uldy

uldy

ليس غريباً ان يـُسقط «نواب الستين» مشروعاً لتخفيض سن الاقتراع بالضربة الطائفية القاضية، ومن دون أن يرفّ لهم جفن. وليس غريباً ان يسقط الرهان على توليد فكرة إصلاحية من رحم سلطة تشريعية تتحكم بإنتاجها الطوائف والمذاهب. نعم قدّم «نواب الستين» صورة قاتمة عما ينتظر من انتزعوا تفويضهم بالتهييج والمال الانتخابي في الآتي من الأيام، وأعطوا نموذجاً صارخاً في تناقض الاقوال مع الافعال، وسيسجل لهم التاريخ انهم في 22 شباط 2010، قدّموا شهادة طائفية بامتياز بأن النظام السياسي الطائفي في لبنان أقوى وأعتى من الإصلاح والإصلاحيين ومن الصعب مقاربة تطويره، ولو بالحد الأدنى كمنح شريحة واسعة من جيل الشباب حق الاقتراع والاختيار والشراكة في رسم الخريطة السياسية. قدّم «نواب الستين» البعد الطائفي على البعد الإصلاحي، فخسر الجميع بلا استثناء، خسر الشباب فرصة التعبير عن آرائهم وعن أنفسهم في صناديق الاقتراع، وخسر المجلس الذي صوّت ضد نفسه، وضيّع فرصة الظهور بصورة جديدة تنزع عنه ولو بعضاً من غبار ما لصق به من «قانون الستين» واصطفافاته، واما الخاسر الأكبر فهو حكومة الرئيس الشاب سعد الحريري، فبدل ان تلتقط «اللحظة الشبابية» وتسجل انجازاً لها في اولى إطلالاتها أمام زميلتها السلطة التشريعية، عبر سحب المشروع بدلاً من تضييعه، أقدمت على تكبيل نفسها بالحسابات الطائفية والسياسية، فكانت النتيجة إخفاقاً موصوفاً لها ليس من اليسير محو آثاره. ويسجل لمن صوّتوا مع المشروع ولو أنهم على دراية بأنه سيسقط أنهم انسجموا مع أنفسهم، ولوّنوا المشهد البرلماني، وأسقطوا الاصطفافات بين 8 و14 آذار، من دون الاستعجال والتنبؤ بكتلة جديدة، ذلك أن الانشطار الطائفي كان خطيراً، وتمثل في وقوف النواب المسيحيين، من الأكثرية والمعارضة، تحت سقف واحد، فيما صوّت لمصلحة خفض سن الاقتراع كل من كتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التحرير والتنمية وكتلتا القومي والبعث والنواب الحزبيون في «اللقاء الديموقراطي»، ومعهم كتلة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة الوزير محمد الصفدي إضافة إلى النائب الخارج من كتلة زحلة بالقلب نقولا فتوش وتمام سلام وعماد الحوت (34 صوتاً مقابل 66 امتنعوا وواحد ضد من باب «التهريج السياسي»). ومع سقوط مشروع التعديل الدستوري، بات متعذراً دستورياً إعادة طرحه مجدداً في دورة الانعقاد الحالية التي تنتهي مع بداية العقد العادي في أول ثلاثاء بعد الخامس عشر من آذار المقبل، كما انه متعذر سياسياً في ما لو تم طرحه مجدداً في أية دورة عادية مقبلة، في ظل الخريطة النيابية الحالية والتوجهات القائمة على تقديم الاعتبارات المذهبية على الاعتبارات الإصلاحية، وعلى الانقلاب على الموافقة السابقة التي تؤكد اجتهادات كبار رجال القانون بعدم جواز العودة عنها. وإذا كان إعدام مشروع التعديل الدستوري قد بني على «لحس الموافقة»، فإن الوقائع السياسية والطائفية التي حكمت مسار الجلسة النيابية امس، ظهـّرت تساؤلات حول مصير الكثير من المواضيع الحساسة، ويأتي في صدارتها مشروع قانون الانتخابات البلدية، التي تحيطه تساؤلات حول كيفية توليده، واي صورة اصلاحية سيخرج فيها من «مجلس الستين». وكانت وقائع الجلسة الدستورية التي عقدها المجلس النيابي امس برئاسة رئيس المجلس نبيه بري وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، قد سارت في سياق مخرج رسمه معارضو تخفيض سن الاقتراع، قام على تجنب اللجوء الى تطيير النصاب، الذي قد يعني ابقاء المشروع على قيد الحياة، بل الإطاحة بالمشروع من اساسه عبر اللجوء الى التصويت المقنع ضده بالامتناع عن التصويت، إدراكاً منها بتعذر نيله حتى ثلث اصوات النواب الذين يتألف منهم المجلس قانوناً أي 47 نائباً، وهو ما أظهرته عملية التصويت التي اقفلت على دون الاربعين بستة اصوات. وقد سادت الجلسة نقاشات غلب عليها الطابع التبريري لمؤيدي المشروع، كما لمعارضيه الذين بدت مداخلاتهم ضمن سياق محدد يربط إقراره بإقرار آلية اقتراع المغتربين. فيما كان لافتاً للانتباه الصمت المطبق للحكومة ورئيسها سعد الحريري، وفشلت محاولات جرها الى إبداء رأيها في هذا التعديل الدستوري، كما فشلت محاولات ايجاد مخرج توافقي يضع المشروع على سكة التطبيق المؤجل، أثاره بداية الرئيس بري بطرح مخرج يقضي بإقراره على ان يعمل به في انتخابات العام 2013، وأيّده نواب «حزب الله» وسائر النواب المؤيدين، اضافة الى النائب روبير غانم الذي لفت تبنيه للمخرج الا ان تلك المحاولات فشلت وانتهى الامر بالتصويت ـ الفضيحة. وفي جانب آخر، من الجلسة، أتمّ المجلس النيابي في جلسة الامس، انتخاب المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فأبقى القديم على قدمه الذي كان سارياً في ولاية المجلس النيابي السابق، بحيث وزع توافقياً الأعضاء على الكتل الكبرى، فتثمل تكتل التغيير بالنائب ابراهيم كنعان (أصيل)، و«المستقبل» بالنائب سمير الجسر (أصيل)، وكتلة التحرير والتنمية بالنائب غازي زعيتر (اصيل) ومسيحيو 14 آذار بالنائب نقولا غصن (اصيل)، وكتلة الوفاء للمقاومة بالنائب محمد فنيش (اصيل) وبالنائب نوار الساحلي (رديف)، وتكتل الارمن وزحلة بالقلب بالنائب سيبوه قلبكيان (اصيل). فيما تمثل «اللقاء الديموقراطي» بالنائب مروان حمادة (رديف)، ونائلة تويني خلفاً لوالدها الشهيد جبران تويني (رديف). وفي الجانب التشريعي، اقرت الهيئة العامة مجموعة من اقتراحات ومشاريع القوانين، فيما تضمّنت مداخلات الاوراق الواردة مطالبات انمائية مناطقية، فيما برز ما طرحه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله بإشارته الى عملية «الموساد» الاسرائيلي في دبي واغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح، فنبه من هذا الأمر الخطير وطرح على الحكومة سؤالاً حول لبنان المعرّض للاعتداءات الإسرائيلية وقد جرت فيه عمليات اغتيال كثيرة، وكثيرون يأتون إليه بجوازات سفر أوروبية، ليس معلوماً ان كانت مزورة ام لا او أنهم أوروبيون او غير اوروبيين، ومن بينهم صحافيون اسرائيليون جاؤوا الى لبنان بجوازات سفر اوروبية وبثوا من بيروت، فما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتشدّد مع هؤلاء الذين يحملون جوازات اوروبية؟ وتبلغ فضل الله لاحقاً من وزير الداخلية بأن ثمة إجراءات قد اتخذت في هذا المجال..

الوحدة، الاحترام، والتضامن. كلمات ثلاث لخصت من خلالها اليدا غيفارا، ابنة الثائر الأرجنتيني أرنستوا «تشي» غيفارا، القضيتين الأساسيتين اللتين شكلتا محور «منتدى التضامن مع الثورة الكوبية»، الذي اختتم أعماله أمس في قصر الأونسكو في بيروت، وهما: فك الحصار الأميركي المفروض على الجزيرة المحاصرة منذ ما يقارب الخمسة عقود، وإطلاق سراح الكوبيين الخمسة المعتقلين في سجون الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرة أعوام. 110518045

بدا المنتدى، الذي تزامن افتتاحه مع الذكرى الثالثة والأربعين لاستشهاد «تشي»، مناسبة جديدة للتأكيد على «الترابط النضالي في كل من كوبا ولبنان وفلسطين» ضـــد «الإمبريالية الأميركية وإســرائيل»، وهو ما عكسته المداخلات التي ألقيت، إن في حفل الاحتفال، الذي كان خليطاً من السياسة والموسيقى، أو في الندوات الثلاث التي أقيمت بعناوين ثلاثة: الحصار الأميركي، الكوبيون الخمسة، ودور الشباب في الثورة الكوبية. كانت الأيام الثلاثة التي أمضتها اليدا غيفارا في لبنان كافية لأن تدرك كيف «كُتب على الشعوب الصغيرة أن تقوم بإنجازات كبرى»، وهو ما عبّرت عنه في الكلمة التي افتتحت بها أعمال المنتدى، حيث رأت أنّ «لبنان يعيش اليوم لحظات تاريخية، ليس على المستوى اللبناني فحسب، بل على مستوى العالم العربي كله، بعدما أكد الشعب اللبناني أن بإمكانه الانتصار على أي عدو مهما بلغت قوته». «لعل الكلمات لا تعبّر دائماً عمّا نريد»، هي عبارة لـ«تشي» استحضرتها اليدا، قبل أن تلّخص الأسس التي يجب أن تستند إليها الشعوب المقاومة بـ«ثلاث كلمات بسيطة جداً لكنها في غاية الأهمية: أولها، الوحدة التي من دونها لا يمكن لأي قوة أن تنتصر. وثانيها، احترام الآخر لأننا كلنا بشر نعيش تحت شمس واحدة ونتنفس هواء واحداً. أما ثالثها فهو التضامن بوصفه التعبير عن رقة الشعوب كما كان يقول تشي». وفضّلت غيفارا أن تختتم كلمتها بإنشاد أغنية أرجنتينية تعكس كلماتها هذه الأسس: «أخي، أعطني يدك حتى نذهب ونأتي بكلمة صغيرة هي الحرية». بدوره، تطرّق السفير الكوبي في لبنان مانويل سيرانو أكوستا إلى الحصار الأميركي المفروض على بلاده، مشيراً إلى أنّ إدارة الرئيس باراك أوباما ما زالت تطبق الحصار بالأساليب ذاتها، معتبراً أنّ الأخير «لم يرتق إلى مستـوى الآمال التي علقت عليه». وتحدّث باسم لجنة التضامن اللبنانية كل من وفيقة ابراهيم، التي أشارت إلى أنّ «هذا المنتدى عيّنة نرد من خلالها بعض الدين والوفـــاء لكوبا»، وهــادي بكداش، الذي اعــتبر أنّ «النضال من أجل كـــسر الحصار عن كوبا هو عينه النــضال من أجل كــسر الحصار عن الشعــب الفلسطيني في كل فلســطين». اليوم الثاني للمنتدى، تضمّن ثلاث ندوات تناولت الحصار والمعتقلين ودور الشباب. وبالرغم من سعي المنظمين إلى إضفاء الطابع العملي على النقاش، إلا أن معظم ما قيل تميّز بالطابع الخطابي، إذا استثنيت بعض المداخلات المرتبطة بالجوانب القانونية للحصار الأميركي في ظل ازدواجية المعايير الدولية (المحامي البير فرحات والخبيران حسن جوني ومحمد طي)، وأهمية الإعلام في التضامن الأممي مع كوبا (رئيس لجنة الصداقة اللبنانية الكوبية موريس نهرا)، فضلاً عن مداخلة أو اثنتين تناولت السبل القانونية لكسر الحصار. وفي سياق النقاشات، تطرقت غيفارا إلى المصاعب التي تواجهها كوبا بسبب الحصار لا سيّما في ما يتعلق بتوفير الدواء والأغذية، متحدثة عن تجربتها كطبيبة أطفال. كما تناولت قضية المعتقلين الخمسة مشددة على أن دورهـــم كــــان حماية الشعب الكوبي من الإرهاب الذي يخطط له في الولايات المتحدة. أمّا الكلمة الأخيرة التي أرادت غيفارا أن تنهي بها المنتدى فكانت «مجرّد رأي شخصي» في الوضع اللبناني، حيث تساءلت عن عدم وجود قوات دولية على الجانب الإسرائيلي من الحدود لحماية لبنان من اعتداءات العدو، فيما وصفت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأنها أداة لتدمير البلاد. إشارة إلى أن غيفارا تختتم زيارتها للبنان اليوم، حيث تعقد مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة عند الساعة الحادية عشرة صباحا، كما تزور النصب التذكاري لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، وستضع إكليلاً من الزهر على ضريح القيادي في المقاومة عماد مغنية.

وسام متى

حسن الحاف - السفير بعد سلسلة الفضائح الغذائية التي توالت في مدة زمنية قصيرة نسبياً، والتي تمس بصورة مباشرة الأمن الغذائي والصحي والمعيشي للمواطنين كافة، طفا على السطح انكشاف غذائي آخر تنبع خطورته من كونه يطاول مكوناًَ أساسياً من مكونات فطور اللبنانيين من كل الفئات العمرية، ولا سيما الأطفال منهم. فقد أعلنت شركة «كيلوغز» المصنّعة لرقائق الذرة (معروفة باسم «كورن فليكس») قبل يومين، أنها باشرت عملية سحب 28 مليون علبة من منتجاتها من الأسواق العالمية بسبب احتوائها على رائحة ونكهة كريهتين ناتجتين من آلية التغليف. وأشارت الشركة إلى أن النكهات التي تسحبها من الأسواق هي: الفواكه، الذرة، التفاح والعسل. وفي سياق الاستفسار عن التدابير المتخذة في لبنان بغية معالجة آثار الموضوع، تبين أنه ليس للمنتج وكيل حصري وأن استيراده يتم عن طريق عدد من المستوردين مما يصعّب مهمة رصد ما يدخل البلاد وحصره. كما تبين أن كلاً من مديرية «حماية المستهلك» في وزارة الاقتصاد - وهي الجهة الرسمية المكلّفة مسؤولية حماية المستهلك كما يظهر من تسميتها (!)، فضلاً عن «جمعية حماية المستهلك»، غافلتان عن الموضوع. لكن، عند إبلاغه بالأمر، يلفت رئيس جمعية المستهلك د. زهير برو إلى أن الموضوع يبدو أعقد مما أعلنته الشركة: «فهي ليست المرة الأولى التي تصادر فيها منتجات تابعة لشركة «كيلوغز»، حيث تم الكشف عن احتواء كميات كبيرة من منتجات الشركة على بكتيريا «السالمونيلا» في شهر كانون الثاني من العام الفائت». يضيف برو أن ما يجري الآن، ووفق التقرير الصادر عن الشركة، «يثبت أن المشكلة تعدو كونها مجرد مشكلة رائحة أو نكهة بل تتجاوزها في عدد من الحالات حيث ظهرت عوارض غثيان وإسهال على المستهلكين». وهي عوارض، بحسب برو، «لا ترتبط بأي حال من الأحوال بالرائحة. بل مردها وجود ميكروبات مؤذية داخل المنتجات». وإذ يدعو برو إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية والعاجلة لسحب هذه المنتجات من الأسواق، يؤكد أن مفعول هذه الميكروبات يكون مضاعفاً لدى استهلاكها من قبل الأطفال. هل ستسحب الوزارة المنتجات من السوق؟ يشرح المدير العام بالإنابة لوزارة الاقتصاد والتجارة ورئيس مديرية حماية المستهلك فؤاد فليفل المسألة لـ«السفير» بالقول إن «الوزارة تبادر إلى اتخاذ الإجراءات فقط عندما تتبلغ عبر إشعار رسمي من سفارة الاتحاد الأوروبي بحصول خرق للأمن الغذائي في ما يتصل بمنتج معين. أو عندما يكتشف مراقبوها عبر الفحوص المخبرية التي تُجرى على الحدود فساد منتج ما، فيعمدون إلى منعه من ولوج الأسواق اللبنانية». وبعدما يتبين أن المنتج الفاسد تمكن من النفاذ إلى السوق اللبناني، يوضح فليفل، «تقوم المديرية بتتبع مصدر البضاعة أي المستورد. وتفرض عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب المنتج من السوق خلال 24 الى 48 ساعة». يكون ذلك إذا توافرت شروط حسن النية لدى المستورد، وثبت عدم معرفته بفساد البضاعة. أما في حال تبيان العكس، فعندها، «تقوم المديرية بإحالته إلى النيابة العامة كي تتم مقاضاته. وإذا تبين أن الكميات الموزعة في الأسواق ذات حجم كبير»، يستطرد فليفل، «يُعمل على نشر إعلانات في الجرائد، تنبه المواطنين إلى الموضوع». لم يُتخذ أي من الإجراءات المذكورة أعلاه حتى الساعة. جدير بالذكر هنا أن الشروح والمعلومات التي أوردها كل من فليفل وبرو جاءت بعدما تبلغا من «السفير» بالموضوع. وقد تبلّغت «السفير» منهما عزمهما على متابعة المسألة حتى الآخر.. إعلان الشركة عن فساد بعض منتجاتها يستأهل وقفة جدية بحيث لا ترتجل عملية احتواء النتائج المترتبة عليه ارتجالاً في غير محله، على ما تعودنا عليه دوماً في المواقف والظروف المشابهة. فتنتهي المسألة برمتها عند حدود إثارة الخوف والقلق، ومن دون أي خطوات جدية في مسار اجتراح الحلول الأسرع والأنسب. ما يعني وجوب المسارعة إلى اتخاذ التدابير الاحتوائية من قبل الجهات الرسمية المعنية لا سيما منها مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة وبعض هيئات المجتمع المدني الفاعلة، فضلاً عن ضرورة نشر الوعي لدى الأهالي حول الموضوع.

جعفر العطار

كانت الساعة الثالثة والنصف، فجر أمس الاول السبت، عندما قررت ثلة من الشبان استئناف قطع طريق المطار، قبالة مسجد «الرسول الأعظم»، المحاذي للمستشفى الذي يحمل الاسم نفسه.

بدت السعادة، ولا شيء غيرها، واضحة، مرسومة على وجوه الشبان الذين زاد عددهم عن الستين، عقب دقائق وجيزة من الخطوة الأولى التي اتخذوها، تجاورهم دراجات نارية. بسرعة، وبحركات متعاقبة، صار مسرح التعبير عن الغضب حول انقطاع التيار الكهربائي، جاهزاً: جرّ مستوعبات النفايات، وقلبها يمنة ويسرة، ثم دس الإطارات المطاطية بينها، فإضرام النار من قوارير وقود متوسطة الحجم.

بذاك، تحوّل المكان إلى نقطة محظورة، ممنوعة، حرّم الدخول إليها، أو الخروج منها، فيما المشرفون عليها يتولون تنظيم الفوضى: شاب عشريني بنظارات سوداء، يوجّه الأوامر لزملائه الذين علت وجوههم حماسة مفرطة.

حماسة مجهولة الدوافع: قطع الطريق من باب التسلية، أم أنهم وجدوا أنفسهم فجأة في ذلك الموقع، بسبب معاناة حفظوها ظهراً عن قلب؟ معاناة حولتهم الى مضطهدين، مهمّشين، مبعدين عن سبل الحياة البديهية عنوةً؟ يرون كم هم مهمّشون، وفي الوقت ذاته مهملون، فيتحول الاحتجاج إلى مجرد احتجاج، لا يجدي تغييراً أو لفتة ممن يفترض أن يهتم بشؤونهم. ضعفاء يستقوون على من يفترضون أنهم باحتجاجهم باتوا يملكون سلطة عليهم، ولو لدقائق، ولو من دون وجه حق. كانت حماسة واضحة. الحماسة للشعور، ولو بتلك الطريقة، بأن في أيديهم سلطة ما.

بعد خمس دقائق، أو أكثر تقريباً، ثبت الحجر الأخير، الكبير، في الزاوية المحاذية للمستشفى، فصار المرور في ذلك الطريق، والطريق المجاور لمحطة الوقود، مستحيلاً وعسيراً. كان الدخان الأسود يتصاعد بكثافة غريبة، تاركاً وراءه ألسنة اللهب البرتقالية اللون، والتي شكلت إنذاراً أولياً لسائقي السيارات، قبل وصولهم إلى تلك النقطة.. إلى «الغابة».

لم تكن الإنذارات رادعة، بل ربما تحولت إلى نقطة جذب، فصارت تتكاثر أعداد السيارات، بينما راح أصحابها يتوسلون الشبان طالبين منهم السماح لهم باجتياز العوائق للدخول إلى المستشفى، أو بغية التوجه إلى المنزل، إلا ان الإجابات كانت واضحة: «ممنوع. أنظر... الطريق مقطوعة. هيا، عد أدراجك».

الدخان الأسود يتسلل إلى نوافذ المستشفى تارة، ويلف «مركز بيروت للقلب» تارة أخرى. الدخان الأسود يقترب من محطة «الأيتام» حيناً، ويقتحم مطعم «الساحة» حيناً آخر. صورة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله تحترق. الشبان يهرولون متأبطين الإطارات المطاطية. فتى النظارات الشمسية يمشي مرحاً.

تصل سيارة أجرة، حديثة الطراز إلى حد ما، من جهة محطة «الأيتام»، ويركن سائقها قبالة ألسنة اللهب، ثم يترجل ليزيح إطاراً يحترق بغية المرور. وفيما يتكئ الرجل الأربعيني على عكازه، نظراً لحال ساقه المبتورة، تقفز مجموعة قوامها حوالى ستة شبان، من الجهة المقابلة، لتحتشد أمامه بغتة، ويزعق أحدهم: «قف عندك. إلى أين تظن أنك ذاهب؟ هيا، استقل سيارتك بهدوء، أفضل من أن تُبتر ساقك الأخرى!». يعود الرجل، بصمت.

ماذا يحدث؟ على من يثور هؤلاء؟ بوجه من يزعقون، ولماذا؟ أين قوى الأمن اللبنانية، من درك وجيش؟ أين أفراد الأحزاب المحلّية، الذين اعتادوا في مثل هذه اللحظات أن ينتشروا بين الناس؟ أين أفراد فرع المعلومات؟ أين قوى الأمن الداخلي؟ أين الدولة؟

تستقر الساعة عند الرابعة والنصف فجراً. يسير شاب عشريني، في مشية تشبه مشية نابليون: يشبك يديه خلف ظهره، وينفخ صدره، عالياً. يمشي محدقاً بأقران له يفترشون الطريق بالإطارات كل عشر دقائق، فيرفع إحدى يديه ويهتف قائلاً: «انتبهوا إلى هذه الحافلة، يبدو أنها محملة بمواد غذائية. تصرّفوا!».

في الصندوق الخلفي للحافلة، جلس ثلاثة شبان، بدا كأنهم عمال مصريون، على أكياس من الطحين. يقترب فتى النظارات الشمسية، بخطوات واثقة، من الحافلة ويلوّح بيده للسائق كي يتوقف. يمتثل الأخير، ويقول لفتى النظارات انه متوجه إلى الحازمية. يزيح الفتى النظارات، لإضفاء طابع جدّي على حديثه ربما، ويقول بصوت هامس: «هيا، عد من حيث أتيت. لا أريد أن أسمع أي كلمة».

وفيما يتهيأ السائق ليعود أدراجه، نزولاً عند رغبة الشاب الذي يُعتبر – من جهة السنّ – كحفيد للسائق، عمد شابان ملثمان إلى تسلّق الحافلة، وهما يوجهان الشتائم للعمّال، ثم حاولا حمل كيس طحين، بيد أن السائق همّ بالرحيل مسرعاً. تُرسم ابتسامة عريضة على وجه أحدهما، ويردف: «أشعر انني في حرب أهلية. حبذا لو نوفّق، الآن، بحافلة محمّلة بالأموال أو الطعام الفاخر!».

دخان أسود، كثيف، يسبح في فضاء المستشفى، وفي فضاء المركز. «مركز بيروت للقلب».

الخامسة والنصف فجراً: دراجات نارية تتوافد إلى محيط النيران، ليرمي الشبان إطارات جديدة. شبان آخرون يجلسون على حافة الرصيف، يدخنون النرجيلة، أو يتناولون وجبة الفطور. شبان يستعرضون حركات بهلوانية، عبر الدراجات الصغيرة الحجم. لا عناصر أمنية لبنانية بعد، لا وجود لأي عنصر تابع للدولة، أو حتى لـ«الحزب» أو «حركة». شباب، فقط.

تشق سيارة من نوع «رانج روفر» بيضاء اللون طريقها، بين ألسنة النار، متخطيةً الحاجز الأول، فتصير بالقرب من المسجد، حيث يتصدى لها فتى النظارات، من دون أن يشكّ للحظة ان سائق السيارة يمكن أن يدهسه. «أمي في المستشفى!» يصرخ السائق، متجاهلاً وقوف الفتى، ثم يتخطى الحاجز الثاني، حتى يصل إلى مدخل الطوارئ. جنون.

يصاب الفتى، الذي خلع نظارته ورماها على الأرض، بنوبة جنون غريبة. يقفز في الهواء ويشتم، تزامناً مع افتعال حركات بهلوانية غاضبة، حتى وصلت سيارتان، إحداهما أجرة، إلى الباحة.. إلى «الغابة».

واستكمالاً لنوبة الجنون التي اجتاحت الفتى، يتقدّم مسرعاً باتجاه سيارة الأجرة، ويركض خلفه الشبان، الملثمون منهم، وغير الملثمين، في مشهد يرغب بالتدليل على غضب يساوي غضب زميلهم. يصل الفتى إلى مقربة من السيارة التي تجاوزته، وينهمك بالضرب على صندوقها، تماماً كما بدأ مواسوه يضربون السيارة من جهات عدة، من دون سابق إنذار، موجهين كلمات وشتائم غير مفهومة. ماذا يحدث؟ هل يكون السائق، هو سبب بلاء الكهرباء في لبنان؟

كلا. الفتى يفرّغ غضبه في السائق الذي فرّ منه. والشبان، يواسون الشاب الغاضب فقط. «المواساة» لم تتوقف عن التحطيم، بل حاول عماد س.، أي فتى النظارات، أن يسحب السائق من السيارة ليبرحه ضرباً، وهو يردد أن اسمه «عماد س« بأعلى صوت. لكن أحد الرجال الذي كان يهم بالخروج من المسجد، زعق بوجه عماد ونحّاه جانباً. عماد كان يصرخ قائلاً: «دعوني أقتله! دعوني!». ماذا يحدث؟

يُطرد السائق الخمسيني، وتغادر السيارة الثانية، من دون أدنى محاولة للتوسل، خشيةً من الوقوع في الشرك نفسه، بينما راح بعض الشبان يتحدثون، في الهمس، عن موقف عماد البطولي، وكيف فجّر غضبه بوجه الخمسيني من دون الاكتراث لأحد.

كانت الباحة، الغابة، أشبه بزوايا قسمت على ضفتي الطريق، تحضن كل منها مجموعة من الشباب. بيد أنه لا فرق بين الزاوية والأخرى، من حيث المضمون. مرايا. كانوا أشبه بالمرايا لبعضهم بعضاً.

تمرّ ساعة كاملة، والمشهد على نفسه، لولا انبلاج الصباح وانتشار الضوء: إشكالات متقطعة مع أصحاب سيارات وحافلات مارّة، من مختلف الأعمار، وممانعة إزاء توسلاتهم والذرائع التي يقدمونها بغية اجتياز الحواجز.

سحب من الدخان تتصاعد، ثم يعاد إضرام النيران قبل أن تخمد. الزوايا نفسها. الأحاديث نفسها. الشعور بالفخر نفسه. نابليون يمشي بين أصدقائه متفقداً ومطمئناً. عماد ليس هنا. والقوى الأمنية، ليست هنا. لا أحد، هنا.

مع انبلاج الصباح، صارت الرؤية أوضح. وصارت، للمشاركة في قطع الطريق، هوية لا مناص من إبرازها، والعمل على تنقيتها: شحوب الوجه، والجسد العاري في قسمه الأعلى، لونه بلون الدخان الأسود. «التنقية» تكون عبر تعريض الوجه للدخان أكثر، فيصير «نقياً من النظافة». النظرية المعاكسة، تماماً كفكرة الثورة على الناس، عوضاً عن الثورة على الدولة.

الشبان، الذين علت وجوههم تلك الهوية، كانوا يمشون مزهوين، سعداء، بما لونت أيمانهم، كأنهم يقولون: «هذا أنا. احفظوا وجهي جيداً. لقد شاركت معكم يوماً ما». تبدأ أعدادهم في التضاؤل قليلاً، عند الساعة السابعة.

عند الثامنة والنصف تقريباً، تصل دورية تابعة للجيش اللبناني، لتعمل على تفريق الحشود الباقية، ثم إزالة العوائق وفتح الطريق.

تصل القوى الأمنية، كما يصل «البوليس» في بعض الأفلام السينمائية، متأخراً. وصل «الأمن» بعدما تعرض ناس أبرياء، لا علاقة لهم بانقطاع التيار الكهربائي، للضرب والذل على أيدي شبان «أبطال»، بالقرب من الجسر الذي رفعت عليه لافتة «أمانة الشهداء»، وبالقرب من مسجد تابع لحزب محلي.

 

يوما بعد يوم تتكشف فصول جديدة من الانكشاف الأمني عبر شبكة الاتصالات الخلوية في لبنان، الأمر الذي وفـّر للموساد الإسرائيلي قدرة على التحكم بكل مفاصلها عن بعد. وإذا كانت الاعترافات التي أدلى بها «جاسوس ألفا» الأول شربل ق. لمخابرات الجيش اللبناني قد كشفت من جهة، وبما لا يقبل الشك خطورة الخدمات والتقديمات والتسهيلات التي وفـّرها للإسرائيليين، فإنها قادت، من جهة ثانية، إلى اكتشاف «الجاسوس الثاني» طارق ر.، وربما تؤدي إلى توقيف آخرين علما أن مخابرات الجيش أوقفت قبيل منتصف ليل أمس شخصا ثالثا في الشركة نفسها واقتادته إلى مديرية المخابرات في اليرزة للتحقيق. وقد فرض حجم الاختراق الخطير إعلان ما يشبه حالة الطوارئ في قطاع الاتصالات، وعلى وجه الخصوص في شركتي الهاتف الخلوي، علما أن فرضية اختراق الشبكة الثابتة مطروحة على بساط البحث، وقد دفع هذا الواقع الى اتخاذ سلسلة تدابير تقنية احترازية لإقفال الثغرات التي تسرّب منها الموساد الإسرائيلي إلى عصب الشبكة، ولا سيما أن شهادات العديد من الخبراء والفنيين في عالم الاتصالات تؤكد أن الشبكة عرضة للاختراق نظراً لانعدام إجراءات الحماية المسبقة في المرحلة السابقة. وقال وزير الاتصالات شربل نحاس لـ«السفير» إنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير التي تفرض نفسها في حالة كهذه، ومن ضمنها تدابير احترازية على صعيد الحماية، ولا سيما قطع شبكات الاتصال الخارجية بما يحول دون الدخول إلى الأنظمة من الخارج كما تم تبديل الرموز على نطاق واسع. وأشار نحاس إلى أن تركيز الخبراء والفنيين منصب على إجراء عملية مسح واسعة النطاق للنظام لحصر الضرر الذي لحق به جرّاء عملية الخرق التي تعرّض لها، وصولا إلى معالجتها وسد الثغرات التي تم النفاذ منها إلى الشبكة. وعما إذا كانت الشبكة عرضة للاختراق قال نحاس إن ما نقوم به يهدف للتحقق مما إذا كان قد تمّ إجراء تعديلات في النظام او دسّ أجهزة أو برامج او فيروسات فيه، أي اننا نعمل على حصر الحريق لإطفائه... وقال نحاس إنه تبلغ من مديرية المخابرات، أمس الأول، بتوقيف طارق ر. الخبير بأدق تفاصيل شركة «ألفا» وقد نكون من خلال ما قام به هو وشربل ق. أمام أخطر عملية تجسس لصالح العدو الإسرائيلي. وأشار الى أن هذه الإجراءات المتخذة لا تشمل شركة «ألفا» فقط، وهي شملت «ام تي سي» للتأكد من سلامة النظام فيها وتوفيرا للحماية له. ورداً على سؤال عما إذا كانت خدمات الهاتف الخلوي ستتأثر جرّاء عملية الحماية الجارية، قال نحاس «إننا في هذا الموضوع نقدم الأهم على المهم، وأمن البلد واللبنانيين لا يمكن اللعب به، وبالتالي قد تؤدي تلك الإجراءات الى بعض التردي الطفيف على صعيد الخدمات، علما أنه لا بد من إجراء تلك الأعمال واتخاذ تلك الإجراءات الضرورية لحصر الأضرار وتنقية القطاع وسد كل الثغرات التي أمكن للعدو أن يتسلل من خلالها إلى الشبكة». ورداً على سؤال دعا الوزير نحاس الى ترك التحقيق يأخذ مجراه للوصول الى كشف الحقائق حول هذا الموضوع. في هذا الوقت، أشارت مصادر أمنية لـ«السفير» الى احتمال إخضاع شربل ق. إلى جولة استجواب جديدة بالنظر الى ما يظهره التحقيق مع طارق ر. من دون استبعاد إمكان إجراء مقابلات بينهما للوقوف على نقاط التقاطع والترابط بينهما. وفيما لم تشأ المصادر الأمنية الكشف عما بلغه التحقيق مع طارق ر. ، وما إذا كان قد أقرّ باعترافات مهمة، إلا أنـّها أعطت إشارة غير مباشرة الى ذلك، بقولها إن وزير الدفاع الياس المر ما كان ليبلغ مجلس الوزراء في جلسته مساء الأربعاء الماضي بإلقاء القبض على موظف متعامل مع العدو الإسرائيلي لو لم يكن يملك في يديه معطيات أكيدة على تعامله، حصل عليها من مخابرات الجيش اللبناني. وتردد أن التحقيق يركز على معرفة ما إذا كان شربل ق. وطارق ر. قد نفّذا عملا مشتركا من ضمن شبكة واحدة، أم أن كل واحد منهما يشكل شبكة بحد ذاتها وربما يكون لكل منهما شركاء آخرون، علما أن فرضية وجود آخرين أدت أمس إلى توقيف الشخص الثالث الذي تم التكتم على اسمه. كيف تم الوصـول إلــى طـارق ر.؟ بعدما تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من إلقاء القبض على شربل ق. وتأكدت من تعامله مع العدو الإسرائيلي منذ منتصف التسعينيات، وُضعت شركة «ألفا» تحت المجهر، على قاعدة أن خرقا بهذا الحجم من الخطورة لا بد أن تكون له عناصر مكمـِّلة، إما بالشراكة مع شربل ق.، وإما بشكل مستقل، من دون إسقاط احتمال ان تكون الشركة الثانية قد تعرّضت للخرق أيضا. وفيما لم يعترف الموقوف شربل ق. في التحقيق بوجود شركاء له، ولم يأتِ على ذكر أية أسماء، جرى الدخول الى خريطة اتصالات شربل ق.، في محاولة لتحديد الجهات والأشخاص الذين كان يتواصل معهم. ودلت تلك الخريطة على «رقم هاتف خارجي» تبيّن أنه عائد لـ«المحرّك الأمني» الإسرائيلي، الذي كان يديره. كما أظهرت تلك الخريطة رقم طارق ر. الموظف في شركة «ألفا» كرئيس وحدة «هيد أوف يونيت»، أي المسؤول عن المحطات التي توصل شبكات البث والإرسال بعضها ببعض وأظهرت أيضا أسماء موظفين آخرين. وقد تلقت الشركة من مخابرات الجيش، الاثنين الماضي، طلب استدعاء طارق ر. مع موظفين اثنين آخرين، فتم ذلك، وذهب الثلاثة إلى مديرية المخابرات التي تركت الموظفين الآخريــن بعد وقــت قصير وأبقت على طارق ر. الذي بيّن التحقيق أن تركيب «الأنتيــنات» يقع ضمن مسؤوليته المباشرة. وهنا، طلب التحقيق تحديد مواقع «الأنتينات» التي شارك طارق ر. بتركيبها، وبعد ذلك عمل خبراء في هذا المجال على الفحص والتدقيق في تلك «الأنتينات» وسعتها، وقد أثار «الأنتين» المنصوب في بلدة «صفاريه» في شرق صيدا انتباه العناصر الفنية التي لاحظت أنه «أنتين كبير وضخم» وله قدرة «استيعاب كبرى»، ولا ينسجم حجمه مع منطقة صغيرة كـ«صفاريه» ومحيطها. وأشارت المصادر المطلعة الى أنه بمجرّد تكشّف تلك الوقائع أمام الفنيين، وضع طارق ر. في دائرة الاستفهام، وبدأت التساؤلات تدور حول الأسباب التي أملت وضع هذا «الأنتين» في منطقة صغيرة مساحة وسكانا، علما أن التحقيق الذي جرى حول «الأنتين» بعد ذلك، بيّن أنه يوصل إلى فلسطين المحتلة ويفتح البث والإرسال في ذاك الاتجاه. وبعد توقيف طارق ر. والدخول الى خريطة اتصالاته، تبيّن أنه يتواصل مع أشخاص، هم أنفسهم الذين يتواصل معهم شربل ق. كما ظهر رقم الهاتف الخارجي ذاته، الذي ظهر في خريطة اتصالات شربل ق. وتبيّن أنه يعود للمحرّك الإسرائيلي ذاته. وهو الأمر الذي سهّل سقوطه في قبــضة المخابرات. وقد جرت مداهمة منزله وصودرت منه بعض الأجهزة ومن بينها جهاز كومبيوتر شخصي محمول (لابتوب). وفيما ذكرت وكالة «رويترز» أن طارق ر. كان يقوم برحلتين إلى خارج لبنان في الشهر وفي كل مرة يأتي معه بعشرة آلاف دولار. تردد أنه قام في الآونة الأخيرة بزيارة إلى الصين، وتزامنت مع إلقاء القــبض على شربل ق.

 ماذا يجري داخل «كتلة المستقبل» ولماذا هذا الارتباك في الموقف السياسي؟ قامت قيامة «النواب الزرق» على الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسـن نصر الله، حتى من قبل أن يفرغ من قول ما لديه في مؤتمره الصحافي الأخير. الرفض لكلام «السيد» بالمطلق كما لأي تشكيك بالمحكمة والتحقيق، هو رفض سياسي بامتياز قبل أن يكون تقنيا... ربما «تبرّع» البعض بالاجتهاد من عندياته من دون أن يعود إلى من يجب أن يعود إليه تبعا للرتبة. هنا يكون الحق على دولة رئيس الحكومة سعد الحريري الموجود على متن «عصفورته البحرية» السـابحة في سـردينيا. أمس الأول، أبلغ أحد نواب كتلة «المستقبل»، «السفير» كلاماً سياسياً للرئيس الحريري، في سياق مقاربته للمؤتمر الصحافي الأخير للسيد نصر الله. وضع رئيس الحكومة، وفق ما نسب إليه، التماسك الداخلي والعدالة في سلة واحدة، بمعنى أن لا شيء يلغي الآخر. أعطى لكلام «السيد» بعدا «شديد الأهمية والحساسية»، وأتبع ذلك بالدعوة إلى إعطاء كل الوقت والجهد المطلوبين للتحقيق على قاعدة النظر بجدية لما قاله الأمين العام لـ«حزب الله».. وصولا للقول «إذا تبين أن القرائن والمعطيات التي قدمها نصر الله تتطلب الاستماع إلى إسرائيليين ورفضت إسرائيل التجاوب، فهي ستتحول بالنسبة إليّ (رئيس الحكومة) من متهمة إلى مدانة». بالطبع، كان للكلام المنسوب لرئيس الحكومة وقع طيب على الناس المتلهفين للخروج من مضيق الخوف والفتنة. كان كثيرون يسألون عن موقف الحريري، وها هو الرجل، عبر المقرّبين منه، يقول كلاما عاقلا، في لحظة سياسية مفصلية في تاريخ لبنان. لم تكتف «السفير» بذلك، بل دققت في الأمر مع أحد الوزراء من فريق الأكثرية، وكان جوابه أن ما قاله رئيس الحكومة هو الموقف العاقل والحكيم وأنه بطبيعة الحال، يؤسس لتواصل بينه وبين السيد نصر الله بعد عودته الى بيروت. تزامن ذلك أيضا، مع تأكيد من وزير من كتلة أخرى للكلام نفسه، كما لانتقال رئيس الحكومة من باريس الى الرياض. وكما كان متوقعا، أحدث كلام رئيس الحكومة، أمس، الصدى المطلوب سياسيا، خاصة في «حزب الله» الذي كان بعض قيادييه من المبكرين في الاستفسار والتدقيق، كما في الأوساط السورية التي دققت بدورها بالكلام، من جهة، وأشادت به من جهة أخرى، معتبرة أنه ينم «عن روح وطنية وتحسس للمسؤولية». وبالطبع أيضا، لم يكن متوقعا أن يلقى هذا الموقف ترحيبا من بعض أوساط فريق الأكثرية، وخاصة من مسيحيي 14 آذار. غير أن المفارقة اللافتة للانتباه أن بعض نواب «كتلة المستقبل»، بمعزل عن الأسماء، شكلوا ما يشبه «خلية أزمة». فتحت الخطوط وتم استدعاء بعض المستشارين الإعلاميين في أكثر من موقع. تم التدقيق في مصدر التسريب وقيل إنه من غير الجائز أن يقال ما قيل بينما كان سقف «كتلة المستقبل» السياسي أقل من ذلك بكثير. تخطت المشاورات بيروت، نحو باريس والرياض ولم تأت أجوبة قاطعة، بل حصلت اجتهادات، مصدرها بعض «المستشارين» الذين اعتادوا تلقين بعض النواب بالفاكس أو عبر الهاتف. كان الأنسب أن يتم استيعاب الارتباك الناجم عن الكلام المنسوب لرئيس الحكومة، بالصمت في انتظار ما سيقوله قريبا. البعض غامر منذ الصباح ترحيبا بحرارة عبر إحدى الإذاعات. الثاني، تبنى أيضا عبر إحدى أبرز الشاشات التلفزيونية. فجأة يخرق «جدار الصوت» ثالث من «الصقور» عبر موقع 14 آذار ويقول كلاما حاداً جداً، تجاه «حزب الله» ولعله كان الأدق تعبيرا عن موقف «حماة الهيكل»، لجهة القول ضمنا إنهم المرجعية الصالحة لتحديد «المصلحة الزرقاء» وتظهير الموقف و«من غير الجائز أن يتم تجاوزنا»!. استنجد أحد من أطلوا عبر الشاشة، بصديق لكن جاءت النجدة متأخرة، فطلب من رئيس تحرير نشرة أخبار المؤسسة المذكورة توضيحا من ثلاث نقاط: أولا، رئيس الحكومة لم يعط تصريحا لأية صحيفة بما في ذلك «السفير» (بالمناسبة نقلت «السفير» عن مقربين منه وليس عنه مباشرة)، ثانيا، الموقف الوحيد للكتلة هو البيان الصادر عنها (أمس الأول)، ثالثا، لم يلتق رئيس الحكومة العاهل السعودي. وبين هذا وذاك، كان ثالث ورابع وخامس يردد موقفا «بين الاثنين» (راجع مواقف نواب المستقبل ص3)، في تعبير مباشر و«على الهواء مباشرة»، عن عدم توصل رئيس الحكومة إلى قرار نهائي لموضوع المخرج. صحيح أنه تبنى الكلام الذي قاله العاهل السعودي والرئيس السوري بأن الفتنة المذهبية في لبنان خط أحمر وأن تداعياتها ومخاطرها تتجاوز الداخل اللبناني لتصيب الاستقرار في المنطقة العربية... ولكنه سيعلن أول موقف له مما طرح ويطرح، في إفطار رمضاني يقام في قريطم، يوم غد، علما أن بعض الأوساط القريبة جدا منه جددت القول، أمس، إن المستغرب «أن يستغرب البعض الكلام المنسوب للحريري، في «السفير»، أمس». الموقف نفسه، ردده رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الموجود في باريس، عندما كان يتشـاور هاتفيا، نهار أمس، مع الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور، وأبلغهما ارتياحه الشديد لما نسب للحريري، معتبرا أنه بذلك يكمل ما قاله السيد نصر الله وما بلغه من الرئيس نبيه بري، وكل ذلك يساهم في تلمس المخرج للمأزق الذي بلغه الجميع. أكثر من ذلك، نقل مقربون من رئيس الجمهورية ميشال سليمان عنه اهتمامه الشديد بما نسب للحريري، خاصة أنه يستعد اليوم، مع عودة رئيس الحكومة، الى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة عادية يوم الأربعاء المقبل، في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في بيت الدين، وعلى جدول أعمالها 92 بندا، بالإضافة الى ما يتصل بأحداث الجنوب الأخيرة وخاصة حادثة عديسة، والتمديد لـ«اليونيفيل» وملف العملاء والشكوى المنوي تقديمها لمجلس الأمن، فضلا عن موضوع المحكمة الدولية «في ضوء ما قدمه السيد نصر الله من معطيات وقرائن هامة جدا»، علما أن رئيس الجمهورية تبلغ بوجود اتجاه لدى وزراء المعارضة للدفع باتجاه توقيع أحكام الإعدام الصادرة بحق بعض العملاء. في ظل هذا المناخ السياسي، انبرى من يقول من داخل كتلة المستقبل، وبلغة حريصة جدا، إن ما نقل من كلام عن رئيس الحكومة، أمس، «أكيد ولو أن من نقله أساء التعبير في أحسن تقدير... المهم أن المضمون صحيح»، نائب آخر، من خارج العاصمة، عبّر عن الواقع بالقول «نحن نفتقد الى ضابط الإيقاع... لكن منطق الأمور يقول إنه اذا كان هناك مشروع لقاء بين رئيس الحكومة والسيد نصر الله، فلا يمكن ملاقاته إلا بكلام مسؤول كهذا». الحركة في الوسط السياسي والإعلامي عند «حماة الهيكل» تشير الى أنهم يدفعون مجددا باتجاه الاشتباك. بعضهم يتبنى نظرية بعض أمانة 14 آذار بوجوب الالتصاق بالسوري بالكامل من أجل الاستقواء به على «حزب الله». هؤلاء لا يعلمون علم اليقين، ما يردده قادة سوريا من جهة وما أصاب حنجرة سفيرها في بيروت من جهة ثانية، لكثرة ترداده: «روحوا خيطوا بغير هذه المسلة»! جمهور سعد الحريري، وهو جمهور رفيق الحريري، بدا بأغلبيته، أمس مرتاحا لما نسب الى زعيمه. لا أحد يريد في لبنان الفوضى أو الفتنة. يلتقي جمهوره مع الجمهور الآخر، في الحرص على الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي. ليس صحيحا ما يردده البعض، خاصة «الصقور» من أن المعارضة تريد أن تكسر سعد الحريري. الكل، في الداخل والخارج، يريد حماية رئيس الحكومة... ومن يدفعه لقول عكس ما نسب اليه، كأنه يشتهي الكرسي الى درجة أنه لم يعد يتمناها لغيره، طالما أنها تبتعد عنه يوما بعد يوم... وطالما أن استمرار الحكومة الحالية، شرطه الأساس، عند من يعنيهم الأمر، في الداخل والخارج، حماية المقاومة وعدم المس بها.  

يتصدر ملف الحقوق الفلسطينية الاهتمامات السياسية في مطلع الأسبوع بعدما تراجعت إشكالية العلاقة مع قوات Save «اليونيفيل» الى الصفوف الخلفية، في أعقاب نجاح المساعي المتعددة الاتجاهات، في احتواء التوتر الأخير الذي تمت إزالة آخر رواسبه ليل أمس من خلال مصالحة تولين، حيث تمكنت المباراة النهائية لـ«المونديال» بين إسبانيا وهولندا من جمع ما فرقته الإشكالات الميدانية. وإذا كانت حرارة الملفات السياسية الساخنة بدأت في التراجع التدريجي، إلا أن حرارة الطقس مرشحة لمزيد من الارتفاع خلال الأيام القليلة المقبلة، مع ما يرتبه ذلك من خطر نشوب حرائق تأكل ما تبقى من الأخضر في بلادنا، علماً أن وزارة الداخلية اتخذت إجراءات استباقية في محاولة للحد من التداعيات المحتملة للطقس الحار. وفي حين تعقد اللجان النيابية المشتركة جلسة اليوم لمتابعة البحث في ملف التنقيب عن النفط، تعقد لجنة الإدارة والعدل بدورها اجتماعاً لمناقشة مسألة الحقوق الفلسطينية، تحت مظلة تفاهم أولي بين معظم القوى السياسية على ورقة مشتركة تمنح اللاجئين الفلسطينيين حق العمل ومتفرعاته، مع الإشارة الى أن «حزب الكتائب» أبقى نفسه خارج دائرة هذا التفاهم. وفي هذا الإطار، قال سجعان قزي، مستشار الرئيس أمين الجميل، لـ«السفير» إن الحزب يعترض على الورقة المقترحة ويطالب بإدخال تعديلات عليها. ومن الواضح ان الصيغة التي توصل اليها «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والأمانة العامة لـ14 آذار والتي حملها عضو «كتلة المستقبل» النائب نهاد المشنوق الى عدد من الأقطاب، قد وجدت قواسم مشتركة مع القوى الأخرى، يمكن البناء عليها في الجلسة العامة لمجلس النواب الخميس المقبل، علماً أن من مفاعيل هذه الصيغة أنها جنبت تحالف «المستقبل» –«القوات» ما يمكن تسميته بـ«القطوع» الفلسطيني الذي كاد أيضاً أن يؤثر على تماسك «كتلة المستقبل» النيابية التي تضم عدداً لا بأس به من النواب المسيحيين. مضمون الصيغة وتلحظ الصيغة المقترحة إعطاء الفلسطينيين إجازة عمل استناداً الى بطاقة اللاجئ التي هي بمثابة إقامة مؤقتة، مع إلغاء رسوم الإجازة من أجل تحفيزهم على العمل بشكل شرعي، ولكن ستحظر عليهم الأعمال المصنفة ضمن نطاق نقابات المهن الحرة ووظائف القطاع العام. وفي حين تمنع الصيغة استفادة الفلسطينيين من فرع المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تنص في ما خص نهاية الخدمة والتعويضات العائلية على أن يكون للاجئين الفلسطينيين حساب خاص - ضمن الصندوق - لوارداتهم ومدفوعاتهم التي ستخضع الى إدارة محاسبية مستقلة، ولن تتحمل خزينة الدولة أي كلفة، باعتبار أن تمويل هذه العملية سيتم من الرسوم التي تفرض على رب العمل والعامل الفلسطيني. وينص المشروع على منح الفلسطينيين وثيقة سفر استناداً الى الإقامة المؤقتة المتمثلة في بطاقة اللاجئ، وينطبق على هذه الوثيقة ما يعتمده القانون اللبناني حيال جوازات السفر اللبنانية من رسوم ومهل. ويقترح المشروع منح بطاقة تعريف صادرة عن الأمن العام للفلسطينيين غير المسجلين في وزارة الداخلية والأونروا، ممن لا يملكون بطاقة اللاجئ او الإقامة المؤقتة. بري: إنصاف الفلسطينيين على الجانب السياسي، أكدت أوساط الرئيس نبيه بري لـ«السفير» أنه تلقف بإيجابية الاقتراح الذي عرضه عليه المشنوق، لا سيما أنه يتلاقى مع طرحه الداعي الى إنصاف اللاجئين الفلسطينيين. وعلمت «السفير» أن بري أبدى استعداده للمساعدة في تسويق المشروع الذي حمله المشنوق، واضعاً بتصرفه ما يشبه «خارطة طريق»، وهو أوعز الى الأمانة العامة لمجلس النواب بإرسال الاقتراح فوراً الى لجنة الإدارة والعدل، كما اتصل برئيس اللجنة النائب روبير غانم وحثه على الإسراع في مناقشته وتفعيل عمل اللجنة، استعداداً للجلسة العامة الخميس المقبل والتي يفترض أن تكون حاسمة. ونقل زوار بري عنه تشديده على ضرورة الإسراع في تحسين أوضاع الفلسطينيين لأن ذلك يشكل عاملاً حيوياً من عوامل تثبيت الاستقرار الداخلي. جنبلاط.. والضمانات أما النائب وليد جنبلاط، فأبلغ «السفير» أنه يريد ضمانات بخصوص حق التملك ومتى سيقر وكيف، موضحاً أن ما عرضه عليه النائب المشنوق خلال زيارته الأخيرة له حول حق العمل «يتلاقى مع اقتراحاتنا، ولكن يهمني أيضاً أن أعرف مصير حق التملك وماذا سيحل به». المشنوق: جدولة الحقوق وقال النائب المشنوق لـ«السفير» إن أهمية الصيغة المتداولة تكمن في أنها تتيح جدولة الحقوق، بدلاً من مطالبة البعض بمنح الفلسطينيين كل شيء ورفض البعض الآخر إعطاء أي شيء. ووصف الصيغة المطروحة بأنها عاقلة ومنطقية، وتشكل خطوة أساسية على طريق استقرار العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، موضحاً أنه تم وضعها بمشاركة خبراء في الإحصاء والضمان الاجتماعي وقانون العمل وشؤون الأونروا، وهي لا ترتب أي أعباء على خزينة الدولة. وأشار الى أنه جرى الفصل بين حق التملك الذي يتصل بمسألة سيادية وبين حق العمل الذي يكتسب بعداً إنسانياً، لافتاً الانتباه الى أن النائب جنبلاط أبلغه بموافقته على الاقتراح المتعلق بحق العمل، وتفهم تأجيل النقاش حول حق التملك الى مرحلة لاحقة. «حزب الله».. والتوافق وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لـ«السفير» إن «حزب الله» يشجع على التوافق حول أكبر قدر ممكن من الحقوق الانسانية والمدنية التي ينبغي ان تمنح للفلسطينيين، مشدداً على أن المشروع المقترح من «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» يجب أن يحظى بتوافق جميع القوى حتى يمر، ولافتاً الانتباه الى أن «حزب الله» رفض التصويت على اقتراحات النائب جنبلاط في المرة السابقة حرصاً منه على الديموقراطية التوافقية، ولأنه يعتبر أن المسيحيين هم شركاء في مشروع بناء الدولة القادرة والعادلة، وهذا المبدأ التوافقي يجب أن يحترمه الآخرون أيضاً. «القوات اللبنانية»: دراسة متأنية وأبلغ عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا «السفير» أن المشروع المقترح من «القوات» و«تيار المستقبل» والأمانة العامة لـ14 آذار جاء بعد دراسة متأنية، وهو انطلق من الاعتبارات الآتية: تأكيد وضعية الفلسطينيين المقيمين في لبنان كلاجئين، تأمين حياة لائقة وكريمة لهم، عدم المساواة بينهم وبين اللبنانيين، دعم حق العودة باعتباره حقاً مقدساً، رفض الحقوق المدنية والتعامل بإيجابية مع الحقوق الإنسانية والاجتماعية، وإعفاء الدولة اللبنانية من أي أعباء مالية جديدة. وإذ أكد أنه لم يتم الاقتراب من حق التملك الذي سيتم درسه ضمن لجنة الإدارة والعدل في إطار مشروع تملك الأجانب، رأى أنه لا بد للصيغة التي تم التوصل اليها من أن تحظى بتوافق وطني حولها، على الرغم من أنه يمكن إقرارها دستورياً بغالبية بسيطة، وذلك نظراً الى الحساسية الفائقة لهذا الموضوع.
- آلو.. عمليات بعبدا- مرحبا.. هناك مشكلة في شارع «الرهاوي»، في منطقة الرويس- ايه بعتنا دورية- بس الشباب، وهني محششين، ح يطلعوا ع البيت- يييه علينا! خلصنا.. قلنالك راحوا.الحوار أعلاه ليس سيناريو فيلم. فقد وقع، ببساطة، بين كاتب المقال وغرفة عمليات بعبدا في قوى الأمن الداخلي، عند الثامنة إلا ثلثاً من ليل الإثنين الفائت. والقصة بدأت، عقب اتصال تلقيته من صديقي، قال لي فيه بالحرف الواحد: «نحن في المنزل, في الشارع، توجد مجموعة شباب محششين، يقولون إنهم سيصعدون إلينا ويقتلونا!».كان يتحدث بصوت متقطع، وبدت علامات الخوف والارتياب على نبرة صوته. فاتصلت سريعاً بقوى الأمن، فدار الحوار المذكور أعلاه. بعد دقائق قليلة، انتابني القلق، وأعدت الاتصال على الرقم 112، لأسأل: «ماذا حصل بالدورية؟»، فأتاني صوت يصيح عبر الهاتف: «هلق بدك تظل تتصل؟ قلنا لك راحت دورية! أوف!». فما كان مني إلا أن علقت على إجابته بالقول: «عم قلّك ح يطلعوا يقتلوهن.. وفخامتك عم تتخلق؟». «تووت».. أقفل الخط.إلى بيت صديقي، إذاً. وعلى الطريق، تابعت الاتصال به، بين الدقيقة والاخرى، لأطمئنه، ولأطمئن عليه، خاصة أنه، ومن شدة ارتيابه، طلب مني أن أجد طريقة لجلب «قطعة» (مسدس أو رشاش). وعرفت منه التالي: «القصة وما فيها أنهم كانوا يتعاطون المخدرات، وصدف أن شاهدتهم في أثناء وقوفي على الشرفة. لمع وميض كاميرا، فاعتقدوا أنني صوّرتهم، وعليه، قرروا الهجوم على المنزل، وكانوا يحملون القنابل».أسرعت الخطى، ولم أعاود الاتصال بـ112. كانت الساعة الثامنة إلا ربعاً مساءً. وأبقيت على اتصالاتي المكثفة بصديقي، وبزوجته، كوسيلة للبقاء إلى جانبهم: «شو.. بعدكن عايشين؟ طيب إجى الدرك؟».الدورية لم تصل بعد، علماً أن الوصول من مخفر الرويس إلى المنزل الآنف الذكر، يستغرق – بالتحديد - 25 ثانية!استقرت عقارب الساعة عند الثامنة والنصف، عندما وصلت إلى محيط المنزل. طلب مني يوسف الدخول من البوابة الخلفية للبناية، تفادياً لوقوع اشتباك مع «الحشاشين». دخلت من الخلف، ووصلت إلى المنزل بأمان. يوسف وصهره، صاحب المنزل، يجلسان في الصالون. أما النساء فجلسن في غرفة مقفلة. وكان باب البيت الحديدي مقفلاً أيضاً. يسود التوجس أرجاء المنزل.شرح لي يوسف أن هؤلاء الشبان دائمو التواجد في الشارع، وكثيرو المشاكل. بدأت مشادتهم عند السابعة والنصف مساء، «فجأة، بدأت المعركة وراحت الدماء تسيل من الرؤوس! فالتقط أحدهم قنبلة وهدد برميها. ونحر آخر صديقه بالسكين!! انتهت المشكلة، ثم لمع وميض كاميرا، فاعتقدوا أن الكاميرا صوّرتهم من بيتي! صاحوا بالتهديد، وركضوا باتجاه المدخل، لكن، الحمد لله، كان الناطور أسرع، فأقفل الباب الحديدي».المشهد الذي تحدث عنه يوسف، تلاشى إلى حد ما. فقد ملّ الشبان من انتظار فتح البوابة الحديدية، ولم يقرروا تفجيرها، لسبب مجهول! إلا أن التوجس لازم أفراد العائلة. خصوصاً أن معقل الشبان يقع على بُعد مرمى الحجر من المنزل، في محل لـ«النراجيل».ما العمل؟ نتصل بالـ«112» مجدداً.فقد بات الهدف الخروج / الهروب بأمان من المنزل، فقط لا أكثر. ماذا عن العودة إلى هنا؟ «كلا.. سأنتقل من هنا. ماذا أفعل أنا، طالما الدولة لا تسأل عنهم، وتتركهم يسرحون ويمرحون»، قال صاحب المنزل. سينقل بيته إلى منزل آخر.يجيب عنصر قوى الأمن على الهاتف. نسأله عن الدورية، فيرد: «صارت واصلة».نصف ساعة على الاتصال بمركز أمن لا يبعد سوى أمتار قليلة عن موقع «الجريمة». نصف ساعة، ورجل الأمن يفترض، ويحلل، بعد أن يصيح منزعجاً!النهاية: بعد مرور ساعة، تم «تهريب» النساء من الجهة الخلفية. أما نحن، وكي لا يحتسب أننا هربنا، فقد نزلنا من البوابة الرئيسية، وبكل ثقة. بيد أن الصدفة أدّت دورها أيضاً: خرجنا في لحظة غاب عنها «الحشاشون». لكنهم، سيعودون.. لا محالة، سيعودون. فلا رقيب عليهم، أو حسيب.بناء على ما تقدّم، وضعت «السفير» مجريات القصة أمام قوى الأمن الداخلي، بغية الاستيضاح، فكان الرد كالآتي: أولاً، نحن كقوى أمن داخلي، لا نقبل أن يكون الحوار من رجل الأمن المولج بمتابعة اتصالات المواطنين على هذا النحو، وفي حال أثبتت الوقائع دقة الموضوع، فإننا سنعمد إلى المطالبة المسلكية بحقه. خصوصاً أنه نادراً ما تقع التباسات شبيهة.وأشار المصدر الأمني إلى أن الـ112 بالتحديد، قد ساهم في الآونة الأخيرة، عبر اتصالات المواطنين بالكشف عن جرائم سلب وسرقة. كحادثة «السان تيريز» الأخيرة، والسرقة التي وقعت في منطقة «الصفراء».ثانياً، «قد يكون تأخر وصول الدورية ناجماً عن أسباب لوجستية تتعلق بمهمات أخرى أوكلت إلى المخفر الآنف الذكر. وهناك ظروف متعددة قد تعيق وصول الدورية بالسرعة المطلوبة. أما مسألة متابعة الموضوع مع المواطن، فإن للأخير دوراً أيضاً بتبليغ القوى الأمنية بالمجريات التي حدثت معه، فيما تكون الدورية قد توجّهت إلى مهمة أخرى. ونحن كقوى أمن سنتابع الموضوع وحيثياته. وشكراً». جعفر العطار
غدي فرنسيس "اكتشفت هويتي الجنسية في المراهقة"، هكذا بدأت كل الحكايات. "لا تهمني عذريتي"، هكذا انتهى بعضها. "أبحث عن جنون"، عبارة لمعت في بعض الوجوه. "وجدت نفسي فيه" و"اكتشفت الحب معها"، "لن أتزوجه يوماً ولا يهمّني ذلك"، "أشعر كأنها زوجتي"، "أحب استكشافهن". عينة صغيرة من حياة العشرين العاطفية. بنات "صبايا" وصبيان "رجال" من ست مناطق لبنانية... يبوحون ببعض الحب وبعض الجنس، ببعض الخيبة وبعض الأمل. في اختلافهم مرآة لاختلاف عائلاتهم ومناطق نشأتهم وبيئتهم الاجتماعية. على عتبة الزواج "المستحب"، وعواطف الهجمة على الحياة المتناقضة، طمع باللهو وطموح باستقرار.. أبحث دائماً عن روح رجل ترافقني في الرواية ياسمينا الجنوبية لها ثلاثة وعشرون عاما مع الدنيا وعلاقات عاطفية لا تستطيع أن تحصيها سريعاً. بعض من مرّوا في حياتها وجسدها "دفنوا" في الذاكرة، وبعضهم أصبحوا أصدقاء، وبعضهم ساهموا بإطلاق الأحكام... "عاهرة" المجتمع الصغيرة، تستريح في جسدها ولا تمانع اللقب الذي أطلق عليها، وتعترف أن مزاجيتها حكمت حياتها العاطفية. بابتسامة طليقة طويلة: "ليس هناك عدد محدد لمن مرّوا. بحثت في علاقاتي مرّة عن جنون ومرّة عن هدوء". وظلّت خياراتها العاطفية تتغير بتقلب "الموجة" التي تمرّ فيها. بحرها كثير الرياح والموج. تلخّص سنواتها الجنسية الخمسة في أنها لم تستقر في علاقة أكثر من ثلاثة أشهر. لكنها كلما كبرت، "طالت مدة الموجة". والموج في قاموس شبابها هو المزاج. تنقطع البسمة قليلاً حين تدخل تلك الكلمة المفتاح وتدخل الياسمينة الثائرة إلى الواقع. كلمة الحرفين المتصارعين في الدين والسياسة والمال والسلطة وذكورية الهواء في بلادنا، "حب": "مرة واحدة أحببت لأنني لم استطع أن امتلكه... أحببته، وكنت أكون نفسي حين أكون معه. كان يكبرني بسنتين. لا ادعي القوة المزيفة، تجرحني أكاذيب اسمعها عني، تجرحني كثيراً وتحرجني قليلاً، لكنها لا تدوم، فتنطوي مع انطواء الموجة". تضحك كثيراً للتصنيف ثم تقرّ أنها من فئة "طامع باللهو" حالياً، ثم تطلب مجددا أن يكون لها اسم مستعار. حريتها تتوقف عند حدود الإفصاح عن الجنس. فبين بنت جبيل والضاحية والمجتمع اليساري الذي نشأت فيه، تلاحقها تهمة الجنس، والتشويه في السمعة. لكنها تضحك لأنها اكتسبت اللقب عن جدارة، في عقول تراها "عقيمة". هذه "العاهرة" كما صنّفها بعض مجتمعها تقرأ كتاباً كل ثلاثة أيام، تتابع اختصاصين في الجامعة، تعمل في التعليم مؤقتاً، وتساعد في مصروف أخيها الصغير. مرتاحة مع علاقاتها: "أخذت من كل تجربة درس. تعرّفت من كل واحد على سمة من سمات الرجال، وحملت معي أوجاعاً وحكمة. أبحث دائماً عن روح رجل ترافقني في الرواية، ورواياتي كثيرة. أنا امرأة منذ الثامنة عشرة، ونشيطة في اكتشاف أنوثتي"، وتضحك طويلاً. "اكتمل الرجل في عقلي وبت أعلم أنني لن ابحث عن وهم في زوجي المستقبلي. لا أتزوج قبل الثلاثين"، هنا تطول التنهيدة. "أرى زواجي عقلانياً وليس قصة حب. الحب جنون.. والزواج عائلة وأولاد". ورغم "تطور" والديها الفكري وتقبلهما لعلاقاتها ونمط حياتها، لم تنج ياسمينا من بعض القريبات اللواتي وعدن القوى الإلهية والسماوات أن ينظفن الجوامع عندما تتزوج، وهذا طبعاً بسبب "محبتهن". كأنني تطلّقت قبلاً مرتين أو ثلاثة.. ثم وجدت زوجي التجارب كنز من المعرفة، يقول نيتشه. لكنها لا ريب تصعب عملية الاختيار. تجارب ريما (21 عاماً) الجريئة لم تكن عائقاً بوجه الاستقرار. وقع جنونها بالصدفة على جنون شاب أهدافه مشتركة مع أهدافها. أسلوب حياته يشعرها بالنجاح والأمان. فكسرت عقدة الزواج دون تخطيط، ووجدت نفسها تبحث عن بيت يستأجرانه ليتزوجا. بحماسة الفرس لذراع الخيّال تحتضنه، أمام جميع الناس، فهو سيصبح زوجها الشرعي بعد أن يعثران على بيت.. لكنه ينام عندها نصف أيام الأسبوع. أهلها الشماليون لم يتوقعوا حدوث هدوء مفاجئ في حياة ابنتهما الصارخة. فبعد أن استقلت ريما في شقة بيروتية وعملت وتعلّمت وعاشت بيروت وحياة الليل، كان متوقعاً أن لا تشبع من اللعب بسرعة. بل إن تقلّب خياراتها الباقية كلها، لم يلمّح بوجود جدية في علاقاتها خلف الباب. أكثر ما جمعهما الجنون الموجّه الذي ينتج تناغماً سحرياً. "رواد حياتي، جوزي هيدا". زوجها المترقب يكبرها ببضعة سنوات لكنها تكبره ببضعة علاقات. فهو لم ينوّع تجاربه في النساء كثيراً. مرّ في علاقات لا تتعدى أصابع اليد. ربما لذلك يتزوج مبكراً. تماماً مثل والديه اللذان أمّنا عائلة "صحيّة" لأولادهم كسرت عقدة الزواج المبكر. يصر رواد انه يرتاح معها لذلك "سيحمّلها اسمه" بعد معرفة لا تتعدى الستة أشهر. ويصرّ أيضاً أنه لم يخطط مسبقاً للزواج. ويسترجع مثلاً سمعه من أصدقاء أبيه الكبار "العوانس الذكور": "إذا لم يتزوج الواحد في فترة جنونه، لا يتزوج على الإطلاق أو ينتهي في زواج اصطناعي يشبه عقود الشركات". "محظوظة أنا لأني وجدته". وقعت ريما في قلب رواد أثناء خروجها المؤلم من علاقة دامت سنة، وكانت تشبه آخر مراحل الزواج. قبل رواد، عاشت مع فادي (23)، زميلها السابق في العمل. استدرجتها متعة الوقت معه وأغواه اختلافها عن المألوف في الأشرفية. وفادي لم يكن قليل الخبرة مع النساء. هو أغرم بريما وكان على علاقة بأحدهن، لكن سرعان ما تربعت ريما على عرش حياته وانشغاله. وجد نفسه بعيداً عن كل الناس وقريباً منها. الأهل تعارفوا حينها، لكن الزواج بقي كالقصيدة الرائعة التي تشرد فيها العيون وسرعان ما تعود إلى اليقظة. تتابع ريما وبقربها يجلس رواد اليوم، "غيرني رواد، هو له الفضل في هدوئي، يشبهني برأسه، يكلمني عندما أخطئ قبل أن يذهب في انفعالات ضقت بها ذرعاً في علاقتي السابقة". "أنا وفادي كرهنا بعض، ضربنا بعض، جرحنا بعض، وكنا نثرثر عن بعض، كلّ لأصدقائه، ثم ننام على وسادة واحدة. حتى أصبح ارتباطنا جسدي. كنت أرتاح حين يحضنني لكن القلق لم يخرج من مؤخرة الرأس يوماً. واليوم أدرك أنني اتخذت القرار المناسب. رواد زوجي لأن القلق الذي في رأسي زال بقدومه إلى حياتي. أصبحتُ "ريما" جديدة، رغم أنني لم اندم على أي تجربة مرّت". وصلت ريما قبل صديقاتها إلى الاستقرار لأنها سبقتهن إلى "التجارب"، كما تقول. عاشت عينات من الزواج بالمساكنة. "أشعر أحياناً كأنني امرأة تطلقت مرتين او ثلاثة من قبل، لذلك أعرف أنني لن اندم على زواجي المبكر، سأتابع الجامعة وأبني مسيرتي المهنية بين ذراعي رواد. سأرعاه ويرعاني لنكبر سوياً". هربت ريما من بحر الأمواج العشرينية إلى قارب النجاة الذي يسمى "الزواج"، ليستحوذ طموحها على المرحلة اللاحقة من حياتها. كان الزواج بنداً جزائياً للاستقرار الاقتصادي والمستقبلي. لكنه بندٌ لا مفرّ منه. هي مثل كل صديقاتها، تحلم بالأمومة. لا أريد امرأة بلا تجارب.. ولا أريدها مع تجارب زياد (24) يريد الاستقرار، لكنه يخافه، يؤجله، يتناساه في علاقاته الكثيرة، خاصة أنه لم يستقر مادياً ولا عملياً بشكل نهائي. "لا زلت لا أفهم المرأة، اختبرتها كثيراً. استكشف أنوثتهن وعقدهن ومشاكلهن النفسية وغيرتهن وجنسهن وأمومتهن، لكنني لم انته إلى واحدة بعد!". يعيش زياد انفصاماً بين ما يليق بصورته الاجتماعية وبين الرغبة في عيونه. يراقب أجساد المارة بخجل "الجنتل مان" ويروي. مرّ في أجساد أرامل ومطلقات ومزوجات وفتيات صغيرات وكبيرات، قويات وضعيفات، سطحيات وعميقات. وتنوع مغامراته الجنسية لا يزيد خياره سوى صعوبة. "يلزمني الكثير من الجرأة لأقول هذا لامرأة، ربما عندما اروي لامرأة عن أشياء رأيتها فيها، عندها أكون أحببت حتى الزواج". يروي زياد مغامراته كأنها غنائم حرب. "أعرف أنني لا أريد امرأة دون تجارب، لا أريد أن أبني لها شخصية، كما اعرف أنني لا أريد امرأة بكثير من التجارب. لا أريد أن أمرّ يوماً ما مع امرأتي وأولادي وهناك رجل يقول في نفسه أنه اكتشف جسدها قبلي". وضعه المالي بدوره أبعد فرص الزواج، "كيف سأتزوج بنت الناس وأنا ما عندي بيت سكنها فيه؟ من ترضى أن تسكن معي في شقة تطل كل حيطانها على بعضها البعض؟ لا أؤمن بنظرية الخبز والزيتون، كل النساء لديهن حاجات. وزوجتي لن تعمل، زوجتي ستربي الأولاد تماماً كما ربتني أمي!". تبحث عن حب بلا جنس.. ويبحث عن زوجة من طائفته "يختلف القلب بعد الخمسة والعشرين"، هكذا تبرر نور سعيها الخجول للزواج. ترفض أن تتحدث حتى عن الجنس. هو خيار شخصي، تقول. وقد تعلّمت في عائلتها المتدينة الرصينة أن الشرف يكمن تحت التنورة، فصارت تطيل تنانيرها، هذا إن ارتدت واحدة منها. تفاخر بعذريتها، فهي تحتفظ بنفسها للرجل المناسب. "جسدي له قيمة، وليس صحراء للمناورات الرجولية"، هكذا تشهر سيفها على الرجال. "أريد حباً سامياً راقياً مترفعاً عن الغرائز، رأيت صديقاتي يغرقن في دموع الخيبة بعد أن خسرن أجسادهن"، هكذا تصنف نفسها سعيدة. عندما يحين الوقت، سيزهر جسدها، ربما قبل الزواج، لكن حتماً ليس قبل الحب. سرعان ما تغيّر الموجة: "من قال إنني لم أحب يوماً؟ أنا أحببت لكن خياري الحب الرقيق الذي تلونه الروحانية وليس الغريزة، ولا أريد أن انتهي في عيادة طبيب يعيد ترميم بكارتي قبل الزواج مثل بعض صديقاتي". نور تنتمي للجهة الأكبر من المجتمع، تلك التي تحتكم للقيم المتوارثة. ففي "الجرد" حيث ترعرعت، لم تنس ذاكرة الناس قصص النساء "الفاحشات"، وهي لا تقوى على دخول ذاكرة الناس من غير باب البراءة والابنة الصالحة. عقدة الفستان الأبيض الرائجة تنال من وسادتها ودموعها كلما تزوجت إحدى صديقاتها. "الفستان الأبيض أجمل صورة"، تقول جنى في نفسها ولحبيبها المستحيل. وائل مخطوب من ابنة الطائفة، ولن يتزوج امرأة مثلها، بل ستبقى حبيبته إلى الأبد، بينما يبني أسرة مع الزوجة التي اختارتها والدته. وضعه المالي جيد جداً لكنه بكر العائلة، ومال حياته سيكون الإرث. صاحب الزنود الكبيرة و"قبضاي" القرية لا يقوى على مشاكسة أهله. تنظر جنى بعينين متورمتين: "أبكي كل ليلة، وحين أقرر قطع علاقتي به، يهاتفني ويبكي هو". تنظر إليه بحنان وخوف وكره وحب ثم تقول: "لا يدعني أشفى من حبه لكن طائفته وطائفيته تمنع الزواج من المرور في عقله، وأنا لماذا أمكث على سفينة غارقة؟". تلقي عليه قسوة دموعها وتسحب يديها الصغيرتين من يديه الكبيرتين المقيدتين.تعود جنى ووائل، ريما ورواد وفادي، ياسمينا ورجالها، نور وتهذيبها، زياد والمرأة المجهولة في عقله... يعود هؤلاء الشباب إلى غرفهم ليلاً، أزواجاً أو أفراداً.. يقفلون عيونهم التائهة العاشقة المشتهية، ويذهبون في أحلام المستقبل.. غير مدركين ربما أن عشرينياتهم ستصنع بقية حياتهم. خائفون، آمنون، مكسورة قلوبهم أو راقصة، عليها أن تستكين يوماً ما. وعلى خياراتهم أن تشبههم.. وإلا سيمضون مستقبلهم في دفع الفواتير المتأخرة.
ظلت صدمة إسقاط «نواب الستين» مشروع تخفيض سن الاقتراع الى 18عاماً ترخي بظلالها على الوسطين السياسي والشبابي، فيما يُنتظر ان يكون للضربة الموجعة التي تلقاها هذا المشروع مفاعيل سلبية في أكثر من اتجاه، حيث إن الربط الذي حصل بينه وبين مسائل أخرى سيؤدي، في السياسة، الى هزات ارتدادية قد تطيح أو تؤخر أكثر من «مطلب مضاد»، ناهيك عن ان المشروع عاد من الناحية الدستورية الى نقطة الصفر، بحيث إن إعادة إحيائه تستلزم ان يدور من جديد دورة كاملة. وفي هذا السياق، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«السفير» إن ما جرى في مجلس النواب أمس الاول هو خطير جداً لأنه كان من الخطأ الفادح ربط حق بحق آخر، مشيرة الى ان هذا التلازم الذي افتعله البعض سيعقّد إمكانية إنجاز أي تطوير حقيقي في النظام الانتخابي، وبالتالي فان الطريق امام إقرار آلية اقتراع المغتربين وقانون استعادة الجنسية لن تكون سهلة بعد إجهاض مشروع تخفيض سن الاقتراع. إضراب «الثانوي» وبينما يُفترض ان يعقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية السبت المقبل لإقرار آلية اعتماد النسبية في الانتخابات البلدية، وسط معلومات تشير الى ان التوافق على الآلية لم يُنجز بعد، تعود الهموم المعيشية والاجتماعية الى الواجهة مع الإضراب التحذيري الشامل الذي ينفذه اليوم وغداً أساتذة التعليم الثانوي الرسمي احتجاجاً على إهمال مطالبهم، ما يعني إقفال نحو 260 مدرسة ثانوية رسمية وتوقف 6 آلاف أستاذ في الملاك عن العمل وبقاء قرابة 75 ألف طالب منازلهم ومعهم بضعة آلاف من التلامذة في المرحلة المتوسطة، خصوصاً في الثانويات التي تُدرس فيها هذه المرحلة. وفيما يواكب الاضراب اعتصام مركزي أمام مقر وزارة التربية في الأونيسكو، تتضامن رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني مع الثانويين، فتتعطل الدروس اليوم فقط في 107 مدارس ومعاهد، ويلتزم 1500 استاذ في الملاك بالإضراب، ومعهم نحو عشرة آلاف متعاقد، ويغيب عن الصفوف نحو 45 ألف طالب مهني. ومن المقرر ان يلي هذا التحرك إضراب آخر في الثالث من آذار المقبل لأساتذة الجامعة اللبنانية دعت اليه رابطة الاساتذة المتفرغين. وتتركز مطالب اساتذة التعليم الثانوي على تعزيز ملاكه وإقرار تدريس المواد الإجرائية وتوفير الكادر التعليمي في الملاك من خلال إجراء المباراة المفتوحة، وإصدار مرسوم قبول الفائض من الأساتذة الناجحين، وتنفيذ الخريطة المدرسية، إضافة الى الشق المطلبي - النقابي المتمثل في استعادة الستين في المئة التي كان يتقاضاها أستاذ التعليم الثانوي لقاء الزيادة في ساعات العمل منذ العام 1966 وحتى تاريخ دمج التعويضات في العام 1996 حيث فقدها. وأكد وزير التربية والتعليم العالي الدكتور حسن منيمنة لـ«السفير» إن معظم مطالب رابطة الثانوي قد تحقق وآخرها صدور مرسوم تعيين 757 أستاذاً، وهناك مطلب واحد وهو مالي يتعلق بزيادة رواتبهم، وهذا الأمر مطروح للنقاش، وتمنى أن يستمر الحوار وأن لا نعطل الدراسة على الطلاب، سيما طلاب الشهادات الرسمية. من جهته، قال رئيس الرابطة حنا غريب لـ«السفير» إنه «مضى على مطالبنا نحو 12 عاماً، فهل ننتظر صدور الموازنة ثم نعود ونطالب؟». وأكد أن «أساتذة التعليم الثانوي لم يقصروا يوماً في التعويض على الطلاب، وحتى قبل إعلان الإضراب نعمل على تكثيف الدروس ونحضرهم أيام العطل، فلا يزايدن علينا أحد». سن الاقتراع.. والنسبية سياسياً، أبدى رئيس الجمهورية ميشال سليمان أسفه لـ«عدم إقرار قانون خفض سن الاقتراع خصوصاً بعدما سلك هذا المشروع الطرق الدستورية عبر إقراره في مجلس الوزراء وإحالته على المجلس النيابي»، مبدياً أمله في أن يُعاد طرحه وفي أسرع وقت ممكن وفقاً للأصول الدستورية. وعبّر عن «تمسّكه الشديد بإعطاء المغتربين الحق في الاقتراع الذي تمّ إقراره في القانون الانتخابي ويبدأ العمل به في الانتخابات النيابية المقبلة وكذلك بقانون استعادة الجنسية للمغتربين»، مؤكداً أن الهدف من هذين المشروعين ليس السعي الى التوازن الطائفي الذي ربما لن يتحقق من خلالهما، بقدر ما هو إشراك أبناء الاغتراب ولا سيما الشباب منهم في الشأن الوطني العام وكذلك إعادة الجنسية للذين فقدوها. في هذه الاثناء، سُجل أمس في الرابية لقاء لافت للانتباه بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ووزير الداخلية والبلديات زياد بارود، بحضور وزير الطاقة والمياه جبران باسيل والنائب ابراهيم كنعان. بعد اللقاء، أكد بارود «ان الانتخابات البلدية ستجري في مواعيدها، وانه متوافق مع العماد عون على العناوين الكبيرة»، فيما أبلغ أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان «السفير» ان البحث ذهب الى أبعد من عنوان الانتخابات البلدية ليشمل مسائل أخرى لا تقل حيوية، مؤكداً أن التكتل يلتقي مع قول بارود بان الانتخابات البلدية ستتمّ في موعدها، لأنه ما دام لم يصدر شيء مغاير عن مجلس النواب، فإن الواقع القانوني الراهن يُلزم بإجرائها في الموعد المحدد، وما نريده هو ان تكون الفترة الفاصلة عنها فرصة للاصلاح. وعلى بُعد ايام قليلة من الجلسة «البلدية» الحاسمة للحكومة، بدا ان صعوبات حقيقية ما تزال تعترض اكتمال ولادة «النسبية»، التي وفي حال تمكنت السبت من تجاوز قطوع مجلس الوزراء، فان المؤشرات توحي بان اختباراً صعباً، وغير مضمون النتائج، ينتظرها في مجلس النواب. من جهته، قال النائب وليد جنبلاط لـ«السفير» إن النسبية قد لا تكون واقعية على مستوى الانتخابات البلدية، خلافاً لوضع الانتخابات النيابية، لافتاً الانتباه الى انها تشكل طرحاً مثالياً لا يتلاءم مع خصوصيات البلدات والقرى، لأن من شأنها ان تخلق تناقضات في العائلة الواحدة وأن تفرزها الى فئة أولى وفئة ثانية، الأمر الذي سيتسبب بمشكلات وانقسامات، نحن في غنى عنها. وأضاف: أنا أحترم وأقدر حماسة الرئيس ميشال سليمان ووزير الداخلية زياد بارود للنسبية ولكن عليهما ان يأخذا بعين الاعتبار اننا لسنا في نظام أحزاب، وان هناك أعرافاً عائلية ونزعة عشائرية تطغى على ما عداها في البلدات والقرى، متسائلاً عما إذا كانت هناك إمكانية للجمع بين تلك الاعراف والنسبية، وموضحاً ان نواب اللقاء الديموقراطي سيثيرون هذه الإشكالية عند المباشرة في مناقشة مشروع قانون الانتخابات البلدية في مجلس النواب. وفي سياق متصل، أكد المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل لـ«السفير» ان حركة أمل هي إيجابية في التعامل مع فكرة النسبية، ولكن ذلك لا يلغي ان هناك خيارات كثيرة بخصوص الآلية الافضل لترجمتها، مشدداً على ان النقاش حول الآلية التطبيقية ليس شكلياً ولا ثانوياً، والاتفاق عليها ما زال يتطلب بعض الجهد. وقال النائب حسن فضل الله لـ«السفير» إن اعتماد قاعدة النسبية في الانتخابات البلدية يحتاج الى نقاش عملي ودقيق، مشيراً الى ان تطبيق هذه القاعدة في الدوائر الصغرى قد يكون صعباً، بالنظر الى التركيبة الخاصة والمرهفة لتلك الدوائر. وأوضح أن حزب الله لا يملك موقفاً حاداً في ما خصّ موعد إجراء الانتخابات، فهو يؤيد إجراءها في موعدها إذا تم التوافق على ذلك، ولا يمانع في تأجيلها إذا سلكت الأمور هذا المنحى، مشدداً على مرونة الحزب في التعاطي مع الاحتمالين. وأبلغ وزير الدولة يوسف سعادة «السفير» أن تيار المردة يدعم خيار النسبية وكان من المتحمّسين لها في مجلس الوزراء، «إلا اننا نفضل ان تكون مرفقة بالصوت التفضيلي».

الأكثر قراءة