إن للعمل الفكري وزنه وفعاليته في الصراع، وللمفكر دوره في عملية التغيير والتحول الاجتماعي..
إن علاقة الثقافة بالسياسة تندرج ضمن إطار بوتقة الصراع المجتمعي، وجدلية الفكر بالواقع، وما يترتب عنها، من تشكيلات إيديولوجية يجب أن تفهم فهما صحيحا من خلال ما تطرحه المباحث المعمقة لسيولوجيا المعرفة..، التي تربط التغيير الإجتماعي بالوعي بمعنى القدرة على إدراك حقائق الأشياء، وطبيعتها، وقوانينها المؤثرة في الجسم الاجتماعي، باعتبار الفكر هو أساس الجهاز الاجتماعي، كما يقول أوجيست كونت وبالتالي فلا سبيل لإصلاح المجتمع، إلا بإصلاح الفكر الإنساني، ويرى كونت بأن مظاهر الفوضى العقلية هي نتيجة اختلال في التفكير، واضطرب في الفهم، فبصلاح الفكر، يصلح ما فسد من الأخلاق و بصلاح الأخلاق تصلح جميع فروع الحياة الاجتماعية.
إن العلاقة بين الثقافة و السياسة علاقة جدلية و في نفس الآن إشكالية معقدة ومركبة تنتهي في الغالب إلى صراع مرير بين طرفي المعادلة سلطة الفكر و سلطة السياسة. وبالرغم من وجود صراع متجذر بين الفكر السياسة، فلابد من التأكيد من أن هناك ترابط وتأثير متبادل بين المجال الثقافي و المجال السياسي، فالسياسة تعني اصطلاحا، حكم الدول ودراسة المبادئ التي تقوم عليها الحكومات وعلاقتها بالمواطنين.
فإن رجل السياسة يمارس سلطته على الواقع، يعمل على ضبطه وتوجهيه، والتحكم فيه، بوضعه في قوالب ونظم، وأنساق تضبط مساره وذلك بإخضاعه للسلطة الحاكمة باعتبارها القوة التي تنوب عن المجتمع في تدبير شؤونه. أما الفيلسوف دفيهيوم فيرى بأن رابطة الاجتماع، لا تخضع للتعقل في جميع الأحوال، في حين يرى روسو صاحب نظرية العقد الاجتماعي بأن الإرادة العامة قوام القوانين والأخلاق.
أما ماركس الذي يربط في أطروحته الاقتصاد بالسياسة فيعتبر أن الإنتاج الاقتصادي هو أصل كل سلطة وأصل كل عرف و عادة وأن الطبقة التي تسيطر على وسائل الإنتاج الاقتصادي هي التي تضع القوانين والآداب التي تخدم مصالحهم.
إذاً، ما يمكن استخلاصه من استقراء الوقائع التاريخية، وكذلك من التفكير المنطقي لشؤون السياسة في كل عصر أن السلطة السياسية توطد أركان الحكم بالقوة و الحيل و الدهاء لأن الغاية من السيطرة تكمن في إعادة تشكيل المجتمع، وتوجيهيه التوجيه الذي يصون المصالح والآداب و العقائد التي يعلنها الحاكمون ويحافظون عليها..
وكلما أختلت و تصدعت البنية الاجتماعية نتيجة اضطراب الأحوال و تشعب المصالح..، يتم التطلع إلى حكم من طراز جديد وبأساليب شتى تمزج بين السطوة و الحصافة بحيث تجمع بين وسائل السياسة وغاياتها... وخلاصة القول فإن السلطة هي المحرك الرئيسي للعمل السياسي ومن مقوماتها القدرة على السيطرة، و التأثير و التغلب و الإكراه... ومن خصائص السلطة القدرة على القهر كما يقول ابن خلدون وهي خاصة لازمة لكل حكم أيا كان شكله أو نظامه أو فلسفته.
إن دراسة ظاهرة السلطة في المجتمع، كشفت عن تلازم السلطة مع ما يتجاوز القوة و التغلب أو القهر في التأثير في المجتمع ونعني بذلك قوة الأفكار و المبادئ و القيم...ومن هنا جاء تعريف جورج بوردو، بأن السلطة هي قوة في خدمة فكرة فساهم في توجيه علم السياسة إلى ضرورة الأخذ بالعامل الثقافي ورافده المتعددة.
وفي هذا الصدد نشير إلى رأي الأستاذ كاتلين الذي يقول بأن السلطة هي إرادة التسلط على الآخرين أو إرادة التوفيق بين إرادات متعارضة..، و بالتالي فإن الإرادة السلطوية قائمة وراء كل فعل سياسي أما عالم السياسة الأمريكي هارويد لزويل فيربط بين السلطة و القيم، فهو يرى بأن السلطة لابد أن تكون في خدمة قيمة أو مجموعة من القيم فلا يمكن فهم السلطة إلا بدراسة التغيرات القيمية الحادثة في المجتمع..
وإذا كان الدور الرئيسي للرجل السياسية هو التأثير و التنفيذ و التقرير فإن السياسة انطلاقا من هذا الدور تعتبر عملية اتخاذ القرارات السلطوية المؤثرة في المجتمع. الحق أن كل الفعاليات المجتمعية تساهم بطرقة ما في صنع سياسة للمجتمع.. وأهم الفعاليات تأثيرا في المجتمع فئة الصفوة من قادة الرأي من مفكرين مثقفين وعلماء الذين يبدعون الأفكار ويصوغون المبادئ و القيم التي تتشكل منها الثقافة الرمزية للمجتمع. إن المثقف كائن رافض بطبعه، يعيش بالأفكار، ومن أجل الأفكار ويقوم بتوظيف كامل الأفكار بوصفها قيما تقود الحياة الاجتماعية.
أحيانا يكون جادا مثل الأمير الذي يعمل في خدمته وأحيانا يكون مضحكا (مثل مهرج السرك. ).
غدي صالح