«المحرّك الإسرائيلي» لموظّفَي «ألفا» واحد ... وإلقاء القبض على موظف ثالث

يوما بعد يوم تتكشف فصول جديدة من الانكشاف الأمني عبر شبكة الاتصالات الخلوية في لبنان، الأمر الذي وفـّر للموساد الإسرائيلي قدرة على التحكم بكل مفاصلها عن بعد. وإذا كانت الاعترافات التي أدلى بها «جاسوس ألفا» الأول شربل ق. لمخابرات الجيش اللبناني قد كشفت من جهة، وبما لا يقبل الشك خطورة الخدمات والتقديمات والتسهيلات التي وفـّرها للإسرائيليين، فإنها قادت، من جهة ثانية، إلى اكتشاف «الجاسوس الثاني» طارق ر.، وربما تؤدي إلى توقيف آخرين علما أن مخابرات الجيش أوقفت قبيل منتصف ليل أمس شخصا ثالثا في الشركة نفسها واقتادته إلى مديرية المخابرات في اليرزة للتحقيق. وقد فرض حجم الاختراق الخطير إعلان ما يشبه حالة الطوارئ في قطاع الاتصالات، وعلى وجه الخصوص في شركتي الهاتف الخلوي، علما أن فرضية اختراق الشبكة الثابتة مطروحة على بساط البحث، وقد دفع هذا الواقع الى اتخاذ سلسلة تدابير تقنية احترازية لإقفال الثغرات التي تسرّب منها الموساد الإسرائيلي إلى عصب الشبكة، ولا سيما أن شهادات العديد من الخبراء والفنيين في عالم الاتصالات تؤكد أن الشبكة عرضة للاختراق نظراً لانعدام إجراءات الحماية المسبقة في المرحلة السابقة. وقال وزير الاتصالات شربل نحاس لـ«السفير» إنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير التي تفرض نفسها في حالة كهذه، ومن ضمنها تدابير احترازية على صعيد الحماية، ولا سيما قطع شبكات الاتصال الخارجية بما يحول دون الدخول إلى الأنظمة من الخارج كما تم تبديل الرموز على نطاق واسع. وأشار نحاس إلى أن تركيز الخبراء والفنيين منصب على إجراء عملية مسح واسعة النطاق للنظام لحصر الضرر الذي لحق به جرّاء عملية الخرق التي تعرّض لها، وصولا إلى معالجتها وسد الثغرات التي تم النفاذ منها إلى الشبكة. وعما إذا كانت الشبكة عرضة للاختراق قال نحاس إن ما نقوم به يهدف للتحقق مما إذا كان قد تمّ إجراء تعديلات في النظام او دسّ أجهزة أو برامج او فيروسات فيه، أي اننا نعمل على حصر الحريق لإطفائه... وقال نحاس إنه تبلغ من مديرية المخابرات، أمس الأول، بتوقيف طارق ر. الخبير بأدق تفاصيل شركة «ألفا» وقد نكون من خلال ما قام به هو وشربل ق. أمام أخطر عملية تجسس لصالح العدو الإسرائيلي. وأشار الى أن هذه الإجراءات المتخذة لا تشمل شركة «ألفا» فقط، وهي شملت «ام تي سي» للتأكد من سلامة النظام فيها وتوفيرا للحماية له. ورداً على سؤال عما إذا كانت خدمات الهاتف الخلوي ستتأثر جرّاء عملية الحماية الجارية، قال نحاس «إننا في هذا الموضوع نقدم الأهم على المهم، وأمن البلد واللبنانيين لا يمكن اللعب به، وبالتالي قد تؤدي تلك الإجراءات الى بعض التردي الطفيف على صعيد الخدمات، علما أنه لا بد من إجراء تلك الأعمال واتخاذ تلك الإجراءات الضرورية لحصر الأضرار وتنقية القطاع وسد كل الثغرات التي أمكن للعدو أن يتسلل من خلالها إلى الشبكة». ورداً على سؤال دعا الوزير نحاس الى ترك التحقيق يأخذ مجراه للوصول الى كشف الحقائق حول هذا الموضوع. في هذا الوقت، أشارت مصادر أمنية لـ«السفير» الى احتمال إخضاع شربل ق. إلى جولة استجواب جديدة بالنظر الى ما يظهره التحقيق مع طارق ر. من دون استبعاد إمكان إجراء مقابلات بينهما للوقوف على نقاط التقاطع والترابط بينهما. وفيما لم تشأ المصادر الأمنية الكشف عما بلغه التحقيق مع طارق ر. ، وما إذا كان قد أقرّ باعترافات مهمة، إلا أنـّها أعطت إشارة غير مباشرة الى ذلك، بقولها إن وزير الدفاع الياس المر ما كان ليبلغ مجلس الوزراء في جلسته مساء الأربعاء الماضي بإلقاء القبض على موظف متعامل مع العدو الإسرائيلي لو لم يكن يملك في يديه معطيات أكيدة على تعامله، حصل عليها من مخابرات الجيش اللبناني. وتردد أن التحقيق يركز على معرفة ما إذا كان شربل ق. وطارق ر. قد نفّذا عملا مشتركا من ضمن شبكة واحدة، أم أن كل واحد منهما يشكل شبكة بحد ذاتها وربما يكون لكل منهما شركاء آخرون، علما أن فرضية وجود آخرين أدت أمس إلى توقيف الشخص الثالث الذي تم التكتم على اسمه. كيف تم الوصـول إلــى طـارق ر.؟ بعدما تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من إلقاء القبض على شربل ق. وتأكدت من تعامله مع العدو الإسرائيلي منذ منتصف التسعينيات، وُضعت شركة «ألفا» تحت المجهر، على قاعدة أن خرقا بهذا الحجم من الخطورة لا بد أن تكون له عناصر مكمـِّلة، إما بالشراكة مع شربل ق.، وإما بشكل مستقل، من دون إسقاط احتمال ان تكون الشركة الثانية قد تعرّضت للخرق أيضا. وفيما لم يعترف الموقوف شربل ق. في التحقيق بوجود شركاء له، ولم يأتِ على ذكر أية أسماء، جرى الدخول الى خريطة اتصالات شربل ق.، في محاولة لتحديد الجهات والأشخاص الذين كان يتواصل معهم. ودلت تلك الخريطة على «رقم هاتف خارجي» تبيّن أنه عائد لـ«المحرّك الأمني» الإسرائيلي، الذي كان يديره. كما أظهرت تلك الخريطة رقم طارق ر. الموظف في شركة «ألفا» كرئيس وحدة «هيد أوف يونيت»، أي المسؤول عن المحطات التي توصل شبكات البث والإرسال بعضها ببعض وأظهرت أيضا أسماء موظفين آخرين. وقد تلقت الشركة من مخابرات الجيش، الاثنين الماضي، طلب استدعاء طارق ر. مع موظفين اثنين آخرين، فتم ذلك، وذهب الثلاثة إلى مديرية المخابرات التي تركت الموظفين الآخريــن بعد وقــت قصير وأبقت على طارق ر. الذي بيّن التحقيق أن تركيب «الأنتيــنات» يقع ضمن مسؤوليته المباشرة. وهنا، طلب التحقيق تحديد مواقع «الأنتينات» التي شارك طارق ر. بتركيبها، وبعد ذلك عمل خبراء في هذا المجال على الفحص والتدقيق في تلك «الأنتينات» وسعتها، وقد أثار «الأنتين» المنصوب في بلدة «صفاريه» في شرق صيدا انتباه العناصر الفنية التي لاحظت أنه «أنتين كبير وضخم» وله قدرة «استيعاب كبرى»، ولا ينسجم حجمه مع منطقة صغيرة كـ«صفاريه» ومحيطها. وأشارت المصادر المطلعة الى أنه بمجرّد تكشّف تلك الوقائع أمام الفنيين، وضع طارق ر. في دائرة الاستفهام، وبدأت التساؤلات تدور حول الأسباب التي أملت وضع هذا «الأنتين» في منطقة صغيرة مساحة وسكانا، علما أن التحقيق الذي جرى حول «الأنتين» بعد ذلك، بيّن أنه يوصل إلى فلسطين المحتلة ويفتح البث والإرسال في ذاك الاتجاه. وبعد توقيف طارق ر. والدخول الى خريطة اتصالاته، تبيّن أنه يتواصل مع أشخاص، هم أنفسهم الذين يتواصل معهم شربل ق. كما ظهر رقم الهاتف الخارجي ذاته، الذي ظهر في خريطة اتصالات شربل ق. وتبيّن أنه يعود للمحرّك الإسرائيلي ذاته. وهو الأمر الذي سهّل سقوطه في قبــضة المخابرات. وقد جرت مداهمة منزله وصودرت منه بعض الأجهزة ومن بينها جهاز كومبيوتر شخصي محمول (لابتوب). وفيما ذكرت وكالة «رويترز» أن طارق ر. كان يقوم برحلتين إلى خارج لبنان في الشهر وفي كل مرة يأتي معه بعشرة آلاف دولار. تردد أنه قام في الآونة الأخيرة بزيارة إلى الصين، وتزامنت مع إلقاء القــبض على شربل ق.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة