نهلة الشهال
وجد السيد محمود عباس طريقة مبتكرة ليغطي كل خطوة يعتزم القيام بها: اللجوء إلى ما يسميه «الإجماع العربي»، وهو في الحقيقة توكيل عن توكيل، إذ تتخذ، بكل جدية، «اللجنة الوزارية المكلفة متابعة مبادرة السلام العربية» (!) قرارات تجيز له ما ينتويه وتبيحه. وآخر قرارات هذه الأخيرة هي الموافقة على انتقاله إلى المفاوضات المباشرة، بعد مسرحية سمجة استمرت عدة أيام، تمنع فيها الرئيس عباس إلا إذا قال له الأشقاء «افعل». وسنتجاوز السؤال العرضي عن مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل تكراراً فيفترض بها أن تكون قد ماتت، لنكتشف أنها تركت مع ذلك خلفها «لجنة» باتت ذات شرعية تجيز وتمنع. وقد اجتهدت اللجنة المذكورة فأبقت بيد عباس حق اتخاذ القرار «بالتوقيت المناسب» لبدء تلك المفاوضات. يا سلام! ما هذا التشدد يا أخوة! لماذا مفاوضات مباشرة بعد المفاوضات غير المباشرة التي انتهت إلى عقم تام، إذ راحت هباء زيارات المبعوث الأميركي المكوكية السيد ميتشيل؟ والحق أن الرجل ابتدع كل الأشكال التي كان يمكن تخيلها لتحريك الموقف ولو قيد أنملة، بلا أمل، بل تحملت إسرائيل وزر إغضاب الرئيس أوباما، وإحراج واشنطن، رافضة كل مقترحاتها، وتم التوصل إلى حل ينقذ ماء وجه الولايات المتحدة فحسب، هو الإعلان ـ مجرد الإعلان وليس التطبيق ـ عن تجميد الاستيطان حتى 28 أيلول/سبتمبر المقبل، فإذا بنتنياهو يفرض كسر «المنجز»، لغايات رمزية بحتة، ويصر على الإعلان عن بدء التفاوض المباشر. فهل كان العيب في شكل التفاوض ليتخذ مثل هذا القرار؟ الحقيقة أن لواشنطن كما لتل أبيب غايات ذاتية من الخطوة: في الولايات المتحدة أزمة كبرى بل أزمات. أبرزها ما يخص استعصاء الموقف في العراق، الذي لم تتشكل فيه حكومة بعد ما يقرب من خمسة أشهر من الانتخابات النيابية، رغم الضغوط الأميركية التي باتت في الشهر الأخير استنفارية، حيث يفترض بالأميركيين سحب قواتهم المقاتلة منه آخر آب/ أغسطس الجاري. وهم باتوا يعلمون بيقين أنهم مقبلون في بلاد الرافدين على مجهول كبير ـ واستراتيجي بالنسبة لمصالحهم ـ لم تنفع في دفعه إلى التبلور تهديدات الرئيس أوباما، بأن ذلك الانسحاب سيتم بغض النظر عن الوضع العراقي الداخلي. وفي أفغانستان، لم تمر بلا ضجيج سخرية الجنرال ماك كريستال الذي كان قائد القوات هناك، من الخطة المتبعة، فاستبدل الرجل ثم أقيل من الجيش. ولكن ذلك كله كان أعراض المرض وليس المرض نفسه. وقد بات الحديث عن الفشل في أفغانستان مقبولا علناً في واشنطن، يبرره الرحماء بأن الرئيس أوباما إنما يستمر في اقتلاع الأشواك التي زرعها سلفه وعصابة المحافظين الجدد الذين كانوا ينوون شن حروب غير منقطعة. أما لبنان الصغير، فمعادلته صعبة ومعقدة للغاية، وليس من رجاء بأن يصبح هو المكان الذي تحقق فيه واشنطن بعض الانجاز، بل لعله اللغم القابل للتفجير إذا ما تغلبت الحماقة ـ الحماقات لأن مرشحيها كثر ـ في أي لحظة. وصحيح وسط هذه اللوحة القاتمة أن واشنطن حققت فرض عقوبات على إيران في مجلس الأمن، ولكنها هدية مسمومة إذ ترفع، ليس إلا، منسوب التوتر في المنطقة. وهكذا فواشنطن ليست قادرة سوى على الميل على السلطة الفلسطينية، بما يقال له تارة تهدئة للموقف حتى تتمكن من الانصراف إلى التعاطي مع تلك الملفات المشتعلة، أو يقال له تارة أخرى بأنه إجازة ترضية لنتنياهو حتى تبرد أعصابه ولا يرتكب فعلة في لبنان أو على إيران تورط واشنطن بشكل واسع واستراتيجي. أما غاية تل أبيب فواضحة: هي لا يُفرض عليها شيء، وخصوصاً ما تسميه «شروطا». يُقر لها بحرية الحركة المطلقة على أرض فلسطين، تفعل ما تشاء، تصادر المزيد من المباني في القدس، تهدم قرى في النقب، تغتال... ولا من يعترض. ولذلك فهي لا تطيق «دلع» المفاوضات غير المباشرة التي توحي بأن هناك، ربما يا قوم، مقاييس، وضوابط، وتمنّع، إلى آخره. وهي بعد أن يُفتضح اعتداؤها على نطاق دولي (فلا افتضاح محلياً، او هو ليس ذا بال)، تحتاج دوماً إلى جوائز ترضية. ولعل الحملة الدولية التي يشكل أسطول الحرية إحدى حلقاتها بينما المقاطعة حلقة أخرى منها، قد خدشت شعورها، وكان لا بد من ترميمه عبر تسليم السلطة الفلسطينية لها بما تريد. إسرائيل تلك ظاهرة تتجاوز السياسة، ولا بد يوماً من مقاربتها بشكل كلي ليتم فهم ميكانيزمات فاعلة في تاريخ البشرية نفسه... يعني ذلك كله أن المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، هي بشكل واضح آلة تدور في فراغ، منفصلة عن أساسها. فعلى فرض أن أساسها هو «اتفاقيات أوسلو» أو ما يقال له «العملية السلمية»، فقد اختفت ملامح هذه اختفاء تاماً بعد عقدين من التشويش والتشويه، وباتت السلطة الفلسطينية المفاوِضة أداة عارية من أدوات الفعل الإسرائيلي نفسه. والمؤلم في ذلك أن الجميع يعرف ذلك ويقر به، ولكن السلطة، وهي أول من يعلم، تعتد بعجزها عن سواه، فهي إما تفعل لتستمر أو لا خيارات أمامها. وهذا من منطقها الخاص. فماذا لو كان أن كسر حلقة منح الغطاء والشرعية للسياسة الإسرائيلية لا يمكن أن يتحقق اليوم سوى بوقف هذه الأداة؟ يدّعي مسؤولو السلطة بأن استقالة سياسية مبررة أمام الأمم المتحدة ستترك الشعب الفلسطيني يتيماً. وهذا ادعاء إن لم يكن كاذباً بوعي، ولمصالح باتت اليوم فعلاً شخصية حتى لو شملت طبقة بأكملها، فهو تعبير عن عجز وافتقاد مطلقين لأي قدرة على المبادرة. ولكن العجز متقاسم، إذ لم تعد إدانة هذا المنهج تكفي. المطلوب بلورة استراتيجيا فعلية مقابلة، وهذا المقترح ينتمي إلى هذا الجهد الضروري ولكن الخيال السياسي ينبغي عليه بلورته بشكل تفصيلي ومتمفصل بين أجزائه، ومستشرف لأفقه. وهذه هي اليوم المهمة الفعلية أمام من لا يرضى بأن تكون فلسطين بأكملها جائزة ترضية لإسرائيل، وهي على ذلك وفوقه، لا تحول دون سائر ارتكاباتها!
سليمان تقي الدين
يعطي نتنياهو أهمية استثنائية لمفاوضات السلام الجارية مع الفلسطينيين. يعتبر هذه المفاوضات «فرصة تاريخية» لإنهاء نزاع عمره مئة عام. في كل مرة يقبل الإسرائيليون التفاوض يكونون قد ضمنوا انتزاع مكاسب إضافية. يتمسك الإسرائيليون بفكرة التفاوض المفتوح أو من دون شروط. نقطة الانطلاق دائماً هي ميزان القوى والوقائع. هم الطرف الذي يطلب التنازلات من الآخر. هم يبيعون «السلام» وليسوا الجهة التي تستجديه أو تقايض عليه. تفاوض إسرائيل على الجزء المكلف لها من الوجود الفلسطيني. العبء السكاني الذي تصعب إدارته وضبطه على المدى الطويل. تفاؤل نتنياهو ورغبته في هذا «السلام» لها أكثر من مبرّر. الرئيس الأميركي يضع ثقله وراء هذه المفاوضات ويحذر الفلسطينيين من عدم التقاط الفرصة الأخيرة. يستحضر رموز النظام الرسمي العربي لتأمين غطاء شرعي للمفاوض الفلسطيني الذي يغامر من دون أي تفويض حتى من المنظمة التي يرئسها. فلسطين التي تحضر هذه المفاوضات هي الجزء المشلّع من الضفة الغربية التي يجري اقتسامها الآن. أية شرعية لمفاوض فلسطيني لينجز تسوية على حقوق عرب 1948 وغزة والشتات؟ تعرف إسرائيل أن السلام والأمن ليسا في يد المفاوض المقابل لها، لكنها تريد التقدم في مشروعها التصفوي باكتساب المزيد من الشرعية ليهودية الدولة، لإسقاط حق العودة، ولترسيخ حضورها في النظام العربي. لم يعرف التاريخ مثل هذه المفارقة، تسوية لصراع لا يتوافر لها عنصرا الأرض والشعب. تأخذ إسرائيل ثمانين في المئة من أرض فلسطين، وتبقي ثمانين في المئة من شعب فلسطين خارج الحل. هذه صفقة لا تحمل معنى التسوية ولو المجحفة. لا تملك هذه الصفقة، إذا بلغت أهدافها، أية شرعية لأنها لا تعالج قضية الملايين من الشعب الفلسطيني الذين ستقفل ملفهم من دون أي مقابل. كيف تضمن إسرائيل الأمن الذي تضعه في مقدمة شروطها؟ إنها تستدعي الحرب الأهلية الفلسطينية حيث تتوغل السلطة في تنفيذ الخطة الإسرائيلية كما يحصل منذ اتفاقية أوسلو. يغامر المفاوض الفلسطيني ويغامر النظام العربي في السعي إلى هذه الصفقة. ليس ما يضمن أن تنفذ إسرائيل تعهداتها ووقف التهويد، وليس من يضمن لإسرائيل الأمن. أكثر من موعد لضرب لقيام دولة فلسطين وكانت الذريعة دائماً عدم توفير الأمن. أعادت إسرائيل احتلال مناطق انسحبت منها بموجب اتفاقية أوسلو. من شارون إلى نتنياهو أعادت صياغة مشروعها للحل. الإدارة المحلية الموسعة وليست الدولة ذات السيادة هي ما يطرحه نتنياهو ويسعى لتكريسه من خلال الاتفاقات. هذا الخيار هو الاستجابة التي يقدمها لأميركا وبعض أصدقائه العرب. يتردد حتى في تجميد الاستيطان. فرصة السنة التي يطلبها الرئيس الأميركي لإنجاز هذه التسوية لأهداف دولية عدة قد تضيع في اختبار قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمن. يبدأ المفاوض الفلسطيني من حيث يمكن أن ينتهي. يدين العملية العسكرية على المستوطنين ويتعهد ببذل أقصى الجهد لمواجهتها. اختارت سلطة أوسلو استراتيجية التفاوض ارتكازاً إلى رصيدها السياسي فقط لكنها لا تملك شرعية مقاومة وإلغاء الخيار الآخر. صحيح أن فلسطين لم تعد هماً قومياً يتداعى له كل العرب، لكنها لم تقطع صلتها الواقعية وتأثيرها على أكثر من دولة عربية خاصة في الجوار. إلى ذلك ما زال موقع إسرائيل في دائرة توازن النظام الإقليمي كله الذي لم تعد تهيمن عليه ولا تنفرد في صياغته. هذه مغامرة برصيد نضال شعب فلسطين لا تنتج تسوية.
تجنبت الحكومة الإسرائيلية، أمس، مناقشة المطالب الأميركية بتمديد قرار تجميد الاستيطان، في ما بدا محاولة لكسب الوقت بانتظار ما سيخرج به اجتماع لجنة المبادرة العربية، بعد غد الجمعة، في مدينة سرت الليبية. لكنّ ذلك لم يمنع السلطات الإسرائيلية من مواصلة انتهاكاتها في القدس، حيث صادقت لجنة البناء والتخطيط في بلدية الاحتلال في المدينة على خطة هيكلية جديدة لحفر أنفاق وإقامة مراكز دينية يهودية في محيط المسجد الأقصى، وصفتها مصادر السلطة الفلسطينية بأنها التهديد الاكبر للقدس منذ العام 1967. وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ لجنة «السباعية» الوزارية عقدت، أمس، اجتماعاً اقتصر البحث فيه على «سبل مواجهة الأساطيل المتجهة نحو قطاع غزة، وعمل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في أحداث أسطول الحرية التركي»، مضيفاً أن «وزراء السباعية، وخلافاً لما تناقلته وسائل الإعلام، لم يبحثوا موضوع تجميد الاستيطان». وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت مسبقاً عن مسؤولين في حكومة نتنياهو إنّ وزراء «السباعية» سيناقشون خلال اجتماعهم مسألة تمديد قرار تجميد الاستيطان لمدة شهرين إضافيين، في مقابل ضمانات أمنية وسياسية تعهد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وقالت المعلقة السياسية في إذاعة الجيش الإسرائيلي ايليت شرار إنّ «نتنياهو يبحث عن مخرج. فمن جهة، هو معارض لمواصلة تجميد الاستيطان كي لا يرضخ لمطالب الفلسطينيين، لكنه يريد أيضاً، من جهة أخرى، تجنب أي مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية».وفي هذا الإطار، قال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس للإذاعة العامة الإسرائيلية إن الفلسطينيين «غير مهتمين كثيراً بفكرة استئناف المفاوضات. لكنهم في المقابل مهتمون أكثر بكثير بإيجاد ذرائع وعرقلة هذه المفاوضات». غير أن وزير الدفاع ايهود باراك بدا متفائلاً في التوصل إلى تسوية، حيث أعرب عن اعتقاده في أنه «ما زال في وسعنا التوصل إلى اتفاق يضع حداً للنزاع وللمطالب المتبادلة». القدس في هذا الوقت صادقت لجنة التنظيم والبناء المحلية التابعة لبلدية الاحتلال في مدينة القدس على المخطط الهيكلي الجديد لباحة حائط البراق. ويقضي المخطط الجديد بإنشاء مدخل جديد لـ«حائط المبكى» (البراق) انطلاقاً من الباب المقابل لمدخل حي سلوان قرب السور الجنوبي للحرم القدسي وصولاً إلى باحة البراق، بالإضافة إلى بناء عدد من المراكز الدينية اليهودية في محيط المسجد الأقصى. ووصف مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر هذا المخطط بأنه «الأخطر على القدس منذ العام 1967», وأوضح أنّ المشروع «يقوم على هدم وإزالة كافة الآثار الإسلامية، وإحداث تغيير جغرافي غير مسبوق في اتجاه تهويد المنطقة، من خلال إزالة التلة التاريخية قرب باب المغاربة، إحدى بوابات المسجد الأقصى، وبناء جسر يمتد من ساحة البراق حتى بوابة المغاربة»، محذراً من أنّ «هذا المخطط يستهدف تأمين اقتحام اليهود للمسجد الأقصى من منطقة باب محمد الذي يقع أسفل المسجد ويطل على ساحة البراق بالإضافة إلى حفر أنفاق في ساحة البراق، وتسيير مترو أنفاق من الحي اليهودي في الجهة الشرقية المقابلة لنقل اليهود إلى ساحة البراق». ورأى خبير الأراضي والاستيطان خليل تفكجي أنّ المصادقة على هذا المخطط «تعتبر رسالة للسلطة الفلسطينية وللعالمين العربي والإسلامي من السلطات الإسرائيلية، بأن مدينة القدس عاصمة لدولة واحدة وليست عاصمة لدولتين». إلى ذلك، أظهر تسجيل بثته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، جندياً من الاحتلال يرقص بشكل ملاصق لأسيرة فلسطينية محجبة مكبلة اليدين، وجهها إلى الحائط، حيث كان يقوم بحركات رقص «شرقية» على إيقاع «طبلة»، وهي لا تعلم ما يدور حولها، مقترباً أكثر من مرة من الأسيرة وهو يتراقص، بينما تسمع في الخلفية قهقهات زملائه الجنود الذين «وثّقوا الحدث» بتصويره. (تفاصيل ص 14) من جهة ثانية، أجرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس محادثات في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك. وذكرت مصادر فلسطينية ومصرية أنّ اللقاء تناول «الجهود التي تبذلها القاهرة لإنقاذ عملية السلام»، بالإضافة إلى آخر التطورات في ملف المصالحة الفلسطينية. وكان القيادي في حركة حماس صلاح البردويل أعلن أنّه «تم ترتيب لقاء مشترك بين حركتي حماس وفتح في العشرين من الشهر الحالي في دمشق، عقب اللقاء الذي عقد بينهما مؤخراً وحقق نسبة نجاح» في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، موضحاً أنّ اللقاء المقبل يهدف إلى «تشكيل لجنة أمنية مشتركة» لحل القضايا العالقة بين الحركتين. في هذه الأثناء، اتهمت حركة حماس «محكمة عسكرية تابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله بإصدار حكم بالسجن لمدة 12 عاماً على أحد عناصرها، وحكم آخر بالسجن لمدة عام على زوجته بتهمة إيوائهما خلية عسكرية تابعة للحركة». وحذرت الحركة من أنّ استمرار أجهزة الأمن للسلطة الفلسطيـنية باعتـقال عناصر لها في الضفة الغربية «لا يوفــر الأجواء اللازمة لإنجاح المصالحة الوطنية». («السفير»، «وفا»، «معاً»،
غاصب المختار
صدرت خلال الاشهر القليلة الماضية تقارير اميركية واسرائيلية واوروبية ـ واحيانا لبنانية ـ عن احتمالات شن اسرائيل حرب جديدة على لبنان، تندرج كلها في خانة ان المقاومة هي العائق امام تحقيق التسوية السلمية بين اسرائيل والعرب، من دون الاخذ في الاعتبار مسؤولية اسرائيل عن اجهاض كل محاولات التوصل الى حلول نهائية وعادلة لازمة الشرق الاوسط. وتفترض هذه التقارير سيناريوهات متعددة للحرب وموعدها ومدتها واهدافها القصيرة والبعيدة، واحتمالات دخول سوريا فيها، وربما ايران، وتستند الى امور مشتركة اهمها «اعادة جهوزية الجيش الاسرائيلي وقدرته على الردع بعد حرب تموز الفاشلة»، ومحاولة ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية ضربة نهائية، وهي قدرة تستند الى تقارير ومعلومات استخباراتية غير واضحة بل غير منظورة، وفرض حلول سياسية على لبنان (استنادا الى مراعاة مصالح اسرائيل طبعا)، قد تغير طبيعة لبنان الجيو ـ سياسية، كما تربط بعض التقارير احتمالات الحرب بالملف النووي الايراني. الا ان الأبرز في سيناريوهات الحرب المقبلة، ما نقلته «السفير» من قراءة لرئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون يوم السبت الماضي، وفيه يربط توقيت شن الحرب بصدور القرار الظني الذي يتوقعه البعض في ايلول المقبل أو تشرين، بما سيتضمنه من توجيه اتهام الى «حزب الله» او بعض قيادييه وعناصره، الأمر الذي سيمهد لفتنة داخلية تستدرج الاسرائيلي الى عمل عسكري ضد المقاومة. اخر هذه التقارير ـ السيناريو عن الحرب ما نشره السفير الاميركي الاسبق في اسرائيل ومصر دانيال كيرتزر لمصلحة «مركز الاجراءات الوقائية» الاميركي (نشرته «السفير» في 16 الجاري)، ويضع فيه عددا من الاحتمالات، بعضها متناقض الفرضيات وتعوزه الدقة والعقلانية في التشخيص والتحليل والاستنتاج، فلا يمكن الاعتماد عليه والاعتداد به بشكل تام، لكنه يخلص الى الاعتقاد ان الادارة الاميركية لن تدعم الحرب الاسرائيلية الطويلة هذه المرة، لا بل ستضغط دبلوماسيا وسياسيا على اسرائيل لوقفها فورا، او تحويلها الى ضربة عسكرية محدودة تساعد في قلب موازين القوى وتغيير قواعد اللعبة، بما يؤدي الى تقييد «حزب الله» وفرض الحل السياسي لأزمة المنطقة!ويلاحظ ان هذا التقرير هو الوحيد ربما الذي لم يربط الحرب بقرار المحكمة الدولية، بل استند الى جوهر الصراع في المنطقة وهو حل القضية الفلسطينية ومتفرعاتها اللبنانية والسورية والاقليمية. كما تأخذ معظم سيناريوهات الحرب بالاعتبار ان قدرة «حزب الله» القتالية – لا الصاروخية فقط ـ قد تعاظمت بشكل كبير، ما يضع امام احتمالات الحرب الكثير من القيود والحسابات، ويدفع اسرائيل وحلفاءها الى درس الخيارات والنتائج المرتقبة اكثر. خاصة ان قدرات «حزب الله» العسكرية بالاجمال مجهولة وهي شكلت مفاجآت كثيرة ليس في حرب تموز فقط، بل قبل ذلك في عمليات المواجهة ضد مواقع الاحتلال وعملائه في الشريط المحتل سابقا منذ الثمانينيات وحتى التحرير في العام الفين. هنا برأي المراقبين يجيء دور التسريبات عن القرار الظني للمحكمة الدولية وربطه بـ«حزب الله» بشكل او بآخر، بحيث يشكل عامل المساعدة الاساسي لتطويق «حزب الله» داخليا بالفتنة وتوفير الجو الداخلي اللبناني المواتي للبعض للخلاص من «حزب الله» وكل حلفائه في المعارضة، وتسهيل العمل العسكري الاسرائيلي. وهو ما اشارت اليه المعلومات عن لقاء الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله بالنائب العماد ميشال عون قبل ايام، حيث حذر عون من تكامل السيناريوهات الداخلية مع الخارجية، ما يستوجب عملية سياسية استباقية بالضغط لتغيير الحكومة الحالية أو تعديلها، لبناء واقع اكثر تماسكاً لمواجهة المرحلة المقبلة. وتفيد القراءة الواقعية للوضع اللبناني ان الارض مهيأة نسبيا لمثل سيناريو الفتنة الممهد او المساعِد للحرب الاسرائيلية، سواء عبر شبكات العملاء التي نبتت كالفطر وتهاوت كقصور الرمال، او عبر استمرار الشحن الطائفي والمذهبي، الا ان كلام السيد حسن نصر الله الاخير عن احتمال توجيه المحكمة الاتهامات للحزب، جاء بمثابة صرخة ودعوة لمنع حدوث الفتنة التي يمكن أن تشكل بيئة مساعِدة للعدوان الاسرائيلي، ولتلافي انزلاق لبنان الى مخاطر الصدامات الداخلية بكل اشكالها، ولعل النصيحة موجهة بالاساس برأي البعض، الى الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري، للعمل على معالجة الثغرات الداخلية الخطيرة، للتفرغ لمواجهة المخاطر الاسرائيلية. لكن ثمة من يرى ان هناك محاذير تقرأها الدول الغربية جميعا، من خطر انزلاق لبنان الى لعبة الدم الداخلية او الفوضى بكل اشكالها، لانها تؤثر بشكل سلبي على المساعي الجارية لمعالجة ازمة المنطقة، وتفجير لبنان من الداخل قد يفجر كل اوضاع المنطقة، فتضيع مصالح الدول الكبرى فيها، الا اذا كان ثمة من يسعى فعلا الى تفجير المنطقة لحسابات غير لبنانية. المهم ان الطرف المعني بكل هذه السيناريوهات هو «حزب الله» مع حلفائه، وهو بقدر ما يعمل على وأد الفتنة الداخلية، يعمل على زيادة قدراته القتالية لمواجهة اي مغامرة اسرائيلية عسكرية.
عصام سحمراني
إليك أيّها الكافر بحرّيات مزعومة يدّعونها.. هل تساءلتَ يوماً عن السبب الذي يدفعنا للاستعانة بوسائل الإعلام الغربية التي تعادي قضايا أمتنا!؟ لماذا نشاهدهم، ونقرأهم، ونطلّ عبر شاشاتهم، ونجيب عن أسئلتهم، ونحاول التهليل دوماً لترحيبهم بالرأي المختلف؟ لماذا نعتبرهم آلهة لحرّية الرأي بينما نرى على مدار العام تجاوزاتهم التي لا تحتمل في مغازلة أعداء أمتنا طرداً لموظف أدلى برأيه الخاص - الحر افتراضا فحسب - من هنا، وترويجاً لفكر سياسي عنصري ضدنا من هناك!؟ أيّ شخص منّا مهما كان انتماؤه وهويته وتوجهه يعتنق قناة إخبارية أو جريدة أو إذاعة أو موقعا إلكترونيا عربياً، يصدّق ما يقول ويتفاعل مع طروحاته ويروّج لمصداقيته ويعمد في الوقت نفسه إلى توجيه الاتهامات بكثير من الأمور إلى قنوات وجرائد وإذاعات ومواقع منافسة. وفي نظرة سريعة وغير غارقة في البحوث الممولة بآلاف الدولارات من هذه الجهة وتلك، بما يخدم مصالحها القائمة أو يمهد للقادمة، يظهر لنا أنّ الإعلام العربي بأكمله منقسم تجاه مختلف القضايا، لا سيّما ما يتعلق منها بأنظمة الحكم والصهاينة والقوى الإقليمية وفي مقدمها إيران، والقوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية. انقسام إعلامي يعود بشكل مباشر وصريح وبلا أيّ مواربة، إلى مصادر تمويل المؤسسات مرئية كانت أم مسموعة أم مكتوبة وإلكترونية. وليس في الأمر جديد إذا ما علمنا أنّ معظم المؤسسات الإعلامية «الواصلة» هي مؤسسات حكومية أو شبه حكومية أو مقربة من حكومة ما بشكل أو بآخر. وبطبيعة الحال إزاء ذلك لا يمكن اعتبار أيّ من هذه المؤسسات ذات مصداقية خاصة في ما يتعلق بغض الطرف الدائم عن سياسات الجهة التي تقف وراءها. من الطبيعي أنّ مثل هذا الوضع مخيّب للآمال خاصة إذا لم تكن من قوى المعارضة في بلدك. فللمعارضة مؤسساتها الإعلامية أيضا، لكنها بشكل أو بآخر تكشف عن صدق نواياها، ووضوح توجهاتها السياسية الحقيقية، ولا تدّعي لنفسها وقوفاً على حيادٍ في ما يخصّ قضايا مصيرية داخلية وخارجية مكشوفة ومفضوحة. ولا يمكن لك بأيّ حال أن تنتقص من كرامة أيّ مؤسسة من هذا النوع إذا ما اتهمتها بالانحياز، فهو ديدنها المطلوب لإسقاط حكم، أو تغيير وضع، أو مواجهة أزمة، أو تجييش نفوس للحرب ضدّ مستعمر ومحتل ومعتدٍ. أمّا حين لا تكون من قوى المعارضة ولا تعتنق أخبارها - بياناتها، فالفضاء مفتوح أمامك على مؤسسات تكشف مباشرة عن كثير من الوجوه سوى وجه الحياد والمصداقية وحرية الرأي التي تدّعيها، خاصة حين يلمس الخبر أولي أمرها، أو مصالحهم التي لا حدود لها، والتي تصل في بعض الأحيان إلى أنّ التعريض بهجوم صهيوني على أسطول الحرية هو أمر مرفوض! أنت تعلم بداخلك أنّك لست من قوى المعارضة أبداً، لكنّك في الوقت نفسه لست مع الصهاينة، لا بل إنّك تعاديهم وتعتبر أنّهم عدوّك الأزليّ والسرمديّ قبل دخولك عالم المثل واعتبارك لهم عدواً للإنسانية جمعاء، فالمسألة شخصية ومحدّدة بينك وبينهم، بدليل قصفهم لمنزلك مثلاً أو اعتقالهم لأحد أقربائك أو تهديدهم لتجارة لك في حين من الأحيان لا أكثر. أمام هذا الوضع، قد تنتفض وترفض ما تتلقاه من قناتك الأولى فتهدأ بعد حين وتتناسى ما قد كان منها، أو إنّك تنتقل إلى طرف آخر قد يكون معارضاً أو موالياً لحكومة أخرى. لكنّك وفي لحظات هيام بالحياد ووجد بالحرية تنتقل فجأة إلى المنابع الأصيلة للصحافة، عبر متابعة الإعلام الأميركي والبريطاني والفرنسي؛ ما جاء بلغته الأصلية، أو بالنسخ العربية، المندفعة صوتاً وصورة وكتابة ورقية وإلكترونية، بأشدّ مما تندفع جيوش تلك البلاد في استعمار بلادنا في ما مضى، وإحلال الديموقراطية بتحالفات الصواريخ والبنادق والمدرعات والمقاتلات في ما هو قائم. تشاهد، وتسمع، وتقرأ، وتتفاعل، فتعلّق وتعقّب وتردّ وتنقل كلّ ذلك إلى غيرك، وتدعو بدون وعي منك إلى عالم الصحافة الحرة الذي لا مثيل له إلاّ في مقررات الجامعات! وتدمن أخبارها، وتعتنق آراءها، وتتمتع بنعيم تقبّلها لكلّ رأي مخالف، لتفاجأ في لحظة معينة أنّها تستجيب لضغوطات الصهاينة المباشرة، أو الآتية من صميم تعاون دولة المؤسسة معهم، فتطرد الموظفين استجابة لهم، وتقدّم التبريرات اللازمة، والتنازلات الجاهزة تطييباً لخواطرهم! تفاجأ وترنو إلى يأس هذه المرة، وتكتشف في لحظة كفر بحرّياتهم لا بدّ أن يستمر، أنّهم أشدّ سوءاً من تلك التي تسيطر على بلدك وأمتك، بانحيازها الواضح كوضوح حذاء يتجه إلى رأس بوش.
لن يحصل فراس حيدر على فرصة الاحتفال بعيد ميلاده العشرين الذي يُصادف اليوم. كما أنه لن يكمل فرحته بمعرفة نتيجة امتحانات البكالوريا الفنية التي كان قد قدمها خلال دورة هذا العام. كان فراس يثق بأن نتيجة الامتحان ستصله إيجابية، وفق ما أكد محامي عائلة حيدر، محمد احمد شقير، لـ«السفير».
فراس حيدر هو الشخص الذي تسلل إلى طائرة تابعة لشركة «ناس» السعودية منتصف ليل الجمعة ـ السبت الماضي، وعثر على جثته في صندوق منظومة العجلات عند هبوط الطائرة في مطار الملك خالد الدولي في الرياض. وفراس هو شاب لبناني، «منذ أكثر من عشر سنوات»، كما يشير إخراج قيده الذي حصلت «السفير» على صورة منه، وهو من مواليد قرية مركبا العام 1990، خلافاً لما شاع بأن الراحل ليس لبنانياً. ورفضت عائلة فراس أمس رفضاً قاطعاً استقبال الصحافة، وكلّفت المحامي شقير بالتحدث باسمها. ويشرح شقير لـ«السفير» أن «العائلة تنتظر نتائج التحقيقات الحالية لمعرفة أسباب وفاة ابنها»، مؤكدا أن «جثمان الراحل سيصل الى ذويه فور إجراء فحص الحمض النووي، بعد أخذ خزعة من أحد أفراد العائلة». ونفى شقير ما يُروّج عن تعاطي فراس للمخدرات، مشدّدا على أن الراحل هو «شاب منضبط وخلوق، وكنت معه قبل يومين من غيابه عن المنزل، وكان يبدي تحمّسه لنتائج امتحاناته. كذلك، أخبرني أنه يريد أن يساعد عائلته بأي وسيلة ممكنة، وكانت تراوده فكرة السفر للعمل في الخارج». وكان عدد من شبان المنطقة قد ذكروا أن «الشاب الراحل كان يتعاطى المخدرات، ولا يكون كثيراً في المنطقة». يذكر أن والد فراس عاطل من العامل، وللشاب شقيقان، واحد يكبره والثاني يصغره سنّا. لكن، فراس غاب عن البيت ثلاثة أيام قبل وقوع حادثة الطائرة السعودية. ألم تلحظ العائلة غياب ابنها عن المنزل لثلاثة أيام؟ يجيب شقير: «والدا فراس اعتقدا انه عند أحد الأقرباء أو الأصدقاء، وكانا يسألان عنه هناك من دون أن يخطر في بالهما التبليغ عن اختفائه لعدم رغبتهما في المبالغة في القلق عليه». بدوره، يقول صديق مقرّب من فراس فضّل عدم نشر اسمه، إنه لم يلحظ على صديقه أي تصرفات غريبة مؤخراً، وكانت المرة الأخيرة التي التقى فيها به منذ أسبوعين. ويضيف الشاب أن «فراس يعمل في محل للألبسة في شارع الحمراء، ولم يتحدّث أمامي عن فكرة السفر مطلقاً، لكنه يعاني مشاكل مادية، وكان همّه الوحيد أن يساعد في تأمين مصروف المنزل». ويضيف أنه عرف من شباب المنطقة أن فراس هو الشاب الذي عُثر على جثته في منظومة العجلات، وكان رد فعله الأول: «ليه فراس سافر؟!». وقد نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» أمس خبرا، بناءً على تحقيقات أجريت مع شقيقه الراحل علي، يفيد بمثول علي أمام «الجهات الامنية المختصة في المطار، حيث عرضت عليه الصورتان المرسلتان من السلطات السعودية. وأفاد علي بأن فراس كان قد تغيب عن منزل ذويه منذ ثلاثة ايام، وكان يعاني توترا عصبيا ونفسيا وتغيرا واضحا في سلوكه خلال الأشهر الستة الأخيرة». وقد تبلّغ بهذه المعلومات النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، الذي يشرف على التحقيق الجاري في هذه القضية. وأضاف الخبر انه «تم أطلق سراح علي بعد الاستماع الى افادته». أهل المنطقة يعرفونه ولا يعرفونه! «ليه فراس عمل هيك؟! فراس ابن حسين حيدر؟ فراس ما غيرو؟ هيدا الشاب الصغير، ...». تلك عينة من الأسئلة التي طرحها سكان منطقة برج البراجنة على أنفسهم وبعضهم أمس، وتحديدا في «حي السنديانة» حيث يقطن فراس في البيت العائلي، الواقع في الطابق الخامس من بناية صالح التي تقع مقابل جامع «سيد الأوصياء». على مدخل البناية، انتشرت العناصر الأمنية، لتمنع دخول أي مستفسر إليها، في ما يشبه التطويق للمبنى. وحتى ظهر أمس، لم يكن الخبر قد انتشر بين سكان المنطقة بعد. ورغم أن أحد مخاتير المنطقة (فضّل عدم نشر اسمه) أكد لـ«السفير» أن العائلة تسكن في المكان منذ سنوات عديدة، إلا أن الناس عموما لم يعرفوه. يقول رجل خمسيني إنه لا يعرف شيئا عن هذه العائلة، وكان يرى فراس «شاباً عادياً كسائر شبان المنطقة». تسأل امرأة عن اسم والدة فراس لعلّها تعرفها، في حين يؤكد رجل آخر أن عائلة الراحل «مستورة ومعترة». منهم من يعرف فراس جيّداً، ومنهم من يتهمه بتعاطيه المخدرات. آخرون يعرفونه، ويرفضون التحدث عنه حرصاً على حساسية الموضوع. ويشير أحد جيران فراس إلى أن القبعة التي وجدت في مدرج المطار كانت لا تفارق فراس. قال إن الراحل كان يرتدي قبعته «الكاسكيت» إلى الخلف دائماً، «بس ما بيتعاطى كتير مع شباب المنطقة». حول البناية التي يقطن فيها الراحل، تتحلق مجموعة من الشباب. يطلب أحدهم من الصحافيين، بعدما عرّف عن نفسه بصفته «مقرّباً من العائلة»، متابعة الموضوع مع المحامي المكلّف، وعدم زيارة العائلة المفجوعة. على شرفة منزل عائلة فراس، تقف امرأة متشحة بالسواد، والى جانبها أطفال وشبان يسترقون النظر من الاعلى، محاولين التعرّف إلى شخصية كل زائر يسأل عن الحادثة. في المشهد نفسه، يتولّى شبان مهمة نقل مجموعة كبيرة من كراسي البلاستيك التي تستعمل خلال مراسم العزاء، الى بيت الراحل. وحين سألنا إذا كانت مراسم العزاء قد بدأت، أجاب شاب: «حتى الساعة، لا شيء». وحده شاب يقف في المكان متفرّجا، يعبّر عن استيائه مما حصل لفراس الذي يعرفه بالشكل فقط، ويقول: «ليه الدولة ما بتلاقي حلّ للشباب؟ مش حياة هيدي اللي عايشينا نحن». صور فراس تغيب عن الشارع الذي يسكن فيه. هناك غموض يسود المكان، من يعرفه يفضّل عدم الإفصاح عن أي معلومة. ومن لا يعرفه، يسأل بحشرية عن الحادثة الغريبة. حادثة أصبح فراس خلالها معلّقاً بين السماء والأرض.. ليعود جثة هامدة إلى حضن والديه. زينة برجاوي