ليس غريباً ان يـُسقط «نواب الستين» مشروعاً لتخفيض سن الاقتراع بالضربة الطائفية القاضية، ومن دون أن يرفّ لهم جفن. وليس غريباً ان يسقط الرهان على توليد فكرة إصلاحية من رحم سلطة تشريعية تتحكم بإنتاجها الطوائف والمذاهب. نعم قدّم «نواب الستين» صورة قاتمة عما ينتظر من انتزعوا تفويضهم بالتهييج والمال الانتخابي في الآتي من الأيام، وأعطوا نموذجاً صارخاً في تناقض الاقوال مع الافعال، وسيسجل لهم التاريخ انهم في 22 شباط 2010، قدّموا شهادة طائفية بامتياز بأن النظام السياسي الطائفي في لبنان أقوى وأعتى من الإصلاح والإصلاحيين ومن الصعب مقاربة تطويره، ولو بالحد الأدنى كمنح شريحة واسعة من جيل الشباب حق الاقتراع والاختيار والشراكة في رسم الخريطة السياسية. قدّم «نواب الستين» البعد الطائفي على البعد الإصلاحي، فخسر الجميع بلا استثناء، خسر الشباب فرصة التعبير عن آرائهم وعن أنفسهم في صناديق الاقتراع، وخسر المجلس الذي صوّت ضد نفسه، وضيّع فرصة الظهور بصورة جديدة تنزع عنه ولو بعضاً من غبار ما لصق به من «قانون الستين» واصطفافاته، واما الخاسر الأكبر فهو حكومة الرئيس الشاب سعد الحريري، فبدل ان تلتقط «اللحظة الشبابية» وتسجل انجازاً لها في اولى إطلالاتها أمام زميلتها السلطة التشريعية، عبر سحب المشروع بدلاً من تضييعه، أقدمت على تكبيل نفسها بالحسابات الطائفية والسياسية، فكانت النتيجة إخفاقاً موصوفاً لها ليس من اليسير محو آثاره. ويسجل لمن صوّتوا مع المشروع ولو أنهم على دراية بأنه سيسقط أنهم انسجموا مع أنفسهم، ولوّنوا المشهد البرلماني، وأسقطوا الاصطفافات بين 8 و14 آذار، من دون الاستعجال والتنبؤ بكتلة جديدة، ذلك أن الانشطار الطائفي كان خطيراً، وتمثل في وقوف النواب المسيحيين، من الأكثرية والمعارضة، تحت سقف واحد، فيما صوّت لمصلحة خفض سن الاقتراع كل من كتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التحرير والتنمية وكتلتا القومي والبعث والنواب الحزبيون في «اللقاء الديموقراطي»، ومعهم كتلة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة الوزير محمد الصفدي إضافة إلى النائب الخارج من كتلة زحلة بالقلب نقولا فتوش وتمام سلام وعماد الحوت (34 صوتاً مقابل 66 امتنعوا وواحد ضد من باب «التهريج السياسي»). ومع سقوط مشروع التعديل الدستوري، بات متعذراً دستورياً إعادة طرحه مجدداً في دورة الانعقاد الحالية التي تنتهي مع بداية العقد العادي في أول ثلاثاء بعد الخامس عشر من آذار المقبل، كما انه متعذر سياسياً في ما لو تم طرحه مجدداً في أية دورة عادية مقبلة، في ظل الخريطة النيابية الحالية والتوجهات القائمة على تقديم الاعتبارات المذهبية على الاعتبارات الإصلاحية، وعلى الانقلاب على الموافقة السابقة التي تؤكد اجتهادات كبار رجال القانون بعدم جواز العودة عنها. وإذا كان إعدام مشروع التعديل الدستوري قد بني على «لحس الموافقة»، فإن الوقائع السياسية والطائفية التي حكمت مسار الجلسة النيابية امس، ظهـّرت تساؤلات حول مصير الكثير من المواضيع الحساسة، ويأتي في صدارتها مشروع قانون الانتخابات البلدية، التي تحيطه تساؤلات حول كيفية توليده، واي صورة اصلاحية سيخرج فيها من «مجلس الستين». وكانت وقائع الجلسة الدستورية التي عقدها المجلس النيابي امس برئاسة رئيس المجلس نبيه بري وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، قد سارت في سياق مخرج رسمه معارضو تخفيض سن الاقتراع، قام على تجنب اللجوء الى تطيير النصاب، الذي قد يعني ابقاء المشروع على قيد الحياة، بل الإطاحة بالمشروع من اساسه عبر اللجوء الى التصويت المقنع ضده بالامتناع عن التصويت، إدراكاً منها بتعذر نيله حتى ثلث اصوات النواب الذين يتألف منهم المجلس قانوناً أي 47 نائباً، وهو ما أظهرته عملية التصويت التي اقفلت على دون الاربعين بستة اصوات. وقد سادت الجلسة نقاشات غلب عليها الطابع التبريري لمؤيدي المشروع، كما لمعارضيه الذين بدت مداخلاتهم ضمن سياق محدد يربط إقراره بإقرار آلية اقتراع المغتربين. فيما كان لافتاً للانتباه الصمت المطبق للحكومة ورئيسها سعد الحريري، وفشلت محاولات جرها الى إبداء رأيها في هذا التعديل الدستوري، كما فشلت محاولات ايجاد مخرج توافقي يضع المشروع على سكة التطبيق المؤجل، أثاره بداية الرئيس بري بطرح مخرج يقضي بإقراره على ان يعمل به في انتخابات العام 2013، وأيّده نواب «حزب الله» وسائر النواب المؤيدين، اضافة الى النائب روبير غانم الذي لفت تبنيه للمخرج الا ان تلك المحاولات فشلت وانتهى الامر بالتصويت ـ الفضيحة. وفي جانب آخر، من الجلسة، أتمّ المجلس النيابي في جلسة الامس، انتخاب المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فأبقى القديم على قدمه الذي كان سارياً في ولاية المجلس النيابي السابق، بحيث وزع توافقياً الأعضاء على الكتل الكبرى، فتثمل تكتل التغيير بالنائب ابراهيم كنعان (أصيل)، و«المستقبل» بالنائب سمير الجسر (أصيل)، وكتلة التحرير والتنمية بالنائب غازي زعيتر (اصيل) ومسيحيو 14 آذار بالنائب نقولا غصن (اصيل)، وكتلة الوفاء للمقاومة بالنائب محمد فنيش (اصيل) وبالنائب نوار الساحلي (رديف)، وتكتل الارمن وزحلة بالقلب بالنائب سيبوه قلبكيان (اصيل). فيما تمثل «اللقاء الديموقراطي» بالنائب مروان حمادة (رديف)، ونائلة تويني خلفاً لوالدها الشهيد جبران تويني (رديف). وفي الجانب التشريعي، اقرت الهيئة العامة مجموعة من اقتراحات ومشاريع القوانين، فيما تضمّنت مداخلات الاوراق الواردة مطالبات انمائية مناطقية، فيما برز ما طرحه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله بإشارته الى عملية «الموساد» الاسرائيلي في دبي واغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح، فنبه من هذا الأمر الخطير وطرح على الحكومة سؤالاً حول لبنان المعرّض للاعتداءات الإسرائيلية وقد جرت فيه عمليات اغتيال كثيرة، وكثيرون يأتون إليه بجوازات سفر أوروبية، ليس معلوماً ان كانت مزورة ام لا او أنهم أوروبيون او غير اوروبيين، ومن بينهم صحافيون اسرائيليون جاؤوا الى لبنان بجوازات سفر اوروبية وبثوا من بيروت، فما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتشدّد مع هؤلاء الذين يحملون جوازات اوروبية؟ وتبلغ فضل الله لاحقاً من وزير الداخلية بأن ثمة إجراءات قد اتخذت في هذا المجال..