غصّ قصر الأونيسكو، مساء أول من أمس، بجمهور من مختلف الأعمار، أتى لحضور حفلة خالد الهبر والفرقة. مسنّون، شباب، مراهقون، وأطفال أيضاً. «الرفاق» أكثرية بطبيعة الحال. لكنّهم ليسوا وحدهم هنا. رغم راديكالية توجّهه السياسي وثباته في هذا التوجُّه، ما زال الفنان الخمسيني يجمع جمهوراً من مختلف التوجهات.
هنا، جلسَت امرأة محجّبة في العقد السادس من عمرها. تحمَّسَت وتفاعلت مع النص والموسيقى، حتى ظننا أنها من جمهور خالد العتيق. بعد «يا ولد» (المهداة إلى روح ناجي العلي) و«نحن في غزة بخير»، سألَت: «هل هو فلسطيني؟». كدنا نجيبها بأنّه شيوعي، أي يمكن أن يكون فلسطينياً إذا احتاجت إليه فلسطين. لكن، حرصاً على حماستها، أجبناها: «إنه لبناني، لكنه يناصر القضية الفلسطينية»، متمنّين ألا يغنّي «أبانا» التي قد تصيب الحاجّة بخيبة في لقاء التعارف الأول هذا. مرّت «السنديانة الحمرا» على خير. الأعلام الشيوعية رُفِعَت في الخلف، ولا يمكن جالساً في الصفوف الأمامية أن يراها. في القسم الثاني، وفي ذروة حماسة السيدة، انطلقت أسئلة العتاب في أغنية «أبانا». كانت النتيجة غير متوقعة: لقد وافقت المعجَبَة الجديدة على كلّ سؤال طرحه الهبر على الخالق. لا بل حاولت بعد الأغنية أن تشرح لرفيقتها عبثيّة ما يحدث في العالم، في ظلّ صمت من أوصى بعمل الخير إزاء الظلم! تختصر الرواية بمسألتَيْن مهمتين. أولاً هناك فعلاً سوء فهم عند الناس للشيوعية، وهو ناتج من التبشير المضلّل الذي تبثّه الأديان في المجتمعات. ثانياً، أغنية خالد الهبر جامعة وغير استفزازية، رغم وضوح طروحاتها الاجتماعية والسياسية.
في بداية الحفلة، سمعنا مقدّمة موسيقية لريان الهبر (نجل خالد)، مستوحاة جزئياً من موسيقى «أبو علي» لزياد الرحباني، أقله لناحية المطلع المبني على جملة مكرّرة. بعدها غنّى خالد الهبر من ريبرتواره القديم والجديد. «مش هيّن» (أدّاها جورج نعمة) و«متشائل» و«يا ولد» و«غنيّة عاطفية» و«أصنام العرب» (وهي أكثر الأعمال تماسكاً بين النص واللحن والأداء) و«عائد إلى حيفا» و«أبو عجقة» و«آه يا ديني» (أدّاها أسامة عبد الفتاح) و«شارع الحمرا» و«رنا»،... وغيرها، أداها الهبر مع الفرقة بتوزيع جديد (ريان الهبر وعبود السعدي) وبإتقان واضح لناحية التنفيذ. حصة الأسد لناحية التوزيع جاءت من نصيب آلات النفخ (فلوت، سوبرانو وتينور ساكسوفون)، والكورال، وغابت الوتريات التي مثّلت الحجر الأساس في تسجيل الاستوديو لبعض الأعمال (خاصة «عائد إلى حيفا»).