلق و الخوف من المستقبل المجهول نظراً لعدم إستقرار الواقع . و هذه السلطة نفسها فجّرت بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠ و قضت على ما تبقّى من أملٍ داخل قلوب اللبنانيين ، و دفنت الأحلام و الطموحات تحت ركام البيوت و دمار الإنفجار . مجرمةٌ هي و متاجرةٌ بدماء شعبها الذي سال على الأرصفة في ذلك اليوم المشؤوم و فاحت رائحته في شوارع و أحياء المدينة التي غدت مدينة منكوبة . و لا بدّ من الإشارة أنّ جميع أركان السّلطة كانوا على عِلم بوجود مواد خطيرة في المرفأ و لم يحرّكوا ساكناً . ما من غريب في الأمر فهذه السّلطة قتلت اللبنانيين منذ زمن عن طريق أدوية السّرطان المنتهية الصلاحيّة ، أو عدم إستقبال المرضى في المستشفيات فيلفظوا أنفاسهم الأخيرة أمام أبوابها . هذا هو نموذج مشاريع الموت و الإفقار التي تعدّهُ السلطات هنا ، هكذا يقتل المواطن اللبناني ، بالسرطان ، بالرصاص الطائش ، بالإنتظار أمام المستشفيات ، أو ينتهي الأمر به الإنتحار نتيجة للضغوطات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التي ينتجها هذا النظام .
هذه هي ثمار دولة المحاصصات و الفساد و المحسوبيّات ، المهلّلة للنظام الليبيرالي الحرّ الذي بدأ يقتل نفسه بنفسه اليوم أمام أعين المدافعين عنه : تضخمّ اقتصادي ، يترافق بإنهيار قيمة الليرة اللبنانيّة أمام الدولار الأميركي ، آلاف العاطلين عن العمل و أكثر من مليونين لبناني تحت خطّ الفقر .
شعبٌ مسلوبٌ من حقوقه ، يعمل و يشقى لساعات و ساعات ليعيش حياةً كريمة و يؤمّن أقل إحتياجاته في ظلّ غياب الدولة ، و رغم كل هذا لم يجرؤ سوى قلّة قلائل على رفع الصوت ضدّ هذا النظام و المطالبة بتغييره و بتحقيق عدالة إجتماعيّة .
١٧ تشرين ... ذكرى لن تمحوها أذهاننا ، ليلة ولد أمل جديد من رحم إرادةٍ شعبيّة لا تنكسر برَدمِ هذه المنظومة و تغييرها .
و اليوم تأتي الذكرى و يأتي تشرين محمّلاً بمشاعر تعصف غضباً و ألماً كبيرين في صدورنا ، ليأكدّ أنّه لا حلّ إلا بتغيير هذه المنظومة و تغيير النماذج الإقتصاديّة و السياسيّة المعتمدة منذ سنين .
١٧ تشرين الليلة الثوريّة الخالدة للأبد ، بداية جديدة لنضال شعبي على كلّ مساحة الوطن . انتفاضةٌ واحدة موحّدة من شمال لبنان إلى جنوبه ، ضدّ الظلم و القهر و نهج التّجويع المعتمد ، ضدّ سلطة الإكراه و الحقد الطائفي ، ضدّ المصارف و سياسات حجز أموال الطبقة العاملة و جنى عمرها . فكان عسكر حامي الأوليغارشيّة بالمرصاد ، قمعٌ و ضربٌ و قنابل مسيلة للدّموع و سلسلة من الإعتقالات كمحاولة من السلطة إلى وقف الغضب الشعبي و تهديد المواطنين خوفاً من أن تستمرّ الإحتجاجات و تشتد في الأيام المقبلة . الإ أنّ ليل ١٧ تشرين لم ينتهي ، لم تفرغ الطرقات و لم تفتح ، آلاف اللبنانين باتوا ليلتهم في الطرقات ، أصواتهم و شعاراتهم المطالبة بإسقاط النظام و المنظومة الحاكمة صدعت في شوارع و قرى لبنان . نعم ، فشلت محاولات السلطة الخائفة بإسكات صوت الحقّ ، فشلت و هتفت الأصوات الحاقدة على النظام عالياً ...
مضى عام على إنطلاق إنتفاضة ١٧ تشرين ،و لم تخجل هذه السلطة من نفسها و من أعمالها و إجرامها ، و في ظلّ الفراغ الحكومي و الإنهيار الإقتصادي الذي تدفع ثمنه حصراً الطبقات العاملة و الكادحة ، لم تتقدّم هذه السلطة بإستقالتها لا بل ازدادت تمسكّاً بالحقائب و الوزاريّة و مواقع الحكم . و إذا ما إستمرّ الأمر على التالي فعلى السلطة أن تتجهزّ لأنّ الإنفجار الشعبي قادم و البادي أظلم .
نحن عمّال و فلاحي و طلاّب هذا الوطن ، سقينا الأرض في الأمس دماً ، و دفعنا ثمن سياسات الدولة لكننا لن نساوم بعد اليوم على حقوقنا و على أرضنا ، هذا الوطن لنا ، فليرحلوا و لنبقَ نحن خالدين في هذه الأرض كالسنابل ، كشجر الزيتون . وعداً منّا يا سلطة الإجرام ، سننتقم لضحايا إنفجار المرفأ ، و ضحايا نظامك الكافر و سنبني على أنقاض هذه المنظومة و ما تبقّى من هذا النظام وطناً حراً و شعباً سعيد ...
يارا حوحو