uldy

uldy

بعد أقل من أسبوع على استشهاد الرفيق الصحافي في جريدة الأخبار عساف بو رحال قرب ثكنة الجيش اللبناني في العديسة نتيجة العدوان الاسرائيلي على الأرض اللبنانية، قامت مخابرات الجيش اللبناني نفسه باعتقال الصحافي في جريدة "الأخبار" حسن عليق على خلفية المقال الذي نشر اليوم في الجريدة تحت عنوان "ماذا فعل أديب العلم في مكان اغتيال غانم؟"، لا بل أن الوزير الياس المر خرج في مؤتمر صحافي ليعلن أن كاتب المقال "جاسوس اسرائيلي"! وفي ما يلي مقال حسن عليق الذي اعتقل على أساسه:

الجد في السان جورج والعلم فـي مسرح جريمة اغتيال غانم أي جهاز أمني قال عنه الأمين العام لحزب الله إن أمن المقاومة سلّمه معلومات عن الاشتباه في تعامل غسان الجد مع الاستخبارات الإسرائيلية؟ ولماذا لم يوقفه الجهاز الأمني المذكور؟ ومن هو العميل الذي كان موجوداً في مسرح جريمة اغتيال النائب أنطوان غانم قبل ساعتين من حصولها؟

حسن عليقليس غسان الجد شخصية مجهولة في عالم مكافحة التجسس. فجهاز أمن المقاومة رصد تحركاته في أكثر من منطقة، منذ نهاية 2005. وفي 2006، سلم حزب الله معطيات عنه إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ليتحقق الفرع من هذه الشبهات، تمهيداً لتوقيفه. بعد ذلك، تعززت المعطيات الموجودة في حوزة جهاز أمن المقاومة عن الرجل، وقتَ توصلت مديرية استخبارات الجيش إلى معطيات مرتبطة ببيانات الاتصالات الهاتفية، تشير إلى تورّط الجد بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. كان ذلك في أيار 2009. وعندما رصدت استخبارات الجيش، أرضياً، منزل العميد المتقاعد من الجيش، تبين أنه ليس موجوداً في منزله. بعض التحريات الإضافية أظهرت أن الرجل غادر إلى فرنسا. ومنذ ذلك الحين، لم يعد.في مؤتمره الصحافي أول من أمس، لم يشأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، رداً على سؤال طرحته عليه «الأخبار»، الكشف عن الجهاز الأمني اللبناني الذي تسلّم من حزب الله معلومات عن وجود شبهات حول العميل الفار غسان الجد. قال نصر الله مبتسماً إنه لا يريد «فتح مشكل في البلد». لكن قليلاً من التدقيق في هذه المسألة يظهر أن الجهاز الأمني الرسمي الذي قصده نصر الله ليس سوى فرع المعلومات (علماً بأن جريدة «اللواء» المحسوبة على فريق الرئيس سعد الحريري السياسي، نشرت أمس أنّه مديرية الاستخبارات في الجيش).ففي النصف الأول من 2006، لم تكن العلاقة بين حزب الله وقيادة الفرع (ومن خلفها الرئيس سعد الحريري) قد وصلت إلى هذا الدرك من التشكيك المتبادل. وفي أحد اللقاءات التي جمعت رئيس الفرع العقيد وسام الحسن ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، تحدّث الطرفان عن مسألة مكافحة شبكات التجسس العاملة لحساب الاستخبارات الإسرائيلية. قال الحسن إن فرع المعلومات غير قادر على التوصل إلى معطيات تمكنه من توقيف أشخاص عاملين لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، طالباً مساعدة حزب الله. ردّ صفا بأنه سيأتي بالخبر اليقين خلال أيام معدودة. وبالفعل، جرت اتصالات بين الرجلين خلال الأيام اللاحقة، قبل أن يسلّم صفا الحسن معطيات تشير إلى الاشتباه بتعامل خمسة أشخاص لبنانيين مع الاستخبارات الإسرائيلية. وبين هؤلاء كان اسم غسان الجد، العميد المتقاعد من الجيش اللبناني، والرقيب الأول في قوى الأمن الداخلي هيثم السحمراني.يقول معنيون بعمل فرع المعلومات إن محققين منه دققوا في بيانات الاتصالات الهاتفية للأشخاص الواردة أسماؤهم في التقرير الوارد من حزب الله، «ولم يلفت نظرهم ما يثير الريبة».وخلال الأشهر اللاحقة، أتت حرب تموز وما تلاها من انقسام سياسي في البلاد. أهمل فرع المعلومات المعطيات التي كانت بين يديه، ولم يقم بأي تحرك للتثبّت منها، ما عدا الارتكاز على تحليل «بدائي» لبيانات الاتصالات الهاتفية. فالفرع، على حد قول مسؤولين فيه، لم يكن قد حصل بعد على برامج معلوماتية تمكنه من تحليل الاتصالات الهاتفية على نحو متطور. لكن ما لا يمكن تبريره حتى اليوم، هو أن فرع المعلومات، المعنيّ بالأمن العسكري في قوى الأمن الداخلي، لم يضع السحمراني تحت المراقبة، رغم وجود معلومات لديه عن أن شقيقة السحمراني هربت قبل سنوات إلى فلسطين المحتلة مع أحد عملاء ميليشيا لحد. ففرع المعلومات يعتمد حصراً في مكافحة التجسس على تحليل البيانات الهاتفية. كذلك فإنه ظن، بحسب أحد المعنيين بعمله، أن حزب الله «يحاول اختباره في ملفات لا قيمة لها، إذ إن الشبهة التي تدور حول هؤلاء الأشخاص ضعيفة جداً». هذا ما كان يردده أحد أبرز المعنيين بعمل فرع المعلومات، حتى أيار 2009. ففي ذلك الحين، طلبت مديرية استخبارات الجيش من قوى الأمن الداخلي (وفقاً لما هو متبع بين المؤسستين) توقيف الرقيب الأول في قوى الأمن الداخلي هيثم السحمراني، بسبب وجود شبهات بتعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية. نفذ فرع المعلومات طلب استخبارات الجيش، وأوقف السحمراني. وبحسب معنيّ بالتحقيقات التي أجريت حينذاك، فإن السحمراني أقر مباشرة بتعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية، «وأدلى باعترافات لدى محققي فرع المعلومات مطابقة لما هو وارد في الملف الذي قدمه حزب الله إلى الفرع». في اليوم التالي لتوقيفه، أحال فرع المعلومات السحمراني على مديرية استخبارات الجيش، حيث حُقِّق معه لساعات، أقرّ خلالها بتفاصيل صلته بالاستخبارات الإسرائيلية.المفاجآت في هذا الملف لم تقتصر على السحمراني. ففي الشهر التالي، توصلت مديرية استخبارات الجيش إلى معطيات تقنية يمكن من خلالها ربط العميد المتقاعد من الجيش، غسان الجد، بالاستخبارات الإسرائيلية. حاولت توقيفه، إلا أنه كان قد فرّ إلى خارج لبنان. وبحسب مصدر مطّلع، فإنّ عملية الفرار جرت بعد حصول المشتبه فيه على إشارات معيّنة لم يُعرف ما إذا كانت تسريباً مقصوداً أو معلومات وفّرتها له إسرائيل. ذلك أنه عندما تقرر توقيف الجد، أبلغ قائد الجيش العماد جان قهوجي وزير الدفاع إلياس المر بالأمر، فطلب الأخير التمهّل لبعض الوقت، لكنّ الجد سافر في اليوم التالي إلى خارج لبنان.ومنذ ذلك الحين، أظهرت البيانات الهاتفية التي حللها محققو فرع المعلومات واستخبارات الجيش، والمعلومات التي جمعتها استخبارات الجيش، أن غسان الجد ينتمي إلى «طبقة العملاء التنفيذيين». فبحسب مسؤولين أمنيين معنيين بملفات مكافحة التجسس، ينقسم العملاء إلى فئات عدة، أبرزها فئتا العملاء الاستعلاميين والعملاء التنفيذيين. عملاء الفئة الأولى مكلفون جمع معلومات إما بوسائط بشرية، أو من خلال أجهزة ومعدات يزودهم إياها الإسرائيليون. ويستفيد الإسرائيليون من بعض هؤلاء العملاء الذين ينفذون مهمات «لوجستية» متصلة، على نحو غير مباشر، بعمليات أمنية أو اغتيالات ينفذها الإسرائيليون. وخير مثال على ذلك، يضيف الأمنيون، الدور الذي اعترف الموقوف أديب العلم بتنفيذه في عملية اغتيال الأخوين المجذوب في صيدا، في أيار 2006.ففي ذلك الحين، لم يكن العلم يعرف شيئاً عن عملية الاغتيال، بل إن ما طلبه منه مشغّلوه الإسرائيليون انحصر في مراقبة الخط الساحلي في مدينة جبيل، وتحديد ما إذا كان ثمة تحركات مريبة أو دوريات أمنية وعسكرية. وربط الأمنيون المعنيون بين هذه المهمة التي نفذها العلم، وما كان قد اعترف به العميل محمود رافع الذي شارك في اغتيال الأخوين مجذوب. فقد قال رافع إنه نقل ضابطاً إسرائيلياً من الحدود الجنوبية في اليوم السابق لتنفيذ الجريمة، ثم أقلّه إلى شاطئ مدينة جبيل بعد التنفيذ، حيث حضرت قوة كوماندوس إسرائيلية لتأخذ الضابط.أما الفئة الثانية من العملاء، فتضم التنفيذيين، الذين تتضمن مهماتهم جمع معلومات. إلا أن عملهم الرئيسي هو تنفيذ الأعمال الأمنية، كالاغتيالات والتفجيرات وأعمال المراقبة السابقة لها، وإعداد الشؤون اللوجستية المرتبطة بها، فضلاً عن نقل ضباط إسرائيليين إلى داخل الأراضي اللبنانية وإيوائهم ونقلهم إلى المناطق التي سيخرجون عبرها من لبنان، سواء من البحر أو البر. كذلك يتولى هؤلاء عمليات زرع البريد الميّت. ومن أبرز الأمثلة على هؤلاء، العميلان محمود رافع (أوقف عام 2006) وجودت حكيم (عام 2009).

استمهل وزير الدفاع توقيف الجد فغادر الأراضي اللبنانية ولم يعد

وينتمي غسان الجد إلى فئة العملاء التنفيذيين. فبحسب المعلومات التي توافرت عنه للأجهزة الأمنية اللبنانية، كان الرجل يتنقل في مناطق زرع البريد الميت، الوعر منها والسهل. وكان يضع في هذه الأماكن متفجرات وأموالاً، وأجهزة اتصال ورسائل، ليأتي من بعده عملاء آخرون لتسلم هذه الأغراض. وكان يشتري بطاقات هاتف خلوي، ويرسلها إلى مشغّليه الإسرائيليين. وقد شارك الرجل، أكثر من مرة، في نقل ضباط إسرائيليين من شاطئ البحر إلى داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما كشف عنه الأمين العام لحزب الله في مؤتمره الصحافي أول من أمس. أما أبرز ما قاله نصر الله عنه، فهو أن الجد كان موجوداً في منطقة السان جورج، في اليوم السابق لاغتيال الرئيس رفيق الحريري.

العلم واغتيال غانم

«مصادفات» وجود العملاء في مسارح عدد من الجرائم لا تقتصر على وجود الجد في منطقة السان جورج. فبحسب معلومات موثقة، تبين لفرع المعلومات بعد توقيف أديب العلم عام 2009، من خلال بيانات اتصالاته الهاتفية، أنه كان موجوداً في منطقة سن الفيل، على مقربة من مكان اغتيال النائب أنطوان غانم، قبل نحو ساعتين على وقوع الجريمة. وعندما سُئِل العلم عن هذه «المصادفة»، أجاب بأنه كان قد أوصل زوجته إلى صالون تزيين قريب. زوجته الموقوفة بالتهمة ذاتها، أكدت ما أدلى به زوجها، فتوقف التحقيق بهذه المسألة عند هذا الحد.«مصادفة» غريبة لعميل كان الإسرائيليون قد كلفوه تنفيذ استطلاع شاطئ منطقة جبيل، تمهيداً لإجلاء أحد ضباطهم منها، قبل سنتين من اغتيال غانم.

 

 

أخيراً، جرى اللجوء إلى خيار حلّ مصرفَيْ المدينة والاعتماد المتحد «مسبقاً» وشطب رخصتيهما وتصفيتهما ذاتياً. الهدف واضح: إقفال الباب نهائياً أمام خيارات أخرى متاحة، منها الدمج أو التملّك أو الإفلاس، التي تسمح بدخول أطراف «غير مرغوب في أن تكون مطّلعة على المعلومات» إلى أرشيف هذين المصرفين

محمد زبيبتنعقد الجمعيتان العموميتان غير العاديتين للمساهمين في كل من بنك المدينة وبنك الاعتماد المتحد في بيروت في 22 و23 تموز الجاري، وذلك للتداول في جدول أعمال يتضمّن «بتّ مسألة حلّ المصرفين مسبقاً، أي قبل انتهاء مدتهما، ووضعهما قيد التصفية»، فضلاً عن «إبراء ذمّة المدير المؤقت أندره بندلي عن إدارته للمصرفين منذ تعيينه بموجب قرار صادر عن الهيئة المصرفية العليا بتاريخ 8/7/2003 حتى 30/6/2010 ضمناً»!جاءت هاتان الدعويان من الشقيقين عدنان وإبراهيم أبو عيّاش بصفتهما المساهمَين الأكبرين في المصرفين المذكورين، تتويجاً للمحاولة الجارية منذ أشهر طويلة من أجل «لفلفة» واحدة من أكبر الفضائح المصرفية في لبنان والمنطقة وأكثرها إثارة، نظراً إلى عدد المتورطين فيها والمستفيدين منها وتوزّعهم النوعي على المستويات المختلفة.هذه المحاولة، التي أشارت إليها «الأخبار» في تقرير نشرته في 30 حزيران الماضي، لم تستدعِ أي موقف اعتراضي، أو حتى استيضاحي، من جميع القوى والأشخاص الذين عمدوا على مدى السنوات الماضية إلى توظيف «الفضيحة» في سياق الصراعات السياسية، وصولاً إلى ربطها بتمويل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونسج الكثير من «الأساطير» حولها بهدف تحميل تبعاتها لـ«رجال الوصاية السورية» حصراً، من دون أن تكون هناك أي رغبة في فتح الملفات الحقيقية التي تُثبت تورّط مسؤولين وأمنيين وأفراد ورجال أعمال وعصابات ومصرفيين من تلاوين سياسية مختلفة ومتنوعة لا يمكن حصرها في فريق واحد أو انتماء سياسي محدد، بل يمكن توصيف تنوّعهم بالمواصفات المحلية لما يسمى «الوحدة الوطنية».وتقول مصادر مطّلعة على الملف لـ«الأخبار» إن محاولة لفلفة ملف فضيحة بنك المدينة وشقيقه بنك الاعتماد المتحد، وإقفاله نهائياً من دون تحديد النشاطات الجرمية ومحاكمة المتورطين فيها، بدأت قبل أن تفوح رائحة هذا الملف وتخرج بعض تفاصيله الصغيرة إلى العلن. وهذا ما يمكن إثباته من خلال المسار الذي سلكته الإجراءات «المتذبذبة» قبل الاضطرار إلى وضع اليد عليه وتعيين مدير مؤقّت للمصرفين في 2003، وإحالته على النيابة العامّة التمييزية، مرّة ثانية، في عام 2006... فالوجهة قبل ذلك انحصرت في السعي إلى التخفيف من اندفاعة المتورطين نحو السيطرة على أكبر قدر من الأموال المتاحة عبر تدابير «محاسبية» و«إدارية» شكلية تخفي «الوسخ» المتروك خلفهم. إلا أن ضخامة المخالفات والانتهاكات «والممارسات غير المصرفية» استمرت ووصلت إلى حدّ بات من الصعب جداً تجاهله لما ينطوي عليه من أخطار تهدد النظام المصرفي اللبناني برمّته!وتضيف المصادر نفسها أن جريمة اغتيال الحريري واتهام النظام السوري بارتكاب كل الموبقات في لبنان قبل انسحابه عسكرياً منه، فرضت تأجيل إقفال هذا الملف لدواعي استخدامه في سياق الحملة المنظّمة على هذا النظام، وهو ما نجح فيه المحقق الدولي ديتليف ميليس، واستكملته بعض القوى المحلية عبر تسريب أسماء بعض المتورطين دون سواهم واستغلال ربط فضيحة بنك المدينة بجريمة اغتيال الحريري لرفع السريّة المصرفية عن عدد من هؤلاء واتخاذ قرارات عدّة بتجميد ودائعهم، بحجة أن ذلك يحصل بطلب من لجنة التحقيق الدولية، حتّى يُصار لاحقاً إلى إلغاء هذه القرارات بعد العدول عن الاتهامات السابقة للنظام السوري بارتكاب الجريمة والإفراج عن الضبّاط الأربعة بقرار من المحكمة الدولية!تجددت محاولة اللفلفة بعد استنفاد الاستخدام السياسي للملف في تلك المرحلة، ولم يعد هناك بدّ من إسقاط التهمة الأساس التي تمنع ذلك، وهي تهمة تبييض الأموال. عندها تحرّك بعض المعنيين لابتداع المخارج، فرُكّز على الدعاوى القضائية الأقل أهمية، المتصلة بإصدار شيكات بدون رصيد أو التي تطال المتورطين الصغار من الموظفين والوسطاء وغيرهم. ولم تُتابع مسألة طلب استرداد رنا قليلات من البرازيل، وتوقّفت متابعة الملاحقات لكثير من المطلوبين، وعلى رأسهم عدنان وإبراهيم أبو عياش وطه قليلات... وعُطّل عمل لجنة الخبراء التي كلّفها النائب العام التمييزي بالتحقيق في ملفات 21 شخصاً متورّطاً، فلم تنجز هذه اللجنة إلا 18 تقريراً أُحيلت على قاضي التحقيق من دون صدور أي ادّعاء حتى الآن، على الرغم من أن هذه التقارير تثبت تورّط جميع الأشخاص الذين تناولتهم، إذ إن التحقيقات لم تُثبت براءة أحد من الذين طُلب التدقيق في أدوارهم وممارساتهم ونشاطاتهم.إلا أن مشكلة ظهرت على الطريق وأخّرت إجراءات اللفلفة إلى الآن. فقد رأى عدنان وإبراهيم أبو عياش أن إسقاط تهمة تبييض الأموال يسمح لهما «قانوناً» باسترداد بنك المدينة وشقيقه بنك الاعتماد المتحد، وبرّرا طلب الاسترداد بحرصهما الشديد على نجاح الإجراءات وضمان سرّية المعلومات المتاحة في أرشيف المصرفين، التي تطال الكثير من الأشخاص المتورطين وطبيعة تورّطهم وحجم الأموال التي استفادوا منها... هذا الطلب أثار القلق لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي لم يعد يثق بالشقيقين أبو عياش في ضوء تجربته معهما سابقاً عندما سعى قبل عام 2003 إلى تسوية أوضاع البَنكَيْن وحساباتهما من دون الاضطرار إلى وضع اليد عليهما واللجوء إلى القضاء. فالشقيقان أخلّا بالكثير من التعهدات والوعود التي التزما بها أمامه، بحسب ما تكشفه الوقائع التي أدلى بها سلامة نفسه، بصفته رئيساً لهيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال، في تقريره إلى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا في كانون الثاني من عام 2006.وتشير المصادر المطّلعة إلى أن الأخوين أبو عياش طلبا استرداد البنكين في كتاب «المصالحة» الذي أرسله عدنان إلى سلامة في العام الماضي، وقد حاول بطلبه استعادة تجربة سابقة عندما عوّم مصرف لبنان «كابيتال تراست بنك» ثم باعه لبنك الاعتماد اللبناني، رغم الاتهامات الكثيرة التي طالت هذا البنك في الثمانينيات من القرن الماضي. إلا أن سلامة رفض ذلك، وكلّف أمين سر هيئة التحقيق الخاصة السابق محمد بعاصيري، الذي أصبح لاحقاً نائباً لحاكم مصرف لبنان، ومدير الشؤون القانونية في المصرف المركزي بيار كنعان، بالتفاوض مع أبو عياش لإيجاد حلّ آخر على غرار الحل الذي تم مع روجيه تمرز لإقفال ملفات بنك المشرق نهائياً وإخفاء أي دليل على المتورّطين الكبار فيها.وبعد مفاوضات طويلة، توصّل بعاصيري وكنعان إلى اتفاق مع أبو عيّاش يقضي بأن تكون أي تسوية مشروطة مسبقاً بشطب رخصتي بنك المدينة وبنك الاعتماد المتحد، إذ إن هذا الشرط يريح سلامة ويحقق في الوقت نفسه رغبة الكثيرين في منع أيّ كان من الدخول إلى أرشيف المعلومات تحت أي ظرف أو حجّة، وبالتالي تصبح فضيحة بنك المدينة مجرد ذكرى أو مجرد شائعات وأقاويل لم تقترن بأي دليل أو حكم قضائي مبرم.انطلاقاً من هذا الاتفاق، دعا عدنان وإبراهيم أبو عيّاش، بصفتهما المساهمين الأكبرين في البنكين، إلى عقد جمعيتين عموميتين غير عاديتين في مقر البنكين في 22 و23 تموز الجاري، وعلى جدول أعمالهما حلّ البنكين وإبراء ذمة المدير المؤقّت للبنكين أندريه بندلي المعيّن من الهيئة المصرفية العليا.احتاج هذا الاتفاق إلى أكثر من سنة من المفاوضات وهو يتضمن الآتي:ـــــ التنازل عن الدعاوى المتبادلة تباعاً، ويفوق عددها 300 دعوى قضائية متشابكة قُدّمت قصداً بهدف إرباك القضاء إذا قرر المتابعة الجادّة لمضامينها، بحيث بات الكل مدّعياً على الكل، بما في ذلك نحو 30 دعوى على بندلي نفسه.ـــــ الاكتفاء بإدانة بعض المتورطين، وجلّهم من الموظفين التابعين، إضافة إلى رنا قليلات وأشقائها، بجرائم سرقة ودائع وسوء أمانة واختلاسات وسوء إدارة ومخالفة تعاميم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، علماً بأن التحقيقات أظهرت فقدان نحو 600 مليون دولار من أموال البنك وودائعه، من دون احتساب مليارات الدولارات التي جرى تبييضها عبر بنك المدينة وشقيقه بنك الاعتماد المتحد وتسريبها إلى مصارف محلية وخارجية أو استثمارها في عقارات ومؤسسات وهمية.ـــــ حفظ ملف تبييض الأموال بذريعة عدم وجود أدلّة ثابتة على ذلك، علماً بأن لجنة الخبراء وقبلها لجنة الرقابة على المصارف أكدتا وجود «محاسبتين» للبنكين، واحدة معلنة فيها أدلة كافية على ممارسات مشبوهة، وأخرى سرية لم يتمكّن أحد من الوصول إليها أو تفكيك شيفرتها.ـــــ إقفال ملفات المودعين، وقد سُدّدت أموال معظمهم، وبالتالي إظهار عدم وجود متضررين وانتفاء أسباب متابعة الدعاوى المتصلة بهذا الأمر، وهذا يقضي بأن يعمد مساهمو البنكين إلى تغطية بعض الخسائر التي لا تزال مسجّلة في حسابات البنكين قبل تصفيتهما نهائياً.

جريمة اغتيال الحريري فرضت تأجيل إقفال هذا الملف لاستخدامه سياسياً

يرى أكثر من قانوني متخصص أن هذا الاتفاق وبنوده ونتائجه تمثّل فضيحة أخرى بحدّ ذاتها، إذ لا مسوّغ قانونياً لأي إجراء من هذا النوع إلا في إطار التعمية الشاملة على الفضيحة الأصلية والتغطية السياسية المحكمة، بحيث لن يكون هناك من يجرؤ على التصدّي قضائياً للاتجاه المذكور، كالكثير من الملفات الموؤودة في القضاء أو خارجه... ويشير هؤلاء إلى أنه لا شرعية إطلاقاً للدعوتين إلى عقد الجمعيتين العموميتين للبنكين. فلا الشقيقان أبو عياش يمتلكان الصفة للدعوة، ولا سيما أن أحدهما هو رئيس مجلس الإدارة وهو لا يزال ملاحقاً حتى إسقاط الملاحقات ضده، كذلك فإن جميع المساهمين الكبار والصغار وما بينهما ممنوعون من دخول مقرَّيْ البنكين حتى إشعار آخر.ويتساءل أحد القانونيين كيف لم تعترض الهيئة المصرفية العليا على هاتين الدعوتين على الرغم من معرفتها بعدم صلاحية الداعين وعدم شرعية الدعوة. ويشير إلى أن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء تقضي بأن يقوم بالتصفية الذاتية مَن لا غبار على ممارساته ولا وجود لملاحقات ضده، فكيف ستغطي الهيئة هذا الجانب الأساس؟ كذلك كيف ستبرّر قيام مدّعى عليهم بجرائم مالية كثيرة بإبراء ذمّة المدير المؤقت للبنكين أندريه بندلي المعيّن من قبلها وهي الجهة الوحيدة التي تحاسبه أو تبرّئ ذمّته؟لا يكتفي هذا القانوني بطرح الأسئلة، بل يذهب إلى استنتاج أنّ كل ما كان يحصل في السابق استهدف الوصول إلى «اللفلفة»، وهذا ما تؤكّده وقائع كثيرة، منها «طيشرة» الملف وتحويله إلى ملفات جزئية موزّعة على عشرات الجهات القضائية والأمنية والمصرفية، إذ لا مبرر إطلاقاً للتعامل مع الفضيحة كأنها قضايا ودعاوى غير مترابطة أو لا تمثّل ملفاً واحداً خطيراً... وكذلك «التسويات» و«المصالحات» التي جرت بالمفرّق بين الجهات المعنية وعدد من المشتبه في تورّطهم في جرائم تبييض الأموال وتهريبها. فقد أسهمت هذه التسويات والمصالحات في تحييد الكثيرين، علماً بأن قبولهم بالتنازل عن ودائع أو عقارات أو شركات أو أسهم، أو حتى قبول بعضهم بتحويل أموال من حسابات في مصارف محلية وخارجية إلى مصرف لبنان لتسكير بعض الحسابات في بنكي المدينة والاعتماد المتحد، هو من الأدلّة القاطعة على تورّطهم، إذ لا يمكن أن يقبل أيّ كان بتحمّل مسؤولية أمر لم يقترفه!تؤكّد المصادر المطّلعة هذه الشبهات في نيّات اللفلفة المبكرة، وفي جعبتها الكثير من الأدلة، إذ تشير إلى أن الكثير من العقارات التي وضع مصرف لبنان يده عليها وسيّلها، أظهرت وجود عمليات تستدعي الملاحقة القضائية لكشف ملابساتها، إلا أن ذلك لم يحصل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، باع مصرف لبنان أحد الفنادق المصادرة بمبلغ 29 مليون دولار، وذلك بعد ارتفاع أسعار العقارات بوتيرة مذهلة في حينه. إلا أن صاحب الفندق كان قد باعه لأحد المشتبه في تورطهم في فضيحة بنك المدينة بمبلغ 55 مليون دولار، وأعاد الشاري ترميمه وتأهيله قبل أن يضطر إلى التنازل عنه للمصرف المركزي بمبلغ 27 مليون دولار فقط لا غير، وهو ما رأى الوسطاء العقاريون أنّه يجسّد السعر الرائج عند وضع اليد عليه.مثال آخر: أعطى مصرف لبنان براءة ذمّة لأحد المشتبه في تورطهم، في مقابل تنازله عن عقار تبيّن لاحقاً أنه يعود إلى رنا قليلات، إلا أن الهيئة المصرفية العليا لم تُعد النظر في قرار منحه براءة الذمّة.على أي حال، تبقى الكثير من الأسئلة عالقة على هامش الاتفاق الرامي إلى لفلفة فضيحة بنك المدينة. فماذا عن دعاوى مصرف لبنان نفسه ضد عدنان وإبراهيم أبو عياش ورنا قليلات وغيرهم بتهم تزوير توقيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإصدار شيك بلا رصيد بقيمة 310 ملايين دولار؟ هل سيُتنازل عن هذه الدعاوى؟ ما فُهم من اتفاق المصالحة يعني أن ذلك سيحصل، وبالتالي سيُقفل ملف الفضيحة بفضيحة أكبر وأشد وقعاً على ما يسمّى دولة القانون والمؤسسات التي ينادي بها الساكتون اليوم.

4.3 مليارات دولار في حسابات رنا

في حكايات المافيات فصول كثيرة عن متورطين يختفون بعد انكشاف أمرهم، ولا يعود أحد يسمع بهم، أحياءً كانوا أو أمواتاً. إلا أن رنا قليلات، التي أُخرجت من سجنها بسهولة وبساطة، تعيش فصلاً آخر مختلفاً. فهي التي تمتلك الكثير من أسرار ملف بنك المدينة، تحيا الآن حياة مترفة جدّاً في البرازيل، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن سرّ قوّتها في مواجهة الأقوياء الآخرين الراغبين في ألّا تُفشى الأسرار التي تطالهم أبداً.لعل البحث في الملفات الكثيرة المسرّبة عن التحقيقات مع بعض هؤلاء الأقوياء يوصل إلى إجابة مقنعة. فقد أدلى الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك، إبراهيم أبو عياش، بمعلومات تفيد بأن الأموال المودعة في حساب رنا قليلات في أحد المصارف في سويسرا (اسمه وارد في المعلومات) وصلت إلى 4.3 مليارات دولار، وتراجعت حالياً (أي في عام 2003 تاريخ هذه المعلومات) إلى 3.8 مليارات دولار!قد يكون هذا المبلغ مضخّماً، أو قد يكون أقل من المبلغ الحقيقي، إلا أنه في كل الحالات يشير إلى القيمة المرتفعة لرنا قليلات، بالنسبة إلى كل الشركاء في العمليات المشبوهة التي حصلت عبر بنكَي المدينة والاعتماد المتحد والمؤسسات الأخرى ذات الصلة.وبالاستناد إلى ملفات التحقيق نفسها، فإن حجم هذه العمليات كان خيالياً، ويقدّر بمليارات الدولارات التي غُسلت في لبنان ودول أخرى، وهي ناجمة عن عمليات تهريب للأموال من السعودية والعراق، قبل الاحتلال الأميركي للعراق، إذ إن عشرات الأسماء المعروفة شاركت في نقلها نقداً بواسطة حقائب كانت تمرر عبر مطار بيروت، وهذا ما وصفه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة، بأنّه «مخالفات وممارسات غير مصرفية»، عندما أحال الملف للمرّة الثانية على النيابة العامّة التمييزية.يعترف إبراهيم أبو عياش بأنه وشقيقه عدنان وآخرين كانوا يمتلكون حسابات سرّية تودع فيها الأموال المهرّبة قبل غسلها وإيداعها بموجب تحويلات شرعية في حسابات مصارف مختلفة محلية وخارجية، أو شراء عقارات وأسهم، أو شراء هدايا لتوزيعها على النافذين، مشيراً إلى أن مجموع السيارات التي قُدّمت كهدايا بلغ أكثر من 120 سيارة قيمتها نحو 12 مليون دولار!ويشرح أبو عياش الآلية التي كانت عبرها تُغسل الأموال. كانت رنا تتسلمها نقداً، وتكلّف عدداً من الأشخاص باستبدال الأموال النقدية بشيكات مصرفية، ثم تعمد إلى إيداع هذه الشيكات في حسابها وحساب شخص آخر، وأخيراً تُوزَّع العائدات على حسابات الشركاء المستفيدين.

عمر نشّابة قالوا: «اعترف الرجل بارتكابه جريمة القتل المروّعة... إنه القاتل! ردّة فعل الناس طبيعية» وصمتوا قليلاً ثمّ أضافوا «لكنها غير قانونية... طبعاً طبعاً غير قانونية». بعض الضبّاط أكّدوا ذلك خلال الدقائق الاولى التي تلت بثّ وسائل الإعلام المرئية أمس شريطاً مصوّراً عرضت فيه مشاهد من بلدة كترمايا لا تقوى الكلمات على وصف بشاعتها. ومنذ ما بعد الظهر صارت تلك الكلمات جزءاً من اسطوانة المسؤولين في الدولة تعليقاً على الحادث. وبذلك جدّد هؤلاء الضباط وغيرهم من المسؤولين الرسميين انتحال صفة المدعي العام وقاضي التحقيق ورئيس محكمة الجنايات عبر إصدار ما اعتُبر حكماً مبرماً بحقّ محمد سليم مسلم. وتبعت ذلك أمس أعمال وحشية لا مثيل لها إلا في دول تحكمها شريعة الغاب، إذ بادر حشد من الناس، بوجود رجال بزيّ قوى الامن والجيش والشرطة البلدية، الى سحل الشاب المشتبه فيه والتنكيل بجثته قبل تعليقها على عمود كهرباء في وسط بلدة كترمايا. المديرية العامة لقوى الأمن كانت قد وزّعت بياناً قبل وقوع ذلك بساعات قليلة (الساعة التاسعة والنصف صباحاً) جاء فيه أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أبلغ وزير الداخلية بأن «فصيلة درك شحيم قد أوقفت أحد المشتبه فيهم، وتمكنت من ضبط سكين وقميص عليها آثار دماء عُثر عليهما داخل منزله، ويقوم مكتب المختبرات الجنائية التابع لقسم المباحث العلمية في وحدة الشرطة القضائية بتحليل الـ دي أن إيه (DNA) لمقارنة دماء الضحايا ببقع الدماء الموجودة على الأدلة المضبوطة، وذلك تحت إشراف القضاء المختص». لا يخفى استعجال قوى الأمن التباهي بـ«إنجازها» على أحد، لكن لماذا أغفل كاتب البيان قرينة البراءة، علماً بأن الرجل يعمل في مسلخ للأبقار وقد يكون السكين من أدوات المهنة؟ لماذا استعجال عرض العضلات؟ ولماذا لم تحذّر «شعبة المعلومات» (غير القانونية) التي يتباهى بقدراتها اللواء والعقيد من احتمال وقوع الحادثة التي أذلّت الدولة والقضاء ولبنان واللبنانيين جميعاً؟ أين مديرية الاستخبارات في الجيش؟ أين الاستقصاء وقبضايات الدولة؟ جال أمس احد الزملاء في بلدة كترمايا سائلاً الناس عن دوافع الجريمة، فأجابوا: «لا نعرف لكن قوى الأمن تعرف». وصدر بيان مساء أمس أعلن فيه المدير العام لقوى الأمن اتخاذ إجراءات مسلكية بحق عدد من الضباط والعناصر «لخطأهم الجسيم في سوء تقدير الموقف الميداني، ولعدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمشتبه به في هذه الجريمة». لكن لم يفتح تحقيق مسلكي أو قضائي بشأن إفشاء معلومات تتعلّق بما أدلى به المشتبه فيه للمحققين. ألا يرى المدير العام ذلك، بالحدّ الأدنى، تجاوزاً لسرّية التحقيق يعاقب عليه القانون؟ أما بخصوص احتمال توظيف ما سرّب الى الناس لتحريضهم على القيام بما قاموا به، أفلا يفترض فتح تحقيق قضائي معمّق؟ «اعترف الرجل بارتكابه جريمة القتل المروّعة... إنه القاتل!» لكن لن يسمح وضع جثّته المشوّهة للطبيب الشرعي بإثبات ما إن كان قد تعرّض للتعذيب أثناء التحقيق معه. ألا تدفع قسوة التعذيب أي أحد إلى الاعتراف بأي فعل؟ قتل حشد من الناس محمد سليم مسلم، وقتلوا معه العدالة وهم يفاخرون بتحقيقها. لم توقف النيابة العامة أحداً حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، ولم يصدر عنها أو عن وزارة العدل ما يوازي حجم الجريمة وبشاعة الصورة المذلّة للبنان وللدولة ومؤسساتها.

الموازنة ليست أرقاماً بل رؤية اجتماعية واقتصادية وماليةنحاس خلال المحاضرة (هيثم الموسوي) يستعدّ وزير الاتصالات شربل نحّاس لخوض المزيد من المناقشات في مجلس الوزراء لتصويب مشروع موازنة عام 2010، وهو لذلك يكرر أن تحت إبطه ملفاً واحداً: تغيير نمط تكريس الموازنة كأرقام، نحو تحقيق موازنة قائمة على الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التي تعهّدت بتحقيقها الحكومة في بيانها الوزاري

رشا أبو زكي «إنه الإرث البشع الذي ساد خلال 30 سنة ماضية في إدارة لبنان اقتصادياً ومالياً، وهذا الإرث لن يستمر...»، بهذا الوضوح أكد وزير الاتصالات شربل نحاس ملامح النقاش الذي سيسود في جلسات مجلس الوزراء التي ستعود إلى استكمال مناقشة مشروع الموازنة، بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل. فالنمط الاقتصادي الذي تمجده التصريحات الدعائية التي يطلقها بعض الوزراء في مجلس الوزراء ستصبح على المشرحة، والانطلاق في مناقشة موازنة عام 2010 سيكون من المؤشرات الاقتصادية والمالية الغريبة التي يحاول فريق أمن الحكومة إخفاء حقيقتها عبر تمجيدها، فيما هي ـــــ وفق نحاس ـــــ تحتاج إلى لجان مختصة لمناقشة ظواهرها... والمحاضرة التي قدمها نحاس بدعوة من اللجنة الاقتصادية في التيار الوطني الحر، في مسرح مدرسة «الساينت كوير» ـــــ سيوفي، أظهرت شكلاً من المعاناة التي يواجهها فريق «الإرث البشع» في جلسات مجلس الوزراء، معاناة تترجمها المواجهة بين خبير اقتصادي يرى أن فصل القضايا الاجتماعية والاقتصادية عن مناقشة الموازنة، مسألة في منتهى الخطورة، وفريق «المحاسبجية» الذي يصر على عدم وجود علاقة بين الموازنة وما تعلنه الحكومة من أولويات وأهداف تنسجم مع أولويات وأهداف المواطنين! «كلا، ليس لدينا أي التزام في خفض الدين العام إلى الناتج المحلي، ولا في زيادة الفائض الأولي، وكل مَن يقول غير ذلك يخالف البيان الوزاري»، هذا ما أكده نحاس، شارحاً أن زيادة الفائض الأولي هي الصافي بين ما تأخذه الدولة من الناس من دون مقابل، لخدمة عدد قليل من الدائنين، وبين ما تنفقه على أمور كثيرة بعضها يصيب المواطنين وبعضها لا يصيب إلا مصالح البعض. ورأى أن لبنان قائم حالياً على اعتبارين: الأول هو وجود حكومة الوحدة الوطنية «على علّاتها»، فهي تضم الجميع، ما يفترض أن يكون النقاش عميقاً وجدياً، لكن ما يحدث هو «فركشة» ما يُتَّفَق عليه بعد الخروج من جلسات الحكومة. فليست «بسيطة»، وفق نحاس، «تطيير» قانون الانتخابات البلدية، وليست «بسيطة» الاتفاق بين وزارة المال ووزارة الاتصالات على مواضيع تتعلق بعلاقة الوزارة بهيئة أوجيرو، وفجأة بسحر ساحر، «تطير» ثلاثة أسطر من الموازنة كانت تشير إلى هذا الموضوع، إذ إن هذه السلوكيات ليست «شطارة»، لا بل هي تكسر الثقة وتدفع إلى الاستنتاج أنه يُغامَر بأشياء كبيرة جداً، لكن بوسائل صغيرة جداً. أما الاعتبار الثاني، فهو مقولة يرددها البعض، وتقول: «نحن عائمون بالأموال»، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الأموال تحديداً ندفع عليها كميات هائلة من الفوائد، ونوظّفها في الخارج، وفي ظل ذلك لا يمكن أبداً المطالبة بزيادة الضرائب، إلا إذا كان الهدف هو مراكمة الأموال لزيادة دفع الفوائد عليها! «ليس من الهيّن أن ننسى السنوات الماضية»، هكذا ينتقل نحاس إلى مقاربة موضوع موازنة عام 2010، فالموازنة دستورياً، هي قانون يشمل كامل إيرادات الدولة ونفقاتها، وهنا، كيف من الممكن إمرار عبارة في الموازنة تقول إنه «توجد نفقات مرتقبة من خارج الموازنة»، ويجيب ساخراً: «إذا كانت مرتقبة، فهي من المفترض أن تكون ضمن الموازنة»!

ويشرح نحاس الوهن الحاصل في الإدارة المالية والاقتصادية للبلاد، مستعيناً بالمؤشرات المالية الصادرة عن وزارة المال نفسها عن عامي 2008 و2009، فهي تشير إلى أن الودائع ارتفعت 42 في المئة، وزاد الاستيراد 38 في المئة، وفي الوقت نفسه ارتفع الناتج المحلي بالقيمة الاسمية 40 في المئة. مؤشرات متقاربة كهذه، تستدعي ـــــ وفق نحاس ـــــ الإسراع في تأليف لجنة مهمتها دراسة ظاهرة كهذه، إذ عندما ترتفع الأسعار المحلية 18 في المئة خلال سنتين، فيما الأسعار العالمية شهدت ثباتاً، فهذا يعني أن ما ينتجه الاقتصاد اللبناني لم يعد قابلاً للتصدير، ما يدل بديهياً على أن المواطنين نقلوا أعمالهم إلى قطاعات لا يمكن استيرادها أو تصديرها، ولا منافسة لها من الخارج. والأكيد، أن لبنان لا يصدّر مطاعم ولا شركات أمنية، ولأن هذه القطاعات غير معرّضة للمنافسة، فهي محكومة بسوق ضعيفة، وتوسّعها إلى خارج السوق المحلية حظوظه قليلة جداً. من هنا، فإن هذه القطاعات تعتمد على يد عاملة غير مؤهّلة وافدة من الدول المجاورة، وعائلاتها حكماً تعيش خارج لبنان، أي لا يمكن العامل اللبناني المنافسة في سوق عمل كهذه، فيكون الحل الوحيد أن يهاجر إلى الخارج، ليأتي بالتحويلات، إذ تبين أن عدد القوى العاملة تراجع ما بين 2004 و2007، لا بل إن نصف اللبنانيين ما بين 18 و35 عاماً هاجروا إلى الخارج! أما من بقوا منهم فلن يجدوا أمامهم سوى الوظيفة العامة، وهنا أيضاً تتداخل الضغوط والمحسوبيات، ليدفع الشباب إلى الهجرة أيضاً، وهكذا يصبح لبنان منتجاً فقط لشباب جاهزين للتصدير! وانتقد نحاس خلق جزر في القطاع العام، كما يحدث في «أوجيرو»، أو خلق شركات يطلق عليها صفة «الخاصة»، وهي ليست كذلك، مشيراً إلى أن الموضوع اسمه «فك التشابك في مهمات الإدارة العامة»، وخصوصاً حين تنشأ إدارات موازية في الإدارات العامة نفسها مثل مكاتب الـ UNDP التي تتحدث عن إصلاح القطاع العام، وإذا جرى التدقيق بموظفيها يتبين أنهم تابعون إلى بعض الجهات النافذة، لتكون نهايتهم موظفين في مؤسسات الأمم المتحدة. وبحسب نحاس، فإن لبنان اليوم أمام ظرف هو عبارة عن تحدٍّ وفرصة، فإمّا الاستمرار في الواقع الحالي، أو القول إن هذا النمط الاقتصادي هو نفسه الذي كان سائداً في السنين الثلاثين الماضية، وعلينا الخروج من هذه الحالة، والنظر إلى الموازنة من هذا المنطلق. فالموازنة تفترض معرفة من أين تؤخذ الإيرادات وأين تدفع النفقات، لكونها لها مفاعيل مباشرة على المواطنين والمؤسسات وتؤثر على الادخار والخدمات وعلى الأسعار. ورأى أن مَن تأخر 5 أشهر لا يستطيع التذرّع بالوقت لمنع الحكومة من مواجهة تحديات موجودة في الموازنة وعمرها أكثر من 30 عاماً. وأضاف: «لقد قلنا إن هذا الإرث البشع للفترة الماضية من غير المقبول أن يستمر، وبالتالي يجب الكشف عن كل حسابات الإدارة المالية، ويجب تبويب موازنة عام 2010 وإخراج جميع البنود التي ليس لها علاقة بالموازنة.

100 مليون دولار

هو ما أنفقه وزير الاتصالات السابق جبران باسيل لتوسيع شبكات الخلوي، في مقابل خفض الأسعار. ويشير نحاس إلى أن هذه الحركة الصغيرة أنتجت مفاعيل كبيرة، فارتفع عدد المشتركين بنسبة مئة في المئة خلال عام.

إنهم مكتسبو مهارات الحرب!

بين عامي 1973 و1975، ارتفعت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً، بالتزامن مع بدء الحرب الأهلية في لبنان. وكان هذا الارتفاع أساسياً لتمويل حرب دامت أكثر من 25 سنة متواصلة. وخلال هذه الأعوام نشأت الميليشيات وسيطرت على كل المرافق، وانتشرت ظاهرة الجامعات الخاصة لتصدير الشباب، وبدأ البعض باكتساب مهارات في الإدارة المالية، وبالتالي فإن السياسة الاقتصادية والاجتماعية والمالية المتبعة اليوم، وفق وزير الاتصالات شربل نحاس، ليست غباءً ولا صدفة، بل مهارات مكتسبة!

امتنع نواب التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والقوات اللبنانية عن التصويت لقانون خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، علماً أن حزبين من هذه القوى، على الأقل، «يؤيّدان» في أدبيّاتهما وتصريحات قادتهما هذا الأمر، إضافةً إلى أن الشباب في هذه الأحزاب يمثّلون نسبة لا بأس بها، وهم وقود تلك القوى في نشاطاتها ومواقفها. ليس موقف الخذلان الأول، وطبعاً، لن يكون الأخير. إسقاط   معظم نواب «الأمة» حق أبناء سن الـ18 عاماً في الاقتراع، لا يعدو كونه مشهداً كان حدوثه متوقعاً، مهّدت له تصريحات السياسيين، ممن بنوا حملاتهم الانتخابية سابقاً على شعارات تحسين أوضاع الشباب اللبناني.  في 7 آب من عام 2001 تظاهر شباب التيار الوطني الحر واقتيدوا إلى السجون. في 7 أيار 2008 قاتل شباب من تيار المستقبل في شوارع العاصمة، وفي أيام مشابهة كان شباب القوات اللبنانية عصب تحركاتها.  حينها، لم يُسأل هؤلاء عن معدّلاتهم العمرية، ولا عن ثقافتهم السياسية. الشباب لحمل السلاح والتظاهر والحشد في الساحات، فحسب. ممنوع عليهم التصويت، لكن، يمكنهم حمل علم أو توزيع لائحة للمرشحين ضمن الانتخابات. والمفارقة، المدهشة، تأتي على لسان الشباب أنفسهم. فآراء رؤساء قطاعات الشباب، أو المصالح الطالبية في هذه الأحزاب الثلاثة، تتماهى تماماً مع قرار نوابهم بإسقاط قانون ناضلوا هم، أي الشباب، من أجله منذ أكثر من عشرة أعوام. يبدو الحديث عن تمايز، ولو بسيطاً، بين الشباب وقياداتهم، كالبحث عن إبرة في كومة قش. تختلف أسباب قبولهم ما جرى في المجلس النيابي. فاقتران الثقافة السياسية بتصويت ابن الـ18 عاماً، أو الحفاظ على الاستقرار، أو منح المغتربين حق الجنسية والتصويت، كلّها أسباب تستدعي منع أبناء الـ18 من التصويت. يتحدث رئيس قطاع الشباب في تيار المستقبل سمير عشي عن مشاركته في نشاطات داعمة لمنح سن الـ18 حق التصويت منذ عام 1997، لكن الوضع الآن مختلف، والهدف الآنيّ هو أمران: الحفاظ على الهدوء والاستقرار، «وخصوصاً أن أحداث الأعوام الأربعة الماضية استنزفت الشباب كافةً». أمّا الأمر الثاني، فهو إجراء الانتخابات البلدية في موعدها. في المحصّلة، شباب المستقبل «راضون 100% عن قرار نوابنا الامتناع عن التصويت»، كما يقول عشي، مشدّداً على وجوب «الإصلاح لكل المراحل، لا لمرحلة واحدة فقط».

من جانبه، يؤكد رئيس مصلحة الطلاب في القوات اللبنانية، شربل عيد، أن تصويت أبناء الـ18 «حقّ مكتسب، لكن يجب اقترانه بأمرين: الأول هو إعطاء المغتربين حق التصويت، ومنح الجنسية وحق التصويت للمنحدرين من أصول لبنانية». بوضوح، يبدي عيد استعداد شباب القوات للتضحية بممارسة الحقوق السياسية، ولو مؤقتاً، مقابل توفير توازن ديموغرافي «هو أصلاً مفقود، فهل نشرّع قانوناً يزيد اختلاله؟»، يسأل عيد. ويرى أن المنظمات الشبابية تُعدّ جزءاً من أحزابها، وأن التمايز يمكن أن «نجده على طاولة النقاش داخل الحزب، أما في الخارج، فالمنظمات تلتزم بقرار القيادة». يبرّر مطالبته بمنح المغتربين حق التصويت، بأنهم داعم مهم للاقتصاد اللبناني. في التيار الوطني الحر، الشباب مقتنعون بوجهة نظر العماد ميشال عون «فخبرته أقوى من حماستنا»، بحسب رئيس قطاع الشباب في التيار، ماريو شمعون. ويرى شمعون أن السنوات الأربع الماضية «لم تسمح للشباب بتكوين ثقافة سياسية، وخصوصاً مع منع العمل السياسي في الجامعات». يرد شمعون الأمور إلى ظروف يجب أن تتوافر «نريد الدولة المدنية، هل نستطيع تحقيقها حالياً؟». ويغمز من قناة «فساد تنتشر ثقافته، ونحن نقف في وجهه»، مشيراً إلى رشى وترويج مخدرات في الجامعات، متمنّياً أن يمارس الشباب حقهم في انتخابات عام 2013. امتنع 66 نائباً عن التصويت لمصلحة خفض سن الاقتراع، بينما وافق 34 نائباً فقط، وصوّت نائب واحد ضد تعديل القانون. لكن، في مثل هذه الحالات، لا يمكن التفريق بين من يمانع ومن يصوّت بـ«ضد»، وخصوصاً أن النتيجة تصبّ في الاتجاه ذاته. كيف يمكن النواب، وخصوصاً الشباب منهم، إقناع الشباب بصوابية قرار «حرمانهم» حقّ التصويت في الانتخابات البلدية والنيابية؟ امتنع النائبان آلان عون (تكتل التغيير والإصلاح) ونديم الجميّل (كتلة نواب الكتائب) عن التصويت. يؤكّد النائبان أن تصويت أبناء سن الـ18 حق مكتسب «لا يمكن الهروب منه». لكن، لكلّ من النائبين شرح عمّا جرى في المجلس. فالنائب آلان عون، بعد تأكيده «أن القاعدة الشبابية مقتنعة برؤية التكتل»، يشير إلى أن الشباب هم «ضحية التوقيت». كيف ذلك؟ يدخل عون من الباب الواسع للسياسة، ليقول إن مشروع التصويت تحوّل إلى «عنوان لمعركة ترتبط بالتعاطي الانتقائي مع الملفات». ويسأل: لماذا تقرّ مشاريع بسهولة وأخرى تمر بصعوبة؟ يعطي مثلاً يرتبط باستعادة الجنسية وصعوبة إقراره. أما النائب نديم الجميّل، فيلاقي عون في اعتبار التصويت حقاً مكتسباً. ويشير إلى موقفه داخل حزب الكتائب: «كنت من الداعين إلى التصويت مع خفض سن الاقتراع، بمعزل عن أيّ قانون آخر». لكن، التزامه بقرار كتلته النيابية كان أقوى، وأدى إلى امتناعه. وكحل وسط لهذه المسألة، في ظل رفض بعض الأطراف منح حق التصويت على حدة، يقترح الجميّل إقرار الإصلاحات رزمةً واحدة يجري التوافق عليها.

سَلَطة

خالد صاغيةمع الانتقال إلى بيت الدين، بدأت جلسات الحوار تكتسب معناها. الجلسة المقبلة ينبغي أن تُعقَد في بعلبك، تليها جلسة أخرى في بيبلوس. فلبنان بحر وسهل وجبل، وأيّ استراتيجيا دفاعيّة ينبغي أن تأخذ في الاعتبار هذا التنوّع الطبيعيّ. فمن المستحيل تقديم اقتراح قيّم لكيفيّة الدفاع عن لبنان وحدوده، ما لم يختبر الخبراء الاستراتيجيّون المجتمعون الاختلاف في التضاريس ونوعيّة التربة والتحقيب الجيولوجي للمناطق اللبنانيّة.يمكن هذه الجلسات أن تتحوّل إلى جلسات مفيدة حقاً. فقط لو يقتنع المتحاورون بتحويلها إلى نشاطات ترويجيّة للسياحة، تُقدَّم خلالها اقتراحات في الاستراتيجيا السياحيّة، بدلاً من الاستراتيجيا الدفاعيّة. مهلاً، ليس في الأمر مزاح. فهذا ما يدأب على فعله سياسيّون كُثُر حول العالم. الرئيس باراك أوباما شخصياً، بعدما قرّر التخلّي عن كلّ الخطوات الراديكاليّة لإعادة إحياء الاقتصاد الأميركي، شُغل في الفترة الأخيرة بتشجيع السياحة في مناطق عدّة من الولايات المتّحدة الأميركيّة.ليس المطلوب من الرؤساء الثلاثة لعب الغولف مع نسائهم وأولادهم أمام الكاميرات، كما تفعل عائلة أوباما مثلاً. يكفي اعتماد بعض الشفافيّة. فبدلاً من التباحث داخل غرفة مغلقة، ثمّ تسريب محاضر الاجتماع في اليوم التالي، فلتُعقَد الجلسات في الهواء الطلق، وليُسمَح للمواطنين بحضورها. على المدخل، يقف موظّف رسميّ حاملاً صندوقاً يجمع فيه بدلات الدخول إلى جلسة الحوار، على أن تذهب هذه البدلات إلى حساب مصرفيّ مخصّص للتنمية السياحيّة، على غرار صندوق دعم الجيش الذي افتتحه وزير الدفاع عن نيّته ونيّة والده.لمزيد من التشويق، يمكن «الشيف رمزي» أن يفاجئ الحاضرين متأبّطاً أضخم وعاء في العالم. يضعه في الساحة، قبل أن يُوزّع على كلّ من الحاضرين كيلو خيار. فبعد التبّولة والحمّص، لا بدّ من دخول التاريخ من باب السَّلَطة.حسناً. فلننسَ أمر الاستراتيجيا السياحيّة إن كانت تثير حساسيّات. ولْنُسمِّ وعاء السَّلَطة شكلاً من أشكال الاستراتيجيا الدفاعيّة، تماماً كانتظار الحلول الدبلوماسيّة وتعليق الآمال على اليونيفيل. ولْيُسلِّم حزب اللّه سلاحه ما دام لدينا أكبر وعاء سلطة. فالبلاد التي تأكل السَّلَطة، لا تخسر حرباً. اسألوا فؤاد السنيورة عن فوائد الخسّ.

خالد صاغية من الصعب فصل معركة صيدا عن المرحلة الثانية من الانتخابات البلديّة. فتيّار المستقبل الذي سار في المسعى التوافقي في المدينة، لم يعد قادراً على الاستمرار فيه، بعدما تلقّى ضربتين في بيروت والبقاع. ففي العاصمة حيث وضع رئيس الحكومة سعد الحريري ثقله لحثّ الناخبين على الاقتراع بكثافة، جاءت نسبة الاقتراع هزيلة لدرجة تهدّد بإلغاء الانتخابات لو كان قانون الانتخابات مختلفاً. وفي البقاع، خسر «المستقبل» بلدات وقرى مثّّلت معاقله الأساسيّة على مدى الأعوام الخمسة الماضية. ليست خسارة بعض البلديّات هي الأساس هنا، بل فقدان المستقبل لوهج هيمنته على طائفة بكاملها. وهذا أصلاً ما جعل التوافق في بيروت مستحيلاً، إذ ما كان يمكن الحريري القبول بتمثيل المعارضة السنّية في العاصمة، لأنّ مبدأً كهذا يعني سقوط أحاديّة تمثيل الطائفة. إذاً، بعد خروج قسم لا بأس به من البقاع من تحت العباءة الحريريّة، وبعد عدم تلبية أبناء بيروت نداء زعيمهم، وبعد الإدراك منذ الانتخابات النيابية أنّ طرابلس لا يمكن أن تكون لقمة سائغة للمستقبل، بات التمسّك بخوض معركة في صيدا لا مفرّ منه. إضافة إلى هذه الأسباب السياسيّة، لا يمكن إغفال مستوى ثأريّ. فعلى المستوى الشخصي، لا يمكن النائبة بهيّة الحريري أن تنسى هزيمة الانتخابات البلديّة في 2004، التي كانت الضربة الأقسى التي تلقّاها الرئيس المغدور رفيق الحريري خلال حياته السياسيّة. وإلى جانب بهيّة، هناك فؤاد السنيورة الذي يرى في أسامة سعد تجسيداً لكلّ المعارضة السابقة، ويحاول كسره في صيدا تعويضاً عن كلّ ما حقّقته تلك المعارضة من مكاسب منذ اتفاق الدوحة إلى اليوم. مقابل ذلك، كان سعد يصرّ على إعطاء المعركة جانباً طبقيّاً. فيتحدّث عن السياسات الاقتصادية الظالمة، عن ضرورة تمثيل الفئات الشعبية في المجلس البلدي، عن مصالح الكادحين من أبناء صيدا... التراجيديا الفعليّة هي أنّه كلّما ارتفع «الدوز» الطبقي لدى سعد، كان آل الحريري يسعون لتأمين مزيد من الوظائف لأبناء صيدا في شركاتهم وشركات أصدقائهم، حتّى باتت الساحة ملائمة تماماً لتصريح فظّ أدلى به المرشّح التوافقي سابقاً محمّد السعودي (يا لتصادف الأسماء)، وأعلن فيه أنّ برنامجه يسعى إلى تحويل مدينة صيدا إلى «سوليدير». فليتهيّأ الصيداويّون إذاً. نصفهم سترسله طائرات الحريري إلى الخليج، ونصفهم الآخر سترميه جرّافات الحريري في الشارع.
حين فُرضت الضريبة على القيمة المضافة للمرّة الأولى في لبنان، ارتفعت أسعار سلع أساسيّة بطريقة لم تخطر في البال. سندويش الفلافل الذي كان يباع بألف ليرة، ارتفع فجأة إلى ألف ومئتين وخمسين ليرة. المنقوشة التي كانت تباع بمئتين وخمسين ليرة، ارتفعت إلى خمسمئة ليرة. زيادة في الأسعار كلّفت متقاضي الحدّ الأدنى للأجور نسبة مئوية لا بأس بها من رواتبهم. ينبغي القول إنّ الكثير من المواد الغذائيّة معفاة من الضريبة على القيمة المضافة: الأرز، السكر، الطحين، الخبز... إلخ. لكنّ موادّ أساسية أخرى غير معفاة، فيما الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، اللؤلؤ والماس والذهب والفضّة، كلّها معفاة من الـTVA، وكذلك وسائل النقل الجوّي، سواء المستعملة لنقل البضائع أو الأشخاص، فضلاً عن اليخوت والمراكب الأخرى وزوارق النزهة أو الرياضة العائدة لغير اللبنانيّين! سيرتفع إذاً سعر فنجان القهوة مع الـTVA، أمّا مستهلكو اليخوت فلن تثقل الدولة على ميزانيّاتهم، بل ستتركهم يتمتّعون بمشاوير البحر بحُريّة وبأسعار تشجيعيّة. فالدولة تشجّع البذخ، حتّى تتمكّن من التقاط صور تذكاريّة لجذب السيّاح. وما دام المتحكّمون في السلطة هم من أصحاب اليخوت أو من أصدقائهم ـــــ وليسوا من أكلة الفلافل ـــــ فإنّهم لن يعيروا انتباهاً كبيراً للدراسة التي أُعدّت بناءً على طلب وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي لاقت انتشاراً في الإعلام في الآونة الأخيرة. لقد أظهرت الدراسة أنّ نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات في اليوم للفرد) سترتفع من 28% إلى 35% و47% تباعاً، إذا ما رُفعت الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% و15%. الأستاذان في الجامعة الأميركية اللذان أعدّا الدراسة، نسرين السلطي وجاد شعبان، انتبها إلى مسألة أخرى، هي تركُّز نسبة كبيرة من الأسر اللبنانية حول خط الفقر. صحيح أنّ 28% من الأسر تحت الخط، إلا أنّ عدداً كبيراً من الموجودين فوقه، إنما يسكنون بجواره، ينتظرون قشّة تقصم ظهر البعير، حتّى يصبحوا مصنّفين رسمياً من الفقراء. التوجّهات المطروحة من رئاسة الحكومة ووزارة المال في الموازنة المقبلة، ومنها زيادة الـTVA، هي تلك القشّة. وهي قشّة يعبث بها من يقودون يخوتهم في عرض البحر، على مسافة أميال من خطوط الفقر التي سيغرق تحتها قرابة نصف اللبنانيّين خالد صاغية

خالد صاغية منذ زمن بعيد، تُشَنّ حملات علنيّة وغير علنيّة على قطاعَيْ الزراعة والصناعة في لبنان، بحجّة أنّ بلادنا جنّة على الأرض، وينبغي تالياً التركيز على الخدمات والسياحة دون غيرهما. فمن تراه سيتكبّد عناء بناء مصنع، وتوظيف عمّال، وتحمّل مخاطر الفشل والبحث عن أسواق، ما دام بإمكانه بقليل من حسن الضيافة، أن يجني ما شاء من الأموال. كذلك مجنون من سينفق أيّامه منتظراً أشعّة الشمس وأمطار الشتاء كي يُنبت زرعاً لن يجد من يشتريه. نظريّات كاملة جرى الترويج لها كسياسة رسميّة يمكن اختزالها بكلمتين: سياحة وخدمات. وتماماً كما جرى نفخ أرقام المتظاهرين في الأعوام السابقة، بدأ التباري في تضخيم ما ينبغي أن يجذبه البلد من سيّاح. يتبجّح وزير برقم المليون سائح، ويبشّر بمليونين في العام المقبل، فيما يزايد عليه نائب مطالباً بثمانية ملايين... وكلّ ذلك «ماشي»، و«ولا يهمّك». لكن، هلّا توقّفنا قليلاً عند نوع الخدمات التي نقدّمها؟ هل كان علينا أن ننتظر هذا «المغامر» الشاب حتّى نكتشف أنّ بإمكان أيّ منّا أن يقوم برحلة على جناح إطار طائرة من دون أن يكشفه أحد؟ وأنّ المطار والسلامة فيه باتا جزءاً من المحاصصة والفساد واللهاث وراء الربح السريع؟ لقد انحصر همّ السلطة في إتمام صفقة بناء المطار، وفي الصراع على تسميته. أمّا حجمه، وشكله، وضمان سلامة المسافرين، فلا أحد يكترث لها ما دامت خارج البازار السياسي. لنضع المطار جانباً. اللبناني المضياف يريد أن يبني فنادق على شواطئ البحر. وهو يعتقد أنّ هواء «الساحل الفينيقي» كفيل وحده بجذب السيّاح، حتّى لو كانت معايير تصنيف الفنادق خاضعة للشطارة اللبنانيّة ليس إلّا. وغالباً ما تكون هذه المعايير على المواقع الإلكترونيّة مختلفة تماماً عمّا تجده على أرض الواقع. لنضع الفنادق جانباً، ولننتقل إلى مفخرة الخدمات اللبنانية، أي القطاع المصرفي. كيف لا، ولبنان لا يكفّ عن الاحتفال بالجوائز التي ينالها «الصيرفيّ الأوّل في العالم». لكنّ كلّ هذه الجوائز، وكلّ الأرباح السنويّة الخياليّة، لم تحفّز المصارف على تقديم الحدّ الأدنى المقبول من الخدمات. حاولْ أن تحصل على بطاقة ائتمان، ستكتشف لائحة من الرسوم هي أشبه بالسرقة العلنية. حاول أن تسحب أموالاً من صرّاف آليّ غير تابع لمصرفك، سيُحسم من حسابك مبلغ مجهول من دون إنذار. حاول أن تسحب أموالاً من فرع غير فرعك الأساسي، ستكون كمن يطلب خدمة مستعصية تتطلّب مجموعة من الاتصالات كأنّ الكمبيوتر الموجود أمام الموظّف عاجز عن المساعدة... حين يأتي السيّاح إلى لبنان، نعرف تماماً ماذا يجذبهم. إنّه تحديداً غياب سطوة جهاز الدولة. أمّا حين يغيبون، فلا تلوموا اليونيفيل!

عدد الثلاثاء ١٣ تموز ٢٠١٠ |
أنجز مجلس الإنماء والإعمار إجراءاته لنقل نحو 29486 متراً مربّعاً إلى solidereشركة «سوليدير»، وهي من أملاك الدولة الناتجة من ردم البحر قبالة وسط بيروت. وبذلك تكون الشركة قد وضعت يدها على نحو 107102 متر مربع في هذه المنطقة المستحدثة من أصل نحو 291800 متر مربع استولت عليها بموجب مرسوم صدر في 1994، وقضى بمنح «سوليدير» عقارات مرتفعة الثمن، في مقابل تعهّدها بتمويل أعمال البنية التحتية وتنفيذها، على حساب الدولة، في النطاق الجغرافي لعملياتها العقارية!

تمثّل «سوليدير» مثالاً فاقعاً على نوع الشراكة مع القطاع الخاص، الذي يصرّ عليه فريق واسع من القوى السياسية في البلاد. فهذه الشركة، التي أسسها الرئيس المغدور رفيق الحريري وتمتلك عائلته والمقرّبون منه معظم أسهمها سرّاً وعلانية، لم تكتفِ بمصادرة الأملاك الخاصة لأصحاب الحقوق في منطقة وسط بيروت بأبخس الأثمان بحجة تحقيق «المنفعة العامّة» عبر إعادة ترتيب وتطوير العقارات الواقعة على خط التماس في الحرب اللبنانية، بل تعدّت ذلك الى السطو على أملاك الدولة العامّة والخاصّة بتواطؤ واضح من المهيمنين على الحكومات المتعاقبة منذ 1991 حتى اليوم.

سطو تدريجي

فقد أنجز مجلس الإنماء والإعمار أخيراً إجراءاته لتنفيذ طلب «سوليدير» الرامي الى تمليكها عقارات تعود ملكيتها للدولة في المنطقة المستحدثة بنتيجة الردم الأصلي والإضافي على الواجهة البحرية لوسط بيروت، وذلك بالاستناد الى المرسوم الرقم 5665 الصادر بتاريخ 20/9/1994، والذي جرى بموجبه التصديق على اتفاق بين مجلس الإنماء والإعمار والشركة في شأن تمويل وتنفيذ أشغال البنية التحتية في منطقة وسط بيروت والأراضي المستحدثة بنتيجة ردم البحر. وقضى هذا الاتفاق بأن تنفّذ «سوليدير» أشغال البنى التحتية وأعمال الردم على نفقة الدولة، ومهما بلغت الأكلاف، على أن تتملك الشركة مقابل ذلك مساحة تقدّر حالياً بنحو 291800 متر مربع قابلة للتطوير العقاري، تمثّل نحو 35% من أصل مساحة الردم الأصلي والإضافي، علماً بأن «سوليدير» عمدت الى تضخيم أكلاف الأشغال والأعمال التي تنفّذها في هذا السياق، ليبلغ مجموعها أكثر من 475 مليون دولار (تقديرات سنة 1994)، أي أنها حصلت على عقارات تتسم بأهمية بالغة على الواجهة البحرية بسعر 1627 دولاراً للمتر المربع الواحد من الأرض. وبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ الشركة حقّقت من هذا الاتفاق أرباحاً خيالية، إذ تولّت عملية تصميم البنى التحتية والردم بما يخدم مصالحها أوّلاً وأخيراً، واستفادت بالتالي وحدها من ربح التحسين العقاري. فقد ارتفعت أسعار العقارات فيها عشرات الأضعاف عمّا كانت عليه قبل إنجاز الأشغال والأعمال المنصوص عليها في الاتفاق المذكور، وزادت استفادتها من جرّاء الإعفاءات الضريبية شبه الشاملة التي مُنحت لها حصراً على مدى سنوات طويلة... وللدلالة على حجم إفادة «سوليدير»، فقد عمدت الى توقيع عقود بيع للعقارات القائمة في منطقة الردم على أساس متر الهواء، لا على أساس متر الأرض. ووفقاً لنظام البناء المرفق بالمرسوم 4830 الصادر في آذار 1994 أيضاً، فإن مساحة الهواء العقاري التي يحق للشركة تطويرها تبلغ نحو 4.5 ملايين متر هواء، أي ما قيمته 12 مليار دولار حداً أدنى بحسب تقديرات العاملين في السوق العقارية. وقد تعاقدت على بيع نحو 2.5 مليون متر حتى اليوم، أي ما قيمته 6.5 مليارات دولار... وهي تسعى الى زيادة الأمتار الهوائية التي يحق لها تطويرها عبر رفع عامل الاستثمار في المنطقة المعنية، إلا أن بعض الوزراء لم يوافقوا حتى الآن على مشروع مرسوم في هذا الشأن طُرح على مجلس الوزراء أكثر من مرّة منذ عام 2007، وآخرها كان منذ أشهر قليلة في ظل الحكومة الحالية.

توزيع العقارات

وبحسب كتاب لرئيس إدارة الشؤون القانونية في مجلس الإنماء والإعمار كريستيان بو نجم، أحاله منذ فترة الى مجلس الإدارة، فإن المساحة العقارية التي ستضع شركة «سوليدير» يدها عليها، تتألّف من: أ. 79 ألف متر مربع تتملّكها «سوليدير» مقابل تنفيذ أشغال البنية التحتية في منطقة الوسط التقليدي المعرفة في متن الاتفاق المصدق بالمرسوم رقم 5665/94. ب. 212800 متر مربع تتملكها «سوليدير» مقابل تنفيذ أشغال الردم الأصلي وأشغال الردم الإضافي وكذلك أشغال البنية التحتية المستحدثة بنتيجة الردم الأصلي والإضافي المعرّفة في متن الاتفاق المصدّق بالمرسوم رقم 5665/94، منها مساحة 29 ألف متر مربع غير قابلة للبناء، لكنها قابلة للاستثمار. ويقول الكتاب نفسه إن شركة «سوليدير» أنجزت لتاريخه معظم أشغال البنية التحتية في منطقة الوسط التقليدي لمدينة بيروت وأشغال الردم الأصلي والردم الإضافي، إلا أن الشركة لم تباشر بعد بتنفيذ أعمال البنية التحتية في المنطقة المستحدثة بنتيجة أشغال الردم الأصلي وأشغال الردم الإضافي، وكذلك بأشغال المرفأ السياحي الشرقي (أحد المرفأين السياحيين اللذين تنفّذهما الشركة على نفقة الدولة أيضاً، وفازت مسبقاً بحق استثمارهما في مقابل مبالغ زهيدة جدّاً للخزينة)... ولكن الكتاب يتبنّى طلب شركة «سوليدير» في كتابها المسجل لدى المجلس تحت الرقم 16830/م.ر. تاريخ 14/12/2009 تمليكها البلوكات التطويرية (1) و(2) و(3) على الخريطة (Id - Mp)، البالغة مساحاتها نحو 29468متراً مربعاً... ويطلب الكتاب أن يصار الى إبلاغ المديرية العامة للشؤون العقارية وإمانة السجل العقاري المركزي في بيروت بضرورة استحداث ثلاثة عقارات بالاستناد الى هذه الخريطة (Id - Mp)، بحيث يمثل كل عقار منها واحداً من بلوكات التطوير التي تطلب الشركة تمليكها إياها، وأن تُسجل العقارات الثلاثة التي ستستحدث على اسم شركة «سوليدير» في السجل العقاري من دون أن يترتب على شركة «سوليدير» أي رسم تسجيل أو غيره، كما أن شركة «سوليدير»، يضيف الكتاب، تطلب الموافقة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتمليكها البلوكات التطويرية (4) و(5) و(6) و(7) و(8) و(9) المبيّنة على الخريطة (le - Mp).

تأمين سيولة للحريري

اللافت في نص كتاب مجلس الإنماء والإعمار ليس فقط مباشرة العمل على تحويل عقارات من ملكية الدولة الى ملكية الشركة الخاصة بشكل مخالف للقانون، بل أيضاً استناده الى خريطة تنطوي على تعديلات لمصلحة الشركة على التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي للقطاعين التنظيميين (A) و(D)، وهي التعديلات نفسها التي لم يوافق عليها مجلس الوزراء حتى الآن، على الرغم من طرح مرسوم في هذا الشأن مرّات عدّة عليه... وهو ما اعتبرته المصادر المطّلعة محاولة للالتفاف على صلاحية مجلس الوزراء وتهريب قرارات لا تحظى بالشرعية المطلوبة، وتوقّعت هذه المصادر أن تكون هذه المحاولة قد توسّلت السرعة بهدف معالجة أزمة نقص السيولة النقدية لدى رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري ومؤسساته، إذ إن المعلومات تفيد بأنه بات مكشوفاً على أكثر من 1.6 مليار دولار من التسهيلات والديون المصرفية محلياً، وبالتالي فإن من شأن وضع اليد على العقارات المطلوب نقل ملكيتها الى شركة سوليدير تحرير مبالغ طائلة من عقود بيع هذه العقارات المبرمة منذ فترة وقبل أن تتم عملية النقل وتسوية الخلافات في شأنها!

ويبرر مجلس الإنماء والإعمار لجوءه الى تسجيل عقارات باسم «سوليدير» على أساس تعديلات لم يصدر مرسومها بعد، بأن مساحات البلوكات العقارية الثلاثة المطلوب نقلها لم تتغيّر بموجب التعديلات المقترحة، إلا أنه يتجاهل أن حدودها وحقوق البناء عليها تغيّرت تغيّراً فاضحاً، ما يجعل كل عملية النقل باطلة، وكذلك الحقوق التي ستنشأ على عقود بيعها.

عمليّات نقل سابقة

الجدير بالإشارة أنه سبق لشركة «سوليدير» أن تملكت سابقاً، وبالاستناد الى الاتفاق الموقّع معها المصدّق بالمرسوم 5665/94 مساحات في منطقة الردم الأصلي بلغ مجموعها 77634 متراً مربعاً، إذ يوضح كتاب سوليدير الى مجلس الإنماء والإعمار أن المجلس عمد في 14/11/1998 الى تمليك الشركة العقارين 1515 و1516 في المرفأ اللذين تبلغ مساحتهما 27531 متراً مربعاً، وكذلك تمليكها العقارين 1455 و1456 بتاريخ 25/3/2003 في ميناء الحصن اللذين تبلغ مساحتهما 22341 متراً مربعاً... أي أن إتمام عملية تمليك الشركة البلوكات العقارية 1 و2 و3 سيرفع مساحة ما تملّكته «سوليدير» من منطقة الردم حتى الآن الى 107102 متر مربع، تمثّل ما نسبته 36.7% من المجموع الإجمالي للمساحة التي ستتملكها بموجب الاتفاق معها، البالغة 291.800 متر مربع. ويبرر مجلس الإنماء والإعمار اندفاعته في نقل الملكية العامّة الى الشركة بأن الأشغال المنجزة من قبلها، والتي جرى تسلّمها نهائياً لتاريخه، تمثّل قيمتها التقديرية الموضوعة سنة 1994 ما نسبته 76.34% من إجمالي الكلفة التقديرية لكل الأشغال، التي ادّعت «سوليدير» تنفيذها، أي ما يوازي 362 مليوناً و615 ألف دولار. (الأخبار)

مسلسل الفضائح متواصل

في 1992، كانت مساحة الوسط التجاري 1.117 مليون متر مربع بين أملاك عامة وخاصة، أُضيفت إليها مساحات بالجملة والمفرق في أوقات متفرّقة، فارتفعت المساحة الى نحو 1.980 مليون متر مربع. وقد تملّكت «سوليدير» العقارات المحددة بالمرسوم 2236، ثم ضمّ المرسوم 2786 أراضي «الشركة العقارية والمالية لمرفأ بيروت» والبالغة 83 ألف متر مربع إليها. ورأى هذا المرسوم أنها أراضٍ عمومية ملحقة بمنطقة الوسط التجاري، ثم بدأت مشاريع ردم البحر وتوسيع مساحة مكبّ النورماندي. وفي 1994، أقرّ مجلس الوزراء ثلاثة مراسيم، صدرت بعدها ثلاثة مراسيم أخرى وقرار وزاري في 2007، ارتفعت بنتيجتها المساحة المردومة من 240 ألف متر مربع إلى 780 ألفاً، أي بزيادة 540 ألفاً. في مرحلة التوسّع الأولى في 1994، عُقد اتفاق بين «سوليدير» ومجلس الإنماء والإعمار لكي تنفّذ الشركة كامل أشغال البنية التحتية للوسط التقليدي، وأشغال «الردم الأصلي» و«الردم الإضافي» بكلفة تقريبية قدّرت بنحو 475 مليون دولار، على أن تدفع الدولة هذه الكلفة «نقداً أو بإعطائها (سوليدير) قسماً من الأراضي المستحدثة»، وأقرّ في المرسوم نفسه الرقم 5665 مبدأ «التسديد العيني من أصل المساحات المستحدثة لجميع الأشغال التي ستترتّب على الدولة من أشغال ستقوم بها سوليدير في هذه المنطقة». وبذلك، حصلت الشركة على نسبة 35 في المئة من المساحة الإجمالية البالغة في حينه 608 آلاف متر مربع، أي 212.8 ألف متر مربع، والباقي (395.2 ألف متر مربع) للدولة، من ضمنها الطرقات والساحات والحدائق وأراضٍ للتطوير العقاري (لا يبقى منها للدولة أراضٍ قابلة للتطوير العقاري إلّا 16 ألف متر)... وذلك مقابل أعمال معالجة الردم وتنفيذ أشغال البنى التحتية في المنطقة الواقعة فيها هذه العقارات، وأن تقوم أيضاً بترتيب وإعادة إعمار المنطقة وترميم الأبنية وإنشاء الجديد منها وبيعها وتأجيرها واستثمارها وصيانتها. أي مقابل تطوير عقارات على الواجهة البحرية للعاصمة ستملكها وتستثمر فيها لتزيد أسعارها أضعافاً. وحصلت «سوليدير» على امتياز رفع عامل الاستثمار في المنطقة إلى 5، وأعطيت مساحة 79 ألف متر إضافية من الأراضي المستحدثة في منطقة الردم لتسديد مبلغ 129 مليون دولار يمثل كلفة أشغال البنية التحتية في المنطقة التي سمّيت «الوسط التقليدي»، وحينها بلغت حصّة «سوليدير» من الأراضي المستحدثة 291.8 ألف متر مربع. في المرحلة الثانية، أي منذ 1996 حتى 2007، صدرت ثلاثة مراسيم وقرار وزاري واحد، فاتسعت المنطقة المردومة إلى 730 ألف متر مربع، وخُصّصت «سوليدير» باستثمار المرفأين الشرقي والغربي على جانبي الردم، فيما صدر القرار الوزاري 156 والقاضي بتوسعة الردم إلى 780 ألف متر لتشييد قصر المؤتمرات باستخدام ركام الضاحية الناتج من حرب تموز 2006. وتتضمن هذه المرحلة أبرز عملية «وضع يد»، بحسب وزير سابق مطّلع على الملف. إذ صدر المرسوم الرقم 5714، الذي ضمّ 24471 متراً مربعاً من أملاك الدولة الخاصة في منطقة الوسط وألحقها بالأملاك العمومية الداخلة ضمن نطاق مشروع «سوليدير» من دون أي تعويض. فهذه العقارات هي عبارة عن مبانٍ (محيط منطقة غاليري غندور) كانت الدولة قد استملكتها عام 1984 وتحوّلت إلى أراضٍ خاصة بالدولة. وهناك قسم من هذه الأمتار الموضوع اليد عليها كانت عبارة عن طرقات خاصة.

الأكثر قراءة