يلوك البعض المصطلحات السياسية ويبصقها كعلكة رخيصة، يشوّهها من دون حق بالتحدث فيها أساساً ، يتباهى بتفاهته وتحقيره لنضالات الالاف وقضاياهم الوجودية ثم يضع المسدس في رأسك لو تجرأت على "مناقشته" بقضيته. كثيرون هم حولنا، تنقطع انفاسهم اذا لم يحظوا بالانتباه فتراهم يتكالبون على جمع أكبر عدد من التافهين مثلهم حولهم... يضحكون على ما لا يفهمون، يتنافسون فيما بينهم على من هو الاكثر سفالة، يتصارعون مع خيالهم للفت الانتباه، يصفقون لبعضهم، وتقتلهم النشوة عندما يسخرون من حركات سياسية نضالية تكبر بلادهم وتاريخها.
المقدمة هذه التي تفتقر للأدب ربما، هي أقل ما يقال بحق هؤلاء. فليس للمنطق والنقاش والحوار الراقي مكانا مع هؤلاء، ولا نخجل بعد اليوم بمواجهة الحديد بالحديد والنار بالبركان. فيما يلوك هؤلاء مصطلح النسوية، يشكّل هذا المصطلح عنوان صراعنا اليومي منذ يومنا الأول في الحياة. فمنذ اليوم الاول يُحكم علينا وُيحدد لنا، نساءً ورجالاً، شكل حياتنا ونمط عيشنا. من طريقة اللبس والوانه الى طول الشعر وشكل الجسم ودوره وقدراته ودورنا الاجتماعي، وتوضع مشاعرنا في قوالب وتُجمّد أخرى، ونتعلم "الحكي والمشي" على أساس كل ما سبق، ونصير ما أرادوه ونعيش في اغتراب عن انفسنا وعن عالمنا، ويموت البعض منا قبل ان يدرك ذاته وما تريد وينتحر البعض بعد أن يتعرف الى ذاته ويخشاها، وينجو البعض بعد ان يختار أصعب الطرق وأخطرها.. أن يصارع ويكافح ويقاوم. النسوية لنا هي حركة سياسية ونضال سياسي يومي، نضطر الى خوضه على عدّة جبهات مهما كانت قاسية وطاحنة. النسوية بالنسبة الينا هي اللحظة الاولى من حياتنا التي ادركنا فيها ما نريده حقًّا فبدأنا نصارع لنكون، هي قضية وجود وشكل هذا الوجود. النسوية هي تاريخ عنيف مات فيه الكثير ليحيا الأكثر، هي مسمار اساسي في نعش النظام الرأسمالي المتوحش، هي أقوى الحركات واشرسها في الدفاع عن الفئات المهمشة ومأساتها.
لا يكون الرد لطيفاً حين يكون الفعل هو سخرية تافهة على واقع عنيف ومأساوي، ولسنا في صدد أخذ موقف الحمل الوديع بوجه الذئاب الجائعة، ولسنا من محبي السلام والعواطف المهترئة مع من لا يستحقونها. نحن تربينا على تقديم الحب غير المشروط، تربينا على التصرف وفقا لعواطفنا التي جُيِّشَت لتلائمهم، واضطررنا للنجاة بأقل الاضرار أن نروّض انفسنا وان نسلخ جلدنا لينمو آخر، اضطررنا على مرّ سنين طوال أن لا نتعلم ما تعلمناه ان نكسر القواعد التي كسرت عظامنا، أن نمزّق قلبنا حين يحكم علينا بالشقاء.
كان من الممكن ان يكون هذا المقال مادة سياسية دسمة ومقاطع تثقيفية هائلة، لكننا على استعداد بالتخلي عن التنظير الجميل والضروري لمرة واحدة بهدف التصدي لمن لا آذان لهم تسمع الا السخرية والانتهاكات والتوبيخ. وعلى الرغم من ذلك فإن للسخرية والنقد والتوبيخ فنٌّ لا يفقهونه احباء المنصات الافتراضية عبيد اهواء المجتمع ورأيه، عبيد الامتيازات الذكورية والحماية الابوية، الذين يأبون العيش الا تحت جناح الذكور وعطفهم وفخرهم. الى النساء اللواتي يجدن متعة في استفزازنا من اجل ارضاء اصحاب الامتيازات نقول: نحزن لأجلكنّ ونخشى عليكنّ كما نحشى على أنفسنا، ولا نخفي عليكنّ سراً فإننا نحزن ونغضب حين تخسركنّ صفوفنا، لكنّ التاريخ لا يرحم والمستقبل لا ينتظر احدا... نحن سائرات الى النصر والتحرر مهما كانت مواقفكنّ، ولن نرحم كل من يقف عائقاً في الطريق.