"لقد انتصرتُ على كلّ من الحياة والموت... لأنني لم أعد أرغبُ فى العيش، ولم أعد أخشى الموت."، كانت هذه آخرُ تغريدة للمناضلة والكاتبة الإشتراكية الدكتورة نوال السعداوي على حسابها على تويتر، وكانّها أرادت بهذه العبارة والبلاغة الراقية أن تلقي السلام الأخير على متابعينها وجمهورها. واليوم وبعد صراع طويل مع المرض، رحلت المدافعة الشرسة عن حقوق المرأة تاركة وراءها نضالاً وتاريخاً حافلاً يضجُّ بأعمالها الأدبيّة وفكرها النسويّ الإشتراكيّ المتمردّ وسط نظام رأسمالي يحتقرُ المرأة ويستغلُّ جسدها ويشرّعُ للأبويّة والذكوريّة التي تحول دون تقدّمها ودخولها العمل السياسي لتكون جزء من التغيير. هو النظام نفسه الذي يشرّع قطع جناح الفتيات وتقليص أحلامهنّ الكبيرة ليبقين رهينة له وأداة جنسيّة لذكوريّته المريضة. كما أنّه كان الراعي لإطلاق شعارات الشرف والعار، فعُلّقت النساء وأجسادهنّ عن حبل غسيل الشرف الذي يربط مساحات العالم العربيّ وعليه تُعلقّ جثّة كل فتاة أو إمرأة إختارت التمرّد على قوانين عشيرتها وعائلتها، أو أجسادُ اللواتي كنّ ضحيّة للإغتصاب والتحرّش والعنف الجسديّ والنفسيّ. هذا هو واقع المرأة في العالم العربي محبط وداكن للغاية، لكنّ نساءً عديدات وفي طليعتهنّ الدكتورة نوال ورفيقات أخريات إخترن التمرّد والمضيّ في درب نضال شرس ومنهك للغاية، كلّف البعض منهنّ أرواحهنّ وأخريات سُجننّ في زنازين النظام الخائف لمجرّد رفعهنّ الصوت عالياً ومطالبتهنّ بعدالة إجتماعيّة تقيهنّ من وباء الفالوقراطيّة(phallocratie) والنرجسيّة اللامتناهية. وكان للسعداوي مواقف معارضة للنظام وتطبيع الدولة المصريّة مع الكيان الصهيوني المغتصب مما دفع الرئيس المصري السابق أنور السادات إلى إعتقالها عام١٩٨١ وسجنها وسجن غيرها من الرفاق والرفيقات، وتذكر الدكتورة أن السجن كان ولادتها من جديد وفيه كتبت "مذكرّات من سجن النساء" لتنقل تجربتها من وراء القضبان مستخدمة قلم كحل ومناديل الحمام. وفي إحدى المقابلات الإعلاميّة أجابت السعداوي " أنا أقول كلمتي بحريّة وأدفع ثمنها غالياً، هذه هي القوّة." كانت دوماً مثال للمرأة المتحرّرة وعنوان للشجاعة ورغم كلّ التهديدات والمضايقات التي مارسها النظام، لم تكنّ وبقيت متمسكة بفكرها ومبادئها وحاربت من أجل دخول المرأة الوسط السياسي ومشاركتها في تغيير الأنظمة وتبديلها. كما أنّها حصلت على العديد من الجوائز وتصدّرت عام٢٠٢٠ لائحة "تايم" لأهمّ ١٠٠إمرأة في العالم.
رحلت الكاتبة والروائية، صاحبة القلم المتمرّد والكلمة الحرّة تاركةً فجوةً كبيرةً وفراغ في الأدبّ والرواية العربيّة. رحلت أمّ القضيّة النسويّة في العالم العربيّ والناشطة الحقوقيّة، رحلت رفيقة الساحات والنضالات، قاهرة المجتمعات الأبويّة والأنظمة الرجعيّة ورجال الدين.
وداعاً للحنجرة الناطقة بإسم المرأة العربيّة، وداعاً للصرخة التي لا تخفت...
يارا حوحو