نبيه عواضة
ذات يوم نفذ الأسرى المحررون من السجون الاسرائيلية اعتصاماً أمام السرايا الحكومية امتد لأكثر من عشرين يوماً، صدر بعده ما عرف بالقانون 364 القاضي بدفع تعويضات مالية للأسرى وفقا لعدد سنوات الاعتقال. يومها سلك القانون دربه وطبق ما طبق منه ووصل تقريباً الى خواتمه بانتظار البت بملفات 800 أسير عالقة بين المالية ووزارة الدفاع. وأوردت الجريدة الرسمية على الصفحة نفسها من العدد الرقم 41 تاريخ 18/8/2001 نص القانون الرقم 365 القاضي باستحداث وسام الأسير. فيما ترك أمر تحديد مواصفات الوسام لمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وبناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني في مهلة لا تتعدى الثلاثة أشهر من تاريخ نشر القانون. الأشهر الثلاثة تلك امتدت تسع سنوات متتالية تنقل خلالها مشروع القانون بين رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع ثم انتقل الى قائد الجيش فمجلس الأوسمة ومنه إلى مجلس شورى الدولة ليعود إلى وزارة الدفاع، ومن ثم إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء الذي أصدر مرسومه التطبيقي في جلسته التي عقدت بتاريخ 24/2/2010 وأدرجه ضمن عداد الأوسمة الوطنية اللبنانية المحددة في المرسوم الاشتراعي الرقم 122 لعام 1959 وحاز الرقم 16 وفق ترتيب الأوسمة البالغ مجموعها 22 وساما. هي مداولات إدارية ومراسلات استراحت لعامل الزمن. فما الذي تمخض عن هذا الانتظار؟ المرسوم وملاحظات الأسرى حسب المادة الأولى من القانون 365، يمنح وسام الأسير لتكريم العسكريين الذين أسروا أو الذين سيتعرضون للأسر من قبل العدو في ظروف خارجة عن إرادتهم وبقوة قاهرة، بعد التحقق والتثبت من ظروف الأسر عبر إحدى جهات ثلاث هي الصليب الأحمر الدولي أو اللبناني، أو وزارة الدفاع الوطني، أو وزارة الداخلية والبلديات. وتتحدث الفقرة الثانية من المادة الأولى عن منح الوسام للمدنيين في الحالات ذاتها بعد التحقق والتثبت من ظروف الأسر. وهنا لا ذكر إطلاقا لكلمة «مقاومين»، وهو أمر أثار حفيظة الأسرى المحررين تخوفا من تكرار الأخطاء التي رافقت صرف التعويضات المالية حين تمكن مجموعة من العملاء من قبض بعض المستحقات المالية. وتداركاً لذلك تداعت هيئة ممثلي الأسرى وهي إطار تمثيلي تضم أحزاب القومي والشيوعي وحزب الله وحركة أمل والمستقلين إلى عقد سلسلة من الاجتماعات، وسط إرباك في صفوفها، فقد جاء إقرار القانون بالصيغة المعتمدة مفاجئاً لها. فلم يتم التنسيق مسبقاً مع الأسرى المحررين للوقوف على رأيهم والاستماع لملاحظاتهم حول مواصفات وشروط منح الوسام أو تحديد ملحقاته. وهنا يسجل الأسرى المحررون عتبهم على الوزراء المحسوبين على فريقهم السياسي قبل الفريق الآخر، ويتحدث الشيخ عطا الله حمود رئيس الجمعية اللبنانية للأسرى عن «غموض في المرسوم التطبيقي فهو لا يأتي على ذكر المقاومين ضد العدو الإسرائيلي فالحديث يدور عن منح الوسام للمدنيين، مع العلم أن البيان الوزاري يعترف بالمقاومة. فهل المقاومون أشخاص مدنيون أم عناصر مقاومة؟ لأن صيغة مدنيين كما هي واردة تفتح الباب أمام المشاغبين والعملاء ومهربي المخدرات الذين يتم توقيفهم لدى العدو لأسباب جنائية أو أولئك الذين زُجوا في معتقل الخيام على خلفية مسلكية الهدف للإساءة للمقاوم وقضيته وهي سياسة دأب عليها العدو من خلال دمج الأسرى بسجناء مدنيين في معتقل واحد». قد يكون لهذا الامر مخرج على ما يقول أمين سر الهيئة الوطنية للمعتقلين إبراهيم كلش، كون القانون 365 خاضعاً للمرسوم الاشتراعي الرقم 122 تاريخ 1959.. فنظام الأوسمة يشترط في فصله الثالث وحسب المواد 15 و16 و17 و18 منه على من يحصل على الوسام يجب أن لا يكون محكوما بجناية ما وأن يكون حسن السيرة مع إمكانية تجريد حامله منه إذا ارتكب أي جنحة أو أي خطأ فادح نحو الشرف أو النظام أو قواعد حسن السيرة والسلوك»، واعتماد ذلك بحسب كلش «والاستفادة من تجربة وزارة المالية عبر اعتماد السجل العدلي الأصفر من شأنه أن يمنع تكرار أخطاء الماضي». يذهب عباس قبلان ممثل حركة أمل أبعد من ذلك حين يطالب بإعداد فقرة خاصة تتحدث عن منح الوسام تكريما للعسكريين والمقاومين والمدنيين وإيراد جملة على خلفية الصراع مع العدو الإسرائيلي. لكن المطالبة بتحديد العدو، لا تبدو مسألة عملية، فتحديد العدو يأتي وفق ما هو محدد بالدستور اللبناني الذي يعتبر إسرائيل هي العدو الوحيد اللبناني، بينما تسمية العدو الإسرائيلي ضمن نص القانون يسقط الحق عن من يمكن أن يتعرض للأسر لدى أي عدو مستقبلي. الوسام درجات وألوان والوسام عبارة عن ميدالية من المعدن البرونزي مستديرة الشكل رُسمت في وسطها يدان مقبوضتان نزعت عنهما الأصفاد وتشع من حولهما شمس تعلوها أرزة لبنان. توزع الميدالية وتتحدد ألوانها وفقا لثلاث درجات، الأولى وتكون مذهبة تمنح للذين أمضوا في الأسر مدة ثلاث سنوات وما فوق، يحصل عليها ما يقارب 325 أسيراً، فيما يحصل ما مجموعه 7000 آلاف أسير على ميداليتين واحدة من الدرجة الثانية وأخرى من الدرجة الثالثة، فتمنح ميدالية فضية للذين أمضوا في الأسر مدة تزيد عن سنة وتقل عن ثلاث سنوات. أما الميدالية البرونزية فتمنح للأسرى الذين أمضوا أقل من سنة. وهذا التصنيف يخلق إشكالية أخرى بنظر الاسرى. يطالب ممثل الحزب الشيوعي أنور ياسين بعدم التمييز بين الأسرى لجهة شكل الوسام أو لونه كون المعاناة واحدة والأمر لا يتعدى كونه إجراءً معنويا للأسرى. فيما تطالب ممثلة الحزب السوري القومي الاجتماعي رويدا نحلة بمنح الوسام المذهب لسائر الأسيرات المحررات من السجون والمعتقلات نظرا لظروف اعتقالهن الخاصة جداً. ويكاد المعنيون بالقضية يجمعون على أهمية استحداث وسام الأسير، فهو بالشكل تكريم لتضحيات الأسرى وعذاباتهم برغم خلوه من أية إشارة لما يمكن أن يستتبع من ملحقات مادية أسوة بما ينطبق على العسكريين، فهو بالنهاية خاضع لنظام الأوسمة عملا بالمرسوم الاشتراعي الرقم 122 تاريخ 12/6/ 1959. كما أن الجميع يطالب بمنح الأسرى الأوسمة في احتفال مهيب يسلّمه مباشرة رئيس الجمهورية بحضور رئيس الحكومة والمجلس النيابي وبمشاركة قادة المقاومة وسائر الأحزاب والكتل النيابية. وتعليق الوسام لن يزيل معاناة الاسر وبالطبع هو لن يخفف من لوعة الحياة خارج المعتقل للاسرى المحررين الذين يحاولون العيش من دون النظر لما فاتهم من وقت، الامر الذي يمثل لهم معاناة اضافية. فلن يبتاع الاسير المحرر معروف دياب المزيد من العطورات والساعات. ولن يقف الناس على الطريق بانتظار زميله بالاسر سائق سيارة الاجرة محمد خريس كي يقلهم معه بين قريته حيث معتقله الخيام وعاصمته البعيدة عن عذاباته. هم ما كانوا بانتظاره أصلاً. لكن فيه بعض رد جميل من لبنان لهم، بتكريم لهم وللوسام نفسه