لن يحصل فراس حيدر على فرصة الاحتفال بعيد ميلاده العشرين الذي يُصادف اليوم. كما أنه لن يكمل فرحته بمعرفة نتيجة امتحانات البكالوريا الفنية التي كان قد قدمها خلال دورة هذا العام. كان فراس يثق بأن نتيجة الامتحان ستصله إيجابية، وفق ما أكد محامي عائلة حيدر، محمد احمد شقير، لـ«السفير».
فراس حيدر هو الشخص الذي تسلل إلى طائرة تابعة لشركة «ناس» السعودية منتصف ليل الجمعة ـ السبت الماضي، وعثر على جثته في صندوق منظومة العجلات عند هبوط الطائرة في مطار الملك خالد الدولي في الرياض. وفراس هو شاب لبناني، «منذ أكثر من عشر سنوات»، كما يشير إخراج قيده الذي حصلت «السفير» على صورة منه، وهو من مواليد قرية مركبا العام 1990، خلافاً لما شاع بأن الراحل ليس لبنانياً. ورفضت عائلة فراس أمس رفضاً قاطعاً استقبال الصحافة، وكلّفت المحامي شقير بالتحدث باسمها. ويشرح شقير لـ«السفير» أن «العائلة تنتظر نتائج التحقيقات الحالية لمعرفة أسباب وفاة ابنها»، مؤكدا أن «جثمان الراحل سيصل الى ذويه فور إجراء فحص الحمض النووي، بعد أخذ خزعة من أحد أفراد العائلة». ونفى شقير ما يُروّج عن تعاطي فراس للمخدرات، مشدّدا على أن الراحل هو «شاب منضبط وخلوق، وكنت معه قبل يومين من غيابه عن المنزل، وكان يبدي تحمّسه لنتائج امتحاناته. كذلك، أخبرني أنه يريد أن يساعد عائلته بأي وسيلة ممكنة، وكانت تراوده فكرة السفر للعمل في الخارج». وكان عدد من شبان المنطقة قد ذكروا أن «الشاب الراحل كان يتعاطى المخدرات، ولا يكون كثيراً في المنطقة». يذكر أن والد فراس عاطل من العامل، وللشاب شقيقان، واحد يكبره والثاني يصغره سنّا. لكن، فراس غاب عن البيت ثلاثة أيام قبل وقوع حادثة الطائرة السعودية. ألم تلحظ العائلة غياب ابنها عن المنزل لثلاثة أيام؟ يجيب شقير: «والدا فراس اعتقدا انه عند أحد الأقرباء أو الأصدقاء، وكانا يسألان عنه هناك من دون أن يخطر في بالهما التبليغ عن اختفائه لعدم رغبتهما في المبالغة في القلق عليه». بدوره، يقول صديق مقرّب من فراس فضّل عدم نشر اسمه، إنه لم يلحظ على صديقه أي تصرفات غريبة مؤخراً، وكانت المرة الأخيرة التي التقى فيها به منذ أسبوعين. ويضيف الشاب أن «فراس يعمل في محل للألبسة في شارع الحمراء، ولم يتحدّث أمامي عن فكرة السفر مطلقاً، لكنه يعاني مشاكل مادية، وكان همّه الوحيد أن يساعد في تأمين مصروف المنزل». ويضيف أنه عرف من شباب المنطقة أن فراس هو الشاب الذي عُثر على جثته في منظومة العجلات، وكان رد فعله الأول: «ليه فراس سافر؟!». وقد نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» أمس خبرا، بناءً على تحقيقات أجريت مع شقيقه الراحل علي، يفيد بمثول علي أمام «الجهات الامنية المختصة في المطار، حيث عرضت عليه الصورتان المرسلتان من السلطات السعودية. وأفاد علي بأن فراس كان قد تغيب عن منزل ذويه منذ ثلاثة ايام، وكان يعاني توترا عصبيا ونفسيا وتغيرا واضحا في سلوكه خلال الأشهر الستة الأخيرة». وقد تبلّغ بهذه المعلومات النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، الذي يشرف على التحقيق الجاري في هذه القضية. وأضاف الخبر انه «تم أطلق سراح علي بعد الاستماع الى افادته». أهل المنطقة يعرفونه ولا يعرفونه! «ليه فراس عمل هيك؟! فراس ابن حسين حيدر؟ فراس ما غيرو؟ هيدا الشاب الصغير، ...». تلك عينة من الأسئلة التي طرحها سكان منطقة برج البراجنة على أنفسهم وبعضهم أمس، وتحديدا في «حي السنديانة» حيث يقطن فراس في البيت العائلي، الواقع في الطابق الخامس من بناية صالح التي تقع مقابل جامع «سيد الأوصياء». على مدخل البناية، انتشرت العناصر الأمنية، لتمنع دخول أي مستفسر إليها، في ما يشبه التطويق للمبنى. وحتى ظهر أمس، لم يكن الخبر قد انتشر بين سكان المنطقة بعد. ورغم أن أحد مخاتير المنطقة (فضّل عدم نشر اسمه) أكد لـ«السفير» أن العائلة تسكن في المكان منذ سنوات عديدة، إلا أن الناس عموما لم يعرفوه. يقول رجل خمسيني إنه لا يعرف شيئا عن هذه العائلة، وكان يرى فراس «شاباً عادياً كسائر شبان المنطقة». تسأل امرأة عن اسم والدة فراس لعلّها تعرفها، في حين يؤكد رجل آخر أن عائلة الراحل «مستورة ومعترة». منهم من يعرف فراس جيّداً، ومنهم من يتهمه بتعاطيه المخدرات. آخرون يعرفونه، ويرفضون التحدث عنه حرصاً على حساسية الموضوع. ويشير أحد جيران فراس إلى أن القبعة التي وجدت في مدرج المطار كانت لا تفارق فراس. قال إن الراحل كان يرتدي قبعته «الكاسكيت» إلى الخلف دائماً، «بس ما بيتعاطى كتير مع شباب المنطقة». حول البناية التي يقطن فيها الراحل، تتحلق مجموعة من الشباب. يطلب أحدهم من الصحافيين، بعدما عرّف عن نفسه بصفته «مقرّباً من العائلة»، متابعة الموضوع مع المحامي المكلّف، وعدم زيارة العائلة المفجوعة. على شرفة منزل عائلة فراس، تقف امرأة متشحة بالسواد، والى جانبها أطفال وشبان يسترقون النظر من الاعلى، محاولين التعرّف إلى شخصية كل زائر يسأل عن الحادثة. في المشهد نفسه، يتولّى شبان مهمة نقل مجموعة كبيرة من كراسي البلاستيك التي تستعمل خلال مراسم العزاء، الى بيت الراحل. وحين سألنا إذا كانت مراسم العزاء قد بدأت، أجاب شاب: «حتى الساعة، لا شيء». وحده شاب يقف في المكان متفرّجا، يعبّر عن استيائه مما حصل لفراس الذي يعرفه بالشكل فقط، ويقول: «ليه الدولة ما بتلاقي حلّ للشباب؟ مش حياة هيدي اللي عايشينا نحن». صور فراس تغيب عن الشارع الذي يسكن فيه. هناك غموض يسود المكان، من يعرفه يفضّل عدم الإفصاح عن أي معلومة. ومن لا يعرفه، يسأل بحشرية عن الحادثة الغريبة. حادثة أصبح فراس خلالها معلّقاً بين السماء والأرض.. ليعود جثة هامدة إلى حضن والديه. زينة برجاوي