العروبة أولا... وإلا

نصري الصايغ ويسخرون منك ان قلت عروبة. كل ما يمت إلى الزمن المنفي، هو موضع اتهام. لا يقبلون إلا ما تجود به «أجندة» الـ NGO: حقوق الجماعات، الشفافية، الخصخصة، اعادة الهيكلة، تنظيم الإدارة، السلم الأهلي، وهي بالمناسبة موضوعات، غير مشبوهة بحد ذاتها، لكن الشبهة متأتية من إغفال وإخفاء، ما هو أكثر جدية وفائدة، ومن اعتبار كل ما يؤسس لفعالية وطنية وعربية، متخلفاً وفات عليه الزمن. أليس غريبا أن برامج المنظمات غير الحكومية، خالية من بحث ومناقشة وتدريب الذاكرة الفلسطينية مثلا على «حق العودة». مثل هذا العنوان، ممنوع من التداول. لذا، هو يستبدل بعناوين تساعد الفلسطيني على تدبر شؤون حياته اليومية البائسة، التي أنتجتها سياسات الدول «لمنع العودة». وعلى ذلك تقاس أمور كثيرة... التفاصيل هي الجواهر، والقضايا هي الأعراض. مؤتمر«العروبة والمستقبل» الذي عُقد في دمشق، أعاد قضية الوجود العربي إلى الأساس: كان السؤال الأبرز، هو في البحث عمن نكون، أو، من نحن؟ هل نحن أقوام وأعراق واثنيات وعشائر وقبائل وأديان وطوائف ومذاهب وثقافات، وكل ما يفتت الأمة، أم أن هناك رابطة مفترضة يلزم التأكيد عليها، كمفهوم وحضور وممارسة؟ هل العروبة هوية أم قضية أم حضارة أم...؟ ما علاقتها بالدين، وبالاسلام تحديداً؟ ما علاقتها بالعرب، وكيف تكون علاقتها بمن ينتسب إلى أقوام أخرى؟ هل هي رابطة سياسية أم رابطة تاريخية أم... نقاش أفضى إلى بايل. «العقل العربي» مشغول بتوليفات، يلتبس فيها الأصل بالفرع. يقترف تسويات، مفضلا مقولات، حظها في الماضي، لم يخرج عن نطاق اعتبارها جدلاً. على أن الحوارات والأوراق الجادة، نظرت إلى العروبة الواقعية، وأكدت على جوهرها كرابط لاقوام متعددة، وكمشروع نهضوي، يجد ترجمته في مشاريع سياسية، تهدف إلى التحرر والتوحد واطلاق حيوية التفاعل، في مناخ من الحرية والديموقراطية، لتكون العروبة، نقطة ارتكاز العمل القومي والسياسي. والعروبة بهذا المعنى، عروبة القضايا العربية، لا عروبة الأنظمة، ولا عروبة اللغة، ولا عروبة الدين، ولا عروبة الحضارة... كل ما يتصل بالعروبة الأساس، ملحق بها، ويبرهن على اتصاله بها، إذا كان ذا جدوى. والعروبة بهذا المعنى، انجاز، أو، انجازات. لقد أصيبت العروبة بإخفاقات كثيرة، لم تكن في معظمها من انتاج تخلفنا. الجنرال غورو، مثل دور جمال باشا السفاح، عندما أعدم المشروع العربي الأول الذي جسدته حكومة فيصل العروبية في دمشق... قتل غورو العروبة، ولم يقتل فيصل. قتل الوحدة، ولم يقتل الطوائف والأقوام. العروبة، كانت مشروع النهوض العربي القومي، فاعدمه غورو، قائد تنفيذ اتفاقية سايكس ـ بيكو. القوة المدمرة لغورو الفرنسي، هزمت أول دستور عربي عروبي علماني، لا نجد فيه نصاً لدين أو طائفة أو عرق. كان دستورا عربيا ديموقراطياً تمثيليا، لا يلغي أحدا. وكان المناضلون آنذاك، لبنانيين وفلسطينيين وشاميين وعراقيين. قال غورو: خذوا كياناتكم الطائفية، بديلاً عن عروبتكم. ولم تكن عروبة الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، أقل نصاعة من عروبة حديثة قادها جمال عبد الناصر. ولقد اغتيلت الأولى، براً وجواً، واغتيلت الثانية، في نكبة حزيران. لم تكن العروبة متخلفة... بل كان أعداء العروبة برابرة ومجرمين. وما ساد بعد ذلك، في كثير من بلاد العرب، كيانات وسلطات وأنظمة، من أولى مهامه، الكف عن العروبة، والالتزام بالقطرية والكيانية والعائلات المالكة. لم تُقتل العروبة مراراً، بسبب مفاهيمها، أو بسبب ما يعتورها من غموض في علاقتها بالاسلام والحضارة الدينية... لقد قُتلت، لانها مشروع تحرر ووحدة واستقلال وسيادة على الأرض وما فيها ومن عليها. وكلاء الغرب الكولونيالي والنيوليبرالي، من العرب، أشد عداء للعروبة من الاستعماريين القدماء. وشعارهم الرنان: «نحن أولا».. «السلطة أولا».. «لبنان أولا».. «العراق أولا». ان هذه الـ «أولا»، ستقودنا إلى آخرتنا... لولا عروبة نضالية، تفتح الطريق لمقاومة بالسلاح والسياسة والموقف، وتصر على كون العروبة، هي قضاياها، لا فتاويها ومواقف رجال الدين منها.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة