uldy

uldy

÷ كيف قرأتم ما كُشف حول وجود اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة الأميركية والحكومة اللبنانية؟ } التفسير الوحيد لهذه الاتفاقية هو أنها تشكل مخالفة صريحة للدستور وأصول عقد المعاهدات، بصرف النظر عن مضمونها. ÷ وما رأيكم في المضمون؟ } هي ليست اتفاقية إنما بمثابة معاهدة استسلام، تعطي حق التدخل بالشأن الداخلي، بشكل أكثر من وقح، لجهة خارجية. ÷ لماذا برأيك تمت بشكل سري ولم يكشف عن مضمونها إلا صدفة؟ } لأنها عملية إملاء وليست اتفاقية. كما أنها تتضمن مسائل خطيرة، فهي تعطي الحق للأميركيين بالتدخل في تشكيل قوى الأمن الداخلي. إذ أن من يُمنع من الحصول على تدريب يُمنع، عملياً، من الانتساب إلى الأمن الداخلي، فلا يمكن لعنصر أو ضابط في قوى الأمن أن يعمل من دون الحصول على التدريب... نحن أمام واقع يصح معه القول إنه لا يمكن أن ينتسب أحد إلى قوى الامن الداخلي، إلا بعد موافقة الاميركيين. ÷ إلى أين يمكن أن يصل هذا الملف، وهل تعتقد أن المحاسبة ممكنة؟ } المحاسبة تقترن بوجود مؤسسة دولة... ثمة جرائم أكبر مرت ولم يصر فيها إلى محاسبة أحد، وآخر تجربة مررنا بها كانت كشف شبكات التجسس الإسرائيلية، حيث قيل حينها وعلى لسان مسؤولين ووزراء، إننا لم نصل بعد إلى كشف العملاء الأخطر وهم سياسيون. أين أصبح هؤلاء؟ ومن يحاسب من؟ أنا لا ثقة لي بأن أي ملف سيتابع إذا تعلق الامر بالممسكين بالسلطة. ÷ وهل تعتقد أن المعارضة ستقبل بلفلفة الموضوع؟ } مسؤولية المعارضة تكمن في ضرورة إصرارها على إعادة فتح كل ملفات الفترة الماضية، وإعادة النظر بكل المعاهدات والقرارات التي أقرت، إلا أنها للأسف لم تفعل وهذا يدل على أنها لم تلتزم بما وعدت به.

نهلة الشهال

وجد السيد محمود عباس طريقة مبتكرة ليغطي كل خطوة يعتزم القيام بها: اللجوء إلى ما يسميه «الإجماع العربي»، وهو في الحقيقة توكيل عن توكيل، إذ تتخذ، بكل جدية، «اللجنة الوزارية المكلفة متابعة مبادرة السلام العربية» (!) قرارات تجيز له ما ينتويه وتبيحه. وآخر قرارات هذه الأخيرة هي الموافقة على انتقاله إلى المفاوضات المباشرة، بعد مسرحية سمجة استمرت عدة أيام، تمنع فيها الرئيس عباس إلا إذا قال له الأشقاء «افعل». وسنتجاوز السؤال العرضي عن مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل تكراراً فيفترض بها أن تكون قد ماتت، لنكتشف أنها تركت مع ذلك خلفها «لجنة» باتت ذات شرعية تجيز وتمنع. وقد اجتهدت اللجنة المذكورة فأبقت بيد عباس حق اتخاذ القرار «بالتوقيت المناسب» لبدء تلك المفاوضات. يا سلام! ما هذا التشدد يا أخوة! لماذا مفاوضات مباشرة بعد المفاوضات غير المباشرة التي انتهت إلى عقم تام، إذ راحت هباء زيارات المبعوث الأميركي المكوكية السيد ميتشيل؟ والحق أن الرجل ابتدع كل الأشكال التي كان يمكن تخيلها لتحريك الموقف ولو قيد أنملة، بلا أمل، بل تحملت إسرائيل وزر إغضاب الرئيس أوباما، وإحراج واشنطن، رافضة كل مقترحاتها، وتم التوصل إلى حل ينقذ ماء وجه الولايات المتحدة فحسب، هو الإعلان ـ مجرد الإعلان وليس التطبيق ـ عن تجميد الاستيطان حتى 28 أيلول/سبتمبر المقبل، فإذا بنتنياهو يفرض كسر «المنجز»، لغايات رمزية بحتة، ويصر على الإعلان عن بدء التفاوض المباشر. فهل كان العيب في شكل التفاوض ليتخذ مثل هذا القرار؟ الحقيقة أن لواشنطن كما لتل أبيب غايات ذاتية من الخطوة: في الولايات المتحدة أزمة كبرى بل أزمات. أبرزها ما يخص استعصاء الموقف في العراق، الذي لم تتشكل فيه حكومة بعد ما يقرب من خمسة أشهر من الانتخابات النيابية، رغم الضغوط الأميركية التي باتت في الشهر الأخير استنفارية، حيث يفترض بالأميركيين سحب قواتهم المقاتلة منه آخر آب/ أغسطس الجاري. وهم باتوا يعلمون بيقين أنهم مقبلون في بلاد الرافدين على مجهول كبير ـ واستراتيجي بالنسبة لمصالحهم ـ لم تنفع في دفعه إلى التبلور تهديدات الرئيس أوباما، بأن ذلك الانسحاب سيتم بغض النظر عن الوضع العراقي الداخلي. وفي أفغانستان، لم تمر بلا ضجيج سخرية الجنرال ماك كريستال الذي كان قائد القوات هناك، من الخطة المتبعة، فاستبدل الرجل ثم أقيل من الجيش. ولكن ذلك كله كان أعراض المرض وليس المرض نفسه. وقد بات الحديث عن الفشل في أفغانستان مقبولا علناً في واشنطن، يبرره الرحماء بأن الرئيس أوباما إنما يستمر في اقتلاع الأشواك التي زرعها سلفه وعصابة المحافظين الجدد الذين كانوا ينوون شن حروب غير منقطعة. أما لبنان الصغير، فمعادلته صعبة ومعقدة للغاية، وليس من رجاء بأن يصبح هو المكان الذي تحقق فيه واشنطن بعض الانجاز، بل لعله اللغم القابل للتفجير إذا ما تغلبت الحماقة ـ الحماقات لأن مرشحيها كثر ـ في أي لحظة. وصحيح وسط هذه اللوحة القاتمة أن واشنطن حققت فرض عقوبات على إيران في مجلس الأمن، ولكنها هدية مسمومة إذ ترفع، ليس إلا، منسوب التوتر في المنطقة. وهكذا فواشنطن ليست قادرة سوى على الميل على السلطة الفلسطينية، بما يقال له تارة تهدئة للموقف حتى تتمكن من الانصراف إلى التعاطي مع تلك الملفات المشتعلة، أو يقال له تارة أخرى بأنه إجازة ترضية لنتنياهو حتى تبرد أعصابه ولا يرتكب فعلة في لبنان أو على إيران تورط واشنطن بشكل واسع واستراتيجي. أما غاية تل أبيب فواضحة: هي لا يُفرض عليها شيء، وخصوصاً ما تسميه «شروطا». يُقر لها بحرية الحركة المطلقة على أرض فلسطين، تفعل ما تشاء، تصادر المزيد من المباني في القدس، تهدم قرى في النقب، تغتال... ولا من يعترض. ولذلك فهي لا تطيق «دلع» المفاوضات غير المباشرة التي توحي بأن هناك، ربما يا قوم، مقاييس، وضوابط، وتمنّع، إلى آخره. وهي بعد أن يُفتضح اعتداؤها على نطاق دولي (فلا افتضاح محلياً، او هو ليس ذا بال)، تحتاج دوماً إلى جوائز ترضية. ولعل الحملة الدولية التي يشكل أسطول الحرية إحدى حلقاتها بينما المقاطعة حلقة أخرى منها، قد خدشت شعورها، وكان لا بد من ترميمه عبر تسليم السلطة الفلسطينية لها بما تريد. إسرائيل تلك ظاهرة تتجاوز السياسة، ولا بد يوماً من مقاربتها بشكل كلي ليتم فهم ميكانيزمات فاعلة في تاريخ البشرية نفسه... يعني ذلك كله أن المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، هي بشكل واضح آلة تدور في فراغ، منفصلة عن أساسها. فعلى فرض أن أساسها هو «اتفاقيات أوسلو» أو ما يقال له «العملية السلمية»، فقد اختفت ملامح هذه اختفاء تاماً بعد عقدين من التشويش والتشويه، وباتت السلطة الفلسطينية المفاوِضة أداة عارية من أدوات الفعل الإسرائيلي نفسه. والمؤلم في ذلك أن الجميع يعرف ذلك ويقر به، ولكن السلطة، وهي أول من يعلم، تعتد بعجزها عن سواه، فهي إما تفعل لتستمر أو لا خيارات أمامها. وهذا من منطقها الخاص. فماذا لو كان أن كسر حلقة منح الغطاء والشرعية للسياسة الإسرائيلية لا يمكن أن يتحقق اليوم سوى بوقف هذه الأداة؟ يدّعي مسؤولو السلطة بأن استقالة سياسية مبررة أمام الأمم المتحدة ستترك الشعب الفلسطيني يتيماً. وهذا ادعاء إن لم يكن كاذباً بوعي، ولمصالح باتت اليوم فعلاً شخصية حتى لو شملت طبقة بأكملها، فهو تعبير عن عجز وافتقاد مطلقين لأي قدرة على المبادرة. ولكن العجز متقاسم، إذ لم تعد إدانة هذا المنهج تكفي. المطلوب بلورة استراتيجيا فعلية مقابلة، وهذا المقترح ينتمي إلى هذا الجهد الضروري ولكن الخيال السياسي ينبغي عليه بلورته بشكل تفصيلي ومتمفصل بين أجزائه، ومستشرف لأفقه. وهذه هي اليوم المهمة الفعلية أمام من لا يرضى بأن تكون فلسطين بأكملها جائزة ترضية لإسرائيل، وهي على ذلك وفوقه، لا تحول دون سائر ارتكاباتها!  

سليمان تقي الدين

يعطي نتنياهو أهمية استثنائية لمفاوضات السلام الجارية مع الفلسطينيين. يعتبر هذه المفاوضات «فرصة تاريخية» لإنهاء نزاع عمره مئة عام. في كل مرة يقبل الإسرائيليون التفاوض يكونون قد ضمنوا انتزاع مكاسب إضافية. يتمسك الإسرائيليون بفكرة التفاوض المفتوح أو من دون شروط. نقطة الانطلاق دائماً هي ميزان القوى والوقائع. هم الطرف الذي يطلب التنازلات من الآخر. هم يبيعون «السلام» وليسوا الجهة التي تستجديه أو تقايض عليه. تفاوض إسرائيل على الجزء المكلف لها من الوجود الفلسطيني. العبء السكاني الذي تصعب إدارته وضبطه على المدى الطويل. تفاؤل نتنياهو ورغبته في هذا «السلام» لها أكثر من مبرّر. الرئيس الأميركي يضع ثقله وراء هذه المفاوضات ويحذر الفلسطينيين من عدم التقاط الفرصة الأخيرة. يستحضر رموز النظام الرسمي العربي لتأمين غطاء شرعي للمفاوض الفلسطيني الذي يغامر من دون أي تفويض حتى من المنظمة التي يرئسها. فلسطين التي تحضر هذه المفاوضات هي الجزء المشلّع من الضفة الغربية التي يجري اقتسامها الآن. أية شرعية لمفاوض فلسطيني لينجز تسوية على حقوق عرب 1948 وغزة والشتات؟ تعرف إسرائيل أن السلام والأمن ليسا في يد المفاوض المقابل لها، لكنها تريد التقدم في مشروعها التصفوي باكتساب المزيد من الشرعية ليهودية الدولة، لإسقاط حق العودة، ولترسيخ حضورها في النظام العربي. لم يعرف التاريخ مثل هذه المفارقة، تسوية لصراع لا يتوافر لها عنصرا الأرض والشعب. تأخذ إسرائيل ثمانين في المئة من أرض فلسطين، وتبقي ثمانين في المئة من شعب فلسطين خارج الحل. هذه صفقة لا تحمل معنى التسوية ولو المجحفة. لا تملك هذه الصفقة، إذا بلغت أهدافها، أية شرعية لأنها لا تعالج قضية الملايين من الشعب الفلسطيني الذين ستقفل ملفهم من دون أي مقابل. كيف تضمن إسرائيل الأمن الذي تضعه في مقدمة شروطها؟ إنها تستدعي الحرب الأهلية الفلسطينية حيث تتوغل السلطة في تنفيذ الخطة الإسرائيلية كما يحصل منذ اتفاقية أوسلو. يغامر المفاوض الفلسطيني ويغامر النظام العربي في السعي إلى هذه الصفقة. ليس ما يضمن أن تنفذ إسرائيل تعهداتها ووقف التهويد، وليس من يضمن لإسرائيل الأمن. أكثر من موعد لضرب لقيام دولة فلسطين وكانت الذريعة دائماً عدم توفير الأمن. أعادت إسرائيل احتلال مناطق انسحبت منها بموجب اتفاقية أوسلو. من شارون إلى نتنياهو أعادت صياغة مشروعها للحل. الإدارة المحلية الموسعة وليست الدولة ذات السيادة هي ما يطرحه نتنياهو ويسعى لتكريسه من خلال الاتفاقات. هذا الخيار هو الاستجابة التي يقدمها لأميركا وبعض أصدقائه العرب. يتردد حتى في تجميد الاستيطان. فرصة السنة التي يطلبها الرئيس الأميركي لإنجاز هذه التسوية لأهداف دولية عدة قد تضيع في اختبار قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمن. يبدأ المفاوض الفلسطيني من حيث يمكن أن ينتهي. يدين العملية العسكرية على المستوطنين ويتعهد ببذل أقصى الجهد لمواجهتها. اختارت سلطة أوسلو استراتيجية التفاوض ارتكازاً إلى رصيدها السياسي فقط لكنها لا تملك شرعية مقاومة وإلغاء الخيار الآخر. صحيح أن فلسطين لم تعد هماً قومياً يتداعى له كل العرب، لكنها لم تقطع صلتها الواقعية وتأثيرها على أكثر من دولة عربية خاصة في الجوار. إلى ذلك ما زال موقع إسرائيل في دائرة توازن النظام الإقليمي كله الذي لم تعد تهيمن عليه ولا تنفرد في صياغته. هذه مغامرة برصيد نضال شعب فلسطين لا تنتج تسوية.

safirتجنبت الحكومة الإسرائيلية، أمس، مناقشة المطالب الأميركية بتمديد قرار تجميد الاستيطان، في ما بدا محاولة لكسب الوقت بانتظار ما سيخرج به اجتماع لجنة المبادرة العربية، بعد غد الجمعة، في مدينة سرت الليبية. لكنّ ذلك لم يمنع السلطات الإسرائيلية من مواصلة انتهاكاتها في القدس، حيث صادقت لجنة البناء والتخطيط في بلدية الاحتلال في المدينة على خطة هيكلية جديدة لحفر أنفاق وإقامة مراكز دينية يهودية في محيط المسجد الأقصى، وصفتها مصادر السلطة الفلسطينية بأنها التهديد الاكبر للقدس منذ العام 1967. وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ لجنة «السباعية» الوزارية عقدت، أمس، اجتماعاً اقتصر البحث فيه على «سبل مواجهة الأساطيل المتجهة نحو قطاع غزة، وعمل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في أحداث أسطول الحرية التركي»، مضيفاً أن «وزراء السباعية، وخلافاً لما تناقلته وسائل الإعلام، لم يبحثوا موضوع تجميد الاستيطان». وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت مسبقاً عن مسؤولين في حكومة نتنياهو إنّ وزراء «السباعية» سيناقشون خلال اجتماعهم مسألة تمديد قرار تجميد الاستيطان لمدة شهرين إضافيين، في مقابل ضمانات أمنية وسياسية تعهد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وقالت المعلقة السياسية في إذاعة الجيش الإسرائيلي ايليت شرار إنّ «نتنياهو يبحث عن مخرج. فمن جهة، هو معارض لمواصلة تجميد الاستيطان كي لا يرضخ لمطالب الفلسطينيين، لكنه يريد أيضاً، من جهة أخرى، تجنب أي مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية».

وفي هذا الإطار، قال وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس للإذاعة العامة الإسرائيلية إن الفلسطينيين «غير مهتمين كثيراً بفكرة استئناف المفاوضات. لكنهم في المقابل مهتمون أكثر بكثير بإيجاد ذرائع وعرقلة هذه المفاوضات». غير أن وزير الدفاع ايهود باراك بدا متفائلاً في التوصل إلى تسوية، حيث أعرب عن اعتقاده في أنه «ما زال في وسعنا التوصل إلى اتفاق يضع حداً للنزاع وللمطالب المتبادلة». القدس في هذا الوقت صادقت لجنة التنظيم والبناء المحلية التابعة لبلدية الاحتلال في مدينة القدس على المخطط الهيكلي الجديد لباحة حائط البراق. ويقضي المخطط الجديد بإنشاء مدخل جديد لـ«حائط المبكى» (البراق) انطلاقاً من الباب المقابل لمدخل حي سلوان قرب السور الجنوبي للحرم القدسي وصولاً إلى باحة البراق، بالإضافة إلى بناء عدد من المراكز الدينية اليهودية في محيط المسجد الأقصى. ووصف مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر هذا المخطط بأنه «الأخطر على القدس منذ العام 1967», وأوضح أنّ المشروع «يقوم على هدم وإزالة كافة الآثار الإسلامية، وإحداث تغيير جغرافي غير مسبوق في اتجاه تهويد المنطقة، من خلال إزالة التلة التاريخية قرب باب المغاربة، إحدى بوابات المسجد الأقصى، وبناء جسر يمتد من ساحة البراق حتى بوابة المغاربة»، محذراً من أنّ «هذا المخطط يستهدف تأمين اقتحام اليهود للمسجد الأقصى من منطقة باب محمد الذي يقع أسفل المسجد ويطل على ساحة البراق بالإضافة إلى حفر أنفاق في ساحة البراق، وتسيير مترو أنفاق من الحي اليهودي في الجهة الشرقية المقابلة لنقل اليهود إلى ساحة البراق». ورأى خبير الأراضي والاستيطان خليل تفكجي أنّ المصادقة على هذا المخطط «تعتبر رسالة للسلطة الفلسطينية وللعالمين العربي والإسلامي من السلطات الإسرائيلية، بأن مدينة القدس عاصمة لدولة واحدة وليست عاصمة لدولتين». إلى ذلك، أظهر تسجيل بثته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، جندياً من الاحتلال يرقص بشكل ملاصق لأسيرة فلسطينية محجبة مكبلة اليدين، وجهها إلى الحائط، حيث كان يقوم بحركات رقص «شرقية» على إيقاع «طبلة»، وهي لا تعلم ما يدور حولها، مقترباً أكثر من مرة من الأسيرة وهو يتراقص، بينما تسمع في الخلفية قهقهات زملائه الجنود الذين «وثّقوا الحدث» بتصويره. (تفاصيل ص 14) من جهة ثانية، أجرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس محادثات في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك. وذكرت مصادر فلسطينية ومصرية أنّ اللقاء تناول «الجهود التي تبذلها القاهرة لإنقاذ عملية السلام»، بالإضافة إلى آخر التطورات في ملف المصالحة الفلسطينية. وكان القيادي في حركة حماس صلاح البردويل أعلن أنّه «تم ترتيب لقاء مشترك بين حركتي حماس وفتح في العشرين من الشهر الحالي في دمشق، عقب اللقاء الذي عقد بينهما مؤخراً وحقق نسبة نجاح» في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، موضحاً أنّ اللقاء المقبل يهدف إلى «تشكيل لجنة أمنية مشتركة» لحل القضايا العالقة بين الحركتين. في هذه الأثناء، اتهمت حركة حماس «محكمة عسكرية تابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله بإصدار حكم بالسجن لمدة 12 عاماً على أحد عناصرها، وحكم آخر بالسجن لمدة عام على زوجته بتهمة إيوائهما خلية عسكرية تابعة للحركة». وحذرت الحركة من أنّ استمرار أجهزة الأمن للسلطة الفلسطيـنية باعتـقال عناصر لها في الضفة الغربية «لا يوفــر الأجواء اللازمة لإنجاح المصالحة الوطنية». («السفير»، «وفا»، «معاً»،

سليمان تقي الدين لن يتوقف الغرب وإسرائيل عن محاولات إخضاعنا. على هذا الشاطئ نزلت قوات الأسطول السادس الأميركي عام 1958 لمنعنا من تصحيح سياسة الحكم الخارجية والداخلية. على هذا الشاطئ نزلت قوات المارينز والأطلسي عام 1982 بعد أن خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية. كنا بين نارين أميركية فرنسية وإسرائيلية. جاؤوا لإخراج لبنان من موقعه وتاريخه وإرغامه على توقيع اتفاقية 17 أيار لا لتحييده عن نزاعات المنطقة. شنت إسرائيل حروباً متتالية علينا منذ عام 1968 ولم نكن طرفاً في حرب حزيران 1967. شهداء تلك المرحلة هم لبنانيون. لم يعيّنوا ناظراً للقرار 425 ولم يساعدوا على تنفيذه. نتحدث عن لبنان لا عن أكثر من مئتي قرار دولي حول حقوق شعب فلسطين، ولا عن القرارات الدولية التي استهدفت العراق تمهيداً لاحتلاله وتدميره. لم نكن نشكّل تهديداً لأحد عام 2004 حين قرّر الغرب إلحاق لبنان وسوريا بدائرة سيطرتهم من أفغانستان إلى المتوسط. هم مَن يعدّون سيناريوهات الحرب ويقومون بالمناورات ويضعون أهدافاً لآلة دمارهم. هم الذين يربطون استراتيجية الحرب على لبنان وعينهم على إيران وعلى لبنان وعينهم على سوريا ولبنان وعينهم على غزة. «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي» يفاضل بين الضربة الأولى على لبنان أو سوريا أو إيران. عملياً هذه أهداف واحدة. لإسرائيل خصوصياتها بالأمن وهي تستعرض البوارج الحاملة لرؤوس نووية في الخليج، لكن إيران لا يجوز أن تمتلك تكنولوجيا نووية. هل غفل الغرب عن توازن الردع النووي بين الهند وباكستان!؟ هل تضخيم الملف النووي الإيراني هو المقدمة لاستخدام السلاح النووي وسيلة لتدمير هذه القوة الإقليمية الصاعدة؟ هل الإرهاب الدولي يريد أن يقفل سيطرته على العالم بنفس المشهد الياباني في الحرب العالمية الثانية!؟ علينا أن نتوقع كل شيء. الإمبريالية والحرب صنوان. التصميم على السيطرة، الرغبة في الإخضاع، الحاجة إلى فرض الإرادة والاستغلال شرعنت وتشرعن كل الأساليب والوسائل. كل عناصر قوة الغرب التي يهددنا بها هي حصيلة وثمرة مسلسل الجرائم ضد الإنسانية من الإمبراطورية الأميركية إلى الاستعمار الأوروبي إلى الصهيونية وتجسيدها في إسرائيل. البعض عندنا يبحث عن صداقة مستحيلة مع حكومات هذا الغرب، ومع هذا الوهم الذي يسمونه مجتمعاً دولياً. ينزّه هذا البعض الغرب عن المصالح وهو لا ينكرها، يضفي عليه صفات إنسانية هو يتنصل منها. يجعل منه محباً للسلام وهو إله الحرب منذ مئات السنين. يزرع الإسرائيليون على أرضنا مئات آلاف القنابل العنقودية الأميركية ويقدمون مساعدات لكي نحبهم. ينشرون الجواسيس والعملاء ويمسحون عقولنا كما يمسحون قاعدة المعلومات في شبكات الخلوي. يتحدثون كل يوم عن سلاح عندنا يهدد الاستقرار وأساطيلهم العملاقة تحاصرنا وتحتل أرضنا وإرادتنا. ونصدّق، بسذاجة لدى البعض، وبخبث، لدى البعض الآخر، أنهم يريدون لنا أن نعرف «الحقيقة» وأن نتذوّق طعم «العدالة». يقتلون، يحاكمون، ينفذون الأحكام المسبقة ويهيّئون لنا المائدة المسمومة للفتن. نحن مشوّهون بوعينا، عاجزون بإرادتنا، ضعفاء بقدرتنا على تنظيم طاقاتنا، لكنهم هم عنوان الجريمة وحماتها، عنوان الإرهاب الأعظم في العالم ورعاته، عنوان التخلّف بالقيم الإنسانية ولو ادّعوا عكسها. حذار أن نصدّق أنهم يريدون السلام أو الحرية أو العدالة
عبثاً ستحاول أن تسحب «السيدة» من الشأن العام إلى الخاص. بعد ستة وخمسين عاماً قضتها ليندا مطر في ساحات النضال، أضاعت المرأة التي تقفل عامها الخامس بعد الثمانين هذه السنة، الطريق إلى شؤونها الخاصة. ستجد أن بوصلة حديثها، تفكيرها، وحتى تفاعلها مربوطة بمغناطيس قضايا الإنسان، وإن أطلت خصوصية المرأة من قلبه. البوصلة نفسها تحافظ على اتجاه قضايا مركزية أساسية: فلسطين، المقاومة، العدالة، قانون مدني للأحوال الشخصية، ومنه يتحرر الرجل والمرأة معاً، ومن الجوهر تتشعب عناوين هامة كثيرة. معها، تستعيد بعض ثقتك بالتغيير، تتقد عينا ليندا مطر بحماس ابنة العشرين، لتقول بحزم إن «القوانين المجحفة لا بد أن تتغير في يوم من الأيام»، من دون أن تخفي وجعها من «الحال الطائفية التي وصلنا إليها»، لكنها لا تتشاءم: «فلا بد أن نرجع يوماً ما إلى أصالتنا». عشية تكريمها من قبل ثمانين شخصية وطنية سياسية وحزبية وثقافية وإعلامية ونضالية، تعتبر ليندا مطر أن «الحظ» خدمها و»بيَّنت»، فيما «بقيت جنديات مجهولات كثيرات في الظل». تغرورق العينان المتقدتان تأثراً، ويكشف خجلها عن طفولة وعفوية كامنين وهي تثمِّن «هذا الإجماع التكريمي» من شخصيات تتناقض في المواقع والمواقف والتوجهات، لتجتمع عند تكريمها. عندما ترشحت ليندا مطر لدورتين انتخابيتين (1996 و2000) كانت تدرك عدم إمكانية فوزها، لكنها أرادت أن تقول للجميع: «نحن هنا كنساء، ومستعدات لخدمة الوطن من داخل البرلمان ولكنكم انتم من يعيقنا». وكان لنيلها ثمانية آلاف صوت في بيروت من دون سند طائفي أو مذهبي أو تبنٍّ من زعيم أي من «المحادل»، أن يبرز موقعها الهام على الخارطة العامة من جهة، وأن يثبت، من جهة أخرى، أن الكفاءة الشخصية والتاريخ النضالي ليسا إطلاقاً من متطلبات ومستلزمات الوصول إلى المجلس النيابي. وحين ترشحت إلى مقعد نيابي، انطلقت من أن «السياسة هي عمل يومي لكل امرأة بدءاً من احتجاجها على غلاء أسعار الخضار، ووصولاً إلى العمل السياسي الصرف، لأن كل شيء هو نتيجة قرارات سياسية»، والسياسة بهذا المعنى، «ليست حقاً بل واجب». فليندا مطر، رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، والمناضلة منذ خمسينيات القرن الماضي، لم ترث منصباً سياسياً أو «سمعة» بيت سياسي يكونان بوابتها الرسمية المعتمدة إلى الشأن العام. صنعت ابنة العائلة «المستورة»، وفق توصيفها، عرشها الخاص. وتحولت تلميذة المدرسة التي عجز أهلها عن دفع أقساطها إلى طفلة عاملة في معمل «الكلسات» نهاراً وتلميذة ليلاً. وهي، حين ترشحت إلى مقعد نيابي، لم تبرز هوية تثبت إرثها السياسي العائلي لأب أو زوج أو شقيق. كان لديها خمسون عاماً من الحضور النضالي الفاعل ولكن ليس للوصول إلى سدة البرلمان المحكوم بمعايير طائفية ومذهبية، لا تزال ليندا مطر تحاربها حتى اليوم. الندوة النيابية نفسها التي أُقفلت أمامها، شرَّعت أبوابها لأخريات لم يسمع اللبنانيون ببعضهن إلا في معرض الحديث عن الرجال الذين ورثنَّ مناصبهم. من هنا، من استحالة وصول المرأة الكفوءة إلى سدة البرلمان من خارج القيد الطائفي والمذهبي والمالي وتركيبة النظام السياسي الحالي، ترى ليندا مطر في الكوتا النسائية مرحلة انتقالية «لا بد منها، حتى يعتاد المجتمع على وجود المرأة في البرلمان، وهي تحفظ حصة المرأة في التمثيل السياسي، وعلى أساس الانتخاب حيث تترشح أي سيدة تجد في نفسها الكفاءة اللازمة». أربع سنوات قضتها ليندا مطر رئيسة للمجلس النسائي خرجت منها ببعض الأسف لعجزها عن إلغاء المداورة الرئاسية داخل المجلس طائفياً، وتبني طرح قضية قانون مدني اختياري وموحد للأحوال الشخصية.. المجلس نفسه الذي يضم 160 جمعية نسائية، ليس سوى صورة عن لبنان وطوائفه. لم تكن الأسئلة عن الطبقية الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تتخمر في ذهنها وهي فتية في العاشرة من عمرها، تشبه نشأتها في عائلة «متدينة لا تتعاطى الشأن السياسي». شكّل اضطرارها للعمل، وهي في الثانية عشرة من عمرها، بدايات وعيها حول الفروقات الطبقية التي يصنعها المال بين الناس: «أنا إنسان وغيري إنسان، كنت أعمل وأنا المتعلمة حينها مقابل مبلغ زهيد، وكان أبي يكد ويتعب فيما كانت «المصاري» تنزل على غيرنا». يومها، لم يكن يحق للمرأة الترشح ولا حتى الانتخاب، ومن خطاب ألقته في مهرجان عن حق المرأة بالانتخاب والترشح، تكرّست صورة ليندا مطر كمهتمة ومناضلة إلى أن زارتها سيدتان من لجنة حقوق المرأة اللبنانية لمساعدتهما في جمع تواقيع تدعم حق المرأة بالترشح والانتخاب. ومن التوقيع المؤيد، إلى لجنة حقوق المرأة التي قدمت لليندا مطر الكثير من الأجوبة. أنشأت فرعاً للجنة في عين الرمانة ثم ترأست فرع منطقة الضاحية الجنوبية قبل أن تصبح أمينة سر اللجنة بعد عشر سنوات على انضمامها إليها، أي في العام 1963، لتصبح رئيستها في العام 1978 وما زالت. ذلك كله حصل بعد زواجها وهي في السابعة عشرة من عمرها، وبعد إنجابها ابنتيها من رجل ساندها وأحبها ولم يكن يوماً إلا سنداً لها في مسيرتها. ومن خلال قراءاتها لزوجها الأرمني الذي لا يجيد القراءة العربية، كانت ليندا مطر تكثف اطلاعها ومتابعاتها. قراءات كان لها أن تشعب أسئلتها السابقة حول الطبقية وتوسعها لتشمل بعض المناحي السياسية والحقوقية. وفي موازاة نضالها النسائي في اللجنة، تعرفت ليندا مطر إلى «الحزب الشيوعي اللبناني» عبر حلقة الأصدقاء، التي عرَّفتها بدورها إلى كتابات وفكر ماركس وانغلز ولينين، فتثقفت «حول قضايا كثيرة». وكان لمشاركة ليندا مطر في مؤتمر عن الشباب وحقوقهم في برلين أن تدخلها إلى السجن لدى عودتها، من دون مبررات رسمية وقانونية واضحة، ليتضح بعد خروجها بثلاثة أيام، البعد السياسي للتهم الجنائية التي وجهت إليها. رغم انتسابها إلى «الحزب الشيوعي اللبناني»، ظل ميل ليندا مطر طاغياً نحو الشأن الاجتماعي «البعيد عن القيد الحزبي». اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تعود ليندا مطر لتؤكد أنها تدين بأفكارها التقدمية «للمبادئ الاشتراكية التي تساوي بين كل الناس»، شعور نحو نظرية اشتراكية يجعلها تقفز فوق «كيفية ترجمتها وعلاقتها بآليات السلطة والأخطاء التي حصلت في التجربة العالمية». هنا، يعود الإيمان بالمبادئ ليتشابه مع ما يفعله كثيرون: «ما زلت أؤمن بها على طريقتي الخاصة»، تقول. لجنة حقوق المرأة بالنسبة إلى ليندا مطر لم تكن يوماً من أجل المرأة فقط، «نحن نعمل للمجتمع والإنسان والوطن ومن ضمنه المرأة». فالمعوقات أمام تقدم النساء «هي نتيجة النظام الذكوري المؤطر بقوانين تمنح الرجل سلطة السيطرة وتقمع المرأة». طبعاً، لا تسقط اللجنة تأثير العادات والتقاليد، «ولكن وراء كل قضية اجتماعية قرارا سياسيا، والعنف الممارس في السياسة والاقتصاد، وكل الإشكاليات التي تحكم البلد، تطال الرجل كما المرأة ولكن الفرق أن الرجل يعود لتعنيف المرأة كزوجة وابنة وشقيقة». لها رؤيتها النقدية لموقع المرأة في النقابات والأحزاب وليس فقط في المؤسسات السياسية، فالتقاليد والعادات كانت تؤثر على خروج المرأة ليلاً، بالإضافة إلى مسؤولياتها في العائلة في ظل قلة من الرجال المتفهمين والذين يساعدون في تحمل الأعباء المنزلية». اليوم، وكما بدأت حياتها النضالية منذ ما يقارب الستين عاما، لا تزال ليندا مطر تقارب المرأة وحقوقها من كونها إنسانا بالدرجة الأولى، ومن الأسباب ـ المعوقات الأساسية التي تطال الرجل والمرأة معاً، يتربع النضال لإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية على رأس الأولويات، كونه يحرر المواطن من الطوائف «وليس من الإيمان الذي هو شأن خاص». ومعها، تستعيد بعض إيمانك بأن نضالات المرأة اللبنانية لتكريس حقها بمنح جنسيتها لأولادها وعائلتها سيتحقق يوماً ما، ومعه تعديل كل القوانين المجحفة بحق المرأة. تقول ليندا مطر أنها ستحمل معها إلى منصة التكريم أحلامها النضالية التي لا تنتهي ولا تحد بعمر أو سنين، أحلام تبدأ برؤية المواطن اللبناني، رجلاً وامرأة، حراً وكريماً وطليقاً من كل قيد طائفي أو مذهبي، فهناك تكمن «اللبنة» الأساس للمساواة. سعدى علوه

غاصب المختار

صدرت خلال الاشهر القليلة الماضية تقارير اميركية واسرائيلية واوروبية ـ واحيانا لبنانية ـ عن احتمالات شن اسرائيل حرب جديدة على لبنان، تندرج كلها في خانة ان المقاومة هي العائق امام تحقيق التسوية السلمية بين اسرائيل والعرب، من دون الاخذ في الاعتبار مسؤولية اسرائيل عن اجهاض كل محاولات التوصل الى حلول نهائية وعادلة لازمة الشرق الاوسط. وتفترض هذه التقارير سيناريوهات متعددة للحرب وموعدها ومدتها واهدافها القصيرة والبعيدة، واحتمالات دخول سوريا فيها، وربما ايران، وتستند الى امور مشتركة اهمها «اعادة جهوزية الجيش الاسرائيلي وقدرته على الردع بعد حرب تموز الفاشلة»، ومحاولة ضرب القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية ضربة نهائية، وهي قدرة تستند الى تقارير ومعلومات استخباراتية غير واضحة بل غير منظورة، وفرض حلول سياسية على لبنان (استنادا الى مراعاة مصالح اسرائيل طبعا)، قد تغير طبيعة لبنان الجيو ـ سياسية، كما تربط بعض التقارير احتمالات الحرب بالملف النووي الايراني. الا ان الأبرز في سيناريوهات الحرب المقبلة، ما نقلته «السفير» من قراءة لرئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون يوم السبت الماضي، وفيه يربط توقيت شن الحرب بصدور القرار الظني الذي يتوقعه البعض في ايلول المقبل أو تشرين، بما سيتضمنه من توجيه اتهام الى «حزب الله» او بعض قيادييه وعناصره، الأمر الذي سيمهد لفتنة داخلية تستدرج الاسرائيلي الى عمل عسكري ضد المقاومة. اخر هذه التقارير ـ السيناريو عن الحرب ما نشره السفير الاميركي الاسبق في اسرائيل ومصر دانيال كيرتزر لمصلحة «مركز الاجراءات الوقائية» الاميركي (نشرته «السفير» في 16 الجاري)، ويضع فيه عددا من الاحتمالات، بعضها متناقض الفرضيات وتعوزه الدقة والعقلانية في التشخيص والتحليل والاستنتاج، فلا يمكن الاعتماد عليه والاعتداد به بشكل تام، لكنه يخلص الى الاعتقاد ان الادارة الاميركية لن تدعم الحرب الاسرائيلية الطويلة هذه المرة، لا بل ستضغط دبلوماسيا وسياسيا على اسرائيل لوقفها فورا، او تحويلها الى ضربة عسكرية محدودة تساعد في قلب موازين القوى وتغيير قواعد اللعبة، بما يؤدي الى تقييد «حزب الله» وفرض الحل السياسي لأزمة المنطقة!ويلاحظ ان هذا التقرير هو الوحيد ربما الذي لم يربط الحرب بقرار المحكمة الدولية، بل استند الى جوهر الصراع في المنطقة وهو حل القضية الفلسطينية ومتفرعاتها اللبنانية والسورية والاقليمية. كما تأخذ معظم سيناريوهات الحرب بالاعتبار ان قدرة «حزب الله» القتالية – لا الصاروخية فقط ـ قد تعاظمت بشكل كبير، ما يضع امام احتمالات الحرب الكثير من القيود والحسابات، ويدفع اسرائيل وحلفاءها الى درس الخيارات والنتائج المرتقبة اكثر. خاصة ان قدرات «حزب الله» العسكرية بالاجمال مجهولة وهي شكلت مفاجآت كثيرة ليس في حرب تموز فقط، بل قبل ذلك في عمليات المواجهة ضد مواقع الاحتلال وعملائه في الشريط المحتل سابقا منذ الثمانينيات وحتى التحرير في العام الفين. هنا برأي المراقبين يجيء دور التسريبات عن القرار الظني للمحكمة الدولية وربطه بـ«حزب الله» بشكل او بآخر، بحيث يشكل عامل المساعدة الاساسي لتطويق «حزب الله» داخليا بالفتنة وتوفير الجو الداخلي اللبناني المواتي للبعض للخلاص من «حزب الله» وكل حلفائه في المعارضة، وتسهيل العمل العسكري الاسرائيلي. وهو ما اشارت اليه المعلومات عن لقاء الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله بالنائب العماد ميشال عون قبل ايام، حيث حذر عون من تكامل السيناريوهات الداخلية مع الخارجية، ما يستوجب عملية سياسية استباقية بالضغط لتغيير الحكومة الحالية أو تعديلها، لبناء واقع اكثر تماسكاً لمواجهة المرحلة المقبلة. وتفيد القراءة الواقعية للوضع اللبناني ان الارض مهيأة نسبيا لمثل سيناريو الفتنة الممهد او المساعِد للحرب الاسرائيلية، سواء عبر شبكات العملاء التي نبتت كالفطر وتهاوت كقصور الرمال، او عبر استمرار الشحن الطائفي والمذهبي، الا ان كلام السيد حسن نصر الله الاخير عن احتمال توجيه المحكمة الاتهامات للحزب، جاء بمثابة صرخة ودعوة لمنع حدوث الفتنة التي يمكن أن تشكل بيئة مساعِدة للعدوان الاسرائيلي، ولتلافي انزلاق لبنان الى مخاطر الصدامات الداخلية بكل اشكالها، ولعل النصيحة موجهة بالاساس برأي البعض، الى الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري، للعمل على معالجة الثغرات الداخلية الخطيرة، للتفرغ لمواجهة المخاطر الاسرائيلية. لكن ثمة من يرى ان هناك محاذير تقرأها الدول الغربية جميعا، من خطر انزلاق لبنان الى لعبة الدم الداخلية او الفوضى بكل اشكالها، لانها تؤثر بشكل سلبي على المساعي الجارية لمعالجة ازمة المنطقة، وتفجير لبنان من الداخل قد يفجر كل اوضاع المنطقة، فتضيع مصالح الدول الكبرى فيها، الا اذا كان ثمة من يسعى فعلا الى تفجير المنطقة لحسابات غير لبنانية. المهم ان الطرف المعني بكل هذه السيناريوهات هو «حزب الله» مع حلفائه، وهو بقدر ما يعمل على وأد الفتنة الداخلية، يعمل على زيادة قدراته القتالية لمواجهة اي مغامرة اسرائيلية عسكرية.  

عصام سحمراني

 إليك أيّها الكافر بحرّيات مزعومة يدّعونها.. هل تساءلتَ يوماً عن السبب الذي يدفعنا للاستعانة بوسائل الإعلام الغربية التي تعادي قضايا أمتنا!؟ لماذا نشاهدهم، ونقرأهم، ونطلّ عبر شاشاتهم، ونجيب عن أسئلتهم، ونحاول التهليل دوماً لترحيبهم بالرأي المختلف؟ لماذا نعتبرهم آلهة لحرّية الرأي بينما نرى على مدار العام تجاوزاتهم التي لا تحتمل في مغازلة أعداء أمتنا طرداً لموظف أدلى برأيه الخاص - الحر افتراضا فحسب - من هنا، وترويجاً لفكر سياسي عنصري ضدنا من هناك!؟ أيّ شخص منّا مهما كان انتماؤه وهويته وتوجهه يعتنق قناة إخبارية أو جريدة أو إذاعة أو موقعا إلكترونيا عربياً، يصدّق ما يقول ويتفاعل مع طروحاته ويروّج لمصداقيته ويعمد في الوقت نفسه إلى توجيه الاتهامات بكثير من الأمور إلى قنوات وجرائد وإذاعات ومواقع منافسة. وفي نظرة سريعة وغير غارقة في البحوث الممولة بآلاف الدولارات من هذه الجهة وتلك، بما يخدم مصالحها القائمة أو يمهد للقادمة، يظهر لنا أنّ الإعلام العربي بأكمله منقسم تجاه مختلف القضايا، لا سيّما ما يتعلق منها بأنظمة الحكم والصهاينة والقوى الإقليمية وفي مقدمها إيران، والقوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية. انقسام إعلامي يعود بشكل مباشر وصريح وبلا أيّ مواربة، إلى مصادر تمويل المؤسسات مرئية كانت أم مسموعة أم مكتوبة وإلكترونية. وليس في الأمر جديد إذا ما علمنا أنّ معظم المؤسسات الإعلامية «الواصلة» هي مؤسسات حكومية أو شبه حكومية أو مقربة من حكومة ما بشكل أو بآخر. وبطبيعة الحال إزاء ذلك لا يمكن اعتبار أيّ من هذه المؤسسات ذات مصداقية خاصة في ما يتعلق بغض الطرف الدائم عن سياسات الجهة التي تقف وراءها. من الطبيعي أنّ مثل هذا الوضع مخيّب للآمال خاصة إذا لم تكن من قوى المعارضة في بلدك. فللمعارضة مؤسساتها الإعلامية أيضا، لكنها بشكل أو بآخر تكشف عن صدق نواياها، ووضوح توجهاتها السياسية الحقيقية، ولا تدّعي لنفسها وقوفاً على حيادٍ في ما يخصّ قضايا مصيرية داخلية وخارجية مكشوفة ومفضوحة. ولا يمكن لك بأيّ حال أن تنتقص من كرامة أيّ مؤسسة من هذا النوع إذا ما اتهمتها بالانحياز، فهو ديدنها المطلوب لإسقاط حكم، أو تغيير وضع، أو مواجهة أزمة، أو تجييش نفوس للحرب ضدّ مستعمر ومحتل ومعتدٍ. أمّا حين لا تكون من قوى المعارضة ولا تعتنق أخبارها - بياناتها، فالفضاء مفتوح أمامك على مؤسسات تكشف مباشرة عن كثير من الوجوه سوى وجه الحياد والمصداقية وحرية الرأي التي تدّعيها، خاصة حين يلمس الخبر أولي أمرها، أو مصالحهم التي لا حدود لها، والتي تصل في بعض الأحيان إلى أنّ التعريض بهجوم صهيوني على أسطول الحرية هو أمر مرفوض! أنت تعلم بداخلك أنّك لست من قوى المعارضة أبداً، لكنّك في الوقت نفسه لست مع الصهاينة، لا بل إنّك تعاديهم وتعتبر أنّهم عدوّك الأزليّ والسرمديّ قبل دخولك عالم المثل واعتبارك لهم عدواً للإنسانية جمعاء، فالمسألة شخصية ومحدّدة بينك وبينهم، بدليل قصفهم لمنزلك مثلاً أو اعتقالهم لأحد أقربائك أو تهديدهم لتجارة لك في حين من الأحيان لا أكثر. أمام هذا الوضع، قد تنتفض وترفض ما تتلقاه من قناتك الأولى فتهدأ بعد حين وتتناسى ما قد كان منها، أو إنّك تنتقل إلى طرف آخر قد يكون معارضاً أو موالياً لحكومة أخرى. لكنّك وفي لحظات هيام بالحياد ووجد بالحرية تنتقل فجأة إلى المنابع الأصيلة للصحافة، عبر متابعة الإعلام الأميركي والبريطاني والفرنسي؛ ما جاء بلغته الأصلية، أو بالنسخ العربية، المندفعة صوتاً وصورة وكتابة ورقية وإلكترونية، بأشدّ مما تندفع جيوش تلك البلاد في استعمار بلادنا في ما مضى، وإحلال الديموقراطية بتحالفات الصواريخ والبنادق والمدرعات والمقاتلات في ما هو قائم. تشاهد، وتسمع، وتقرأ، وتتفاعل، فتعلّق وتعقّب وتردّ وتنقل كلّ ذلك إلى غيرك، وتدعو بدون وعي منك إلى عالم الصحافة الحرة الذي لا مثيل له إلاّ في مقررات الجامعات! وتدمن أخبارها، وتعتنق آراءها، وتتمتع بنعيم تقبّلها لكلّ رأي مخالف، لتفاجأ في لحظة معينة أنّها تستجيب لضغوطات الصهاينة المباشرة، أو الآتية من صميم تعاون دولة المؤسسة معهم، فتطرد الموظفين استجابة لهم، وتقدّم التبريرات اللازمة، والتنازلات الجاهزة تطييباً لخواطرهم! تفاجأ وترنو إلى يأس هذه المرة، وتكتشف في لحظة كفر بحرّياتهم لا بدّ أن يستمر، أنّهم أشدّ سوءاً من تلك التي تسيطر على بلدك وأمتك، بانحيازها الواضح كوضوح حذاء يتجه إلى رأس بوش.

 

 

استعادت ايران عالمها الفيزيائي شهرام اميري وسط ضجة قل نظيرها، خصوصاً بعد تأكيده انه خطف في السعودية ونقل الى الولايات المتحدة، لكن الفرحة الايرانية التي تبدت بعودته، سرعان ما بددها انفجاران انتحاريان استهدفا مسجداً في مدينة زهدان في محافظة سيستان بلوشستان، أسفرا عن مقتل 20 واصابة اكثر من مئة بجروح. وقال نائب وزير الداخلية الايراني للشؤون الامنية، علي عبد الله إن التفجيرين انتحاريان، موضحاً أنّ «التفجير الأول وقع خلف نقطة تفتيش، وأدّى إلى مقتل وإصابة عدد من أفراد الحرس الثوري». يذكر أن سيستان ـ بلوشستان تعد معقلاً لمجموعة «جند الله» التي كان يتزعمها عبد الملك الريغي، وقد تم إعدامه الشهر الماضي في زهدان نفسها. وأعرب المسؤول المحلي حسين علي شهرياري عن اعتقاده بأن «جند الله» تقف وراء الهجومين، وذكرت قناة «العربية» السعودية أن الجماعة ادّعت مسؤوليتها عن الهجوم، مشيرة إلى أنه يأتي انتقاماً لإعدام ريغي. أميري يروي اختطافه وأكد أميري، بعد عودته إلى طهران أمس، أن أجهزة الاستخبارات الاميركية قامت باختطافه من السعودية، وعرضته لضغوط نفسية وجسدية كبيرة، كما أغرته بمبالغ مالية لتقديم معلومات والتصريح بأنه لجأ بحريته إلى الولايات المتحدة، نافياً امتلاكه أية معلومات عن برنامج بلاده النووي، فيما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أنه تلقى مبلغ 5 ملايين دولار مقابل تقديم معلومات، كما ربطت وزارة الخارجية الاميركية بين عودته إلى ايران ومواطنيها الثلاثة المحتجزين في ايران. وقال اميري للصحافيين بعيد وصوله الى مطار طهران الدولي «ليس لي اي علاقة بنتانز وفوردو (موقعان لتخصيب اليورانيوم). كانت لعبة من الحكومة الاميركية لممارسة ضغط على ايران». واضاف الباحث وهو يبتسم ويرفع اشارة النصر «لم اجر اي ابحاث في المجال النووي. انا باحث بسيط اعمل في جامعة مفتوحة امام الجميع وليس فيها أي سر». واكد أميري مجدداً ان «عملاء في الاستخبارات الاميركية والسعودية خطفوني امام الفندق في المدينة المنورة ونقلوني الى الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية»، خلال تأديته العمرة في العام 2009. واضاف ان عملاء الاستخبارات الاميركية «طلبوا مني ان اقول لوسائل الاعلام الاميركية انني طلبت اللجوء الى الولايات المتحدة وانني جلبت معي وثائق وكمبيوتراً محمولاً يحوي معلومات سرية حول البرنامج النووي العسكري». وتابع قائلاً إن الاميركيين عرضوا عليه «10 ملايين دولار لاجراء مقابلة مدتها عشر دقائق على شبكة سي ان ان... بعون الله قاومت. لم يكن اي ايراني ليقبل ببيع بلاده الى الاجانب، مقابل المال». وقال اميري «فوجئت فعلاً بتصريحات وزيرة الخارجية الاميركية (هيلاري كلينتون) التي قالت إنني كنت حراً هناك وانني ذهبت بمحض ارادتي. لم أكن حراً. كنت بحراسة رجال مسلحين من الاستخبارات الاميركية». واضاف «في الشهرين الاولين، تعرضت لاسوأ حالات التعذيب النفسي». كما أكد اميري ان «اسرائيليين كانوا موجودين خلال بعض جلسات الاستجواب (في الولايات المتحدة) ومن المؤكد انه كان لديهم مخطط لنقلي الى اسرائيل». ونفى نائب وزير الخارجية الايراني حسن قشقوي الذي كان في المطار ان يكون «الإفراج عن» اميري مرتبط باي تبادل مع ثلاثة اميركيين محتجزين في ايران منذ اكثر من عام، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي للصحافيين في واشنطن، «عقب عودته (اميري) إلى ايران، اتوقع أن يكون لديه أشياء ليقولها ونصيحتي ستكون ان تأخذوا ما سيقوله ببعض التشكك»، رابطاً بين عودته والأميركيين الثلاثة المحتجزين في ايران، إذ قال «أراد (أميري) العودة ونحن سمحنا له بذلك... هذا نوع التصرف الذي نتوقعه» ازاء الأميركيين الثلاثة. من جهته، قال وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي إن عودة اميري جاءت «نتيجة سنتين من الجهود» قامت بها ايران. واضاف ان «تفاصيل خطفه ستكشف بعد اجراء تحقيق»، مؤكداً أن طهران تحتفظ بحقها في ملاحقة قضية اختطاف أميري قضائياً. تقرير «واشنطن بوست» لكن «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن أميري تلقى مبلغ 5 ملايين دولار من الـ«سي آي ايه» لتقديم معلومات عن البرنامج النووي الايراني. وأعلن أحد المسؤولين أن «كل ما حصل عليه مالياً، بعيد عن متناوله بفضل العقوبات المفروضة على ايران»، مضيفاً «لقد رحل لكنه لم يأخذ المال. معلوماته في حوزتنا وهو في حوزة الايرانيين»، وأكد أن «الدعم المالي يعكس قيمة المعلومات التي قدمها، بعد التأكد من صحتها بمرور الوقت. نحن لا نعطي شيئاً مقابل لا شيء». وأشارت الصحيفة إلى أن المبالغ التي قدّمت لأميري تندرج في إطار برنامج سري تقوده الـ«سي آي ايه» ويطلق عليه اسم «ضخ العقول»، ويهدف إلى ترغيب علماء وخبراء بارزين في الانشقاق عن ايران وتقديم معلومات عن برنامجها النووي. كما رجّحت بأن تكون عائلة أميري تعرّضت لضغوط في ايران، ما دفعه «إلى العودة عن قراره» في التعامل مع الولايات المتحدة، لكن أميري اكد ان «عائلتي حرة تماماً، وكانــوا يحصــلون على دعم مالي من الحكومة» الايرانية. إلى ذلك، التقى متكي في لشبونة قبل اختتام زيارته لكل من اسبانيا والبرتغال، نظيره التركي أحمد داود أوغلو. وافادت وكالة «مهر» الايرانية للأنباء انهما استعرضا خلال هذا اللقاء العلاقات الثنائية وتبادلا وجهات النظر بشأن إعلان طهران وقضية مبادلة اليورانيوم الايراني المحلي بوقود نووي من الخارج، والخطوات التي اتخذتها مجموعة فيينا والاتحاد الاوروبي. وأكد متكي وداود اوغلو على إمكانية وتأثير إعلان طهران الموقع من قبل ايران وتركيا والبرازيل، على خلق أجواء ملائمة لتوسيع نطاق التعاون النووي السلمي. («السفير»، أ ب، رويترز، أ ف ب،

لن يحصل فراس حيدر على فرصة الاحتفال بعيد ميلاده العشرين الذي يُصادف اليوم. كما أنه لن يكمل فرحته بمعرفة نتيجة امتحانات البكالوريا الفنية التي كان قد قدمها خلال دورة هذا العام. كان فراس يثق بأن نتيجة الامتحان ستصله إيجابية، وفق ما أكد محامي عائلة حيدر، محمد احمد شقير، لـ«السفير».

فراس حيدر هو الشخص الذي تسلل إلى طائرة تابعة لشركة «ناس» السعودية منتصف ليل الجمعة ـ السبت الماضي، وعثر على جثته في صندوق منظومة العجلات عند هبوط الطائرة في مطار الملك خالد الدولي في الرياض. وفراس هو شاب لبناني، «منذ أكثر من عشر سنوات»، كما يشير إخراج قيده الذي حصلت «السفير» على صورة منه، وهو من مواليد قرية مركبا العام 1990، خلافاً لما شاع بأن الراحل ليس لبنانياً. ورفضت عائلة فراس أمس رفضاً قاطعاً استقبال الصحافة، وكلّفت المحامي شقير بالتحدث باسمها. ويشرح شقير لـ«السفير» أن «العائلة تنتظر نتائج التحقيقات الحالية لمعرفة أسباب وفاة ابنها»، مؤكدا أن «جثمان الراحل سيصل الى ذويه فور إجراء فحص الحمض النووي، بعد أخذ خزعة من أحد أفراد العائلة». ونفى شقير ما يُروّج عن تعاطي فراس للمخدرات، مشدّدا على أن الراحل هو «شاب منضبط وخلوق، وكنت معه قبل يومين من غيابه عن المنزل، وكان يبدي تحمّسه لنتائج امتحاناته. كذلك، أخبرني أنه يريد أن يساعد عائلته بأي وسيلة ممكنة، وكانت تراوده فكرة السفر للعمل في الخارج». وكان عدد من شبان المنطقة قد ذكروا أن «الشاب الراحل كان يتعاطى المخدرات، ولا يكون كثيراً في المنطقة». يذكر أن والد فراس عاطل من العامل، وللشاب شقيقان، واحد يكبره والثاني يصغره سنّا. لكن، فراس غاب عن البيت ثلاثة أيام قبل وقوع حادثة الطائرة السعودية. ألم تلحظ العائلة غياب ابنها عن المنزل لثلاثة أيام؟ يجيب شقير: «والدا فراس اعتقدا انه عند أحد الأقرباء أو الأصدقاء، وكانا يسألان عنه هناك من دون أن يخطر في بالهما التبليغ عن اختفائه لعدم رغبتهما في المبالغة في القلق عليه». بدوره، يقول صديق مقرّب من فراس فضّل عدم نشر اسمه، إنه لم يلحظ على صديقه أي تصرفات غريبة مؤخراً، وكانت المرة الأخيرة التي التقى فيها به منذ أسبوعين. ويضيف الشاب أن «فراس يعمل في محل للألبسة في شارع الحمراء، ولم يتحدّث أمامي عن فكرة السفر مطلقاً، لكنه يعاني مشاكل مادية، وكان همّه الوحيد أن يساعد في تأمين مصروف المنزل». ويضيف أنه عرف من شباب المنطقة أن فراس هو الشاب الذي عُثر على جثته في منظومة العجلات، وكان رد فعله الأول: «ليه فراس سافر؟!». وقد نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» أمس خبرا، بناءً على تحقيقات أجريت مع شقيقه الراحل علي، يفيد بمثول علي أمام «الجهات الامنية المختصة في المطار، حيث عرضت عليه الصورتان المرسلتان من السلطات السعودية. وأفاد علي بأن فراس كان قد تغيب عن منزل ذويه منذ ثلاثة ايام، وكان يعاني توترا عصبيا ونفسيا وتغيرا واضحا في سلوكه خلال الأشهر الستة الأخيرة». وقد تبلّغ بهذه المعلومات النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، الذي يشرف على التحقيق الجاري في هذه القضية. وأضاف الخبر انه «تم أطلق سراح علي بعد الاستماع الى افادته». أهل المنطقة يعرفونه ولا يعرفونه! «ليه فراس عمل هيك؟! فراس ابن حسين حيدر؟ فراس ما غيرو؟ هيدا الشاب الصغير، ...». تلك عينة من الأسئلة التي طرحها سكان منطقة برج البراجنة على أنفسهم وبعضهم أمس، وتحديدا في «حي السنديانة» حيث يقطن فراس في البيت العائلي، الواقع في الطابق الخامس من بناية صالح التي تقع مقابل جامع «سيد الأوصياء». على مدخل البناية، انتشرت العناصر الأمنية، لتمنع دخول أي مستفسر إليها، في ما يشبه التطويق للمبنى. وحتى ظهر أمس، لم يكن الخبر قد انتشر بين سكان المنطقة بعد. ورغم أن أحد مخاتير المنطقة (فضّل عدم نشر اسمه) أكد لـ«السفير» أن العائلة تسكن في المكان منذ سنوات عديدة، إلا أن الناس عموما لم يعرفوه. يقول رجل خمسيني إنه لا يعرف شيئا عن هذه العائلة، وكان يرى فراس «شاباً عادياً كسائر شبان المنطقة». تسأل امرأة عن اسم والدة فراس لعلّها تعرفها، في حين يؤكد رجل آخر أن عائلة الراحل «مستورة ومعترة». منهم من يعرف فراس جيّداً، ومنهم من يتهمه بتعاطيه المخدرات. آخرون يعرفونه، ويرفضون التحدث عنه حرصاً على حساسية الموضوع. ويشير أحد جيران فراس إلى أن القبعة التي وجدت في مدرج المطار كانت لا تفارق فراس. قال إن الراحل كان يرتدي قبعته «الكاسكيت» إلى الخلف دائماً، «بس ما بيتعاطى كتير مع شباب المنطقة». حول البناية التي يقطن فيها الراحل، تتحلق مجموعة من الشباب. يطلب أحدهم من الصحافيين، بعدما عرّف عن نفسه بصفته «مقرّباً من العائلة»، متابعة الموضوع مع المحامي المكلّف، وعدم زيارة العائلة المفجوعة. على شرفة منزل عائلة فراس، تقف امرأة متشحة بالسواد، والى جانبها أطفال وشبان يسترقون النظر من الاعلى، محاولين التعرّف إلى شخصية كل زائر يسأل عن الحادثة. في المشهد نفسه، يتولّى شبان مهمة نقل مجموعة كبيرة من كراسي البلاستيك التي تستعمل خلال مراسم العزاء، الى بيت الراحل. وحين سألنا إذا كانت مراسم العزاء قد بدأت، أجاب شاب: «حتى الساعة، لا شيء». وحده شاب يقف في المكان متفرّجا، يعبّر عن استيائه مما حصل لفراس الذي يعرفه بالشكل فقط، ويقول: «ليه الدولة ما بتلاقي حلّ للشباب؟ مش حياة هيدي اللي عايشينا نحن». صور فراس تغيب عن الشارع الذي يسكن فيه. هناك غموض يسود المكان، من يعرفه يفضّل عدم الإفصاح عن أي معلومة. ومن لا يعرفه، يسأل بحشرية عن الحادثة الغريبة. حادثة أصبح فراس خلالها معلّقاً بين السماء والأرض.. ليعود جثة هامدة إلى حضن والديه. زينة برجاوي

الأكثر قراءة