جنبلاط يريد لنصرالله الخروج من رهانيه على الأسد.. وعون

كلير شكر

جلس أحد أصدقاء وليد جنبلاط يراقب تعبيرات عينيه قبل ايام قليلة. اهتمام فوق العادة بأحداث مصر ولا سيما تنصيب محمد مرسي رئيساً. ترقب للحدث السوري. اهتمام بما يجري من أحداث في السويداء. تداعيات إسقاط الطائرة وهل نحن أمام تبلور مشروع حلف وارسو جديد في المنطقة... والأهم «حفلة الجنون المسيحي» الجديدة.

أن يعلن ميشال عون ثورته على «التفاهم». أن تصدر انتقادات سياسية حادة لـ«حزب الله». أن لا يرحم «الجنرال» نبيه بري من صلياته السياسية. كلها تصب في الخانة التي يشتهيها زعيم الغالبية الدرزية.

لعلها واحدة من أبرز الملاحظات التي لطالما كررها جنبلاط أمام السيد حسن نصرالله قبل أن «يشح» موسم اللقاءات، أنه لا يستطيع أن يبرر لـ«حزب الله» ولأمينه العام هذا «التدليل» الاستثنائي لـ«الجنرال» على حساب توازنات سياسية وطائفية أخرى. أين الشريك السني للحزب وحركة «امل». أين الشريك الدرزي لميشال عون؟ أين الشريك الشيعي لتيار «المستقبل»؟

بالنسبة الى «البيك» الجنبلاطي، ليست السياسة الا عبارة عن مجموعة توازنات، لا يمكن معها أن تكون هناك مبادئ وتفاهمات ثابتة. كل شيء متحرك تبعاً للظروف والمصالح.

يسري الأمر نفسه، على مقاربة جنبلاط لطريقة تعامل «حزب الله» مع الحدث السوري. في لبنان يضحي «حزب الله» بعلاقته بأطياف لبنانية وازنة «لصالح من لا يعطى إليه»، أي ميشال عون، وفي سوريا، يضحي «حزب الله» وأمينه العام بعلاقته بكل الشعب السوري، «لصالح زمرة لا بل عصابة»....

ومثلما يسأل جنبلاط عون عن شريكيه السني، يوجه السؤال نفسه الى بشار الأسد سائلا «أين الشريك السني الحقيقي الذي لا يمكن من دونه ان يكون هناك استقرار في سوريا».

قبل نحو عام تقريباً، كانت زيارة جنبلاط الأخيرة الى دمشق. في تلك الجلسة أفرغ ما في جعبته من «نصائح» للقيادة السورية، اعتقد أنها قد تقطع الطريق أمام تطورات دراماتيكية محسوبة بنظره، وتخرج الساحة السورية من حلبة التجاذب الدولي، وأقفل الباب...

مؤخراً، استعاد «البيك» مع غازي العريضي شريط ذلك اللقاء. ذكّره وزير الأشغال أنه مضى نحو 400 يوم على الحوار الثنائي الأخير، وشحن ذاكرة «أبو تيمور» ببعض الومضات والتفاصيل التي غابت عن ذهنه.

لم يتعلّم اللبنانيون من درس تجاربهم المريرة، ليتجنّبوا المستنقع السوري. طرفا النزاع الداخلي تعاملا مع الحدث السوري على أنه عابر وسريع، وفق تصنيف «الجنبلاطيين». كلاهما أخطأ في التوصيف وفي المقاربات. فاعتقدت «قوى 14 آذار» أنّ انهيار النظام السوري سيكون كومض البرق، ومن بعده يمكن البناء في الداخل اللبناني. أما «قوى 8 آّذار»، فقد تعاملت مع حراك الشارع السوري على أنّه «شربة ماي» يسهل هضمها، والتأسيس عليها. وإذ بالطرفين يصطدمان بعامل الوقت الذي يمرّ بطيئاً ويجرّ معه «فيروس» التوتر الأمني الذي لا يرحم أحداً لا في سوريا ولا في لبنان.

سنة كاملة من «الانحياز الجنبلاطي» لـ«صوت الشارع السوري»، بقيت حدّاً فاصلاً بينه وبين شركائه على طاولة نجيب ميقاتي «المأزومة» بفعل علاقات مكوناته، وليس لسبب آخر.

على الحدود الشمالية، دوزن الجنبلاطيون خلافاتهم مع الجالسين معهم على مائدة السلطة التنفيذية. يختلفون معهم إلى حدّ الخصومة في الملف السوري، ثم يعودون إلى صفوف تفاهمهم الموضعي في السرايا الحكومية. ساعات من التجاذبات بين القوى الحكومية حول كل شيء تقريباً. لا بد من مسكنات سواء بتسويات جانبية لمشاريع محددة أو بالدعوة الرئاسية للحوار التي جعلت الجالسين على الطاولة شركاء في القرار.. ولو من بعيد.

من الشمال الملتهب، بنيران قطع الطرق والاطارات المشتعلة والحملة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، وصولاً إلى أزقة العاصمة التي صارت تحتاج الى نشرة طقس يومية، من نوع «طريق المطار سالكة وآمنة»، مروراً بالبقاع المتحرك في رماله «الشرقية» وصيدا الواقعة في أسر «الأسير»... مشاهد أعادت للحوار اللبناني - اللبناني مكانته.

دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان كانت أكثر من مطلب شكلي لصورة تذكارية، وفق ما يراه «الاشتراكيون». الحوار حاجة ماسة لا يمكن القفز فوقها مهما علا حاجز الخلافات.

إذا «لا يمكن لأي فريق أن يختبئ خلف «إصبع المقاطعة»، أو «حجة» عدم الاعتراف بشرعية الآخر. قدر اللبنانيين أن يتعايشوا مع بعضهم البعض، بمعزل عن منسوب التباينات التي تبعد بين قادتهم. وكما لبت «قوى 14 آذار» (باستثناء سمير جعجع) الدعوة الحوارية، من غير الجائز لـ«حزب الله» الرد السلبي على مبادرات «تيار المستقبل» «بمد اليد».

بتقدير كليمنصو، فإن الحالة الحوارية يفترض أن تكون متواصلة، وغير موضعية، أو مرتبطة بانفجار محتمل، أو بكارثة متوقعة. لا بل من الضروري الإبقاء عليها في كل الظروف. ويكشف قياديون اشتراكيون مقربون من جنبلاط عن AffinityCMSت طويلة من النقاش مع «حزب الله» حول كافة المواضيع: وضع الحكومة، الملف السوري، الاستراتيجية الدفاعية، أحداث طرابلس وغيرها من القضايا الحساسة.

ينتقي جنبلاط مفرداته بعناية شديدة في هذه الأيام. يتجنّب تلك الاستفزازية، لا سيما منها العابرة للحدود، ويعود إلى ثوابت الحوار، إلى دروس الماضي الأليم. يستكين في هذه اللحظات، تاركاً الصورة لمضيف الحوار. يدخل صالة «22 تشرين» بهدوء لا يشبهه كثيراً. مسكون بمشاهد الحرب الأهلية، متمسك بخيط التواصل الرفيع، لعل وعسى...

مع انطفاء الشمعة الرابعة من العهد السليماني، تسمع من «الجنبلاطيين» كلاماً لم يُقل على ألسنتهم بحق رئيس للجمهورية من قبل: أداء متوازن، احترام للموقع، مبادرات مشكورة، قدرة على الحراك في الملعب العربي، حيث يعجز «شركاؤه الدستوريون» عن التحرك، يجري اتصالاً بالرئيس السوري ويقول في العلن إن رسالة بشار الجعفري تتضمن مغالطات... كلها موضع تقدير من جانب «جبهة النضال الوطني».

ويظن بعض الخبثاء، أنّه من مصلحة «الجنبلاطيين» دعم موقع رئيس الجمهورية كما مكانة رئيس الحكومة، على الطاولة التنفيذية، من باب محاصرة نفوذ الأغلبية الوزارية وفرض توازن جديد، مع العلم أن «الاشتراكيين» يؤكدون أن مصلحة الحكومة لتسيير عملها هي الدافع الرئيس في تحركهم، وهو ما حضّهم على تشجيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كما رئيس مجلس النواب، على الجلوس وجهاً لوجه، في ضيافة الرئيس ميشال سليمان، لإطلاق عجلة الحكومة، في مشهد غاب طويلاً عن القصر الجمهوري، بسبب حذر سيده من القول إنه أعاد الاعتبار الى صيغة «الترويكا» غير الدستورية.

يقدّم «الاشتراكيون» دليلاً إضافياً على حرصهم على بقاء هذه الحكومة حيّة ترزق، لا سيما في ظل انتفاء بديل قد يرثها، وهو غيابهم الكليّ عن تفاصيل المشاورات التي جرت بين أركان الحكومة، قبل التوصل إلى «تسوية الإنفاق»، ولم يجر إعلامهم بتفاصليها، أو استشارتهم ببعض مفاصلها، إلا بعد إنضاج الطبخة... وعلى الرغم من ذلك، باركوها، لكنهم لم يتفهموا مسببات إعاقة عمل الحكومة، وعرقلتها، وإذ بها اليوم تقوم بما كان بالإمكان الإقدام عليه منذ أشهر، مع العلم أنها الصيغة الدستورية ذاتها التي كان يشكو منها بعض مكونات الحكومة، وإذ بهم اليوم يتلطون خلفها للإنفاق.

إذاً، «جبهة النضال الوطني» باقية في الحكومة الميقاتية طالما أنّ البديل ضائع، وستحاول الحفاظ على جسمها سليماً منتجاً، من دون أن تقفل الباب أمام تواصلها مع القوى الأخرى... وفي مقدمتها «تيار المستقبل».

في تفنيد لشبكة علاقات المختارة مع القوى اللبنانية، يبدو التواصل مع «حزب الله» قائماً، على الرغم من البرودة الظاهرة في العلن، واللقاءات التي تحصل خلف عدسات الكاميرات تفوق تلك المصوّرة. جلسات مصارحة، يحرص خلالها الجنبلاطيون التأكيد على التزامهم بما جرى الاتفاق عليه يوم قرروا دخول «الجنّة الميقاتية».

قانون الانتخابات النيابية واحد من النقاط الخلافية. «موقفنا معروف منه، لن نقبل بنظام الاقتراع النسبي، كما يقدّم على طاولة مجلس الورزاء، لا سيما أن المشجعين على تطبيقه يبغون تحقيق مصالحهم الانتخابية، فلماذا يحرّم علينا تحقيق مصالحنا؟». بتقدير هؤلاء قد يُحوّل مشروع القانون إلى مجلس النواب، حيث سيخضع لتصويت القوى المتباينة في مطالبها واعتباراتها، والتي قد ترمي الاقتراح في مهب الريح!

لعل تلك الصورة المتشابكة هي التي تدفع «مريدي البيك» إلى تأجيل الحديث عن شبكة التحالفات الانتخابية، إلى مراحل لاحقة. لكن تجربة الجلوس إلى طاولة واحدة مع «التيار الوطني الحر» لم تحسّن في العلاقة بين المختارة والرابية، التي تفتقد إلى الكثير من التفاهمات، أولها الكيمياء المفقودة بين الرجلين، وثانيها عدم قدرة الفريقين على تكديس المتوافق عليه للتخفيف من «الحمولة الزائدة» للقضايا المختلف عليها، والتي تبدأ من اعتكاف «القيادة البرتقالية» عن استقبال القيادة الاشتراكية المنتخبة ولا تنتهي بالتباين في الأداء الوزاري، كما الأداء النيابي، وآخر نماذجه وقوف نواب «جبهة النضال» الى جانب كتلتي «التحرير والتنمية» و«المستقبل» في التصويت لقانون المياومين في مجلس النواب...

التعيينات الإدارية ملف أيضاً مثير للجدل بالنسبة للاشتراكيين، إذ «ليس مقبولاً البصم بشكل أعمى على التعيينات المسيحية لصالح «تكتل التغيير والإصلاح»، وسيكون لنا كلمة في كل شاردة وواردة. قلنا «صحتين على قلبك»، ولكن لن نوقع شيكاً على بياض». وعليه يصبح الحديث عن تحالف انتخابي ضرباً من ضروب الخيال!

مع «الفريق الأزرق» لقاءات مكثفة ومبرمجة، تبدأ من أعلى الهرم وتطال قاعدته. مع الرئيس فؤاد السنيورة، جلسات رسمية وغير رسمية، ومع النواب والكوادر الحزبية لقاءات مستمرة. كل العدّة صارت جاهزة للقاء «البيك» و«الشيخ»، الذي يفترض أن يكون تتويجاً لهذ المسار.

قدما جنبلاط وطأتا أرض السعودية، حيث التقى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ولاحقاً للتعزية بولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز. اللقاء مع سعد الحريري لم يحصل، وفق تأكيد الاشتراكيين، على الرغم من الشائعات التي تحدثت عن جلسة بقيت بعيدة عن الأضواء.

لا تبدو رزنامة «الجنبلاطيين» مستعجلة لتحديد هذا الموعد، «فلننتظر عودة الشيخ سعد.. وعندها لكل حادث حديث». يعني ذلك أن جنبلاط يشجع عودة الحريري، متقاطعاً في ذلك مع تشجيع مماثل من كل من ميشال سليمان وجيفري فيلتمان (قبل أن يتقاعد).

وماذا عن العلاقة مع الرياض؟ لم تضع القيادة السعودية أمام المختارة أي شروط مسبقة أو لاحقة. صحيح أن العتب سبّب فترة من التباعد، لكن التوضيحات التي جرى تقديمها «كانت كفيلة بعودة مياه التواصل إلى مجاريها».

الأكثر قراءة