السفارة الأميركية تتنصت على كل لبنان

معلومات خطيرة تضعها «السـفير» أمـام رئيـس الجمهوريـة والحكومـة والمجلـس النيابـي . أين يذهب الأرشيف الأمني وماذا تنقل الطائرات الأميركية عبر المطار والمروحيات عبر عوكر؟

معلومات خطيرة تضعها «السـفير» أمـام رئيـس الجمهوريـة والحكومـة والمجلـس النيابـي السفارة الأميركية تتنصت على كل لبنان أين يذهب الأرشيف الأمني وماذا تنقل الطائرات الأميركية عبر المطار والمروحيات عبر عوكر؟ كتب المحرر السياسي: ينام اللبنانيون على حرير حروف عربية موسيقية رنانة، لكن من يحاول البحث عن حرف لبناني واحد، في السياسة والأمن والاقتصاد، يمكن أن يقيه اهتزازات محتملة، في الإقليم، لا يجد إلا الفراغ. فراغ الدولة بكل عناوينها ومؤسساتها ومستوياتها... إلى حد التساؤل كيف يدير هذا البلد نفسه أو بالأحرى من يديره ومن يتسلل إليه يوميا، ومن أين تتوفر مظلة الحماية، التي ينعم بها ومعها اللبنانيون بحد أدنى من الاستقرار، بعدما كادوا يسلمون أمرهم في أكثر من محطة من محطات السنوات الخمس الأخيرة، الى شر الفتنة. ينام اللبنانيون وهم مطمئنون إلى غدهم، ولو دققوا في كل ساعة ودقيقة في ما ينقضي من أيامهم، لاكتشفوا أن أقل واجباتهم أن يهنئوا أنفسهم، وفي كل ساعة، بسلامة أنفسهم ووطنهم وسلامة الحد الأدنى من كرامتهم التي تمتهن على مدار الساعة. أن تطلب نيابة عامة لبنانية من مؤسسة أمنية لبنانية سجلا وكشوفات باتصالات مواطنين مشتبه بهم في قضايا جنائية، فهذا عين العدل وصوابه، وأن تطلب لجنة تحقيق دولية ذلك، يمكن أن يبتلع الأمر من فريق سلّم رأسه وأمره للقضاء الدولي.. أن تطلب دولة مرتبطة باتفاق قضائي مع لبنان استرداد مطلوب أو متهم بجريمة، فذلك من أبسط قواعد العلاقات بين الدول. ولكن، أن تطلب سفارة دولة كبرى من فرع أو قسم في جهاز أمني لبناني، ملء استمارة تتضمن معلومات تفصيلية دقيقة حول مراكز شركتي الاتصالات الخلوية في لبنان.. وأن يتجاوب الجهاز الأمني بلا أي تحفظ وبلا أية ضوابط، فبماذا يمكن أن يوصف هذا السلوك؟ الواقعة ـ الفضيحة التي تكشفها «السفير» أمام الرأي العام اللبناني، ليست إلا مجرد نموذج، وإذا تم التدقيق أكثر فأكثر، لأمكن العثور على عشرات الأمثلة، والمحصلة واحدة: لبنان مكشوف أمنيا بقرار دولي، وبنظام أمني يفتقد للضوابط الوطنية، وبنظام سياسي، يجعل اللبنانيين بحكم الموزعين رعايا وجاليات عند «الخارج». في الأول من نيسان، وهذه ليست «كذبة نيسان»، من العام 2009، يصل موظف من السفارة الأميركية إلى مكتب رئيس قسم المباحث الجنائية في المقر العام لقيادة قوى الأمن الداخلي، ويسلمه رسالة في مغلف أبيض اللون، يتم تسجيلها بموجب إحالة تحمل الرقم 250/204، وهي مذيلة بتوقيع «رئيس مكتب تنفيذ البرامج لسلطات إنفاذ القانون الدولي في السفارة الأميركية في بيروت». تطلب الرسالة الأميركية من مؤسسة قوى الأمن الداخلي تزويدها بمعلومات، ضمن استمارات مطبوعة، حول محطات شبكتي الخلوي وحدود انتشارها بالإضافة إلى تفاصيل تقنية دقيقة تتعلق بقطاع الاتصالات. لا يخضع الطلب لأي تدقيق. يحال مباشرة إلى شركتي الاتصالات المعنيتين، فتجيب إحداهما، بأنها لن تقدم ما لديها من معلومات إلا بعد تلقيها كتابا من المرجع المختص، أي وزير الاتصالات. ينتقل الطلب مجددا من المباحث الجنائية، إلى فرع الخدمات والعمليات في الشرطة القضائية، ومن الأخير إلى شعبة التدريب، تليها شعبة الخدمات والعمليات ثم المدير العام لقوى الأمن الداخلي، فوزير الداخلية والبلديات، وصولا الى مكتب وزير الاتصالات، في رحلة دامت حوالى الشهر تقريبا، وصادف وصول الطلب مطلع أيار 2009، التاريخ الذي كاد يحدث فتنة داخلية، قبل سنتين في العام 2008، بعنوان نزع شبكة الاتصالات وإقالة العميد وفيق شقير رئيس جهاز أمن المطار. وإذا كان يمكن للتقييم ان يكون مختلفا مع جبران باسيل، في السياسة أو تبعا لاختصاصه الحكومي سواء في الاتصالات سابقا، اوالطاقة والموارد الكهربائية والمائية حاليا، فانه لم يتردد، وببديهية وطنية، في رفض الطلب الأميركي، معللا رفضه في رسالته إلى وزير الداخلية والبلديات زياد بارود بالآتي: تبين لنا أن الاستمارة التي طلبتها السفارة الأميركية من مؤسسة قوى الأمن الداخلي تتعلق بطلب معلومات حول محطات البث المكونة لشبكتي الهاتف الخلوي والمنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية، «إنما هي بالغة الأهمية وتتعلق بالأمن الوطني وبالتالي، ولذلك، فانه لا يمكن إعطاؤها لسفارات أجنبية أو لمكاتب تابعة لتلك السفارات»، كما جاء في رد باسيل حرفيا. ماذا يعني الطلب الأميركي على المستوى السيادي؟ يجيب ضابط لبناني كبير بالقول لـ«السفير»: «أولا، القدرة على التنصت على المكالمات الخلوية، ثانيا، تعطيل الاتصالات، ثالثا، التشويش في نقطة محددة، رابعا، تحديد موقع أي هاتف خلوي على الأرض اللبنانية، خامسا، القدرة على تدمير الشبكات من خلال امتلاك «الداتا»، وهو أمر أقدم عليه الإسرائيليون، بعد إلقاء القبض على العميل أديب العلم، حيث قرروا تدمير شبكة واسعة انكشف أمرها وأدت خطوتهم المتسرعة، إلى انكشاف عدد كبير من الشبكات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية». تطرح هذه الواقعة أسئلة كثيرة أبرزها الآتي: [ أولاـ تمتلك شركتا الخلوي في لبنان، «داتا» معلوماتية خطيرة تكاد لا تستثني بيتا لبنانيا، أو حزبا لبنانيا، أو مؤسسة لبنانية، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية. ومن خلال هذه «الداتا»، يمكن تحديد المتصل وموقعه ومضمون مكالمته ونطاقه الجغرافي وشبكة علاقاته وحركة تنقلاته لفترة زمنية يحددها طالب المعلومات. من هو المسؤول عن هذه «الداتا» وما هو مصير غرفة التحكم في وزارة الداخلية اليوم؟ من يستطيع أن ينفي أو يؤكد أنه قبل التاريخ المذكور وقبل وزير الاتصالات السابق، لم تستجب الشركتان المذكورتان لما طلب منهما من معلومات ولماذا طلبت السفارة الأميركية معلومات حول محطات بث شبكتي الخلوي وليس عن الشبكة الثابتة (العادية)؟ لماذا استجابت مؤسسة أمنية لبنانية للطلب الأميركي وماذا يضمن أن طلبات سابقة أو لاحقة من أجهزة استخباراتية غربية أو عربية، تمت الاستجابة لها؟ من يفتح التحقيق في هذه الواقعة، خاصة وأن إحدى الشركتين أكدت أنها رفضت التجاوب مع ما طلب منها، لكن موقف الشركة الثانية ظل ملتبسا حتى الآن؟ هل تريد السفارة الأميركية في لبنان، أن تقنعنا، بأنها تريد هذه المعلومات لأرشيف «البنتاغون» الأميركي أو الأمن الكوري الجنوبي، وما الذي يضمن أن هذه المعلومات ليست مطلوبة من الإسرائيليين، الذين خاضوا معركة عبر «الدول» و«المعلومات والمعطيات الخاطئة» (على حد تعبير النائب وليد جنبلاط)، من أجل شل قدرة «حزب الله» الاتصالاتية، في ضوء تجربة «شبكة الاتصالات» الناجحة التي عجزت إسرائيل إبان «حرب تموز» وبعدها، عن شلها واستهدافها وصولا إلى إنهائها. [ ثانيا ـ سماء لبنان مكشوفة 24/24 وها هو الطيران الحربي الإسرائيلي، يصور تفاصيل لبنان من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. حتى أرقام السيارات يمكن التقاطها وحركة القرى والبلدات في الجنوب والبقاع ترصد بأدق تفاصيلها. [ ثالثا ـ بحر لبنان مكشوف، على الرغم من كل تلك «الأساطيل الزرقاء»، التي ترابط في البحر 24 على 24، وخير دليل وقائع واعترافات الشبكات الإسرائيلية، التي كانت تعمل عبر البحر بعد صيف العام 2006، أي بعد انتشار «اليونيفيل» البحرية وكان يتم عبر البحر نقل أعتدة ومجموعات إسرائيلية و«حقائب» الخ..... وخير دليل أيضا ما نشرته «السفير» قبل شهور، حول واقعة اليخت السياحي الذي انطلق من مرفأ جونيه باتجاه ميناء عسقلان وكان يحمل علما بريطانيا ولم تتمكن زوارق البحرية اللبنانية من الاقتراب منه بسبب التصاق زوارق «اليونيفيل» به في حينه. [ رابعا ـ البر اللبناني مكشوف أيضا.. والدليل عشرات الشبكات سواء الإسرائيلية أو الإرهابية التي كانت تخطط لأعمال ضد المقاومة أو ضد «اليونيفيل» أو الجيش اللبناني ومؤسسـات لبنانية. [ خامسا ـ إذا كان موضوع المحكمة الدولية موضوعا حساسا، خاصة عندما يطرح في سياق أي نقاش داخلي، فيجب ألا يكون حائلا، خاصة من جانب الحريصين على المحكمة، دون أي نقاش يحمي المحكمة ويحمي في الوقت نفسه، الداخل اللبناني، من اهتزازات شبيهة بزلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بهذا المعنى، يصبح السؤال مشروعا، عما يطلب حول «داتا» الاتصالات الخلوية(بما في ذلك الرسائل) منذ العام 2004 حتى يومنا هذا. يصبح السؤال مشروعا عن طلب عشرات ومئات الملفات من القضاء اللبناني. عن طلب أرشيف مؤسسة قوى الأمن الداخلي كله. عن طلب أرشيف جوازات السفر والبصمات وحركة الدخول إلى لبنان والخروج منه عبر المطار وكل المرافق البرية والبحرية من جهاز الأمن العام. ماذا أيضا عن طلب المحكمة الدولية لأرشيف الجامعات في لبنان («اللبنانية» والخاصة)؟ وعن طلب أرشيف مصلحة تسجيل السيارات، بكل ما يحتويه من معلومات وأوراق ثبوتية وصور وعناوين وأرقام هاتف تخص كل من يملك سيارة على الأرض اللبنانية. والسؤال المشروع، هو: ماذا يضمن أن كل هذا الأرشيف الرسمي اللبناني، وخاصة الأمني، يذهب إلى المحكمة وحدها، وماذا إذا تسرب أو بيع إلى جهات معادية للبنان، أخذا في الاعتبار أنه في تجارب دولية أخرى حصلت انتهاكات، وفي النموذج اللبناني القريب والبعيد، تمكن موظفون في دوائر أمنية ورسمية حساسة من سحب أرشيف كانوا يتولون بعضه أو كله. [ سادسا ـ ماذا يجري في مطار رفيق الحريري الدولي؟ ما هي قصة السيارات التابعة لبعض السفارات، وخاصة الأميركية، التي تدخل إلى حرم المطار، وصولا إلى سلم الطائرة، سواء في حالة سفر موظفين (هكذا يقال) أو استقبال موظفين(!)، وكيف يمكن أن يمر خبر أو «عين» في صحيفة لبنانية، حول إفراغ طائرة نقل عسكرية أميركية حمولة في مطار بيروت، بينها «كونتينرات» قبل أن يقال أنها جزء من البريد الدبلوماسي للسفارة الأميركية في بيروت؟ ما هي مسؤولية أمن المطار والأمن العام وأين مسؤولية إدارة الجمارك عن مثل هكذا خرق متكرر أيضا؟ وما يسري على المطار، يسري على المروحيات الأميركية التي تصل من مطارات قبرص أو بعض السفن الأميركية قبالة لبنان، إلى مهبط مروحيات السفارة الأميركية في عوكر مباشرة، وهو أمر يكاد يصبح بعد حين متعذرا في العراق نفسه، بينما تشرعه الدولة اللبنانية من دون حسيب أو رقيب... لا تقتصر المسؤولية في الإجابة عن هذه الأســئلة على مسـؤول أو جهة بعينها. ـ أولا، هناك مسؤولية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بوصفه المؤتمن على سلامة اللبنانيين وأمنهم وهو رئيس المجلس الأعلى للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. ـ ثانيا، هناك مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعا، ورئيسه خصوصا، عبر وضع ضوابط ومعايير تنهي حالة الفلتان، خصوصا على مستوى الوزارات والمؤسسات «المتخاصمة». ـ ثالثا، لعل شجاعة وزير الاتصالات السابق (وزير الطاقة حاليا) المهندس جبران باسيل، برفض الاستجابة لطلبات السفارة الأميركية، تكون عبرة لغيره من الوزراء، وخاصة لوزيري الدفاع والداخلية، فضلا عن وزير الأشغال غازي العريضي، الذي يؤمل أن يكون أول مبادر في اتجاه التحقيق في معلومات تقع في صلب اختصاصه وصلاحياته. ـ رابعا، هناك مسؤولية المجلس النيابي، بممارسة دوره التشريعي الرقابي، سواء على مستوى رئيسه أو هيئته العامة، أو اللجان المختصة، وخاصة لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي كانت قد وضعت يدها على ملف التنصت وعليها اليوم أن تضع يدها على ملف «الداتا» التي تطلبها السفارات الأجنبية وخاصة الأميركية.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة