لبنان مهيأ للفتنة... وكلام نصر الله تحذيري وليس تهديدياً

غاصب المختار

صدرت خلال الاشهر القليلة الماضية تقارير اميركية واسرائيلية واوروبية ـ واحيانا لبنانية ـ عن احتمالات شن اسرائيل حرب جديدة على لبنان، تندرج كلها في خانة ان المقاومة هي العائق امام تحقيق التسوية السلمية بين اسرائيل والعرب، من دون الاخذ في الاعتبار مسؤولية اسرائيل عن اجهاض كل محاولات التوصل الى حلول نهائية وعادلة لازمة الشرق الاوسط. وتفترض هذه التقارير سيناريوهات متعددة للحرب وموعدها ومدتها واهدافها القصيرة والبعيدة، واحتمالات دخول سوريا فيها، وربما ايران، وتستند الى امور مشتركة اهمها «اعادة جهوزية الجيش الاسرائيلي وقدرته على الردع بعد حرب تموز الفاشلة»، ومحاولة ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية ضربة نهائية، وهي قدرة تستند الى تقارير ومعلومات استخباراتية غير واضحة بل غير منظورة، وفرض حلول سياسية على لبنان (استنادا الى مراعاة مصالح اسرائيل طبعا)، قد تغير طبيعة لبنان الجيو ـ سياسية، كما تربط بعض التقارير احتمالات الحرب بالملف النووي الايراني. الا ان الأبرز في سيناريوهات الحرب المقبلة، ما نقلته «السفير» من قراءة لرئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون يوم السبت الماضي، وفيه يربط توقيت شن الحرب بصدور القرار الظني الذي يتوقعه البعض في ايلول المقبل أو تشرين، بما سيتضمنه من توجيه اتهام الى «حزب الله» او بعض قيادييه وعناصره، الأمر الذي سيمهد لفتنة داخلية تستدرج الاسرائيلي الى عمل عسكري ضد المقاومة. اخر هذه التقارير ـ السيناريو عن الحرب ما نشره السفير الاميركي الاسبق في اسرائيل ومصر دانيال كيرتزر لمصلحة «مركز الاجراءات الوقائية» الاميركي (نشرته «السفير» في 16 الجاري)، ويضع فيه عددا من الاحتمالات، بعضها متناقض الفرضيات وتعوزه الدقة والعقلانية في التشخيص والتحليل والاستنتاج، فلا يمكن الاعتماد عليه والاعتداد به بشكل تام، لكنه يخلص الى الاعتقاد ان الادارة الاميركية لن تدعم الحرب الاسرائيلية الطويلة هذه المرة، لا بل ستضغط دبلوماسيا وسياسيا على اسرائيل لوقفها فورا، او تحويلها الى ضربة عسكرية محدودة تساعد في قلب موازين القوى وتغيير قواعد اللعبة، بما يؤدي الى تقييد «حزب الله» وفرض الحل السياسي لأزمة المنطقة!ويلاحظ ان هذا التقرير هو الوحيد ربما الذي لم يربط الحرب بقرار المحكمة الدولية، بل استند الى جوهر الصراع في المنطقة وهو حل القضية الفلسطينية ومتفرعاتها اللبنانية والسورية والاقليمية. كما تأخذ معظم سيناريوهات الحرب بالاعتبار ان قدرة «حزب الله» القتالية – لا الصاروخية فقط ـ قد تعاظمت بشكل كبير، ما يضع امام احتمالات الحرب الكثير من القيود والحسابات، ويدفع اسرائيل وحلفاءها الى درس الخيارات والنتائج المرتقبة اكثر. خاصة ان قدرات «حزب الله» العسكرية بالاجمال مجهولة وهي شكلت مفاجآت كثيرة ليس في حرب تموز فقط، بل قبل ذلك في عمليات المواجهة ضد مواقع الاحتلال وعملائه في الشريط المحتل سابقا منذ الثمانينيات وحتى التحرير في العام الفين. هنا برأي المراقبين يجيء دور التسريبات عن القرار الظني للمحكمة الدولية وربطه بـ«حزب الله» بشكل او بآخر، بحيث يشكل عامل المساعدة الاساسي لتطويق «حزب الله» داخليا بالفتنة وتوفير الجو الداخلي اللبناني المواتي للبعض للخلاص من «حزب الله» وكل حلفائه في المعارضة، وتسهيل العمل العسكري الاسرائيلي. وهو ما اشارت اليه المعلومات عن لقاء الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله بالنائب العماد ميشال عون قبل ايام، حيث حذر عون من تكامل السيناريوهات الداخلية مع الخارجية، ما يستوجب عملية سياسية استباقية بالضغط لتغيير الحكومة الحالية أو تعديلها، لبناء واقع اكثر تماسكاً لمواجهة المرحلة المقبلة. وتفيد القراءة الواقعية للوضع اللبناني ان الارض مهيأة نسبيا لمثل سيناريو الفتنة الممهد او المساعِد للحرب الاسرائيلية، سواء عبر شبكات العملاء التي نبتت كالفطر وتهاوت كقصور الرمال، او عبر استمرار الشحن الطائفي والمذهبي، الا ان كلام السيد حسن نصر الله الاخير عن احتمال توجيه المحكمة الاتهامات للحزب، جاء بمثابة صرخة ودعوة لمنع حدوث الفتنة التي يمكن أن تشكل بيئة مساعِدة للعدوان الاسرائيلي، ولتلافي انزلاق لبنان الى مخاطر الصدامات الداخلية بكل اشكالها، ولعل النصيحة موجهة بالاساس برأي البعض، الى الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري، للعمل على معالجة الثغرات الداخلية الخطيرة، للتفرغ لمواجهة المخاطر الاسرائيلية. لكن ثمة من يرى ان هناك محاذير تقرأها الدول الغربية جميعا، من خطر انزلاق لبنان الى لعبة الدم الداخلية او الفوضى بكل اشكالها، لانها تؤثر بشكل سلبي على المساعي الجارية لمعالجة ازمة المنطقة، وتفجير لبنان من الداخل قد يفجر كل اوضاع المنطقة، فتضيع مصالح الدول الكبرى فيها، الا اذا كان ثمة من يسعى فعلا الى تفجير المنطقة لحسابات غير لبنانية. المهم ان الطرف المعني بكل هذه السيناريوهات هو «حزب الله» مع حلفائه، وهو بقدر ما يعمل على وأد الفتنة الداخلية، يعمل على زيادة قدراته القتالية لمواجهة اي مغامرة اسرائيلية عسكرية.  

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة