uldy

uldy

سليمان تقي الدين

ليست مسؤولية أي فريق لبناني أن يصوغ قراراً ظنياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لو أن نظام العدالة عندنا بخير، ولو أن العدالة الدولية أيضاً بخير. هذه الجريمة ما كانت لتحصل إلا لأنها في إطار مشروع سياسي وحقيقتها ستظل كذلك. أعقبت الجريمة سلسلة أحداث وإجراءات أوهنت أي دليل قضائي لصالح الاتهام السياسي. هكذا حققت الجريمة وظيفتها منذ اللحظة الأولى وما زالت قيد الاستثمار. ولو شاءت السياسات الدولية اليوم يمكن لها أن تضعها في مسؤولية أي جهة تريد، وهي فعلت وتفعل. لو كانت العدالة الدولية بخير، لما كانت قضية فلسطين والعراق، ولا ما هو أدنى من ذلك. فلم يسبق لنا ان عرفنا على وجه اليقين كيف صيغت قرارات الاغتيال السياسي حتى لو عرفنا من نفّذها. الجريمة السياسية لها فاعل معنوي هو الاساس وهو الطرف الذي لا تطاله أي إجراءات. لا عدالة في هذا العالم ما دامت القوى التي تدير آلة القتل خارج سلطة المحاسبة. عبثاً نعتقد اننا نستوفي العدالة أصلاً من أدواتها التنفيذية فقط. وهل يمكن ذلك حتى في الجرائم المكشوفة كاغتيال القيادي الفلسطيني (المبحوح) في الامارات، أو في الاغتيال المفتوح على كوادر «حماس» و«حزب الله»، وقبلهما كل قوى المقاومة. وماذا عن قادة لبنان، قادة السياسة والرأي، وعشرات الآلاف من ضحايا الحرب الأميركية الإسرائيلية المستمرة منذ أربعة عقود. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري أخذ فريق سياسي البلد رهينة لشعار «الحقيقة والعدالة». اختار قضية واحدة مثقلة بطاقة التحريض السياسي. لم ينتظر نظام العدالة لأنه متورط في مشروع، ومنخرط في حبك روايته. فاقت الغيرة على «الشخص» كل حدود، حتى ان هذا الفريق باع كل قضية أخرى تخصه. رؤساء جمهورية وحكومات وزعماء أحزاب وتيارات ومجازر جماعية، ذلك كله اختُصر في شخص له عزوة، ولدى المدافعين المستجدين مدد مالي واعلامي ووظيفة سياسية. لكن «الشخص» ليس إلا المفتاح لأقفال أخرى على الحقيقة: سوريا ودورها، المقاومة ودورها، ولبنان في نهاية المطاف. كيف يقيمون في لبنان صدعاً جغرافياً فينفلق عن تاريخه ويتحول إلى محمية أميركية تعيد تقديمه لإسرائيل مستسلماً متنازلاً عن القوة ليبرر تنازله عن الحقوق الوطنية في بعض الأرض والماء والنفط والتوطين وحريته وسيادته. يقولون: هذه لغة «تخوين». عفواً. إذاً هذا مشروع غباء وخطأ وخطيئة واستهتار بما تعنيه تلك الادوار التي طلبت الحماية للبنان من أميركا، والعدالة من مجتمع الجريمة الدولية المنظمة، والاستقرار من الإرهاب العالمي الأعظم. تبدلت الحقيقة عند هذا الفريق بين ليلة وضحايا، وصار هذا الرهط من السياسيين يقول ما يلقّن، وهو لا يخفي أبداً الترابط بين «الحقيقة» و«العدالة»: الحقيقة سياسية والعدالة سياسية، وكلتاهما تصب في أمن إسرائيل المقدس لدى الغرب. نحن أيضاً «نتهم بالسياسة» أي دولة بنوا وأي فساد وأي مديونية وأي جيش وأي عدالة وأي اقتصاد. من الواضح ان منظومة هذا الفريق السياسي مترابطة في هذه الحلقات جميعها. استثمروا البلد وشلّعوه، بقصد أو بغير قصد. هم طبقة سياسية فاسدة وفاشلة وقد أنتجوا دولة فاشلة. جميعهم جاؤوا من رحم العلاقات الخارجية ونفوذ الخارج بوجه عربي أو افرنجي. هذه طبقة سياسية مستوردة تتجدد منذ تاريخ قديم لأنها أعطيت وطناً لم تكن تسعى إليه أو تبحث عنه. وطنها الحقيقي مصالحها، ومشروعها السياسي طوائفها، ودولتها سلطتها، ومستقبلها حقيبتها. لو ان هذه الطبقة السياسية تناضل في سبيل لبنان كما تستبسل اليوم وتبذل كل ما تستطيع لإنتاج غلبة داخلية مرتبطة بالغرب، لكانت أعطت لبنان الكثير. قد يوثق اتهام إسرائيل بآلاف القرائن، فهي الطرف المباشر المعني بالفوضى اللبنانية وبإسقاط مناعة هذا البلد وكسر انجازاته، لكن هذا لا يشفي غليل أولئك الذين يريدون شيئاً آخر من الحقيقة ونسخة منقحة عن السيناريو السابق بوجه سوريا. هناك مخرج واحد ليس دفاعاً أو تبرئة، وليس تلاعباً بمخيلة الجمهور وعواطفه. انه التحقيق الذي يبدأ بالوقائع لا بالدوافع المعنوية. وكي يصحح مسار التحقيق عليه ان يبدأ من الطرف الذي حاول تشويهه وأخذه إلى الجريمة الأكبر التي تستهدف كل لبنان وسلمه الأهلي وموقعه العربي والوطني. هذه الخفّة التي يتعامل بها هذا الفريق تفرض ان يقال له: إلى أين يذهب بالبلد. نعرف أنه يتبرّأ من الفتنة، ويتظاهر بالعجز عنها، ويتذرع بأن مشكلة من يطاوله الاتهام هي مع المجتمع الدولي. ليس قرار المحكمة ما يخيف ولا سلطانها، بل التأسيس على ذاك القرار قرارات دولية وانكشاف أكبر أمام الضغوط واسقاط شرعية المقاومة هذه المرة من باب اتهامها بالإرهاب والتشكيك بشرعية سلاحها. إذا كان هؤلاء يعتقدون ان هذه النتيجة مرضية لهم، فهم إذاً يريدون هذه «الحقيقة» بالذات وهذه «العدالة»، كي يضعوا البلاد في هذه المواجهة. سمع يا شباب: هذه اللعنة لن ترحم أحداً. خطر المحكمة انها مدخل لقرارات دولية جديدة تبدأ بحصار المقاومة وتمتد إلى كل لبنان والمنطقة.

 

يقدم جورج بطل لوحة غنية وشاملة عن حياته الحزبية والسياسية ويتوقف عند محطات رئيسة في تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني، ويعرج على مسيرة الحركة الوطنية اللبنانية ويقدم عرضاً لمسارها البياني وعلاقتها بالمقاومة الفلسطينية وببعض الأنظمة العربية. بالرغم من بلوغه الثمانين فإن ذكراة جورج بطل مازالت متجذرة في الاحداث التي يقدم لها شرحاً وافياً بشكل متناسق ودقيق. يعود الفضل في بقاء جورج بطل حياً حتى اليوم الى تمسكه بالخمسة قروش التي نقده اياها والده في يوم عيد العمال العالمي في الاول من ايار والذي كان يحتفل به مع عماله هو وغيره من اصحاب الدباغات في بلدة مشغرة على بيدر القرية. يومها رفض ابن الخمس سنوات التنازل عن قروشه لصبي عرض بيعه أعشاش عصافير، فكان أن قبل ولد آخر كان بجانبه هذا العرض وذهب مع الصبي لكنه لم يعد. تعرف جورج إلى الصبي القاتل ووقف أمام القاضي كأصغر شاهد في تاريخ المحاكم في لبنان. بعد ذلك التاريخ، اصبح لهذا العيد معنى في ذاكرة جورج بطل ووعيه واصبح اكثر نضوجاً وتماسكاً من خلال ما سمعه من استاذه في مدرسة كفرشيما بديع الهاشم عن انتصارات الجيش الاحمر في الحرب العالمية الثانية وعن الثورة البولشفية وأهميتها في حياة الشعوب. لم يقدم جورج بطل طلب انتساب الى الحزب الشيوعي اللبناني ولم ينتظم في فرقة حزبية انما وجد نفسه متابعاً قضايا الحزب واتجاهاته من خلال علاقة تفاعلية مع أصدقاء حزبيين. هذا الاتجاه الأحمر لم يعجب والده الذي دفعه لدراسة التجارة من اجل توريثه اعماله والذي كان ايضاً في خططه تقديم طبق النيابة لولده، مستفيداً من مكانته المادية والاجتماعية. لم يحسم جورج بطل خياراته بين الثروة والمال وتمرده على المجتمع الرأسمالي إلا بعد أن حضر مؤتمر الشبيبة اليسارية العالمي في مدينة بوخارست في رومانيا عام 1953. هناك شاهد شبيبة أتت من كل انحاء العالم لتهتف لاخلاقيات السلام والصداقة بين الشعوب، فشعر أن إيمانه بمبادئ العدالة والمساواة قد اصبح راسخا وان الوقت قد حان للالتزام العقائدي، وسرعان ما تعرض لاختبار جدي بعد أن اعتقلته السلطات اللبنانية بتهمة مناهضة مشروع ايزنهاور. ثلاثة أشهر أمضاها في غرفة حالكة السواد والى جانبه سجناء يناقشهم ولا يرى وجوههم قبل أن تبرئه المحكمة العسكرية لعدم كفاية الدليل الاتهامي المساق ضده. كان صيف الدم حاراً في العام 1958 والذي اندلعت شرارته مع اغتيال الصحافي نسيب المتني والتي شهدها جورج بطل صدفة من شباك منزله في خندق الغميق. اندلعت احتجاجات صاخبة ضد حكم الرئيس كميل شمعون، وكان المتظاهرون يقفلون الشوارع بأشجار اقتلعوها عن الأرصفة. في تلك المعمعة انبرى شاب يحطب الأشجار بعناية بدل أن يقطعها ويشارك رفاقه في اقفال الشوارع وعندما سأل جورج بطل عن هويته قيل إنه جورج حاوي من بلدة بتغرين في المتن الشمالي. تمدد التوتر وتحول مواجهات عسكرية، وتولى جورج بطل نقل السلاح للثوار بسيارته من مناطق قريبة من الحدود اللبنانية السورية في البقاع الى بيروت والجبل. كان عليه أن يمر قرب ثكنات للجيش وعلى حواجز للامن العام. اعتقد رجال الأمن أن صاحب السيارة الفارهة والتي تحتل الفتيات مقاعدها باستمرار هو شاب عابث وليس صاحب قضية يخاطر بحياته من اجلها. من مفارقات تلك المرحلة، قدوم بطل من بيروت مع رفيقه نديم عبد الصمد الى المختارة في ظروف امنية خطرة ليسلما رسالة إلى كمال جنبلاط الذي أمن لهما العودة إلى العاصمة في ملالة للجيش! يطل جورج بطل بخبرة نضالية عميقة على مسيرة القائد الشيوعي البارز الشهيد فرج الله الحلو الذي اعترض وحيداً على تأييد قيادة الحزب الشيوعي اللبناني ـ السوري لموقف الاتحاد السوفياتي من قرار تقسيم فلسطين. شكا شيوعيو لبنان من اهمال القيادة المركزية لهم وتركيزها على شيوعيي سوريا. قابل وفد منهم كان جورج بطل في عداده القيادي نقولا الشاوي في دمشق ولم يأتوا بنتيجة. تلقف فرج الله الحلو الموقف وكان متفهماً لواقعهم. وطدت تلك المحطة العلاقة بين فرج الله الحلو وجورج بطل الذي أصبح رسوله الحزبي إلى لبنان. اصبح فرج الله مطلوباً ومطارداً من قبل حكومة عبد الحميد سراج في سوريا بعد قيام حكومة الوحدة بين سوريا ومصر. كان جورج بطل على موعد سري معه في دمشق عندما شاهد رفيق ر. المقرب جداً منه والمطارد مثله يسير في الشارع ضاحكاً مطمئناً برفقة آخرين. اخبر جورج فرج الله عن الواقعة فأجاب الأخير «لقد شُبّه لك يا جورج». اعتقلت السلطات السورية فرج الله الحلو بعد شهرين من الحادثة وقامت بتصفيته بعد ان استدلت على مخبئه من رفيق ر.! كان جورج بطل في طليعة العاملين على ترسيخ فكرة الانفصال بين قيادتي الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، محذراً من أن الفشل سيكون حليف الحزب اذا استمر العمل ضمن قيادة واحدة في ظل واقعين سياسيين مختلفين. ويقول إن هذا الانفصال أسهم في إنضاج مشروع تغييري كبير من الموقف من المسألة الفلسطينية وقضايا عربية وقومية أبرزها قضية الوحدة العربية، وان كان الحزب قد خسر بعضاً من كوادره الذين اختاروا البقاء في ظل قيادة خالد بكداش في سوريا. شعر جورج ورفاقه من مجموعة «المؤتمر الثاني» في العام 1968، أن أسلوب الدولة اللبنانية في الدفاع عن الجنوب ضد الاعتداءات الاسرائليية لا جدوى له ولا بد من طرق نضالية جديدة تفسح المجال للجنوبيين في الدفاع عن أرضهم، فكانت فكرة «الحرس الشعبي»، خطوة بالاتجاه الصحيح... ومن جل إنضاج تلك التجربة، شق جورج بطل طريقه إلى غور الأردن برفقة جورج حاوي وقابلا ياسر عرفات هناك من أجل تأمين التدريب والسلاح اللازمين للشيوعيين اللبنانيين، وكانت النتيجة نشوء مقاومة لبنانية باسم «الحرس الشعبي» خاضت في بلدة عيناثا أول مواجهة مع جنود العدو في شتاء العام 1972 وسقط خلالها علي أيوب («أبو حسن») شهيداً. يقدم جورج بطل اليوم مقاربة نقدية لعلاقة الحزب الشيوعي وباقي مكونات «الحركة الوطنية اللبنانية» بقيادات المقاومة الفلسطينية ويقول إن هذه التجربة أربكت الساحة الوطنية اللبنانية. على سبيل المثال لا الحصر، «انقلاب عبد العزيز الأحدب كان من تدبير ابو حسن سلامة، والدليل أنه دخل علينا عندما كنا مجتمعين مع ياسر عرفات انا وجورج حاوي في مكتب الـ«17» في الفاكهاني وأخبرنا بالانقلاب قبل حدوثه! المثل الثاني، هو تراجع عرفات عن قرار متفق عليه مع «الحركة الوطنية» بمنع النواب (بالنار) من الوصول الى قصر منصور في المتحف لانتخاب الياس سركيس رئيساً للجمهورية، لكن بعد تسوية مع الكتائب صاغ تفاصيلها كل من أبو حسن سلامة وكريم بقرادوني وأدت في نهاية المطاف إلى انتخاب سركيس. نموذج ثالث وقوف عرفات ضد قرار الهجوم على مواقع الكتائب في منطقة الزيتونة والتي كانت تعرف بـ«النقطة الرابعة» رداً على مجزرة «السبت الأسود». يرد جورج بطل على ما جاء في كتاب محسن دلول حول زيارة كمال جنبلاط الشهيرة الى دمشق. فيقول ان جنبلاط لم يدفع من قبل قادة الحركة الوطنية للذهاب الى دمشق بل هو كان مصراً على الذهاب. لم يستمع إلى نصيحة محسن ابراهيم وجورج حاوي بأن الذهاب في أجواء متوترة لن يحقق الفوائد المرجوة. قال كمال جنبلاط بعد عودته «لو استمعنا الى نصيحة جورج ومحسن كنا وفرنا معركة مجانية مع السوريين في الجبل». توقعت قيادة الحزب الشيوعي اجتياحاً اسرائيلياً للبنان قبيل حدوثه عام 1982، وأن يصل إلى بيروت، وقامت لهذه الغاية بتحضير كوادر المقاومة. تداعت قيادتا الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية الى اجتماع مع بدء الاجتياح، نشب جدال عنيف بين جورج بطل وياسر عرفات الذي حذر القيادات الفلسطينية من مغبة تقديراتها القائلة إن عمق الهجوم الإسرائيلي لن يتجاوزالاربعين كيلومتراً. يقول جورج بطل إن جورج حاوي لم يكن متجانساً بشكل كامل مع فريق الرابع عشر من آذار وإن اتصالاته بالمسؤولين في سوريا لم تنقطع وهو سعى جاهداً قبيل استشهاده إلى بلورة مبادرة هي عبارة عن مشروع قرار يصدر عن الجامعة العربية يكون بديلاً للقرار 1559 يطلب من القوات السورية إنهاء مهامها في لبنان بعد تقديم الشكر لها على ما بذلته من جهد ودماء في سبيل الدفاع عن لبنان وعروبته وترسيخ الاستقرار فيه. ستظل الليلة الأخيرة في حياة جورج حاوي تحتل الحيز الأبرز في ذاكرة جورج بطل. في تلك الليلة جلس حاوي على كرسيه المفضل في منزل جورج بطل مناقشاً معه فكرة مشروع سياسي استراتيجي يهدف لإحداث تغيير جذري للنظام الطائفي في لبنان. لم يكن حاوي يشعر وقتذاك أنه مستهدف. كانت عبارته الأخيرة لجورج بطل وهو يودعه على باب منزله «لا تتجول غداً يا جورج... أشعر أن أمراً كبيراً سيحدث»... في اليوم التالي سقط «أبو أنيس» شهيداً.

مخابرات الجيش توقف موظفاً ثانياً ... ومصدر أمني يعتبره «أخطر من شربل»

في الوقت الذي قامت فيه قيامة الدولة ولم تقعد بعد، ردا على فعل مستنكر في مطار بيروت الدولي، ولو أن «بطله» شخص فاقد الأهلية، فان هذه الدولة نفسها، لم تكلّف نفسها عناء اجتماع عمل حكومي واحد يخصص فقط لمعرفة حدود الخرق الاسرائيلي لمرفق حيوي، اقتصاديا وأمنيا وخدماتيا، كشبكة الاتصالات الخلوية، لا بل انبرى فريق محلي للتشكيك في ما يقوم به الجيش اللبناني، تماما كما حصل بعد توقيف أحد رموز العمالة لإسرائيل في البقاع قبل نحو سنة. وفي الوقت الذي لم تجد الدولة نفسها ما يستدعي أن تحيل المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة قبل سنوات الى المجلس النيابي، مع ما تضمنته من منح اعفاءات جمركية ومنح حصانات لموظفين مدنيين أجانب، فضلا عن اعتماد المفاهيم الأميركية للارهاب، فان الدولة نفسها، استفاقت متأخرة، لتطعن بمشروعية وشرعية كل مضمون المعاهدة الأولى من خلال احالة الاتفاقية الأمنية بين لبنان وفرنسا، الى مجلس النواب! وفي الوقت الذي كان ينتظر أن يكون مجلس النواب الجديد، خلية عمل حقيقية بالمعنى التشريعي والانتاجي، فانه بسلوك بعض الأعضاء فيه، سيحطم رقما قياسيا، في اطلاق المواقف العنصرية، خاصة ازاء الشريحة الفلسطينية التي تسببت الجريمة الاسرائيلية باقتلاعها من أرضها الى لبنان قبل أكثر من ستين سنة، لتجد نفسها، أمام مأساة يومية متجددة. وفيما احيل «جاسوس الالفا» شربل ق. الى القضاء العسكري لاستكمال التحقيق معه، بدأ فصل آخر من الاختراق الاسرائيلي للهاتف الخلوي في لبنان مع تمكن مخابرات الجيش اللبناني من القاء القبض على موظف كبير في الشركة نفسها مشتبه بتعامله مع العدو الاسرائيلي. وحسب مصادر امنية واسعة الاطلاع فان المشتبه به يدعى (طارق ر.)، في العقد الرابع من العمر من سكان عرمون حاليا وقبلها في الطريق الجديدة، متأهل من دون اولاد، وهو مهندس اتصالات يعمل في الشركة منذ العام 1996، ووظيفته تحديد المحطات ونمط عمل الارسال، ويعد من المتميزين في هذا الاختصاص. ولم تؤكد المصادر الامنية او تنفي ان يكون المشتبه فيه قد تمّ اكتشافه بالاستناد الى الاعترافات التي ادلى بها «جاسوس الالفا»، الا انها اكتفت بالاشارة الى ان القاء القبض عليه تمّ ظهر يوم الاثنين الماضي، وقد بوشر التحقيق معه في اطار من السرية البالغة. وفي موازاة، احالة «جاسوس الالفا» على قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا، اكدت مصادر مطلعة لـ«السفير» ان محضر استجوابه لدى مخابرات الجيش اللبناني تضمن اعترافات يروي فيها مسيرة تعامله مع العدو وصولا الى الخدمات التي قدمها للعدو الاسرائيلي وذلك حتى ما قبل ساعات قليلة من القاء القبض عليه... وأبرزها قدرته على ادخال الاسرائيليين على كل أقسام «الفا» بعدما تبين أنه يملك «مفتاح الدخول»(password) لكل العاملين في الشركة بما في ذلك الأعلى رتبة وظيفية منه. واكتفت المصادر بالقول ان «اخطر الخدمات وفـّرها شربل للعدو»، بحيث اعترف بأنه اعطى «مفتاح الدخول» للاسرائيليين وسهـّل لهم «دخولا مزدوجا» الى الشبكة الخلوية، بحيث يتيح الدخول الاول، للاسرائيليين من ناحية التحكم بالخطوط والمخابرات سواء بالتنصت الكامل وبحرية مطلقة على المكالمات الخلوية او تعقب المشترك وتحديد اماكن المشتركين، وقد نصب العدو مجموعة من الصحون اللاقطة وأعمدة الارسال والالتقاط على الجانب الآخر من السياج الحدودي وبالقرب من المستوطنات الاسرائيلية قرب الحدود مع لبنان لهذه الغاية. أما الدخول الثاني فهو الاخطر، تضيف المصادر، اذ ان قدرة الاسرائيلي الى دخول الشبكة عبر التسهيلات التي اتاحها شربل، يمكنه من تدمير الشبكة تدميرًا كاملا، عبر إرسال «فيروس» يمحو من خلاله كلّ شيء في الاجهزة، وبالتالي وقف الاتصالات في لبنان خلال دقائق قليلة جدا. وفيما كان وزير الاتصالات شربل نحاس يعقد سلسلة من الاجتماعات المتواصلة مع موظفي الوزارة وشركتي «الفا» و«ام تي سي» لاتخاذ اجراءات تحول دون تكرار ما حصل، فان رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله واكب ذلك أيضا عبر سلسلة مشاورات تحت عنوان «تحديد حجم الاضرار الناجمة عن هذا التجسس والاجراءات الواجب اتخاذها لتأمين السلامة الامنية وتحصين هذا القطاع». وقالت مصادر متابعة لـ«السفير» ان تحرك نحاس وفضل الله بالتنسيق مع قيادة الجيش جاء بعدما أكد اختصاصيون وخبراء في مجال الاتصالات ومن بينهم من يتولى مسؤوليات في قطاع الخلوي حاليا، ان حجم الخرق الذي قام به شربل «كبير جدا ويفترض استنفارا سريعا لاحتوائه». واوجز الاختصاصيون والخبراء الخرق في مجموعة نقاط ابرزها: ـ ان طبيعة عمله تخوله الدخول اينما اراد في الشركة، حيث لا توجد ضوابط او عوائق امامه. ـ انه يستطيع ان يقدم معلومات عن كل مشترك في الهاتف، ويستطيع ان يدخل الى الـ«سيرفير» المركزي، على اساس ان كل الشفيرة بين يديه، من موقعه في الصيانة. ـ يستطيع ان يحدد مكان أي متصل او مشترك ضمن شركة الفا وفي أي نقطة في لبنان. ـ يمتلك كلمات المرور العائدة لحواسيب الشركة ويستطيع الدخول بحرية مطلقة وان يفسح المجال للتحكم بالشركة عن بعد. ـ يستطيع ان يتلاعب بالداتا والقاعدة المعلوماتية. ـ يستطيع ان يكشف الشبكة بالكامل لاية جهة خارجية بحيث يتيح لتلك الجهة حرية ان ترى كل شيء وان تتصرّف بكل شيء وان تتنصت وتتعقب بكل حرية. ـ يمتلك القدرة على برمجة خط اضافي على أية بطاقة «سيم كارت»، أي ان يضع خطا ثانيا عليها. والمعروف انه لكل بطاقة «سيم كارت» رقم سري، وبمجرّد ان يفتح هذا الرقم السري يستطيع ان يدخل الى بنك المعلومات الخاص بصاحب البطاقة ووصول هذه الخدمة للاسرائيلي تضع كل شيء امام عينيه. وعلم أنه قد عقدت سلسلة اجتماعات لهذه الغاية بين النائب حسن فضل الله ووزير الاتصالات شربل نحاس اعقبه اجتماع بين رئيس لجنة الاتصالات وممثلي الشركات، ومن ثم مع الهيئة الناظمة للاتصالات، التي وضعت برنامج «عمل سريع» لمعالجة ما يمكن معالجته وتفادي حصول امر مماثل في المستقبل، واتخاذ اجراءات تحصينية لهذا القطاع من الداخل والخارج. وسلمت نسخا منه الى كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الاتصالات والنائب فضل الله وقيادة الجيش اللبناني. وعلم ان الهيئة اقترحت في برنامجها ان تبادر شركات الاتصالات واوجيرو، وشركتي الخلوي وشبكات الانترنيت والمصارف، الى اعتماد سياسة امان كاملة وشاملة تهدف الى ضمان عدم انتهاك الشبكة او التسلل اليها من قبل أي كان، وهذا يوجب على تلك المؤسسات والشركات ان تجري سريعا عملية تدقيق شاملة للتأكد مما اذا كانت تعرّضت لعمليات تسلل او اختراق في الماضي. وترتكز سياسة الامان التي تدعو اليها الهيئة الناظمة الى ان تنشىء كل شركة او مؤسسة وحدة امان، وضبط سياسة والدخول الى الشبكة، وحماية كلمات الدخول والمعلومات الشخصية، وضبط الدخول المادي الى المواقع، واعتماد قيود صارمة حيال سياسة التعامل مع الاطراف الخارجيين من مصنعين او متعاقدين... واجراء مراقبة حثيثة ودورية لعمل الشركات المشغلة، وتحديد وسيلة واضحة للتأكد من ضبط وصوابية وحسن اختيار الشركة المشغلة والموردة لأي من عناصر واقسام الشبكات، والمقصود هنا التدقيق في الموظفين وجنسياتهم وخلفياتهم والى من يتبعون واين يصبون في نهاية الامر، كما التدقيق في الشركات الاجنبية وضمان الا تكون مخترقة من جهات معادية للبنان. نصرالله ـ عون: مواجهة كل الاحتمالات سياسيا، تقدم اللقاء الذي جمع الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون، على سائر العناوين السياسية الداخلية. وافاد بيان مشترك ان البحث تناول الوضع الحكومي ومختلف القضايا والمستجدات السياسية على مستوى لبنان والمنطقة. وتضمن البيان اشارة لافتة للانتباه الى ان موضوع المحكمة الدولية كان محل نقاش بين نصرالله وعون ولاسيما من زاوية ما يحضّر للبنان على هذا الصعيد. وأكد الجانبان على استمرار التفاهم والتنسيق الكاملين لمواجهة كل الاحتمالات بما يخدم المصالح الوطنية. من جهة ثانية، انعقد مجلس الوزراء في السرايا الكبيرة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أعرب عن استيائه من النقاشات النيابية التي أحاطت الاتفاقية الأمنية الفرنسية اللبنانية، مستغربا كيف ان مجلس الوزراء اقر تلك الاتفاقية بينما تشن حملة من جهة ثانية عليها في مجلس النواب، وشدد على حماية التعاون الوزاري لتمكين الحكومة من مواجهة التحديات، مشيرا إلى أن تعريف الإرهاب مشترك لدى كافة الاطراف السياسية والتعريف الوحيد ورد في الاتفاقية العربية ومتوافق عليه. ورد بعض وزراء المعارضة على رئيس الحكومة بالتذكير بالتحفظ الذي ابدوه في مجلس الوزراء خلال درس تلك الاتفاقية. ولم يبت مجلس الوزراء في البند المتعلق بـ«حزب التحرير» على اساس انه لم يرد في جدول الأعمال، واما بالنسبة الى ما حصل في المطار، فقد كلف مجلس الوزراء لجنة مشتركة خاصة لإجراء دراسة شاملة حول كافة الأمور. وفيما دعا الحريري الى اتخاذ الاجراءات الضرورية لتحسين سير العمل فيه، عرض وزير الداخلية زياد بارود قضية رئيس جهاز امن المطار العميد وفيق شقير، مؤكدا ان المسؤولية في المطار متشعبة وموزعة، وجهاز امن المطار ليس مسؤولا عن كل شيء، وهناك ثغرات، مشيرا الى ان شقير هو من اكفأ الضباط الذين عمل معهم.
إســرائيل «انعــكاس» أميــركا «الاســتعماريـة» جنان جمعاوي لا يساير المفكر الأميركي نعوم تشومسكي أحداً، عندما يقول إنه ليس هناك من طريقة واحدة لتحقيق هدف ما. هو لا يكنّ للشعارات عداء، ولكنها لا تنفع، سوى «لتجعلنا نشعر بالرضى». فلنتخل عنها إذاً، لصالح «آليات توصلنا إلى الهدف». هنا، قد يجدر التعلّم من.. التجربة الإسرائيلية ذاتها في إنجاز ما أرادت. إحدى الخطوات التي اقترحها تشومسكي، خلال «المحاضرة السنوية الأولى» التي ألقاها أمس الأول في الأونيسكو، في ذكرى رحيل «الرفيق» جوزيف سماحة، من أجل حمل الولايات المتحدة على «الانضمام إلى الإجماع الدولي»، والعمل «فعلاً» على التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تكمن في «استغلال نقاط الضعف في النظام الأميركي». تشومسكي لا يمنحك سمكة، وإنما يعلّمك كيف تصطاد. فيشرح أن «الولايات المتحدة هُزمت في الحرب على العراق»، لأن تلك الحرب «جوبهت بمعارضة عارمة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، منذ بداية الحرب». هنا، «الرأي العام الناشط» نقطة في النظام الأميركي يمكن استغلالها. خلال المحاضرة، استعرض تشومسكي «مسألتين في السياسة الأميركية» تمسّان الشرق الأوسط، أولاهما الملف الإيراني، «وهنا يجدر السؤال عن الخطر الذي تمثله طهران»، وثانيتهما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، «وهنا يجدر السؤال عن سبب عدم حلّه حتى اليوم». أجوبة تشومسكي معروفة: الخطر الإيراني بالنسبة لواشنطن يكمن في أن «طهران لا تطيع أوامر عراب المافيا»، ويقصد الولايات المتحدة. سخر من فكرة وردت في تقرير أميركي شبه حكومي، جاء فيها أن «إيران متورطة في زعزعة استقرار جيرانها وبأنها تبسط نفوذها بينها». غريب، «فالولايات المتحدة متورطة في ذلك أيضاً، ولكن يبدو أن تورطها العسكري» واحتلالها للعراق وأفغانستان، «يأتي في سياق إرساء الاستقرار»، قال تشومسكي متهكماً، ليخلص إلى أن «الاستقرار، بالمفهوم الأميركي، هو إذاً بسط السيطرة». أما في ما يتعلّق بفلسطين، استعرض تشومسكي الادّعاء الأميركي بـ«أداء دور الوسيط الصادق». وقال إن العالم لم يتوصل إلى حل حتى الآن «لأن الإسرائيليين والأميركيين لطالما كانوا يواصلون ما يقومون به.. وهو أن تأخذ إسرائيل كل شيء: الموارد والأراضي المهمة والقدس وغور الأردن... وتترك للفلسطينيين ودياناً تالفة وإذا أرادوا تسميتها دولة فليكن، وبإمكانهم تسميتها: دجاج مقلي»، التعبير لسياسيين إسرائيليين. ثم استعرض تشومسكي تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأبرز محطاته، ليخلص إلى أن إسرائيل ليست سوى «انعكاس» للولايات المتحدة. كلاهما «استعمرا الأراضي. وكلاهما أبادا الشعوب الأصلية. وكلاهما استخدما الخطاب الديني لتبرير غزواتهما». ورأى أن القاسم الوحيد المشترك بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل هو «أن إسرائيل تراهن على أن واشنطن معها وهي لهذا لن تُهزم»، تماماً مثلما كان «وزير خارجية جنوب أفريقيا عام 1967، الذي قال للسفير الأميركي: إننا نفهم أننا معزولون عن دول العالم. كما نفهم أنه لا يوجد إلا صوت واحد في الأمم المتحدة هو صوت اميركا». ثم تحدث تشومسكي عن أن اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط بدأ في عشرينيات القرن الماضي، بعدما تبين «للأمبراطورية الطفل»، كما كان يسميها مؤسس الولايات المتحدة جورج واشنطن، أن «النفط سيكون السلعة الأهم خلال القرن»، فمن يسيطر عليه يسيطر على العالم. وهكذا، منذ الخمسينيات، باتت الولايات المتحدة تملك نصف ثروة العالم. وبحلول السبعينيات انخفضت النسبة إلى 25 في المئة، نتيجة استعادة الدول الصناعية الأخرى بعض أمجادها، وصعود ما أسماه تشومسكي «العالم الثلاثي القوى: الولايات المتحدة، أوروبا وآسيا». وضع العالم اليوم بات أكثر تعقيداً، مع صعود قوى أكثر، «اميركا الجنوبية مثالاً، والتي باتت أكثر ميلاً للاستقلالية ولممارسة سيادتها بعيداً» عن الجار الشمالي. بعد هذا الاستعراض، بدا أن همّ الحاضرين، محصور بالقضية الفلسطينية، وكيفية هزيمة الإمبريالية، وكيفية حمل واشنطن على حل الصراع. لهؤلاء أجاب تشومسكي أن «الوسيلة الأفضل لمحاربة الإمبريالية، تعتمد على ما تريد إنجازه». فإذا أردت أن تكتفي «بالشعور بالرضى» عن نفسك، عليك بالشعارات وإقامة الندوات. أما إذا أردت «تحقيق نتائج تساعد الناس، عليك أن تنتبه إلى الوقائع في العالم. أين هي نقاط الضعف في النظام. ثم تفكر بما يتعين القيام به لاستغلالها وتحقيق المكاسب على الأرض». دربان مختلفان تماماً. وهما ميّزا، خلال القرن الماضي، «الحركة الصهيونية والحركات الفلسطينية والعربية». لا يقول تشومسكي إن العرب اختاروا ما أسماه في موقع آخر «الكلام الفارغ». واكتفى بالحديث عن «الحركة الصهيونية التي اتخذت الطريق الثاني. وقالت: فلنؤجل النقاشات والحديث عن المبادئ، ولنبني الوقائع من أجل المستقبل»، لدرجة أنه «حتى الحركة الصهيونية لم تقبل بمفهوم الدولة اليهودية حتى عام 1942، خلال اجتماع في نيويورك». بالطبع كان الإسرائيليون «يفكرون بالأمر، ولكنهم توقفوا عندما لم يحققوا شيئاً، وركزوا على بناء الهياكل التي تؤدي في النهاية إلى إقامة الدولة اليهودية وهم لا يزالون يقومون بذلك... بناء (المستعمرات) ومواصلة أخذ ما يريدونه». وهذه طريقة «ناجحة جداً». في المقابل، فإن الطريق الآخر يدعو إلى «مأسسة المبادئ التي نريد تحقيقها». والمبادئ هي إقامة دولة ديموقراطية واحدة حيث الجميع يتمتع بالحرية.. وربما الحديث إلى العودة إلى عام 1948». هي شعارات وصفها تشومسكي بـ«الجميلة ولكنها في الواقع لن تحقق شيئاً. والدليل يكمن في التاريخ». وعليه، إن «كنتَ جدياً، عليك أن تسلك طريقاً توصلك إلى تحقيق هذه الشعارات. علينا أن نميّز بين الاقتراحات وبين الترويج، إذا بدأت تسأل نفسك كيف نصل إلى الهدف، عندها تكون قد تخليت عن الكلام الفارغ». في ما يتعلّق بفلسطين، تشومسكي «لم يسمع سوى بآلية ترويج واحدة لحل الصراع، وهي تلك التي تبدأ بتسوية بناء على حل الدولتين. وهو حل قد لا يكون جميلاً ولكنه ممكن. قد يؤدي إلى عدائية وعنف، وقد يؤدي إلى مزيد من التبادل التجاري والثقافي، وقد يمضي قدماً نحو شكل من الاندماج وقد ينتهي بنوع من الفدرالية». والمسألة ذاتها تنطبق على «حق العودة» فـ«آلية الترويج الوحيدة التي سمعتُ عنها هي محادثات طابا» في 2001. هنا، كان لتشومسكي انتقاد للبنان «الذي قد يعد الأسوأ في ما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين». قال إن «الفلسطينيين في لبنان يعيشون في قفص. زرت المخيمات، ورأيت الأطفال مأسورين في قفص، بالكاد يرون نور الشمس، وسيبقون كذلك وأحفادهم سيبقون كذلك. لا يمكنهم الاندماج مع المجتمع، لا يرون ضرورة لتلقي التعليم بما أنهم لن يستفيدوا من هذا العلم (الوظائف). هذه مسألة يمكن مناقشتها والقيام بشيء حيالها. ولا علاقة لها بحق العودة، وإنما بأن نكون إنسانيين». أما في ما يتعلق بحملات المقاطعة «البناءة»، اقترح تشومسكي «مقاطعة جامعة هارفرد» إذا اخترنا المقاطعة الأكاديمية فـ«حتماً، جامعة هارفرد متورطة في أمور وحشية أكثر بكثير من جامعة تل أبيب»، أو حتى «مقاطعة الشركات الأميركية العاملة في الأراضي المحتلة، قد يكون اقتراحاً جيداً جداً. حتى أن هذه المقاطعة تتوافق مع القانون الأميركي؛ أو حتى الدعوة لحظر الأسلحة إلى إسرائيل، ذلك سيكون تأثيره أسوأ (على إسرائيل) من حملات المقاطعة». وختم تشومسكي بالدعوة إلى «العودة إلى التاريخ، لنرى الطريق الذي سلكته إسرائيل للوصول إلى ما وصلت إليه، ولنر الأطراف التي سلكت طريق المبادئ وماذا حققت. ونسأل أنفسنا: لماذا؟».
جنان جمعاوي «السفير» - السبت ٢٢ أيار ٢٠١٠ إذا ضرب الإسرائيليون لبنان.. على إيران أن تستعد، لأنها ستكون الهدف الثاني. هكذا يختصر المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، الذي قام أمس بجولة في الجنوب، في الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي، أحاديث الحرب المحتملة في المنطقة. لا يقول تشومسكي إن الحرب ستقع. ولكنه لا يقول إنها لن تقع. فكل شيء منوط بأن «يحكّم الإسرائيليون عقلهم، وعندها فقط لن يفعلوا». كان تشومسكي قد استبق حديثه إلى «السفير» بوصف الدولة العبرية بأنها «غير عقلانية وهستيرية وتعاني جنون الارتياب». (تفاصيل صفحة 8) وجال تشومسكي، وابنته آفي، وصديقه الأستاذ الجامعي عساف كفوري وعقيلته أيرين، والمسؤول في «نادي اللقاء» الذي يستضيف المفكر الأميركي، الطبيب غسان عيسى، في عدد من المناطق الجنوبية، أبرزها مدينة صور، حيث التقى مسؤول المنطقة في حزب الله الشيخ نبيل قاووق. بعدها توجه تشومسكي إلى بلدة بنت جبيل، ومارون الراس، فوقفة عند بوابة فاطمة، قبل أن يتوجه إلى معتقل الخيام، فبلدة مليتا، حيث حضر حفلاً افتتح فيه حزب الله «المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة»، وذلك لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي من غالبية الاراضي اللبنانية. خلال الجولة، تحدثت «السفير» مع تشومسكي، حول الأوضاع في المنطقة. لم يستبعد اندلاع حرب في المنطقة. ولكنه لم يجزم. وقال إنه «إذا ضربوا إيران، فإن حزب الله سيرد بضرب إسرائيل»، أما «إذا ضربوا لبنان أولاً، فهذه إشارة لإيران. وعليهم (الإيرانيون) أن يكونوا مستعدين». وعن الانفتاح الأميركي على سوريا، قال تشومسكي إن الولايات المتحدة «تريد أن تتحكم في الوضع (هناك على أمل) إبعادها عن طهران»، وهذا ما لن يحدث. ثم وصف تركيا وكذلك البرازيل بأنهما «قوتان ناميتان استقلتا» على الساحة الدولية، مشدداً على أن أنقرة «تتغير وتنفتح على الشرق، وهذا طبيعي»، مشيراً إلى أن «واشنطن لا تحب ذلك». وانتقد تشومسكي السعوديين والمصريين، وخاصة في ما يتعلّق «بما لا يقومون به من أجل الفلسطينيين»، واصفاً حل الدولتين، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بأنه «فظيع، ولكنه الوحيد القائم»، باعتبار أن حل الدولة الواحدة (بقوميتين) يعني «إرغام الفلسطينيين عن التخلي عن الأمل وأن يُتركوا أمام خيارين: إما الفرار أو الموت». كما وصف الوساطة الأميركية لحل هذا الصراع بأنها «مزحة»، فالرئيس الأميركي باراك أوباما لا يكترث حقيقة، جل ما يهمه هو «ألا يُهان. وهو يريد من إسرائيل أن تأخذ ما تريده (التوسع الاستعماري)، ولكن عبر الخضوع لما تفرضه الولايات المتحدة» عليها. الدولة العبرية «غير عقلانية وهستيرية وتعاني جنون الارتياب» تشومسكي يجول في الجنوب «متعلّماً»: إذا فكرت إسرائيل ملياً... فلن تشن حرباً على لبنان اضغط  على الصورة لمشاهدتها بالحجم الطبيعي تشومسكي في معتقل الخيام (بلال قبلان)   «إنني أتعلّم» قال. وبالفعل، لم يتوقف المفكر الأميركي نعوم تشومسكي عن السؤال طوال الرحلة إلى الأراضي المحررة في الجنوب اللبناني. «ما اسم هذه القرية وما اسم تلك؟». تساءل مراراً عما إذا كانت نقاط التفتيش التي مررنا عبرها «لبنانية»، وليست تابعة لليونيفيل. «لمن تعود تلك الصور المشكوكة على طول الطريق الجنوبية؟» كما كان حريصاً على السؤال عن قانا، «حيث وقعت المجزرة». لم يكلّ من التعلّم... ذلك الرجل الموسوعة، المتخفف من سنواته الثمانين ونيف، بروح نكتة حاضرة، وعينين مفتوحتين على الحياة، وآذان تصغي بتمعن لسؤال السائل، وذهن جاهز ليفضي بما يُسرّ... من تحليلات. أربع سنوات على زيارته الأخيرة إلى لبنان، عاد تشومسكي إلى الجنوب. «أريد أن أعود إلى الخيام». ثم يسأل «هل تهدّم المعتقل بالكامل؟». لا ينتظر جواباً: «أعتقد أن عليهم أن يعيدوا بناءه... لأنه أثر مهم». يستذكر انه عندما قدم إلى الجنوب في أيار 2006، أي قبل نحو شهرين من العدوان الإسرائيلي «كان هناك أمل... كان هناك حماسة. لم أشعر بأن هناك أجواء حرب». فهل يشعر بذلك الآن؟ هو لا يبدي تفاؤلا ويحجم عن التشاؤم. الرحلة ـ العودة الانطلاقة كانت عند الساعة السابعة صباحاً من شارع الحمرا. جاء «متسلحاً بجينز شبابي وحذاء رياضي... عدّة الرحلة». ثم ينتبه بأن «قبعته مفقودة... لا بأس». ليس رجلاً متطلباً. وذلك سيظهر في كل محطات الرحلة الطويلة. على الدرب إلى الجنوب، كان لـ«السفير» دردشة مع تشومسكي، عن السياسة الخارجية الأميركية، والملف الإيراني، واحتمالات الحرب. يكتفي أن تلمّح إلى قلق من عدوان إسرائيلي، حتى يأخذ تشومسكي دفة الحديث ليصف إسرائيل بأنها «غير عقلانية، وهستيرية، وتعاني من جنون الارتياب». له لوصفه هذا العديد من الأسباب، أبرزها «الطريقة الولادية والمتعجرفة التي تعامل فيها الإسرائيليون مع السفير التركي (أحمد تشليكول)، ومع نائب الرئيس الأميركي (جو بادين)». وعليه، فإنه «من الصعب توقع ما إذا كانوا سيقومون بهذا (شن حرب)». يقول تشومسكي إنه «إذا استخدم الإسرائيليون عقلهم، وأطرقوا في الأمر، فإنهم لن يشنوا أي حرب»، آخذاً عليهم عدم تعلّمهم من دروس الماضي. «فقبل أن يغيروا على مفاعل تموز العراقي (حزيران 1980)، لم يكن هناك برنامج نووي عراقي». احتمالات الحرب إذاً، هو يتحدث عن احتمالات ضرب إيران، الذي سيأتي بنتائج عكسية، «لأنه، عندها فقط، سيزيد تصميم طهران على تخصيب اليورانيوم». ليس واضحاً كيف يتذكر تشومسكي في هذه اللحظة من حديثه، مصر، التي «سمحت لإسرائيل إرسال غواصات بإمكانها أن تحمل صواريخ نووية، لا يمكن رصدها (عبر الرادارات) عبر السويس»، كل ذلك «تهديد لإيران». أما عن احتمالات الحرب على لبنان، فتشومسكي «لا يراها سوى في إطار هجوم شامل على إيران»، وعندها «سيكون هناك غارات فقط، ولكن لا توغل». بالعودة إلى إيران، تُرى من أين يأتي خوف الإسرائيليين وحتى الأميركيين من طهران؟ «حتماً من النفوذ الإيراني المتنامي، ولأن إيران تشكل عقبة أمام الممارسات الأميركية» في الشرق الأوسط، يجيب تشومسكي، ففي النهاية «فإن الرابح الأكبر من الحروب الأميركية في المنطقة، سواء في أفغانستان والعراق، هم الإيرانيون»، فـ«أميركا خلّصتهم من أعدائهم»، في كلا البلدين، «لقد رأينا كيف تقاطر العراقيون إلى طهران، بعد الانتخابات. أما في أفغانستان، عليكم فقط أن تشاهدوا الازدهار في هرات»، المحاذية للجمهورية الإسلامية. يستغرب هذا الخوف من إيران، «فلا أحد يمكنه أن يتوقع منها أي عمل عدائي»، والمثل الوحيد لمثل هذا العمل يعود لسبعينيات القرن الماضي، «عندما غزا الشاه، وهو رجل الغرب، الجزر الثلاث» طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى. فلسطين وعن رأيه بالسلطة الفلسطينية. يطرق مفكراً لينتقي كلماته. يتم تذكيره بأنه وصفها في أحد مقالاته بـ«المتعاونة» مع إسرائيل. «نعم هي كذلك»... إذاً كيف كان بإمكانه لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، لو كانت إسرائيل قد سمحت له بالعبور إلى الضفة الغربية قبل أيام؟ يبدو أن تشومسكي لا يحاسب على الماضي. ففياض «يمارس اليوم ضغوطاً على إسرائيل، بشأن المستعمرات. وهو يروج لحملة مقاطعة بضائع المستعمرات. وهو يحاول تقييد عمل الفلسطينيين في المستعمرات. وهو أعلن مؤخراً أنه سيشيد مشاريع تجارية في المنطقة جيم (في الضفة ولكن الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، وأنه سيعاود تشييدها كلما دمرها الإسرائيليون (بحسب تهديداتهم). فضلاً على أنه بات واعياً لما باتت عليه الحركة الصهيونية». لدى تشومسكي عتب «متكرر» على الفلسطينيين «الذين يصرّون على العمل وفق المبادئ. وأنهم يكثرون الحديث ويفتقرون إلى آليات التنفيذ». يروي كيف أنهم فوتوا على أنفسهم «فرصة بناء مجموعة ضغط داخل الولايات المتحدة»، كان يتحدث عن منظمة التحرير الفلسطينية أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات. لو قدّر لها أن تكون، هل كان بإمكان العرب أن يدعموا مجموعة الضغط الفلسطينية؟ جواب تشومسكي كان سلبياً، فـ«السعوديون لا يهتمون بمساعدة الفلسطينيين، همهم هو تكديس المال». أما مصر فوصفها بأنها «أسوأ من إسرائيل»، راوياً كيف توصلت قطر قبل أيام إلى اتفاق مع إسرائيل، تعيد بموجبه علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، لقاء السماح بتمرير مواد للبناء إلى قطاع غزة. لكن القاهرة رفضت. لماذا؟ «لأن القاهرة تخشى من حماس. وتأثيرها في تعزيز نفوذ الأخوان المسلمين». وما الجدار الذي تبنية على حدود القطاع سوى «محاولة للسيطرة على حماس»، التي وصفها بأنها «غير فاسدة» وإن كان لديه في جعبته انتقادات يوجهها إليها، حول ممارساتها. تُرى لو كان هناك مثل هذه المجموعة، هل كان بإمكانها مواجهة أخطبوط اللوبي الصهيوني؟ «نعم»، يجيب تشومسكي، ليس من منطلق أن مجموعة الضغط الفلسطينية كانت ستصير أقوى، ولكن من منطلق أن «اللوبي الصهيوني قوي ولكنه ليس الأكثر نفوذاً»، لا بل أنه «عاجز عن مواجهة النفوذ الأميركي». ليوضّح المسألة، يعرض تشومسكي مثالاً: «بإمكان اللوبي الصهيوني الضغط على الكونغرس لإصدار قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس»، ولكنه لن يتمكن قط من حمله على «إعلان القدس عاصمة لإسرائيل». قد يبدو هذا المثال افتراضياً، ولهذا يعرض تشومسكي مثالاً من التاريخ. يقول إن «إسرائيل أرادت أن تبيع أسلحة متطورة إلى الصين»، لكن واشنطن منعتها. ولم يستطع اللوبي الإسرائيلي حيال ذلك شيئاً. وفي 2005، أرادت إسرائيل تطوير مضاد للطيران لمصلحة الصين، لكن واشنطن رفضت علنا. فردت إسرائيل بانها لا تكترث لهذا الرفض. عندها أجبرها بوش الابن «لا على الإذعان فحسب، بل على تقديم اعتذار رسمي على التعنت». وبقي اللوبي «صامتاً». وفي 1933، أرادت إسرائيل أن تبرم اتفاقاً مع كوريا الشمالية، تمنحها بموجبه اعترافاً، فيما تتعهد كوريا بعدم شحن الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط. لكن بيل كلينتون منعها. وبقي اللوبي «صامتاً». ولا يعير تشومسكي للحديث عن توتر في العلاقات بين الدولة العبرية والولايات المتحدة أي اهتمام. فالرئيس الأميركي باراك أوباما «لن يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه جورج بوش الأب»، حيث أصرّ، في 1991، على عدم استعمال أموال قرض منحته الولايات المتحدة للدولة العبرية، في «بناء مستعمرات في الأراضي المحتلة». أما أوباما، فهو «أشبه بجورج بوش الابن»، وكل «أفعاله رمزية»، فهو «لن يفرض عقوبات على إسرائيل» لتعنتها إزاء سياسة التوسع الاستيطاني. ثم يعود إلى العتب على اللبنانيين. «كيف لهم أن يتوهموا إلى هذا الحد. أوباما لم يذكر لبنان، سوى مرة واحدة في (حملته الانتخابية)»، ومن أجل «تكرار تأييده للعدوان الإسرائيلي على لبنان... متبجحاً بأنه عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ»، أيد قراراً مفاده أن «لا شيء يمنع إسرائيل من تحقيق اهدافها»، وانه أيد قرارات لمعاقبة سوريا وإيران لدعمهما حزب الله، وأيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... ضد هجوم حزب الله»! في حضرة حزب الله كانت الرحلة، عند هذا الحد قد بلغت نقطتها الأولى: صور، في لقاء مع مسؤول حزب الله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق. خلال اللقاء، أكد تشومسكي أن «الحروب الإسرائيلية على لبنان وطيلة المرحلة الماضية كانت تحظى بضوء اخضر أميركي، إلا أن حرب تموز وحدها كانت بقرار أميركي كامل»، متحدثاً عن «تنامي نفوذ الصهيونية المسيحية، إلى جانب اللوبي الصهيوني على القرار الأميركي وهو ما يشكل مصدر قلق ويترك تداعيات سلبية داخل واشنطن وخارجها». من جهته، قال قاووق إن «تدفق السلاح الاستراتيجي الأميركي على إسرائيل هو منبع الخطر وان التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ترفع من درجة السخونة في لبنان والمنطقة»، مشيراً إلى أن «الدور الأمــــيركي في لبنان يتجسد في التبني المطلق للأهداف الإســــرائيلية ويشكل عائقا أمام استقرار لبنان ووحدة شعبه». وعن توقيت المناورات الإسرائيلية غداً، بالتزامن مع الانتخابات البلدية في الجنوب، «ليس صدفة ويحمل في طياته نوايا عدوانية إسرائيلية»، مشدداً على «أننا سنشارك بفاعلية في الانتخابات، من دون أن ننشغل عن أولوية الاستعداد أو الدفاع عن أرضنا وشعبنا». وأكد أن «المقاومين سيبقون على الثغور وأيديهم على الزناد بينما سيتوجه شعب المقاومة إلى صناديق الاقتراع». ثم استعاد قاووق «كلام قيادي عسكري في إسرائيل»، حذّر من أنه في الحرب المقبلة المحتملة مـــع إسرائيل، «لن يكون هناك أي مكان نهرب (الإسرائيليون) إليه في فلسطين المحتلة». في استذكار كارول شملت جولة تشومسكي أيضاً بلدات بنت جبيل ومارون الراس، ثم وقفة عند بوابة فاطمة، فزيارة إلى معتقل الخيام، حيث استمع خلالها إلى شروح عن سير المعارك التي خاضها حزب الله في عدوان تموز 2006. في الخيام، بدا على تشومسكي التأثر. هو كان قد سأل عن هذا الموقع بالذات في بداية الرحلة. «هنا، ثمة تاريخ للبنان. جزء مهم من تاريخ لبنان». وبعدها توجه إلى بلدة مليتا، لحضور حفل افتتح فيه حزب الله «المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة»، وذلك لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. هناك، استمع إلى كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. حتماً ثمة من ترجم له ما قيل. في المنتزه الذي بنته إيران في مارون الراس، كان لتشومسكي وقفة مطوّلة. بين وفد مرافق يتربص به طوال الوقت، علّه يسرق منه كلمة أو موقفاً أو فكراً، أفرغ تشومسكي بقعة له، من ناسها. وأطال النظر، نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. «ماذا يشعر؟». يبدو أنه كان يستحضر زوجته كارول. قال: «قبل 25 عاماً، قمنا أنا وكارول بجولة على الحدود. على الضفة الثانية من الحدود. عبرناها باتجاه لبنان». كانت لحظة خاصة... خلال رحلة مثقلة بالفكر والسياسة والتحليل!
يُنتظر ان يشكل هذا الاسبوع مساحة اختبار للنتائج الفعلية التي انتهت اليها زيارة الملك السعودي والرئيس السوري الى بيروت السبت الماضي. ولعل الكلمة المهمة التي سيلقيها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله غدا، لمناسبة ذكرى الانتصار، ستكون مؤشرا الى حصيلة القمة الثلاثية، في انتظار المؤتمر الصحافي المرتقب قبل بداية شهر رمضان، علما بأن المعلومات المتوافرة تفيد بان السيد نصر الله لم يُدخل أي تعديل لا على روزنامة إطلالاته ولا على مضامينها. وعشية كلمة نصر الله، وفي خضم النقاش الحاصل حول دور الاختراق الاسرائيلي لشبكة الاتصالات في التأثير على مسار التحقيق الدولي والقرار الظني، برز تطور جديد في هذا الملف تمثل في توقيف استخبارات الجيش الخميس الماضي الموظف في شركة «أوجيرو» ميلاد ع. البالغ من العمر 66 عاما بعد رصد حركة اتصالات بينه وبين اسرائيل، تبين انها تتم منذ سنوات، وقد اعترف بذلك. وأفادت المعلومات ان الموقوف، وهو من بلدة المطلة - الشوف، يعمل في سنترال النهر، ويتبع للمديرية الفنية - قسم الاتصالات الدولية، وهو مسؤول عن كل الاتصالات الدولية التي تخرج من لبنان. وسبق له ان انهى خدماته بالتقاعد قبيل عام تقريبا، إلا أن ادارة «أوجيرو» جددت له سنة اضافية. وهكذا يكون قد تأكد ان شبكة الهاتف الثابت مخترقة ايضا، كما الخلوي، من قبل الموساد، لتكتمل بذلك حلقة انكشاف قطاع الاتصالات بمجمله امام الاسرائيليين، فيما توقعت مصادر مطلعة ان تفتح عملية توقيف ميلاد ع. الباب امام عملية تنظيف واسعة في القطاع. القمة الثلاثية.. تابع وإذا كانت النتائج السياسية الاستراتيجية للقمة الثلاثية ما زالت غامضة وتخضع للتأويل والاجتهاد، إلا انه يبدو انها نجحت في ضبط إيقاع السجال الداخلي بعض الشيء، وهذا ما انعكس ميلا لدى قيادات تيار المستقبل الى التخفيف من حدة الكلام الحاد حول ملف المحكمة والقرار الظني، بالتزامن مع بدء الاجازة الطويلة للرئيس سعد الحريري في سردينيا والتي ستستمر عشرة ايام. ووسط عدم وضوح الرؤية، تواصلت القراءات اللبنانية المتباينة لخلاصات القمة الثلاثية، وإن يكن الانطباع الغالب حتى الآن هو انها لم تضع تصورا واضحا ومتكاملا لكيفية حل أزمة القرار الظني، لكنها عكست تحسسا من قبل كل أطرافها بخطورة هذه الازمة ورغبة في تطويقها. وفي سياق متصل، قالت اوساط واسعة الاطلاع شاركت في لقاءات بعبدا لـ«السفير» ان الملك عبد الله أظهر خلال قمة بيروت نية جادة في الحفاظ على الاستقرار اللبناني، لكنه كان حريصا في الوقت ذاته على الإشارة الى ان السعودية لا تستطيع التدخل في عمل المحكمة وتعديل مساره، وبالتالي فإن الايجابيات التي أفرزتها القمة ما زالت رخوة وتفتقر الى خطوات عملية محددة. وأشارت الاوساط الى ان القمة الفعلية هي تلك التي عقدت في دمشق بين الملك عبد الله والرئيس بشار الاسد، في حين تُرك لبيروت «مجد» الصورة، موضحة ان ملف المحكمة والقرار الظني كان حاضرا بقوة في السهرة الطويلة التي جمعت الزعيمين بعيدا عن الاضواء قبل مجيئهما الى بيروت، واستمرت حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. وفكرة الزيارة الثنائية الى بيروت كانت فكرة سعودية بالدرجة الاولى، وقد رحب بها الرئيس الاسد وتجاوب معها للدلالة على استعداده للمساهمة في كل ما من شأنه تثبيت الاستقرار اللبناني، علما بأنه كان بصدد التحضير لزيارة منفردة الى لبنان. وعلم ان الرئيس ميشال سليمان توجه الى الاسد في قصر بعبدا بالقول: هذه الزيارة «مش محسوبة».. نحن بانتظار واحدة أخرى منك. في هذه الاثناء، شارك أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امس في احتفال عيد الجيش والتقى العماد ميشال عون في الرابية وتناول ليلا طعام العشاء الى مائدة رئيس الجمهورية في منزله في عمشيت، علما بأنه كان قد أمضى امس الاول يوما جنوبيا حافلا وطويلا، تخلله افتتاح مشاريع عمرانية تولتها الدوحة بعد حرب تموز. بري: النتائج تظهر تباعاً الى ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«السفير» ان زيارة الملك عبد الله والرئيس بشار الاسد الى بيروت كانت مهمة جدا، لافتا الانتباه الى ان نتائجها قد لا تكون فورية، لكنها ستظهر تباعا. وشدد على ان معادلة «سين - سين» لا تزال هي ضمانة الاستقرار في لبنان، مشيرا الى ان زيارة الملك السعودي والرئيس السوري أعطت دفعا قويا لهذه المعادلة. واعتبر بري ان التفاهم بين الرياض ودمشق قائم بل يمكن القول ان العلاقة السورية - السعودية تمر حاليا في مرحلة جيدة جدا، تشبه المرحلة التي كانت سائدة ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد والقيادة السعودية، لافتا الانتباه الى ان مجيء الرئيس السوري والملك السعودي معا الى بيروت ينطوي على إشارة بارزة الى ان التفاهم بينهما بلغ مستويات متقدمة. المعلم: المحكمة تهدد الاستقرار وفي موقف سوري لافت للانتباه، نبه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى انه إذا كان للمحكمة الدولية ان تستمر كأداة سياسية للقوى الخارجية، فإن هذا يعني ان استقرار لبنان سيكون مهددا، مشددا على ان من يرد استقرار لبنان فعليه ان يحيد المحكمة. وقال المعلم في ندوة في جامعة دمشق: المحكمة الدولية شأن لبناني ولن نتعامل معها، وعندما يثبت، ولن يثبت، ان احد السوريين متورط بالدليل القاطع في جريمة اغتيال الحريري، فسيحاكم بتهمة الخيانة العظمى. وأشار الى ان موقف سوريا كان واضحا منذ البداية وهو ان المحكمة لا تسعى الى كشف الحقيقة، بل تشكلت لأهداف سياسية وللضغط على دمشق. ولفت الانتباه الى انه منذ خمس سنوات وسوريا تعاني من تهمة ظالمة لا مبرر لها نتيجة استخدام هذه المحكمة لشهود زور رتبوا للإدلاء بشهاداتهم، والآن تقول المحكمة انها لن تعاقبهم، معتبرا ان هذه المحكمة التي تسرب معلومات عن التحقيقات الى الاعلام والاسرائيليين لا أعتقد انها تبغي العدل والانصاف وكشف الحقيقة. ورأى ان تسليط المحكمة للاتهام على حزب الله ليس جديدا والمسلسل بدأ منذ مقال صحيفة «دير شبيغل» الالمانية الشهير ويتواصل منذ ذلك الحين للضغط على حزب الله، عبر اتهامه تارة بالحصول على صواريخ سكود وتارة اخرى باتهام عناصر في الحزب بعدم الانضباط. سليمان يدعو للتهدئة الى ذلك، دعا الرئيس ميشال سليمان في كلمة في احتفال عيد الجيش، بحضور أمير قطر، القادة السياسيين الى الالتزام بنهج التهدئة الاعلامية والسياسية والابتعاد عن لغة التحريض وعدم اللجوء الى العنف والاحتكام الى الشرعية اذا ما طرأت اي خلافات بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية وفقا لاتفاق الدوحة «الذي اتفق عليه افرقاء الحوار برعاية أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي عمل ولا يزال لمساعدتنا مع القادة العرب وعلى رأسهم الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد اللذان قاما بزيـــارة مهمة الى لبـــنان اكــدت حرصهما على لبنان والاستقرار فيه».
سليمان تقي الدين أعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل تغطية كاملة لسلاحها النووي، معتبراً أن لديها متطلبات خاصة في الأمن بالنظر إلى موقعها وظروفها وتحدياتها. كما طمأن رئيس وزرائها نتنياهو أن أميركا لن تطلب أبداً ما يشكل مساساً بأمنها. خرج نتنياهو من لقاء الرئيس في البيت الأبيض أكثر اطمئناناً وأكثر توافقاً وأكثر قدرة على الخوض في المفاوضات السياسية موفراً لأميركا مجالاً للمناورة ومتمسكاً بشروطه للتسوية ولفكرة الدولة الفلسطينية الغامضة المنزوعة السلاح. قفز نتنياهو مباشرة إلى ضرورة الحوار المباشر مع الفلسطينيين وهو يتقدم بجرافة توسيع الاستيطان في القدس والضفة معلناً سلفاً أن على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، مع ما يعنيه ذلك من إسقاط الحقوق الوطنية في العودة وفي المواطنة لعرب 1948. بشكل أو بآخر الحل السياسي الذي يتصوّره نتنياهو ينطلق من الأمر الواقع الحالي ومن وجود كتل بشرية فلسطينية يمكن أن تتولى شؤونها المدنية من دون أن تكتسب هوية وطنية في دولة ذات سيادة. من حق نتنياهو أن يتصوّر ذلك طالما هو لا يواجه مشروعاً وطنياً فلسطينياً يحوي مطالب التجمعات المنفصلة في الضفة وأرض 1948 وغزة والشتات في دول الجوار. فلطالما سعى الأميركيون إلى تسويق مشروع رفض العودة والتوطين والضغط على العرب لإنشاء صندوق مالي يؤمن هذا الحل. ومنذ اتفاقية «أوسلو» وتعديل ميثاق منظمة التحرير الذي مهّد للانتخابات، التي أنتجت الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي، جرى إلغاء دور منظمة التحرير واستبدالها بفريق تفاوض من السلطة لا من المنظمة، ولم تلحظ الانتخابات أي شكل من أشكال استفتاء الفلسطينيين الذين يشكّلون أكثر من نصف الشعب خارج حدود السلطة في الضفة والقطاع. من الناحية الواقعية تختلف ظروف ومطالب الكتل الفلسطينية وتختلف وسائل نضالها اليومية. هنا الأهمية الاستثنائية التي كانت تمثلها منظمة التحرير كممثل شرعي لمجموع طموحات الشعب الفلسطيني والتي تشكّلت أصلاً من كل القوى والتيارات والتجمعات. وبقطع النظر عن ديموقراطية تلك التجربة، وعن فعالية مؤسساتها وتماسكها، فهي كانت المعبّر عن هوية الشعب وتفاعلت داخلها مصالحه المتنوعة. لقد كان الإجهاز على هذه المنظمة هو المدخل وهو التجسيد لمسيرة الفصل بين مصالح عموم الشعب والبرنامج السياسي الخاص بالسلطة. ومهما يكن من أمر الحاجة الأميركية الإسرائيلية لتفعيل مبادرة سياسية هدفها تبريد النزاع على هذا المسار، خدمة لتركيز الاهتمام الأميركي على المسارات الأخرى في العراق وأفغانستان والملف النووي الإيراني، إلا أن استجابة سلطة «أوسلو» السريعة لهذا المطلب الأميركي لن ينجح في هذا التحوير للأزمة المتفاقمة الناجمة عن غياب المرجعية لهذه المفاوضات، أي التصور النهائي لها، وإصرار الحكومة الإسرائيلية على التمسك بإنجازاتها الاستيطانية وتوسيعها لإخراج القدس وحدود 1967 وحق العودة من البحث. حتى هذه اللحظة ليس في جعبة نتنياهو إلا «الحل الاقتصادي الاجتماعي» مع شيء من الأمن الداخلي الذي تنوب فيه السلطة عن الاحتلال. هذا الحل لا تملك السلطة القدرة على التعامل معه حتى لو رغبت لأنه لا يطرح سلفاً ما تعلنه عن المدخل للتفاوض تحت شعار «الحدود النهائية والأمن». هكذا يصبح التفاوض أوهى من أن يستهلك الوقت الضائع، وأوهى من أن يحظى بأي دعم من النخب السياسية التي لا تتبنى برنامج «حماس» لكنها لا تستطيع تأييد مفاوضات محكومة سلفاً بعجز المفاوض الفلسطيني على اكتساب إضافات جدية لرصيده. حين تقف الولايات المتحدة الأميركية خلف مطالب إسرائيل في الأمن على النحو الذي تتصوره حكومة نتنياهو يصعب أن يرتفع السقف الإسرائيلي في التنازلات إلى الحدود التي تعطي المفاوض الفلسطيني والنظام الرسمي العربي الداعم له حججاً ومصداقية على الحل في ميزان القوى الراهن. إسرائيل لن تقدم عناصر لبناء الثقة أصلاً بدءاً من إطلاق الأسرى ورفع الحواجز في الضفة والحصار عن غزة. يكاد المشروع الأميركي الإسرائيلي يخمد قبل أن ينطلق في غياب المرجعية المعلنة للحل النهائي والقوى الضامنة لهذا الحل فلسطينياً وعربياً ودولياً. وإذا أضفنا للمشهد هذا تعقيدات الحلول السياسية في العراق ولبنان والملف النووي الإيراني، فالمراوحة الحالية لن تكون إلا تمهيداً لتفجّرات أمنية وعسكرية بهدف تغيير موازين القوى. ما يقرّر هذا الخيار هو قدرة أميركا وإسرائيل على إحداث اختراق جدي للمعادلة الحالية على مستوى المنطقة، لأن القوى المدافعة لا تملك الاستراتيجية الملائمة لأخذ المبادرة رغم صمودها ورغم تحسين وسائلها العسكرية والسياسية وتحالفاتها. ولكي تدرك اتجاه التطورات يجب التركيز على الوضع العراقي الذي فيه تشتبك كل المصالح الإقليمية والدولية ويتقرّر من خلاله مستقبل الدور الأميركي بتسوية سياسية أم بفوضى أوسع تطاول بتأثيرها مجمل النظام الإقليمي.

بعدما ناقش مجلس الوزراء المسودة الثانية المعدّلة لمشروع قانون الانتخابات البلدية والاختيارية التي وضعها الوزير زياد بارود، أرجأ الغوص في ملف هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية الى جلسة اليوم، بعدما كانت قد تضاربت المواقف حول مصير الهيئة، في ضوء تجربة دورها في الانتخابات النيابية الأخيرة، خاصة أن بارود اتخذ موقفاً نسبيا قبل أن يعود لتبنيها. وبينما الأنظار متجهة نحو هذه الهيئة وإمكان تشكيلها، عادت الى الواجهة حملة الاعتراض على مبدأ النسبية، الأمر الذي يفتح الباب أمام طرح أسئلة من نوع هل سينفجر الوضع داخل جلسة اليوم وما هو موقف رئيسي الجمهورية والحكومة النهائي من هذا الاستحقاق وهل هذه الجلسة ستكون الأخيرة للبحث في هذا الموضوع كما جرى الاتفاق السبت الفائت؟ وهل نكون اعتباراً من اليوم أمام أمر واقع اسمه الانتخابات البلدية غداً وفق القانون القديم أم يصار للتأجيل على اساس أولوية الاصلاحات؟ يقول وزير سيادي إن رئيس الجمهورية «كان حاسماً في الجلسة الأخيرة لناحية أن جلسة اليوم ستكون الأخيرة متمسكاً بموقفه القائل باحترام المواعيد الدستورية وإبقاء الانتخابات في موعدها، وبالتالي، يقود ذلك للسير بتشكيل هيئة الإشراف على أن يأخذ الوزير بارود المهمة على عاتقه متحدياً الجميع. وترفض شخصية مقربة من رئيس الجمهورية تحميل مجلس النواب أي مسؤولية لناحية التأخير في دراسة ملف الانتخابات البلدية معتبرة ان القضية وضعت على طاولة مجلس الوزراء منذ أشهر وحتى اليوم لا قرار سياسياً بشأنها. في المقابل، وبينما يصر «تيار المستقبل» على تشكيل الهيئة، يعبّر نائب في كتلة المستقبل عن تخوفه من عدم قدرة الوزير بارود على تشكيل هيئة الإشراف في الوقت المناسب، مشدداً على أن التيار يريد الانتخابات البلدية بأي طريقة كانت، مع إصلاحات وهيئة إشراف أو من دونهما... اما الاعتراض الكتائبي الذي عبّر عنه النائب سامي الجميل على الصيغة التي طرح فيها مبدأ النسبية، فمنسق بالكامل، وبحسب مصدر كتائبي مطلع، مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سيرفض النسبية أيضاً، وهو أكّد لسامي الجميل خلال اللقاء الذي جمعهما في المجلس النيابي أنه يؤيد طرحه الرافض للنسبية وأن وزراءه سيعبرون عن ذلك من خلال صيغة مدروسة ومنطقية مبنية على الحجج والبراهين. ويقول أحد وزراء «اللقاء الديموقراطي» الحزبيين أن «اللقاء» تحفظ على النسبية، وطرح علامات استفهام حول هيئة الاشراف، لكنه في المضمون أبلغ الجميع أنه يؤيد اجراء الانتخابات وأنه لا يجوز أن يسجل للحكومة أنها فقط أقدمت على تطيير الانتخابات البلدية وأن انجازها اليتيم الوحيد هو اعلان عيد بشارة العذراء مريم عيداً وطنياً، مع التقدير لكل المناسبات الدينية والوطنية. وتقول مصادر في وزارة الداخلية أن اللجنة الوزارية المؤلفة من الوزراء زياد بارود، محمد جواد خليفة، جان أوغاسابيان، جبران باسيل، والمعنية بتأليف هيئة الاشراف، عقدت اجتماعها الأخير، أمس الأول، ووضعت لمساتها الأخيرة على التقرير، الذي ستعرضه على مجلس الوزراء. أما تكتل التغيير والإصلاح الذي وافق في السابق على مبدأ النسبية التي تؤمن المشاركة الحقيقية بنظره، فسيبقى بحسب ما كشفه أحد وزرائه على موقفه السابق مع طرحه بعض الملاحظات المتعلقة بالأمور التطبيقية لمبدأ النسبية. السيناريو المتوقع اليوم، يشير الى استعمال مبدأ النسبية مجدداً كصاعق لتفجير النقاشات وإعادتها مجدداً الى نقطة الصفر في ظل رفض رئيس الجمهورية تحديد أي موعد آخر للبحث في الإصلاحات وتأرجح المواقف السياسية الأخرى بين داعمة لإجراء الانتخابات البلدية في العلن ورافضة في السر، الأمر الذي قد يؤدي الى حرمان الناخبين من حق ديموقراطي آخر كفله لهم الدستور قبل أن يقع ضحية الحسابات السياسية الضيقة القائمة على الربح هنا والخسارة هناك

 

مارون ناصيف.

أخفقت المساعي الإسرائيلية المكثفة في منع المحكمة البولندية من اتخاذ قرار بتسليم عميل الموساد المسمى أوري برودسكي إلى ألمانيا بتهمة المشاركة في تزوير جوازات سفر تم استخدام أحدها في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي. وقررت المحكمة البولندية يوم أمس، بعد مماطلات متنوعة من جانب فريق الدفاع عن العميل الإسرائيلي، تسليمه للسلطات الألمانية. غير أن إسرائيل، على ما يبدو، لم تتراجع عن سعيها منع محاكمة عميلها في ألمانيا، وقررت الاستئناف أمام المحكمة العليا على قرار التسليم. ورغم الاهتمام الإعلامي والسياسي الكبير بهذه القضية، فإن القليل من المعلومات تسربت عن المداولات في قاعة المحكمة. ووصل العميل الإسرائيلي إلى المحكمة مقيداً ومخفوراً بقوات خاصة وبشكل مكثف. وبحسب ما ورد في مجلة «در شبيغل» الألمانية فإن برودسكي كان يتجول في ألمانيا بجواز سفر ألماني باسم ألكسندر فارين، وقد ساعد الموساد على استصدار جواز سفر ألماني عن طريق الخداع باسم ميخائيل بودنهايمر. وذكرت وسائل الإعلام البولندية أن القاضي توماش كلكايفيتش، الذي قرر تسليم برودسكي لألمانيا، شدّد في قراره على أن «مغزى القرار ليس أن برودسكي مذنب، لأن القرار ينبع فقط من إجراءات رسمية ملزمة، وقد أعطي ثلاثة أيام للاستئناف على القرار». وقالت محامية برودسكي إنها لم تقرر بعد ما إذا كانت ستستأنف ضد القرار أم لا، وأنها سوف تحسم الأمر بعد تسلم القرار خطياً وبعد دراسة الأمر. ورغم الضغوط الإسرائيلية المكثفة على بولندا أعلن رئيس الحكومة البولندية دونالد توسك مراراً أن السلطات في وارسو لا يمكنها عدم تسليم برودسكي لألمانيا لأنه ليس بوسع حكومته الالتفاف على القانون الدولي. وتتهم ألمانيا برودسكي بأنه تواجد على أراضيها كمسؤول لوجستي للموساد باسم «ألكسندر فارين»، وأن هذا الاسم لم يكن سوى واحد من أسماء تغطية عديدة اتخذها في أعماله. وكانت النقطة الحاسمة هي التحقيقات في جواز السفر الألماني الذي صدر في حزيران من العام 2009 باسم ميخائيل بودنهايمر، والذي كان لبرودسكي (فارين) دوراً في استصداره عبر محام ألماني. ومن الأمور التي أثارت غضب الألمان أن المبرر الذي عرض لاستصدار جواز السفر باسم بودنهايمر هو أن والده تعرّض لاضطهاد النازيين، ففر إلى فلسطين هرباً من المحرقة أثناء الحرب العالمية الثانية. يذكر أن والد بودنهايمر الحقيقي فر إلى أميركا، وعاش ابنه ميخائيل، الذي أصدر الجواز الألماني باسمه، كحاخام حريدي في إسرائيل يحمل جواز سفر أميركياً. وادعى برودسكي في المحكمة البولندية أنه ليس هو الشخص الذي يبحث الألمان عنه، وأنه مجرد رجل أعمال عادي. غير أن حرص برودسكي على الاختفاء أمام الكاميرات والسرية التي أحيطت بها قضيته، وطابع الاهتمام السياسي الإسرائيلي به، تظهر أن الحديث لا يدور عن رجل بريء. وقد اتخذ القرار بتسليم برودسكي لألمانيا بعد مرور أكثر من شهر على اعتقاله في مطار وارسو، عندما هبط بجواز سفره الإسرائيلي. وكان من المقرر أن يصدر القرار بتسليم برودسكي قبل ثلاثة أيام، إلا أن طاقم الدفاع عن عميل الموساد أفلح في إرجاء القرار يومين حتى يوم أمس. وفي إطار ألاعيب المماطلة طالبت إسرائيل بولندا بتسليم برودسكي لها وهو أمر لا يتم اتباعه عند الحديث عن مخالف أو مجرم اعتيادي. وهناك اعتقاد بأن تسليم برودسكي لألمانيا يفتح الباب لمحاكمته بالعديد من التهم أبرزها: التجسس، وتزوير مستندات رسمية، والانتماء إلى جهاز استخبارات أجنبي، وتوفير العون اللوجستي لتزوير جواز سفر ألماني تمّ استخدامه في عملية اغتيال المبحوح في دبي. ومع ذلك تتوقع إسرائيل ألا يحاكم برودسكي بتهمة المشاركة في اغتيال المبحوح لأنه أصلا ليس بين من أصدرت شرطة دبي أوامر اعتقال دولية بحقهم. وبرودسكي ليس أول ضحية لفشل الموساد في دبي ولن يكون الأخير. فقد أعلن في إسرائيل أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرر عدم التمديد لرئيس الموساد مئير داغان بعد إخفاق دبي والأضرار الدولية التي لحقت بإسرائيل. وكذلك نشرت «يديعوت» يوم أمس أن رئيس شعبة «قيساريا» في جهاز الاستخبارات سيعتزل في نهاية العام 2010، بل وربما قبل ذلك. وبحسب ما هو معلوم فإن شعبة «قيساريا» هي شعبة تنفيذية للموساد، وتضم وحدات مقاتلة بينها وحدة «كيدون» للتصفيات. وأشارت «يديعوت» إلى أن رئيس الشعبة «ح» يتولى المسؤولية فيه منذ أربع سنوات. وأضافت أنّ «ح» أنهى في السنة الماضية ولاية من ثلاث سنوات وبناء على طلبه مدد داغان له ولايته لسنة إضافية. والولاية التي مددت يفترض أن تنتهي في نهاية 2010. ويدعي مسؤولون في الموســـاد بان «ح» عـــرف بأنه ليس مرشحاً لخلافة داغان، ولهذا فقد قرر الاعتزال في الموعد المقرر. (السفير)

بدأ الاهتمام الجدي بمشروع موازنة العام 2010 مؤخراً، علماً بأنه كان يفترض بحكومة منبثقة عن انتخابات نيابية عامة وتأخر قيامها بضعة أشهر، وبالتالي لم تتمكن من تقديم الموازنة ضمن المهلة الدستورية، كان يفترض بهكذا حكومة أن يكون تقديم الموازنة أولى أولوياتها، خاصة أن الدولة تعيش من دون موازنات منذ سنة 2005، وأيضاً لأن رئيس الحكومة الجديد يدخل امتحانه الأول والأهم والأصعب في المجال الاقتصادي، والسياسي على حد سواء. وهنا، يلفت نظرنا ما بدا من جانب فريق السلطة من عودة إلى مقولات سابقة، وإن صيغت بقوالب وتعابير جديدة. ومنها أنه لا يجوز العودة إلى زيادة الدين العام! وأنه لا يجوز القبول بنفقات جديدة (يطلبها بعض الوزراء الجدد) إلا إذا ترافق ذلك مع القبول بواردات جديدة تؤمن المبالغ نفسها كحد أدنى! كل هذا لأنه سيؤثر سلباً على الفائض الأولي (!) ويزيد من نسبة العجز... إلخ، ولنا على هذا الكلام الملاحظات التالية: «تعقيم السيولة»!). ثم أيضاً، هل عبء الدين هو المهم أم أن نسبة هذا العبء إلى الدخل (دخل الخزينة و/أو الدخل الوطني) هو الأهم؟ وإذا كانت نسبة العبء إلى الدخل هي الأهم، فإنه يمكن تخفيضها طبعاً بزيادة الواردات مباشرة، وأيضاً بزيادة الدخل الوطني (وبالتالي زيادة الواردات) عن طريق النفقات الجديدة! (وهنا لا بد من أن نشير إلى السهولة والمرونة العالية التي يبديها المسؤولون في تحديد حجم الناتج المحلي القائم!). لكل ذلك وجب تحديد المقصود بمقولة عدم زيادة الدين العام حتى يكون النقاش جدياً وهادفاً. هكذا، فالمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت سبق، أن نعيد النظر في تفاصيل النفقات العامة، وأن نعيد ترتيبها وفق سلم أولويات يتوافق مع «أولويات الناس» وليس مع أولويات ورغبات وجشع ونهم القليل القليل منهم، وبما يُنتج أعلى نسبة من النفع العام (وليس المنفعة الخاصة). ومن غير المقبول بعد اليوم أن نستغل أي ذريعة ممكنة للإمعان في زيادة بعض الضرائب ذات التأثير التراجعي، خاصة الضريبة على القيمة المضافة وبعض الرسوم وأسعار السلع والخدمات العامة. 1 ـ نبدأ بمقولة عدم جواز العودة إلى زيادة الدين العام. ونسأل: هل يعني ذلك عدم جواز زيادة حجم الدين العام بالمطلق؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فهل يعني ذلك عدم جواز زيادة حجم الدين العام بالليرة أو بالعملات الأجنبية أو بالعملات جميعاً؟ وهل انه لا فرق في حجم الدين بالليرة وحجمه بالعملات؟ ثم، هل حجم الدين العام هو الأساس والمهم، أم عبؤه (أي الفائدة المترتبة عليه) هو الأهم؟ وإذا كان العبء هو الأهم فبالإمكان تخفيفه عن طريق تخفيض الفائدة، إضافة إلى تخفيض حجم الدين. (وهنا نسجل أن الخزينة تستمر في دفع نسب فائدة مرتفعة تحت ذريعة

2 ـ أما مقولة إنه لا يجوز القبول بنفقات جديدة ما لم يتم القبول بواردات جديدة والمبالغ نفسها على الأقل، فهي مقولة لا تصمد أمام التحليل المنطقي، وتستخف بعقول من يسمعها. ذلك أنها تفترض أن جميع النفقات القائمة عند البحث بنفقات جديدة هي نفقات لها أولوية مطلقة، وغير قابلة للبحث في شطبها أو على الأقل تخفيضها، وأنها شبه مقدسة لا تمس!!! فهل هذا صحيح؟ ومن قال إن القبول بنفقات جديدة يعني حكماً زيادة في مجموع النفقات؟ ألا يمكن أن تخفض بعض النفقات القائمة حالياً ويعاد تحويل بعضها الآخر لتفسح المجال لأولويات إنفاق جديدة؟ وهل صحيح أن النفقات الحالية لها جميعها أولوية على أي نفقة جديدة؟ نحن موقنون بأنه بالإمكان تأمين المال اللازم لنفقات جديدة تكون لها أولوية على نفقات قائمة عديدة من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة في مجموع حجم النفقات العامة (وهذا ما قمنا به خلال فترة ولايتنا القصيرة في وزارة المالية 2004 ـ 2005). أي أن موضوع النفقات الجديدة المطلوبة يجب أن يبحث من باب مفاضلة أولوياتها مع أولويات النفقات القائمة التي يفتقر العديد منها لأي أولوية اقتصادية أو اجتماعية، وليس من باب ضرورة فرض ضرائب ورسوم جديدة! 3 ـ والأمر نفسه ينطبق على موضوع الواردات، أي الضرائب على مختلف أنواعها والرسوم وأسعار السلع والخدمات العامة. إذ انه حتى لو لم نكن بحاجة إلى موارد إضافية (ونحن هنا نجزم بأنه لا حاجة اليوم للخزينة لها)، فإنه من الملح والمطلوب إعادة النظر بهيكلية الواردات العامة وذلك بغرض تأمين عدالة اجتماعية أعلى وتأمين إعادة توزيع للدخل والثروة بين المواطنين والمناطق أكثر عدالة، ومن أجل خدمة الأهداف الاقتصادية العامة كالتنمية والتثبيت الاقتصادي (وليس النقدي المشوّه). ذلك أنه لا أحد يُقر بأن هيكلية الواردات العامة القائمة اليوم هي الأفضل، وأنه لا يمكن الاستفادة من إعادة النظر بها جذرياً خاصة لجهة تحميل المُكلفين بالنسبة إلى قدرتهم على الدفع. إلا أن مثل هذه الورشة يصعب الدخول فيها الآن ونحن على أبواب تحضير الموازنة العامة، المتأخر تحضيرها أصلاً

الياس سابا - "السفير".

الأكثر قراءة