حين يذوب الثلج عن مرج اليسار الديموقراطي

في أحد أيام تشرين الأول 2004، اجتمعت مجموعة من القيادات الشيوعيّة السابقة وأطلقت حركة اليسار الديموقراطي. لم يتسنّ لهذه الحركة الوقت اللازم لإعداد شبابها وقيادتها لخوض المعارك السياسيّة، إذ تزامن انطلاقها مع بداية الأزمة المحليّة التي لم تنته معالمها بعد. بعد مجموعة من المعارك السياسية التي خاضها شباب اليسار الديموقراطي إلى جانب قوى 14 آذار، يبدو جسم الحركة أكثر من منهك. تشرذم، إحباط، ضياع وملاحظات في الشكل والمضمون، صفات كلها تنطبق على هؤلاء الشباب الذين آمنوا يوماً بالتغيير الآتي ليكتشفوا اليوم أنّ الشعارات التي رفعوها إلى جانب حلفائهم في الساحات، لم تكن سوى غلاف زهري جميل لعلبة قواعد سياسية تتناقض مع مبادئهم. تتراجع حماسة شباب اليسار الديموقراطي منذ سنوات، لتكاد تنعدم في الآونة الأخيرة، إذ أضيفت مجموعة من المشكلات الداخلية إلى سلّة الإحباط السياسي في الحركة. واليوم، يقف اليساريون الديموقراطيون على أبواب مؤتمرهم العامّ الثاني بعد التأسيسي، الذي بدأ العدّ العكسي له بعد تعيين لجنة تحضيرية لهذا الغرض، إحدى مهامها تحديد موعد المؤتمر والوثائق السياسية والتنظيمية اللازمة. ثمة الكثير من القضايا الداخلية التي ستحكى خلال هذا المؤتمر، ولو أنّ معظمها بدأ يُثار في النقاشات واللقاءات الرسمية وغير الرسمية بين الرفاق المعنيين. ولعلّ أبرز هذه القضايا هي سلوك ممثل اليسار الديموقراطي في البرلمان، النائب أمين وهبي. وفي أحاديث شباب الحركة، ثمة إشارات عدّة تدل على أنّ وهبي لا يتقيّد بقرارات قيادة اليسار، لا بل قد يفعل عكسها. في بداية مسيرته، خرجت قيادة الحركة بقرار عدم التصويت للرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس، التزم وهبي بهذا القرار، إلا أنّ الخطوة هذه لم تظهر في الإعلام. وفي مناسبة أخرى، عارض وهبي قرار التنظيم بعدم منح الثقة للحكومة، فدخل مجلس النواب وانضمّ إلى أعضاء كتلة المستقبل وغيرهم من الحلفاء، مانحاً الرئيس سعد الحريري والتشكيلة الوطنية الثقة من دون أن يكترث إلى ما جرت مناقشته في منطقة كورنيش المزرعة. أما أكثر ما أحرج شباب اليسار الديموقراطي، فهو امتناع وهبي عن التصويت لمشروع قانون خفض سنّ الاقتراع إلى 18 عاماً. دفعت كل هذه المناسبات شباب الحركة إلى الاعتراف بأنهم غير ممثلين في مجلس النواب، وبأنّ وهبي يحمل صفة ممثل اليسار الديموقراطي بالشكل. أما في المضمون، «فهو في مكان بعيد جداً»، كما يقولون. حتى إنّ من يراقب نشاط النائب المذكور يتأكد من أن تحييده عن خط قيادة الحركة لا يقتصر على كونه عضواً في تكتل «لبنان أولاً»، بل يتخطّى ذلك على اعتبار أنّ وهبي اعترف مرّات عديدة بأنه جزء من كتلة المستقبل، التي لا يغيب عن اجتماعاتها منذ دخول البرلمان. وفيما أنّ عدداً من نواب المستقبل «الأصليين» لا يتقيّدون دائماً بقرارات رئيس الكتلة، لا يخيّب وهبي أمل المستقبليين. يحاول شباب اليسار الديموقراطي الفصل بين موقفهم من القيادة الحزبية وبين وهبي، إلا أنّ وضع القيادة ليس أفضل حالاً. ولعلّ أبرز الدلالات على حالة التصدّع الداخلي، برزت أخيراً عندما اختار أحد أبرز وجوه الحركة، زياد ماجد، شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال للتأكيد أنه بات خارج هذا المشروع التنظيمي، وذلك وسط دهشة قيادته ورفاقه السابقين الذين فوجئوا بعدم وضعهم في أجواء خياراته، وتأكيدهم أنّ ماجد لم يتقدّم برسالة أو طلب واضح يعلن فيه تنحّيه عن المسؤوليات الموكلة إليه في الحركة. يبدو أنّ الثلج بدأ يذوب عن مرج اليسار الديموقراطي، إذ يكتشف بعض الشباب بعد مضيّ ما يقارب ستّ سنوات أنّ «فكر الحركة وتنظيمها ليسا واضحين حتى في صفوف القياديين فيها». ويرون أنّ الحركة تعيش مرحلة مفصليّة. ربما يخرجون منها بنجاح، أو يزولون مع زوال الأزمة، فتكون دربهم قد اقتصرت على ملء فراغ سياسي ما، إلى جانب تيار المستقبل خلال السنوات الصعبة الأخيرة. نادر فوز
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة