uldy

uldy

تتّجه الحكومة إلى تبنّي الخصخصة في تجهيز البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، علماً بأن تجارب الماضي أثبتت أن الخصخصة تنطوي على أكلاف مرتفعة وخدمات رديئة، وغالباً فاسدة: وهذه النفايات نموذجاً

محمد زبيب انتهت جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 6 نيسان 2010 إلى قرار يقضي بتأليف لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وعضوية وزراء الداخلية والبلديات زياد بارود والمال ريا الحسن والبيئة محمد رحّال، ويعاونها رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، مهمّتها التفاوض مع مجموعة Averda لخفض الأسعار الحالية لكنس النفايات الصلبة وجمعها ونقلها ومعالجتها وطمرها، وذلك قبل توقيع عقود التمديد بالتراضي معها لمدّة 3 سنوات إضافية، ولا سيما مع الشركتين التابعتين للمجموعة: سوكلين وسوكومي، اللتين تنتهي عقودهما الممدّدة في السابق مرّات عدّة في 10/11/2010. هذا القرار جاء بعد مناقشات خاضها عدد من الوزراء في الجلسة المذكورة، على خلفية ما كشفته التقارير والدراسات عن أن كلفة هذه العقود تعدّ من الأعلى عالمياً، إذ إنّ طنّ النفايات الواحد في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان يكلّف البلديات أكثر من 120 دولاراً (تقدّر الكلفة وفقاً لدراسات أكثر تفصيلاً بنحو 155 دولاراً للطن)، فيما المتوسط العالمي للكلفة يراوح ما بين 50 دولاراً و70، بحسب دراسات البنك الدولي (الواردة في برنامج مجلس الإنماء والإعمار للأعوام 2006ـــــ 2009)... وقد دلّت استقصاءات «الأخبار» على أن كلفة الطنّ الواحد في أونتاريو في كندا مثلاً تراوح بين 58 دولاراً و75، وتتراجع في إيطاليا إلى 16 دولاراً حدّاً أدنى و78 دولاراً حداً أقصى، فيما تنخفض إلى معدّل 31 دولاراً للطنّ في إيرلندا. أمّا المفاجأة، فهي تراجع الكلفة في سوريا مثلاً إلى مستويات لا تُقارن بلبنان، إذ تتكلّف البلديّات التي تطمر نفاياتها في مكبّ حمص، ما لا يتجاوز 2.5 دولار للطنّ الواحد، علما بأنّ القطاع الخاص يدير 40% من قطاع «التخلّص من النفايات» في حمص. المناقشات التي خاضها وزراء في الجلسة المذكورة حفّزها أيضاً التقرير الذي رفعه وزير التنمية الإدارية محمد فنيش عن برنامج دعم البلديات في مجال إدارة النفايات الصلبة، إذ تبيّن فيه أن وزارة المال تقتطع سنوياً نحو 130 مليون دولار من الصندوق البلدي المستقل لتغطية عقد سوكلين في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، وهو ما رأى التقرير أنّه يمثّل كلفة باهظة تستنزف موارد البلدات... علماً بأن دراسات مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ووزارة البيئة تتضمن تقديرات للكلفة تقلّ عن 55 دولاراً للطن الواحد، ما يعني أن مجموعة Averda تحقق أرباحا خيالية تفوق بكثير ما حققته الصفقات المشبوهة الأخرى، إذ إن الفارق بين تقديرات الكلفة الحقيقية والمبالغ المسددة فعلياً يتجاوز نسبة 100%.

تهريب قرار التمديد

اعتقد الوزراء المعترضون أنّ تأليف اللجنة الوزارية سيفسح المجال أمام المزيد من المناقشات داخل مجلس الوزراء، إلا أنّ المفاجأة جاءت في اليوم الثاني من الجلسة المذكورة، إذ عمّم الأمين العام للمجلس سهيل بوجي القرارات الصادرة، وهي تتضمن ما يأتي: أولاً: الموافقة على اقتراح مجلس الإنماء والإعمار توسعة مطمر الناعمة (...). ثانياً: تمديد كل من العقود الجارية مع مجموعة Averda (شركتي سوكلين وسوكومي انترناشيونال ـــــ سوكومي) وعقد الاستشاري Laceco إلى حين مباشرة تنفيذ خطة إدارة النفايات الصلبة، ولمدة 4 سنوات (...) وتكليف لجنة وزارية للتفاوض مع مجموعة Averda بشأن «إمكان» خفض الأسعار الحالية، وذلك قبل توقيع عقود التمديد. ويوضح أكثر من وزير اتصلت به «الأخبار» أن مجلس الوزراء لم يتخذ أي قرار بتمديد العقود، إذ إن اقتراح التمديد كان على 3 سنوات لا 4، كما جاء في القرارات المعمّمة، واتُّفق على عدم بتّه ريثما تُنهي اللجنة الوزارية مهمّتها بالتفاوض على خفض الأسعار، لا البحث في «إمكان» ذلك فقط. وتساءل أكثر من وزير كيف يمكن أن يتقرر التمديد والتفاوض في الوقت نفسه؟ وما الذي يمكن أن يُلزم مجموعة Averda بالاستجابة إن أصبح قرار التمديد في جيبها؟

الفساد أيضاً وأيضاً

تهريب قرار التمديد ليس فريداً من نوعه. فقد تكرّرت أمثلة كثيرة في السابق من دون أن يتعرّض المسؤولون عن هذه الممارسات لأيّ مساءلة جدّية، لا في الحكومة ولا في المجلس النيابي ولا في القضاء المختص، إذ غالباً ما يُلفلف الأمر في إطار منظومة متكاملة من التواطؤ المتبادل على قاعدة «من بيته من زجاج لا يراشق الآخرين بالحجارة»... إلا أن ما حصل في شأن عقود سوكلين وسوكومي ولاسيكو منذ البداية حتى الجلسة الأخيرة، يكشف جانباً محورياً من هذه الممارسات، حيث تتداخل المصالح الشخصية مع مراكز القرار والسلطة، ولا يعود هناك أي تمييز بين العام والخاص. فشركات سوكلين وأخواتها ليست يتيمة، بل لها آباءٌ وأمهات وأعمام وأخوال يتربّعون على عرش السلطة في كل العهود والمراحل، ويتقاسمون معها عوائد النهب المنظّم لأموال اللبنانيين، على حساب صحّتهم وبيئتهم وسلامتهم... والمعروف أن هذه الشركات التي تضمّها مجموعة Averda يديرها ابن صيدا، ميسرة سكّر، الذي يرتبط ارتباطاً عضوياً بعائلة الحريري وشبكتها العنكبوتية المتمدّدة بين مفاصل أساسية في الإدارة العامّة وأجهزتها والاقتصاد الذي تبنيه وتدعمه بعيداً عن أي اعتبار للمصلحة العامّة والأهداف التنموية. لقد بدأ عهد «سوكلين» في فترة إعادة الإعمار في النصف الأول من عقد التسعينيات، عندما لُزّمت إدارة النفايات الصلبة المنزلية في بيروت الكبرى. ثم وُسّع نطاق عملها ليشمل معظم أقضية بعبدا، عاليه، الشوف، المتن، وكسروان... وكان مقرراً أن ينتهي عقدها في 31/12/2000، ولكن الملحق الرقم (5) للعقد حدد أنه يمكن أن يمدد إلى حين اتخاذ قرار من وزير الداخلية والبلديات بإنهائه، فمُدّد لها بالاستناد إلى هذا الملحق حتى اليوم، علماً بأن ديوان المحاسبة رأى في تقريره في عام 1999 أن عقود هذه الشركة «باطلة بطلاناً مطلقاً»، وبالتالي يحظر على أي جهة رسمية ترتيب أيّ أثر قانوني عليها.

مصادرة أموال البلديّات

إن القاعدة القانونية الأساسية التي تحكم أموال الصندوق البلدي المستقل، هي ما تضمنته صراحةً المادة 87 من قانون البلديات، باعتبار أن أموال الصندوق أمانة تعود إلى جميع البلديات. وبحسب ديوان المحاسبة، فإن هذا النص يكرّس حكمين أساسيين: الأول: أن هذه الأموال أمانة للبلديات وملك لها، وليست واردات عامة للدولة. الثاني: أن هذه الأمانة هي لجميع البلديات وليست لبعض منها. لقد ارتكبت الحكومة، ولا تزال، مخالفات فاضحة في هذا المجال، إذ وضعت يدها على أموال البلديات، عبر التحكّم في أموال الصندوق المستقل، وهو لا يتمتع بأي شخصية معنوية مستقلّة. فهو مجرد حساب «أمانات» تودع فيه الأموال المحصّلة لمصلحة جميع البلديات من دون استثناء، فسُدّدت أكلاف عقود سوكلين وسوكومي ولاسيكو وغيرها من أموال هذا الصندوق بقرارات إدارية، من دون موافقة البلديات، ومن دون إطلاعها على الحسابات، إذ تقدّر الأموال المسحوبة من الصندوق لمصلحة هذه الشركات بأكثر من 1.3 مليار دولار بين عامي 1997 و2009، أي بمعدّل 108 ملايين دولار سنوياً، منها 597 مليون دولار للفترة حتى 2005، و703 ملايين دولار للفترة اللاحقة. والجدير بالذكر أن وزارة المال أعطت الأولوية المطلقة لتسديد هذه الأموال غصباً عن البلديات نفسها، فيما كانت توزّع ما بقي في الصندوق على جميع البلديات، وهو ما أوجد مشكلة أخرى. فعدد البلديات المشمولة بعقود النفايات لا يتجاوز 250 بلدية، ما يعني أن تمويل هذه العقود كان يحصل على حساب بقية البلديات غير المستفيدة، وقد استمر ذلك حتى 2001، عندما تحايلت الحكومة على القوانين، وأجازت لنفسها وضع اليد على أموال الصندوق بموجب المادة 64 التي دُسَّت في قانون الموازنة العامة لعام 2001، إذ أجازت هذه المادّة للحكومة تحميل الصندوق المستقل نفقات النظافة وجمع النفايات... على أن تقتطع هذه النفقات من حصة البلديات المستفيدة من هذه الخدمات وفقاً لنسبة استفادتها.

مخالفات للعقود الباطلة أصلاً

لا تنحصر فضيحة عقود النفايات في ارتفاع الكلفة. فالأرباح المحققة بطريقة غير مباشرة تكاد توازي الأرباح المحققة بموجب «العقود» الأصلية. فطريقة الأداء في إدارة النفايات الصلبة لمنطقة بيروت الكبرى تبتعد كثيراً عن العقود «السيّئة» نفسها، وهذا الأمر يتضح من النسبة المئوية العالية (77 ـــــ 83%) من النفايات التي تُرسل إلى المطامر من دون معالجتها. ولعل هذا من الأسباب التي أدّت إلى نشوء مشكلة استيعاب مطمر الناعمة قبل الأوان، إذ كان من المفترض أن تقوم الشركة بفرز نسبة تتجاوز 40% من النفايات، بما يتيح نشوء صناعات إعادة التدوير لإنتاج أسمدة عضوية قابلة للاستخدام وسلع زجاجية وبلاستيكية وورقية متنوّعة... وتكفي الإشارة إلى أن النسبة المئوية لإعادة التدوير حالياً تقل عن 7%، والتسبيخ 10% والطمر 83%... علماً بأن الشركة استفادت من فرض العقود عليها الالتزام بكمية محدّدة بالأطنان من النفايات المرسلة لإعادة التدوير والتحويل إلى أسمدة وللتخلص بالطمر، بدلاً من وضعها نسباً مئوية. وتفيد تقارير وزارة البيئة بأنّ لبنان ينتج سنوياً 1.5 مليون طنّ من النفايات الصلبة، بينها 10% فقط يعاد تدويرها، فيما يرمى 40% منها في المكبّات ويُتخلّص من نصفها في المطامر، علماً بأن في لبنان نحو 200 مكبّ نفايات، بينها 17 مكبّاً بحاجة إلى معالجة طارئة بحسب الوزارة التي تحذّر من أنّ كلفة سوء إدارة النفايات في البلاد تبلغ 15 مليون دولار خسائر سنوياً على الصعيد البيئي. وتمثّل المواد العضويّة حوالى 50% من النفايات الصلبة، ما يُظهر الإمكانات الكبيرة الموجودة لصناعة تحويل النفايات إلى أسمدة، وهذا ما تتغاضى عنه الشركة.

إقفال مصنع تدوير قناني البلاستيك

لقد أدّت مخالفات الشركات المتعهّدة إلى مشكلات جدّية تمنع استمرار المصانع التي أنشئت لإعادة تدوير النفايات. ويقول أسامة الحلباوي لـ«الأخبار» إنه أنشأ مصنعاً لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية باستثمار بقيمة 7 ملايين دولار، وكان قد اتفق مع «سوكلين» على أن يشتري منها كل النفايات على شكل قناني بلاستيك. وباعتباره المصنع الوحيد من نوعه في لبنان، كان يتوقع أن يشتري الكمية المنتجة كلها، وقد دفع نحو 150 دولاراً لشراء الطن الواحد. وبلغت قيمة مشترياته من سوكلين في السنوات الأخيرة نحو مليون دولار سنوياً (أرباح غير منظورة للشركة). وأشار الحلباوي إلى أن اتفاقه مع «سوكلين» يقضي بتسليمه كمية لا تقل عن 4 آلاف طن سنوياً، إلا أنه فوجئ هذه السنة بقرار «سوكلين» بيعه نصف الكمية فقط، لتذهب الكميات الباقية إلى تاجر من آل الدبس يقوم بفرم قناني البلاستيك وتصديرها إلى الصين. هذا الأمر أدّى إلى توقّف مصنعه عن العمل لمدة 15 يوماً من كلّ شهر، وبدأت الخسائر تلحق به، فلم تعد أرباحه تغطي أكلافه، وبات مجبراً على بيع المصنع إلى مستثمرين سعوديين، وصرف 48 عاملاً.

السطو على عقار الكرنتينا

مثال آخر على الأرباح غير المنظورة لشركة سوكلين يتمثّل في منحها عقاراً في الكرنتينا، تعود ملكيته إلى بلدية بيروت، تتجاوز مساحته 10 آلاف متر مربّع، من دون وجه حقّ. فقد أبلغ أعضاء في مجلس بلدية بيروت «الأخبار» أن صندوق البلدية لا يحصّل أيّ عائدات مالية لقاء إشغال شركة سوكلين للعقار الرقم 358 ـــــ بيروت، أي إنّ الشركة تستعمل هذا العقار مجاناً. ويقول مطّلعون على هذا الملف، إن جزءاً من هذا العقار كان متنازعاً عليه قضائياً بين جمعية «راهبات الصليب» وبلدية بيروت، فأُعطي لسوكلين بعدما استردّته البلدية، فاستعملته لأمور تتخطّى ما هو منصوص عليه ضمن العقد. (شارك في الإعداد محمد وهبة وحسن شقراني)

قبّان «لاسيكو» لا يُخطئ

بسام القنطار

عند المدخل المؤدي إلى مطمر الناعمة «الشهير»، حراسة أمنية مشدّدة. وحدها الشاحنات المحمّلة مئات الأطنان من النفايات تدخل يوميّاً إلى ذلك المكان الذي يقع فعلياً في النطاق العقاري لبلدية عبيه ـــــ عين درافيل. هناك، وضعت الشركة الاستشارية «لاسيكو» موظّفاً مع «قبّان» يزن حمولة الشاحنة من النفايات ويسجلها في سجل خاص. هكذا، ببساطة، اختصر مجلس الإنماء والإعمار دور «لاسيكو» بقبّان يسجل الحمولة ويرسل جردة الحساب لدفعها إلى شركة «سوكومي» المتعهّدة أعمال الطمر.  قبل وصول الشاحنة إلى الناعمة، تهيّأ النفايات في معمل الفرز في الكرنتينا. وهناك يجري كبسها على شكل مكعبات، وتغليفها بالنايلون. تصل كلفة هذه العملية إلى 21.7 دولاراً للطن الواحد. في المقابل، عندما تصل الشاحنة إلى المطمر، تُفرغ الحمولة عن طريق «بوكلين»، حيث تمزَّق المكعبات وتوزَّع النفايات ويوضع التراب فوقها. والسؤال الذي يُطرح: لماذا تُكبَس النفايات وتغلَّف في مكعبات ما دامت ستُمزَّق قبل أن تطمر في الناعمة؟ باستثناء الرائحة الكريهة التي يمكن أن تسببها النفايات في أثناء مرورها في «سوليدير»، لم يجد المعنيون أي مبرر لتغليفها، وخصوصاً أن هذا الغلاف من المحتم تمزيقه قبل الطمر لأن النفايات بحاجة إلى التفاعل الفوري مع التربة بعد طمرها، لا إلى تغليفها وعزلها. وبالعودة إلى الكلفة، فإن عملية الكبس والتغليف لـ2000 طن تُطمَر يومياً في الناعمة، تعني أن الشعب اللبناني يدفع يومياً 43400 دولار لتفادي الرائحة في أثناء نقل النفايات إلى المطمر. بتاريخ 11/7/2002، قرر مجلس الوزراء فسخ العقد الاستشاري مع «لاسيكو»، لكنه ما لبث أن أعاد العمل بهذا العقد، من دون تبرير أسباب الفسخ وأسباب العودة عنه. العارفون بهذه القضية يلفتون إلى أن الجلسة التي اتخذ فيها هذا القرار كانت الوحيدة التي ناقشت فعلياً فسخ العقود مع شركتَيْ سوكلين وسوكومي، واكتفت في حينه بفسخ العقد مع لاسيكو، وأعطت فترة ستة أشهر لفسخ بقية العقود. لكن مهلة الأشهر الستة انقضت ولم يجر الفسخ، بل عاد الثالوث «سوكلين ـــــ سوكومي ـــــ لاسيكو» إلى العمل، بالشروط نفسها، تحت شعار «ضمان استدامة العمل في مرفق النفايات الصلبة». وقد جُددت هذه العقود مرّات عدّة، كان آخرها في 2007. آخر إنجازات لاسيكو هو إنذار مجلس الإنماء والإعمار باستنفاد مطمر الناعمة طاقته بتاريخ 7 تموز 2010، وطلبها من المجلس التعجيل في عملية التمديد لشركة سوكومي. وكذلك الإنذار بأن الأخيرة تحتاج إلى استيراد أنابيب خاصة بغاز الميثان وأنابيب أخرى لتجميع عصارة النفايات، وهي تحتاج إلى وقت لوصولها إلى لبنان. إلا أن الشركة المذكورة لم تكلف نفسها عناء تقديم أي معطيات عن مصير الينابيع المحيطة بمطمر الناعمة، التي لم تُفحص نوعيتها منذ عام 2003. كذلك فإنها لم تكلف نفسها عناء تقديم أي تقرير يتعلق بنوعية النفايات المطمورة التي تشمل نفايات خطرة، منها ما ينتج من المنازل ومن الصناعات المختلفة ومن المستشفيات والمسالخ. البلديات المحيطة بمطمر الناعمة سبق أن طالبت بتحديد قيمة التعويضات المشار إليها في المادة الـ11 من المرسوم الرقم 1917 المعدلة بموجب المرسوم 9093 تاريخ 15/11/2002، التي نصت على أنه «تستفيد كل بلدية تُنشئ مطمراً صحياً أو معملاً لمعالجة نفايات عشر بلديات على الأقل من زيادة في عائدات الصندوق البلدي المستقل توازي عشرة أضعاف حصتها». لكن مجلس الإنماء والإعمار الذي يتقن احتساب مستحقات الثالوث «سوكلين ـــــ سوكومي ـــــ لاسيكو»، تتعطل آلته الحاسبة عندما يواجَه بهذه المادة التي من المفترض أن تدرّ على سبع بلديات لبنانية مليارات الليرات، التي لم تحتسب يوماً في الأكلاف والميزانيات.

غصّ قصر الأونيسكو، مساء أول من أمس، بجمهور من مختلف الأعمار، أتى لحضور حفلة خالد الهبر والفرقة. مسنّون، شباب، مراهقون، وأطفال أيضاً. «الرفاق» أكثرية بطبيعة الحال. لكنّهم ليسوا وحدهم هنا. رغم راديكالية توجّهه السياسي وثباته في هذا التوجُّه، ما زال الفنان الخمسيني يجمع جمهوراً من مختلف التوجهات.

هنا، جلسَت امرأة محجّبة في العقد السادس من عمرها. تحمَّسَت وتفاعلت مع النص والموسيقى، حتى ظننا أنها من جمهور خالد العتيق. بعد «يا ولد» (المهداة إلى روح ناجي العلي) و«نحن في غزة بخير»، سألَت: «هل هو فلسطيني؟». كدنا نجيبها بأنّه شيوعي، أي يمكن أن يكون فلسطينياً إذا احتاجت إليه فلسطين. لكن، حرصاً على حماستها، أجبناها: «إنه لبناني، لكنه يناصر القضية الفلسطينية»، متمنّين ألا يغنّي «أبانا» التي قد تصيب الحاجّة بخيبة في لقاء التعارف الأول هذا. مرّت «السنديانة الحمرا» على خير. الأعلام الشيوعية رُفِعَت في الخلف، ولا يمكن جالساً في الصفوف الأمامية أن يراها. في القسم الثاني، وفي ذروة حماسة السيدة، انطلقت أسئلة العتاب في أغنية «أبانا». كانت النتيجة غير متوقعة: لقد وافقت المعجَبَة الجديدة على كلّ سؤال طرحه الهبر على الخالق. لا بل حاولت بعد الأغنية أن تشرح لرفيقتها عبثيّة ما يحدث في العالم، في ظلّ صمت من أوصى بعمل الخير إزاء الظلم! تختصر الرواية بمسألتَيْن مهمتين. أولاً هناك فعلاً سوء فهم عند الناس للشيوعية، وهو ناتج من التبشير المضلّل الذي تبثّه الأديان في المجتمعات. ثانياً، أغنية خالد الهبر جامعة وغير استفزازية، رغم وضوح طروحاتها الاجتماعية والسياسية.

في بداية الحفلة، سمعنا مقدّمة موسيقية لريان الهبر (نجل خالد)، مستوحاة جزئياً من موسيقى «أبو علي» لزياد الرحباني، أقله لناحية المطلع المبني على جملة مكرّرة. بعدها غنّى خالد الهبر من ريبرتواره القديم والجديد. «مش هيّن» (أدّاها جورج نعمة) و«متشائل» و«يا ولد» و«غنيّة عاطفية» و«أصنام العرب» (وهي أكثر الأعمال تماسكاً بين النص واللحن والأداء) و«عائد إلى حيفا» و«أبو عجقة» و«آه يا ديني» (أدّاها أسامة عبد الفتاح) و«شارع الحمرا» و«رنا»،... وغيرها، أداها الهبر مع الفرقة بتوزيع جديد (ريان الهبر وعبود السعدي) وبإتقان واضح لناحية التنفيذ. حصة الأسد لناحية التوزيع جاءت من نصيب آلات النفخ (فلوت، سوبرانو وتينور ساكسوفون)، والكورال، وغابت الوتريات التي مثّلت الحجر الأساس في تسجيل الاستوديو لبعض الأعمال (خاصة «عائد إلى حيفا»).
في أحد أيام تشرين الأول 2004، اجتمعت مجموعة من القيادات الشيوعيّة السابقة وأطلقت حركة اليسار الديموقراطي. لم يتسنّ لهذه الحركة الوقت اللازم لإعداد شبابها وقيادتها لخوض المعارك السياسيّة، إذ تزامن انطلاقها مع بداية الأزمة المحليّة التي لم تنته معالمها بعد. بعد مجموعة من المعارك السياسية التي خاضها شباب اليسار الديموقراطي إلى جانب قوى 14 آذار، يبدو جسم الحركة أكثر من منهك. تشرذم، إحباط، ضياع وملاحظات في الشكل والمضمون، صفات كلها تنطبق على هؤلاء الشباب الذين آمنوا يوماً بالتغيير الآتي ليكتشفوا اليوم أنّ الشعارات التي رفعوها إلى جانب حلفائهم في الساحات، لم تكن سوى غلاف زهري جميل لعلبة قواعد سياسية تتناقض مع مبادئهم. تتراجع حماسة شباب اليسار الديموقراطي منذ سنوات، لتكاد تنعدم في الآونة الأخيرة، إذ أضيفت مجموعة من المشكلات الداخلية إلى سلّة الإحباط السياسي في الحركة. واليوم، يقف اليساريون الديموقراطيون على أبواب مؤتمرهم العامّ الثاني بعد التأسيسي، الذي بدأ العدّ العكسي له بعد تعيين لجنة تحضيرية لهذا الغرض، إحدى مهامها تحديد موعد المؤتمر والوثائق السياسية والتنظيمية اللازمة. ثمة الكثير من القضايا الداخلية التي ستحكى خلال هذا المؤتمر، ولو أنّ معظمها بدأ يُثار في النقاشات واللقاءات الرسمية وغير الرسمية بين الرفاق المعنيين. ولعلّ أبرز هذه القضايا هي سلوك ممثل اليسار الديموقراطي في البرلمان، النائب أمين وهبي. وفي أحاديث شباب الحركة، ثمة إشارات عدّة تدل على أنّ وهبي لا يتقيّد بقرارات قيادة اليسار، لا بل قد يفعل عكسها. في بداية مسيرته، خرجت قيادة الحركة بقرار عدم التصويت للرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس، التزم وهبي بهذا القرار، إلا أنّ الخطوة هذه لم تظهر في الإعلام. وفي مناسبة أخرى، عارض وهبي قرار التنظيم بعدم منح الثقة للحكومة، فدخل مجلس النواب وانضمّ إلى أعضاء كتلة المستقبل وغيرهم من الحلفاء، مانحاً الرئيس سعد الحريري والتشكيلة الوطنية الثقة من دون أن يكترث إلى ما جرت مناقشته في منطقة كورنيش المزرعة. أما أكثر ما أحرج شباب اليسار الديموقراطي، فهو امتناع وهبي عن التصويت لمشروع قانون خفض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً. دفعت كل هذه المناسبات شباب الحركة إلى الاعتراف بأنهم غير ممثلين في مجلس النواب، وبأنّ وهبي يحمل صفة ممثل اليسار الديموقراطي بالشكل. أما في المضمون، «فهو في مكان بعيد جداً»، كما يقولون. حتى إنّ من يراقب نشاط النائب المذكور يتأكد من أن تحييده عن خط قيادة الحركة لا يقتصر على كونه عضواً في تكتل «لبنان أولاً»، بل يتخطّى ذلك على اعتبار أنّ وهبي اعترف مرّات عديدة بأنه جزء من كتلة المستقبل، التي لا يغيب عن اجتماعاتها منذ دخول البرلمان. وفيما أنّ عدداً من نواب المستقبل «الأصليين» لا يتقيّدون دائماً بقرارات رئيس الكتلة، لا يخيّب وهبي أمل المستقبليين. يحاول شباب اليسار الديموقراطي الفصل بين موقفهم من القيادة الحزبية وبين وهبي، إلا أنّ وضع القيادة ليس أفضل حالاً. ولعلّ أبرز الدلالات على حالة التصدّع الداخلي، برزت أخيراً عندما اختار أحد أبرز وجوه الحركة، زياد ماجد، شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال للتأكيد أنه بات خارج هذا المشروع التنظيمي، وذلك وسط دهشة قيادته ورفاقه السابقين الذين فوجئوا بعدم وضعهم في أجواء خياراته، وتأكيدهم أنّ ماجد لم يتقدّم برسالة أو طلب واضح يعلن فيه تنحّيه عن المسؤوليات الموكلة إليه في الحركة. يبدو أنّ الثلج بدأ يذوب عن مرج اليسار الديموقراطي، إذ يكتشف بعض الشباب بعد مضيّ ما يقارب ستّ سنوات أنّ «فكر الحركة وتنظيمها ليسا واضحين حتى في صفوف القياديين فيها». ويرون أنّ الحركة تعيش مرحلة مفصليّة. ربما يخرجون منها بنجاح، أو يزولون مع زوال الأزمة، فتكون دربهم قد اقتصرت على ملء فراغ سياسي ما، إلى جانب تيار المستقبل خلال السنوات الصعبة الأخيرة. نادر فوز

صوّت، أمس، مندوبو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي برفع الأيدي على تعليق مقاطعة التصحيح وأسسه في الامتحانات الرسمية تماماً كما فعلوا عند التصويت على قرار المقاطعة. لكن المندوبين لم يحضروا أمس hanna-gharibإلى ثانوية عمر فروخ الرسمية لمناقشة توصية الهيئة الإدارية بالتعليق فحسب، بل كانت جلسة كشف حساب لأداء الرابطة خلال هذه السنة. فالقيادة النقابية وفت، كما قال رئيس الرابطة حنا غريب، بتنفيذ الشعار الذي رفعته في بداية العام الدراسي «رواتب 2010 لن تكون مثل رواتب 2009». هكذا، كسرت معركة استعادة الموقع الوظيفي لأساتذة التعليم الثانوي الرواتب السابقة، كما قال غريب، والأهم أنّها مثّلت حالة استنهاضية للعمل الديموقراطي النقابي المستقل والموحد «فكانت رابطتكم في الصفوف الأمامية وبتنسيقها مع الروابط التعليمية الأخرى ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة أفشلت كل محاولات ضرب القطاعات بعضها ببعض». اتفاق الأربع درجات ونصف الدرجة ما هو، بحسب غريب، سوى الجولة الثالثة من استرجاع الـ60%، والدرجتان ونصف الدرجة الباقية هي شعار المرحلة المقبلة. هنا علا التصفيق. ثم أطلع غريب المندوبين المشاركين على تفاصيل الاتفاق والأسباب الموجبة التي استندت إليها الهيئة الإدارية لإعلان التوصية بتعليق مقاطعة أعمال التصحيح. وتتضمن بنود الاتفاق إقرار أربع درجات ونصف درجة لجميع أساتذة التعليم الثانوي الرسمي والمهني والتقني تدخل في صلب الراتب موزعة على الشكل الآتي: ــ تقديم التدرج لسنة واحدة. ــ درجتان ابتداءً من 1/1/2010. ــ استفادة الأساتذة الذين تنتهي خدماتهم اعتباراً من 1/1/2010 بسبب بلوغهم السن القانونية أو بسبب الوفاة من كامل الدرجات (أربع درجات ونصف). ــ تأخير تاريخ الاستفادة من قانون التناقص من خمس عشرة سنة إلى ست عشرة سنة. ــ إقرار مشروع قانون هذه البنود في جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس 8/7/2010 وإرساله إلى المجلس النيابي. وكان أمين سر الرابطة محمد قاسم قد افتتح اجتماع المجلس المركزي للمندوبين بالقول: «أثبتت رابطة التعليم الثانوي الرسمي تاريخياً وتحديداً في السنتين الأخيرتين أنها قدوة للعمل النقابي في لبنان من خلال تماسك الأساتذة الثانويين ووحدتهم وديموقراطيتهم ومثلت عامل استنهاض للحركة المطلبية في هذه المرحلة، وينتظر أن تحذو الهيئات النقابية الأخرى حذوها». أما المداخلات فحرصت على الحديث عن «انتصار» شارك الجميع في صنعه من أساتذة ومديري ثانويات ومديري وأعضاء مكاتب الفروع في المحافظات ومجالس المندوبين وأعضاء الهيئة الإدارية للرابطة ورئيسها. أما مقررو اللجان الفاحصة في الامتحانات الرسمية ونواب المقررين فنالوا تهنئة خاصة على موقفهم النقابي والتزامهم قرار الرابطة واعتبار هذا الموقف تمسّكاً بنضالات أساتذة التعليم الثانوي وصمودهم منذ تأسيس رابطتهم وحتى تاريخه. «المقررون القدامى والجدد كافة اتخذوا موقفاً مشرّفاً مع رابطتهم»، تقول إحدى المندوبات من تيار المستقبل. وتؤكد مقررة فرع بيروت إيمان قاروط من التيار أيضاً إنّ «البعض وقفوا ضد تياراتهم السياسية للحفاظ على الوحدة النقابية للأساتذة وشاركوا في كل التحركات من الاعتصام إلى التظاهرة واللقاء التضامني، وصولاً إلى المقاطعة». وقدّم المندوبون سلسلة من الاقتراحات والتوصيات ركّزت بمعظمها على اعتبار ما تحقق إنجازاً نقابياً بامتياز، وجاء نتيجة وحدة الأساتذة وصمودهم والتفافهم حول أداتهم النقابية وقدرتهم على التصدي لكل محاولات شق الصف أو الاستفراد أو الخرق. وأعلن الأساتذة الثانويون تمسكهم بالجزء الباقي من حقهم المكتسب بالدرجات السبع (درجتان ونصف) واعتبار ما تحقق يؤمن الحد الأدنى المقبول من المكاسب. ووجه المجلس المركزي للمندوبين تقديره لجميع الأساتذة الثانويين في القطاعين الرسمي والخاص ولرابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة والمجلس المركزي لرابطات المعلمين في التعليم الأساسي واتحادات المعلمين العالمية ومنظمة العمل الدولية، على مواقفهم المتضامنة ودعمهم تحرك الرابطة وتمكينها من التصدي الناجح لكل أشكال التحريض والاختراق والاستدراج.

وأثنى المجلس على مبادرات المرجعيات السياسية والقوى والفاعليات والهيئات النقابية والاجتماعية والمكاتب التربوية التي وقفت إلى جانب الرابطة ودعمت مطلبها. وسبق مجلس المندوبين اجتماع بين الهيئة الإدارية للرابطة ولجان مواد الامتحانات الرسمية لوضعهم في الظروف التي رافقت مقاطعة أعمال التصحيح وسلسلة الاتصالات والاجتماعات التي عقدتها الرابطة مع المسؤولين ومع رئيس الحكومة وتوقفت أمام الإنجاز النقابي الكبير الذي تجسّد بوحدة الأساتذة وتماسكهم والتفافهم حول أداتهم النقابية، كذلك عرضت مجموعة المبادرات ومواقف الدعم والتأييد التي تلقتها من مختلف المرجعيات والقيادات والفاعليات والمكاتب التربوية التي ساهمت في الوصول إلى الاتفاق بصيغته الحالية. وعليه، دعت الهيئة الإدارية للرابطة المصححين إلى الالتحاق بأعمال وضع أسس التصحيح والتصحيح وبذل قصارى جهدهم بما فيه الوقت الإضافي والتعويض عن أيام المقاطعة، وصولاً إلى إنجاز التصحيح وإصدار النتائج في الأوقات المحددة لها. في المقابل، حدد المدير العام لوزارة التربية ورئيس اللجان الفاحصة فادي يرق المواعيد الجديدة لوضع أسس التصحيح لمسابقات شهادة الثانوية العامة. وتتوزع المواد بين اليوم السبت والاثنين المقبل، في مبنى الأونيسكو والطبقة الثانية عشرة من مبنى وزارة التربية والتعليم العالي.

ردت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» على التصريح الإعلامي الذي أدلى به النائب في كتلة التغيير والإصلاح نعمة الله أبي نصر والذي تناول الحملة. وأعلنت الحملة أنها لن تتوقف عند تشكك النائب بخلفيتها، لأن النساء المعنيات والرأي العام المتابع لهذه الحملة منذ انطلاقتها الأولى على خير دراية بأهدافها، وتؤكد أن تعديل قانون الجنسية الحالي هو ما تصبو إلى تحقيقه، لكونه جائراً إزاء النساء اللبنانيات لحصره حق منح الجنسية برابطة الدم لجهة الأب دون سواه. وأضاف البيان: «إن موقف الحملة من اقتراح البطاقة الخضراء إنما ينطلق من رفضها لمقاربة النائب أبي نصر وخلفياته، وخصوصاً أن تلك البطاقة، لا تولي حاملها أية حقوق لاكتساب الجنسية اللبنانية»، كما جاء في نص اقتراحه. وشددت الحملة على أن هذه البطاقة الخضراء ليست هي الحل، لكن الحل يكمن في إعطاء المسؤولين الأولوية في أجنداتهم السياسية لكيفية تكريس حقوق المواطنين/ات كاملة ومن دون تمييز أو الأخذ بالاعتبارات الطائفية والديموغرافية.
     

(هيثم الموسوي)

ردّت أمس حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» على ملاحظات المدير العام للأمن العام على مشروع تعديل مرسوم «تنظيم دخول الأجانب وعملهم في لبنان والإقامة فيه») 21 نيسان، (التي كان قد وجّهها إلى وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، (راجع عدد «الأخبار» 14 أيار 2010). وجاء في الردّ:«يستوقف الحملة بدايةً، ما ورد في استنتاج المديرية العامة للأمن العام، في الشق القانوني بأن اقتراح مشروع المرسوم يتعارض مع «قوانين الدخول إلى لبنان بقصد العمل»، وبالتالي يجب تعديله لجهة المهلة الزمنية أو سنوات المجاملة. كما تشدد المديرية العامة للأمن العام في ملاحظاتها على مشروع المرسوم على أن «لبنان لم يعد بلد عبور للمهاجرين، بل تحوّل إلى بلد مقصد على أثر تدفق العمالة الأجنبية إليه... سواء أكان هذا التدفق بصورة شرعية أم بصورة غير شرعية (خلسة)». ويبرّر المدير العام، على ضوء ذلك، عدم قدرة المديرية العامة للأمن العام على منح إقامات من دون إذن عمل. في هذه النقطة، ترى حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» أنّ واقع سوق العمل الحالي بات غير متلائم مع «قوانين الدخول إلى لبنان بقصد العمل»، حيث إنّ ما يسمّى «تدفق اليد العاملة» جاء تلبية لاحتياجات الاقتصاد الوطني، إن كان من حيث استقدام العاملات الأجنبيات للعمل في المنازل، أو في بعض المهن التي لم تعد اليد العاملة اللبنانية توفّرها. هذا يستدعي مراجعة شاملة وجريئة لقانون العمل في لبنان، وللواقع الاقتصادي الحالي، أو منع هذا التدفق إذا ارتأت الجهات السياسية أنه يناقض جوهر القانون الذي يقول إنّ لبنان بلد عبور لا بلد إقامة. أما لجهة التدفق غير الشرعي للعمال/ات الأجانب، فهذه أمور إدارية تنظيمية لا تمس بحقيقة أنّ عشرات الآلاف من إجازات العمل يحصل عليها أصحابها بطريقة شرعية. هذا فضلاً عن أن مسألة ضبط الحدود وتنظيم العمالة الأجنبية في البلاد، إنما هما المسؤولية الأولى والمباشرة للدولة اللبنانية وللأمن العام، ولا علاقة لها بتسوية إقامة الأزواج والأولاد».أما بالنسبة إلى مشروع إقامة المجاملة، فترى «حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي» أن وزير الداخلية والبلديات تراجع عن طرحه (الذي يقضي بمنح إقامة مجاملة قد تصل إلى مدة خمس سنوات)، الذي أرسله في كتاب مفتوح إلى الأمن العام اللبناني في كانون الأول/ديسمبر 2009 (فيما مدة إقامة المجاملة التي وافق عليها مشروع المرسوم هي ثلاث سنوات)، ربما أخذاً بملاحظات المديرية العامة للأمن العام.كذلك ورد في رد الأمن العام أن التعليمات تقضي «بمنح زوج اللبنانية الذي لا يمارس عملاً في لبنان إقامة سنوية مقابل رسم قدره ثلاثمئة ألف ليرة لبنانية فقط». فيما عند الممارسة الفعلية، رصدت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» منذ بدأت بمتابعة حالات أسر المعنيات، عشرات الحالات التي لم يعد يشملها تطبيق هذه التعليمات، حيث بات يُطلَب من أزواج النساء اللبنانيات توفير كفيل، حتى وهم لا يمارسون عملاً على الأراضي اللبنانية. وحين سُئل الأمن العام عن أسباب عدم تطبيق هذه التعليمات، أي منح الإقامة الزوجية، أُفدنا أنه أُوقف العمل بها، كنوع من الضوابط لأن هذا الترتيب «بات يُستخدم للتحايل على القانون».ورد في ملاحظات المديرية العامة للأمن العام الجمل التالية: «...وجود أعداد كبيرة نسبياً من الأجانب تقيم وتعمل بصورة غير شرعية في لبنان، بحيث يعمد الكثير من هؤلاء الأجانب، وخاصةً الرعايا المصريين والعراقيين والسوريين، إلى الزواج بلبنانيات، وإنجاب الأولاد منهن، حتى لو كانوا ـــــ الأجانب ـــــ متزوّجين في بلادهم» و«...ومع وجود فارق كبير في العمر ووجود عدم تكافؤ بين عانس تملك المال وتمنح الإقامة، وأجنبي يبحث عن ملاذ أو وسيلة خلاص».تستغرب حملة جنسيتي، أن تصدر مثل هذه التبريرات عن المدير العام للأمن العام، وخصوصاً «أنها تحمل معاني ومضامين ازدراء للنساء اللبنانيات وأزواجهن والفئات العاملة الشعبية خصوصاً. لا ندري إذا كانت هذه الاستنتاجات الخاصة بالتجاوزات أو الاحتيال على القوانين قد بنيت على أساس دراسة شاملة ومعمّقة شملت جميع النساء اللبنانيات المتزوجات غير اللبنانيين. كان من الأجدى للمدير العام للأمن العام، عدم التعميم، والتركيز على وضع معايير وضوابط واضحة وشفّافة بعيدة عن التدخل في الأمور الشخصية وحقوق المواطنة اللبنانية في اختيار الزوج».

خالد صاغية فرع المعلومات حرّ. إنّه جهاز غير شرعي، لكنّه يريد الاستمرار في العمل. يكشف شبكات تجسّس، يحافظ على أمن المواطنين، يقود تحقيقات، ويرشد المحكمة الدوليّة إلى القتلة. حرّ. فؤاد السنيورة حرّ. بقي سنوات رئيساً لحكومة (غير شرعيّة؟). أنفق أموالاً على ذوقه، ولا يريد أن يطلع أحداً كيف أنفق هذه الأموال. وإن أصرّ أحدكم على مساءلته، فسيبكي. حرّ. ديتليف ميليس حرّ. سطع نجمه في لبنان. سمّت الأمّهات أطفالها على اسمه. أراد أن يستخدم شهود زور ليتّهم سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري. المعطيات التي كانت بين يديه واهية، لكنّه قرّر أن يصدّقها. حرّ. دانيال بلمار حرّ. يريد أن يتّهم حزب اللّه بقتل الحريري. ويريد أن يسرّب أو يسمح بتسريب أو لا ينزعج لتسريب أنّه يريد أن يتّهم حزب اللّه بقتل الحريري. طوِّل بالك يا داني. روق شوي. حرّ. كتلة المستقبل حرّة. لم تسمع بشهود زور. لم تسجن أحداً. ولا تريد أن تحاسب أحداً ممّن فَبْرك أو موّل أو لقّن أولئك الشهود. وهي في الوقت نفسه تريد الحقيقة. حرّة. حزب اللّه حرّ. يؤكّد أنّ ما حصل في المطار سيحصل من جديد كلّما يشاء له أن يحصل. حرّ. وليد جنبلاط حرّ. يخرج من جيبه ورقة يقرأ منها خطاباً عروبياً واشتراكياً. يضع الورقة في جيبه. ثمّ يخرج ورقة يقرأ منها خطاباً ليبرالياً. يضع الورقة في جيبه. ثمّ يخرج ورقة يقرأ منها خطاباً ضدّ الاستعمار. يضع الورقة في جيبه. ثمّ يخرج ورقة يؤيّد فيها الاستعمار بصفته حاملاً للتقدّم. يضع الورقة في جيبه. حرّ. ريّا الحسن حرّة. هي وزيرة تنفيذ الأوامر. لا تضع سياسات، ولا تعرف كيف تناقشها. لكنّها وزيرة المال. حرّة. بطرس حرب حرّ. رأى في تقرير «هيومن رايتس ووتش» حول عاملات المنازل إساءةً لسمعة لبنان. كلّ ما يُقترَف بحق العاملات لم يهزّ الوزير. لكنّ معاليه لم يتحمّل ما ورد في التقرير. حرّ. غازي يوسف حرّ. يجمع منصبين خلافاً للقانون. لكنّه يريد الاحتفاظ بهما معاً. وبوقاحة مطلقة، يقول إنّ بينه وبين شربل نحّاس حساباً. حرّ. اللبناني، عموماً، حرّ. أمّا جبران باسيل، فصهرٌ وحرٌّ وحرٌّ وحرُّ.

خالد صاغية أطلق الرئيس سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء، أوّل من أمس، هجوماً استباقيّاً لإمرار رؤيته لمشروع الموازنة. قال كلاماً كبيراً عن حكومة الوحدة الوطنيّة يوحي كأنّ حكومة كهذه لا يمكنها الاستمرار ما لم يبصم شركاؤه فيها على كلّ اقتراحاته في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي. هكذا فهم الشراكة، وهكذا أعاد فهمها بعد زيارة دمشق. وفي غمرة دفاعه عن طروحاته، مزج الحريري مزجاً عشوائيّاً بين التزام الحكومة بأولويّات الناس وفرض الضرائب على أولئك الناس أنفسهم. فقد بات أيّ صوت يرتفع في وجه زيادة الضرائب كأنّه خيانة لمطالب الناس، بدلاً من أن يكون دفاعاً عن مصالحهم. أو كأنّه عرقلة لمشروع الإصلاح لحكومة الحريري، بدلاً من أن يكون محاولة لوضعه على سكّة صلبة. وهذا، على ما يبدو، نابع من البعد عن هموم الناس، وعدم القدرة على تحسّسها، نتيجة التاريخ الطويل لملاعق الذهب والقصور العاجيّة. أحد ما يجب أن يرشد بعض القوم إلى أرض الواقع، حيث الضريبة على القيمة المضافة مثلاً تؤثّر في المستوى المعيشي للأسرة اللبنانية. أيّ مسؤول يوقّع زيادة هذه الضريبة، يجب أن يعلم أنّه في اللحظة نفسها التي يلامس فيها قلمه الورقة، فإنّ عائلات على امتداد هذا الوطن وطوائفه ستنحدر على السلّم المعيشي. وهذه حقيقة علميّة لا علاقة لها بالمزايدات والنكايات وصفقات ما تحت الطاولة وما فوقها. وعلى عكس الاتّهامات التي رافقت شكوى الحريري، فإنّه ما من إشارات جدّية حتّى الساعة إلى أنّ أطرافاً كحزب اللّه أو التيّار الوطني الحرّ ستلتزم الدفاع عن الخط الأحمر المعيشي، حتّى النهاية. والواقع أنّ هذين الطرفين الرئيسيين في المعارضة السابقة باتا يراعيان أموراً كثيرة. إلّا أنّ ثمّة ما لا يمكن التنازل عنه. فالتخلّي عن الضغط من أجل الإصلاح المالي يضع التيّار في موقع نقيض لمصالح الطبقة الوسطى التي تكوّن عماده. كما أنّ رضوخ حزب اللّه للابتزاز يُسقط عنه تمثيله لفئة كبيرة من «الغلابة». كما يطيح ذلك جزءاً من هوّيته. فالحزب الإسلامي الذي يروقه النظر إلى نفسه باعتباره ثورياً، لا يمكنه أن يقاوم الاحتلال بيده اليمنى، وأن يوقّع صكوك براءة للنيوليبرالية بيده اليسرى. آن الأوان كي تبحث الحكومة عن مصادر للدخل بعيداً من جيوب الفقراء.

أُحيطت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الأسبوع الماضي إلى دمشق، بالكثير من الصخب الإعلامي. الرئيس الإيراني متميّز في حقل إطلاق المواقف التي تتّسم عموماً بنبرة عالية، وتذهب إلى الحدود القصوى في الرفض أو القبول. في مجرى ذلك، كان الرئيس الإيراني يتجاوز الخطوط الحمر ويتخطّى المألوف في ما هو معتمد من التقاليد والأعراف، وخصوصاً لدى رؤساء الدول، أو من هم بمثل هذا الموقع في بلدانهم. ورغم ذلك، تجاوز الصخب الإعلامي هذه السمات التي طبعت سلوك الرئيس الإيراني ومواقفه، كما تجاوز أيضاً مسائل محدّدة، من نوع خروج الرئيس أحمدي نجاد منتصراً من معركته الأخيرة ضدّ المعارضة في بلده. نريد هنا القول إنّ المناخ الإعلامي الذي رافق القمة تجاوز أيضاً الرئيس الإيراني نفسه، إلى موقفي كلّ من سوريا وحزب الله، شريكي الرئيس أحمدي نجاد في قمة دمشق «الثلاثية»! ففي صيغ مختلفة في الشكل وفي الأسباب، أعلن كلّ من الرئيس السوري حافظ الأسد (وقبله وزير الخارجية وليد المعلم) والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، مواقف جديدة، وحتى مشابهة لمواقف الرئيس الإيراني. فالرئيس السوري (ووزيره) ردّ بحزم على التهديدات الإسرائيلية، وسخر من النصائح الأميركية حيال العلاقة مع القيادة الإيرانية. كذلك فإنّ السيّد حسن نصر الله كان قد أطلق قبيل ذلك، في خطابه في ذكرى «القادة الشهداء»، مواقف واثقة وعالية النبرة بشأن القدرة على ردع العدو وإلحاق الهزيمة بعدوانه ومخططاته العسكرية. مصدر الصخب الإعلامي لم ينجم إذًا، عن اجتماع بين الأطراف الثلاثة الذين سبق أن التقوا مراراً، ولا عن مواقفهم المنفردة، وإن العالية النبرة، ضدّ العدو الإسرائيلي. مصدر الصخب الإعلامي يكمن في ما أطلقه قادة كلّ من سوريا وإيران وحزب الله، من أنّ حلفهم راسخ ومستمرّ ومعلن، ومن أنّ هذا الحلف بات يملك قدرات عسكرية كبيرة من شأنها تحويل أيّ عدوان إسرائيلي على أحد الأطراف الثلاثة (فضلاً عن حماس)، إلى حرب شاملة وذات نتائج مختلفة نوعياً عن نتائج الحروب السابقة. لقد أكد هذه الخلاصة كلّ طرف من الأطراف الثلاثة بالطريقة التي تناسبه. فماذا عن هذا الطور الجديد من المواجهة في نطاق الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، المتداخل إلى حدود كبيرة مع مجمل الصراعات الدائرة في النطاق الإقليمي الأوسع، أي في نطاق «الشرق الأوسط الجديد» والواسع الذي يشمل 27 دولة تمتدّ ما بين موريتانيا وباكستان؟! لا شكّ أنّ المشاريع السياسية الأميركية قد مُنيت في اندفاعتها الهجومية والعدوانية، في عهد الرئيس الأميركي السابق، بخسائر كبيرة سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية، ولا شكّ أيضاً أنّ كلاً من سوريا وإيران وحزب الله وحماس قد تجاوز «قطوع» الاستهداف الأميركي لقادته وسياساته، ونجح في ترسيخ وجوده ودوره وفعّاليته، لا شكّ أيضاً، أنّ خسائر الولايات المتحدة مستمرّة الآن، ليس فقط بعد الأزمة المالية الهائلة التي ضربت أسواق المال الأميركية منذ أكثر من سنتين، بل بسبب استمرار التورّط العسكري والأمني الأميركي في كلّ من العراق وأفغانستان وباكستان وبلدان أخرى... كلّ هذا صحيح، وصحيح أيضاً، أنّ المنطقة تعيش الآن فراغاً كان يملأه منذ عام 2007، المشروع الأميركي الشرق الأوسطي والحضور الأميركي العسكري الكبير في العراق وفي المنطقة عموماً. ومعروف أيضاً أنّ محور الاعتدال العربي وحلفاءه في المنطقة قد عجزوا عن أخذ زمام المبادرة في ملء الفراغ، وهم في الحقيقة تحوّلوا أيضاً إلى الدفاع: على تفكّك وضعف وصعوبات شتّى...

هذه الأمور وسواها، هي حقائق في مشهد الصراع الدولي والإقليمي الذي عانته منطقتنا، وعاناه خصوصاً الشعب العراقي والشعب الفلسطيني والشعب اللبناني... وهذه الحقائق ذات نتائج لا شكّ في حصولها لجهة تحسين شروط الصراع في مصلحة المعترضين على الخطة الأميركية، وعلى سياسات التحالف الأميركي ـــــ الصهيوني، وعلى سياسات محور «الاعتدال» العربي وتوجّهاته وتحالفاته، لكنّ السؤال يبقى ما هو المدى الذي بلغه هذا التغيير، وهل بات من النوع الذي قد يفضي في حال حصول عدوان إسرائيلي على أحد أطراف تحالف سوريا وإيران وحماس وحزب الله، إلى نتائج، مهدِّدة للوجود وللمشروع الصهيوني نفسه، في فلسطين وفي المنطقة؟ الواجب هنا يقتضي التمييز بين العامل التعبوي الذي له وظيفة رفع المعنويات واستنهاض الهمم والطاقات، وخطر المبالغة التي لا تقيم كبير وزن لما يمكن أن ينشأ من تناقض بين الأقوال والوقائع. في تجارب العرب الحديثة (أنظمة وحركات سياسية وحركات تحرير...) الكثير من الخيبات التي تولّدت عن تصوير الوقائع على غير ما هي عليه. لا يزال يهدر في آذان جيل الستينيات صوت المذيع المصري أحمد سعيد من إذاعة «صوت العرب»، وهو يهدّد إسرائيل بالويل والثبور إن هي تجرّأت على العدوان... لتؤدّي المواجهة بُعيد ذلك إلى نكسة 1967 الكبرى... وصولاً إلى وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحّاف، الذي وظف مواهبه في استحضار المفردات واستخدامها واشتقاقها ليروّج لانتصارات حاسمة، أما على الأرض وليس في الفضائيات، فقد سقط النظام العراقي، وكان سقوطه مفاجئاً في سرعته في العالم بأسره. ليست المقارنة هنا فعل تطابق بين ما كان من مبالغة وإفراط وإطناب، وبين ما صدر أثناء قمة دمشق (من صخب إعلامي) وبعدها. لا بدّ إذاً من التحذير من الاستعجال، ومن عدم الدقة في التقدير، وخصوصاً أنّ من شأن ذلك أن يصوّر مرّة جديدة، ولا سيّما في بعض مواقف الرئيس الإيراني، إسرائيل دولة مهدَّدة ومستهدفة بالإبادة. هذا الأمر من شأنه التغطية على جرائم إسرائيل، وخصوصاً ضدّ الشعب الفلسطيني على غرار ما حدث في غزة، وما كشفه أو كشف جزءاً منه تقرير غولدستون. من شأن ذلك أيضاً أن يبرّر الاستعدادات والخطط العدوانية الصهيونية، وأن يحجب حقيقة ما تقدم عليه القيادة الصهيونية الراهنة، من مضيّ في تشريد الشعب الفلسطيني من كلّ أراضيه داخل ما يُسمّى الخط الأخضر وخارجه، وخصوصاً حجب عملية الاستيطان الواسعة، فضلاً عن الشعارات العنصرية المستمرّة في الترسّخ عبر التدابير والإجراءات المكرّسة ليهودية (أي لعنصرية) الدولة الصهيونية ضدّ كلّ الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية على حدّ سواء. الأمر الإضافي: إذا قلنا إنّ المجابهة المقبلة ستؤدّي إلى تهديد وجود إسرائيل نفسه، فسيُطرح السؤال، لماذا تأجيل المواجهة إذن، ولماذا ترك المبادرة في يد العدو؟... غير أنّ الواقع هو ذلك، لجهة أنّ إسرائيل ما زالت تملك تفوّقاً حاسماً في الكثير من المجالات، وخصوصاً في المجابهات العسكرية التقليدية (بين الجيوش)، وأنّها ما زالت تتمتّع بتأييد ودعم هائلين من جانب «الغرب» الأميركي والأوروبي. وهي كذلك، تحظى بتواطؤ شبه مكشوف من جانب قوى «الاعتدال» العربي. المسألة هي كيفية التأكيد على الطابع الدفاعي في مواجهة العدو الصهيوني وحماته وشركائه وحلفائه، وفي تعزيز القدرات والإمكانات في هذه المواجهة، ودائماً في مناخ إعلامي متيقّظ ورصين من جهة، ومؤثّر في مواجهة الخنوع والخيبات واليأس والخوف، من جهة ثانية. المبالغة في التقليل من خطر العدو وقدراته، هي، بشكل ما، كالمبالغة في تضخيم حجم هذه القدرات. الأولى تقود إلى الاستسهال والإهمال ربما، والثانية، إلى الخوف والقعود. والنتيجة واحدة في هاتين الحالتين: الخسارة لنا والربح لعدوّنا. الواجب يقتضي إذًا، قيادة المعركة الإعلامية بنفس الجدية والإبداع اللذين خيضت بهما معارك مواجهة العدوان الصهيوني في لبنان، وخصوصاً منها حرب تموز عام 2006!

سعد الله مزرعاني

خالد صاغية«فاليري جيسكار ديستان... والستّ بتاعه كمان... حيجيب الديب من ديله... ويشبّع كل جعان».اقرعوا الطبول. وزّعوا المناشير. قفوا باحترام، وأدّوا التحيّة. لقد وصل النفط إلى لبنان. وها هو يدخل سريعاً، وهو لمّا يزل داخل باطن الأرض، في نفق السجالات السياسيّة. لا بدّ من تحديد طائفته قبل أن يبصر النور. ولا بدّ من توزيع عائداته، وتحديد الحصص في الشركات التي ستتولّى التنقيب عنه واستخراجه. وبما أنّ الحقول قد تكون مشتركة مع إسرائيل، فإنّ الخطابات الوطنيّة التي تتحدّث عن لبنان وشعبه ومؤسّساته، بات بإمكانها أن تضيف اليوم: «ونفطه».«ياسلامْلَمْ يا جدعان... ع الناس الجنتلمان... داحنا حنتمَنْجه واصل... وحتبقى العيشه جنان».يفرك المتفائلون أيديهم منذ الآن، منتظرين عائدات إضافية ستدخل إلى موازنة الدولة. لقد كبرت الكعكة من جديد، وبات بالإمكان تقاسمها براحة أكبر. فقد ولّت أيّام القحط. لن نجلس من الآن فصاعداً لنناقش في دستوريّة مادّة أو مادّتين من الموازنة، ولن يكون علينا التفتيش عن كلّ مليار يضيع هنا أو هناك. ستمطر الدنيا أموالاً. وستزهر الوعود الربيعيّة من جديد.«التلفزيون حَيْلوّن... والجمعيات تتكوّن... والعربيّات حَتْموّن... بدل البنزين بَرْفان».حتّى لو كان استخراج النفط سيتأخّر ثماني سنوات أو عشراً. سننتظر. وسيكون انتظاراً مليئاً بالآمال والأحلام. سيمتنع المعلّمون عن المطالبة بحقوقهم. ولتُرفَع الضريبة على القيمة المضافة. ولتستمرّ أسعار البنزين في صعودها الصاروخي. ما همّنا يا رجل. لقد بات لبنان دولة نفطيّة.«حتحصل نهضه عظيمه... وحتبقى علينا القيمه... في المسرح أو في السيما... أو في جنينة الحيوان».ومع كلّ برميل نفط، سنكتشف قدّيساً جديداً. ومع كلّ برميل نفط، سنكتشف شهيداً جديداً. ومع كلّ برميل نفط، سنكتشف متاريس جديدة ترتفع بيننا. أمّا بخصوص الأموال، فبإمكان الجميع أن يطمئنّوا. هناك من يجلسون الآن على كراسيّ جلديّة مريحة، وعلى وجوههم تظهر ابتسامات ماكرة. فهم يعرفون جيّداً أنّ أيّ فلس سيدخل إلى خزينة الدولة، سواء عبر النفط أو النهب، سيعود ويدخل إلى جيوبهم. فهم الدائنون، وإليهم ستذهب فوائد الدين العام.أمّا الفقراء، فـ«حياكلوا بطاطا... وحيمشوا بكل ألاطه... وبدال ما يسمّوا شلاطه... حيسمّوا عيالهم جان».رحم اللّه الشيخ إمام.

الأكثر قراءة