شكراً للـ«112»! ـ

- آلو.. عمليات بعبدا- مرحبا.. هناك مشكلة في شارع «الرهاوي»، في منطقة الرويس- ايه بعتنا دورية- بس الشباب، وهني محششين، ح يطلعوا ع البيت- يييه علينا! خلصنا.. قلنالك راحوا.الحوار أعلاه ليس سيناريو فيلم. فقد وقع، ببساطة، بين كاتب المقال وغرفة عمليات بعبدا في قوى الأمن الداخلي، عند الثامنة إلا ثلثاً من ليل الإثنين الفائت. والقصة بدأت، عقب اتصال تلقيته من صديقي، قال لي فيه بالحرف الواحد: «نحن في المنزل, في الشارع، توجد مجموعة شباب محششين، يقولون إنهم سيصعدون إلينا ويقتلونا!».كان يتحدث بصوت متقطع، وبدت علامات الخوف والارتياب على نبرة صوته. فاتصلت سريعاً بقوى الأمن، فدار الحوار المذكور أعلاه. بعد دقائق قليلة، انتابني القلق، وأعدت الاتصال على الرقم 112، لأسأل: «ماذا حصل بالدورية؟»، فأتاني صوت يصيح عبر الهاتف: «هلق بدك تظل تتصل؟ قلنا لك راحت دورية! أوف!». فما كان مني إلا أن علقت على إجابته بالقول: «عم قلّك ح يطلعوا يقتلوهن.. وفخامتك عم تتخلق؟». «تووت».. أقفل الخط.إلى بيت صديقي، إذاً. وعلى الطريق، تابعت الاتصال به، بين الدقيقة والاخرى، لأطمئنه، ولأطمئن عليه، خاصة أنه، ومن شدة ارتيابه، طلب مني أن أجد طريقة لجلب «قطعة» (مسدس أو رشاش). وعرفت منه التالي: «القصة وما فيها أنهم كانوا يتعاطون المخدرات، وصدف أن شاهدتهم في أثناء وقوفي على الشرفة. لمع وميض كاميرا، فاعتقدوا أنني صوّرتهم، وعليه، قرروا الهجوم على المنزل، وكانوا يحملون القنابل».أسرعت الخطى، ولم أعاود الاتصال بـ112. كانت الساعة الثامنة إلا ربعاً مساءً. وأبقيت على اتصالاتي المكثفة بصديقي، وبزوجته، كوسيلة للبقاء إلى جانبهم: «شو.. بعدكن عايشين؟ طيب إجى الدرك؟».الدورية لم تصل بعد، علماً أن الوصول من مخفر الرويس إلى المنزل الآنف الذكر، يستغرق – بالتحديد - 25 ثانية!استقرت عقارب الساعة عند الثامنة والنصف، عندما وصلت إلى محيط المنزل. طلب مني يوسف الدخول من البوابة الخلفية للبناية، تفادياً لوقوع اشتباك مع «الحشاشين». دخلت من الخلف، ووصلت إلى المنزل بأمان. يوسف وصهره، صاحب المنزل، يجلسان في الصالون. أما النساء فجلسن في غرفة مقفلة. وكان باب البيت الحديدي مقفلاً أيضاً. يسود التوجس أرجاء المنزل.شرح لي يوسف أن هؤلاء الشبان دائمو التواجد في الشارع، وكثيرو المشاكل. بدأت مشادتهم عند السابعة والنصف مساء، «فجأة، بدأت المعركة وراحت الدماء تسيل من الرؤوس! فالتقط أحدهم قنبلة وهدد برميها. ونحر آخر صديقه بالسكين!! انتهت المشكلة، ثم لمع وميض كاميرا، فاعتقدوا أن الكاميرا صوّرتهم من بيتي! صاحوا بالتهديد، وركضوا باتجاه المدخل، لكن، الحمد لله، كان الناطور أسرع، فأقفل الباب الحديدي».المشهد الذي تحدث عنه يوسف، تلاشى إلى حد ما. فقد ملّ الشبان من انتظار فتح البوابة الحديدية، ولم يقرروا تفجيرها، لسبب مجهول! إلا أن التوجس لازم أفراد العائلة. خصوصاً أن معقل الشبان يقع على بُعد مرمى الحجر من المنزل، في محل لـ«النراجيل».ما العمل؟ نتصل بالـ«112» مجدداً.فقد بات الهدف الخروج / الهروب بأمان من المنزل، فقط لا أكثر. ماذا عن العودة إلى هنا؟ «كلا.. سأنتقل من هنا. ماذا أفعل أنا، طالما الدولة لا تسأل عنهم، وتتركهم يسرحون ويمرحون»، قال صاحب المنزل. سينقل بيته إلى منزل آخر.يجيب عنصر قوى الأمن على الهاتف. نسأله عن الدورية، فيرد: «صارت واصلة».نصف ساعة على الاتصال بمركز أمن لا يبعد سوى أمتار قليلة عن موقع «الجريمة». نصف ساعة، ورجل الأمن يفترض، ويحلل، بعد أن يصيح منزعجاً!النهاية: بعد مرور ساعة، تم «تهريب» النساء من الجهة الخلفية. أما نحن، وكي لا يحتسب أننا هربنا، فقد نزلنا من البوابة الرئيسية، وبكل ثقة. بيد أن الصدفة أدّت دورها أيضاً: خرجنا في لحظة غاب عنها «الحشاشون». لكنهم، سيعودون.. لا محالة، سيعودون. فلا رقيب عليهم، أو حسيب.بناء على ما تقدّم، وضعت «السفير» مجريات القصة أمام قوى الأمن الداخلي، بغية الاستيضاح، فكان الرد كالآتي: أولاً، نحن كقوى أمن داخلي، لا نقبل أن يكون الحوار من رجل الأمن المولج بمتابعة اتصالات المواطنين على هذا النحو، وفي حال أثبتت الوقائع دقة الموضوع، فإننا سنعمد إلى المطالبة المسلكية بحقه. خصوصاً أنه نادراً ما تقع التباسات شبيهة.وأشار المصدر الأمني إلى أن الـ112 بالتحديد، قد ساهم في الآونة الأخيرة، عبر اتصالات المواطنين بالكشف عن جرائم سلب وسرقة. كحادثة «السان تيريز» الأخيرة، والسرقة التي وقعت في منطقة «الصفراء».ثانياً، «قد يكون تأخر وصول الدورية ناجماً عن أسباب لوجستية تتعلق بمهمات أخرى أوكلت إلى المخفر الآنف الذكر. وهناك ظروف متعددة قد تعيق وصول الدورية بالسرعة المطلوبة. أما مسألة متابعة الموضوع مع المواطن، فإن للأخير دوراً أيضاً بتبليغ القوى الأمنية بالمجريات التي حدثت معه، فيما تكون الدورية قد توجّهت إلى مهمة أخرى. ونحن كقوى أمن سنتابع الموضوع وحيثياته. وشكراً». جعفر العطار
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة