صباح أيوب
منذ أيام، استفاق سكّان مدينة نيويورك الأميركية على لوحات إعلانية كبيرة تنتشر على مداخل ٥٠ محطة مترو، طُبعت عليها خرائط فلسطين التي تؤرّخ مراحل قضم الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها. وعلى هذه اللوحات، كُتبت جملة: «٤،٧ ملايين فلسطيني تصنّفهم الأمم المتحدة كلاجئين». الخرائط التي جاءت باللونين الأبيض والأخضر، تبيّن بوضوح كيف تقلّص حجم فلسطين جغرافياً، وسُلبت الأراضي على يد الإسرائيليين منذ عام ١٩٤٦ حتى عام ٢٠١٠. طبعاً، أثارت الحملة الإعلانية الصادمة جدلاً في الإعلام الأميركي، الذي نقل امتعاض بعض السكان منها، واستنكار المسؤولين والناشطين اليهود والإسرائيليين لمضمونها. حتى إنّ بعض وسائل الإعلام لامت إدارة النقل الخاصة في المدينة، وطالبتها بإزالة تلك الإعلانات فوراً.
راعي الحملة الإعلانية ومطلقها يدعى هنري كليفورد، مدير «لجنة السلام في فلسطين وإسرائيل». والأخيرة مجموعة ناشطة تهدف إلى «تثقيف العموم» حول الصراع العربي الإسرائيلي و«تتوسّل الحملات الإعلانية» لنشر أفكارها وممارسة الضغط من أجل تحقيق غاياتها وفق ما توضح على مدونتها الإلكترونية. تعلن اللجنة على المدونة أيضاً أنها تؤمن بفكرة إنشاء الدولتين والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة و«وقف العنف من قبل الطرفين».
قناة «فوكس نيوز» المحافظة والأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة، وصفت الحملة بـ«الاستفزازية»، وركّزت على الانتقادات التي تتهم الإعلان بأنّه «مضلل يفتقر إلى الدقّة»، كما توقّف خبراء المحطة عند الناحية القانونية لنشر الإعلانات على مداخل محطات المترو في المدينة. من جهتها، وصفت شبكة «سي. بي. إس. نيوز» التلفزيونية الإعلان بـ«المتفجّر»، منبّهة إلى أنّ «السجال الطويل حول السياسة والدين والأرض وصل إلى محطات القطار القريبة منك هذه المرّة!». تقارير «سي. بي. إس» نقلت عن رئيس تحرير إحدى الصحف اليهودية قوله إن «الحملة الإعلانية تلك معاديةٌ للسامية، ومهينة لليهود، إذ تصوّرهم إمبرياليين يسرقون أراضي الآخرين». مواقف مسؤولين في مؤسسات إسرائيلية ويهودية أخرى في نيويورك برزت في وسائل الاعلام لتستنكر الحملة الإعلانية «المضللة والمنحازة ضد إسرائيل». حتى إنّ بعضهم احتج قائلاً: «لم يأتِ الاعلان على ذكر أنّ اليهود كانوا يواجهون خطراً وجودياً على أراضيهم وتصدوا لحملات الإبادة ضدهم». أما المارّة الذين استوقفهم الإعلان، فقد أظهرت المقابلات التلفزيونية أنهم منقسمون بين «معجب به» و«رافض له، لأنه موجه ضد إسرائيل»، وبين من «لم يفهم شيئاً منه».
موقع مجلة «ذي هافنغتون بوست» ذكّر من جهته أنه في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، رفضت إدارة النقل نشر إعلان لإحدى أبرز الشخصيات المعادية للإسلام في نيويورك، التي قادت في السابق حملة إعلانية ضد إقامة «مسجد المنطقة صفر» في موقع برجي التجارة العالميين، لكن ماذا يقول مطلق الحملة عن إعلانه؟ وما الذي دفعه إلى تكبّد مبلغ ٢٥ ألف دولار كلفة نشر هذه الإعلانات في المدينة؟ «هدفي تثقيف الناس حول ما يجري من حولهم، وإطلاعهم على الحقائق التاريخية الصحيحة المتعلقة بتلك المنطقة»، يقول هنري كليفورد لمحطتي «فوكس نيوز» و«سي. بي. إس. نيوز». ويضيف: «هناك دائماً مساحة للنقاش بين الأطراف حول موضوع خلافي، لكن لا نقاش في الوقائع، وهذه الخرائط تعرض وقائع». ويرد كليفورد على من يشكك في صحة المعلومات التي نشرها الإعلان بالقول «إن على هؤلاء أن يثبتوا أين الخطأ فيها، الكرة باتت في ملعبهم الآن». ويعرب كليفورد عن قناعته بأنّ «الإسرائيليين لطالما كان هدفهم الأساسي الاستيلاء على مختلف الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها، وهذا ما تبيّنه الخرائط أيضاً».
وكالعادة، تحرّكت المجموعات اليهودية والإسرائيلية الناشطة سريعاً، وطالبت إدارة النقل الرسمية في المدينة بـ«إزالة الإعلانات من مواقعها»، لكن الإدارة ردّت بأنّه «لا يمكنها قانونياً منع نشر إعلان بسبب ما يعبّر عنه، أو بسبب الاختلاف في وجهات النظر حوله»، وتابعت: «لا نؤيد ما جاء في الإعلان حول فلسطين، كما لا نتبنى مضامين كل الإعلانات التي وافقنا على نشرها مسبقاً، لكنّ الإعلانات ستبقى في أماكنها».
يبدو أن الإعلان نجح على الأقلّ في إثارة فضول بعض المواطنين الذين سيصادفون فلسطين المحتلة على طرقاتهم على مدى ٣٠ يوماً... فهل تنجح هذه الحملة في اختراق ــ ولو قليلاً ــ الخطاب الإعلامي السائد في أميركا عن الصراع العربي الإسرائيلي؟
http://copip.blogspot.com
الاربعاء ١٨ تموز ٢٠١٢
تى ليل أول من امس، بقيت إسرائيل تتباهى بالعملية التي نفذها سلاح جوها في اليوم الثالث من عدوان تموز. تحدّثت عن مئات ملايين الدولارات التي أنفقت طوال سنوات لتحديد الصواريخ البعيدة المدى التي تملكها المقاومة، فيما كشف الامين العام لحزب الله أن الاهداف لم تكن سوى خديعة من المقاومة
ابراهيم الأمين
أسباب عدة دفعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى الكشف عن واحدة من أضخم عمليات التضليل الاستخبارية التي تعرضت لها إسرائيل في حروبها مع العرب، وأوقعتها في الفخ الكبير بداية حرب تموز 2006، وأهداف عدة قصد إصابتها في هذا التوقيت، ورسائل عدة بعث بها في سرد استمر عشر دقائق. وكلها أمور تتعلق بصلب الصراع القائم في المنطقة اليوم، حيث تحولت الأزمة السورية الى وجه من وجوه هذا الصراع، بعدما باتت الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن معهما من العرب، طرفاً مباشراً فيه.
وهي الأزمة التي تحوّلت عنصراً مركزياً في مصير بلدان أخرى كلبنان والأردن، الى جانب القضية الفلسطينية. وإلى حين، ربما يبقى الإسرائيليون وحدهم يتابعون الأمر بجدية الى أن يلتفت الآخرون الى النتائج.
في أصل الموضوع، كانت بعض الإشارات قد صدرت من جانب المقاومة في الأشهر القليلة التي تلت الحرب في عام 2006 حول فشل ما سماه العدو «الوزن النوعي». لكن أي معلومة حاسمة لم تصدر عن الحزب أو المقاومة. حتى إن الإسرائيليين الذين تلقوا هذه الإشارات تعاملوا معها باستخفاف. وهم ظلوا على اقتناع بأن ما قاموا به في ساعات الفجر، تلك، كان إنجازاً حقيقياً. وبين تحقيقات فينوغراد وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين وصراعات الأجهزة حول من يتحمل مسؤولية الإخفاقات، بقي الجميع يتحدث عن هذه العملية باعتبارها الحقيقة الأقوى التي حاول العدو طويلاً تحويلها الى البقعة البيضاء الكبيرة في صفحة حرب لبنان الثانية السوداء.
ودرج العدو على اعتبار خطة «الوزن النوعي» في أدبياته «درة تاج» إنجازات حرب تموز. وكل ما كتب ووثق عن الحرب تصرف مع هذه الخطة على أنها «أص الكُبَّة» الذي ادّخره الجيش والأمن في اسرائيل لمواجهة حزب الله، إلى حد جعلت أحد المعلّقين العسكريين في إسرائيل يصف العملية بأنها «التظاهرة المذهلة للجمع الاستخباري والقدرات العملانية». وقال إن «النشوة التي ولّدتها» لدى القيادتين العسكرية والسياسية جعلتهم يندفعون قدماً في الحرب من دون الالتفات إلى نفاد بنك الأهداف في اليوم الرابع منها.
والخطة، كما عرضها الإسرائيليون، هي عبارة عن عملية معقدة وطويلة الأمد لجمع معلومات دقيقة عن خريطة انتشار الذراع الصاروخية المتوسطة والبعيدة المدى الموجودة في حوزة المقاومة. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن سلاح الجو تمكن خلال تنفيذ هذه الخطة في ليلة الحرب الأولى من تدمير 70 إلى 80% من صواريخ هذه المنظومة. وقد أُطلق على هذه الليلة في أدبيات العدوان اسم «ليلة الفجر»، في إشارة إلى صواريخ «فجر 3» و«فجر 5» التي تشكلت منها ترسانة هذه الذراع وفقاً للمصادر الإسرائيلية.
الخطة برواية إسرائيل
وفي وقت لاحق على الحرب، سربت الاستخبارات العسكرية بعض معلوماتها عن الخطة. وفي كتاب «أسرى في لبنان» لمؤلفَيْه عوفر شيلاح (محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت») ويوآف ليمور (مراسل الشؤون العسكرية في القناة التلفزيونية الأولى) ورد شرح مفصل عن العملية. وتحدث المؤلفان عن «ستة أعوام من الإعداد، والجهود الاستخبارية الضخمة، والكثير من ساعات المناورة والتنظيم التي استثمرت فيها مئات ملايين الدولارات، من أجل تنفيذ هجوم واسع على عشرات الأهداف، معظمها مخازن أسلحة ومنصات إطلاق متوسطة وبعيدة المدى تابعة لحزب الله، كانت «الأص» في الأوراق التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي: ضربة جوية ساحقة، شبيهة بفجر الخامس من حزيران 1967، وبالهجوم على صواريخ أرض جو وطائرات سلاح الجو السوري في البقاع اللبناني عام 1982، والقصف التمهيدي الذي نفذته الولايات المتحدة في العراق عامي 1991 و2003.
ويشير الكتاب الى أن «أكثر من أربعين عملية خاصة لوحدات مختلفة تابعة لـ«أمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية) استكملتها بمستوى عال من الدقة، بحيث أصبحت إسرائيل لا تمتلك فقط خريطة لأمكنة صواريخ الفجر، إلى درجة معرفة أي غرفة في البيت المحدد يوجد فيها الصاروخ، بل أيضاً قدرات خاصة على العمل: منظومات الـ«جي بي أس» كانت مصفرة بدقة يبلغ هامش الخطأ فيها متراً مربعاً واحداً. أما القنابل (الخارقة للتحصينات)، فقد أدخلت الإحداثيات في رقائقها الإلكترونية. وأقام سلاح الجو نموذجاً في جنوب إسرائيل، تدرب الطيارون فيه على مهاجمة أهداف من النوع الذي كان ينتظرهم في جنوب لبنان. المعونات الاستخبارية استكملت، بحيث يتم سحبها لحظة صدور الأمر وإرسال الطيارين إلى أهدافهم ضمن حد أدنى من الوقت».
ماذا فعل حزب الله؟
في كلمته أول من أمس، لم يتحدث السيد نصر الله عن عملية التضليل بحد ذاتها. قرر فقط الإعلان عن حصول العملية. لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام سيل من الأسئلة المتراكمة منذ مساء أمس على طاولة كل المعنيين في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. وسوف يفتتح المزاد بسؤال قيادي:
س ــ هل يقول نصر الله الحقيقة؟
ج ــ لا يمكننا الجزم. لكن لم يسبق له أن كذب، أو غامر بصدقيته أو صدقية جماعته في أمر كهذا. ثم إن سيرة الحرب كما توالت فصولها تشير الى أن مخزونه من الصواريخ النوعية، إما كان أكبر مما نعتقد أو أنه فعلاً ضلَّلنا. ولدينا سوابق معه. لقد حصل في سنوات سابقة أن أجبرنا على التشكيك بصدقية عملاء كثر لنا في لبنان، من خلال لعبة العميل المزدوج. وفي الأعوام الأخيرة، كشف لنا عن قدرات كبيرة في العمل الاستخباري أدت الى فقء عيون كثيرة لنا. ثم هناك مثال عملية أنصارية التي بقيت ألغازها الى ما بعد 13 عاماً، عندما قرر نصر الله الكشف عن بعض تفاصيلها في سياق حاجات أخرى له. وتبين لنا أن ما قاله كان صحيحاً، وأنه فعلاً كان في انتظارنا يومها في البساتين الساحلية.
س ــ كيف نجح في تحديد خطتنا الأمنية، ومتى؟
ج ــ الفحص المفترض بنا القيام به اليوم، والذي سيتناول ملفات مكدّسة وعشرات الأشخاص والوسائل البشرية والتقنية، هو الذي سيوفر الإجابة.
س ــ حسناً، وكيف تتم عملية التضليل، هل من خلال عملاء مزدوجين أم من خلال تضليل تقني أم كيف؟
ج ــ التحقيقات نفسها قد تدلنا على نقاط الضعف، وقد نضع تصورات وتقديرات لا توفر لنا إجابة حاسمة. لكن إذا فهمنا نقاط الخلل، يمكننا بعدها رسم الصورة التقريبية. وإن كنا سنبقى ننتظر نصر الله، لسنوات طويلة أيضاً، قبل أن يقدم لنا الرواية، ويكمل لنا الرسم الناقص عندنا؟
س ــ حسناً، إذا كان ما قاله نصر الله صحيحاً، فهل هو عمد الى التضحية بقوة صاروخية حقيقية، أم أنه أنجز عملية التبديل بطريقة خاصة جداً أبقتنا من دون رؤية؟ وكيف يفعل ذلك ونحن نضع الأهداف تحت المراقبة الدائمة؟ هل يمكن أن يكون قد أنجز عملية النقل عشية عملية الأسر في 12 تموز، أم بعدها بساعات، أم ماذا؟
ج ــ التجربة مع حزب الله تدل على مفاجآت أمنية معقدة. وبالتالي، فإنه بقدر ما هو ضروري معرفة الجواب عن هذا السؤال، بقدر ما أن النتيجة واحدة. وهي أننا تعرضنا لعملية تضليل، تعني أن ما قد نعتبره أو نعتقده صحيحاً اليوم، يجب التشكيك به أو إعادة فحصه للتثبت، وخصوصاً أن الرجل أتبع روايته بتهديد لنا على شكل مفاجأة.
س ــ عن أي نوع من المفاجآت يتحدث؟
ج ــ إنها مفاجأة، ولو كنا نعرف بها لما كان السؤال واجباً، وإذا كنا لا نعلم، فإننا لن نعلم بها إلا إذا تحولت أمراً واقعاً، أو أجرى تعديلاً عليها وأعدّ مفاجأة أخرى مكانها.
لماذا إعلان نصر الله اليوم؟
قد يكون من المفيد التذكير بأن الحرب الأمنية المفتوحة بين المقاومة والعدو تشهد فصولاً متطورة ومعقدة للغاية. الطرفان يرفضان الحديث عن عمل قائم ومستمر. لكن العناوين لم تعد كما كانت عليه قبل ستة أعوام. حتى القدرات والموارد التي ينفقها الجانبان على هذا النوع من العمل أكبر بكثير مما يتوقع كثيرون. ثم إن السيد نصر الله، يلفت الانتباه (ولو بمعرض التحذير) الى أن عملية التضليل قد تكون قائمة الى الآن، ما يعني أن ما تريد إسرائيل مفاجأة المقاومة به في الضربة الأولى من الحرب المقبلة، قد لا يعدو خبراً قديماً في ملفات الحزب، علماً بأن الخيال المتصل بحالة المواجهة يتيح التوقع بأنه مثلما سيكون لإسرائيل ضربتها الأولى، سيكون للمقاومة ضربتها الأولى، سواء شنت الحرب من جانبنا، أو ترك للعدو أن يسرّ لساعات بعملية نوعية ابتدائية. ويمكن لنا أن نتخيل عشرات، إن لم نقل مئات، الأهداف العسكرية والسياسية والمدنية والاستراتجيية في إسرائيل عرضة لقصف صاروخي نوعيّ ومدمّر وشديد الدقة خلال دقائق معدودة. وبعدها يحلو الكلام!
أما السبب المتصل بالتطورات، فهو تعاظم الإشارات الى احتمال توريط العالم اسرائيل بعملية مجنونة في سوريا، أو على حدودها، وخصوصاً أننا نعود الى أجواء عام 2006. فمحاولات قلب النظام في سوريا سياسياً فشلت. وما يجري الآن ميدانياً، بما في ذلك جريمة اغتيال الضباط الكبار، لا يعدو كونه عملاً أمنياً وجزءاً من حرب مفتوحة، لكنه ليس من النوع الذي يدل على تغييرات جوهرية في موازين القوى أو قواعد اللعبة. ومع تصويت روسيا والصين أمس ضد قرار تدخل خارجي جديد، لا يبقى أمام أعداء سوريا والمقاومة سوى اسرائيل لتكون الصبي الأزعر. وهي تعطي الإشارات إما من خلال الحديث عن خشية من تحول منطقة الAffinityCMSن الى سيناء جديدة، أو من خلال الحديث عن خطر محدق بسبب احتمال انتقال أسلحة نوعية سورية الى المقاومة في لبنان، ومن بينها الأسلحة الكيميائية.
إذا فكرت اسرائيل بخطوة من هذا النوع، فهي تعي اليوم، صراحة، أن حزب الله ليس على الحياد، بل هو في قلب معركة من شأنها إعادة رسم خريطة المنطقة بأكملها.
العدد ١٧٦٢ الجمعة ٢٠ تموز ٢٠١٢
في ظلّ النيران المشتعلة في المنطقة، وخاصة في سوريا، بدأت إسرائيل ومَن خلفها يلمّحون إلى إمكان القيام بعمل عسكري، تحت ذريعة منع انتقال مخزون السلاح الكيميائي السوري إلى أيدي المقاومة. خطوة كهذه كفيلة بإشعال المنطقة، لأن قرار طهران والمقاومة، الذي وصل إلى من «يعنيهم الأمر»، يقضي بعدم الوقوف موقف المتفرّج
إبراهيم الأمين
بعيداً عن التعليقات ذات الطابع النظري لما يجري في سوريا، وتالياً في المنطقة، يبدو أننا أمام أسابيع يسودها الحذر الشديد إزاء احتمال حصول انفجار كبير. وعند الإشارة الى انفجار، يعني أن الحديث يدور عن مواجهة ما قد تندلع مع إسرائيل. وهو تطور من شأنه إعادة خلط الأوراق في كل دول المنطقة، ويهدد بتوسيع دائرة التوتر الدموي نحو مناطق أخرى من دول الإقليم. لكن يبقى أن مفتاح أزمة كهذه موجود بيد الأطراف الخارجية المتورطة في الأزمة السورية.
في الوقائع، لا يحتاج أحد الى تفسير لقرار «الغرب» العودة الى مهمة كوفي أنان، برغم الإعلان عن فشلها، سوى عدم توفر البديل. والمقصود هنا بالبديل، عدم قدرة المعارضة السورية المسلحة، ومعها عواصم عربية وإقليمية ودولية، على إنتاج وقائع ميدانية تتيح الحديث عن تبدل جوهري في ميزان القوى على الأرض.
وقائع الميدان والمعارضة
روبرت مود، رئيس فريق المراقبين الدوليين في سوريا، زار لبنان قبل عدة أيام لساعات قليلة. أمضى سهرة هادئة مع أصدقاء في بيروت، كانوا يستفسرون منه عن حقيقة الأوضاع وتقديراته للموقف. تحدث مود عما سماه «مبالغات النظام في سوريا لحجم الإسلاميين المتورطين في أعمال العنف»، لكنه أشار إلى «أن الحراك الشعبي السلمي انحسر الى حدود العدم، وأن المعارضة المسلحة تنتشر، لكن بفوضى كبيرة، وبقدرات يصعب أن تؤدي الى تغييرات جدية على الأرض». وقال مود إن «النظام لا يزال متماسكاً، وإنه يسيطر على مناطق واسعة من سوريا، وإن المسلحين يسيطرون على بعض الأرياف، وإن مواجهة كالتي تقوم الآن تعني أن الرئيس بشار الأسد يقدر مع جيشه على الصمود سنوات طويلة، ما لم يحدث تطور مفاجئ».
قبل مود، كان موفدون أتراك يجولون في بعض العواصم الداعمة لسوريا. منهم من زار بيروت أيضاً، داعياً «الى بحث ولو نظري حول الوضع من أجل ابتداع آلية للحل تقوم على فرضية رحيل الأسد». وجد هؤلاء من يصدّهم. وعندما بدا لتركيا كما لجهات أوروبية وجود استعداد روسي لمناقشة الفكرة ولو «نظرياً»، سارعت دمشق نفسها، وقبلها وبعدها إيران الى إبلاغ القيادة الروسية «رفض أصل الفكرة» مع تحذير إيراني «من هكذا فخ لا يجب الوقوع فيه». وهو ما تحوّل لاحقاً الى «رسالة رسمية للغرب بأن أي بحث في حل يقوم على فكرة رحيل الأسد، لن يكون على الطاولة من يقدر على مناقشته».
في هذه الأثناء، برزت الى الواجهة الصعوبات غير العادية في وضع المعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية. وإلى جانب الصورة الهزلية لاجتماعات قوى المعارضة في القاهرة، فإن الأوساط الاستخبارية الغربية بدأت تتحدث عن «تشرذم خطير في صفوف هذه المعارضة». وقد مورست ضغوط على عواصم عربية من أجل «جمع هؤلاء بالقوة»، لكن النتيجة لم تأت بشيء. وبدل أن ينجح هؤلاء في «القيام بخطوات تعزز وضع المجموعات الناشطة على الأرض، انعكس الأمر سلباً على المجموعات العسكرية، إذ بادر بعضها الى إعلان استقلاليته العملانية، ما أدى الى تعاظم نفوذ المجموعات الإسلامية المتشددة، بينما صارت البقية تحصر تواصلها مع الخارج بمراكز التنسيق من أجل الحصول على أموال وعتاد غير مكتمل. فيما تنشط مجموعات أخرى على خط وساطات تهدف الى تنظيم «عملية التخلي عن السلاح بصورة متزامنة مع حلول سياسية».
اهتمامات الغرب وإسرائيل
وسط هذه الانشغالات، يبرز الى السطح مجدداً الجانب الآخر من الاهتمام الغربي والإسرائيلي بما يحصل في سوريا. وتكشف تقارير، يستند معظمهما الى معلومات استخبارية، عن نشاط مطّرد (بينه نشاط ميداني منسوب الى قوات خاصة تركية وبريطانية، وربما أميركية) وهدفه الوصول الى خريطة «تمركز الأسلحة غير التقليدية للجيش السوري». والمقصود هنا ليس «ترسانة الصواريخ البعيدة المدى، بل أيضاً ما يقول الغرب إنه أكبر مخزون من الأسلحة الكيميائية في المنطقة». وخلال أسبوعين، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية تقارير عدة تركز على العنوان نفسه، فأشارت مجلة «فورين بوليسي» الى أن «أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى العراق والأردن ولبنان والسعودية، تحذّرهم من احتمال عبور أسلحة الدمار الشامل السورية حدودها»، بينما أفادت شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية، يوم أمس، بأن مصادر استخبارية حذّرت من إمكانية تدخل إسرائيل عسكرياً لمنع وقوع مخزون سوريا السري من الأسلحة الكيميائية في أيدي الإرهابيين، الى أن وصل الأمر إلى حد إعلان مصادر إسرائيلية «أن الولايات المتحدة أبلغت تل أبيب بأن الاستخبارات التركية أوضحت لها أنها لم تعد تملك معلومات مؤكدة عن مكان وجود هذه الأسلحة»، ما دفع الى استنفار غير مسبوق في إسرائيل عبّر عنه قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، يائير غولان، الذي تحدث عن عبور أسلحة استراتيجية من سوريا إلى حزب الله، «تشمل كل الأنواع، باستثناء السلاح الكيميائي». لكن صحيفة «إسرائيل اليوم» التي قابلت غولان كتبت ما فهم أنه استنتاج لنقاش غير رسمي مع الرجل حول «وجود إمكانية لاشتعال كبير ومهدّد، وأن نقل سلاح استراتيجي من سوريا إلى حزب الله قد يشعل حرباً كبيرة». وعما إذا كان نقل سلاح كيميائي للحزب سيمثّل ذريعة «لكسر الأواني»، أجاب غولان: «أعتقد أن هذا حادث خطير لا نظير له، وسيكون لزاماً علينا أن نفعل شيئاً حياله. لن نجلس ونشاهد ذلك يحصل». وما لبثت أن أبلغت مصادر عسكرية وأمنية صحيفة «جيروزاليم بوست» أن «تلقي الغرب لمعلومات استخبارية عن نقل أسلحة كيميائية إلى لبنان، قد يدفعه نحو عمل عسكري استباقي».
ولم يكتف الإسرائيليون بهذه المعلومات، بل بادروا ومن دون سابق إنذار الى إطلاق موجة تهديد متواصلة للبنان وحزب الله. كان البارز فيها ما أورده موقع «نيوز وان» الإخباري العبري من أنه يجب العمل على إنتاج أسلوب ردع جديد، يتمثل في إفهام حزب الله بأن ما يواجهه هو دولة مجنونة». والمقصود هنا ما قاله كثيرون في إسرائيل من أن أي مواجهة مع حزب الله سوف تعني «تدمير كل شيء في لبنان».
بديل عملي
وبين وقائع سوريا الميدانية، وهواجس الخارج المعادي للحكم فيها، يمكن سرد الحقائق التي تقود الى الاستنتاج المقلق. بات واضحاً أن ميزان القوى الدولي يمنع على مجلس الأمن إصدار أي قرار بتدخل عسكري مباشر في سوريا بهدف إسقاط النظام. أما الاتكال على أعمال متطورة من جانب الحدود فهو أشبه بالصراخ في واد سحيق. الأردن عرضة لانفجار داخلي محتوم إن قررت قيادته الرسمية التورط. وتركيا تحاذر المواجهة، الى حدود أنها مستعدة لإعلان مسؤولية الطيارين التركيين عن سقوط الطائرة قبالة الساحل السوري. بينما أبلغت الولايات المتحدة الأميركية الحلفاء في لبنان «ضرورة التنبه من القيام بعمل زائد عن اللزوم يؤدي الى انهيار الوضع، وبالتالي فقدان الغرب والمعارضة السورية أرضاً صديقة» وهو ما ترافق مع وقائع معلنة وأخرى غير معلنة أدت الى «انحسار تدريجي في بقع تمركز وتحرك المعارضة السورية المسلحة في لبنان».
في جانب آخر، لا يزال النشاط «السياسي والأمني والمالي القائم من قبل عواصم غربية وعربية في قلب المؤسسة الحاكمة في سوريا دون المستوى المطلوب لضمان انقلاب عسكري حقيقي». وهي حقيقة يرددها المعنيون أنفسهم، علماً بأنه يترقب حصول انشقاقات إضافية على طريقة مناف طلاس والسفير السوري في العراق. لكن إمكانية أحداث فارق نوعي باتت أقل بكثير مما كان متوقعاً قبل ستة أشهر.
إزاء ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة والغرب قد عادوا الى البحث في دور «أزعر المنطقة» الذي تترك له الأعمال القذرة في اللحظة الحرجة. ومثلما كانت عليه الحال في لبنان بين عامي 2005 و2006، وصلت الأمور الى حدود إعلان القوى المحلية في سوريا ومعها الغرب العجز عن تحقيق تبدل كبير من دون عمل ميداني كبير. وفي هذا السياق، فهم أن إسرائيل دخلت مرحلة «الاستعداد» لاحتمال قيامها بـ«عمل عسكري خاطف ضد سوريا، حجته المبررة دولياً هي التخلص من أسلحة دمار شامل، على غرار التجربة العراقية، وأهدافه تتعلق بتوجيه ضربات مدمرة للجيش السوري وللدولة السورية بهدف وضعها في موقع ضعيف للغاية، ما يمكّن الغرب والعرب المعارضين للأسد من توجيه ضربات قاضية تسمح للمعارضين السوريين المسلحين بالانقضاض على الدولة هناك».
الرسائل الساخنة
وفي هذا السياق، بدا واضحاً الهدف الأبرز من وراء التهديدات الإسرائيلية المستجدة للبنان. ظن البعض أن تل أبيب تستعد لمغامرة عسكرية ضد إيران في ضوء فشل المحادثات الغربية حول برنامجها النووي. لكن المؤشرات تبدو ضعيفة جداً إزاء قيام العدو بحماقة بهذا الحجم. فيما تقول المعطيات المعروفة أو غير المعروفة إن إقدام إسرائيل على شن حرب على لبنان هو أشبه بدعوة الجميع الى حفل شواء في الجحيم. فلا يبقى من الرسالة سوى محاولة «لتحييد قسري» لحزب الله عن أي تدخل ضد إسرائيل في حال قررت هي القيام بعمل عسكري ضد سوريا. وكان في الغرب، كما في إسرائيل، من يعتقد بأنه يمكن «استفراد بشار الأسد في هذه اللحظات».
واقع الحال ليس كما يتخيله الإسرائيليون، فنتيجة أي هجوم عسكري إسرائيلي على سوريا، يعني بعبارة واحدة: دعوة حزب الله الى الحرب. وبالتالي سوف يكون من السذاجة توقع «وقوف إيران وحزب الله على الحياد أو التفرج على سقوط حليفهم الرئيسي في المنطقة يسقط، وعلى يد من... إسرائيل؟».
وعليه، فإن سيلاً من الرسائل الساخنة قد وصل الى من يعنيه الأمر في تل أبيب وفي واشنطن وحتى في عواصم أخرى، من أن عملية عسكرية إسرائيلية ولو كانت خاطفة ضد سوريا، تعني تدحرج المنطقة نحو حرب شاملة. وفي هذه الحالة، فإن المحظورات التي تمنع اشتعال مناطق أخرى من العالم العربي إو الإقليم سوف تسقط دفعة واحدة. وسوف نكون أمام واقع صعب ودقيق وشديد الألم. وساعتها، لن ينفع أحداً القراءات الاستراتيجية ولا التحليل والتمنيات ولا الدعاء. سوف نشهد أشد الفصول سخونة في الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. ويفوز من يصبر.
لنستمع جيداً إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد غد الأربعاء!
الاثنين ١٦ تموز ٢٠١٢
أعادت الأحداث التي شهدتها محافظة القطيف في السعودية خلال الأسبوع الحالي تسليط الضوء على لغم سياسي – اجتماعي قد يؤدي انفجاره إلى تحولات دراماتيكية في المملكة التي ما زال حكامها يقاومون بديهيات الإصلاح.
يوم الأحد الماضي، تدهورت الأوضاع في القطيف فجأة، فقد ألقت السلطات الأمنية القبض على رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر بعد إطلاق النار عليه مباشرة.
ونشر ناشطون صوراً على شبكة الانترنت لرجل ذي لحية بيضاء قالوا إنه الشيخ النمر داخل سيارته، وكانت تغطيه ملاءة بيضاء عليها بقع من الدماء.
وقوبل اعتقال الشيخ بغضب شعبي عارم، إذ نزل الآلاف من شباب المنطقة الشرقية إلى الشارع للاحتجاج على ما حدث، فقُتل اثنان منهم (محمد الفلفل وأكبر الشاخوري). ويقول ناشطون إن الشابين قتلا برصاص قناصة من قوات الشرطة كانوا يتمركزون على أسطح المباني، وهو ما تنفيه وزارة الداخلية التي تقول إن إطلاق النار على الشابين أتى من «مصادر مجهولة».
وبالرغم من تدخل شخصيات بارزة في القطيف لتهدئة الشارع، ونجاحها، حتى الآن، في احتواء الغضب الشعبي المتصاعد، والذي تبدى خلال جنازتي تشييع الشابين، إلا أن أحداث الأسبوع الحالي جددت مخاوف من احتمال أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، خصوصاً أن الحديث يدور عن أزمة حقيقية تبقى منذ عقود ناراً تحت رماد.
اعتقال النمر
في الظاهر، تعود الأسباب المباشرة للأحداث الأخيرة إلى يوم 16 حزيران الماضي، حين استقبل بعض شباب القطيف خبر وفاة ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز بتنظيم مسيرات احتفالية أطلقوا خلالها المفرقعات النارية، وأحرقوا صور ولي العهد الراحل، وهتفوا بسقوط آل سعود.
بعد ذلك بأيام، خرج الشيخ نمر ليدافع عن شباب القطيف قائلاً «كيف لا نفرح؟ الذي قتّل أولادنا ألا نفرح بموته؟ الذي سجّن أولادنا ألا نفرح بموته؟»، مضيفاً «هذه البلد يحكمها أبناء عبد العزيز إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا تصريح نايف. فليحكمها من القبر».
لكن شقيق الشيخ النمر، المعارض السعودي محمد باقر النمر، يقول لـ«السفير» إن الموضوع أبعد من مجرّد رد فعل فردي وسلوك من قبل بعض الأشخاص ممن احتفلوا بوفاة نايف. ويوضح «الإعلام التابع لوزارة الداخلية يتحدث عن حرق لصور الأمير نايف، ولعل ذلك حدث، لكن ثمة قضايا خطيرة يتم تجاهلها، ومن بينها ابتزاز رجال الأمن لشخصيات بارزة في القطيف عند مفارز التفتيش، واستفزاز وسائل الإعلام لمختلف شرائح المجتمع وخصوصاً الشيعة».
في المقابل، يرى الكاتب السعودي جمال الخاشقجي، في حديث إلى «السفير»، أن اعتقال الشيخ نمر جاء على خلفية مطالبته بالانفصال، معتبراً أن السلطات السعودية تأخرت كثيراً في اعتقاله. ويوضح الخاشقجي أن الشيخ النمر «بلغت به الجرأة أن دعا إلى انفصال المنطقة الشرقية، وهذا أمر يرقى إلى ان يكون جريمة»، مشيراً إلى ان «الرجل تجاوز كل الحدود، والدولة أعطته الفرصة تلو الفرصة عبر وساط للتراجع عن هذه المواقف، لكنه استمر بها، وهذا يعد تهديداً لوحدة المملكة لا يرضاه السعوديون».
غير أن محمد باقر النمر ينفي أن يكون شقيقه قد طالب بانفصال المنطقة الشرقية. ويوضح «لو عدت إلى التسجيل، لاكتشفت أن الشيخ نمر قال حرفياً: قال إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبنا المشروعة، وإذا لم تعط لنا حقوقنا، فليدعونا وشأننا»، متسائلاً «عندما تغلق السبل والطرق وتوصد الأبواب ماذا تراه يفعل هذا الشيخ أو العامل أو الفلاح أو الموظف؟».
ويشير محمد باقر النمر إلى أنه «لا يوجد عملياً برنامج بالانفصال لدى أي أحد في المنطقة الشرقية... أما إذا تكلم أحد هنا وآخر هناك فهذا شيء آخر»، مشدداً على أن «ثمة مساعي جادة ومخلصة من قبل أهالي القطيف لتعزيز الاندماج الوطني»، وهو ما تبدّى في عرائض وبرامج عديدة قدمتها فعاليات المنطقة بالاشتراك مع قوى سياسية واجتماعية أخرى.
غير أن الخاشقجي يرى أن الشعور بالإجحاف لا يبرر المطالبة بالانفصال، موضحاً «لكل سعودي الحق في أن يطالب بما يطالب، ونحن نطالب الدولة بما نشاء، ولكن مطالبتنا تأتي في إطار الدولة، إذ لا يحق لأي أحد يشعر بإجحاف أن يدعو إلى التقسيم، وهذا مبدأ سائد في كل الدول».
ويبقى السؤال: لماذا تدهور الوضع بعد فترة هدوء نسبي شهدتها المنطقة الشرقية بعد سلسلة الاحتجاجات التي حركها تفاعل أهالي المنطقة مع موجة «الربيع العربي»؟
يرى محمد باقر النمر أن ثمة جانبين للموضوع، الأول، هو أن «ثمة ضغوطاً مارستها فئات سلفية متشددة على وزارة الداخلية بعدما وجهت إليها اللوم بالتساهل مع المعتقلين الشيعة، علماً أن الحقيقة ليست كذلك». والثاني، هو «رسالة سياسية ربما أرادت السلطات أن تبعث بها إلينا».
ويشير النمر إلى أن «ما حدث شكّل مفاجأة لنا»، موضحاً أنه «بعد تعيين الأمير أحمد بن العزيز وزيراً للداخلية، تم إطلاق 5 أو 6 من معتقلي الرأي، وتوقعنا أن تستمر هذه الانفراجات، ولو بوتيرة بطيئة، لكي يبدأ الأمير أحمد عهداً جديداً، ولكننا فوجئنا بهذا السلوك الأمني الذي لم نشهده حتى مع الأمير نايف». ويضيف أن ما حدث كان «رسالة قاسية لأهالي القطيف والاحساء، فالأمير أحمد بدأ عهده بالدماء، وهي بداية غير موفقة».
في المقابل، يقلل الخاشقجي من أهمية التوقيت، كما ينفي أن يكون اعتقال النمر قد جاء استجابة لأي ضغوط، مشيراً إلى أن «الدولة راعت ظروفاً معينة، بل أن ثمة من يقول إنها تأخرت كثيراً في اعتقاله». ويضيف أن «الرجل تُرك على أمل أن يتوقف عن هذه التصريحات»، ولعل سبب التأخير في اعتقال النمر، بحسب الخاشقجي، يعود إلى أن «تعامل الدولة مع قضية الأقليات يتطلب نوعا من الحرص والعناية».
جذور المشكلة... وآفاق الحل
وبعيداً عن الأحداث المباشرة المرتبطة باعتقال الشيخ النمر، فإنّ ما تشهده المنطقة الشرقية في السعودية من حراك شعبي هو نتيجة طبيعية لمشكلة ما زالت عصية على الحل منذ عقود، ويصطلح البعض على تسميتها بـ«المسألة الشيعية في السعودية».
ويشكل السكان الشيعة البالغ عددهم قرابة مليوني نسمة، ما بين 10 و15 في المئة من إجمالي عدد السكان في السعودية. ويقيم معظم هؤلاء في المنطقة الشرقية (القطيف والاحساء) التي تضم أكبر حقول النفط ومصافي التكرير. وثمة تجمعات شيعية في مكة والمدينة، بالإضافة إلى تجمع اسماعيلي (حوالي مئة ألف) في منطقة نجران على الحدود السعودية – اليمنية.
والواقع أن الشيعة في السعودية كانوا هدفا للتحريض الطائفي منذ تأسيس المملكة في العام 1932، ولعل الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة الشرقية في أواخر السبعينيات تعكس بشكل أو بآخر عمق المشكلة التي يميل كثر داخل المملكة إلى تجاهلها.
وفيما اتخذ الملك عبد الله لتحسين العلاقات بين الطوائف المتعددة في المجتمع السعودي، حين كان ولياً للعهد في عهد الملك فهد، فإن نطاق المعالجة السياسية لمشكلة الأقلية الشيعية في المملكة ظلت دون المستوى المطلوب.
وبالرغم من أن السبب الأبرز للحراك الشعبي في المنطقة الشرقية هو سياسة التهميش والتمييز التي تنتهجها الحكومة إزاء الأقلية الشيعية، إلا أن معظم أبناء المنطقة يرون من الظلم وصف تحركهم بـ«الطائفي».
ويقول محمد باقر النمر إن «الحراك في المنطقة الشرقية هو حراك مطلبي بالدرجة الأولى، يطالب برفع التمييز الطائفي ضد شيعة المنطقة الشرقية، وهذا حق مشروع وهو مطلب وطني من قبل كل المخلصين»، مشدداً على أن «أهل المنطقة الشرقية ينشطون ضمن حراك وطني وهم ليسوا في منأى عن باقي مطالب الإصلاح».
أما الخاشقجي فيشدد على أنه «من الخطأ الحديث عن مشكلة تاريخية في القطيف»، موضحاً أن «أبناء المنطقة هم كغيرهم من أبناء السعودية، وبالتالي لا يجوز الحديث عن حالة خاصة تستدعي أن نصفها بأنها أزمة».
ويرى الخاشقجي أن شكل الحراك في المنطقة الشرقية فيه عناصر مختلفة، «فهناك مجموعات تتناغم مع الطرف الخارجي، الإيراني تحديداً، وهؤلاء أقلية مهمشة حتى داخل المجتمع الشيعي، وهناك قوى وطنية شيعية تتفاعل مع غيرها من أجل الإصلاح في السعودية، وثمة تلاقٍ بينها وبين مختلف المثقفين السعوديين، حيث إن الجميع يدرك أهمية الشراكة لتحويل السعودية إلى بلد أفضل».
لكن النمر يرفض التلميح إلى الدور الإيراني في الحراك الشيعي، إذ يعتبر أن المنطقة الشرقية «أصغر من أن تدخل في معادلة إقليمية دولية»، مشدداً على أن «هذا الحراك موجود قبل أن تتوتر العلاقات بين إيران والسعودية، وقبل أن تقوم الثورة الإسلامية». يصف النمر استحضار العامل الخارجي بأنه «شماعة» تعلق عليها أخطاء النظام، مذكراً بأن أهالي القطيف والاحساء «مواطنون عرب أقحاح... ولا يحق لأحد أن يشكك في وطنيتهم».
ولعل النظرة المختلفة في توصيف المشكلة في المنطقة الشرقية مختلفة بين هذا وذاك، وهو أمر ينسحب على الرؤى المطروحة لحل هذه المشكلة.
وفي هذا الإطار، يرى الخاشقجي أن «معالجة المشاكل في القطيف تبدأ بأن يبادر وجهاء القطيف إلى الاتصال بالمسؤولين السعوديين، وأن نسعى جميعاً لنشر ثقافة الاعتدال»، مشيراً في المقابل إلى أنه «لا حاجة تستدعي اتخاذ مبادرة من قبل الحكومة تجاه بضع أشخاص خرجوا على النظام.. فأنت كمن تقول لماذا لا تقدم الحكومة مبادرة لتنظيم القاعدة».
أما النمر فيرى أن حل مشكلة القطيف يبدأ بـ«قرار سياسي شجاع» من القيادة السياسية في البلاد، مشدداً على ضرورة «التخلي عن المعالجة الأمنية» التي أوصلت الحال الى ما هي عليه اليوم. ويضيف «نقول للمسؤولين: لقد جربتم المعالجة الأمنية طوال 70 عاماً ولم تتمكنوا من حل المشكلة، فلماذا لا تجربون المعالجة السياسية؟»، مشيراً إلى أن «المعالجة السياسية اعتمدت في الماضي حين اتخذ الملك فهد مبادرة شجاعة وتحاور مع المعارضة في الخارج». ويتساءل «كيف تطالب الحكومة السعودية أنظمة أخرى، كالنظام السوري، بالتخلي عن الحل الأمني واعتماد الحل السياسي فيما هي عاجزة عن تطبيق ذلك في الداخل؟».
في المقابل، يرفض الخاشقجي الحديث عن «معالجة أمنية» تنتهجها السلطة في مقاربتها لملف المنطقة الشرقية، إذ يرى أن «ما يحدث عملياً هو أن أجهزة الأمن ترد على كل من يخالف الأنظمة، سواء في القطيف أو في أي مكان آخر، من قبيل نصب الحواجز وإلقاء المولوتوف، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الدولة تستند إلى المعالجات الأمنية».
يرى كثرٌ على أن السعودية ليست بمنأى عن «الربيع العربي»، وإن كانوا يقرون بأن حجم تأثير الثورات العربية على المملكة يبدو ضعيفاً، وهو أمر فيه الكثير من الصواب، خصوصاً أن الحراك المجتمعي السعودي يكاد لا يتجاوز بديهيات الإصلاح السياسي، فيما السقف الأعلى للمطالب لا يتجاوز الدعوة إلى تحويل الحكم إلى ملكية دستورية... ومع ذلك فإن استحضار التجارب التاريخية، سواء في السعودية (سقوط الدولتين الأولى والثانية)، أو في مناطق أخرى في العالم يظهر أن لغماً سياسياً من مثل الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية قد يتحول في لحظة ما إلى كرة ثلج تنذر بتحولات دراماتيكية قد تخرج عن السيطرة.
في 3 كانون الأول2011 تجمع أفراد أمام باب وزارة الصحّة تحت شعار "حقي عليّي" يأكدون حقهم بالتغطية الصحية الشاملة. خرج وزير الصحّة و انضم الى المحتجين و قال: "أنا عامل خطة تؤمن التغطية الصحية بنسبة 100% للمواطن الأجير وغير الأجير والمتقاعد والكبير والصغير وفقاً لنفس المعايير"، ووعد بالإعلان عنها قبل 15 كانون الثاني 2012. وحتى الآن لم يتم مناقشة أي مشروع للتغطية الصحية الشاملة في مجلس الوزراء او في مجلس النواب.
لأن الوضع الأمني لن يلهينا عن المساءلة والمتابعة لانتزاع حقوقنا كمواطنين وعلى رأسها التغطية الصحية الشاملة،
لأن الوضع الأمني الحالي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بغياب الحقوق بشكل عام وبالأخص الحقوق الإجتماعية للمواطن،
لأن هذا النظام بشبكة المصالح الحاكمة فيه هو أيضا مسؤول عن مسلسل الأزمات الأمنية معتمداً التخويف والإلهاء عن المسائل الأساسية التي يمكن أن تؤدي لتغيير جذري في لعبة المصالح،
سئمنا من الترقيع،
سئمنا من التخويف وما يولّده من رضوخ،
نؤمن بكرامتنا الإنسانية وقدرتنا على التأثير في مصيرنا الشخصي وفي سيرورة المجتمع،
نتعصب لمنطق الدولة التي تجسد المصلحة العامة وتقدمها على أية مصلحة جماعية او فردية،
وانطلاقاً من فشل وتعاقس الوزير عن تحقيق وعوده
وانطلاقاً من إيماننا هذا بالكرامة و تعصبنا لدولة الحقوق
ندعوكم لمرافقتنا أمام وزارة الصحة* السبت 14/07/2012 في تمام الساعة 11:00، لدعوة وزير الصحة للإستقالة، في وقفة تساهم في فضح أداء السلطة السياسيّة بجميع أطيافها التي فشلت كليّاً بدورها في العمل من أجل المنفعة العامة ونقلت الدولة ومؤسساتها من منطق خدمة المواطن وحماية حقوقه إلى منطق سلب حقوقه وإعادتها فتاتاً على شكل امتيازات ومنافع وتبعيّة عبر المحسوبيات والمحاصصات الطائفية.
مواطنات و مواطنون – "حقي عليّي"
غير مدعومين من أي جهة أو طرف
رواند عيسى
10/07/2012
جورج إبراهيم عبد الله سيكون حاضراً في ذكرى الثورة الفرنسية هذا العام، وإن كان جسده غير قادر على الحضور. فأجساد المتضامنين التي ستتجمع لتهتف «أنا جورج إبراهيم عبد الله»، أمام قصر الصنوبر، السبت المقبل في 14 تموز الجاري، ستكون هي الجسد لروحه النضالية. وبالتزامن مع ذكرى الثورة الفرنسية، والاحتفال السنوي الذي يُقام في قصر الصنوبر، ويُدعى إليه أكثر من ألف شخصية سياسية، سـ«يحتفل» المتضامنون مع الأسير، خارج القصر، بثمانية وعشرين عاماً على وجوده خلف القضبان الفرنسية، على طريقتهم الخاصة: تحركات تضامنية يقول منظّموها إنها ستكون مختلفة عمّا سبقها من تحركات في السنوات الماضية.
وستشمل هذه التحركات مشهدا مسرحيا أمام قصر الصنوبر، يجسد الحشد من خلاله شخص المعتقل في السجون الفرنسية، عبر ارتداء قميص موحد، كتبت عليه عبارة: «أنا جورج إبراهيم عبد الله». كذلك، سيشارك في الاعتصام فنانون شباب سيقدمون عروضاً موسيقية مختلفة، خاصة بالمناسبة، كموسيقى الراب، والأناشيد الكشفية وغيرها. ولن يغيب الـ«غرافيتي» المتضامن مع الأسير عن الحدث في هذا اليوم. هذه التحركات وغيرها جاءت كخلاصة اقتراحات طرحها ناشطون أرادوا أن يكون «حدث 14 تموز» مفتوحا أمام جميع من يريد التضامن. وقد عقد هؤلاء الناشطون لقاء تشاوريا دعت إليه اللجنة الدولية للإفراج عن المناضل جورج إبراهيم عبد الله، في 25 حزيران الماضي، درست فيه الأفكار الأولية التي يمكن تطبيقها.
لكن التحركات لم تأخذ شكلها النهائي بعد، والمجال لا يزال مفتوحاً أمام من يريد المشاركة بالتحضير العملي للتحرك. فقد دعت لجنة رفاق جورج عبد الله إلى لقاء يعقد اليوم، في السادسة مساء، في مركز «اتحاد الشباب الديموقراطي» في منطقة مار الياس. ويبحث اللقاء توحيد الشعارات التي سيرفعها المتضامنون مع المناضل الأسير، بالإضافة إلى رسوم الكاريكاتير والـ«غرافيتي»، وكذلك تجهيز الصوتيات، والتواصل مع الفرق الفنية (راب، أغان ملتزمة، فرق كشفية)، وتنظيم شكل التحرك، وغير ذلك من الأفكار التي يمكن طرحها وتنفيذها.
ويعتبر الدكتور جوزيف عبد الله، شقيق المناضل الأسير، «أن حدثا كهذا يهدف بالدرجة الأولى إلى التذكير بأن هناك أشخاصا لم ولن ينسوا جورج، ويعملون يومياً لإبقائه حياً كمناضل، لدى أوسع فئة من الناس»، فضلا عن الضغط على السلطات السياسية للمطالبة بالإفراج عنه.
ومن ضمن التحركات التضامنية المقترحة، أتيح المجال للراغبين بالمشاركة في المشهد المسرحي، من خلال التواصل مع الزميل بسام القنطار، الناشط في الحملة، عبر البريد الالكتروني التالي: This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
«أنا جورج إبراهيم عبد الله»، سيهتف المشاركون في التحرك، السبت المقبل أمام قصر الصنوبر، الساعة الخامسة مساء، في وجه الديموقراطية المزيفة التي تدّعيها فرنسا والأنظمة الامبريالية الأخرى. سيهتفون بوجه الظلم والاستسلام.. واعتقال الرأي.
حرزت الأستاذة الاتحادية اللبنانية (الرفيقة)* مايا جلول (الصورة)، المركز الثاني في البطولة العربية المفتوحة للسيدات في الشطرنج، التي أُقيمت في تونس، يومي 8 تموز الجاري و9 منه. وتقدمت الجزائرية أمينة مزيود على جلول بفارق نصف نقطة فقط، فيما جاءت الأردنية رزان الشعيبي في المركز الثالث.
وتستعد مايا لتمثيل لبنان في أولمبياد الشطرنج في إسطنبول (تركيا) في أواخر آب المقبل، ضمن بعثة يرأسها رئيس الاتحاد نبيل بدر ومعه الأمين العام للاتحاد شحادة أبو نمري. ويتألف فريق السيدات، إضافة إلى مايا جلول من دانيال بدوروسيان ويمنى مخلوف وسارة شامية وفرح قصقص لاعبة خامسة احتياطية. أما فريق الرجال فيتألف من فادي عيد وفيصل خير الله وأنطوان قسيس ونسيم صقر وعمرو جاويش. ويرافق البعثة المدرب جوان بكر.
من جهة ثانية، ينظم نادي الجيش، بدءاً من الساعة 8,30 صباح السبت 14 الجاري، دورة للشطرنج الفردي السريع من 6 AffinityCMSت، لمناسبة اليوم الأولمبي، وذلك في المركز العالي للرياضة العسكرية.
الاربعاء ١١ تموز ٢٠١٢
* إضافة من الموقع
كلير شكر
جلس أحد أصدقاء وليد جنبلاط يراقب تعبيرات عينيه قبل ايام قليلة. اهتمام فوق العادة بأحداث مصر ولا سيما تنصيب محمد مرسي رئيساً. ترقب للحدث السوري. اهتمام بما يجري من أحداث في السويداء. تداعيات إسقاط الطائرة وهل نحن أمام تبلور مشروع حلف وارسو جديد في المنطقة... والأهم «حفلة الجنون المسيحي» الجديدة.
أن يعلن ميشال عون ثورته على «التفاهم». أن تصدر انتقادات سياسية حادة لـ«حزب الله». أن لا يرحم «الجنرال» نبيه بري من صلياته السياسية. كلها تصب في الخانة التي يشتهيها زعيم الغالبية الدرزية.
لعلها واحدة من أبرز الملاحظات التي لطالما كررها جنبلاط أمام السيد حسن نصرالله قبل أن «يشح» موسم اللقاءات، أنه لا يستطيع أن يبرر لـ«حزب الله» ولأمينه العام هذا «التدليل» الاستثنائي لـ«الجنرال» على حساب توازنات سياسية وطائفية أخرى. أين الشريك السني للحزب وحركة «امل». أين الشريك الدرزي لميشال عون؟ أين الشريك الشيعي لتيار «المستقبل»؟
بالنسبة الى «البيك» الجنبلاطي، ليست السياسة الا عبارة عن مجموعة توازنات، لا يمكن معها أن تكون هناك مبادئ وتفاهمات ثابتة. كل شيء متحرك تبعاً للظروف والمصالح.
يسري الأمر نفسه، على مقاربة جنبلاط لطريقة تعامل «حزب الله» مع الحدث السوري. في لبنان يضحي «حزب الله» بعلاقته بأطياف لبنانية وازنة «لصالح من لا يعطى إليه»، أي ميشال عون، وفي سوريا، يضحي «حزب الله» وأمينه العام بعلاقته بكل الشعب السوري، «لصالح زمرة لا بل عصابة»....
ومثلما يسأل جنبلاط عون عن شريكيه السني، يوجه السؤال نفسه الى بشار الأسد سائلا «أين الشريك السني الحقيقي الذي لا يمكن من دونه ان يكون هناك استقرار في سوريا».
قبل نحو عام تقريباً، كانت زيارة جنبلاط الأخيرة الى دمشق. في تلك الجلسة أفرغ ما في جعبته من «نصائح» للقيادة السورية، اعتقد أنها قد تقطع الطريق أمام تطورات دراماتيكية محسوبة بنظره، وتخرج الساحة السورية من حلبة التجاذب الدولي، وأقفل الباب...
مؤخراً، استعاد «البيك» مع غازي العريضي شريط ذلك اللقاء. ذكّره وزير الأشغال أنه مضى نحو 400 يوم على الحوار الثنائي الأخير، وشحن ذاكرة «أبو تيمور» ببعض الومضات والتفاصيل التي غابت عن ذهنه.
لم يتعلّم اللبنانيون من درس تجاربهم المريرة، ليتجنّبوا المستنقع السوري. طرفا النزاع الداخلي تعاملا مع الحدث السوري على أنه عابر وسريع، وفق تصنيف «الجنبلاطيين». كلاهما أخطأ في التوصيف وفي المقاربات. فاعتقدت «قوى 14 آذار» أنّ انهيار النظام السوري سيكون كومض البرق، ومن بعده يمكن البناء في الداخل اللبناني. أما «قوى 8 آّذار»، فقد تعاملت مع حراك الشارع السوري على أنّه «شربة ماي» يسهل هضمها، والتأسيس عليها. وإذ بالطرفين يصطدمان بعامل الوقت الذي يمرّ بطيئاً ويجرّ معه «فيروس» التوتر الأمني الذي لا يرحم أحداً لا في سوريا ولا في لبنان.
سنة كاملة من «الانحياز الجنبلاطي» لـ«صوت الشارع السوري»، بقيت حدّاً فاصلاً بينه وبين شركائه على طاولة نجيب ميقاتي «المأزومة» بفعل علاقات مكوناته، وليس لسبب آخر.
على الحدود الشمالية، دوزن الجنبلاطيون خلافاتهم مع الجالسين معهم على مائدة السلطة التنفيذية. يختلفون معهم إلى حدّ الخصومة في الملف السوري، ثم يعودون إلى صفوف تفاهمهم الموضعي في السرايا الحكومية. ساعات من التجاذبات بين القوى الحكومية حول كل شيء تقريباً. لا بد من مسكنات سواء بتسويات جانبية لمشاريع محددة أو بالدعوة الرئاسية للحوار التي جعلت الجالسين على الطاولة شركاء في القرار.. ولو من بعيد.
من الشمال الملتهب، بنيران قطع الطرق والاطارات المشتعلة والحملة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، وصولاً إلى أزقة العاصمة التي صارت تحتاج الى نشرة طقس يومية، من نوع «طريق المطار سالكة وآمنة»، مروراً بالبقاع المتحرك في رماله «الشرقية» وصيدا الواقعة في أسر «الأسير»... مشاهد أعادت للحوار اللبناني - اللبناني مكانته.
دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان كانت أكثر من مطلب شكلي لصورة تذكارية، وفق ما يراه «الاشتراكيون». الحوار حاجة ماسة لا يمكن القفز فوقها مهما علا حاجز الخلافات.
إذا «لا يمكن لأي فريق أن يختبئ خلف «إصبع المقاطعة»، أو «حجة» عدم الاعتراف بشرعية الآخر. قدر اللبنانيين أن يتعايشوا مع بعضهم البعض، بمعزل عن منسوب التباينات التي تبعد بين قادتهم. وكما لبت «قوى 14 آذار» (باستثناء سمير جعجع) الدعوة الحوارية، من غير الجائز لـ«حزب الله» الرد السلبي على مبادرات «تيار المستقبل» «بمد اليد».
بتقدير كليمنصو، فإن الحالة الحوارية يفترض أن تكون متواصلة، وغير موضعية، أو مرتبطة بانفجار محتمل، أو بكارثة متوقعة. لا بل من الضروري الإبقاء عليها في كل الظروف. ويكشف قياديون اشتراكيون مقربون من جنبلاط عن AffinityCMSت طويلة من النقاش مع «حزب الله» حول كافة المواضيع: وضع الحكومة، الملف السوري، الاستراتيجية الدفاعية، أحداث طرابلس وغيرها من القضايا الحساسة.
ينتقي جنبلاط مفرداته بعناية شديدة في هذه الأيام. يتجنّب تلك الاستفزازية، لا سيما منها العابرة للحدود، ويعود إلى ثوابت الحوار، إلى دروس الماضي الأليم. يستكين في هذه اللحظات، تاركاً الصورة لمضيف الحوار. يدخل صالة «22 تشرين» بهدوء لا يشبهه كثيراً. مسكون بمشاهد الحرب الأهلية، متمسك بخيط التواصل الرفيع، لعل وعسى...
مع انطفاء الشمعة الرابعة من العهد السليماني، تسمع من «الجنبلاطيين» كلاماً لم يُقل على ألسنتهم بحق رئيس للجمهورية من قبل: أداء متوازن، احترام للموقع، مبادرات مشكورة، قدرة على الحراك في الملعب العربي، حيث يعجز «شركاؤه الدستوريون» عن التحرك، يجري اتصالاً بالرئيس السوري ويقول في العلن إن رسالة بشار الجعفري تتضمن مغالطات... كلها موضع تقدير من جانب «جبهة النضال الوطني».
ويظن بعض الخبثاء، أنّه من مصلحة «الجنبلاطيين» دعم موقع رئيس الجمهورية كما مكانة رئيس الحكومة، على الطاولة التنفيذية، من باب محاصرة نفوذ الأغلبية الوزارية وفرض توازن جديد، مع العلم أن «الاشتراكيين» يؤكدون أن مصلحة الحكومة لتسيير عملها هي الدافع الرئيس في تحركهم، وهو ما حضّهم على تشجيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كما رئيس مجلس النواب، على الجلوس وجهاً لوجه، في ضيافة الرئيس ميشال سليمان، لإطلاق عجلة الحكومة، في مشهد غاب طويلاً عن القصر الجمهوري، بسبب حذر سيده من القول إنه أعاد الاعتبار الى صيغة «الترويكا» غير الدستورية.
يقدّم «الاشتراكيون» دليلاً إضافياً على حرصهم على بقاء هذه الحكومة حيّة ترزق، لا سيما في ظل انتفاء بديل قد يرثها، وهو غيابهم الكليّ عن تفاصيل المشاورات التي جرت بين أركان الحكومة، قبل التوصل إلى «تسوية الإنفاق»، ولم يجر إعلامهم بتفاصليها، أو استشارتهم ببعض مفاصلها، إلا بعد إنضاج الطبخة... وعلى الرغم من ذلك، باركوها، لكنهم لم يتفهموا مسببات إعاقة عمل الحكومة، وعرقلتها، وإذ بها اليوم تقوم بما كان بالإمكان الإقدام عليه منذ أشهر، مع العلم أنها الصيغة الدستورية ذاتها التي كان يشكو منها بعض مكونات الحكومة، وإذ بهم اليوم يتلطون خلفها للإنفاق.
إذاً، «جبهة النضال الوطني» باقية في الحكومة الميقاتية طالما أنّ البديل ضائع، وستحاول الحفاظ على جسمها سليماً منتجاً، من دون أن تقفل الباب أمام تواصلها مع القوى الأخرى... وفي مقدمتها «تيار المستقبل».
في تفنيد لشبكة علاقات المختارة مع القوى اللبنانية، يبدو التواصل مع «حزب الله» قائماً، على الرغم من البرودة الظاهرة في العلن، واللقاءات التي تحصل خلف عدسات الكاميرات تفوق تلك المصوّرة. جلسات مصارحة، يحرص خلالها الجنبلاطيون التأكيد على التزامهم بما جرى الاتفاق عليه يوم قرروا دخول «الجنّة الميقاتية».
قانون الانتخابات النيابية واحد من النقاط الخلافية. «موقفنا معروف منه، لن نقبل بنظام الاقتراع النسبي، كما يقدّم على طاولة مجلس الورزاء، لا سيما أن المشجعين على تطبيقه يبغون تحقيق مصالحهم الانتخابية، فلماذا يحرّم علينا تحقيق مصالحنا؟». بتقدير هؤلاء قد يُحوّل مشروع القانون إلى مجلس النواب، حيث سيخضع لتصويت القوى المتباينة في مطالبها واعتباراتها، والتي قد ترمي الاقتراح في مهب الريح!
لعل تلك الصورة المتشابكة هي التي تدفع «مريدي البيك» إلى تأجيل الحديث عن شبكة التحالفات الانتخابية، إلى مراحل لاحقة. لكن تجربة الجلوس إلى طاولة واحدة مع «التيار الوطني الحر» لم تحسّن في العلاقة بين المختارة والرابية، التي تفتقد إلى الكثير من التفاهمات، أولها الكيمياء المفقودة بين الرجلين، وثانيها عدم قدرة الفريقين على تكديس المتوافق عليه للتخفيف من «الحمولة الزائدة» للقضايا المختلف عليها، والتي تبدأ من اعتكاف «القيادة البرتقالية» عن استقبال القيادة الاشتراكية المنتخبة ولا تنتهي بالتباين في الأداء الوزاري، كما الأداء النيابي، وآخر نماذجه وقوف نواب «جبهة النضال» الى جانب كتلتي «التحرير والتنمية» و«المستقبل» في التصويت لقانون المياومين في مجلس النواب...
التعيينات الإدارية ملف أيضاً مثير للجدل بالنسبة للاشتراكيين، إذ «ليس مقبولاً البصم بشكل أعمى على التعيينات المسيحية لصالح «تكتل التغيير والإصلاح»، وسيكون لنا كلمة في كل شاردة وواردة. قلنا «صحتين على قلبك»، ولكن لن نوقع شيكاً على بياض». وعليه يصبح الحديث عن تحالف انتخابي ضرباً من ضروب الخيال!
مع «الفريق الأزرق» لقاءات مكثفة ومبرمجة، تبدأ من أعلى الهرم وتطال قاعدته. مع الرئيس فؤاد السنيورة، جلسات رسمية وغير رسمية، ومع النواب والكوادر الحزبية لقاءات مستمرة. كل العدّة صارت جاهزة للقاء «البيك» و«الشيخ»، الذي يفترض أن يكون تتويجاً لهذ المسار.
قدما جنبلاط وطأتا أرض السعودية، حيث التقى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ولاحقاً للتعزية بولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز. اللقاء مع سعد الحريري لم يحصل، وفق تأكيد الاشتراكيين، على الرغم من الشائعات التي تحدثت عن جلسة بقيت بعيدة عن الأضواء.
لا تبدو رزنامة «الجنبلاطيين» مستعجلة لتحديد هذا الموعد، «فلننتظر عودة الشيخ سعد.. وعندها لكل حادث حديث». يعني ذلك أن جنبلاط يشجع عودة الحريري، متقاطعاً في ذلك مع تشجيع مماثل من كل من ميشال سليمان وجيفري فيلتمان (قبل أن يتقاعد).
وماذا عن العلاقة مع الرياض؟ لم تضع القيادة السعودية أمام المختارة أي شروط مسبقة أو لاحقة. صحيح أن العتب سبّب فترة من التباعد، لكن التوضيحات التي جرى تقديمها «كانت كفيلة بعودة مياه التواصل إلى مجاريها».
يحيى دبوق
وتيرة التهديدات الاسرائيلية للبنان في الآونة الاخيرة قد تكون غير مسبوقة. تصبح تل أبيب على تهديد، وتنام عليه، وبين التهديد والتهديد، تهديد آخر. الغاية، كما يتبيّن، ان يفهم لبنان واللبنانيون، وحزب الله بطبيعة الحال، أن اسرائيل «دولة مجنونة»، ولن تبقي على «الاخضر واليابس»، إن قُيّد للمواجهة العسكرية ان تنشب بين الجانبين. ولسان حال اسرائيل هو الآتي: ما لا يتحقق بالقوة، نتيجة العجز أو الاثمان المؤلمة، علّه يتحقق بالتهديد وبالتلويح بـ«الجنون الاسرائيلي».
الا ان السمة الجديدة في التهديدات الاسرائيلية في كونها موجهة ايضاً في هذه الفترة، فضلا عن حزب الله، الى الجيش اللبناني، اذ أكد ضباط رفيعو المستوى لصحيفة «جيروزاليم بوست» امس، انه «ستظهر في الحرب المقبلة مع حزب الله تحديات متشعبة، وخصوصا في ما يتعلق بالجيش اللبناني»، وبحسب احد الضباط الاسرائيليين، فإن «المواجهة مع جيش لبنان تقع في الاساس على عاتقه هو، فاذا أقدم جنوده على اطلاق النار، فسنرد عليه بكل ما اوتينا من قوة، اما اذا بقوا في مواقعهم ساكنين، فلن نهاجمهم».
وأشارت مصادر عسكرية اسرائيلية لمراسل الصحيفة الى ان الجيش الاسرائيلي ينظر الى الوضع على الحدود مع لبنان بمستويين: ست سنوات هادئة ومتواصلة منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، في مقابل زيادة مطردة في القدرة الصاروخية غير المسبوقة لحزب الله، الى جانب قدرات قتالية متطورة لدى تشكيلات المشاة لديه، مشيرة الى ان «الجيش الاسرائيلي يهدف الى المحافظة على الهدوء، لكنه في الوقت نفسه متخوف من دوافع، معظمها خارجية، ويعتقد بأنها قد تشعل حربا بين اسرائيل ولبنان، وهي الحرب التي لا يريدها الطرفان».
وكشفت الصحيفة ان الجيش الاسرائيلي جمع مراسلي الصحف المحلية والاجنبية، كي يرسل رسالة واضحة الى حزب الله، وتهدف الى ردعه وثنيه عن القيام بأي تحرك قد يتسبب في حرب بين الجانبين، وبحسب احد الضباط «لا ينبغي التعامل مع تهديدات الجيش الاسرائيلي بخفة».
الرسالة التي حاولت اسرائيل ايصالها تتمثل تحديدا في الآتي: في الحرب المقبلة مع حزب الله، سيبادر الجيش (الاسرائيلي) الى العمل فوراً من الجو ومن البر في آن واحد، والهدف هو السيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة من الاراضي اللبنانية، لمنع اطلاق الصواريخ على الداخل الاسرائيلي، وبحسب الرسالة فإن القتال سيكون شديدا جدا داخل المناطق المأهولة. اما في مقدمة اهداف الرسالة الاسرائيلية، فهو التأكيد على ان «اسرائيل ستعمل على التأكيد لحزب الله وللعالمين العربي والاسلامي، أن يعرفوا جيداً من هو المنتصر».
من جهتها، قالت الاذاعة العبرية، في تقرير بثته في الايام القليلة الماضية، ضمن حملة التهديدات الاخيرة، وأوردته ايضاً على موقعها على الانترنت، ان «اي مغامرة عسكرية قد يقدم عليها (الامين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، ستكون لها انعكاسات كبيرة جدا على المنطقة بأسرها»، مشيرة في تقريرها الى ان «عدداً من الخبراء الاقتصاديين الرفيعي المستوى، وكبار المسؤولين السابقين في الاجهزة الامنية الاسرائيلية، على مختلف انواعها، يؤكدون أن «اي مواجهة جديدة بين حزب الله واسرائيل، قد تجلب على لبنان عواقب اقسى بكثير مما كان قد شهدها في اعقاب الحرب الاخيرة عام 2006».
موقع news1 الاخباري العبري على الانترنت، وهو من المواقع الاخبارية الرئيسية في اسرائيل، أكد من جهته ان التهديدات وحدها لا يمكن ان تثني حزب الله او تردعه، بل يجب العمل على «انتاج اسلوب ردع جديد، يتمثل في افهام حزب الله بأن ما يواجهه هو دولة مجنونة» ، مشيرا الى ان «تقديم اسرائيل كدولة مجنونة، من شأنه ان يخلق ضغطا كبيرا على السكان في لبنان، وبدورهم يمارسون ضغطا متواصلا على حزب الله، كي لا يخطئ في تقييماته حيال اسرائيل» وردودها.
وأكد الموقع ان «الجيش الاسرائيلي لن يقاتل في الحرب المقبلة حزب الله كلاعب غير دولة، بل ضد لبنان، كلاعب بمستوى دولة، ما يعني انه سيرد بقوة اكبر واكثر ايلاما قياسا بالردود التي استخدمها خلال الحرب الاخيرة في لبنان».
بناءً على ذلك، اضاف الموقع، ان على اسرائيل ان تُفهم اعداءها مسبقا، أن اي إضرار بها، وبأي مستوى كان، سيؤدي الى مواجهة عنيفة، مركزة ومؤلمة للبنان، بمعنى ان تواصل اسرائيل تقديم صورة «الدولة المجنونة».
الاربعاء ١١ تموز ٢٠١٢
كي لا يموت الديب ولا يفنى الغنم، لا إحالة لمقتل الشيخ أحمد عبد الواحد على المجلس العدلي. لكن الجيش عائد إلى قفص الاتهام. لم تنتهِ المشكلة بعد. بين السيئ والأسوأ اختير الأول. بين أن يطير الجيش، أو تطير عكّار، ذهب الجميع إلى مجلس الوزراء الذي أخرج الحل الوسط
نقولا ناصيف
لم يكن من السهولة بمكان توقع موافقة الجيش على إخراج ملف التحقيق في مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه الرقيب المتقاعد محمد مرعب من المحكمة العسكرية إلى المجلس العدلي. لم يتوقع الجيش كذلك الحصول على غطاء سياسي سنّي كامل بإنهاء ظاهرة الشيخ أحمد الأسير عند المدخل الشمالي لصيدا. كلا الحادثين منفصلٌ عن الآخر، وله دوافعه ومبرّراته المختلفة. إلا أن التصعيد السياسي جمع بينهما بغية بلوغ خلاصة واحدة هي ممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته، وعلى سلاح حزب الله، وعلى الجيش خصوصاً.
أولها الأزمة السورية، وآخرها كذلك.
تسارعت اتصالات الساعات الأخيرة من دون أن يتضح تماماً المخرج المتوقع لجلسة جلسة مجلس الوزراء مساء أمس، بعدما أرخت الاضطرابات في عكّار والتهديد بتمدّدها بثقلها.
اتصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالرئيس فؤاد السنيورة وطلب منه الانضمام إلى جهود التهدئة. استقبل الرئيس قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحثاً عن مخرج في جلسة مجلس الوزراء. بعض المحيطين بقهوجي همس له بالموافقة على إحالة مقتل عبد الواحد على المجلس العدلي منذ مساء الجمعة. لمس قهوجي في الجيش صنفين من التململ المثير للقلق: أحدهما في صفوف ضباط سنّة متأثرين بالمناخ المتفاعل في عكّار ومتعاطفين معه. والآخر في صفوف ضبّاط مسيحيين وشيعة عبّروا عن رفضهم الإحالة على المجلس العدلي؛ لأنها تنال من هيبة الجيش ومعنوياته، وتحول دون مقدرة الضبّاط والعسكريين على تنفيذ الأوامر؛ إذ يصبحون هدفاً في مرمى السياسيين.
في عطلة نهاية الأسبوع، ارتأى قهوجي عدم الموافقة على الإحالة على المجلس العدلي. صباح الاثنين استدعى رئيس الجمهورية نواب عكّار وحذّرهم من خطورة الإساءة إلى الجيش، وأن ليس من مصلحة أحد هناك التسبّب بالفوضى والفلتان. قال لهم أيضاً إن أي محاولة لإخراج الجيش من عكّار تفسح في المجال أمام تدخّل الجيش السوري في الشمال. وأبرَز اهتمامه بمعالجة المشكلة، قائلاً: أنا مع تطبيق العدالة، وسنرى كيف.
رفض سليمان إحالة مقتل عبد الواحد على المجلس العدلي، وإلى يمينه في هذا الموقف الرئيس ميشال عون.
كان الخيار بين السيئ والأسوأ. وما لا يقوله المسؤولون الكبار، وقع في نهاية المطاف الخيار الأكثر سوءاً بتداعياته: إما أن يطير الجيش، أو تطير عكّار.
بيد أن الشقّ الآخر في المشكلة كان، منذ الخميس، الكشف عن إطلاق الضبّاط والعسكريين المتهمين بإطلاق النار على عبد الواحد ومرافقه الرقيب المتقاعد. انتهت المحكمة العسكرية إلى نتيجة واضحة: لا مسؤولية مباشرة على الضبّاط المتهمين، وإن المسؤولية على العسكريين. كان على قائد الجيش انتظار نتائج التحقيق في المحكمة العسكرية وهو يراقب تململ ضبّاط محيطين به من الطريقة التي اتبع بها توقيف الضبّاط المتهمين وتأثيرها على هيبة الجيش ومعنوياته. في الحصيلة، في التوقيت الخاطىء تحت وطأة تصعيد سنّي مذهبي، وعشية خطب الجمعة، أطلق الضبّاط المتهمون، فغضبت عكار وهدّد نوابها.
ومع أن مجلس الوزراء لم يُحل، مساء أمس، مقتل عبد الواحد على المجلس العدلي، إلا أن القرار بالتوسّع في التحقيق بدا أكثر سوءاً. بعدما أيقنت المحكمة العسكرية من عدم مسؤوليتهم المباشرة، سيصير إلى التوسّع في التحقيق مع الضبّاط مجدّداً من أجل البحث عن «قشة» اتهامهم. أخرجهم القضاء العسكري أبرياء من أجل أن يتهمهم التوسّع في التحقيق بعد ختمه.
المعادلة
مع ذلك، بقي حدثا مقتل عبد الواحد واعتصام الأسير رهيني المنطقة اللتين يدوران فيها. لم يتمدّد عصيان عكّار وسدّ الطرق بمتاريس من الرمل والتضييق على تحرّك الجيش إلى سائر قرى القضاء. ولم يسع الأسير للتوسّع إلى أكثر من المكان الذي يعتصم فيه عند مدخل صيدا، خلافاً للحوادث التي كان قد شهدها الشمال، في طرابلس وعكّار، قبل أكثر من شهر وأتاح انتقال الاضطرابات إلى أبعد من نطاقها، فبلغت بيروت الغربية والبقاع الأوسط والطريق الساحلية بين بيروت والجنوب. سرعان ما تبيّن حينذاك خطورة تكرار لعبة التخويف بتعميم الفوضى.
والواقع أن أكثر من إشارة، بعضها دَمَجَ الإيحاء بالإيضاح، أرسلت إلى الأفرقاء المعنيين بتصعيد الشارع أسهمت في لجم اندفاع الجميع وتبريد رؤوسهم الحامية، وإبقاء التصعيد في حدود دنيا:
أولاها، الإشارة الصارمة التي لم ترقَ إلى حدّ الرسالة التي وُجّهت بالواسطة إلى الرئيس سعد الحريري وأقطاب تيّار المستقبل، ومفادها أن التهديد بقطع طريق الجنوب ــــ بيروت عبر الأسير غير مسموح، وأن الردّ عليه سيكون في منطقة السوليدير بحيث تشهد اعتصاماً شعبياً يشلّها تماماً. مصدر الرسالة حزب الله الذي ضمّن الإشارة تلك التأكيد أنه لن يُقابل قطع الطريق الساحلية بين الجنوب وبيروت بردّ فعل مذهبي، ولا بنزاع عسكري، ولكنه ينظر إلى السوليدير كمنطقة تعني الحريري أكثر من سواه على أنها تقع في نطاق شركة خاصة، ولا تمثّل تجمّعاً شعبياً، ولا هي تماس سنّي ــــ شيعي.
وعندما يرى حزب الله أن الحريري وتيّار المستقبل مسؤولان عن تحرّك الأسير الذي يحظى برعايتهما، وفي أحسن الأحوال غذّياه وحرّضاه وتفيدهما الموازنة التي يجريانها بين اعتصامه وظاهرته كسلاح غير شرعي وبين سلاح حزب الله، ليس للرئيس السابق للحكومة عندئذ الاعتقاد بأن في وسعه إدخال المناطق اللبنانية في فوضى وشغب وإبقاء شركته الخاصة ــــ وهي السوليدير ــــ جزيرة في منأى عن كل ما يحيط بها.
ثانيها، أكد حزب الله أنه لن يسمح باستدراجه إلى نزاع مذهبي. لا يعدو اعتصام الأسير صورة كاريكاتورية ليس إلا. لم يتقبّل الحزب في أحداث الشهر الماضي في طرابلس وعكّار تداعياتها في مناطق أخرى أدّت إلى إقفال طريقين دوليين يعدّهما حيويين لأمنه وأمن المقاومة، هما طريق سعدنايل في البقاع الغربي المؤدية إلى بعلبك والهرمل، وطريق الناعمة في الشوف الساحلي بين الجنوب وبيروت. عندما انتبه إلى وجود أنصار للحزب التقدّمي الاشتراكي في عداد قاطعي هذه الطريق، أرسل إلى رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط يُنبئه بخطورة ما يجري. فسحب الزعيم الدرزي هؤلاء.
ثالثها، أن حزب الله نظر بقلق إلى تحريك ثلاثة محاور تمثّل تماساً سنّياً ــــ شيعياً اختبرت في أحداث الشمال هي المدينة الرياضية ــــ الطريق الجديدة، وطريق سعدنايل ــــ البقاع الشمالي، وطريق الناعمة ــــ بيروت، ثم أتى تحرّك الأسير كي يوحي باحتمال السيطرة على طريق الجنوب ــــ بيروت. لم يكن هذا التحريك الدافع الوحيد الذي أشعره بمحاولة استدراج إلى نزاع مذهبي، بل وجد أيضاً في خطف الزوّار الشيعة الـ 11 في ريف حلب محاولة متعمّدة لإحداث ردّ فعل مذهبي داخل لبنان، من دون أن يكون الحريري معنياً بعملية الخطف في سوريا هذه أو جزءاً من تداعياتها. كذلك تجاهل الشتائم التي ساقها الأسير إلى رئيس المجلس نبيه برّي والأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله.
الثلاثاء ١٠ تموز ٢٠١٢