صباح أيوب
منذ أيام، استفاق سكّان مدينة نيويورك الأميركية على لوحات إعلانية كبيرة تنتشر على مداخل ٥٠ محطة مترو، طُبعت عليها خرائط فلسطين التي تؤرّخ مراحل قضم الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها. وعلى هذه اللوحات، كُتبت جملة: «٤،٧ ملايين فلسطيني تصنّفهم الأمم المتحدة كلاجئين». الخرائط التي جاءت باللونين الأبيض والأخضر، تبيّن بوضوح كيف تقلّص حجم فلسطين جغرافياً، وسُلبت الأراضي على يد الإسرائيليين منذ عام ١٩٤٦ حتى عام ٢٠١٠. طبعاً، أثارت الحملة الإعلانية الصادمة جدلاً في الإعلام الأميركي، الذي نقل امتعاض بعض السكان منها، واستنكار المسؤولين والناشطين اليهود والإسرائيليين لمضمونها. حتى إنّ بعض وسائل الإعلام لامت إدارة النقل الخاصة في المدينة، وطالبتها بإزالة تلك الإعلانات فوراً.
راعي الحملة الإعلانية ومطلقها يدعى هنري كليفورد، مدير «لجنة السلام في فلسطين وإسرائيل». والأخيرة مجموعة ناشطة تهدف إلى «تثقيف العموم» حول الصراع العربي الإسرائيلي و«تتوسّل الحملات الإعلانية» لنشر أفكارها وممارسة الضغط من أجل تحقيق غاياتها وفق ما توضح على مدونتها الإلكترونية. تعلن اللجنة على المدونة أيضاً أنها تؤمن بفكرة إنشاء الدولتين والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة و«وقف العنف من قبل الطرفين».
قناة «فوكس نيوز» المحافظة والأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة، وصفت الحملة بـ«الاستفزازية»، وركّزت على الانتقادات التي تتهم الإعلان بأنّه «مضلل يفتقر إلى الدقّة»، كما توقّف خبراء المحطة عند الناحية القانونية لنشر الإعلانات على مداخل محطات المترو في المدينة. من جهتها، وصفت شبكة «سي. بي. إس. نيوز» التلفزيونية الإعلان بـ«المتفجّر»، منبّهة إلى أنّ «السجال الطويل حول السياسة والدين والأرض وصل إلى محطات القطار القريبة منك هذه المرّة!». تقارير «سي. بي. إس» نقلت عن رئيس تحرير إحدى الصحف اليهودية قوله إن «الحملة الإعلانية تلك معاديةٌ للسامية، ومهينة لليهود، إذ تصوّرهم إمبرياليين يسرقون أراضي الآخرين». مواقف مسؤولين في مؤسسات إسرائيلية ويهودية أخرى في نيويورك برزت في وسائل الاعلام لتستنكر الحملة الإعلانية «المضللة والمنحازة ضد إسرائيل». حتى إنّ بعضهم احتج قائلاً: «لم يأتِ الاعلان على ذكر أنّ اليهود كانوا يواجهون خطراً وجودياً على أراضيهم وتصدوا لحملات الإبادة ضدهم». أما المارّة الذين استوقفهم الإعلان، فقد أظهرت المقابلات التلفزيونية أنهم منقسمون بين «معجب به» و«رافض له، لأنه موجه ضد إسرائيل»، وبين من «لم يفهم شيئاً منه».
موقع مجلة «ذي هافنغتون بوست» ذكّر من جهته أنه في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، رفضت إدارة النقل نشر إعلان لإحدى أبرز الشخصيات المعادية للإسلام في نيويورك، التي قادت في السابق حملة إعلانية ضد إقامة «مسجد المنطقة صفر» في موقع برجي التجارة العالميين، لكن ماذا يقول مطلق الحملة عن إعلانه؟ وما الذي دفعه إلى تكبّد مبلغ ٢٥ ألف دولار كلفة نشر هذه الإعلانات في المدينة؟ «هدفي تثقيف الناس حول ما يجري من حولهم، وإطلاعهم على الحقائق التاريخية الصحيحة المتعلقة بتلك المنطقة»، يقول هنري كليفورد لمحطتي «فوكس نيوز» و«سي. بي. إس. نيوز». ويضيف: «هناك دائماً مساحة للنقاش بين الأطراف حول موضوع خلافي، لكن لا نقاش في الوقائع، وهذه الخرائط تعرض وقائع». ويرد كليفورد على من يشكك في صحة المعلومات التي نشرها الإعلان بالقول «إن على هؤلاء أن يثبتوا أين الخطأ فيها، الكرة باتت في ملعبهم الآن». ويعرب كليفورد عن قناعته بأنّ «الإسرائيليين لطالما كان هدفهم الأساسي الاستيلاء على مختلف الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها، وهذا ما تبيّنه الخرائط أيضاً».
وكالعادة، تحرّكت المجموعات اليهودية والإسرائيلية الناشطة سريعاً، وطالبت إدارة النقل الرسمية في المدينة بـ«إزالة الإعلانات من مواقعها»، لكن الإدارة ردّت بأنّه «لا يمكنها قانونياً منع نشر إعلان بسبب ما يعبّر عنه، أو بسبب الاختلاف في وجهات النظر حوله»، وتابعت: «لا نؤيد ما جاء في الإعلان حول فلسطين، كما لا نتبنى مضامين كل الإعلانات التي وافقنا على نشرها مسبقاً، لكنّ الإعلانات ستبقى في أماكنها».
يبدو أن الإعلان نجح على الأقلّ في إثارة فضول بعض المواطنين الذين سيصادفون فلسطين المحتلة على طرقاتهم على مدى ٣٠ يوماً... فهل تنجح هذه الحملة في اختراق ــ ولو قليلاً ــ الخطاب الإعلامي السائد في أميركا عن الصراع العربي الإسرائيلي؟
http://copip.blogspot.com
الاربعاء ١٨ تموز ٢٠١٢