جسدها....قوانينهم

                               لا تقرروا عنا أسباب الإجهاض.   تخلع  الإيديولوجيا الأبوية ثوبها كل مرة وتكشف بوضوح عن وحشيتها، فالتهميش الإجتماعي للمرأة والتمييز الجنسي لها هما من ركائز تلك الإيديولوجيا التي تحط من قيمة المرأة كإنسان صاحب قرار. إن العذرية، التحرش، الزواج المبكِّر والإجهاض… جميعها قضايا نسوية تُحمل اليوم على أكتاف نساءٍ يحاول النظام الأبوي  تقييد أجسادهن وأفكارهن ساعياً دائماً لمبرمجة عقولاً ذكوريةً ليضمن بذلك ديومومته.      تكرِّس المنظومات الحاكمة على مدى سنوات ادواتها  لحماية مصالحها الأبوية وتسعى عبر ممارساتها الذكورية في كل مكان وزمان الى اضطهاد النساء ومحاولة التحكم بأجسادهن عبر هيكلية أبوية من تشريعات ومؤسسات و قوانين تمنع الإجهاض وتحاول تبرير منعه بحجج أخلاقية دينية وجودية . إذ يعد الإجهاض اليوم ، واحد من أبرز القضايا التي تخلق جدلاً اجتماعياً، أخلاقياً او دينياً وتتكاثر حوله الآراء. فتستوقفنا، على مرور السنوات  مواقف عديدة سياسية، أخلاقية، دينية وإجتماعية كما هناك تساؤلات عديدة تُطرَح: هل الجنين إنسان؟ ومتى يحصل على حقه في الحياة؟ وتنقسم الآراء بين داعمة لحق المرأة بالإجهاض؛ اي أشخاص "مع الاختيار"، مقابل أولئك المعارضين "لأسباب اخلاقية ودينية" لهذا الحق ويلقبون انفسهم "أشخاص مع الحياة ".         تعارض بعض المجتمعات والمؤسسات الدينية الإجهاض وتعتبره  بمثابة جرم أخلاقي او جريمة  قتل، مستثنيةً بعض حالات الضرورات القصوى كما تسميها، والتي لها علاقة بمضاعفات الحمل و بصحّة المرأة الحامل وتتطلب تدخلاً طبياً، لكن لماذا لم تطرح يوماً تساؤلات عن المضاعفات على صحة المرأة النفسية ؟ وهل حق الجنين في الحياة يعتبر أولوية على حق المرأة التصرف بجسدها ؟    لكن المجتمعات الذكورية لا تبالي  بفكرتين اساسيتين :  الأولى هي أن المرأة هي المتأثرة الأولى من الحمل وما يتبعه من تغيرات عديدة خلال فترة الحمل او ما بعد الولادة  كتغيير نمط الحياة والطعام، التعب والإرهاق ،المهام الجديدة ، التضحية  وسماع  تعليقات المجتمع لتقييم أمومتها  بالإضافة الى احتمالية حدوث اكتئاب خلال فترة الحمل او ما بعد الولادة. أما الثانية هي قدرة الأهل على تربية الطفل مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف المعيشية  التربوية  الإقتصادية ، فليس المهم إنجاب طفل بل القدرة على احتضانه وتأمين له أدنى حقوقه والحفاظ على صحته النفسية والجسدية. بمعنى آخر الأهم من إنجاب طفل هو معرفة الاهل الكاملة بطرق التربية السليمة وتجنّب المشاكل نفسية  التي قد تنتج لدى الطفل وسببها المعاملة السيئة له...      تجد العقليات الذكورية  في منع النساء  من الإجهاض والفرض عليهن إنجاب اطفال وسيلة لإضطهادهن خاصة اللواتي يطمحن منهن بالتعلم، العمل او حتى السفر . فالكثيرات قد يواهجهن حملاً غير مرغوب به ، كونهن غير متزوجات مع ما يتبع ذلك من خطر على حياتهن أو تحديات للطفل القادم او لا يزلن على مقاعد الدراسة او اللواتي حملن اثر تعرضهن لعنف جنسي  او كونهن واقعات في مشاكل عاطفية ، مالية ، عائلية  لكنهن  يجدن انفسهن مجبرات على الاستمرار بالحمل - وتغيير بذلك مخططات حياتهن - او اللجوء الى الإجهاض غير الآمن  -وتعريض حياتهن للخطر-  بسبب غياب قانون يسمح لها بالإجهاض الآمن .   اننا  لا ننفي رغبة الكثيرات في ان  تحمل يوماً ما في المستقبل لكن ليس بالضرورة الآن ، اي أنه من الضروري السعي الى إسقاط البنية الاجتماعية الأبوية التي تقوم بحصر دور المرأة بالأمومة او بالأعمال المنزلية وبإقصائها من ميادين التعلم والعمل لتغيير تلك النظرة الى المرأة على انها حاوية للجنين فقط والإقتناع بحقوقها واحتياجاتها بما في ذلك حريتها الكاملة في التصرف بجسدها دون استثناءات .

 

  تُجرِّم  الكثير من الدول الإجهاض. إلا أن تجريمه لم يشكل عائقاً امام النساء لإتخاذ هذه الخطوة ، فتلجأ الكثيرات الى الإجهاض سراً بوسائل غير آمنة وفي أماكن غير صحية. أسوأ ما قد يحدث هو أن تُحرم النساء من الإجهاض الآمن الا انهن يؤذين اجسادهن وحياتهن بسبب ضرورة الإجهاض غير الآمنة. يعتبر الإجهاض آمناً اذا كان تحت إشراف طبي (من طبيب/ة  او عاملة/عامل صحي) ،اي إذا استُخدمت فيه الأدوات المناسبة و توافرت شروط النظافة والتعقيم وإذا جرى بالوسيلة التي تناسب فترة الحمل لكن في الواقع وخوفاً من المجتمع تلجأ الكثيرات  – خاصة اللواتي لا يملكن المال - الى استخدام وسائل خطيرة في المنزل وإدخالها عبر المهبل ثم عنق الرحم إلى داخل الرحم،  حقن مواد سامة ‏كالمبيضات، إدخال مستحضرات عشبية في المهبل، أو بإحداث صدمة من خلال الضرب على البطن  والذي يخلف عواقب وخيمة على صحة المرأة وحياتها  كحدوث وفاة او ثقب الرحم والنزيف الحاد أو حدوث إجهاض غير مكتمل. قد يلجأْن ايضاً الى أطباء يقومون بالعمليات بسرية دون الإبلاغ عن المرأة ، لكنهم قد يسعون الى ابتزاز النساء مالياً او جنسياً

 

  اذاً تجريم الإجهاض لا يؤدي إلى منعه، إنما يمنع النساء من الحصول على طرق آمنة، خاصة الفقيرات منهن، لأن المرأة المصممة على إنهاء حملها  ستفعل ذلك بغض النظر عن سلامة وقانونية الإجراء المتّبع. من هذا المنطلق تناضل الحركات  النسوية والمنظمات الحقوقية في أنحاء مختلفة من العالم وفي الدول العربية لمنح المرأة حقها في الإجهاض الآمن كحق من حقوق النساء في  الصحة النفسية والانجابية، وتحارب المواد القانونية التي  تمثل انتهاكاً جسيماً لحق النساء في الحياة والصحة والسلامة الجسدية و الخصوصية وحقهن في إتخاذ قرارات تخص أجسادهن.

 

  خلاصة الامر ، ان البدء  بالتعامل بسلاسة اكثر مع  موضوع الاجهاض عبر السعي الى تأمين الرعاية الصحية الآمنة  للنساء  عندما ‏يحتجنها واعطاءهن الحق في الاختيار بين الإستمرار في الحمل او إنهاءه، اي اعطاء الحرية للمرأة  في تحديد ها مصيرها، ان كانت  تريد أن تكون أمّاً ومتى تريد ذلك . الحب كل الحب للمرأة في يومها لنضالها المستمر، لسعيها نحو تحرير جسدها من قبضاتهم، لمقاومتها وعزيمتها وإن كل يوم  في وجه هذه المنظومة الأبوية هو الثامن من اذار.

ندى مشورب

الأكثر قراءة