uldy

uldy

عبد الحليم قنديل كانت النبوءة ساخرة مريرة، لكن المدهش أنها تتحقق الآن بالحرف، بعد عشر سنوات، وعلى مسافة أربعة آلاف يوم من حافة النطق الأول. كنت وقتها مديرا لتحرير جريدة 'العربي' القاهرية زمن رئاسة تحرير الراحل عبد الله إمام، كنا في أواخر 1999، وكان مبارك يسعى لاختطاف رئاسته الرابعة، ولم تكن المعارضة لمبارك كما هي عليه الآن، وإن بدت علامات الزهق ظاهرة من بقائه الطويل المزمن في كرسي الرئاسة، وقتها أعددت ندوة 'مائدة مستديرة' نشرت في جريدة 'العربي'، كان العنوان : الرئاسة. . تجديد أم تأبيد ؟، والمشاركون ـ غيري ـ أربعـــة كبار من تيارات مصـــر الإسلامية والناصرية واليسارية والليبرالية، ضياء الدين داود ممثلا للناصريين، وطـــارق البشري ممــــثلا للإسلاميـــين، والراحل عبد العظيم أنيس ممثلا لليساريين، ثم الراحل سعـــيد النجار ممثلا لليبراليين، والأخير كان صاحب النبوءة المفزعة، كان الرجــل من أساتذة الاقتصاد الليبراليين الكبار، وكانت كلماته رائقة واثقة متمهلة كأنه يتلقى وحيا سماويا، وألقى بقنبلته كأنه يخوفنا من عذاب النار، قال النجار : أنه لاحظ شيئا طريفا يلفت نظره كرجل اقتصاد، فكل خطط الدولة الاقتصادية تنتهي في عام 2017، وهو شيء بالغ الغرابة، فالخطط تعد وتوضع في العادة، وبحيث تنتهي الى رقم مقفول، خمسي أو عشري، كأن توضع إلى عام 2010 مثلا، أو إلى عام 2020، أو حتى الى عام 2015، لكن توقيت الخطط بحيث تنتهي في عام 2017 يلفت النــــظر، ويـــبدو غريبا من زاوية الاقتصاد، وإن بدا لافتا من زاوية السياسة، وداعيـــا للتفكر في حكمته، ففي عام 2017 تكون فترة الرئاسة السادسة لمبارك قد انتهت، والمعنى ـ النبوءة الذي ألقى به سعيد النجار في وجوهنا المترقبة، هو أن مبارك ينوي البقاء في الرئاسة إلى هذا التاريخ. رحل سعيد النجار ـ بعد النبوءة ـ إلى رحاب ربه، وترك لنا بؤس العيش مع حكم حسني مبارك، كان النجار ليبراليا أصوليا، ترك عمله الذي استمر لمدة طويلة في البنك الدولي، وعاد إلى مصر مع إطراد التحول إلى الخصخصة، كان ظنه أن تحولا اقتصاديا ملائما من وجهة نظره يجري في مصر، وبدا لفترة مشايعا لمعاهدة السلام مع إسرائيل ومضاعفاتها، ثم كان 'انقلابه الوطني' على ما يجري كله، فقد أدرك أن ما يجري لا علاقة له بقواعد الاقتصاد حرا كان أو اشتراكيا، وأن 'النهب العام' هو العنوان الأدق، وحمل جمال مبارك الذي التقاه في ندوة اقتصادية رسالة لأبيه الرئيس، قال له : قل لأبيك أنكم تحكمون بلدا لاتعرفون قيمته، بعدها صمت الرجل، ولملم أوراق عمره، ومات وفي قلبه غصة، لكن حسني مبارك لم يمت إلى الآن، بل ويستعد لاغتصاب الرئاسة السادسة في 7 ايلول/سبتمبر 2011. وربما نحتاج إلى استعادة أجواء جابرييل غارثيا ماركيز، وإلى الخيالات الكابوسية لروايته الشهيرة 'خريف البطريرك'، وهي تحكي عن ديكتاتور لاتيني لا يموت في مواعيد البشر، ويولد مجددا في مواعيد النعي الدوري، يدهس بحضوره المراوغ أجيالا وراء أجيال، وحين تجيء النهاية لايصدقها أحد، وربما نحتاج إلى واقعية ماركيز السحرية كي نحتمل ما يجري في مصر، فالرئيس مبارك ـ أطال الله عمره ـ قصف أعمارنا، وسيكون في الثالثة والثمانين عند خط بداية الرئاسة السادسة، وربما يكملها نكاية فينا، وفي أولادنا وأحفادنا، ويكون وقتها في التاسعة والثمانين، اللهم إلا إذا كانت لله إرادة أخرى، وعجلت بمواعيد الختام على غير توقع من الكاتبين والقارئين. والأنكى أن بعض من ينسبون أنفسهم زورا لمعنى المعارضة المصرية، ويقومون بأدوار محسوبة كمفرغات صواعق، يقولون لك : لامانع من فترة رئاسة سادسة للرئيس مبارك، وعلى أن يتعهد بإطلاق الحريات العامة، وكفالة نزاهة الانتخابات لمن سيأتي من بعده، وهو شيء أشبه بعشم إبليس في الجنة، فليس الذي صنع المأساة هو الذي ينهيها، والحدأة لا ترمي الكتاكيت، فهؤلاء يتغاضون عن الوضع الذي انتهى إليه نظام مبارك، وهو وضع 'التخشب الرمى' بلغة الأطباء الشرعيين، فالميت الذي يموت قابضا يده، يستحيل على أي قوة في الأرض أن تفك قبضته، ويبعث على هذه الهيئة، تماما كنظام مبارك الذي انتهى إلى قبض اليد، وإلى موت سياسي قبل الموت المؤجل إعلانه، فقد كف نظام مبارك من زمن عن أن يكون له معنى السلطة، فالسلطة ـ بأي معنى سياسي أو أسري ـ تطلب الإذعان مقابل الإشباع، وقد آلت سلطة مبارك إلى تداعي تاريخي، ولم تعد لها مقدرة الإشباع بأي معنى، لا معنى سياسي ولا اقتصادي ولا اجتماعي ولا وطني، لم يعد لديها ما تدفعه، وانتهى حسابها في بنك التاريخ إلى صفر كبير، ومع انعدام القدرة على أي إشباع، أو على تجديد قواعد اجتماعية أو سياسية، مع الوصول لقاع العدم، تطلب الإذعان المجاني، وهو ما يفسر الهيئة التي انتهت إليها، وظهورها بمظهر الرأس العائلية المعلقة على خازوق أمني متضخم ومتورم، وهي الهيئة التي تبدو عليها الآن، وتبعث عليها يوم الحساب، فقبضة يد الميت لاتنفك، ولا حل سوى بقطع اليد نفسها، فهي لا تملك أن تحرك إصبعا، ولا أن تجري تعديلا في الدستور على النحو الذي تروج له نخبة 'مفرغي الصواعق'، ولسبب بسيط، وهو أنها أجرت آخر تعديل قبل قبض يدها الأخير، وانتهت إلى تقنين 'الديكتاتورية العائلية' في الدستور، وتحويل الرئاسة إلى شراكة عائلية مغلقة، وبحكم الأمر الواقع قبل نص الدستور، فالحكم للأب والابن والأم، وعلى أن يظل اسم مبارك الأب على واجهة المحل مادام حيا، وهو ما يفسر أشياء بينها مصير النجل جمال مبارك، فهو شريك ـ من زمن ـ في رئاسة فعلية، لكن الأب لايسمح له بأن يكون عنوانا للرئاسة الرسمية، ويستبقي العنوان لاسمه، فالبطريرك في خريفه لا يثق بأحد، وحتى لو كان ابنه، ولا يضمن ألا تنقلب دورة النجوم، وألا تنزلق قدمه من قبة العرش إلى زنزانة السجن، فمبارك يعرف - بالغرائز ـ أعظم الخطايا فيما جرى، وهي جريمة سرقة بلد وتجريف ثرواته وأرضه ومصانعه، ويعرف أن نظامه لا يستحق أن يحكم بل أن يحاكم، ويسعى بالغرائز لتجنب أسوأ المصائر، يسعى لكسب ثقة الراعي الأمريكي الإسرائيلي، وتجديد أوراق اعتماده كخادم أمين، والتحصن في بروج مشيدة تحرسها قوة أمن داخلي تقترب من حاجز المليوني عسكري، والبقاء على كرسي الفرعون حتى آخر نفس، فهو يريد أن يبقى في القصر حتى ينتقل إلى القبر فلا يسائله أحد في الحياة الدنيا، وقد روى الإعلامي المصري عماد الدين أديب قصة ذات مغزى ظاهر، الرجل مقرب جدا من العائلة، وتحدث قبل شهور عن ضمانات الخروج الآمن، وقال : أن مبارك فكر في ترك الرئاسة عام 2005، لكنه ـ بحسب رواية أديب ـ تراجع، وكان السبب تصريح للمتحدث باسم كفاية، وهو كاتب هذه السطور، والذي هدد وقتها بمحاكمة مبارك بعد خلعه. ولا علاقة لتصميم مبارك على البقاء بحادثة أو ظاهرة البرادعي، فقد أطاح مبارك الأب بطموح ابنه الرئاسي قبلها بزمن، ودعمته جمـــاعة الأمن في الجيـــش والمخابرات وقوات وزارة الداخلية، والتي تعاند نفوذ جماعة 'البيزنس' الملتفة من حول الابن، وتخــــوض ـ من وراء ستار ـ معركة مماليك الاب ضد مماليك الابن، وتروج لدعوى 'الاستمرار سبيل الاستقرار'، وتتخوف من انفجار سياسي واجتماعي لو جرى تولية الرئاسة رسميا للابن، وقد تصاعد النزال منذ أواسط العام 2009، وعاد مبارك من زيارة واشنطن في اب/أغسطس 2009، وقد حزم أمره، كثف زياراته لوحدات الجـــيش، وقلص من ظهور ابنه جمال مبارك في وسائل الاعلام، وبدأ يروج لشخصه مجددا، وتحدث عن برنامجه الانتخابي، ويتنقل بشبابه المستعاد من مدينة إلى مدينة، ويكرر المشاهد الهزلية ذاتها التي سبقت اغتـــصابه الخامـــس للرئاسة في 7 ايلول/سبتمبر 2005، وقتها خلع رباط عنقه، وأعدوا له ' لقاءات الاخصاص ' مع عينات منتقاة من المواطنين، وشرب معها الشاي الذي تعده له أجهـــزة الامـــن، تمــــاما كما تعد له 'الكومبارس' الذي ينافسه في فيلم كارتون انتـــخابي، وتحجز له مقعد الفوز الذي ينتظــــره مبارك السادس بعد مبارك الخامس. وربما لم يبق غير قراءة الفاتحة علينا وعليكم، إلا إذا كان للأقدار رأي آخر. ' كاتب مصري

توقّع أن يصير اقتناع في نفوس اللبنانيين بالعلمانية بعد 30 سنة والأمر يتطلب إيماناً كبيراً المطران غريغوار حداد: الزواج المدني سرّ إذا كان الرجل والمرأة مؤمنين العلمانية لن تسقط وتَوسّع الفكر الديني ينهي تسلّط رؤساء الطوائف

الباب مفتوح على مصراعيه. في السرير تمدد المطران غريغوار حداد، وقربه زائران يؤانسانه. يمدّ يده للمصافحة مبتسماً، مرحبا بضيفين جديدين. في الغرفة 115 في "بيت السيدة" في الحدث، يستريح، مستقبلاً زواراً، متابعاً نشاطات "ابنته" الحركة الاجتماعية، مشاهداً التلفزيون، قارئاً في كتب عدة تكدست على منضدة قربه... "في كم وزير مناح، ولازم ندعمهم، وبيطلع منن نتيجة"، يقول بطرافته المعهودة، في معرض تعليقه على الاوضاع السياسية. النبض قوي، العينان تشعان حياة، الذهن متقد، الابتسامة مشرقة، اليدان تتحركان، تشرحان، تجادلان، تقودان الكلام، في القلب قوة روحية تتجلى على وجهه... ولولا "الاوستيوبوروز" (ترقق العظم) على قوله، والذي ترافقه "حزوقة" "تلبّص" عليه من وقت الى آخر وتصعب عليه الكلام، لكانت الصحة بألف خير."السيدة مي". يشير بيده الى ضيفته، معرّفاً بها. "علمانية من عبيه، ضيعتي". يقول انها تزوره من وقت الى آخر "كي تشممني رائحة الضيعة". وكان معها ضيف آخر: عضو في الحزب الشيوعي. "العلمانية" ضيفته الدائمة، الصديقة القديمة التي لا تبرح تفكيره، وكلما سنح له الظرف يتلمس طريقه اليها بحذاقة. هي حديث الساعة، الشرارة التي تحفزه على المضي في الكلام. "أصلك من وين؟ علمانية من هونيك؟"، يسأل. وعندما يعرف من اين الاصل، يضيف بطرافة: "بدن كثير هونيك تيصيروا علمانيين"، مشعلاً الضحك في "مقر قيادته". ويمضي في محاولة اقناع جديدة: "هل تدخلين تيار المجتمع المدني؟ الا تؤمنين بان العلمانية هي اللاطائفية واللاانعزالية واللاحكم على الآخرين؟ واذا كانت هكذا، افلا تدخلينها؟". نجيبه: الافضل سيدنا ان نبقى مستقلين، لان مهنتنا الصحافية توجب ذلك. نعمل من بعيد". فيردف: "من بعيد لبعيد حبَّيتَك... ممنوعة هيدي". ونسترسل معه مجددا في الضحك. وهذه المرة، تثير فضوله صحة العلمانيين في جريدة "النهار": "هل لديكم علمانيون؟" نجيبه بحقيقة الواقع، فيردف: "يعني عندكن شغل هلّق داخل الجريدة". ايمان المطران غريغوار لا يزال راسخا. "العلمانية لا يمكن ان تسقط. بالعكس، تقوى وتكبر وتنتشر"، يقول. في الجعبة اسئلة كثيرة اجاب عنها. وكلما توغل زورق الحديث اكثر في بحوره الهادئة، فتح اوراقه، منفتحا على الحوار، مستعدا لوجهة نظر الآخر، مثابرا بعناد على "رسالته"، مخرجا اشياء كثيرة من زبدة فكره، وكل مرة يلقي وراءه طعمًا يشدّ به الى المزيد. العلمانية التي يؤمن بها، علمانيته، "صعبة، لكنها ممكنة" على ما يعتقد. الايام الغابرة تعود للحظات، ويلقاها المطران بابتسامة. نسأل عن محاربيه، رافضيه. "لا، لم يتعمدوا اساءة فهمي، لان الامر صعب بالفعل... ويجب ان تتغير حياتهم كلها ليفهموا"، يقول. بالنسبة اليه، "الماضي مضى، "خلص". ربما أخطأت في امور معينة، والله يسامحني... وربما حاولت ان "ادفّش" اكثر من اللزوم. لكنني لا اريد ان احكم على الماضي... قمت بواجبي". "سيدنا"... الكلمة تكررت مراراً، لكن المطران لم يسكت عنها طويلا. احتج بديموقراطية، بلطف. "المطران نوع من زعيم في لبنان، علما ان المسيح قال: لا تدعوا  لكم على الارض احداً سيداً، ولا معلّماً ولا أباً، لانكم كلكم اخوة. وهنا ندعوه "سيدنا" فيطلب ان ندعوه الاخ غريغوار، و"مش الاب، لان هناك ابا واحدا، هو الله"،  او غريغوار "بس، وهيك أأمن واسرع".ساعة مضت، كأنها لحظة. الممرضة تقترب وفي يدها حبة دواء، تنبهنا الى قرب انتهاء الموعد. ولكن لدى "غريغوار" مفاجآت اخرى ممتعة. "بما انكم وصلتم لعندي اليوم، صرتم علمانيين. وممنوع ان تعودوا وتنسوا. واذا نسيتم، تكونون اضعتم وقتي، وانا ما عندي وقت كي اضيعه"، يشعل مجددا الضحك. ونسأله قبل الوداع: "غريغوار، ما الذي تحب ان يُكتَب او ان يقال عنك؟ وبعفوية يجيب: "بدي أنو ينسوني". الرجل يعرف ما يريد، وما يريده منه الله. "وهلق اقتنعتو بالعلمانية؟"، بقي سؤاله يتردد في طريق العودة".• بعد مرور 49 عاما على تأسيسك "الحركة الاجتماعية"، هل انت راض عن نشاطها اليوم؟ - انا راض ولست راضيا. اولا، لان الاوضاع التي تمر بها البلاد حاليا تصعب على الحركة تحقيق الاهداف التي حددتها لها من زمان. هناك مبادئ عامة كثيرة اطلقتها الحركة ولا تزال تؤمن بها، لكن عمليا لا انتاجية فعلية لها. على سبيل المثال، اللاحزبية، اللاطائفية، اللاعنفية، اللاارتجالية، اللاانعزالية... هذه المبادئ وغيرها اطلقتها الحركة، وعلى الارض لديها نحو 20 فرعاً في مختلف المناطق، بينها طرابلس وعكار والنبطية وبرج حمود وصيدا وزحلة... وفي كل منطقة، كان هناك شباب متحمسون للفكرة وتطوعوا للقيام بمشاريع، انطلاقا من حاجاتها. كانوا يجرون ايضا دراسات احصائية، وانجزت مشاريع عديدة بالتعاون مع الدولة. كان (الراحل) موريس الجميل وزيرا للتخطيط. وطلب وضع دراسة عن العمالة وكل المشكلات التي يعانيها العمال. وصدرت الدراسة في كتاب، انطلاقا من متطوعين في الحركة. هناك 60 او 70 شخصا، غالبيتهم من السيدات، ومعهم متطوعون من مختلف المناطق. وهذا امر جيد. كذلك، تضع الحركة برنامجا سنويا لعملها. والمشروع الكبير الذي تعمل عليه حاليا هو التعليم المهني لكل التلامذة ما بين 12 -13 عاما. ومهم جدا ان يكون هناك تطبيق عملي "على الارض"، وليس مجرد مبادئ عامة. • ما الضمان الذي يكفل استمرار الحركة في المستقبل؟ - الضمان الفعلي هو التمويل. وحتى اليوم، التمويل مؤمن. عندما بدأنا الحركة، لم يكن معنا اي قرش. كانت مخصصاتي الشهرية لا تزيد عن 100 ليرة لبنانية، وكنت اخصصها للحركة. وصارت تكبر (الموزانة) شيئا فشيئا. الموازنة حاليا تبلغ نحو مليونين او ثلاثة ملايين دولار اميركي سنويا، وصارت للحركة علاقة بالاتحاد الاوروبي، وهي علاقة مهمة جدا، اذ تعكس ثقته الكبيرة بها. "ع السكّيت وراء الكواليس"  • تظهر في لبنان جمعيات عديدة متشابهة. ما ميزة الحركة؟ - المبادئ التي اشرت اليها سابقا. ميزتها انه ليس لديها مبدأ واحد فقط، بل هناك مبادئ يكمل بعضها البعض. كذلك تعمل الحركة "على السكّيت"، وراء الكواليس. وقد اتهمت بذلك، وان الحق عليّ، اذ قيل انه كان يجب نشر فكر الحركة ومشاريعها اكثر منذ البداية لنجذب الناس اليها. غير اننا لم نرد صبغها بطابع روم كاثوليك او شيء من هذا النوع، بتأثير من صفتي كمطران في الطائفة. وفي الاخير، "صبغولنا ياها شيعية وفلسطينية ويسارية وكثير أشيا". • هل اشتقت الى العمل الميداني؟- "صرت عم قضي حكم هلّقنيّي". (يضحك)• هل تواكب ما يقوم به المسؤولون في الحركة؟ - دائما، يأتون مرة في الشهر ويجتمعون بي، ويطلعونني على كل المستجدات. احب ان يكونوا متمتعين باستقلال تام، اي الا يكون "فوق راسن" المطران غريغوار حداد. هذا الامر ممنوع "من زمان وجايي". وقررنا القيام بأمر مهم جدا هو التنسيق بين الجمعيات. قلتم انه صار هناك جمعيات كثيرة في لبنان. ولسوء الحظ، تنشأ من اجل اشخاص، اي ان كل شخص يريد ان يبرز من خلالها. فالـ"انا" قوية جدا لدى اللبنانيين. حاولنا القيام بتنسيق، على سبيل المثال على صعيد المستوصفات والاندية وتعليم الاميين... إلخ. حققنا تنسيقا سميناه تجمع الهيئات التطوعية الذي يضم نحو 18 جمعية ومنظمة كبيرة، منها كاريتاس ومجلس الكنائس (الشرق الاوسط) ومؤسسة الامام الصدر ومنظمة الشباب التقدمي وغيرها.• هل  تجد انه لا يزال هناك افق للعلمانية في لبنان؟ - بالتأكيد الافق موجود. هل تعلمين ما هو الافق؟ انه شيء بعيد، وعندما تحاولين الوصول اليه لا تستطيعين، لان المرء كلما اقترب، ابتعد الافق اكثر. وافق العلمانية موجود، لكنه من هذا النوع. ان شاء الله يقترب اكثر فاكثر.• يبدو انك متفائل؟- البلاد تحتاج الى اناس مؤمنين بهذه المبادئ. واذا ترك المؤمنون بالحركة الاجتماعية هذه المبادئ، تكون هناك امور كثيرة ناقصة. تبقى هناك احزاب بالطبع. والحزب الشيوعي اشتغل كثيرا، وتعاونا معا. وخلال ايام الحرب، شكلنا هيئة انماء قضاء عاليه، وتمثلت فيها كل الاحزاب، بما فيها الشيوعيون والاشتراكيون. وكان وزير الاشغال العامة غازي العريضي ممثلا للاشتراكي في الهيئة. التنسيق امر مهم، وآمل في ان يتوسع اكثر، وان تتراجع الـ"انا" التي يريد كل شخص ان يبرزها، ولا يقبل العمل في الخفاء. • اشرت الى ضرورة الاستمرار في الايمان بالعلمانية. هل صحيح انها تشكل خلاصا للاقليات؟ - لنحدد اولا ما العلمانية، كي نرى اذا كان فيها خلاص للاقليات ام لا. العلمانية متهمة بأمور كثيرة، اولها الالحاد، وبان العلماني لا يؤمن بالله او يصغي الى الكاهن. وهذا امر خاطئ كليا، ومصدر هذا الخطأ يرجع الى ان الدافع الاساسي للعلمانية في فرنسا كان وراءه اشخاص حاربوا الكنيسة الكاثوليكية، وتبين ان كثرا منهم تركوا الدين. وبالتالي، وسمت العلمانية بهذا الطابع، وبأن العلمانيين يريدون تغيير المجتمع من دون ان يهتموا بالدين. لا، بالعكس، فالدين في رأيهم جزء من المشكلات في المجتمع، وانه يمنع الناس من التطور. حاليا، اصبحت الكنيسة الكاثوليكية تدافع عن العلمانية اكثر من غيرها، لكن ليس في كل شيء. لذلك، من الضروري فهم العلمانية بمعناها الصحيح. "استقلال ما بين الإيمان والمجتمع"  • ما العلمانية التي تسعى اليها؟ - نحددها كالآتي: هي استقلال بين ما هو للايمان وبين ما هو للمجتمع، اي ان الانسان حر بمبادئه الايمانية، ويمكن ان يعمل من اجل المجتمع ويكون ملحدا او مؤمنا بالله او من فئة "لا ادري من هو الله". لكل شخص الحق في العمل مع غيره شرط ان يقبل مبادئ الآخر والتعددية والنسبية. والنسبية تعني ان احد لا يملك الحقيقة المطلقة. الله وحده هو المطلق، والتعبير عن الله في الاديان نسبي. والقول ان الدين المسيحي وحده الدين الاكثر تطورا على هذا الصعيد امر خاطئ، فالمسيح لا يقول ذلك، بل يقول "يأتون من المشارق والمغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون في ملكوت السموات". وهذا يعني ان لكل انسان الحق في ان يكون له ضميره الذي يجعله يلتزم الارض عمليا، من دون ان يكون هناك قمع او استئثار. والاستئثار يجعل بعضهم يعتقد "انن هني وبس والباقي كلّو خس". (يبتسم)• اذاً، مبادئ العلمانية التي تنادي بها مستوحاة من تعاليم السيد المسيح او قريبة جدا منها؟ - قريبة تعني شيئا، ومستوحاة شيئاً آخر. لا نقول بانها مستوحاة، والا نكون صبغنا العلمانية بالدين المسيحي، بينما يجب ان تكون لها حريتها الكاملة: الانسان كانسان، ونقول كل انسان وكل الانسان. وهذه احدى مبادئنا التي نعمل على تطويرها. وهذا يعني ان نهتم بالجميع. واذا منعنا الحركة من العمل في منطقة معينة، فذلك خطأ، لانه يجب ان تصل الى كل انسان. ونعني بـ"كل الانسان" ان الانسان جسد ونفس وروح في الوقت نفسه. تطوير الجسد ضروري، وتطوير الروح ضروري، وتطوير النفس ضروري. واذا قصّرنا في بعد من هذه الثلاثة، يكون ذلك خطأ. وهذا يعني ضرورة العمل على كل الانسان. كثر يستخدمون هذا الشعار: كل انسان وكل الانسان. لم نخترعه نحن، بل اطلقه الاب لوبريه، الذي زار لبنان خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب ووضع دراسة عن حاجات لبنان، واطلق فكرة التنمية، وتأملنا معه كثيرا. كذلك ساعدني شهاب وقتها، وتعرّف الى الحركة، وطلب منا بعض الخدمات، لاسيما على صعيد الصحة. يومذاك، كانت هناك اموال تعطى مستوصفات من خلال وزارة الصحة، لكنها كانت تصل الى "ناس، وناس ما توصلن". فتعرّف الينا بهذه الطريقة. وعرّفته ايضا الى الحركة. • بعد كل هذه الاعوام، لا تزال تنادي بالعلمانية. غير ان ثمة من يعتقد ان الطروح العلمانية سقطت في العالم في ظل النزاعات الدينية. ما رأيك؟ - العلمانية لا يمكن ان تسقط. بالعكس، تقوى وتكبر وتنتشر، انما حصل انتشار للاديان بطريقة عشوائية، يقول المثل: "ما بيقرقع بالدست الا العضام يللي فيه". يعمل ابناء الديانات المعروفة دعاية لانفسهم كثيرا، فيبدون انهم وحدهم في الوجود. غير ان هناك تيارات روحانية كثيرة في العالم اليوم، خصوصا في الهند، ويلتقي مسيحيون بالهندوس والبوذيين، وهذا امر مهم. وهناك كهنة قصدوا الهند ليصيروا رهبانا هندوسا، ووُضعت كتب عنهم، وهي جميلة جدا. وهذا يعني انه من الضروري انطلاقة العلمانية حتى لو صار هناك انتعاش لبعض الاديان. وفي آخر المطاف، سيكون هناك حوار. اذا قبل العلمانيون بكل الاديان، يجبرون بالتالي المؤمنين بهذه الاديان على اعادة النظر في مقولاتهم، وبألا يعتبروا ان لديهم وحدهم الحقيقة المطلقة. لا شيء حقيقة مطلقة.  • كيف تنظر الى تجربة الاحزاب العلمانية في لبنان؟ - انا انظر اليها (مازحا بابتسامة). • يبدو ان ابتسامتك تعكس رضى. - هناك تعاون معها. مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي فيها الكثير من العلمانية، كذلك الاشتراكي، والكتائب رغم كل ما حكي عنه. مبادئه الاساسية تقول بانه حزب علماني، واهتموا كثيرا بالـ"Personalisme" الخاصة بمونييه. (يضحك)... العلمانية الشاملة تعني الحيادية التامة في فكر كل انسان، والتعاون مع الجميع على صعيد المجتمع من دون اتهام الآخرين باي شيء. وهذا امر مهم.• الا تجد اننا بعيدون جدا عن هذا الطرح الذي قدمته الآن؟ - نعم، نحن بعيدون. لكن كثرا باتوا مؤمنين به. حصل امر جيد العام الماضي، لجهة شطب الطائفة عن الهوية، وبعضهم يعمل على شطبها عن السجلات الرسمية ايضا،  والحركة تعاونه على هذا الصعيد. وقد اسسنا تيار المجتمع المدني الذي هو نوع من الحركة الاجتماعية السياسية، وينتشر اكثر فاكثر. • قبل سنة، نشأ البيت العلماني في بيروت. من يتحمل مسؤولية فشل طرحه العلماني؟ -لم يفشل المشروع. بدأ تنفيذه، لكنه لم يكمل بسبب صعوبات، وقد اشرت اليها. كثر ليسوا مؤمنين (بالعلمانية)، وهذا يعني ان الامر يتطلب جهدا وصبرا كبيرين. واذا كان نصري الصايغ الذي اطلق المشروع مفكّراً مهما ويهمه ان يظل المشروع، فالامر يتطلب تضحيات كثيرة ليصل به الى النهاية. لقد تعاونا معه في تيار المجتمع المدني اولا، ثم احب ان يؤسس البيت. ويقول المثل: "نيال البيت يللي بيطلع منو بيت". "هذا يعني اننا باقون محلنا"  • من يحارب العلمانية اكثر في لبنان: رجال الدين، ام السياسيون، ام الجانبان معا؟  - الاثنان معا، لان لديهما مصلحة في ذلك. النظام في البلاد يرتكز على الطائفية، ومصلحتهم تقتضي ذلك، كي يصلوا هم الى النيابة والوزارة والرئاسة والمواقع الدينية البارزة، والا لا يصلون اذا لم تكن هناك طائفية. • الغاء الطائفية السياسية. ما رأيك في هذا الطرح؟ هل هو طرح طائفي ام طرح مفيد للبلاد؟ - علينا العودة الى اتفاق الطائف الذي يقضي بتشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية، ومجلس الشيوخ الذي يتمتع بالصفة التمثيلية للطوائف. وهذا يعني اننا باقون محلنا، وان الطائفية باقية، حتى لو اصبح كل النواب لاطائفيين. اذا ابقينا شيوخا طائفيين، لا نكون وصلنا الى "اي مطرح". الحرب طويلة جدا. نقول ان الامر يتطلب مرور 30 سنة، ابتداء من اليوم، قبل ان يصير هناك اقتناع في النفوس بالعلمانية. العلمانية ليست مستحيلة، بل صعبة جدا، وتتطلب ايماناً كبيراً، ورجاءً كبيراً، وصبراً كبيراً.  • هل تعتبر انك دفعت ثمنا باهظا من جراء افكارك العلمانية؟ - ليس الامر مهما. لم اتأثر بما حصل. كنت مطرانا لبيروت وتركت المطرانية، وصار كل المطارنة ضدي. وسعدت بانني اصبحت حرا وغير مقيد في عملي. المطران مقيَّد ومقيِّد. ولسوء الحظ، هذه هي الحال في لبنان. المطران نوع من زعيم، علما ان المسيح قال: لا تدعوا  لكم على الارض احدا سيدا، ولا معلما ولا ابا، لانكم كلكم اخوة. وهنا ندعوه سيدنا. • ما رأيك في الزواج المدني؟ هل يشكل مدخلا الى العلمانية؟ - لا، ليس مدخلا، بل هو جزء من كلّ، لان الزواج في ذاته اتفاق ما بين شخصين بكامل حريتهما ولكل حياتهما. ومن يعمل الزواج، ليس المطران او الشيخ او الكاهن، بل الرجل والمرأة معا. لهذا السبب، عندما يكونان التقيا وارتبطا بزواج مدني، فزواجهما زواج، وليس كما يُعتَقد في اوقات كثيرة انهما يعيشان في الزنى. هذا خاطئ جدا. • لكن وفق تعاليم الكنيسة، الزواج سرّ. فكيف يتم التوفيق اذاً  بين الامرين؟- ماذ يعني السر؟ انه البعد الروحاني للعمل. سر الافخارستيا يعني انه من خلال الخبز والخمر على المذبح، يؤمن الانسان بان المسيح موجود معه. هناك سر وجود الله في الانسان، في الخمر والخبز، في البشرية، في كل شيء، وهذا يعني ان الزواج المدني سر اذا كان الرجل والمرأة مؤمنين بالمسيح. اما اذا لم يكونا مؤمنين، يصير اذاً عقد زواج عادياً. • في رأيك، متى يتجاوز اللبنانيون العقد التي تحول دون الزواج المدني؟ - عندما يصير هناك نوع من رأي عام يعتبر ان الانسان انسان، وليس الدين هو الذي يجعل من الانسان انسانا. لهذا السبب، اذا توسع هذا الفكر، لا يعود هناك تسلط من رؤساء الطوائف. وهذا الامر يتطلب عملا كبيرا، ويبدأ في تنشئة اجيال على هذا الفكر منذ الصغر، وانتشار احزاب علمانية اكثر. والمهم الا نيأس. "كي يصير الإسلام إيمانا"  • هل يساعد التطرف الاسلامي الذي نشهده حاليا في المنطقة العربية وعدد من الدول في تعزيز الفكر العلماني؟ - ليس صحيحا ان هذا التطرف اسلامي، لان المسلم لا يكون متطرفا. يقال انه مسلم لله، اي انه سلّم ارادته لله. وليست هذه هي حال المتطرف. الذي لا يعود مسلما فعلا، بل يصير ملحدا. • لكن المتطرفين يقولون انهم المسلمون الحقيقيون وهم ورعون... - تماما كما يقول بعض المسيحيين (يضحك). • هل ترى ان الاسلام يمكن ان يتعايش مع المبادئ العلمانية طالما هو دين ودولة؟ - اولا الاسلام لم يبدأ دينا ودولة، بل بدأ ايمانا ومجتمعا بدويا. لم تكن في البداية دولة بالمعنى الحالي. وأحبّ النبي محمد، صلّى الله عليه وسلّم، ان يصير لديه معاونون او صحابة. وقد جمع في شخصه الامرين. وعندما ذهب الى عند الله، احب كثر ان يكملوا وراءه، واكتشفوا انه يمكن ان يجمعوا الامرين، على ان يكون كل منهما مستقلا عن الآخر. وجاء الامويون والعباسيون، وكانت دولة لوحدها، وصار المؤمنون يعملون وحدهم. لذلك الشيعة هم تيار ايماني، ويمكن، لو ارادوا ان يعملوا جديا، ان يكونوا من يحررون الدين الاسلامي من طغيان السياسة على الايمان. غير ان ذلك يتطلب وقتا طويلا، لكن الامكان موجود. العلمانية يمكن ان تحرر الاديان من شوائبها، بحيث تلتقي معًا بعد تحررها. العلمانية ممكنة، لكنها صعبة جدا.  • عندما ذكرت النبي محمد، صليت عليه كما يفعل المسلمون. كيف يلتقي دينك المسيحي مع الدين الاسلامي؟- اؤمن بالمسيح، وبانه جاء من اجل الناس، بمن فيهم المسلمون. لكنه يُفهَمُ بطريقة خاطئة، اذ يُجعَل زعيم عصابة عند المسيحيين، بينما هو خادم الجميع. قال: لم آت لأُخدَم، بل لأَخدُم. وهذا يعني انه عندما يؤمن مسلم بالتمايز ما بين الدين والمجتمع، يمكن عندها ان نسميه مسيحيا، بمعنى "أعطوا لقيصر ما لقيصر، وما لله لله"، على قول المسيح. وهذا الامر يتطلب ايضا عملا كبيرا. ويجب ان يتغير لبنان كليا. • هل لديك "معزّة" خاصة للمسلمين والاسلام؟ - نعم، لدي معزة للمسلمين. لكن تجاه الاسلام، لا، اذا بقي كما هو عليه اليوم. ويجب ان يتغير، كي يصير ايمانا، وليس دينا. هناك كلمتان جميلتان جدا في القرآن: لكم دينكم، ولي ديني. والهنا والهكم واحد. الدين شيء والايمان شيء آخر. الايمان لديه مطلقية الله نوعا ما. اما الدين فهو نسبي. والاديان نسبية بالنسبة الى بعضها البعض. "ربما "دفّشت" اكثر من اللزوم" 

• من خلال خبرتك وحياتك، هل تجد ان المسيحية ليست للارض، بل للسماء. واذا كانت كذلك، فما نفعها للبشر؟ - قال المسيح: انتم في العالم، ولستم من العالم. وهذا يعني انه ضروري ان يكون المسيحي في العالم ويتحمل مسؤوليات فيه، لكن لا يصير من روحه الخاطئة. وهذا امر مهم، ويتطلب ايضا عملا. والعلمانية احدى وسائل تنقية الاديان. • هل أُسِيءَ فهمك، ام تعمدوا ذلك؟ - لا، لم يتعمدوا ذلك، لان الامر صعب بالفعل، ويتطلب منهم امورا كثيرة. يجب ان تتغير حياتهم كلها. وكلما زاد المؤمنون بالعلمانية، سهل الامر قليلا. • هل ثمة شيء تندم عليه في حياتك؟- يقول بولس الرسول: انسى ما هو ورائي واسعى الى ما هو امامي. الماضي مضى، "خلص". اخطأت في امور كثيرة، ونسيتها، وبعضهم كان يتشكك بسببي. وهذا يعني ان الطريقة التي اشتغلت بها ربما لم تكن صحيحة. ربما حاولت ان "ادفّش" اكثر من اللزوم. لا اريد ان احكم على الماضي. ما مضى مضى. قمت بواجبي. ربما اخطأت في امور معينة. والله يسامحني. واكمل مشواري، ولدي اعوام عديدة، لا اعرف كم عددها، لاعيشها.• ما حكمتك الفضلى؟ - ايمان بالله وايمان بالانسان. الانسان يجسد الله على الارض. والمسيح اعطانا المثل. "كنت جائعا فإطعمتموني، وغريبا فآويتموني...". الانسان هو الله على الارض. والله تجسد، والتجسد كلمة يصعب على بعضهم فهمها. وبه رفع معنويات الانسان واعطاه الكرامة الكبرى، وجعله على صورته ومثاله.  • ما الذي يعزيك حاليا؟ - انتم. • لكننا سنغادر. فما يبقى لديك؟ - غيركم سيأتي (يضحك).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطران الأحمر من هو ؟

 

ولد نخلة امين حداد عام 1924 في سوق الغرب لابوين هما امين نخلة حداد (انجيلي). وماتيلد نوفل (روم كاثوليك). بين 1934 و1936 درس علومه الابتدائية في مدرسة سوق الغرب العالية وفي العام الدراسي 1936 – 1937 نال شهادة السرتيفيكا في مدرسة النهضة - بمكين قرب سوق الغرب التابعة لدير الشير (الرهبانية الباسيلية الحلبية للروم الكاثوليك).

بين عامي 1937 و1943 تابع التكميلية الثانوية في الاكليركية الشرقية التي كانت تابعة للآباء اليسوعيين في بيروت، وتابع دراسته الفلسفة واللاهوت في الاكليركية ذاتها.

عندما سيم كاهنا اتخذ اسم غريغوار تيمنا بالبطريرك غريغوريوس حداد الذي ترأس كنيسة انطاكيا اليونانية الارثوذكسية، بين عامي 1906 و1923، وذلك لاعجاب والده بذاك البطريرك المتزهد، والعلامة، صديق اهل المعرفة، وصديق الاسلام، القومي العربي، الذي وزع خيرات الكنيسة ايان المجاعة للفقراء المسيحيين والمسلمين على السواء.

بعد ثلاث سنوات من سيامته كاهناً سنة 1949، عين نائبا عاما على ابرشية بيروت للروم الكاثوليك ورسم اسقفا عام 1965 فقام بمهمته اولا كأسقف معاون للمطران فيليبس نبعه الذي أَسند اليه مسؤولية خدمة ابرشية بيروت ابان مرضه. وبعد وفاة المطران نبعة انتخب السينودس غريغوار حداد مطرانا اصيلا.

 

في ذلك الحين، اخذ البعض يتململون من بساطته وفقره وافتقاره الى مظهر الأبهة، ومن انه لا "يمثل" خير تمثيل مركز مطران يرأس اكبر ابرشية للروم الكاثوليك في البلاد العربية والاب غريغوار حداد (هكذا رغب في ان يدعوه الناس) كان احد المطارنة الذين وقعوا وثيقة يتعهدون فيها ممارسة الفقر في حياتهم الشخصية، وقد صدرت تلك الوثيقة في الدورة الاخيرة للمجمع الفاتيكاني الثاني العام 1965.

 

في العام 1957 اسس "الحركة الاجتماعية"، وتألفت لجنة التأسيس من ستة شبان وشابات ينتمون الى الطوائف المسيحية والاسلامية الكبرى في لبنان. والحركة الاجتماعية منظمة غير حكومية، طوعية، غير حزبية، لا عقائدية، ولا تدّعي التمنين بالاحسان. هي حركة تفكير وعمل جماعي علمي يلتزم التنمية الاجتماعية الاقتصادية. حركة ذات دوافع ذاتية، متكاملة، مصممة لخلق انسان اكثر انسانية ومجتمع اكثر انسانوية.

عملت الحركة في ضوء الدارسات والابحاث في الحقول الاجتماعية (الصحة، التربية، الثقافة، الترفيه التربوي، الاستشارات القانونية، تسلم دعاوى المحتاجين، مكاتب التوظيف للعاطلين عن العمل، بيوت رعاية الاطفال لدى خروج امهاتهم للعمل، المساكن الشعبية...) وبالتنسيق مع الدوائر الحكومية، وسعت بعمل جماعي متكامل الى تحقيق العدالة الاجتماعية.

اتهمت بعض الاوساط الحكومية هذه الحركة بانها تريد خلق دولة ضمن الدولة، كما سماها اليسار حركة اصلاحية فأخذ عليها انها تصرف الشبيبة عن العمل السياسي، او تمتص النقمة الشعبية.

 

ولربما كان عمل غريغوار حداد في الحقل الاجتماعي وراء اطلاق الناس عليه اسم المطران الاحمر، وايضا "مطران الفقراء".  (من موسوعة عظماء لبنان) حوار هالة حمصي ونيكول طعمة
تنطلق يوم 25 نيسان مسيرة العلمانية التي بادرت بها مجموعة صغيرة من المواطنين غير الحزبيين ذوي التوجهات الاجتماعية، دعماً للعلمانية وتطبيق الدستور اللبناني بنصّه وروحه. تنطلق المسيرة التي أطلق عليها اسم "مسيرة من أجل دولة علمانية في لبنان"، من حي عين المريسة في بيروت على شاطئ البحر الأبيض المتوسط متوجهة إلى مبنى البرلمان اللبناني.

ويُنظَر إلى لبنان في كثير من الحالات كمجموعة من الديانات والعقائد المتنوعة تعيش في حالة توازن حساس، منخرطة في مفاوضات متواصلة للتشارك في السلطة. وينسى البعض في معظم الحالات أن الدستور هو النص الوحيد الذي يعترف به الجميع. وهو كعقد اجتماعي يشكّل الأساس لكافة اللبنانيين للعيش معاً "دون تمييز"، أي بغض النظر عن انتمائهم الديني أو نوعهم الاجتماعي أو أصولهم العرقية أو معتقداتهم الشخصية.

وتنص مقدمة الدستور اللبناني على أن "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل". وتؤكد المادة السابعة منه على أن "جميع اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم". أما مادته التاسعة فتكفل "حرية إقامة الشعائر الدينية للأهالي على اختلاف مللهم".

وبعكس الممارسات القائمة حالياً، ليس هناك ذكر لتخصيص المقاعد البرلمانية أو توزيع طائفي للوظائف الإدارية أو المناصب الحكومية العليا. بل تضمن المادة التاسعة بوضوح الطبيعة العلمانية للدولة اللبنانية وبالتالي الصبغة العلمانية للجنسية اللبنانية.

لذا فإن لبنان دولة جمهورية وعلمانية يتساوى فيها جميع مواطنيها، نظرياً على الأقل.

واقع الأمر أن لبنان تديره نخبة سياسية مكونة من رجال أعمال وزعماء طوائف وأبناء أسر إقطاعية وزعماء ميليشيات سابقة، استغلّوا منذ أول أيام الاستقلال الفرص لتخصيص مناصب الدولة من خلال المساومة الطائفية. وقد أصبح هذا النظام التفاوضي، الذي يعاد التفاوض عليه عند حدوث أية أزمة سياسية كبرى في تاريخ لبنان القصير، متمركزاً بشكل معمّق خارج المجال الديمقراطي، في انتهاك صارخ لنص الدستور.

والواقع أن المشرّعين الوطنيين لم يضعوا أبداً حالة مدنية تحدد هوية المواطن اللبناني، أبعد من الوضع الديني الخاص الذي ينتمي إليه. وتعتمد جنسية اللبناني في لبنان الحديث على ديانته أولاً وقبل كل شيء، حيث أن جميع الأحوال الشخصية القانونية (الميلاد والزواج والوفاة والميراث) تدوَّن في سجلات رسمية منفصلة تم إرساء قواعدها على أسس ومعايير دينية.

إلا أن العديد من المواطنين اللبنانيين اليوم يوافقون بشكل كامل على القيم التي تم وضعها في الدستور الجمهوري العلماني الذي يرتكز على المساواة. وبغض النظر عما إذا كانوا متدينين أو يمارسون دينهم أم لا، إلا أنهم لا ينتمون إلى الممارسات الطائفية غير الدستورية التي وضعتها النخبة السياسية الحاكمة. ويطالب هؤلاء اللبنانيون بحقهم في الاستمتاع بحقوقهم المدنية، بغض النظر عن أية معايير دينية، تمشياً مع نص الدستور وروحه، لا أقل ولا أكثر.

لذا فإن مبدأ "العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين كافة المواطنين دون تمييز"، حسبما وَرَد في مقدمة الدستور، يجب أن ينطبق على قضايا مثل الزواج المدني، وحق جميع المواطنين في أن يتم انتخابهم وأن يمثلوا الناخبين بغض النظر عن المعايير الدينية، وأخيراً حق جميع اللبنانيين في التقدم لشغر الوظائف الحكومية بموجب معايير مهنية فقط.

بناء على ذلك فإن الحركة المدنية وراء "المسيرة من أجل دولة علمانية في لبنان"، ليست حركة توفيقية ولا محاولة لتحييد العلاقات بين الأديان. وتطالب هذه الحركة، وهي غير دينية أو سياسية بشكل أساسي، بإعادة ترسيخ الحقوق المدنية التي يتضمنها الدستور ويتجاهلها "ممثلو" الشعب

الكسندر مدوّر.

أظهرت إحصاءات جمعية مصارف لبنان أن القطاع المصرفي واصل نموه العام الماضي فبلغت موجوداته أكثر من 350% من الناتج المحلي. وقال التقرير إن ارتفاع الودائع يعود إلى ارتفاع مستوى الفوائد المحلية على الليرة والدولار. وقد وصل إجمالي موجودات المصارف ما يعادل 155.3 مليار دولار. وذكرت الجمعية أن الفوائد العالمية ما تزال عند المستويات المنخفضة،  وأن مجلس الإدارة أوصى الأعضاء في الـ21 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بالالتزام بسقف فائدة عند 7% للودائع بالليرة اللبنانية و4% للودائع بالدولار. توظيف السيولة وقال وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي للجزيرة نت "بقدر ما يشكل فائض السيولة علامة ثقة بالقطاع المصرفي بقدر ما هو غير مريح في غياب توظيف كاف في المشاريع". وأضاف "لذلك أعدت الحكومة من خلال المصرف المركزي سياسة تسليف بالعملة اللبنانية بفوائد مدعومة أبرزها القروض السكنية والتعليمية ودعم الصادرات، ما من شأنه تخفيف الضغط بالعملة اللبنانية على المصارف نتيجة فارق الفائدة بين الدولار والليرة". وتابع "المصرف المركزي دخل على خط دعم القروض بالليرة اللبنانية لخفض كلفة التسليف بالدولار أو حتى أقل من ذلك في قطاعات محددة على أمل زيادة الطلب على الليرة بهدف امتصاص الفائض، علما أن سبب الفائض هو ارتفاع حجم التحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية مما خفض نسبة الدولرة بالاقتصاد اللبناني، ورفع حجم السيولة بالعملة اللبنانية". وعن سبب عدم اعتماد الدولة على الفائض من أجل تنمية محلية, قال الصفدي "بسبب ارتفاع الفائدة بالعملة اللبنانية، تمتنع الدولة عن السلفة من المصارف لتوظيفها في مشاريع مختلفة". في المقابل, رأت غريتا صعب رئيسة دائرة الاقتصاد في جامعة البلمند أن "فائض السيولة ظاهرة غير صحية تفترض امتصاصها في القطاعات المنتجة كالصناعة والزراعة". وقالت للجزيرة نت إن الاعتماد على السياحة في منطقة غير مستقرة لا يضمن مدخولا مستداما, ولن يحفّز الاقتصاد إلا بمشاريع استثمارية خصوصا في قطاع الصناعة. وأضافت أن معالجة الفائض تستدعي تنزيل الفوائد وهو ما يحفّز الاستثمار، والدخول إلى القطاعات المنتجة. واعتبرت الكاتبة الاقتصادية أن "تقرير الجمعية يعني وجود فائض سيولة نسيء الاستفادة منه، وسبب ذلك السياسة المتبعة بلبنان بعدم إيلاء الاهتمام للصناعة والزراعة، والخوف من الاستثمار في السوق العالمية بعد الأزمة". واعتبرت أيضا أن "الدولة لم تعر قطاعي الزراعة والصناعة الاهتمام بتشجيع القروض والاستثمارات فيهما، ولم تسع لتخفيف الديون، وكل هدفها خدمة الدين العام". ورأت أن "استمرار الفائض يسبب انخفاضا في قيمة العملة اللبنانية وفي أسعار الفوائد". رشا بو زكي -الجزيرة نت مؤشر سلبي أما الكاتبة الصحفية في شؤون الاقتصاد والناشطة السياسية والاجتماعية رشا بو زكي فرأت من جهتها أن "ارتفاع قيمة الودائع نسبة إلى الناتج المحلي مؤشر سلبي سببه اعتماد الدولة سياسة إبقاء أسعار الفائدة المحلية على مستوى مرتفع جدا نسبة إلى أسعار الفائدة العالمية". وأشارت في تصريح للجزيرة نت إلى أن أسعار الفائدة العالمية انخفضت كثيرا بفعل الأزمة المالية العالمية، وهو ما يؤدي حسب قولها إلى جذب الودائع إلى المصارف التجارية اللبنانية بشكل آلي. ولاحظت أن "80% من الدين العام هو داخلي، ومن هنا فإن ارتفاع أسعار الفائدة إلى هذا الحجم يؤدي إلى ارتفاع خدمة الدين العام، ولتغطية هذا الارتفاع تلجأ الحكومات إلى زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، ليصبح هؤلاء الممولين الأساسيين لأرباح المصارف". وختمت رشا بو زكي بأن "الودائع المصرفية المتهافتة على المصارف اللبنانية بعد الأزمة المالية العالمية حافزها الإفادة من الفوائد المرتفعة، وهي توظّف في القطاع العقاري لأن الربح العقاري والمضاربة العقارية معفيان من الضرائب". وقالت أيضا إن هذا يرفع أسعار العقارات والأبنية السكنية، ويحدث تضخما كبيرا يحيق بفقراء لبنان ومتوسطي ومحدودي الدخل
النشرة الالكترونية أعلن رئيس رابطة أساتذة التعليم الرسمي الثانوي حنا غريب القرار بمقاطعة تصحيح الامتحانات اتخذ، محمّلا مسؤولية هذا القرار لوزير التربية حسن منيمنة ليس بصفته الوزير المعني فحسب بل أيضاً بصفته مكلفاً من قبل الحكومة مجتمعة بالحوار مع الاساتذة.غريب، وفي حديث إلى تلفزيون "المنار"، اعتبر أنّ الوزير منيمنة يتحمل المسؤولية كاملة عن كل النتائج المترتبة عن اضطرار الأساتذة مرغمين لمقاطعة التصحيح بعد استنفاد كل الخطوات من اضراب واعتصام وتظاهرات ومهرجانات تضامنية.ولفت غريب إلى أنّ الأساتذة سبق وحذروا من هذه الخطوة منذ مطلع العام الدراسي واعتبروها ابغض الحلال، مشدداً على أنّ الوزير هو المسؤول عن هذا الموضوع بتردده وتراجعه عن كل تعهداته والتزاماته. وجدّد القول أنّ الأساتذة هم طلاب حوار لاقرار حقهم بالكامل، معلناً رفضه لمحاولات التحريض التي تمارس على الأساتذة، مؤكداً أن الجسم التعليمي موحد في كل مناطق لبنان ومحافظاته.
نشرت صحيفة "الشرق" القطرية، اليوم، مقابلة مطولة مع القيادي في حركة "فتح"، عباس زكي، الذي اعتقلته قوات الإحتلال عدة ايام خلال مشاركته في مسيرة سلمية في بيت لحم. وشكى زكي مما وصفه "لا مبالاة" قادة السلطة الفلسطينية تجاه اعتقاله. وكتب معد المقابلة: نبرة الحزن والأسى في صوت عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" كانت تتمازج مع نبرة التحدي، وهو يتحدث عبر الهاتف مع "الشرق" التي اتصلت به من عمان، إلى منزله في رام الله المحتلة. الحزن والأسى، وهو يحاول عدم تشخيص ظاهرة اللامبالاة التي تعاملت بها قيادة حركة "فتح"، والسلطة الفلسطينية مع حادث اعتقاله، الأمر الذي تجلى في عدم اجراء أي اتصال بشأنه، مع أن الإسرائيليين ظلوا ينتظرون حتى الواحدة ليلا قبل أن يقرروا ارساله إلى سجن عوفر، كما يقول". وحسب زكي، فإن رئيس السلطة محمود عباس لم يجد وقتا يجري فيه اتصالا هاتفيا مع عضو قيادة الحركة التي يترأسها، ليهنئه بالخروج من الأسر الإسرائيلي، والاطمئنان على صحته، وهو أخر عودته، باقيا في العاصمة الأردنية بضعة أيام أخرى بعد انتهاء القمة العربية في سرت، أما سلام فياض رئيس حكومة السلطة، ومحمد راتب غنيم الموجودان في رام الله، فقد وجدا وقتا للاتصال، دون أن يجدا وقتا لزيارة القائد العائد من الأسر. وهم إلى ذلك، لم يصدروا أي بيان يطالب بإطلاق سراحه..
رفيق خوري - "الأنوار" تعددت الصور والدرس واحد في المشهد النيابي والحكومي في ساحة النجمة. وليس أبلغ من قدرة التركيبة السياسية على التعايش مع الصور سوى عجز المجتمع عن دفعها الى التعلم من الدرس لجهة الخروج من المأزق، بدل استمرارها في تعليمنا التسليم بالبقاء في المأزق. فلا السيناريو كان قابلاً للتعديل بحيث يبقى حياً مشروع القانون الرامي الى تعديل الدستور لخفض سن الاقتراع. ولا المواقف المسبقة كانت قابلة للتبدل بالنقاش. والمفارقة أن لبنان الذي دفع ولا يزال يدفع ثمن الالتفاف على الدستور والاستنساب في تفسيره، إن لم يكن تعليقه أو شلّه بحجة التوافق السياسي، يدفع الآن في غياب التوافق ثمن التزام الدستور الذي يحتم إعطاء الأولوية للنقاش في التعديل الدستوري على أي بند على جدول الأعمال. أبرز الصور في السيناريو أربع. الأولى أن النقاش بدا محكوماً بأن يكون حوار طرشان يكرر فيه كل طرف عنواناً من دون التعمق فيه ويبكي على عنوان الطرف الآخر. والثانية ان الطرفين تنافسا على تأييد حق الشباب في الاقتراع وحق المغتربين في استعادة الجنسية اللبنانية والمشاركة في الاقتراع، واختلفا على الربط أو الفصل بين انجاز الأمرين تحت عنوان التوقيت. والثالثة ان المجلس كان يعرف أن مشروع القانون محكوم بالسقوط، لكنه مشى فيه كما يمشي البطل في مواجهة القدر في التراجيديا اليونانية. والرابعة ان التراجيديا لم تمنع المجلس من وضع المشروع القتيل تحت السجادة مضرجاً بدمائه، ثم إكمال النقاش في المشاريع العادية. أما الدرس، فإنه قديم - جديد: لا مجال لتمرير أي مشروع إصلاحي حين يتم النظر اليه من زوايا طائفية ومذهبية. إذا وضع مردوده في إطار انعكاساته ومضاعفاته على المصالح الفئوية والتوازنات الطائفية والمذهبية المختلة، بل وضعه في خانة التطوير الضروري للقوانين من أجل المصلحة الوطنية. وبكلام آخر، لا مجال لأي إصلاح ذي أفق وطني في نظام فيديرالية الطوائف والمذاهب والزعامات الأحادية، حيث يسعى البعض لزيادة أرباحه والحصص ويتخوف البعض الاخر من ازدياد خسائره والحصص. أليست التركيبة السياسية الحاكمة التي تضم الجميع عاجزة عن ملء الشواغر في الادارة حتى بالمحاصصة ومن دون أي تغيير في الوضع المأزوم والمشكو منه? أليست مؤسسات الرقابة الادارية مشلولة، بحيث يتم الحديث عن آلية للتعيينات، في حين أن الآلية موجودة بالقوانين وعبر تفعيل مؤسسات الرقابة؟ فكيف نتوقع انجاز اصلاح سياسي? وكيف نحقق (العبور الى الدولة) حين نعجز عن العبور الى الادارة
جدعون ليفي - "هآرتس" الاسرائيلية سجلت آلة الدعاية الاسرائيلية في الايام الاخيرة ارقاما قياسية أخرى في النشاط الباطل. فقد نشرت قوائم الطعام في مطاعم في غزة، مع أكاذيب كثيرة وجعلت من نفسها أضحوكة في معركة دعاية خاسرة سلفا، ربما كان أفضل ألا تجري البتة. أيريدون الاستمرار على الحصار غير المجدي، وغير القانوني وغير الاخلاقي لغزة وعدم منح «رحلة السلام» أن تصل الى شواطئها؟ لا يوجد ما يبين اعلاميا، ومن المحقق ذلك بالنسبة للعالم، الذي لا يحتمل أن يقبل طائفة التعليلات والاكاذيب والمساعدين التكتيكيين الذين جندوا للمهمة. انهم في البلاد فقط ما زالوا يشترون هذه السلعة الفاسدة: فكما كان يحدث قبل معركة بحرية قديمة هتفت الجوقة ها هنا بصوت واحد، من غير أن تسأل أي سؤال. واستعد الجنود ذوو البزات العسكرية البيضاء باسمنا، وضلل رجال الدعاية باسمنا، وسوء التدبير هذا على حسابنا - ولم يكد أحد عندنا يشوش على غناء الجوقة. غنت الجوقة أغاني الكذب والافك، جميعنا في الجوقة: لا توجد أزمة انسانية في غزة؛ جميعنا في الجوقة: الاحتلال في غزة انتهى، لكن الرحلة البحرية مس عنيف بالسيادة الاسرائيلية(!)؛ والاسمنت معد لبناء الملاجىء الحصينة والقافلة مولها الاخوان المسلمون الاتراك؛ والحصار سيسقط حماس ويفضي الى اطلاق غلعاد شاليط. وقد زاد فعل متحدث وزارة الخارجية، يوسي ليفي على أتفه ما عند رجال الدعاية، اذ قال بكلام عذب وبغير أن يطرف له جفن، ان قافلة المساعدة الى غزة «تنقض القانون الدولي» هكذا، حقا. فليس الحصار هو غير القانون بل الرحلة البحرية. واذا لم يكن نشر ديوان رئيس الحكومة لقوائم الطعام في مطاعم غزة كافيا، والتمدح بكميات الوقود التي تنقلها اسرائيل، كما قال متحدث الجيش الاسرائيلي، فقد حاولت وسائل الدعاية أن تبيعنا والعالم أن الاحتلال في غزة قد انتهى، وان لاسرائيل مع ذلك كل صلاحية قانونية أن تمنعها مساعدة انسانية، والكل في حقيبة أكاذيب واحدة. إن صوتا واحدا فقط أفسد الاحتفال شيئا ما. إن عملا شيطانيا، عشية عملية «رياح السماء» كأنما سقط علينا من السماء تقرير آخر شديد لمنظمة أمنستي عما يحدث في غزة. إن أربعة من كل خمسة سكان يحتاجون هناك الى مساعدة انسانية، وينتظر مئات الخروج للعلاج الطبي، ومات 28، برغم جميع كلام متحدث الجيش الاسرائيلي عن عدم وجود حصار وعن وجود مساعدة، لكن من يهمه هذا. ذكرت الاستعدادات للعملية ايضا بتحول مسل على نحو خاص: النقاشات المحمومة للسباعية؛ والاسم القبيح للعملية؛ واستعمال وحدة «متسادا» وهي كوماندو مصلحة السجون، التي اختصت بدخول زنازين السجناء؛ ومحاربو الكوماندو البحري مع احتياطي من الوحدة الخاصة لمحاربة الارهاب من شرطة اسرائيل، وفيها كلاب وكلابون من وحدة «عوكتس»؛ وموقع السجن الخاص الذي أنشىء في ميناء اسدود؛ والتعتيم الالكتروني الذي كان يفترض ان يمنع بث السيطرة والاعتقال. إن حارس اسرائيل لا ينام ولا يغفو. وكل ذلك في مواجهة من؟ في مواجهة بضع مئات من النشطاء من العالم، أكثرهم أناس ضمير، سودت وجوههم الدعاية الاسرائيلية أيضا. أجل انهم في أكثرهم أناس يهمهم، وهذا حقهم وواجبهم، حتى لو لم يكن الحصار يهمنا البتة؛ وأجل، هذه الرحلة البحرية هي «استفزاز سياسي» لانه ما هي أعمال الاحتجاج ان لم تكن استفزازا سياسيا؟ وبازائهم اهتزت فوق الماء سفينة الحمقى الاسرائيلية في البحر، أبحرت من غير أن تعرف الى اين ولماذا. لماذا تقفهم؟ هكذا. لماذا الحصار؟ هكذا. قضية تشومسكي الثانية لكنها أكبر حجما. إن «رحلة السلام» لن تنشىء السلام بطبيعة الأمر، بل لن تنجح في وصول شواطىء غزة. إن خطة العمل اشتملت على جرها بالقوة الى ميناء أسدود، لكنها جرتنا مرة أخرى الى شواطىء الشر والحماقة. مرة أخرى سنصور لا مثل من نمنع المساعدة فقط، بل مثل حمقى يفعلون كل شيء من أجل اضعاف موقفنا. لو كان هذا واحدا من أهداف «رحلة السلام»، فانها تكون قد انتصرت وعلى نحو كبير. قال ماريو فيرغاس يوسي، أديب بيرو المشهور، الفائز بجائزة القدس، قال قبل نحو من خمس سنين، بعد ان انهى زيارته السابقة لاسرائيل، ان الاحتلال الاسرائيلي يقترب من مرحلته القبيحة؛ وفي نهاية الاسبوع زارنا هنا مرة أخرى وهو الذي يعد نفسه صديقا لاسرائيل، وعلم أن هذه المرحلة بلغت منذ زمن أرقاما قياسية من السخف.
حلم أن نكون في عالم لا يعرف سوى الموسيقى، والأجمل أن نبقى نحلمه مثل ريان الهبر الآتي من عالم  موسيقى تتأجّج بالهمّ العام حيناً، وبالسخرية الإجتماعية أحياناً، وبما يحلو لنا من حزن أو فرح أو تفكير. اليوم لا بدّ من موسيقى صافية يتطلّع إليها ريان وإن كانت ستحمل مضمونها وتقول شيئاً للجمهور، موسيقى تشبه حماسته للتأليف والتلحين والتوزيع، كما تشبه  تلك "الحرب" الجميلة التي يشنها مع رفاقه الموسيقيين من أجل أحلام الأغاني عبر فرقة "بند جزائي" في نادي "موجو". ولكي تبقى أغاني لبنان في لياليه تعيش وتحلم من دون حرب ولا إزعاج، كان هذا الحوار مع ريان الهبر الموسيقي الذي يحرّضك  بتطلعاته على محاولة إكتشاف أسرار شوقه الكبيرفي موسيقاه المتوهجة شباباً.* ماذا تخبرني عن "بند جزائي"؟ - "بند جزائي" مشروع انطلق مع مجموعة شباب متأثرين بالأغنية اللبنانية، وأنا عضو في الفرقة مثل كل الأعضاء، فلكلّ منا مشروعه الموسيقي وهو دينامو في وظيفته، أما وظيفتي فهي الإشراف وإعداد الأغاني. نحن نقدّم أغاني لبنانية قديمة يعود عمر بعضها إلى خمسين سنة، نقدّمها في إطار معاصر، وهذه التوليفة  ذات القيمة الكبيرة تنسجم مع السهرات الليلية لإيقاعها الراقص، فنكون بذلك قدمنا أعمالاً محترمة وقيّمة وليست رخيصة كالأغاني التي يتم التركيز عليها في الإذاعات.* هل تقصد أنه تواصل مباشر مع ليالي الناس بأسلوب راق؟- صحيح، الناس يريدون أن يسهروا ويرقصوا، ونحن كموسيقيين نريد أن نعمل لنصرف على مشاريعنا المحترمة التي لا تطعم خبزاً في هذا البلد، فعملنا على هذه الخلطة. فمن قال إن أغنية "يا جار الرضا" لزكي ناصيف لا تثير تلك الحماسة للرقص، وكذلك أغنية طوني حنا "طال السهر" أو "يابا له لا لا" من التراث اللبناني... هذه الأعمال تعيش كلما قدمت، وفرقة "بند جزائي" ولدت على أساس هذه الأجواء فبدأت في النوادي الليلية وليس في المسارح وعمر الفرقة عام واحد، وهي تملك كل المقومات لتصير فرقة مسرح.* قلت إنك وأفراد "بند جزائي" كلّ يحمل مشروعه الموسيقي، أخبرني عن ذلك أكثر ...- نعم، هم  موسيقيون محترفون مثل بشار فران (غيتار بايس) وأسامة عبد الفتاح (عود) وغسان سحاب (قانون) وأحمد الخطيب (آلة الكاخون الإسبانية)، ورامي معلوف (فلوت). ورامي هو دينامو الفرقة في الدعايات والتسويق، وأنا على البيانو. أستطيع القول إن "بند جزائي" هي فشة خلقنا جميعاً نحن والناس. أما مشروعي الموسيقي الخاص فهو فرقتي "بسيطة" التي تقدّم حفلات على المسرح وبرنامجها هو أغان من تلحيني وتوزيعي ومعزوفات من تأليفي.* تعزف على البيانو وأنت العازف الشغوف بالبزق والغيتار؟- أعتبر أن البيانو هو خريطة الموسيقى وخصوصاً في التوزيع الذي هو مشروعي، وقد درست الغيتار في الكونسرفاتوار الوطني وهو آلتي الأساسية. أما البزق فهو ملجئي الجميل حين أريد أن ألحن أعمالاً على مقامات شرقية فيها أرباع الأصوات. لقد بدأت أعشق البزق وأنا في سنّ الرابعة عشرة، إذ كان هناك عازف بزق كردي رائع هو زورو يوسف عمل في فرقة والدي خالد الهبر كما عمل مع زياد الرحباني، وكنت متأثراً بزورو وحينها بدأت أتعرّف إلى الموسيقى الشرقية، فخلفيتي الموسيقية التي تربيت عليها كانت غربية ولم أكن أعرف سوى ثلاثة تجارب عربية هي والدي خالد الهبر والأخوين رحباني وزياد الرحباني.* ما يعني أنك تعرّفت أكثر إلى الأغنية السياسية أو الملتزمة عموماً؟- ليس بهذا المعنى، لكن فتحت عينيّ في البيت على أبي وصديقه زياد، وكان صوت فيروز رفيقنا ليلاً نهاراً، ومع إزدياد شغفي بالبزق والموسيقى الشرقية بدأت مشروعي الموسيقي. ثمّ  كان أن إتصل بي زياد الرحباني وطلب أن أكون معه كعازف بزق في حفلات أقيمت لمناسبة عيد الحزب الشيوعي عام 2004، وكانت تلك المرة الأولى التي ظهرت فيها، أي مع زياد وليس مع خالد الذي أراد أن يفصل إنطلاقتي الموسيقية عن كوني إبنه. أنا تربيت في حضن هذه الأغنية السياسية والملتزمة التي تأسسنا عليها، لكن مع تأثري الكبير بها، فإن مشروعي موسيقي بحت.* هل تعني أنك لا تسير على طريقة تداخل الموسيقى باليسار؟- هذا التداخل ضروري لكنه ليس مشروعي. "في ناس أشطر مني بكتير"، وكوني إبن خالد الهبر فهذا لا يعني أن أقدّم أغنية مطابقة في المواصفات، مع أني بالإنتماء يساري متطرّف لكن ليس بالموسيقى. ففي فرقتي "بسيطة" كنت أقدم الأغاني التي تربيت في حضنها، لكن شاركت الفرقة في إحتفالات عدّة، وسرت في خطي الخاص من أغان ومعزوفات، غير أني أصمّم دائماً في حفلاتي على تقديم عمل لخالد وآخر لزياد، تقديراً لهما إذ لولاهما لما فعلت شيئاً في حياتي... فمثلاً أقدم لهما أعمالاً لم تأخذ حقها تماماً عند الجمهور، وهنا أعود إلى الموقف السياسي الذي لا يغيب عن الموسيقى، فأقدّم  مثلاً المقدمة الموسيقية لمسرحية "فيلم أميريكي طويل". هناك رمزية لتلك المسرحية وكلنا يعرفها... بهذه الطريقة أنا مسيّس، لكن ليس الموقف هو الأساس إنما مشروعي الموسيقي، وهذا يختلف عن أغنية  الحرب، حيث كان هناك شيء إسمه "مدفعية ثقافية" تأثر الناس بها واندفعوا للنضال، وكانت أعمال زياد الرحباني تحمل إبداعاً في الموسيقى والموقف معاً. أما خالد الهبر فظلّ يكتب أغانيه ويقدمها على المسرح  بالطريقة ذاتها  حتى اليوم، ذلك أن الهموم لا تزال نفسها. والأحلى أن جمهور خالد هو جمهور شاب... لقد تأسسنا على أغنية زياد وخالد ومرسيل، لكن اليوم أختار الموسيقى والإلتزام.* الفن الملتزم يجد دائماً صعوبة في الإنتشار، فهل إخترت الطريق الصعب؟- صحيح فالأغنية الملتزمة تولد ويولد أعداؤها معها. كل الناس يجمعون على الأغنية الوطنية لكن ليس كلّ الناس يجمعون على الأغنية السياسية.* ألا تتنافر بالرأي أنت وخالد الهبر، وهل يمكن أن تغرق في تجربته؟- هو يحترم رأيي ويشجعني، وأعتقد أنه بقدر ما دفع أثماناً بسبب مواقفه، راح يدفعني إلى حرية خياراتي حيث الموقف في خدمة الموسيقى وليس العكس، وبالطبع استفدت من تجربته.* كيف شدّتك الموسيقى الشرقية وهذا ما نلاحظه في الأمسيات التي تقدمها "بند جزائي"؟- شدتني الموسيقى الشرقية كعالم  مختلف عن عالمي الأول من موسيقى كلاسيكية غربية وأخرى برازيلية وفرنسية... كان الفضل لأشخاص عديدين في تعريفي بعالم موسيقى الشرق وعلى رأسهم عائلة السحاب (الأساتذة الياس وفيكتور والمايسترو سليم سحاب) وعشقت موسيقى محمد عبد الوهاب، وأخذتني تجربة أم كلثوم التي لم يمرّ مثلها في تاريخنا، فأم كلثوم في الموسيقى مثل جمال عبد الناصر في الزعامة...* وماذا ستقدّم من خلال فرقتك "بسيطة" قريباً؟- سأصدر أسطوانتي الخاصة نهاية السنة، وقد تأخرت لعدم وجود إنتاج، فنحن لا شركات إنتاج وراءنا ولا من يحزنون. لكن هناك أناسا دخلوا في المغامرة، وسيكون هناك 14 عملاً بين معزوفات من تأليفي وأغان من كلماتي وألحاني، أما الغناء فلشادي حبيب ولمى أبو علي  وجورج نعمة الصوت الرائع الذي نسمعه من خلال "بند جزائي"، وهناك جولة حفلات على المسارح وفي الجامعات بعد صدور الأسطوانة.* في حين يقولون إن المسارح قلّت كثيراً في بيروت كم تستطيعون التنفّس أنت وغيرك من الموسيقيين الشباب، في غياب أي دعم لكم؟- صحيح، فليس منطقياً أن لا يكون في كل بيروت سوى مسرحين أو ثلاثة مسارح، بينما تمتلئ المدينة بالملاهي والمشاريع التجارية التي تسرّبت الى الثقافة وأوصلتها إلى نقطة الصفر. نحن كموسيقيين شباب، وأتحدث عن نفسي وعن زياد سحاب وخالد ياسين وغازي عبد الباقي وغيرهم، نحارب وحدنا وسط هذه الصعوبات، فنحن نقدم موسيقى صافية ولسنا مادة مربحة مثل "أغاني" النساء العاريات، ولن نحلم بأننا في أوروبا حيث يدعمون الفن الحقيقي، مع ذلك هناك جمهور يحضر حفلاتي من كل الفئات وما يهمني هو أن يصل مشروعي الى الناس.* وما هي أجندة "بند جزائي"؟- كلّ ليلة سبت في نادي "موجو" وكل ثلثاء في "بار لو" الجميزة،  ونقدم أغاني لبنانية وفيروزيات بتوزيع غربي في "سيمبلي ريد" الحمراء. 

نداء عودة

مروان اسكندر - "النهار" أكد الرئيس الروسي خلال زيارته الرسمية لسوريا استعداد بلاده لتأمين حاجات سوريا المستقبلية من الغاز عبر تمديد الخط الذي هو قيد الانشاء الى تركيا والتفريع الى اليونان وايطاليا ليصل الى سوريا ولبنان، وهذا التوجه بعيد الاهمية اقتصادياً واستراتيجياً. ومن أجل تقدير أهمية توجه كهذا، لا بد من الاشارة الى بعض الحقائق الرئيسية. تملك روسيا اكبر احتياط من الغاز في العالم، وتأتي بعدها ايران فقطر. وروسيا هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي تصدر من الغاز والنفط أعلى مستوى من صادرات موارد الطاقة في العالم، ناهيك بانها تصدر ايضا كميات ملحوظة من الاورانيوم المخصب لتشغيل مفاعلات نووية كهربائية روسية، في أوكرانيا مثلاً. كما تصدر أورانيوم مخصباً الى الولايات المتحدة بما يساوي 600 مليون دولار سنوياً. واستناداً الى الارقام المتوافرة والمقدرة للمستقبل، تغطي روسيا حالياً أكثر من 30 في المئة من حاجات دول اوروبا الغربية من الغاز، وفي ضوء العقود المنجزة سوف ترتفع هذه النسبة الى 50 في المئة سنة 2025، أما نسبة مستوردات الدول الاوروبية من حاجاتها من المشتقات النفطية أو النفط الخام من روسيا فتبلغ 29 في المئة. وقد تعرضت توجهات التعاون بين روسيا وأوروبا في مجال امدادات الطاقة في 2008 و2009 لشكاوى من حجب امدادات روسيا الى أوكرانيا بسبب مستحقات متأخرة، ومنع أوكرانيا وصول الغاز الروسي الذي يسلم بعضه عبر خطوط تمر في أراضيها في اتجاه دول اووربا الغربية وتركيا. ازاء تقطع امدادات الغاز عبر أوكرانيا الى دول أوروبا الغربية وتركيا، ولو لوقت قصير، أقرت السلطات الروسية انجاز خطوط اضافية، من اهمها خطوط جديدة لتصدير الغاز الى تركيا ومنها غرباً الى اليونان وايطاليا. وقد تم توقيع اتفاقات مد هذا الخط منذ أكثر من سنة، وبدأ العمل على انجازه. وجدير بالذكر ان 65 في المئة من حاجات تركيا من الغاز حاليا و30 في المئة من النفط ومشتقاته هي من روسيا، كما تحصل اليونان على 75 في المئة من حاجاتها من الغاز من روسيا أيضاً. سنة 2010 شهدت انتخابات رئاسية جديدة في أوكرانيا فاز فيها حليف لروسيا وقع مع السلطات الروسية اتفاقات في شأن اسعار الغاز ورسوم العبور وكمياته لعشر سنين، كما وقع اتفاقا لتمديد تسهيلات وجود الاسطول الروسي على البحر الاسود في أوكرانيا مدة 25 سنة تبدأ بعد انقضاء المعاهدة الحالية التي ينتهي مفعولها سنة 2017، الامر الذي يعني امكان استمرار وجود الاسطول الروسي على البحر الاسود حتى سنة 2042. وتتمتع روسيا اليوم بثروة هائلة من الغاز وثروة ملحوظة من النفط. وقد حصنت علاقاتها مع دول الجوار، سواء بعد دحر عدوان جورجيا صيف 2008 أو بعد انتخابات أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، تجاوزت روسيا مفاعيل انهيار الاسواق المالية العالمية في 2007 و2008 والنصف الاول من 2009. ويذكر ان احتياطها النقدي تدنى خلال 2007 و2008 من 700 مليار دولار الى 320 ملياراً، وخصوصا بعد السحوبات الكبيرة للاستثمارات من السوق الروسي. اليوم، وبعد تحسن أسعار النفط وبالتأكيد الغاز، واتباع سياسة صرف مرنة بالنسبة الى سعر الروبل، استعادت روسيا جاذبيتها للاستثمار وعوضت خسائرها السابقة. وقد صار احتياطها المالي على مستوى 450 مليار دولار، واحتياطها المعلن من الذهب، علماً بان روسيا هي ثاني اكبر بلد منتج للذهب في العالم، على مستوى 100 مليون أونصة أو ما يساوي، بالاسعار الحالية 120 مليار دولار. ان التوجه الروسي الانفتاحي على تركيا وسوريا ولبنان يتكامل مع انفتاحها على اليونان وايطاليا. وبالنسبة الى لبنان، ثمة فوائد كبيرة من توسيع التعاون الاقتصادي والفني مع روسيا، ولعل من المفيد تعداد بعض الفرص. إن توفير امدادات الغاز الطبيعي من روسيا عبر تركيا وسوريا الى لبنان امر كبير الفائدة، حتى لو كانت فترة الانتظار طويلة - بين سنتين وثلاث - لان توافر الغاز بواسطة الانابيب يسمح بمد انابيب في لبنان لتأمين الغاز لمعامل الكهرباء والاسمنت في الوقت ذاته، فنحقق وفورات على صعيد اسعار المحروقات، على افتراض زيادتها بنسبة 10 في المئة فقط مدى سنتين، تضاهي 600 مليون دولار سنوياً. وحينئذ نحقق استفادة رئيسية من اعتماد لقيم الغاز الاكثر ملاءمة للبيئة والاقل تلويثا من الفيول أويل أو المازوت، أي المشتقات المستعملة حالياً في معاملنا لانتاج الكهرباء المتقادمة العهد والمسببة لتلوث كبير للبيئة. وروسيا، التي كانت تعتمد بيروت مركزا لتسويق بعض انتاجها من الذهب، يمكن استدراجها لمعاودة هذا النشاط شرط ان نؤمن شروط نشاط السوق المالية على نطاق واسع. ولا شك في ان تجارة الذهب توفر قاعدة وصدقية كبيرة لأي سوق، كما تساهم في رفع حجم اعماله، ولا شك في ان اقتناص هذه الفرصة أمر جيد للبنان ولروسيا. وعلى صعيد التبادل السياحي، يستطيع لبنان جذب عدد ملحوظ من الزوار الروس. وللتذكير فقط، نشير الى ان عدد السياح الروس الذين زاروا بلداناً اخرى في 2009 بلغ 10 ملايين روسي وروسية. وكي نحقق تطورا على هذا الصعيد في الاتجاهين، يجب تسهيل الحصول على التأشيرات، وربما حتى الغاؤها كما حصل حديثاً بين تركيا وروسيا، ومن المؤكد ان زيادة الحركة السياحية تؤدي الى تحسن فرص تصدير بعض المنتجات اللبنانية كالفاكهة والخضر والعرق والنبيذ، الخ. وتتمثل أكبر فرصة متاحة للبنان لاستقطاب شركات روسية ورجال أعمال روس في امكان تعديل انظمة الشركات القابضة والعاملة خارج لبنان وتطويرها. وكانت قبرص بلد المقصد لانشاء هذا النوع من الشركات، وكل الشركات الروسية الكبرى ومنها شركة "غاز بروم" وشركة "جنفور" لتجارة المشتقات و"لوك أويل" مسجلة في قبرص كشركات قابضة ذات نشاط خارجي. في نهاية 2010 يتوقف نظام "الاوف شور" في قبرص التزاما لسياسات بلدان الوحدة الاوروبية، وتالياً سيكون على شركات "الاوف شور" في قبرص ان تبحث عن مكان مناسب بديل. ولبنان، الذي لديه نظام لشركات كهذه قابل للتطوير والتعديل، يجب ان يتلقف هذه الفرصة ويبادر الى تطوير قوانينه والى وضع خطة للتسويق الاعلامي لدى جميع هذه الشركات العاملة انطلاقا من قبرص، ما عدا بالطبع الشركات التي يملكها اسرائيليون. إننا على اقتناع بأنه يمكن لبنان استقطاب 5000 الى 10000 شركة "اوف شور". ومن المعلوم ان أدنى مستوى لإنفاق أي من هذه الشركات يساوي رسوماً على مستوى 3000 دولار سنوياً، ومعاشات لخمسة أو عشرة موظفين تساوي، مع تكاليف المكاتب والاتصالات والتنظيفات الخ، موازنة على مستوى 150 الفاً الى 250 الف دولار سنوياً، وتالياً قد نزيد الدخل القومي ما بين 750 مليون دولار سنوياً و1،5 مليار دولار وذلك تبعاً لسرعة استقطاب الشركات المعنية. الامر الواضح ان الزمن ينقضي سريعا، وان امكانات التعاون مع روسيا وشركاتها وسلطاتها كبيرة، فعسى ان نقوم بخطوات المبادرة.

الأكثر قراءة