ماذا يجري داخل «كتلة المستقبل» ولماذا هذا الارتباك في الموقف السياسي؟ قامت قيامة «النواب الزرق» على الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسـن نصر الله، حتى من قبل أن يفرغ من قول ما لديه في مؤتمره الصحافي الأخير. الرفض لكلام «السيد» بالمطلق كما لأي تشكيك بالمحكمة والتحقيق، هو رفض سياسي بامتياز قبل أن يكون تقنيا... ربما «تبرّع» البعض بالاجتهاد من عندياته من دون أن يعود إلى من يجب أن يعود إليه تبعا للرتبة. هنا يكون الحق على دولة رئيس الحكومة سعد الحريري الموجود على متن «عصفورته البحرية» السـابحة في سـردينيا. أمس الأول، أبلغ أحد نواب كتلة «المستقبل»، «السفير» كلاماً سياسياً للرئيس الحريري، في سياق مقاربته للمؤتمر الصحافي الأخير للسيد نصر الله. وضع رئيس الحكومة، وفق ما نسب إليه، التماسك الداخلي والعدالة في سلة واحدة، بمعنى أن لا شيء يلغي الآخر. أعطى لكلام «السيد» بعدا «شديد الأهمية والحساسية»، وأتبع ذلك بالدعوة إلى إعطاء كل الوقت والجهد المطلوبين للتحقيق على قاعدة النظر بجدية لما قاله الأمين العام لـ«حزب الله».. وصولا للقول «إذا تبين أن القرائن والمعطيات التي قدمها نصر الله تتطلب الاستماع إلى إسرائيليين ورفضت إسرائيل التجاوب، فهي ستتحول بالنسبة إليّ (رئيس الحكومة) من متهمة إلى مدانة». بالطبع، كان للكلام المنسوب لرئيس الحكومة وقع طيب على الناس المتلهفين للخروج من مضيق الخوف والفتنة. كان كثيرون يسألون عن موقف الحريري، وها هو الرجل، عبر المقرّبين منه، يقول كلاما عاقلا، في لحظة سياسية مفصلية في تاريخ لبنان. لم تكتف «السفير» بذلك، بل دققت في الأمر مع أحد الوزراء من فريق الأكثرية، وكان جوابه أن ما قاله رئيس الحكومة هو الموقف العاقل والحكيم وأنه بطبيعة الحال، يؤسس لتواصل بينه وبين السيد نصر الله بعد عودته الى بيروت. تزامن ذلك أيضا، مع تأكيد من وزير من كتلة أخرى للكلام نفسه، كما لانتقال رئيس الحكومة من باريس الى الرياض. وكما كان متوقعا، أحدث كلام رئيس الحكومة، أمس، الصدى المطلوب سياسيا، خاصة في «حزب الله» الذي كان بعض قيادييه من المبكرين في الاستفسار والتدقيق، كما في الأوساط السورية التي دققت بدورها بالكلام، من جهة، وأشادت به من جهة أخرى، معتبرة أنه ينم «عن روح وطنية وتحسس للمسؤولية». وبالطبع أيضا، لم يكن متوقعا أن يلقى هذا الموقف ترحيبا من بعض أوساط فريق الأكثرية، وخاصة من مسيحيي 14 آذار. غير أن المفارقة اللافتة للانتباه أن بعض نواب «كتلة المستقبل»، بمعزل عن الأسماء، شكلوا ما يشبه «خلية أزمة». فتحت الخطوط وتم استدعاء بعض المستشارين الإعلاميين في أكثر من موقع. تم التدقيق في مصدر التسريب وقيل إنه من غير الجائز أن يقال ما قيل بينما كان سقف «كتلة المستقبل» السياسي أقل من ذلك بكثير. تخطت المشاورات بيروت، نحو باريس والرياض ولم تأت أجوبة قاطعة، بل حصلت اجتهادات، مصدرها بعض «المستشارين» الذين اعتادوا تلقين بعض النواب بالفاكس أو عبر الهاتف. كان الأنسب أن يتم استيعاب الارتباك الناجم عن الكلام المنسوب لرئيس الحكومة، بالصمت في انتظار ما سيقوله قريبا. البعض غامر منذ الصباح ترحيبا بحرارة عبر إحدى الإذاعات. الثاني، تبنى أيضا عبر إحدى أبرز الشاشات التلفزيونية. فجأة يخرق «جدار الصوت» ثالث من «الصقور» عبر موقع 14 آذار ويقول كلاما حاداً جداً، تجاه «حزب الله» ولعله كان الأدق تعبيرا عن موقف «حماة الهيكل»، لجهة القول ضمنا إنهم المرجعية الصالحة لتحديد «المصلحة الزرقاء» وتظهير الموقف و«من غير الجائز أن يتم تجاوزنا»!. استنجد أحد من أطلوا عبر الشاشة، بصديق لكن جاءت النجدة متأخرة، فطلب من رئيس تحرير نشرة أخبار المؤسسة المذكورة توضيحا من ثلاث نقاط: أولا، رئيس الحكومة لم يعط تصريحا لأية صحيفة بما في ذلك «السفير» (بالمناسبة نقلت «السفير» عن مقربين منه وليس عنه مباشرة)، ثانيا، الموقف الوحيد للكتلة هو البيان الصادر عنها (أمس الأول)، ثالثا، لم يلتق رئيس الحكومة العاهل السعودي. وبين هذا وذاك، كان ثالث ورابع وخامس يردد موقفا «بين الاثنين» (راجع مواقف نواب المستقبل ص3)، في تعبير مباشر و«على الهواء مباشرة»، عن عدم توصل رئيس الحكومة إلى قرار نهائي لموضوع المخرج. صحيح أنه تبنى الكلام الذي قاله العاهل السعودي والرئيس السوري بأن الفتنة المذهبية في لبنان خط أحمر وأن تداعياتها ومخاطرها تتجاوز الداخل اللبناني لتصيب الاستقرار في المنطقة العربية... ولكنه سيعلن أول موقف له مما طرح ويطرح، في إفطار رمضاني يقام في قريطم، يوم غد، علما أن بعض الأوساط القريبة جدا منه جددت القول، أمس، إن المستغرب «أن يستغرب البعض الكلام المنسوب للحريري، في «السفير»، أمس». الموقف نفسه، ردده رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الموجود في باريس، عندما كان يتشـاور هاتفيا، نهار أمس، مع الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور، وأبلغهما ارتياحه الشديد لما نسب للحريري، معتبرا أنه بذلك يكمل ما قاله السيد نصر الله وما بلغه من الرئيس نبيه بري، وكل ذلك يساهم في تلمس المخرج للمأزق الذي بلغه الجميع. أكثر من ذلك، نقل مقربون من رئيس الجمهورية ميشال سليمان عنه اهتمامه الشديد بما نسب للحريري، خاصة أنه يستعد اليوم، مع عودة رئيس الحكومة، الى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة عادية يوم الأربعاء المقبل، في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في بيت الدين، وعلى جدول أعمالها 92 بندا، بالإضافة الى ما يتصل بأحداث الجنوب الأخيرة وخاصة حادثة عديسة، والتمديد لـ«اليونيفيل» وملف العملاء والشكوى المنوي تقديمها لمجلس الأمن، فضلا عن موضوع المحكمة الدولية «في ضوء ما قدمه السيد نصر الله من معطيات وقرائن هامة جدا»، علما أن رئيس الجمهورية تبلغ بوجود اتجاه لدى وزراء المعارضة للدفع باتجاه توقيع أحكام الإعدام الصادرة بحق بعض العملاء. في ظل هذا المناخ السياسي، انبرى من يقول من داخل كتلة المستقبل، وبلغة حريصة جدا، إن ما نقل من كلام عن رئيس الحكومة، أمس، «أكيد ولو أن من نقله أساء التعبير في أحسن تقدير... المهم أن المضمون صحيح»، نائب آخر، من خارج العاصمة، عبّر عن الواقع بالقول «نحن نفتقد الى ضابط الإيقاع... لكن منطق الأمور يقول إنه اذا كان هناك مشروع لقاء بين رئيس الحكومة والسيد نصر الله، فلا يمكن ملاقاته إلا بكلام مسؤول كهذا». الحركة في الوسط السياسي والإعلامي عند «حماة الهيكل» تشير الى أنهم يدفعون مجددا باتجاه الاشتباك. بعضهم يتبنى نظرية بعض أمانة 14 آذار بوجوب الالتصاق بالسوري بالكامل من أجل الاستقواء به على «حزب الله». هؤلاء لا يعلمون علم اليقين، ما يردده قادة سوريا من جهة وما أصاب حنجرة سفيرها في بيروت من جهة ثانية، لكثرة ترداده: «روحوا خيطوا بغير هذه المسلة»! جمهور سعد الحريري، وهو جمهور رفيق الحريري، بدا بأغلبيته، أمس مرتاحا لما نسب الى زعيمه. لا أحد يريد في لبنان الفوضى أو الفتنة. يلتقي جمهوره مع الجمهور الآخر، في الحرص على الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي. ليس صحيحا ما يردده البعض، خاصة «الصقور» من أن المعارضة تريد أن تكسر سعد الحريري. الكل، في الداخل والخارج، يريد حماية رئيس الحكومة... ومن يدفعه لقول عكس ما نسب اليه، كأنه يشتهي الكرسي الى درجة أنه لم يعد يتمناها لغيره، طالما أنها تبتعد عنه يوما بعد يوم... وطالما أن استمرار الحكومة الحالية، شرطه الأساس، عند من يعنيهم الأمر، في الداخل والخارج، حماية المقاومة وعدم المس بها.