أجلت الى اليوم او غداً عملية الافراج عن عدد من المعتقلين اللبنانيين الذين اختطفهم جيش الاحتلال الاسرائيلي من على متن إحدى سفن «أسطول الحرية» وهم رئيس البعثة اللبنانية الدكتور هاني سليمان، الزميل في قناة الجزيرة عباس ناصر والمصور اندريه ابي خليل، حسين شكر، ونبيل حلاق. وقد تم إرجاء اطلاق سراح المعتقلين نتيجة مماطلة سلطات الاحتلال في الافراج عن الدكتور سليمان بذريعة واهية تتعلق بوضعه الصحي، في حين رفض لبنان المناورات الاسرائيلية، على إيقاع وساطات متعددة الجنسيات شملت الاردن بطلب من الرئيس سعد الحريري، فيما تردد ان وزير الدفاع الياس المر طلب أيضاً تدخل السفارة الاميركية في بيروت. وأبلغ الحريري مجلس الوزراء في جلسته مساء امس بانه يتواصل مع الاردن للضغط على اسرائيل من أجل استعجال عودة الدكتور سليمان الى لبنان، موضحاً ان ثلاثة من اللبنانيين المحتجزين سيسلمون الى القوات الدولية في وقت قريب جداً. وكان الاحتلال قد ابلغ الـ«يونيفيل» أمس بنيته بالافراج عن ثلاثة من اللبنانيين هم ناصر وابي خليل وشكر، فتم ابلاغ الموقف الاسرائيلي الى قيادة الجيش اللبناني التي تواصلت بدورها مع الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري الذين اجروا مشاورات عاجلة في ما بينهم وطلبوا من قيادة القوات الدولية ان تنقل الى الجانب الإسرائيلي إصرار لبنان على إطلاق سراح كل اللبنانيين من دون استثناء. وأفادت المعلومات ان سلطات الاحتلال طرحت في بداية الامر تسليم المعتقلين الى الاردن، فرفض الرئيس نبيه بري الامر، وأبلغ قيادة الـ«يونيفيل» موقفاً حازماً بوجوب أن يعود اللبنانيون المحررون الى بلادهم عبر معبر الناقورة الذي درجت العادة على استخدامه في مثل هذه الحالات، سواء خلال عمليات تبادل الأسرى الشهيرة او حين جرى قبل أشهر استرجاع مجموعة لبنانية تمّ توقيفها على متن سفينة تضامنية حاولت كسر حصار غزة. وفي المعطيات التي توافرت حول سبب محاولة العدو تمييع الإفراج عن رئيس البعثة اللبنانية الدكتور سليمان ان تل أبيب تذرعت خلال النهار بان وضعه الصحي لا يسمح بنقله حالياً، وان استكمال علاجه ما زال يحتاج الى بعض الوقت، بعدما كان قد اصيب برصاصة مرتدة في قدمه خلال الهجوم على «اسطول الحرية»، علماً ان سليمان يرفض ان يُعالج في مستشفيات الاحتلال. وإزاء هذا الوضع، اتصل رئيس الحكومة سعد الحريري بالجهات المعنية في الجانب الأردني ووضعها في الاجواء طالباً مساعدتها في حل العقدة الاسرائيلية المفتعلة. وبالفعل أجرت عمان اتصالات بالجانب الاسرائيلي وأبلغته انه إذا كان الاعتبار الصحي هو الذي يحول بالفعل دون الافراج عن سليمان، فهي جاهزة لترسل على الفور سيارة اسعاف، مكتملة التجهيزات، من أجل ضمان نقله وتسليمه الى السلطات اللبنانية، ولكن الاسرائيليين اصروا على موقفهم، ما طرح علامات استفهام حول الخلفيات الحقيقية الكامنة خلف المماطلة في إطلاق سراح رئيس البعثة اللبنانية، بعد انكشاف هشاشة الذريعة المستخدمة لتبرير إطالة مدة توقيفه، وعدم استنادها الى أي مبرر مقنع، لا سيما وان إصابة سليمان ليست حرجة. وفي ما خص نبيل حلاق، ادعت سلطات الاحتلال بداية انها أضاعت أثره لانه ليس مندرجاً ضمن لائحة المعتقلين اللبنانيين، فجرى ابلاغها بانه يحمل جواز سفر ايرلنديا وانه شارك في المهمة التضامنية على هذا الاساس، وتم تسليمها رقم جواز السفر، فاتى الرد من الطرف الاسرائيلي بانه يريد بعض الوقت لتحديد مكان وجوده لان عدد المعتقلين كبير، وهم موزعون على أكثر من مكان توقيف. ولقطع الطريق على أي مناورة محتملة، تقرر ان تُرسل اليوم صورة لحلاق الى الجانب الاسرائيلي عبر الكولونيل المفاوض من الـ«يونيفيل»، فيما دخل السفير الايرلندي في تل ابيب على خط ملف حلاق، وسط ترجيحات بان يتم ترحيله في نهاية المطاف الى ايرلندا. وكانت نقطة راس الناقورة عند الحدود مع فلسطين المحتلة قد شهدت بدءاً من مساء امس وحتى ساعة متقدمة من الليل استنفاراً عسكرياً وازدحاماً إعلامياً، مع تداول أنباء عن احتمال اطلاق سراح المعتقلين. وبلغ عدد المراسلين المحليين والعرب والاجانب أكثر من مئة صحافي أمضوا الوقت الطويل من الانتظار الثقيل في تبادل التكهنات حول سيناريو الإفراج عن المعتقلين، قبل ان ينفضوا ليلاً بعد تأكد إرجاء إتمام العملية الى وقت لاحق. وحضر ليلاً الى المكان عضوا كتلة الوفاء للمقاومة النائبان حسن فضل الله ونواف الموسوي الذي أوضح ان حزب الله ينتظر ما ستؤول اليه جهود الحكومة اللبنانية قبل ان يحدد خطوته.
نبيه عواضة
ذات يوم نفذ الأسرى المحررون من السجون الاسرائيلية اعتصاماً أمام السرايا الحكومية امتد لأكثر من عشرين يوماً، صدر بعده ما عرف بالقانون 364 القاضي بدفع تعويضات مالية للأسرى وفقا لعدد سنوات الاعتقال. يومها سلك القانون دربه وطبق ما طبق منه ووصل تقريباً الى خواتمه بانتظار البت بملفات 800 أسير عالقة بين المالية ووزارة الدفاع. وأوردت الجريدة الرسمية على الصفحة نفسها من العدد الرقم 41 تاريخ 18/8/2001 نص القانون الرقم 365 القاضي باستحداث وسام الأسير. فيما ترك أمر تحديد مواصفات الوسام لمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وبناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني في مهلة لا تتعدى الثلاثة أشهر من تاريخ نشر القانون. الأشهر الثلاثة تلك امتدت تسع سنوات متتالية تنقل خلالها مشروع القانون بين رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع ثم انتقل الى قائد الجيش فمجلس الأوسمة ومنه إلى مجلس شورى الدولة ليعود إلى وزارة الدفاع، ومن ثم إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء الذي أصدر مرسومه التطبيقي في جلسته التي عقدت بتاريخ 24/2/2010 وأدرجه ضمن عداد الأوسمة الوطنية اللبنانية المحددة في المرسوم الاشتراعي الرقم 122 لعام 1959 وحاز الرقم 16 وفق ترتيب الأوسمة البالغ مجموعها 22 وساما. هي مداولات إدارية ومراسلات استراحت لعامل الزمن. فما الذي تمخض عن هذا الانتظار؟ المرسوم وملاحظات الأسرى حسب المادة الأولى من القانون 365، يمنح وسام الأسير لتكريم العسكريين الذين أسروا أو الذين سيتعرضون للأسر من قبل العدو في ظروف خارجة عن إرادتهم وبقوة قاهرة، بعد التحقق والتثبت من ظروف الأسر عبر إحدى جهات ثلاث هي الصليب الأحمر الدولي أو اللبناني، أو وزارة الدفاع الوطني، أو وزارة الداخلية والبلديات. وتتحدث الفقرة الثانية من المادة الأولى عن منح الوسام للمدنيين في الحالات ذاتها بعد التحقق والتثبت من ظروف الأسر. وهنا لا ذكر إطلاقا لكلمة «مقاومين»، وهو أمر أثار حفيظة الأسرى المحررين تخوفا من تكرار الأخطاء التي رافقت صرف التعويضات المالية حين تمكن مجموعة من العملاء من قبض بعض المستحقات المالية. وتداركاً لذلك تداعت هيئة ممثلي الأسرى وهي إطار تمثيلي تضم أحزاب القومي والشيوعي وحزب الله وحركة أمل والمستقلين إلى عقد سلسلة من الاجتماعات، وسط إرباك في صفوفها، فقد جاء إقرار القانون بالصيغة المعتمدة مفاجئاً لها. فلم يتم التنسيق مسبقاً مع الأسرى المحررين للوقوف على رأيهم والاستماع لملاحظاتهم حول مواصفات وشروط منح الوسام أو تحديد ملحقاته. وهنا يسجل الأسرى المحررون عتبهم على الوزراء المحسوبين على فريقهم السياسي قبل الفريق الآخر، ويتحدث الشيخ عطا الله حمود رئيس الجمعية اللبنانية للأسرى عن «غموض في المرسوم التطبيقي فهو لا يأتي على ذكر المقاومين ضد العدو الإسرائيلي فالحديث يدور عن منح الوسام للمدنيين، مع العلم أن البيان الوزاري يعترف بالمقاومة. فهل المقاومون أشخاص مدنيون أم عناصر مقاومة؟ لأن صيغة مدنيين كما هي واردة تفتح الباب أمام المشاغبين والعملاء ومهربي المخدرات الذين يتم توقيفهم لدى العدو لأسباب جنائية أو أولئك الذين زُجوا في معتقل الخيام على خلفية مسلكية الهدف للإساءة للمقاوم وقضيته وهي سياسة دأب عليها العدو من خلال دمج الأسرى بسجناء مدنيين في معتقل واحد». قد يكون لهذا الامر مخرج على ما يقول أمين سر الهيئة الوطنية للمعتقلين إبراهيم كلش، كون القانون 365 خاضعاً للمرسوم الاشتراعي الرقم 122 تاريخ 1959.. فنظام الأوسمة يشترط في فصله الثالث وحسب المواد 15 و16 و17 و18 منه على من يحصل على الوسام يجب أن لا يكون محكوما بجناية ما وأن يكون حسن السيرة مع إمكانية تجريد حامله منه إذا ارتكب أي جنحة أو أي خطأ فادح نحو الشرف أو النظام أو قواعد حسن السيرة والسلوك»، واعتماد ذلك بحسب كلش «والاستفادة من تجربة وزارة المالية عبر اعتماد السجل العدلي الأصفر من شأنه أن يمنع تكرار أخطاء الماضي». يذهب عباس قبلان ممثل حركة أمل أبعد من ذلك حين يطالب بإعداد فقرة خاصة تتحدث عن منح الوسام تكريما للعسكريين والمقاومين والمدنيين وإيراد جملة على خلفية الصراع مع العدو الإسرائيلي. لكن المطالبة بتحديد العدو، لا تبدو مسألة عملية، فتحديد العدو يأتي وفق ما هو محدد بالدستور اللبناني الذي يعتبر إسرائيل هي العدو الوحيد اللبناني، بينما تسمية العدو الإسرائيلي ضمن نص القانون يسقط الحق عن من يمكن أن يتعرض للأسر لدى أي عدو مستقبلي. الوسام درجات وألوان والوسام عبارة عن ميدالية من المعدن البرونزي مستديرة الشكل رُسمت في وسطها يدان مقبوضتان نزعت عنهما الأصفاد وتشع من حولهما شمس تعلوها أرزة لبنان. توزع الميدالية وتتحدد ألوانها وفقا لثلاث درجات، الأولى وتكون مذهبة تمنح للذين أمضوا في الأسر مدة ثلاث سنوات وما فوق، يحصل عليها ما يقارب 325 أسيراً، فيما يحصل ما مجموعه 7000 آلاف أسير على ميداليتين واحدة من الدرجة الثانية وأخرى من الدرجة الثالثة، فتمنح ميدالية فضية للذين أمضوا في الأسر مدة تزيد عن سنة وتقل عن ثلاث سنوات. أما الميدالية البرونزية فتمنح للأسرى الذين أمضوا أقل من سنة. وهذا التصنيف يخلق إشكالية أخرى بنظر الاسرى. يطالب ممثل الحزب الشيوعي أنور ياسين بعدم التمييز بين الأسرى لجهة شكل الوسام أو لونه كون المعاناة واحدة والأمر لا يتعدى كونه إجراءً معنويا للأسرى. فيما تطالب ممثلة الحزب السوري القومي الاجتماعي رويدا نحلة بمنح الوسام المذهب لسائر الأسيرات المحررات من السجون والمعتقلات نظرا لظروف اعتقالهن الخاصة جداً. ويكاد المعنيون بالقضية يجمعون على أهمية استحداث وسام الأسير، فهو بالشكل تكريم لتضحيات الأسرى وعذاباتهم برغم خلوه من أية إشارة لما يمكن أن يستتبع من ملحقات مادية أسوة بما ينطبق على العسكريين، فهو بالنهاية خاضع لنظام الأوسمة عملا بالمرسوم الاشتراعي الرقم 122 تاريخ 12/6/ 1959. كما أن الجميع يطالب بمنح الأسرى الأوسمة في احتفال مهيب يسلّمه مباشرة رئيس الجمهورية بحضور رئيس الحكومة والمجلس النيابي وبمشاركة قادة المقاومة وسائر الأحزاب والكتل النيابية. وتعليق الوسام لن يزيل معاناة الاسر وبالطبع هو لن يخفف من لوعة الحياة خارج المعتقل للاسرى المحررين الذين يحاولون العيش من دون النظر لما فاتهم من وقت، الامر الذي يمثل لهم معاناة اضافية. فلن يبتاع الاسير المحرر معروف دياب المزيد من العطورات والساعات. ولن يقف الناس على الطريق بانتظار زميله بالاسر سائق سيارة الاجرة محمد خريس كي يقلهم معه بين قريته حيث معتقله الخيام وعاصمته البعيدة عن عذاباته. هم ما كانوا بانتظاره أصلاً. لكن فيه بعض رد جميل من لبنان لهم، بتكريم لهم وللوسام نفسه
نصري الصايغ
تلقى الروائي الفرنسي ايف سيمون، الرسالة التالية من مجهول: «عمري أربعة وعشرون عاما. زوجتي الحامل في الشهر الثالث تركتني. غادرت المنزل حاملة حقيبتها فقط. لم تترك لي أي كلمة. لم تفسر سبب إقدامها على هذا الفعل... لم أفهم ماذا حصل ولماذا. لم نكن على خلاف. لا شيء البتة يدعوها إلى الرحيل... أنا غاضب وحزين وضائع». قال الروائي وهو يهم في متابعة القراءة: «وما علاقتي بذلك؟». تابع ايف القراءة: «انتظرت اتصالا هاتفيا. توقعت إشارة ما. فتشت المنزل بحثاً عن تفصيل يفسر لي غيابها. فتشت الحقائب والجيوب، ولم أجد ما يدلني إلى سبب تركها». قال الروائي: «حتى الآن، لست مسؤولا عن شيء، أو لم يُطلب مني شيء». وتابع ايف القراءة: «لفتني يا سيدي، أن زوجتي كانت تقرأ في كتاب قبل أن تنام. لم أعر الكتاب اهتماماً، ظناً مني، ان الكتاب لن يرشدني إلى معرفة مصير زوجتي... لكنه أرشدني. أنت المسؤول يا سيدي عن ترك زوجتي بيتها، وعليك تقع مسؤولية إعادتها إليّ». دُهش الروائي. اكتشف فجأة أن المرأة قلدت بطلة روايته. انما، «ما علاقتي بالمسألة. أنا أكتب فقط. أكتب كي يقرأني الناس». عبثا. نص الرسالة ينتهي بما يلي: «أنت يا سيدي كتبت رواية دفعت امرأتي إلى تركي، عليك الآن ان تكتب رواية أخرى تعيدها إليّ». ومنذ عشرين سنة، والكاتب ايف يبحث ويبحث. يكتب قصاصات يجمعها إلى قصاصات أخرى، ولم تلتئم بعد في نص روائي، اذا كتب، قد يعيد وقد لا يعيد، الزوجة الحالمة، إلى زوجها. كتاب واحد، خرب بيت رجل. كم كتابا سياسياً، كم بيانا سياسياً، كم عقيدة سياسية، كم خطبة سياسية، خربت بيوتنا وأوطاننا وأمتنا... ولم يطالب أحد منا، باستعادة ما أخذ منه، أو بكتابة نص يعيد إلينا، نساءنا وأموالنا وأعراضنا وأراضينا وآمالنا وأحلامنا وذريتنا التي ولدت تحت خط القمع والضياع والفقر والبؤس. المرأة التي قرأت الرواية، تماهت مع النص إلى درجة الامحاء. ومن منا لم يمّحِ بزعيم أو قائد أو طائفة؟ الرجل يطالب الكاتب برواية أخرى تصحح خطيئة التقليد. كم رجلاً منا، طالب زعماءه وخطباءه ورجال دينه وملهميه من أهل السياسة، بأن يكتبوا نصاً آخر، أو يسلكوا طريقاً أخرى... لا أحد حتى الآن. ولو فعلنا، لربما، عادت زوجة الرجل إلى بيته، وعادت معها شعوب إلى رشدها، وأوطان إلى بلادها، وأراض إلى أهلها، وأموال إلى حقائب الناس. لا أحد... إننا نستهلك من العقائد والأفكار والشعارات ما لا يحصى. لدينا سياسة «فاست فود»، وغب الطلب. لا نُتعب أنفسنا في محاسبة أحد، ولا يترك لنا أحد من أهل السلطة، فرصة الدفاع عن النفس أو تبرير الذات أو... البحث عن زوجته الضائعة. لا أحد... إيف سيمون، لا يزال قلقا. يتساءل عن الوسيلة التي يعيد فيها الزوجة الحامل إلى بيتها. وهو في الأساس غير مسؤول. مسؤوليته أنه كان موحياً سلبياً. ومع ذلك، هو يعيش قلق الرجل الذي فقد حبه وجنين امرأته. نحن... من بلاد أخرى. سيدنا التسيّب. إمامنا التخلي. قائدنا الفراغ... وعليه، فنحن أمة هائمة على وجهها، تخبط خبط عشواء عرجاء، لا أمام أمامها. وحده الوراء يحيط بها من كل اتجاه. أي نص تحتاج اليه هذه الأمة، كي تعود إلى نصابها؟ لعله النص الذي يكتبه الناس. لعلها الرواية التي تكتبها الأفعال. لعلها الكتابة التي لا لغة لها. معها الكتابة التي تشبه فعل الانتصار في 25 أيار 2000. كتاب الانتصار بين عدد قليل من الكتب، إذا قرأناه، عدنا إلى صراط الأمة المستقيم، إلى فضاء الحرية العميم، إلى منطق الحياة الحميم. هو الذي صدق معنا. وإن صدقنا معه، لا نضلّ الطريق إلى بيوتنا في فلسطين وكرامتنا كأمة ونسلنا كشعوب تستحق أرحام أمهاتنا ان تحبل وتفرح ببهاء الوضع. وقل اقرأ إذاً... ونعم القراءة.
فواز طرابلسي
لم يكشف السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي أمس الأول قتلة الرئيس رفيق الحريري. ولا هو وعد بذلك أصلاً. ولا هو اهتم بالرد على التهم المنسوبة إليه في القرار الظني المفترض ولا بحث في تسييس التحقيق. الفضيحة التي كشفها، وذكرنا بها، أدهى، هي فضيحة انحياز التحقيق. ها هي محكمة دولية ذات مستوى يفترض انه رفيع من النزاهة والرصانة والاحترافية تصب كل عملها مدى خمس سنوات على ظنّين واحد. فتتغاضى عن فاعل له حضور يفقأ العين في السياسة والحياة اللبنانيتين، هو أولاً في حالة عداء معه، مارس الاغتيالات والاعتداءات والقصف الأرضي والبحري والجوي منذ العام 1968، ويشن الغزوات العسكرية منذ العام 1978، وقد احتل خلال 22 سنة قطعة من أرض لبنان توازي عُشر مساحته وأدارها بواسطة جيش عميل، وله في البلد على ما تكشّف أخيراً من العملاء والجواسيس، ما قد يشكل عما قريب نسبة مئوية من عدد السكان! وعلى الرغم من ذلك كله، لم يخطر في بال التحقيق توجيه ولو قسم من تحرياته نحو إسرائيل ولو من قبيل الإحاطة بكل الاحتمالات. لم يُستدع أي إسرائيلي ولو للشهادة. ولسنا ندري تماماً مصير الشكاوى الدائمة الصادرة عن هيئة التحقيق من الدول التي حجبت عنها المعلومات والمستندات والمساعدة، وفي مقدمتها إسرائيل. حقيقة الأمر ان القرائن التي عرضها الأمين العام لـ«حزب الله» ـ وتحفظ عن انها ليست أدلة ولا اثباتات ـ كافية للبرهنة على ان الطرف الذي جرى استبعاده سلفاً من الشبهة والتحقيق يملك من القدرات ما يسمح له بالتخطيط والاستطلاع والتجنيد وتأمين الوسائل لتنفيذ مثل تلك الجريمة. إلى هذا بينت الوثائق المصورة انجازاً أمنياً يستحق التقدير، هو اختراق أجهزة المقاومة الإسلامية وسائل الرصد الجوي للعدو الإسرائيلي. لكن المفارقة ان المؤتمر الصحافي لم يعط أبرز قرينتين الوقت والاهتمام اللذين تستحقانه: حضور عميل إسرائيلي في موقع الجريمة قبل يوم واحد من وقوعها، وتحليق طائرة اواكس وطائرات مقاتلة إسرائيلية فوق موقع الجريمة خلال الساعات التي وقعت فيها. يظلل القرائن تحليل سياسي يكرره «حزب الله» منذ فترة يقول إن الاندفاعة الأميركية ـ الإسرائيلية ضد سوريا، في امتداد احتلال العراق والسعي لاستكمال الإطباق على المنطقة، كانت تقتضي «زلزالاً» بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري لاخراج الجيش السوري من لبنان. وهو الوجه الآخر للتحليل الذي يتهم الحكم في سوريا، تحديداً لاعتبار رفيق الحريري مسؤولاً عن استصدار القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية. غني عن القول ان القرائن في مضبطة السيد حسن نصر الله ناقصة، يعوزها الكثير من حيث الوسائل والدوافع بدءاً بطرائق وأساليب التنفيذ، وصولاً إلى البرهان عن حاجة إسرائيل لارتكاب سلسلة التفجيرات والاغتيالات اللاحقة على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني. مهما يكن من أمر، فالسيناريو البديل الذي قدمه السيد حسن نصر الله لجريمة اغتيال الرئيس الحريري، يستطيع ان يخدم في اتجاهين متعاكسين: ÷ الاتجاه الأول هو المساهمة في دفع التحقيق الدولي نحو مجرى جديد، بأن يأخذ الظن بإسرائيل مأخذ الجد ويتفحص القرائن التي يضعها «حزب الله» في عهدة المحكمة. وقد ترك السيد حسن نصر الله الباب مفتوحاً لوصول قرائنه إلى المرجع الدولي، إذ أعلن استعداده للمشاركة في لجنة تحقيق محلية تشكلها الحكومة اللبنانية لهذا الغرض، دون ان يمانع في وصول نتائج ووثائق تلك اللجنة إلى المحكمة الدولية. ÷ أما من حيث الاتجاه الثاني فالسيناريو الجديد معدّ لمن يبحث عن مخرج من ورطة القرار الظني، حتى لا نقول من ورطة المحكمة الدولية برمتها. وهو لا يشكل مخرجاً لأنه صحيح ولا لأنه ينطوي سلفاً على الحقيقة. ولا هو بالتأكيد سيناريو غير مسيّس. بل انه سيناريو مسيس بطريقة أكثر ملاءمة لحال البلد ولما استجد من تطورات إقليمية. أطاحت المصالحة بين «سين» و«سين» بالسيناريو القائم على اتهام الحكم السوري. والوضع الداخلي، بما فيه مضاعفاته العربية ـ الإسلامية، لا يحتمل اندلاع فتنة مذهبية (وما أكثر المفتتنين بمفردة «الفتنة»، إعجاباً وتحليلاً وتعليقاً وخوفاً وتخويفاً) سوف يفجرها اتهام «حزب الله». وهكذا، فإن رمي التهمة على العدو الإسرائيلي مناسبة تحديداً لأن «الجسم اللبّيس»، يرتضيه شعور عميق في اللاوعي والوعي العربيين اللذين لا يستغربان، بحكم التجربة والتاريخ والمآسي، نسب أي جريمة مهما كانت مستفظعة لإسرائيل. هكذا تكون لنا «جريمة الآخرين»، مثلما كانت لنا «حزب الآخرين». ثلاثة سيناريوات لفيلم واحد. ولم يبدأ التصوير. فهل ان السيناريوات مجرد «المناظر» التي تشوقنا للفيلم المرتقب؟ أم ان «المناظر» صارت بديلاً عن الفيلم ذاته؟ في كل الأحوال، من يريد ان يعرف من قتل الرئيس رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005؟ [ [ [ هامش: يعمل نواب وشيوخ أميركيون لاستصدار قرار بوقف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني البالغة مئة مليون دولار سنوياً. والسبب «اعتداء» الجيش اللبناني على إسرائيل في موقعة الشجرة في العديسة ووقوع الجيش ذاته تحت «سيطرة» «حزب الله». في اليوم نفسه أفادت أنباء ان العربية السعودية تتهيأ لتوقيع عقد بقيمة 30 مليار دولار من أجل شراء 80 طائرة حربية أميركية من طراز «أف 15»، علماً بأنها لن تزوّد بتجهيزات للعمل على المدى البعيد من أجل تطمين إسرائيل. لله يا محسنين، يا طوال الأعمار، في هذا الشهر الفضيل: نظام دفاع جوي للبنان. إن أغلى نظام دفاع جوي، والأكثر تطوراً، لن يكلف أكثر من نسبة مئوية تافهة من قيمة العمولات التي سوف تدفع لقاء هذه الصفقة!
لم تشهد الساحة القريبة من صيدلية بسترس في منطقة الصنائع، منذ سنوات، ذلك العدد من الشيوعيين وأنصارهم، الذين جاؤوا للاحتفال في الذكرى الثامنة والعشرين لانطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ـ جمول». حضر الشيوعيون القدامى، الناس يعرفونهم من وجوههم الحاضرة في كل احتفال يقيمه الحزب، ولكن من بينهم تطل وجوه شابة كثيرة.. فعلق أحد الحاضرين ممازحاً: «إنهم أولادهم وأحفادهم».
لكن الحزب جمع «الرفاق» من المناطق، بالإضافة إلى بيروت، لأنه أراد أن يكون الاحتفال مركزيا، تحت عنوان تكريم الشهداء الثلاثة الأوائل في مواجهة الغزو الإسرائيلي لبيروت، وهم كل من جورج قصابلي ومحمد مغنية وقاسم الحجيري. ورفعت في المكان الرايات الحمراء، حاملة المنجل والمطرقة، وارتدى شبان وشابات القمصان التي طبعت عليها صور بطلهم تشي غيفارا، وبات لدى الأسير المحرر أنور ياسين طفلٌ ألبسه الفولار الأحمر، وتنقل به بين المحتفلين، سعيداً بأن الحياة منحته عائلة، لم يكن يتوقعها عندما كان في سجنه. زاد عدد المتحدثين في الاحتفال هذا العام أيضاً، وشارك فيه وفد فرنسي أتى إلى بيروت لإحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، يضم خمسين شخصا، هم نواب وشيوخ في البرلمان الأوروبي والمجلس الوطني الفرنسي وأعضاء مجالس بلدية. وقد رد الأمين العام خالد حدادة في كلمته التي ألقاها في الاحتفال، على ما تردد بأن الحزب يحيي ذكرى انطلاق جبهة المقاومة من باب الحنين. وقال: يظن البعض أن احتفالنا هو لاستذكار الماضي من أجل الاستقواء به في الحاضر، ونحن نقول إنه لا مستقبل للبنان إلا بالمقاومة من أجل الحرية والتغيير الديمقراطي. وكما في كل مناسبة يحييها الحزب، رفع حداده الشعار الذهبي ألا وهو «التحرير من أجل التغيير»، من دون أن يثمر التحرير عن أي تغيير يذكر، «إذ ما يحصل هو تراجع قل نظيره في تاريخ لبنان منذ نشوئه، في مستوى الأداء السياسي، كما في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتربوية». وطالب حدادة وزير الداخلية زياد بارود بلهجة حازمة بنزع الملصقات التي وزعتها «القوات اللبنانية»، وتضم صورة الأمين العام السابق للحزب الشهيد جورج حاوي، محذرا من أن الشيوعيين سوف يقومون بتمزيق الملصقات، في حال لم تقم الوزارة بدورها. وقال إن «الحزب لن يقبل أن يرفع صورة مطلق جبهة المقاومة مَن رفعوا الأنخاب احتفالاً بدخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت، وصعدوا إلى الحكم على ظهر الدبابات الإسرائيلية». وحذر من «الفتنة التي يحضّر لها تحت شعار المحكمة الدولية»، قائلا إنه «آن الأوان لمراجعة حساباتنا»، مستغربا «كيف يمكن لرئيس حكومة أن يخدع مدة خمس سنوات من قبل شهود الزور، وهي سنوات عاش فيها لبنان أزماته السياسية والأمنية»، داعيا إياه إلى «محاسبة مسببي الخديعة، وإلا الرحيل». وتحدث باسم الوفد الفرنسي النائب في البرلمان الأوروبي ورئيس تحرير جريدة «الأومانيتيه» باتريك لو ياريك، فقال إن الاحتفال يدل على أن المقاومة أساسية بالنسبة إلى كل الديمقراطيين، وهي تتخذ أشكالا مختلفة، من المقاومة ضد القيود، إلى المقاومة من أجل التحرير. ونقل عن الكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هيغو عبارة قال فيها: إن الذين يستمرون في الحياة هم الذين يقاومون، «ولذلك سوف نستمر في المقاومة في سبيل تحرير الشعوب». ودعا إلى «لقاء بين الشعوب من أجل مواجهة كبار العالم، وسحب المعتدين من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين المحتلة». وأكد أن حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه هو حق لا تمكن المفاوضة عليه. وأوضح أنه «عندما يعود إلى فرنسا سوف ينقل صورة عما شاهده»، ووعد بزيادة التضامن مع «كل التقدميين في العالم العربي من أجل التغيير». من قارة أخرى، وفي الاحتفال ذاته، أعلن السفير الكوبي في لبنان داريو دي أورا تورينتي أن الشعوب الفيتنامية واللبنانية والفلسطينية تشكل أمثلة على مقاومة الاحتلال في العالم، وقال إنه «إذا كان هناك من يحمل الشعوب التي تقاوم مسؤولية تدهور الأمن في العالم، فإن التاريخ سوف يتولى كتابة سيرتهم الانسانية». ورأى أن الشعب اللبناني قدم نموذجا على أن «لا هم إذا اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارات لصالحه أم لم يتخذ، ولا إذا اتخذت الأمم المتحدة قرارات تنسجم مع مصالح الأقوياء في العالم». وأعلن عضو المكتب السياسي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مروان عبد العال أن «الدرس الأول الذي تعلمناه خلال الاجتياح هو انتصار بيروت على الإحباط، وعلى القتلة، فيما القتلة في مجزرة صبرا وشاتيلا لا يزالون خارج القضبان». واعتبر أن «المفاوضات التي تجري حاليا هي كارثة على الشعب الفلسطيني»، ونقل شعار العدو الاسرائيلي الذي يقول فيه: «ما لا يؤخذ بالعنف، سوف يؤخذ بالمزيد من العنف»، ليرد عليه قائلا: «ما لا يؤخذ بالمقاومة، سوف يؤخذ بالمزيد من المقاومة». وفي نهاية الاحتفال، انتقل الشيوعيون من بسترس إلى منطقة الوردية، حيث وضعوا إكليلا من الزهر في موقع استشهاد قصابلي، وعرض فيلم ضم مقتطفات من الاجتياح، ومن عمليات المقاومين ضده.
معلومات خطيرة تضعها «السـفير» أمـام رئيـس الجمهوريـة والحكومـة والمجلـس النيابـي . أين يذهب الأرشيف الأمني وماذا تنقل الطائرات الأميركية عبر المطار والمروحيات عبر عوكر؟