عصام سحمراني
إليك أيّها الكافر بحرّيات مزعومة يدّعونها.. هل تساءلتَ يوماً عن السبب الذي يدفعنا للاستعانة بوسائل الإعلام الغربية التي تعادي قضايا أمتنا!؟ لماذا نشاهدهم، ونقرأهم، ونطلّ عبر شاشاتهم، ونجيب عن أسئلتهم، ونحاول التهليل دوماً لترحيبهم بالرأي المختلف؟ لماذا نعتبرهم آلهة لحرّية الرأي بينما نرى على مدار العام تجاوزاتهم التي لا تحتمل في مغازلة أعداء أمتنا طرداً لموظف أدلى برأيه الخاص - الحر افتراضا فحسب - من هنا، وترويجاً لفكر سياسي عنصري ضدنا من هناك!؟ أيّ شخص منّا مهما كان انتماؤه وهويته وتوجهه يعتنق قناة إخبارية أو جريدة أو إذاعة أو موقعا إلكترونيا عربياً، يصدّق ما يقول ويتفاعل مع طروحاته ويروّج لمصداقيته ويعمد في الوقت نفسه إلى توجيه الاتهامات بكثير من الأمور إلى قنوات وجرائد وإذاعات ومواقع منافسة. وفي نظرة سريعة وغير غارقة في البحوث الممولة بآلاف الدولارات من هذه الجهة وتلك، بما يخدم مصالحها القائمة أو يمهد للقادمة، يظهر لنا أنّ الإعلام العربي بأكمله منقسم تجاه مختلف القضايا، لا سيّما ما يتعلق منها بأنظمة الحكم والصهاينة والقوى الإقليمية وفي مقدمها إيران، والقوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية. انقسام إعلامي يعود بشكل مباشر وصريح وبلا أيّ مواربة، إلى مصادر تمويل المؤسسات مرئية كانت أم مسموعة أم مكتوبة وإلكترونية. وليس في الأمر جديد إذا ما علمنا أنّ معظم المؤسسات الإعلامية «الواصلة» هي مؤسسات حكومية أو شبه حكومية أو مقربة من حكومة ما بشكل أو بآخر. وبطبيعة الحال إزاء ذلك لا يمكن اعتبار أيّ من هذه المؤسسات ذات مصداقية خاصة في ما يتعلق بغض الطرف الدائم عن سياسات الجهة التي تقف وراءها. من الطبيعي أنّ مثل هذا الوضع مخيّب للآمال خاصة إذا لم تكن من قوى المعارضة في بلدك. فللمعارضة مؤسساتها الإعلامية أيضا، لكنها بشكل أو بآخر تكشف عن صدق نواياها، ووضوح توجهاتها السياسية الحقيقية، ولا تدّعي لنفسها وقوفاً على حيادٍ في ما يخصّ قضايا مصيرية داخلية وخارجية مكشوفة ومفضوحة. ولا يمكن لك بأيّ حال أن تنتقص من كرامة أيّ مؤسسة من هذا النوع إذا ما اتهمتها بالانحياز، فهو ديدنها المطلوب لإسقاط حكم، أو تغيير وضع، أو مواجهة أزمة، أو تجييش نفوس للحرب ضدّ مستعمر ومحتل ومعتدٍ. أمّا حين لا تكون من قوى المعارضة ولا تعتنق أخبارها - بياناتها، فالفضاء مفتوح أمامك على مؤسسات تكشف مباشرة عن كثير من الوجوه سوى وجه الحياد والمصداقية وحرية الرأي التي تدّعيها، خاصة حين يلمس الخبر أولي أمرها، أو مصالحهم التي لا حدود لها، والتي تصل في بعض الأحيان إلى أنّ التعريض بهجوم صهيوني على أسطول الحرية هو أمر مرفوض! أنت تعلم بداخلك أنّك لست من قوى المعارضة أبداً، لكنّك في الوقت نفسه لست مع الصهاينة، لا بل إنّك تعاديهم وتعتبر أنّهم عدوّك الأزليّ والسرمديّ قبل دخولك عالم المثل واعتبارك لهم عدواً للإنسانية جمعاء، فالمسألة شخصية ومحدّدة بينك وبينهم، بدليل قصفهم لمنزلك مثلاً أو اعتقالهم لأحد أقربائك أو تهديدهم لتجارة لك في حين من الأحيان لا أكثر. أمام هذا الوضع، قد تنتفض وترفض ما تتلقاه من قناتك الأولى فتهدأ بعد حين وتتناسى ما قد كان منها، أو إنّك تنتقل إلى طرف آخر قد يكون معارضاً أو موالياً لحكومة أخرى. لكنّك وفي لحظات هيام بالحياد ووجد بالحرية تنتقل فجأة إلى المنابع الأصيلة للصحافة، عبر متابعة الإعلام الأميركي والبريطاني والفرنسي؛ ما جاء بلغته الأصلية، أو بالنسخ العربية، المندفعة صوتاً وصورة وكتابة ورقية وإلكترونية، بأشدّ مما تندفع جيوش تلك البلاد في استعمار بلادنا في ما مضى، وإحلال الديموقراطية بتحالفات الصواريخ والبنادق والمدرعات والمقاتلات في ما هو قائم. تشاهد، وتسمع، وتقرأ، وتتفاعل، فتعلّق وتعقّب وتردّ وتنقل كلّ ذلك إلى غيرك، وتدعو بدون وعي منك إلى عالم الصحافة الحرة الذي لا مثيل له إلاّ في مقررات الجامعات! وتدمن أخبارها، وتعتنق آراءها، وتتمتع بنعيم تقبّلها لكلّ رأي مخالف، لتفاجأ في لحظة معينة أنّها تستجيب لضغوطات الصهاينة المباشرة، أو الآتية من صميم تعاون دولة المؤسسة معهم، فتطرد الموظفين استجابة لهم، وتقدّم التبريرات اللازمة، والتنازلات الجاهزة تطييباً لخواطرهم! تفاجأ وترنو إلى يأس هذه المرة، وتكتشف في لحظة كفر بحرّياتهم لا بدّ أن يستمر، أنّهم أشدّ سوءاً من تلك التي تسيطر على بلدك وأمتك، بانحيازها الواضح كوضوح حذاء يتجه إلى رأس بوش.