سليمان تقي الدين
يعطي نتنياهو أهمية استثنائية لمفاوضات السلام الجارية مع الفلسطينيين. يعتبر هذه المفاوضات «فرصة تاريخية» لإنهاء نزاع عمره مئة عام. في كل مرة يقبل الإسرائيليون التفاوض يكونون قد ضمنوا انتزاع مكاسب إضافية. يتمسك الإسرائيليون بفكرة التفاوض المفتوح أو من دون شروط. نقطة الانطلاق دائماً هي ميزان القوى والوقائع. هم الطرف الذي يطلب التنازلات من الآخر. هم يبيعون «السلام» وليسوا الجهة التي تستجديه أو تقايض عليه. تفاوض إسرائيل على الجزء المكلف لها من الوجود الفلسطيني. العبء السكاني الذي تصعب إدارته وضبطه على المدى الطويل. تفاؤل نتنياهو ورغبته في هذا «السلام» لها أكثر من مبرّر. الرئيس الأميركي يضع ثقله وراء هذه المفاوضات ويحذر الفلسطينيين من عدم التقاط الفرصة الأخيرة. يستحضر رموز النظام الرسمي العربي لتأمين غطاء شرعي للمفاوض الفلسطيني الذي يغامر من دون أي تفويض حتى من المنظمة التي يرئسها. فلسطين التي تحضر هذه المفاوضات هي الجزء المشلّع من الضفة الغربية التي يجري اقتسامها الآن. أية شرعية لمفاوض فلسطيني لينجز تسوية على حقوق عرب 1948 وغزة والشتات؟ تعرف إسرائيل أن السلام والأمن ليسا في يد المفاوض المقابل لها، لكنها تريد التقدم في مشروعها التصفوي باكتساب المزيد من الشرعية ليهودية الدولة، لإسقاط حق العودة، ولترسيخ حضورها في النظام العربي. لم يعرف التاريخ مثل هذه المفارقة، تسوية لصراع لا يتوافر لها عنصرا الأرض والشعب. تأخذ إسرائيل ثمانين في المئة من أرض فلسطين، وتبقي ثمانين في المئة من شعب فلسطين خارج الحل. هذه صفقة لا تحمل معنى التسوية ولو المجحفة. لا تملك هذه الصفقة، إذا بلغت أهدافها، أية شرعية لأنها لا تعالج قضية الملايين من الشعب الفلسطيني الذين ستقفل ملفهم من دون أي مقابل. كيف تضمن إسرائيل الأمن الذي تضعه في مقدمة شروطها؟ إنها تستدعي الحرب الأهلية الفلسطينية حيث تتوغل السلطة في تنفيذ الخطة الإسرائيلية كما يحصل منذ اتفاقية أوسلو. يغامر المفاوض الفلسطيني ويغامر النظام العربي في السعي إلى هذه الصفقة. ليس ما يضمن أن تنفذ إسرائيل تعهداتها ووقف التهويد، وليس من يضمن لإسرائيل الأمن. أكثر من موعد لضرب لقيام دولة فلسطين وكانت الذريعة دائماً عدم توفير الأمن. أعادت إسرائيل احتلال مناطق انسحبت منها بموجب اتفاقية أوسلو. من شارون إلى نتنياهو أعادت صياغة مشروعها للحل. الإدارة المحلية الموسعة وليست الدولة ذات السيادة هي ما يطرحه نتنياهو ويسعى لتكريسه من خلال الاتفاقات. هذا الخيار هو الاستجابة التي يقدمها لأميركا وبعض أصدقائه العرب. يتردد حتى في تجميد الاستيطان. فرصة السنة التي يطلبها الرئيس الأميركي لإنجاز هذه التسوية لأهداف دولية عدة قد تضيع في اختبار قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمن. يبدأ المفاوض الفلسطيني من حيث يمكن أن ينتهي. يدين العملية العسكرية على المستوطنين ويتعهد ببذل أقصى الجهد لمواجهتها. اختارت سلطة أوسلو استراتيجية التفاوض ارتكازاً إلى رصيدها السياسي فقط لكنها لا تملك شرعية مقاومة وإلغاء الخيار الآخر. صحيح أن فلسطين لم تعد هماً قومياً يتداعى له كل العرب، لكنها لم تقطع صلتها الواقعية وتأثيرها على أكثر من دولة عربية خاصة في الجوار. إلى ذلك ما زال موقع إسرائيل في دائرة توازن النظام الإقليمي كله الذي لم تعد تهيمن عليه ولا تنفرد في صياغته. هذه مغامرة برصيد نضال شعب فلسطين لا تنتج تسوية.