بين طامعٍ باللهو وطامحٍ للزواج عشرونهم دوامة الجنس والحب والمرح والتعاسة

غدي فرنسيس "اكتشفت هويتي الجنسية في المراهقة"، هكذا بدأت كل الحكايات. "لا تهمني عذريتي"، هكذا انتهى بعضها. "أبحث عن جنون"، عبارة لمعت في بعض الوجوه. "وجدت نفسي فيه" و"اكتشفت الحب معها"، "لن أتزوجه يوماً ولا يهمّني ذلك"، "أشعر كأنها زوجتي"، "أحب استكشافهن". عينة صغيرة من حياة العشرين العاطفية. بنات "صبايا" وصبيان "رجال" من ست مناطق لبنانية... يبوحون ببعض الحب وبعض الجنس، ببعض الخيبة وبعض الأمل. في اختلافهم مرآة لاختلاف عائلاتهم ومناطق نشأتهم وبيئتهم الاجتماعية. على عتبة الزواج "المستحب"، وعواطف الهجمة على الحياة المتناقضة، طمع باللهو وطموح باستقرار.. أبحث دائماً عن روح رجل ترافقني في الرواية ياسمينا الجنوبية لها ثلاثة وعشرون عاما مع الدنيا وعلاقات عاطفية لا تستطيع أن تحصيها سريعاً. بعض من مرّوا في حياتها وجسدها "دفنوا" في الذاكرة، وبعضهم أصبحوا أصدقاء، وبعضهم ساهموا بإطلاق الأحكام... "عاهرة" المجتمع الصغيرة، تستريح في جسدها ولا تمانع اللقب الذي أطلق عليها، وتعترف أن مزاجيتها حكمت حياتها العاطفية. بابتسامة طليقة طويلة: "ليس هناك عدد محدد لمن مرّوا. بحثت في علاقاتي مرّة عن جنون ومرّة عن هدوء". وظلّت خياراتها العاطفية تتغير بتقلب "الموجة" التي تمرّ فيها. بحرها كثير الرياح والموج. تلخّص سنواتها الجنسية الخمسة في أنها لم تستقر في علاقة أكثر من ثلاثة أشهر. لكنها كلما كبرت، "طالت مدة الموجة". والموج في قاموس شبابها هو المزاج. تنقطع البسمة قليلاً حين تدخل تلك الكلمة المفتاح وتدخل الياسمينة الثائرة إلى الواقع. كلمة الحرفين المتصارعين في الدين والسياسة والمال والسلطة وذكورية الهواء في بلادنا، "حب": "مرة واحدة أحببت لأنني لم استطع أن امتلكه... أحببته، وكنت أكون نفسي حين أكون معه. كان يكبرني بسنتين. لا ادعي القوة المزيفة، تجرحني أكاذيب اسمعها عني، تجرحني كثيراً وتحرجني قليلاً، لكنها لا تدوم، فتنطوي مع انطواء الموجة". تضحك كثيراً للتصنيف ثم تقرّ أنها من فئة "طامع باللهو" حالياً، ثم تطلب مجددا أن يكون لها اسم مستعار. حريتها تتوقف عند حدود الإفصاح عن الجنس. فبين بنت جبيل والضاحية والمجتمع اليساري الذي نشأت فيه، تلاحقها تهمة الجنس، والتشويه في السمعة. لكنها تضحك لأنها اكتسبت اللقب عن جدارة، في عقول تراها "عقيمة". هذه "العاهرة" كما صنّفها بعض مجتمعها تقرأ كتاباً كل ثلاثة أيام، تتابع اختصاصين في الجامعة، تعمل في التعليم مؤقتاً، وتساعد في مصروف أخيها الصغير. مرتاحة مع علاقاتها: "أخذت من كل تجربة درس. تعرّفت من كل واحد على سمة من سمات الرجال، وحملت معي أوجاعاً وحكمة. أبحث دائماً عن روح رجل ترافقني في الرواية، ورواياتي كثيرة. أنا امرأة منذ الثامنة عشرة، ونشيطة في اكتشاف أنوثتي"، وتضحك طويلاً. "اكتمل الرجل في عقلي وبت أعلم أنني لن ابحث عن وهم في زوجي المستقبلي. لا أتزوج قبل الثلاثين"، هنا تطول التنهيدة. "أرى زواجي عقلانياً وليس قصة حب. الحب جنون.. والزواج عائلة وأولاد". ورغم "تطور" والديها الفكري وتقبلهما لعلاقاتها ونمط حياتها، لم تنج ياسمينا من بعض القريبات اللواتي وعدن القوى الإلهية والسماوات أن ينظفن الجوامع عندما تتزوج، وهذا طبعاً بسبب "محبتهن". كأنني تطلّقت قبلاً مرتين أو ثلاثة.. ثم وجدت زوجي التجارب كنز من المعرفة، يقول نيتشه. لكنها لا ريب تصعب عملية الاختيار. تجارب ريما (21 عاماً) الجريئة لم تكن عائقاً بوجه الاستقرار. وقع جنونها بالصدفة على جنون شاب أهدافه مشتركة مع أهدافها. أسلوب حياته يشعرها بالنجاح والأمان. فكسرت عقدة الزواج دون تخطيط، ووجدت نفسها تبحث عن بيت يستأجرانه ليتزوجا. بحماسة الفرس لذراع الخيّال تحتضنه، أمام جميع الناس، فهو سيصبح زوجها الشرعي بعد أن يعثران على بيت.. لكنه ينام عندها نصف أيام الأسبوع. أهلها الشماليون لم يتوقعوا حدوث هدوء مفاجئ في حياة ابنتهما الصارخة. فبعد أن استقلت ريما في شقة بيروتية وعملت وتعلّمت وعاشت بيروت وحياة الليل، كان متوقعاً أن لا تشبع من اللعب بسرعة. بل إن تقلّب خياراتها الباقية كلها، لم يلمّح بوجود جدية في علاقاتها خلف الباب. أكثر ما جمعهما الجنون الموجّه الذي ينتج تناغماً سحرياً. "رواد حياتي، جوزي هيدا". زوجها المترقب يكبرها ببضعة سنوات لكنها تكبره ببضعة علاقات. فهو لم ينوّع تجاربه في النساء كثيراً. مرّ في علاقات لا تتعدى أصابع اليد. ربما لذلك يتزوج مبكراً. تماماً مثل والديه اللذان أمّنا عائلة "صحيّة" لأولادهم كسرت عقدة الزواج المبكر. يصر رواد انه يرتاح معها لذلك "سيحمّلها اسمه" بعد معرفة لا تتعدى الستة أشهر. ويصرّ أيضاً أنه لم يخطط مسبقاً للزواج. ويسترجع مثلاً سمعه من أصدقاء أبيه الكبار "العوانس الذكور": "إذا لم يتزوج الواحد في فترة جنونه، لا يتزوج على الإطلاق أو ينتهي في زواج اصطناعي يشبه عقود الشركات". "محظوظة أنا لأني وجدته". وقعت ريما في قلب رواد أثناء خروجها المؤلم من علاقة دامت سنة، وكانت تشبه آخر مراحل الزواج. قبل رواد، عاشت مع فادي (23)، زميلها السابق في العمل. استدرجتها متعة الوقت معه وأغواه اختلافها عن المألوف في الأشرفية. وفادي لم يكن قليل الخبرة مع النساء. هو أغرم بريما وكان على علاقة بأحدهن، لكن سرعان ما تربعت ريما على عرش حياته وانشغاله. وجد نفسه بعيداً عن كل الناس وقريباً منها. الأهل تعارفوا حينها، لكن الزواج بقي كالقصيدة الرائعة التي تشرد فيها العيون وسرعان ما تعود إلى اليقظة. تتابع ريما وبقربها يجلس رواد اليوم، "غيرني رواد، هو له الفضل في هدوئي، يشبهني برأسه، يكلمني عندما أخطئ قبل أن يذهب في انفعالات ضقت بها ذرعاً في علاقتي السابقة". "أنا وفادي كرهنا بعض، ضربنا بعض، جرحنا بعض، وكنا نثرثر عن بعض، كلّ لأصدقائه، ثم ننام على وسادة واحدة. حتى أصبح ارتباطنا جسدي. كنت أرتاح حين يحضنني لكن القلق لم يخرج من مؤخرة الرأس يوماً. واليوم أدرك أنني اتخذت القرار المناسب. رواد زوجي لأن القلق الذي في رأسي زال بقدومه إلى حياتي. أصبحتُ "ريما" جديدة، رغم أنني لم اندم على أي تجربة مرّت". وصلت ريما قبل صديقاتها إلى الاستقرار لأنها سبقتهن إلى "التجارب"، كما تقول. عاشت عينات من الزواج بالمساكنة. "أشعر أحياناً كأنني امرأة تطلقت مرتين او ثلاثة من قبل، لذلك أعرف أنني لن اندم على زواجي المبكر، سأتابع الجامعة وأبني مسيرتي المهنية بين ذراعي رواد. سأرعاه ويرعاني لنكبر سوياً". هربت ريما من بحر الأمواج العشرينية إلى قارب النجاة الذي يسمى "الزواج"، ليستحوذ طموحها على المرحلة اللاحقة من حياتها. كان الزواج بنداً جزائياً للاستقرار الاقتصادي والمستقبلي. لكنه بندٌ لا مفرّ منه. هي مثل كل صديقاتها، تحلم بالأمومة. لا أريد امرأة بلا تجارب.. ولا أريدها مع تجارب زياد (24) يريد الاستقرار، لكنه يخافه، يؤجله، يتناساه في علاقاته الكثيرة، خاصة أنه لم يستقر مادياً ولا عملياً بشكل نهائي. "لا زلت لا أفهم المرأة، اختبرتها كثيراً. استكشف أنوثتهن وعقدهن ومشاكلهن النفسية وغيرتهن وجنسهن وأمومتهن، لكنني لم انته إلى واحدة بعد!". يعيش زياد انفصاماً بين ما يليق بصورته الاجتماعية وبين الرغبة في عيونه. يراقب أجساد المارة بخجل "الجنتل مان" ويروي. مرّ في أجساد أرامل ومطلقات ومزوجات وفتيات صغيرات وكبيرات، قويات وضعيفات، سطحيات وعميقات. وتنوع مغامراته الجنسية لا يزيد خياره سوى صعوبة. "يلزمني الكثير من الجرأة لأقول هذا لامرأة، ربما عندما اروي لامرأة عن أشياء رأيتها فيها، عندها أكون أحببت حتى الزواج". يروي زياد مغامراته كأنها غنائم حرب. "أعرف أنني لا أريد امرأة دون تجارب، لا أريد أن أبني لها شخصية، كما اعرف أنني لا أريد امرأة بكثير من التجارب. لا أريد أن أمرّ يوماً ما مع امرأتي وأولادي وهناك رجل يقول في نفسه أنه اكتشف جسدها قبلي". وضعه المالي بدوره أبعد فرص الزواج، "كيف سأتزوج بنت الناس وأنا ما عندي بيت سكنها فيه؟ من ترضى أن تسكن معي في شقة تطل كل حيطانها على بعضها البعض؟ لا أؤمن بنظرية الخبز والزيتون، كل النساء لديهن حاجات. وزوجتي لن تعمل، زوجتي ستربي الأولاد تماماً كما ربتني أمي!". تبحث عن حب بلا جنس.. ويبحث عن زوجة من طائفته "يختلف القلب بعد الخمسة والعشرين"، هكذا تبرر نور سعيها الخجول للزواج. ترفض أن تتحدث حتى عن الجنس. هو خيار شخصي، تقول. وقد تعلّمت في عائلتها المتدينة الرصينة أن الشرف يكمن تحت التنورة، فصارت تطيل تنانيرها، هذا إن ارتدت واحدة منها. تفاخر بعذريتها، فهي تحتفظ بنفسها للرجل المناسب. "جسدي له قيمة، وليس صحراء للمناورات الرجولية"، هكذا تشهر سيفها على الرجال. "أريد حباً سامياً راقياً مترفعاً عن الغرائز، رأيت صديقاتي يغرقن في دموع الخيبة بعد أن خسرن أجسادهن"، هكذا تصنف نفسها سعيدة. عندما يحين الوقت، سيزهر جسدها، ربما قبل الزواج، لكن حتماً ليس قبل الحب. سرعان ما تغيّر الموجة: "من قال إنني لم أحب يوماً؟ أنا أحببت لكن خياري الحب الرقيق الذي تلونه الروحانية وليس الغريزة، ولا أريد أن انتهي في عيادة طبيب يعيد ترميم بكارتي قبل الزواج مثل بعض صديقاتي". نور تنتمي للجهة الأكبر من المجتمع، تلك التي تحتكم للقيم المتوارثة. ففي "الجرد" حيث ترعرعت، لم تنس ذاكرة الناس قصص النساء "الفاحشات"، وهي لا تقوى على دخول ذاكرة الناس من غير باب البراءة والابنة الصالحة. عقدة الفستان الأبيض الرائجة تنال من وسادتها ودموعها كلما تزوجت إحدى صديقاتها. "الفستان الأبيض أجمل صورة"، تقول جنى في نفسها ولحبيبها المستحيل. وائل مخطوب من ابنة الطائفة، ولن يتزوج امرأة مثلها، بل ستبقى حبيبته إلى الأبد، بينما يبني أسرة مع الزوجة التي اختارتها والدته. وضعه المالي جيد جداً لكنه بكر العائلة، ومال حياته سيكون الإرث. صاحب الزنود الكبيرة و"قبضاي" القرية لا يقوى على مشاكسة أهله. تنظر جنى بعينين متورمتين: "أبكي كل ليلة، وحين أقرر قطع علاقتي به، يهاتفني ويبكي هو". تنظر إليه بحنان وخوف وكره وحب ثم تقول: "لا يدعني أشفى من حبه لكن طائفته وطائفيته تمنع الزواج من المرور في عقله، وأنا لماذا أمكث على سفينة غارقة؟". تلقي عليه قسوة دموعها وتسحب يديها الصغيرتين من يديه الكبيرتين المقيدتين.تعود جنى ووائل، ريما ورواد وفادي، ياسمينا ورجالها، نور وتهذيبها، زياد والمرأة المجهولة في عقله... يعود هؤلاء الشباب إلى غرفهم ليلاً، أزواجاً أو أفراداً.. يقفلون عيونهم التائهة العاشقة المشتهية، ويذهبون في أحلام المستقبل.. غير مدركين ربما أن عشرينياتهم ستصنع بقية حياتهم. خائفون، آمنون، مكسورة قلوبهم أو راقصة، عليها أن تستكين يوماً ما. وعلى خياراتهم أن تشبههم.. وإلا سيمضون مستقبلهم في دفع الفواتير المتأخرة.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة