تقوم الأنظمة الرأسماليّة على استغلال العمال إذ تتراكم ثروات أصحاب العمل من قوة عمل الطبقة العاملة، وفي حين تنتج الأسواق في الرأسمالية فرص عملٍ أقلّ من طالبي العمل، يضطر العمال للعمل تحت ظروف صعبة والقبول بساعات عمل طويلة أو بأجور قليلة لقاء عملهم.
عليه، تضع علاقات الإنتاج الرأسمالية العمال في الحلقة الأضعف اقتصاديًّا، وفي ظلّ دولٍ تخدم بشكلها ومؤسساتها وإداراتها أصحاب رؤوس الأموال، تظهر حاجة العمال للتنظيم ضمن نقابات ينتزعون عبرها حقوقهم، يخففون من الإستثمار الرأسمالي بحقهم، ويراكمون نحو تفكيك علاقات الإنتاج التي تأسرهم والإنتقال إلى علاقاتٍ أكثر عدالةً لهم.
حفاظًا على أرباح وثروات الرأسماليين، عمل النظام اللبناني لعقود على إضعاف الحركة العمالية في لبنان، فضرب نقاباتها وسيطرت برجوازيته وأحزاب السلطة فيه عليها كما على الاتحاد العمالي العام، فتحولت النقابات التي يفترض بها حماية العمال والمراكمة في نضالاتهم إلى أدوات للنظام ترسي عبرها أحزاب السلطة علاقاتها الزبائنية بالعمال وتعرقل اتحادهم وحراكهم.
ولفهم تاريخ وواقع العمل النقابي في لبنان، أجرينا مقابلةً مع القائد النقابي الأستاذ فوزي أبو مجاهد، الأمين العام السابق للإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان.
- ماذا تعني لكم ذكرى الأول من أيار؟
عيد العمال ١ من أيار هو رمز نضالي مكرس لقيادة الطبقة العاملة منذ أكثر من ١٠٠ عام. والعيد هذا هو إحتفالي ونضالي في آن. تنطلق النقابات في هذه الذكرى من برنامج نضالي للطبقة العاملة، هو محطة تاريخية تتكلل بالنجاحات وبالخطوات غير المحققة وبالمطالب المستجدة.
- ما هي أهم المحطات في تاريخ الحركة النقابية في لبنان؟
يوجد عدة محطات مهمة جداً:
المحطة الأولى: تأسيس الحركة النقابية في لبنان ما بين العامين 1917 و1921، بحيث تأسست حينها أولى النقابات في لبنان منها: نقابات عمال الريجي والمطابع وقد تأسّس الحزب الشيوعي لاحقًا عبر تنظيم عدد من العمال من هذه النقابات.
المحطة الثانية: الاستقلال، حين برزت الحركة النقابية بين عامي 1939 و1940، فعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية بدأت التحركات العمالية المناهضة للاستعمار الفرنسي.
قادت النقابات تلك التحركات بمشاركة مصطفى العريس وسعد الدين مومنة وغيرهم وإلى جانبها الحزب الشيوعي اللبناني بمشاركة الشهيد فرج الله الحلو وأنطوان ثابت رئيس منظمة مكافحة الفاشية. شاركوا في عدة اجتماعات ضمت شخصيّاتٍ سياسية عدة، كما خاضوا معركةً في وجه المندوب السامي آنذاك حتى انتزعوا منه وعودًا -نكثها لاحقًا- بالإنسحاب الفرنسي فور انتهاء الحرب.
لم توفّر الحركة النقابية في لبنان أيّة جهود إلا وصبتها من أجل الاستقلال، حتّى أنها نسقت مع نقاباتٍ فرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان قد وصل إلى الحكم بهدف إيصال مطالب العمال اللبنانييين والسوريين بالاستقلال.
المحطة الثالثة: ما بعد الاستقلال، بحيث بدأت معركة انتزاع قانون العمل اللبناني عام ١٩٤٣. ناضل العمال من أجل إقرار قانون العمل في لبنان، وأمام مماطلة السلطة البرجوازية اللبنانية آنذاك، أعلن الاتحاد العمالي العام بقيادة مصطفى العريس عن التوجه نحو التصعيد والإضراب العام على كافة الأراضي اللبنانيّة في حال عدم تجاوب السلطة مع مطالب العمال.
أمام ضغط العمال وتظاهراتهم تمّ إنجاز هذا النصر الكبير وأقر قانون العمل في ٢٣ أيلول ١٩٤٦، وهو من أهم انتصارات الطبقة العاملة في لبنان.
كلّ حقوق العمّال انتزعوها هم بنضالاتهم وحراكهم، ساندتهم في ذلك قوى اليسار، من التنظيم ضمن نقابات إلى تأسيس الاتحاد العمالي العام وإقرار قانون العمل، مرورًا بتأسيس صندوق الضمان الاجتماعي ومجلس الخدمة المدنية وصولًا إلى إقرار التعويضات العائلية. كلّها إنجازات للطبقة العاملة التي دفعت من نضالاتها ومن عمرها ومن دمها لانتزاع حقوقها، وأي ادّعاء يميني يرد إنجازات العمال للبرجوازية ما هو إلا طمس لتاريخ الحركة العمالية في لبنان في وجه أنظمة الاستغلال والإفقار والقمع.
- أخيراً ما هي أزمة النقابات حاليا في لبنان؟ وما هو المخرج منها؟
عندما كان عبدالله الأمين وزيرًا للعمل، أخذت الحكومة اللبنانية بتوجيهٍ من الوصاية السورية بالتخطيط لضرب العمل النقابي العمالي التقدمي في لبنان، فقامت بوضع مشروع إنشاء خلايا نقابية جديدة تستولي فيها وزارة العمل على القرارات في النقابات، ورغم رفض قوى اليسار للمشروع، بدأت الحكومة بتشكيل النقابات وإدخالها في الاتحاد العمالي العام للاستيلاء عليه بشكل كامل.
تمكّنت السلطة بعد ذلك من تكريس علاقاتها الزبائنية مع النقابيين، ونشأت النقابات التي تسيطر عليها أحزاب السلطة، وبهذا ضعفت الحركة النقابية في لبنان كثيرًا.
ندين المصري