uldy

uldy

في حديث من القلب إلى القلب، جذبت سهى بشارة الحضور خلال ندوة في الجامعة الأميركية تندرج ضمن فعّاليات أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي. وخلالها، قدمت المناضلةٌ رفيقة لها هي الكاتبة جين سعيد مقدسي، شقيقة المفكر الراحل إدوارد سعيد. عبّرت جين عن إعجابها بمقطع في كتاب سهى «مقاومة»، تصف فيه الكاتبة لحظة التردّد التي سيطرت عليها قبيل توجيهها المسدس نحو العميل أنطوان لحد قائلة: «هذه اللحظة تعدّ فشلاً في الحسابات العسكرية ربما، لكنّني أرى أنّها لحظة إنسانية كبيرة». دمعت عينا سهى لهذه الملاحظة، قبل أن تستأنف الحديث أمام جمهور واسع حضر للقائها. «هَيْ أوّل مرة ندعى فيها على لبنان خلال أسبوع الفصل العنصري»، لتتساءل على الملأ «منحاول نوضح بأوروبا قصص معيّنة لكن أنا شو بدي خبّر جمهور لبنان؟». تستبق سهى ما ستقوله بالتهكّم المسبّق «بيخلص هيدا اللقاء بالتصفيق وكل واحد بيروح على بيتو «لتصبح مساعدة الفلسطينين سباتاً عميقاً لا توقظه إلّا مجازر جديدة. مننتظر الضربة من إسرائيل تنتذكّر». تسأل جمهورها: «كيف ممكن نبني شي بهالبلد وأنا بطالب بحقوق هالمخلوق إذا كان بعيد عنّي 15 كلم، أمّا إذا قريب مني متر واحد ببطّل شوفه؟» يأتي الجواب أنّه «هناك أحزاب يمينية من سمير جعجع لَميشال عون بتدافع وبكل شراسة عن حق العودة، لكن بدوافع مختلفة عن تلك الكامنة وراء دفاع الشيوعي وأمل وحزب الله والباقيين. مهمتنا نخلي الدوافع وحدة». لم يفكّر أحد في التصفيق، فالكلّ كان مأخوذاً بصراحة سهى «نحنا ببلد فيش شي مش راكب إلّا هالمخيّمات. ملاحظين معي هالشي؟». لا أحد يضحك على النكتة «سطل البويا لمّا بدي فَوْتو عالمخيّم بدّي خبّر الدولة. ستين سنة ونحنا بعدنا عا سطل البويا». تسكت بعض الشيء ثم تضيف «أنا ما عم اطلب منكم تحرروا فلسطين لَأنو في مين يحررها إذا مش اليوم بكرا، ولكن إذا بدكن تبنوا بلد، ما في بلَد بينبنى بقانون عنصري بيدوم 60 سنة» تدمع عينا سهى مجدداً، وهي تتحدث عن العمليات الاستشهادية للمقاومة في فلسطين «أنا ما بسمح لنفسي قلّو للفلسطيني كيف يقاوم. ما بقدر قلّو والجلّاد عم يجلدو كيف لازم يصرّخ». تكاد تبكي حين تذكر مثلها الأعلى حين كانت في الخامسة عشرة من عمرها، المقاوم نزيه قبرصلي، الصبي الذي سرق قنبلة من والده وفجّر نفسه داخل الملالة الإسرائيلية «أنا بدين للفلسطيني بكل شي وصلتلو بلبنان لأنو هوّي اللي علّمنا المقاومة، والأم الفلسطينية اللي كانت تفوّت رصاص عالمخيّم سنة 85 لعبت دور أساسي بحماية المخيّمات». تستعرض سهى المواقف السياسية المتذبذبة حيال حقوق الفلسطينيين، التي انتهجتها في لبنان أحزاب يسارية «ولا مرّة عملت مظاهرة للقضية الفلسطينية. كلّن بيحكو منيح، بس ما في مظاهرة واحدة بتمشي. وكلنا شفنا شو صار بمظاهرة السفارة المصرية. إنّو أكلنا قتل... إيه. ورجاع كول قتلة بمظاهرة جديدة. شو فيها؟». وسط السحر الذي يلف القاعة، أنهت سهى مداخلتها بالحديث عن المنظمات غير الحكومية «اللي هالكتنا... بفلسطين كل اثنين بيعملوا واحدة...عنّا شي ألف منّون...ال TVA عم بيزيد، تعو اعملو تحرّك اذا فيكن وكل اثنين قاعدين بعلبة لوحدن!» مذكّرة الحضور «ما حدا يفكّر انّو يتغيّر شي و هوي ما بدّو يعمل شي». خليل عيسى
قضى حكم صادر عن مجلس شورى الدولة في تموز من عام 2008 بدفع تعويضات بقيمة 1.451 مليون دولار، بالإضافة إلى فائدة تأخير بنسبة 6%، للمنسّق العام لتيار المستقبل حينها سليم دياب، منها 1.3 مليون دولار كأرباح فائتة كانت ستجنيها شركته في غضون 6 أشهر بعد الحريق الذي أتى على مستودعاتها في الدكوانة في عام 1999... والذريعة أن رجال الإطفاء فشلوا في السيطرة على هذا الحريق!

صدر بتاريخ 8/7/2008 قرار عن مجلس شورى الدولة حمل الرقم 670/2007-2008، قضى بدفع تعويضات بقيمة مليون و451 ألفاً و588 دولاراً لشركة عبد الرحيم دياب ش.م.ل. (صاحبها النائب السابق والمنسق العام ورئيس الماكينة الانتخابية السابق في تيار المستقبل سليم دياب)، وفرض هذا القرار على الدولة اللبنانية فائدة تأخير بمعدل 6 في المئة، تسري اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار حتى الدفع الفعلي، كما حمّلها نفقات المحاكمة بنسبة مسؤوليتها، بحيث تتحمل 80 في المئة من هذه النفقات والباقي على الجهة المستدعية... ما رفع قيمة التعويضات الى أكثر من 1.7 مليون دولار، استفاد منها سليم دياب على حساب المال العام، بصفته مواطناً من الدرجة الأولى يتميّز عن بقية المواطنين بقدرته على مقاضاة الدولة بناءً على ذريعة مفادها أن رجال الإطفاء (وزارة الداخلية ـــــ مديرية الدفاع المدني) لم ينجحوا في إطفاء الحريق الذي أتى على 90% من موجودات مستودعات الشركة في الدكوانة في 21/9/1999.هذه القدرة لا يتمتّع بها إلا قلّة قليلة من أصحاب النفوذ والمرتبطين بهم، فلو كان العكس صحيحاً، لكان بإمكان كل مواطن مقيم في لبنان أن يقاضي الدولة على انقطاع الكهرباء والمياه وتردّي خدمة الاتصالات وأوضاع الطرقات وازدحام السير وغياب الرقابة وعدم تطبيق القوانين والأنظمة وانهيار أنظمة الضمان الصحي والتعليم... وتكفي الإشارة الى أن الدراسات التي تستند إليها الوثائق الرسمية تفيد بأن المقيمين (أسر ومؤسسات) تكبّدوا خسائر مباشرة بقيمة تتجاوز 1.2 مليار دولار في عام 2009 بسبب الانقطاعات في التيار الكهربائي، بما في ذلك تعطّل ماكينات وأجهزة وأعمال، كما تكبّدوا خسائر مماثلة نتيجة اضطرارهم الى استخدام المولّدات الخاصة، وهذا ينطبق على المياه بشكل أوسع، وكذلك على البيئة وتدهور مؤشّرات الأمن والسلامة العامّة... وتكفي الإشارة أيضاً الى أن معظم الدراسات التي تناولت حوادث السير أظهرت أن الدولة تتحمّل مسؤولية كبيرة جداً عن موت أكثر من 800 مواطن سنوياً بسبب الفوضى على الطرقات وضعف الرقابة وتفشّي الفساد وتدهور أوضاع الطرقات وعدم وجود الإنشاءات الكافية لتسهيل عبور المشاة والتعدّيات على الأرصفة وغياب إشارات التحذير والإضاءة والأشغال غير المدروسة..هذه الوقائع، التي يمكن، في حال تطبيق مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين، أن تكبّد الخزينة العامّة مليارات الدولارات من التعويضات، هي التي دفعت برئيس الغرفة الخامسة ألبرت سرحان الى مخالفة قرار مجلس الشورى الصادر في دعوى سليم دياب، إذ رأى «أن الاجتهاد المستقر يقضي بأن لا تُسأل الدولة إلا في حدود الإمكانات المتوافرة لديها»، بمعنى أن الادعاء بأن رجال الإطفاء لم يتمكّنوا من السيطرة على الحريق لمنح المتضرر تعويضات مالية من المال العام لا يأخذ بالاعتبار ضعف إمكانات فوج الإطفاء وافتقاره الى العديد والعتاد، كما لا يأخذ بالاعتبار ملابسات الحريق نفسه الذي اندلع بسبب احتكاك كهربائي ناجم عن تحميل 18 لمبة على مفتاح واحد وتوقّف هاتف الناطور عن العمل، ما ساهم بتأخير إبلاغ فوج الإطفاء بحصول الحريق، فضلاً عن أن تجدد الحريق بعد السيطرة عليه نجم عن وجود مواد سريعة الاشتعال وتكديس البضائع بطريقة لا تراعي الأمان والسلامة.وجاء في نص مخالفة الرئيس ألبرت سرحان لقرار المجلس «أن شركة التأمين عوّضت الجهة المستدعية عن الأضرار اللاحقة بالمبنى بمبلغ 320110 دولارات أميركية فتكون بذلك قد حصلت على التعويض المناسب لهذه الجهة ويكون طلبها في غير محله القانوني»، كما أن طلب التعويض على الجهة المستدعية عن استئجار مستودعات مؤقتة للبضائع المستوردة بعد الحادث، «فإننا لا نرى أن الضرر المذكور ـــــ على فرض حصوله ـــــ هو ضرر مباشر وثابت باعتبار أن الأمر لا يتعلق بالبضائع التي خلصت من الحريق وإنما ببضائع مستوردة لاحقاً، هذا فضلاً عن أن استئجار المستودعات المذكورة غير ثابت بعقود إيجار قانونية، علما أن النفقات موضوع هذا الطلب (على فرض حصولها) تدخل كعنصر من تركيبة أسعار البضائع

تعويض شركة عبد الرحيم دياب 1.3 مليون دولار كربح فائت عن 6 أشهر!

الجديدة المستوردة، وتكون بالتالي المطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق بالجهة المستدعية لهذه الجهة في غير محلها القانوني».لا تقتصر الملاحظات على قرار مجلس شورى الدولة على النقاط التي أثارها سرحان في مخالفته، فشركة سليم دياب طالبت بتعويضات تصل قيمتها الى 6.345 ملايين دولار، علماً بأن الشركة نفسها تقاضت من شركة التأمينAssicurazioni Generali مبلغاً قدره 6.166 ملايين دولار كتعويضات عن الأضرار اللاحقة بها، بما في ذلك خسارة الموجودات من مخزون البضائع وعدّة ومعدات وديكور وأثاث وهيكل المبنى وأضرار الغير من الجيران، التي كانت موضوع تغطية، وهذا ما يجعل من المطالبة بالتعويض عنها مرّة أخرى بمثابة إثراء غير مشروع.إلا أن قرار مجلس شورى الدولة تجاوز كل ذلك، وعمد الى تحميل الدولة نسبة 80% من المسؤولية عن عدم السيطرة على الحريق، وحكم للشركة المدّعية بتعويضات لم تلحظها بوليصة التأمين، بما في ذلك الربح الفائت، موزّعة على الشكل الآتي: إعادة البناء والترميم 79890 دولاراً. أجور مستودعات مؤقتة 27000 دولار، ربح فائت 1570013 دولاراً، نفقات إعلانيّة 50000 دولار، نفقات إنقاذ ورفع أنقاض 37582 دولاراً، نفقات فنية 50000 دولار.وقضى الحكم بأن يحسم من القيمة الإجمالية للأضرار ما يوازي نسبة خطأ المستدعية في الحادث (20%) بحيث يكون المبلغ المترتب على المستدعى ضدها: 1451588 دولاراً.اللافت في نص قرار المجلس أنه لم يطلب تدقيقاً من الإدارة الضريبية حول بيانات شركة عبد الرحيم دياب عن أرباحها المصرّح عنها، كما أنه تجاهل أن الوقائع التي يسردها القرار تؤكّد أن نشاطات الشركة لم تتعطّل بسبب الحريق، إذ استمرت باستيراد البضائع وتسويقها عبر فروعها وصالاتها. واللافت أيضاً أن القرار يعطي الشركة الحق بالحصول على تعويضات عن حملات إعلانية قامت بها لتسويق بضائعها، علماً بأن نص القرار لم يُثبت بوضوح أن هذه الحملات فرضها الحريق، إذ إن الشركة غالباً ما تقوم بحملات دعائية كسائر الشركات من أصحاب الوكالات التجارية الحصرية!(الأخبار)

4 جهات

 

ساهمت في إطفاء الحريق، هي: الدفاع المدني، فوج الإطفاء، سرية إطفاء المطار وسرية إطفاء الجيش... وهذا دليل على انتفاء ذريعة التقصير، إذ نادراً ما يجري تجييش كل هذه الجهات لإطفاء حريق واحد، إلا إذا كان المتضرر من الحريق من وزن سليم دياب

اسألوا آل فتّوش

 

لا تمثّل قضية سليم دياب (الصورة) المرّة الأولى التي يصدر فيها قرار مثير للاستغراب عن مجلس شورى الدولة يرتّب أكلافاً باهظة على المالية العامّة لمصلحة بعض المتنفذين، فقد سبق للمجلس أن حكم في بتعويضات بقيمة 218 مليون دولار لمصلحة بيار وموسى فتوش، شقيقي النائب نقولا فتّوش، جراء قرار الحكومة بإقفال الكسارة العائدة لهما بين أيلول 2002 وآب 2004 (عشية التمديد لرئيس الجمهورية)، وإلزام الدولة أيضاً دفع غرامة إكراهية، وفائدة المبلغ المطالب به، والربح الفائت اليومي والمستقبلي، وتضمينها العطل والضرر.

معتصم حمادة امتاز سلام فياض بأنه طرح مشروعاً لقيام الدولة الفلسطينية مدته الزمنية سنتان تنتهيان في آب (أغسطس) من عام2011. ويتكوّن المشروع من ثلاث حلقات. الحلقة الأولى بناء البنية التحتية لمؤسسات السلطة، بحيث حين تحل لحظة الاستحقاق يكون بحوزة الفلسطينيين كل ما من شأنه أن يقيم الدولة: وزارات، وأجهزة إدارية وأمنية وخدمية. في هذا السياق، طرح فياض خطة المشاريع الألف الأولى، وهو بصدد طرح خطة الألف الثانية. الحلقة الثانية، هي «المقاومة السلمية» للاحتلال والاستيطان، معلناً رفضه اللجوء إلى «العنف» مهما كان شكله. وهو في شرحه للمقاومة السلمية يستشهد بتجربة غاندي ومارتن لوثر كينغ. الحلقة الثالثة هي التحرك السياسي لمنظمة التحرير، أي العملية التفاوضية، تحت سقف خريطة الطريق الدولية، بتفسيراتها الغامضة والمتباينة. ليست الصدفة هي التي قادت فياض إلى طرح مشروعه هذا، الذي به تجاوز حدود صلاحياته رئيساً للحكومة. فمشروع فياض يخفي وراءه رجلاً سياسياً له منظومة أفكار عبّر عنها في أكثر من مناسبة، أكثرها وضوحاً حديثه إلى «هآرتس» في 2/4/2010. يقول فياض: - لا مشكلة لي مع الفكرة الصهيونية. - لا اعتراض لي على أن إسرائيل هي أرض التوراة. - الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي ينتميان إلى قيم مشتركة. - نعتمد المقاومة السلمية للوصول لأهدافنا. مثالنا غاندي ومارتن لوثر كينغ. - لدينا، كما لديكم، معتدلون ومتطرفون. والصراع الحقيقي هو بين هذين التيارين. - نطلب وقف الاستيطان في الضفة. لديكم في إسرائيل أودية وسهول وتلال يمكن استيطانها. - نجهّز البنية التحتية لاستقبال اللاجئين على أرض الدولة. - نحن ضد كل أشكال التحريض ضدكم وسنعمل على وقفه. وإذا ما حاولنا أن نقرأ هذه الأقوال نجد أنفسنا نقف أمام النتائج التالية: - فياض لا ينكر اعترافه بحق إسرائيل في الوجود، انطلاقاً من موقفه المسالم من الفكرة الصهيونية. - يعترف بإسرائيل دولة يهودية انطلاقاً من كونها أرض التوراة. - يزيّف الواقع والتاريخ عبر الحديث عن القيم المشتركة، متجاهلاً أن إسرائيل قامت على الاغتصاب والقتل والتهجير، وأنها جزء من مشروع تقوده واشنطن للسيطرة على العالم، بالمقابل يشكل المشروع الفلسطيني مشروعاً للتحرر الوطني من الاحتلال والاستيطان. وفي إشارته إلى القيم المشتركة يصبح فياض أقرب إلى تبني الرواية الصهيونية للصراع. - يزيف فكرة المقاومة السلمية، وتاريخ غاندي ومارتن لوثر كينغ. صحيح أن هذين العظيمين اعتمدا المقاومة السلمية في صراعهما ضد الاستعمار البريطاني في الهند وسياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة. لكن الصحيح أنهما لم يفسرا المقاومة السلمية أنها تلك التي لا تتصادم مع الطرف الآخر، وتكتفي بالهتاف ضده من بعيد. فالملاحظ أن أجهزة الأمن التابعة لفياض تتصدى للتظاهرات الشعبية وتمنعها من الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة، مما يقلب الآية، فيصبح فياض مع «المقاومة العنيفة» في ردع التحرك الشعبي الذي يحاول أن يخرج من تحت سقف قراره السياسي. ويفسر أركان فياض هذه السياسة بالقول إن اللجوء إلى العنف ضد الاحتلال سيوفر له ذريعة لتدمير ما بنته السلطة من مؤسسات تشكل البنية التحتية للدولة المستقلة، مستشهدين بما قامت به قوات الاحتلال من تدمير السلطة لمؤسسات ومقارها، عامي 2000، و2002. في محاولة لزرع مفاهيم جديدة في أذهان الناس تقوم على العداء للمقاومة، وتسليم المصير لمشاريع الرباعية والراعي الأميركي. وهكذا تتحول المقاومة السلمية إلى سلاح ضد المقاومة الحقيقية ودعوة للاسترخاء والإيمان بحتمية ولادة الدولة الفلسطينية، وتسليم الأمور لقبضة من السياسيين، هم وحدهم يقررون مصير شعب بأكمله. وفي موقف ذي مغزى فاضح، يتطوّع فياض ليرشد الإسرائيليين إلى ضرورة استكمال تهويد الجليل الفلسطيني من خلال استيطان ما بقي منه من تلال وسهول وأودية على تعبيره. ويستمر فياض في كشف مواقفه السياسية حين يعترف بأن حل قضية اللاجئين هو توطينهم في الضفة، وأنه بصدد بناء البنية التحتية لاستقبالهم بعد قيام الدولة الفلسطينية. وبذلك يكون فياض قد نصّب نفسه ممثلاً للفلسطينيين وأعطى نفسه الحق في تقرير مصير اللاجئين، بما ينسجم مع السياستين الأميركية والإسرائيلية. مشروع فياض لقي ترحيب اللجنة الرباعية ولعله السياسي الفلسطيني الأول (والوحيد) الذي تتحدث عنه الرباعية بإيجابية في أحد بياناتها. بدوره مدح شمعون بيريز، مشروع فياض، ورأى في الرجل بن غوريون فلسطين. لكن يبدو أن ذاكرة بيريز قد ضعفت. فالفارق بين الاثنين كبير جداً. فبن غوريون كان سياسياً من نوع آخر، انسجم مع المشروع الصهيوني وفلسفته التاريخية. وبنى أجهزته العسكرية والأمنية، واعتمد عليها لبناء دولته الصهيونية، فالعامل الذاتي الإسرائيلي كان العامل الرئيس في صناعة الحدث ورسم المصير وصياغة القرار. في المقابل يحاول فياض أن ينأى بنفسه عن كل مظاهر المقاومة ويراهن على العامل الدولي في صناعة الدولة الفلسطينية، وما كُشف عنه، عبر المشاريع المتداولة، أن دولة فياض لن تكون مستقلة، ذات سيادة، ولن تستعيد الأراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران.

فالأراضي سوف تخضع لمبدأ التبادل لمصلحة المستوطنات وجدار الفصل العنصري. والقدس ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، إلا إذا رأى فياض أن العيزرية وأبو ديس وجوارهما هي القدس البديلة. ولن يكون للدولة سيادة على حدودها ومعابرها بل ستخضع لقوات دولية تحت علم الحلف الأطلسي. وهو يعني أنها لن تكون حرة في منح جنسيتها لمن تشاء، أو استقبال من تشاء من فلسطينيي الشتات، وإن نظرة إلى «وثيقة جنيف البحر الميّت» التي تعدّ مرجعاً رئيسياً للجنة الرباعية في رسم مستقبل الدولة الفلسطينية، ستوضح لنا كم هو هش وبائس مشروع فياض. يدرك فياض، بطبيعة الحال، ما يمكن الحصول عليه في نهاية المطاف، إذا ما سار على الطريق الذي رسمه. ويدرك أن ما سوف «يتدخل» العالم لمنحه للفلسطينيين في ظل غياب العامل الذاتي الفلسطيني، سوف يتنازل لمسافات بعيدة عن المشروع الوطني الفلسطيني. لذلك يمهد فياض لمثل هذا الاستحقاق بخطوات تتوزع على محورين اثنين: المحور الأول توفير قاعدة لمشروعه، عبر اجتذاب النخب السياسية والإعلامية، للترويج لمشروعه عبر المنابر المختلفة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية عبر الخدمات التي يقدمها للفلسطينيين باعتبارها جزءاً من مشروعه. هنا يلفت النظر كيف أن اللجنة الرباعية توفر له الدعم الضروري، و أن موازنة السلطة ارتفعت أخيراً من 1،7 مليار دولار إلى 2،8 مليار. هل يعبّر مشروع فياض عن سذاجة أصحابه السياسية، أم هم يعرفون جيداً ماذا يطرحون، وماذا يفعلون؟ بتقديرنا إن فياض يدرك حقيقة مشروعه، وما سوف يقود إليه. وهو يتقاطع في كثير من جوانبه مع مشروع طوني بلير، مبعوث اللجنة الرباعية. ولا نعتقد أن مشروعاً بحجم مشروع فياض هو من إنتاج عقل فرد، بل إننا أقرب إلى الجزم بأن هذا المشروع هو صياغة جديدة لخريطة الطريق، ووثيقة «جنيف البحر الميت» تبنّاها فلسطينياً الرجلُ الثاني في السلطة، بعدما ارتدت ثوباً فلسطينياً لتدلل على أنها إنتاج وطني. إن أخطر ما في فياض أنه يحاول أن يؤدّي دوراً خطيراً في الحالة الفلسطينية، هو أقرب إلى دور حصان طروادة.

بطريقة من الطرق، استعاد الرئيس سعد الحريري والنائب سامي الجميّل نقاشاً احتدم منذ حوالى مئة سنة، ولم يتوقّف طيلة تلك المدة. ليست الظروف هي نفسها. الزمن يحمل الكثير والعميق من التحوّلات. والتاريخ لا يعيد نفسه الأعلى شكل «مأساة أو مهزلة» (حسب ماركس). ومع ذلك، نحن مرّة أخرى أمام نقاش تأسيسي يتكرّر بما يؤكّد عمق الخلاف حتى الهوية والمرجعية والانتماء والعلاقات والمستقبل... وبما يؤكّد أنّ لبنان لا يزال وطناً قيد الدرس! ليست مشاركة سعد الحريري وسامي الجميّل في النقاش هي الأبرز، فثمّة مشاركون عديدون، وبعضهم أكثر إلحاحاً ووضوحاً وأهمية... لكنّها قد تكون الأكثر دلالة. فهما، كلاهما، من الجيل الشاب. وكلاهما يشغل موقعاً مهمّاً في منظومة الشراكة الطائفية والمذهبية القديمة والمتجدّدة. وكلاهما اختبر في محيطه وفريقه وتياره أشكال التعاون والتباين. وكلاهما، أيضاً، عانى مآسي وخسائر كبيرة في امتداد نزاعات وصراعات محلية وخارجية متداخلة ومتفاعلة، كان أخطرها ما حصل في السنوات الخمس الماضية، ومن ضمنها العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من عام 2006. هل ثمّة رابط ما بين ما قاله سعد الحريري، بشأن العلاقة مع سوريا، وما قاله سامي الجميّل بشأن العلاقة مع إسرائيل؟ لا شكّ في ذلك. والأمر يتعلق بمسار قد يشير إلى خيار أو يُذكّر به على أقل تقدير. بكلام آخر، إنّ اقتراب الحريري من سوريا هو ما يحاول الجميّل مواجهته بالتلويح بالتقرّب من إسرائيل! ويستعيد ذلك انقساماً وخلافاً وصراعاً كانت قائمة باستمرار، وإن تخلّلتها مساومات وتسويات كان من بينها «ميثاق» عام 1943 (الصيغة اللبنانية)، واتفاق «الخيمة» عام 1958 (ما بين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب)، واتفاق «الطائف» عام 1989، واتفاق «الدوحة» عام 2008... للحكاية «المملّة» والمتكرّرة تاريخياً هذه، سياق سياسي شديد الوضوح: إنّه ذلك الذي دفع بفريق 14 آذار إلى التشتّت بعد التوحّد. ومعروف أنّ هذا التوحّد قد انتظم تحت شعارات الفريق الذي وُصف يوماً بـ«الانعزالي» بسبب موقفه المناهض للقوى السياسية الشعبية والرسمية التي عارضت، كلّياً أو جزئياً، السياسات الأميركية والغربية والإسرائيلية في المنطقة. وصف سمير جعجع عن حقّ نشوء تحالف 14 آذار وقبله «لقاء البريستول» قائلاً: هم جاؤوا إلينا ولم نذهب نحن إليهم... في امتداد ذلك، وأساساً بسبب الغزو الأميركي للعراق والمشروع الشرق أوسطي الذي كان الغزو في خدمته، نشأت فرص جديدة لإحداث تحوّلات جذرية في موازين القوى في المنطقة وفي لبنان لمصلحة «حلف الاعتدال العربي» الذي أعلن فريق 14 آذار الانتساب إليه رسمياً في وثيقة اجتماع «البيال» عام 2007. لم تسر الأمور على النحو الذي يريده الأميركيون وحلفاؤهم الإسرائيليون والعرب واللبنانيون منذ عام 2006. وبعد صعوبات واشنطن في العراق، تتابعت العثرات والهزائم. لبنان الساحة الثانية بعد العراق في تلقّي نتائج الغزو والمشروع الأميركيين، عاش على نحو دراماتيكي الصراعات والتحوّلات. «المراجعة» السعودية في قمة الكويت الاقتصادية أوائل عام 2009 كرّست «رسمياً» الفشل الأميركي والإسرائيلي. المصالحة السعودية ـــــ السورية هي ثمرة هذا الفشل الذي تعاملت معه قيادة المملكة بواقعية وببراغماتية لم تشاركها فيها القاهرة. لم تتغيّر الأهداف بالنسبة إلى الاعبين الكبار. هم يستطيعون تغيير وسائلهم وتحديد خسائرهم، لكنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى اللاعبين الصغار، إذ تضيع الطاسة ما بين الهدف والوسيلة. الكبير قد يدفع الثمن من مكاسبه أو من مدّخراته أو من نفوذه... أما الصغير فيدفع من اللحم الحي. يحصل ذلك تكراراً في لبنان. ويحصل بنحو تختلط فيه المأساة بالملهاة إلى الدرجة التي يغدو فيها الأمر غير باعث على التسلية إطلاقاً! ثمة فريق في سجلّه أنّه يحصر في ذاته امتلاك مواصفات الوطنية الصافية. هذا ادّعاء يزداد عبثية وفئوية بمقدار ما يتفاقم العجز عن مراجعة المواقف والتجربة لتبيان الخطأ القائم فيه والخطر الناجم عنه. لكن في المقابل، لم يكن الاعتراض من طبيعة مختلفة جذرياً. لقد تباينت المواقف من مواضيع الصراع، وخصوصاً على المستوى الإقليمي. لكن البديل، كان نسبياً، من طبيعة الأصيل نفسها في مجالين على الأقل: الانطلاق من المنطلق الطائفي نفسه، والسعي إلى الاستقواء بالخارج في الصراع الداخلي. وصف يوماً الصحافي الراحل جورج نقاش هذه المعادلة قائلاً، بعد الترجمة عن الأصل الفرنسي: نفيان لا يبنيان وطناً! يومها، في الأربعينيات، ارتضى ممثّلو المسيحيين عدم المطالبة بالالتحاق بفرنسا، مقابل عدم مطالبة ممثّلي المسلمين بالوحدة مع سوريا. على مثل هذه المعادلة السلبية قامت الصيغة اللبنانية «الفريدة». لقد كرّست صيغة عام 1943 أرجحية الجناح «المسيحي» من البورجوازية اللبنانية (الطائفية دائماً أداة). سعى هذا الجناح إلى المماثلة ما بين الكيان والنظام الطائفي. حاول رفع ذلك إلى مستوى «الرسالة» و«الطبيعة» والهوية... ولقد تكرّس في أذهان جمهور واسع أنّ لبنان يكون على هذه «الصيغة» أو لا يكون، ليكون بديلاً منه الترك والهجرة أو الانعزال والتقسيم وطلب صداقة الأعداء، بمن فيهم الصهاينة المغتصبون في إسرائيل!

اليوم يتكرّر، في الحوار والسجال وإعلان المواقف والعلاقات، فصل مأسوي جديد. إنّه مأسوي في الجانب الأساسي منه، لأنّه يكرّس الانقسام. ولأنّه يتجاهل، مرّة جديدة، موجبات بناء الوطن أو الأمة، كما لاحظ المرحوم جورج نقاش قبل حوالى ستة عقود ونصف عقد من يومنا هذا. في مجرى التاريخ اللبناني المعاصر ارتُكبت ولا تزال أخطاء لا تُغتفر. وكذلك في الفترة نفسها اجتُرحت إنجازات مدهشة وغير مسبوقة. قد لا يتساوى فريقا المعادلة الطائفية التقليدية في حجم الإنجازات والأخطاء، لكنّهما يتقاسمانها كلّ في مجال، أو في الحقل الواحد أحياناً كثيرة. وليس صعباً القول إنّ «الإنجازات» كانت نوعاً ما فئوية، أما الأخطاء فكانت دائماً، «وطنية»، وبامتياز. نقصد بذلك، أنّ الإنجازات لم تصب في مصلحة بناء الدولة الواحدة والحصينة، فيما أمعنت الأخطاء إضعافاً لمشروع قيام الدولة إلى الدرجة التي نعيشها اليوم من مخاطر التلويح بالخيارات الخطيرة ومن بينها التقسيم إذا تعذّر التقاسم أو كانت صيغه مرفوضة جذرياً من أحد الأطراف المشاركة. لن نكرّر هنا ضرورة قيام مشروع وطني توحيدي ديموقراطي. ذلك أمر لا بدّ من قيامه للإسهام في بلوغ حلّ إنقاذي. لكن لا بدّ أيضاً من أن يراجع الجميع حساباتهم وتجربتهم وأخطاءهم: المقياس هو المصلحة الوطنية، لا الفئوية ولا الخارجية. من دون ذلك، سيكون لبنان الطائفي بلداً فاشلاً، وستكون فئوية الطبقة الحاكمة بل ورعونتها المسؤولتين عن ذلك في صورة سعد وسامي أو في صورة مماثلة عرفناها سابقاً أو سيعرفها سوانا في المستقبل!

 

سعد اللّه مزرعاني*

عفيف دياب 

الفلاحون مشوا خلف جنازتك يا عساف. قرعوا أجراس حزنهم ومشوا وأنت الذي اعتدت أن تمشي معهم من حقل إلى شجرة زيتون... ناصحاً ومرشداً ومساعداً. كلّ رفاقك كانوا هنا حاملين راياتهم الحمراء، وكلّ مقاومتك هنا وأنت الذي لم تخذلها يوماً من زمن «الحكيم» جورج حبش و«الرفيقين» جورج حاوي وجورج نصر الله، إلى زمن السيّد حسن نصر الله. رفاقك في سلاح القلم جاؤوا من كل حدب وصوب، وأنت الذي كان لك «طبعك» الخاص في كتابة جنوبك. فـ«المعمرجي» كامل ترك ورشته وجاء إليك، وأبو قاسم زهرة آخر «المنسحبين» بالقوة من مزارع شبعا المحتلة مشى حاملاً كلّ هموم العمر وزيتونات بسطرة وكلّ المزارع، وخليل زغيب أبى أن يبقى بعيداً عنك في لحظة الوداع، وأم رياض التسعينية تركت سنديانتها وجاءت دامعة، و«جمهور» جمهورية شانوح في مزارع شبعا وصل تاركاً قطعانه تسرح وتمرح على طول «خط» المواجهة في تلال كفرشوبا وبركة شبعا. فلاحو «الوزاني» تركوا حقولهم. كل روّاد «سوق الخان» وصلوا. و«الرفيق» أبو خالد ترك حانوته الصغير في البقاع الغربي وجاء حاملاً راية حمراء صغيرة وهو الذي لم يتعب من المشي و«بكرا راح طل عليك وأنا راجع من بيروت» وكان ينتظر عبورك وارتشاف القهوة معاً و«الحكي» عن زمن مقاوم جميل و«يلا يا عساف صار لازم تكتب شي عن تاريخ المقاومة»، فكنت تبتسم وتقول: «جايي الأيام... بعد ما خلصت المقاومة لاحقين نكتب».أمس، شاع «خبر» عساف أبو رحال. لم يصدّق أهالي القرى في جنوب الجنوب. وحدها رفيقة الدرب، سعاد، وصلتها الرسالة. لم يكن استشهادك بياناً سرياً يوزّع في القرى لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي يوم كانت أم مازن تحتضنه في أسرار فستانها المقدس. وحدها عرفت أن سرّك لم يعد سراً اليوم، وأن رفاقك حملوا النعش ومشوا و«يا ريتك ما رحت على العديسة». لقد جفّ الدمع يا سعاد... أعطي خبزك لمازن ونسرين وجورج، ولا تتطلعي بالصورة المعلقة على جدران الصمت. كان يوماً حزيناً في الكفير الجنوبية، وكانت وجوهاً لم يرها عساف منذ زمن. كانت أجمل السهرات تحكي عن هذه الوجوه، وعن مجد لم يفقد فرحه، وعن مقاومة افتخرت يوماً بأنك أطلقت رصاصاتها الأولى. رحلت باكراً وأنت الذي لم تتعب من الترحال والبحث عن يوم جميل... وعن رفاق غابوا.كان أمس يوم عساف أبو رحال، وكشف كلّ الأسرار المقدسة. وكان يوم سعاد التي أبكت جرس الكنيسة. إنها الكنيسة التي تختزن كل أسرار «قلم الرصاص» ورفاق عبروا... كنيسة لا يعرف سرّها إلا عساف أبو رحال. كل المشاركين أمس لا يعرفون أسرارك، لا أصحاب التمثيل الرسمي ولا حتى الحزبي. وحدها رفيقة عمرك تعرف سرّ أسرارك، فهي الأمينة وحاملة الأمانة من بعدك.. فاترك لها سرّها قد لا تبوح به لأن لا أحد غيرك يعرفه، ويعرف «بريد» صواريخ «الكاتيوشا» ومتى ترسل إلى الرفاق في الأرض المحتلة، وعلى أي درب ستعبر «البغال» محملة ما يسهم في التحرير.

يوم تحرير الجنوب، اقتحمت كلّ السواتر والحواجز ووصلت إلى حاصبيا قبل أن يصل الناس، دخلت إلى مزارع شبعا لتتفقد الصامد الوحيد هناك أبو قاسم زهرة يوم كان لبنان الرسمي لا يدري أو يعلم أن «وطنياً» لبنانياً يعيش هناك وحده صامداً مؤكداً لبنانية المزارع المحتلة. لم تترك «أبو قاسم» بعدما هُجّر من المزارع يوم التحرير الكبير. لاحقته ودوّنت كلّ أخباره بعدما ترك بسطرة وتلالها. لم تنس أبناء «شانوح» ومواجهاتهم اليومية مع الاحتلال في المزارع، ولا «عنزات» محمد عبد العال التي «أسرها» جيش الاحتلال على تخوم المزارع، فأسر أبقاراً «إسرائيلية» لمبادلة قطيعه بها... كتبت كلّ أوجاع الناس هناك ومقاومتهم الصامتة، ولم يكتب أحد عن وجعك ولا تاريخ مقاومتك. الفلاحون هنا يا عساف... قم واكتب عنهم.

خالد صاغية يمكن القول إنّ اللبناني عامّة مشغول اليوم بأربع قضايا: الانتخابات البلديّة، الاستراتيجيّة الدفاعيّة وسلاح المقاومة، العلاقات اللبنانيّة ـــــ السوريّة والملف الاقتصادي الاجتماعي الذي يمثّل مشروع موازنة 2010 عنوانه الأخير. الغريب في الأمر أنه لا أحد من المسؤولين في البلاد يريد لهذا اللبناني أن يُشغل بأيّ من هذه القضايا. ففي ملف الاستراتيجية الدفاعية، تكاثرت الدعوات أخيراً لسحب الملف من التداول، ما دام الأمر يُبحث على طاولة الحوار. لا بل إنّ ثمّة من هدّد بالانسحاب من طاولة الحوار إن استمرّ السجال الإعلامي بشأن السلاح. وثمّة من أراد إعادة توجيه هواجس اللبنانيين من السلاح إلى... المخدّرات! وفي مشروع الموازنة، لم تعجب التعليقات القيّمين على ماليّة الدولة، فأُعلن بصرامة أنّ مجلس الوزراء وحده يمثّل الجهة الصالحة لمناقشة الموازنة واقتراح تعديلات عليها. وقد ترافقت الدعوات لترك الأمور لأصحاب الشأن مع محاولات لاستغباء المواطنين. فوزيرة المال ريّا الحسن التي تريد في مشروعها انتزاع توافق سياسي على الخصخصة تحت مسمّى «إشراك القطاع الخاص»، جاءها الدعم من الوزير عدنان القصّار الذي أعلن ببساطة أنّ «القطاع الخاص لا يبغي الربح، بل همّه مساعدة الدولة». وبالنسبة إلى العلاقات مع سوريا، ثمّة من يذكّرنا يومياً بأنّ الرئيس سعد الحريري يعرف ما يفعله، وأنّه لا أحد يستطيع المزايدة عليه. وفيما عاد زعماء الطوائف إلى عاداتهم القديمة في نسج تحالفاتهم الخاصّة مع سوريا، لا يزال الحريري ينتظر موعداً، ويوفد من حين إلى آخر وفوداً فولكلوريّة إلى دمشق. أمّا الانتخابات البلدية، فكاد الجميع يرفع راية التوافق فيها، بما يعنيه ذلك من إلغاء عمليّ للانتخابات، ولصوت الناس، بعدما جرى التآمر على الإصلاحات في القانون. الخلاصة إذاً: باتت السجالات والنقاشات والتعليقات عبئاً على الأطراف السياسية الساعية إلى إعادة التموضع والحفاظ على الحدّ الأدنى من التوافق في ما بينها. وستكون لذلك انعكاسات شديدة السلبيّة على الفضاء العام. ثمّة من يعيدنا إلى أوائل التسعينيات، مع فارق بسيط هو أنّه ما من جيش سوري أو استخبارات سورية في عنجر للتذرّع بها. القمع من الآن فصاعداً سيكون قمعاً وطنياً خالصاً. قمع باسم المصلحة الوطنيّة العليا. قمع لا يتوسّل القوّة وحدها، ولعلّ هذا أخطر ما فيه.

خالد صاغية «عدّوا معي: من الجنوب أتوا 62 ثانوية من أصل 62، ومن الشمال أتوا 69 ثانوية من أصل 69، ومن الجبل أتوا 76 ثانوية من أصل 76، ومن البقاع أتوا 58 ثانوية من أصل 58، ومن بيروت أتوا إليها 25 ثانوية من أصل 25». هكذا هتف النقابي الذي لا يتعب، حنّا غريب، في اعتصام الأساتذة، أمس. عنوان التحرّك: «استعادة الموقع الوظيفي للأساتذة بإعطائهم سبع درجات». لكنّ الواقع أنّ الأساتذة، بمشهدهم الجميل وتضامنهم النقابي، قد حقّقوا سبع درجات من نوع آخر. الدرجة الأولى: بعد تظاهرات الأعوام الخمس الماضية، إنّها المرّة الأولى التي لا تفوح فيها رائحة الطائفيّة من أيّ تحرّك شعبي. لم يهتف المنظّمون بأسماء الزعماء، ولا بأسماء مناطق يكنّون بها طوائفهم. هتفوا بأسماء الثانويّات. تلك المباني التي يُفترَض أن يخرج منها جيل لبنانيّ جديد. الدرجة الثانية: يقدّم الأساتذة الحزبيّون داخل النقابة تجربة مناقضة للسائد. فلطالما سعت الأحزاب في لبنان لتسخير العمل النقابي خدمةً لأهداف سياسيّة مناقضة أحياناً لمصالح المنتسبين إلى النقابة. الأساتذة يقدّمون مزيجاً رائعاً من العمل الحزبيّ والنضال النقابي. الدرجة الثالثة: يفتح تحرّك أمس كوّة في جدار اليأس من الواقع النقابي في لبنان. فرغم كلّ شيء، ما زالت هناك فئات لبنانيّة تُحرّكها مصالحها المهنيّة، لا عصبيّاتها الطائفيّة. الدرجة الرابعة: يأتي تحرّك الأساتذة في زمن لم يستفق فيه العمل النقابي من صدمة الريغانيّة والليبراليّة الجديدة. ففي العالم، كما في لبنان، استخدمت السلطة كلّ حِيلها لضرب النقابات. ثمّة بؤر بدأت بالتحرّك بعد الأزمة العالميّة الأخيرة. لا تزال بؤراً صغيرة، لكنّ أحلامها ما زالت تهزّ العالم. الدرجة الخامسة: استطاعت الأعوام الأخيرة تغييب أي نقاش اجتماعي ـــــ اقتصادي. هيمَن على المشهد عنوان أو عنوانان سياسيّان جُرّ اللبنانيّون وراءهما. أعاد الأساتذة وضع الملفّ المعيشي على الطاولة. الدرجة السادسة: اعتاد اللبنانيّون الإعالة. الدول تدفع. الزعيم يدفع. والشعب يأكل الفتات. أمس، أعيد الاعتبار لمفهوم الحقّ. الأساتذة رفعوا قبضاتهم لا ليتسوّلوا، بل لينتزعوا حقوقهم من فم الحوت. الدرجة السابعة: استعاد الأساتذة، أمس، الشارع. شوارع المدينة وساحاتها التي صودرت طويلاً. وهذا يكفي كي نحلم بمدينة تستحقّ اسمها.

البرنامج الموسيقي بين «بابل» و«المدينة»الأغنية الصوفيّة التقليديّة التي يؤدّيها منشدون سوريّون الليلة في ضيافة جواد الأسدي، والمتجددة مع بشار زرقان الليلة في ضيافة نضال الأشقر... والأغنية الاجتماعيّة الملتزمة، كما يقدّمها الفنّان اللبناني العائد من عزلته، غداً وبعد غد، في «بابل» مع فرقته «الرحالة»

بشير صفيرصام الفنان الملتزم سامي حوّاط فترة طويلة عن تقديم الحفلات محلياً، ليفطِر على إطلالة رمضانية تختتم موسم مسرح «بابل» البيروتي على مدى ليلتَيْن متتاليتَيْن، غداً وبعد غدٍ. بعد إطلالات معدودة في عام 2008، انكفأ حوّاط عن الساحة الفنية، ليقتصر نشاطه على أعمالٍ مخصّصة للأطفال والتأليف الموسيقي والغنائي للمسرح (آخرها عزف حيّ في مسرحية «رحلة محتار إلى شري نغار» لجلال خوري). وقام الفنان الخمسيني بجولةٍ خارج الحدود، وتحديداً في إسبانيا التي قدّم فيها سلسلة حفلات. ثم ترك الجمهور ينتظر... وها هو الموسم الرمضاني يعيد سامي حوّاط إلى دائرة الضوء، مع فرقته «الرحالة». لكن، هل تكون عودة عابرة؟ ممكن. فحوّاط ترك منطقة رأس بيروت منذ فترة، وهرب من تكاذب المجتمع المديني، إلى صِدق القرية والأرض والبيت القديم في زبدين (قضاء جبيل). هنا يسعى إلى تأسيس مشروعه الخاص بعيداً من بيروت، فهو في طور إنشاء مركز ثقافي، ومسرح صيفي للأطفال. أما «خصوصية شارع المكحول»، فلم تعد تعني له الكثير. أقله في الوقت الحاضر. وكذلك الحراك الثقافي (والنضالي إن وجِد) المحيط بهذا الشارع. قد يكون هذا الرحيل هروباً من الأوهام أو الخيبات.لكن، من دون شك، ثمة حق ضائع لسامي لم يعرف كيف (أو لم يرِد أن) يستردّه. وثمة حقوق لم يعرف كيف يحافظ عليها. هذه مسؤوليته ولو جزئياً. وجاءت بعض التعليقات الصحافيّة حول قدراته الصوتية، لتزيد «في الطين بلّة»! وهل عند سامي أكمل من صوته في كل العناصر المكوّنة لشخصيّته الموسيقية؟ مع الأسف، لقد ظلم الإعلام هذا الرجل مرتَيْن: عندما تجاهله، وعندما تناوله. ربما يكون السبب في ابتعاد سامي عن بيئته في مكانٍ آخر. لكنه كان متوقعاً. فلقد لمَّح فنان الشعب إلى حالات التعب في عددٍ من أغانيه. في «أحد الإخوان» (كلمات محمد العبد الله) مثلاً، حيث يردّد «... لأني تعبان، وإن شئتم قرفان...». ويضاف إلى ذلك، الهزائم التي مني بها اليسار بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وفرار رفاق سامي (مِن فنانين وغيرهم) إلى ضفاف النجاة... أينما وجدت! الكل «دبَّر حالو»، ومَن صمد ولا يزال صامداً كان أقل يأساً أو أشد مناعة وصلابة. أما سامي فرفض التنازل، في الوقت الذي تغلب فيه اليأس على رقته المعهودة، وبساطته الفطرية التي تمنعه من الوقوف في وجه الريح ومحاربتها، أو استغلالها والسير في اتجاهها.في كل هذا، يتحمل الجمهور جزءاً من المسؤولية. ففي كل حفلة يتذمّر بعضهم من الفوضى التي تنزلق إليها السهرة مع سامي، إثر حماسة مفرطة تجرّ البرنامج إلى غير المقرّر تقديمه. هذا حق للجمهور. لكن في كل مرة يحدث ذلك، يكون البادئ هو الجمهور الذي يجد بين صفوفه مَن يستغل طيبة سامي، ويقتحم المساحة الأمامية للقاعة رافعاً الأعلام الحزبية وراقصاً الدبكة، كأن السهرة يجب أن تسير وفقاً إيقاعه الخاص. مِن المؤكد أن تكرار هذه الحوادث، انعكس تذمراً دائماً لدى شريحة من الجمهور، قد يكون وصل جزءٌ منه إلى مسامع الفنان الحسّاس الذي قرّر إرضاء الجميع، قائلاً: «أنسحِب».ليس ما سبق سوى محاولة للاحتفال بخروج فناننا من عزلته الطوعية، وحثه على مواصلة نشاطه وتقديم الجديد بشكل جدّي. فبعد مرحلة أولى في كنف زياد الرحباني (مسرحاً وغناءً)، وتجربة غنائية مستقلة نتج منها ألبومات خاصة مثل «في شي ما شي» و«الرأي العام» و«رحّالة»، لا بدّ لسامي حوّاط من الاستفادة من هذه المسيرة الحافلة، للانطلاق مجدداً في مرحلة جديدة تؤمن له

سيقدّم ثلاث أغنيات من تلحينه وكلمات جلال خوري، أدرجت في العملين الأخيرين للمسرحي المذكور الاستمرارية وتجدّد علاقته بالجمهور، أو بالفن أولاً.في إطلالته الرمضانية، سيقدم سامي حوّاط بعضاً من قديمه، وثلاث أغنيات من كلمات جلال خوري، كان قدّ لحنها حوّاط لعملَيْن مسرحيّيْن للأخير هما «الطريق إلى قانا» و«رحلة محتار إلى شري نغار»، إضافة إلى أغنية «ملّا مرا» (كلمات جورج يمين) ومقطوعتَيْن موسيقيتَيْن هما «حتى ولو كان» و«ما أوّل عَ آخر»، وغيرها... هكذا إذاً، يأتي برنامج أمسيتَيْ سامي حوّاط المقبلتين، على غرار أي حفلة له، مع العلم بأنه كان من المتوقّع أن يفرد المساحة الكبرى للمقطوعات ذات الطابع الصوفي التأملي من أسطوانة «رحالة» (يقدّم منها مقطوعة واحدة). أما فرقة «الرحالة» التي سترافق حوّاط في «بابل»، فتتألف مِن وفاء البيطار (قانون)، أحمد الخطيب (رقّ وإيقاعات)، طوني جدعون (كمان)، رمزي أبو كامل (غيتار)، رائد أبو كامل (كلارينت وناي)، فؤاد أبو كامل (باص)، ويشارك في الغناء كورس مؤلف من جوليا ساموتي وريّا وفدا مراد.بين الافتتاح مع زياد سحّاب والختام مع سامي حوّاط، قُدِّر هذه السنة لنشاط مسرح «بابل» الرمضاني أن تطوّقه من الجانبَيْن اللحى... العلمانية! لكن هذه التظاهرة الفنية المنفتِحَة على الطوائف والمعتقدات، لم تمنع أحد أزقة بيروت من أن يكون له رأيٌ آخر.
 لجنة المال والموازنة تفتح اليوم الملف النقدي لأول مرّة

تعقد لجنة المال والموازنة النيابية جلسة مغلقة عند الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم الثلاثاء، هي الأولى من نوعها، إذ دعا رئيسها النائب إبراهيم كنعان كلاً من وزيرة المال ريا الحسن وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى حضورها لإطلاع النواب على أهداف السياسة النقدية وأدواتها وتوضيح الأسباب التي دفعت الطرفين إلى مراكمة فائض هائل في حساب الخزينة... كذلك سيجري البحث في إصدارات سندات الخزينة وشهادات الإيداع وأسعار الفوائد المدفوعة عليها. وبات معروفاً أن ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف المحلية أصبحت تبلغ نحو 11700 مليار ليرة، منها نحو 8700 مليار ليرة في حساب الخزينة، وقد نتج هذا الفائض من إصدارات متتالية لسندات الخزينة بما يفوق الحاجات التمويلية لتغطية العجز، بهدف امتصاص فائض السيولة لدى المصارف، وهذا يخالف أحكام الدستور والإجازة الممنوحة من المجلس النيابي للاقتراض ضمن سقف لا يتجاوز قيمة العجز في الموازنة. وجلسة المال والموازنة استثنائية في موضوعها، ولا سيما أن المجلس النيابي لم يستدع حاكم مصرف لبنان طوال السنوات الماضية لاستيضاحه أو مساءلته، ما ترك انطباعاً عن أن المجلس لا يقوم بواجباته الدستورية في مواجهة مسائل تنامي الدين العام وارتفاع أسعار الفائدة وعدم وجود أي سقف لتدفقات الودائع، فضلاً عن طغيان الأولويات النقدية على كل الأولويات الأخرى التي تتبناها الحكومة والتي أعطى المجلس النيابي ثقته للحكومة على أساسها. وتزداد أهمية هذه الجلسة في ظل المساعي المستمرة للتوصل إلى توافق سياسي يستبق تقديم مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء، هذا المشروع الذي تأخّر تقديمه وإحالته على المجلس النيابي أكثر من شهر عن الموعد المحدد في البيان الوزاري، وأكثر من 4 أشهر عن موعد تقديمه الدستوري... كذلك تزداد أهميتها الآن بعد الجلسة التي عقدتها اللجنة منذ فترة وجرى فيها إسقاط اقتراح النائب كنعان بوضع منهجية مكتوبة لعمل هذه اللجنة في إطار مناقشة مشروع الموازنة المنتظر، إذ أصر أعضاء اللجنة على اعتماد التزامات شفهية من وزير المال تقضي بإحالة المشروع بصيغة منسجمة مع أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية لجهة التزام شمولية الموازنة وسنويتها وعدم تضمينها أي بنود إدارية أو ضريبية أو تعديلات قانونية تحتاج إلى مشاريع قوانين منفصلة. على أي حال، انقضى يوم أمس من دون أن يسلّم الوزراء أي دعوة لجلسة استثنائية للحكومة مخصصة لمناقشة مشروع الموازنة، علماً بأن الوزيرة ريا الحسن كانت قد أعلنت في الأسبوع الماضي أنها سترفع المشروع إلى رئاسة مجلس الوزراء في مطلع هذا الأسبوع في حد أقصى. وبحسب المعلومات المتاحة، فقد تواصلت الاجتماعات بين فريق الرئيس سعد الحريري وممثلين عن حزب الله وحركة أمل للاتفاق على صيغة للمشروع تسمح بإمراره، وقالت مصادر مطّلعة إن النقاش بات في مراحله الأخيرة، من دون أن يعني ذلك أنه جرى التوصّل إلى توافق شامل، إذ إن الرئيس الحريري وضع خيارات محددة: زيادة الضرائب على الاستهلاك أو السير بخصخصة الاتصالات والكهرباء! وهو لا يزال يرفض إخضاع مشروعه للتصويت في مجلس الوزراء، على الرغم من أنه سيحظى بأكثرية الثلثين، بذريعة أن ذلك سيُظهره مع بعض القوى السياسية كأنهم ضد مصالح الفقراء ومتوسطي الحال، فيما سيسمح لبعض القوى بإطلاق حملات «مزايدة» على الحريري قد تصل إلى حد النزول إلى الشارع لإحراجه. وأشارت هذه المصادر إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يزال عند موقفه الداعي إلى مسايرة سعد الحريري وإمرار مشروع الموازنة بهدوء، ولو تطلب ذلك التصويت لمصلحة زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% لا إلى 15%. وفيما حزب الله لا يزال يرفض مثل هذا الإجراء الضريبي، إلا أنه لا يريد أن يذهب إلى معركة مفتوحة مع تيار المستقبل تحت هذا العنوان، أي إنه قد يصوّت إلى جانب وزراء التيار الوطني الحر ضد زيادة الضريبة على القيمة المضافة من دون أن يعمل على عرقلة إقرارها إذا توافرت الأكثرية المطلوبة في مجلسي الوزراء والنواب، تماماً كالموقف الذي اتخذه في شأن التعيينات الأخيرة، إذ عارضها وزراء التيار جبران باسيل وشربل نحاس وفادي عبّود وامتنع عن التصويت وزيرا الحزب محمد فنيش وحسين الحاج الحسن، فيما توافرت أكثرية الثلثين لإمرار هذه التعيينات بواسطة وزراء حركة أمل ووزير حزب الطاشناق، وقد بدا الجميع غير مفاجَئين بكيفية توزيع الأصوات، ما أوحى أن الأمر كان مدروساً ومنسّقاً بهدف زرع الطمأنينة في نفس الرئيس الحريري

اللواء أشرف ريفي يعطي توجيهاته (أرشيف ــ مروان طحطح)لم يعد اللواء أشرف ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وحسب، بل أصبح منذ اليوم حائزاً، وحده، صلاحيات مجلس قيادة المديرية، بعد إحالة أربعة من أعضائه على التقاعد. لم يعد مديراً عاماً، بل تحول إلى أمبراطور

حسن عليق منذ فجر اليوم، بات اللواء أشرف ريفي الحاكم الأوحد للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. هو المدير العام الذي يحوز صلاحيات مجلس قيادة المؤسسة الذي لن ينعقد مجدداً، بانتظار صدور مرسوم تعيينات للشواغر فيه. ما تغيّر أمس هو إحالة عضو رابع من المجلس على التقاعد. فبعد العمداء سمير قهوجي (رئيس وحدة الخدمات الاجتماعية) وأنور يحيى (قائد الشرطة القضائية) وسيمون حداد (المفتش العام)، خرج من السلك الأمني، فجر اليوم، قائد معهد قوى الأمن العميد عبد البديع السوسي. وبحسب قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي (17/90)، تنتقل صلاحيات المجلس إلى المدير العام، لأن الأول لم يعد قادراً على الاجتماع بسبب فقدانه النصاب المتمثل في ثمانية أعضاء من أصل أحد عشر. في الأصل، لن يتغيّر الكثير في المديرية. فالمجلس قلما انعقد خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب الانقسام العمودي الذي أصابه منذ بداية عام 2007، تبعاً للانقسام السياسي في البلاد. حينذاك، اعتكف عن حضور اجتماعاته العميدان (رئيس جهاز أمن السفارات) عدنان اللقيس و(رئيس وحدة الإدارة المركزية) محمد قاسم. وبعد أشهر، لحق بهما زميلهما قائد الدرك العميد أنطوان شكور. أسباب المقاطعة يمكن تلخيصها بمشكلة رئيسية: «شعبة» المعلومات وقانونيتها وصلاحياتها وأداؤها. أضف إلى ذلك سيلاً من الاعتراضات التي يطلقها العميد أنطوان شكور على أداء المدير العام وفريقه في المديرية. مع ذلك، استمر المجلس بالانعقاد، لكن بنصاب الحد الأدنى (8 من 11). وبعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في أيار 2008، طلب الرئيس من أعضاء المجلس العودة إلى عقد اجتماعاتهم، وفتح صفحة جديدة من العمل المشترك. استجاب الضباط، من دون أن تؤدي اجماعاتهم إلى أي تغيير في القضايا الأساسية المثيرة للخلاف. وأمام هذا الواقع، حاول وزير الداخلية زياد بارود دفعهم إلى القيام بدورهم. طلب منهم إجراء مناقلات عامة للضباط، وهو ما لم يكن قد حصل منذ عام 2005، إذ كان الضباط ينقلون من مواقعهم بأوامر فصل يصدرها المدير العام، وتسري لمدة 3 أشهر، على أن يمددها مجلس القيادة بعد انقضاء هذه المدة لإبقاء الضباط في مواقعهم الجديدة. كذلك طلب الوزير من المديرية تسوية الوضع القانوني للقطعات المستحدثة، أي «شعبة» المعلومات و«قسم» مكافحة الإرهاب، و«شعبة المرور» و«مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية والأدبية». والطلب الأخير هو الاسم الحركي لبتّ المصير القانوني لفرع المعلومات المتضخم منذ عام 2005، الذي حُوّل إلى شعبة من دون تعديل النصوص القانونية اللازمة لذلك. حينذاك، اجتمع مجلس القيادة. وظهر إلى السطح، للمرة الأولى، الخلاف الحقيقي بين ريفي وفريقه من جهة، ورئيس هيئة الأركان العميد جوزف الحجل. فالأخير، وقف في صف معارضي ريفي (شكور واللقيس وقاسم)، وإلى جانبهم المفتش العام العميد سيمون حداد. خمسة أعضاء من أصل 11 عضواً باتوا ضد اقتراح ريفي تحويل فرع المعلومات إلى شعبة. وعندما عُرض الاقتراح على التصويت، انضم إلى المعترضين قائد القوى السيارة العميد روبير جبور. بالضربة القاضية سقط اقتراح «الشعبة»، ومعها، اقتراح تمديد فصل الضباط، فباتت غالبية ضباط قوى الأمن الداخلي موجودة في مواقعها الجديدة من دون سند قانوني، وهي لا تزال كذلك منذ بداية عام 2009، رغم أن ريفي أصدر قراراً بتمديد الفصل، «بقوة استمرارية المرفق العام»، بحسب أوساطه، علماً بأن قانونيين يؤكدون بطلان هذا الإجراء. أما «شعبة» المعلومات، فبقيت أمراً واقعاً، كجهاز أمني شديد الفاعلية عند توافر القرار، ومثير للجدل في الوقت عينه بسبب الطعن في شرعيته القانونية، مع استمرار توسعه وتعزيزه بالعديد والعتاد والتدريب. بعد ذلك، ومع اقتراب موسم الخروج من مجلس القيادة (أول المحالين على التقاعد كان العميد سمير قهوجي)، ومع استمرار «لاقانونية» قرارات الفصل، وصلت الأمور داخل المديرية إلى حد الانفجار، في تشرين الثاني 2009. فقائد الدرك العميد أنطوان شكور اتخذ قراراً بفصل اثنين من ضباط وحدته، الأمر الذي رأى فيه المدير العام تعدّياً على صلاحياته (الشكوى متبادلة في هذا الإطار). طالب ريفي شكور بالتراجع عن القرار، وبتنفيذ قرارات كان المدير العام قد أصدرها وتمنّع قائد الدرك عن تنفيذها بسبب عدم أخذ رأيه فيها. لم ينفذ شكور، فأصدر ريفي قراراً بمعاقبته بسجنه في منزله، خلافاً لرأي وزير الداخلية زياد بارود. فريق المعارضة السابقة وقف خلف شكور، وخصوصاً بعدما أوعز ريفي إلى سرية من القوى السيارة بالتمركز على باب ثكنة المقر العام في الأشرفية، لمنع قائد الدرك من دخول مكتبه. وكان قرار المعارضة أن يحضر شكور في اليوم التالي إلى مركز عمله برفقة العميدين عدنان اللقيس ومحمد قاسم. وصلت المديرية إلى شفير الاشتعال، فتدخل العماد ميشال عون الذي لجأ إليه ريفي، متخطّياً وزير الداخلية من ناحية، وليُبعد حزب الله وحركة أمل عن أي حل عبر وضعه في عهدة زعيم مسيحي يمكنه التفاهم مع شكور. «فَرَضَ» عون حلاً أرضى الطرفين اللذين تراجعا قبيل بزوع فجر الاصطدام، وعادت المديرية إلى سابق عهدها: مجلس قيادة لا يجتمع إلا بقدرة قادر، وشكاوى من مخالفة القوانين في إدارتها وبعض قطعاتها، وتدخل سياسي حتى الأذنين في كل شاردة وواردة. ومنذ ذلك الحين، وضعت أكثر من صيغة للحل. الطرح الأبرز كان التغيير الشامل في مجلس القيادة، قبل الانتقال إلى صيغة التغيير الجزئي أو الاكتفاء بملء الشواغر التي ازدادت يوماً بعد آخر، حتى وصلت اليوم إلى أربعة مقاعد من أصل 11، الأمر الذي عطّل مجلس القيادة كلياً. لكن أياً من صيغ الحل لم تبصر النور، إذ إن الحكومة الحالية ومكوناتها عاجزة عن التوافق على أصغر مشروع في البلاد، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى حدود تقاسم قالب التعيينات الإدارية والأمنية. فشلت كل الحلول، لتنتهي المديرية اليوم في قبضة اللواء أشرف ريفي، ومن خلفه فريقه السياسي، وهو ما كانت تشكو منه قوى المعارضة السابقة، رغم أنها كانت تملك ما يشبه «الثلث المعطّل» داخل مجلس القيادة. فريق ريفي يبدو مسروراً بالنتيجة، إلا أنه يؤكد أن «المتربع على عرش» المديرية لن يستخدم صلاحياته الجديدة إلّا في الحالات الطارئة الاستثنائية. وفي المبدأ، ثمة قراءة قانونية لوزير الداخلية ترى أن الصلاحيات لا تنتقل إلى المدير العام إلّا في الأمور الطارئة، من باب نية المشترع ضمان استمرار المرفق العام لا أكثر.

 

وقبل أربعة أيام، أعدّ بارود مشروع مرسوم يتضمن ملء الشواغر في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، ووقّعه قبل أن يحيله على رئاسة مجلس الوزراء. ويتضمن مشروع المرسوم الأسماء الآتية: العميد لحّود التنوري رئيساً لوحدة الخدمات الاجتماعية (ماروني، خلفاً لقهوجي). العميد روجيه سالم مفتشاً عاماً (كاثوليكي خلفاً لحداد). العميد صلاح عيد قائداً للشرطة القضائية (درزي، خلفاً ليحيى). العميد إبراهيم بصبوص قائداً للمعهد (سنّي، خلفاً للسوسي). مقرّبون من رئيس الحكومة سعد الحريري يؤكدون أنه لن يوقع المرسوم المذكور حالياً، لا اعتراضاً على أسماء المقترَحين الذين يحظون بتوافق سياسي، بل لأنه مقتنع بوجهة نظر الثنائي أشرف ريفي ـــــ وسام الحسن. ووجهة النظر تلك مبنية على ضرورة «ابتزاز الطرف الآخر كما كان يبتزّنا، وعدم السير إلّا بالحل الذي نريده». وما يريده الفريق الأمني لرئيس الحكومة هو إقالة العميدين أنطوان شكور وجوزف الحجل واستبدالهما بـ«أي كان، لأن التعايش معهما بات مستحيلاً». وفي محاولة لتوفير إجماع على ذلك، حاول الفريق ذاته تحييد حزب الله وحركة أمل عن معركة التعيينات في مجلس القيادة، عبر القول إنه «لا مشكلة لدينا في إبقاء العميدين الشيعيين في مكانهما». لكن هذه «الترضية» لم تؤت ثمارها مع الحزب والحركة، وخصوصاً أنها لا ترضي حلفاءهما المسيحيين الذين يرون أن شكور والحجل لم يقوما بما يسوؤهما خلال السنوات الماضية، «وكانا، بالتأكيد، أقل مخالفة للقانون من الفريق الآخر». ويستغرب الفريق ذاته نقمة ريفي على الحجل، رغم أن الأخير كان قد جارى فريق تيار المستقبل في المديرية طوال الأعوام الخمسة الماضية، ولم يرفع الصوت في وجهه قبل عام 2008. وللتذكير، فإن الجحل عمل منذ عام 2005 منسّقاً بين قوى الأمن الداخلي ولجنة التحقيق الدولية، بحكم المعرفة بينه وبين الرئيس الأول للجنة الألماني ديتليف ميليس، وهو الذي طالب النائب وليد جنبلاط قبل ثلاثة أسابيع بتعيينه في مركز إداري ما إذا تقررت إزاحته عن موقعه الحالي. ولا يجد فريق المعارضة السابقة تفسيراً لـ«النقمة على الحجل سوى أن الفريق الأمني لرئيس الحكومة يرفض أي اعتراض على سياساته، ولو أنها أتت من أقرب حلفائه». ويرى المعارضون لريفي أن الأخير يعرف التوازنات جيداً، وبالتالي، فإنه لن يتجاوز الخط الأحمر في ممارسة صلاحياته، «وفي الأصل كان قد صادَر معظم صلاحيات مجلس القيادة من دون حسيب أو رقيب»، على حدّ قول أحد السياسيين المعارضين، الذي يختم بالقول: «لا مبرر لرئيس الحكومة لعدم توقيع مشروع المرسوم، وخصوصاً أن الأسماء تحظى بتوافق سياسي واسع، إلا إذا أراد فعلاً تحويل قوى الأمن الداخلي إلى ميليشيا تابعة لفريقه».

«ليس في المدينة الفاضلة»

اعتاد أشرف ريفي التعرّض للنفي طوال مسيرته الأمنيّة. لكنه اليوم متيقّن من أنه باقٍ في مركزه، رغم اشتداد الضجيج حول اسمه، «لأن سعد الحريري، مهما ضغطت عليه سوريا، لن يتخلى عن فريقه الأمني والقضائي والسياسي». المرة الأولى التي نُفيَ فيها كانت في عام 1990، عندما خرج رئيس الحكومة سليم الحص من الحكم. كان ريفي رئيساً لسرية الحرس الحكومي. نُفي إلى الإدارة المالية، قبل انتقاله طوعاً إلى المديرية العامة لأمن الدولة. إلى جانب الحص، خضع ريفي للدورة السياسية الأساسية في حياته. كان رئيس الحكومة الذي خَلَف الرئيس الشهيد رشيد كرامي أحد الشهود على ولادة اتفاق الطائف، وأحد قادة معركة «الشرعية» ضد «تمرد» العماد ميشال عون في بعبدا. كانت مهمة ريفي الحفاظ على حياة الحص، والمساهمة في تحقيق التواصل مع البعثات الأجنبية لمواجهة عون. ابن العائلة الطرابلسية التي تعيش على الحد الفاصل بين الفقر والاكتفاء، خَبرَ مواجهة العسكر منذ ما قبل دخوله المدرسة الحربية في عام 1973. كان والده صاحب مطحنة في عاصمة الشمال، ناشطاً في حزب البعث العربي الاشتراكي منذ ما قبل انشقاقه. وبعد فصل الشقيقين في العراق وسوريا، بقي أحمد ريفي أقرب إلى عبد المجيد الرافعي، أبرز وجوه البعث العراقي في الشمال. دخل ريفي المدرسة الحربية بعدما فشل شقيقه في ذلك. ما سمح لابن «الأمّة العربية الواحدة» بدخول قدس أقداس نظام ما قبل الحرب الأهلية. رفاقه في الحربية يمسكون اليوم بمفاصل المراكز الأمنية في البلاد: قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير الاستخبارات إدمون فاضل، والمدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني، ورئيس جهاز أمن السفارات العميد عدنان اللقيس. لكن أقرب رفاقه إليه في تلك المرحلة كان زميله السابق اللواء علي الحاج. والأخير هو من فتح له، في عام 1994، باب الدخول إلى فريق الرئيس المغدور رفيق الحريري. لم يكن ذلك اللقاء الأول بينه وبين الحريري. كان قد التقاه نهاية الثمانينيات خلال مرافقته الرئيس الحص لزيارة الملك السعودي فهد بن عبد العزيز. حينذاك، عرض الشيخ رفيق أحد قصوره في بيروت ليضعها بتصرف دولة الرئيس الحص لكن الأخير رفض مغادرة منزله المتواضع الذي لا يزال فيه. في عام 1992، كان اسم ريفي على رأس لائحة المرشحين لتسلم رئاسة سرية الحرس الحكومي إلى جانب الحريري، إلا أنه «فشل في امتحان الولاء، لأنه كان محسوباً على الحص»، ففاز صديقه علي الحاج بالمنصب. لكنه كان على موعد مع الرئيس الثالث بعد عامين. حينذاك، حصلت تسوية بين الحريري واللواء غازي كنعان على منح الأول جهازاً أمنياً يمدّه بالمعلومات، فزكّى علي الحاج زميله أشرف ريفي لدى الحريري، لتسليمه رئاسة فرع المعلومات. لم يكن الضابط الطرابلسي ليقبل لولا تشجيع الحاج له، وسرعان ما صار واحداً من أفراد الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الحكومة، وكان يلتقيه ثلاث مرات أسبوعياً. أدّى دور ضابط الارتباط بين الحريري والأمن السوري، ممثلاً بغازي كنعان ورستم غزالي الذي يصف ريفي علاقته بهما بأنها كانت قائمة على «الاحترام المتبادل». استمر على المنوال ذاته حتى عام 1998، حين تلقى درسه الثاني في السياسة. حاول استثمار موقعه خارج الإطار المرسوم سورياً، عبر أداء دور في الانتخابات البلدية، فتعرضت دورياته في الشمال للتوقيف على يد الجيش. ومع خروج الحريري من الحكم، نفي ريفي للمرة الثانية. ورغم كونه برتبة عقيد، عُيِّن في مركز يشغله عادة ضابط برتبة ملازم أول، في معهد قوى الأمن الداخلي في القبة. صلته بالحريري لم تنقطع، بل توطدت لأن الرئيس السابق للحكومة صار أقل انشغالاً. وبعد عودة الحريري «المظفرة» إلى الحكم في عام 2000، وضع السوريون فيتو على عودة ريفي إلى فرع المعلومات، فاختار قسم المباحث الجنائية الخاصة. بقي كذلك إلى أن حان موعد الخروج الثاني للحريري من الحكم في عام 2004. ومعه، نُفي للمرة الثالثة إلى المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي. وبعد اغتيال الحريري، عيّنه وزير الداخلية سليمان فرنجية منسّقاً مع لجنة تقصي الحقائق التي كان يرأسها المحقق الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد، بسبب ثقة آل الحريري به. وهؤلاء، اختاروه بلا تردد لقيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعد بدء تفكيك تركيبة «النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك». يعرف ريفي جيداً حجم الدعم السياسي المتوافر له، فيستثمره حتى النهاية. بنى من خارج القانون قطعات حققت نقلة نوعية في الأمن اللبناني، إلا أنها أدت دوراً سياسياً وأمنياً مثيراً للريبة والجدل. حمى مطلوبين للعدالة في بلاد يحلو له أن يقول إنها ليست مدينة فاضلة، ولا يلاحق آخرين إلا متى تيقّن من أنهم انقلبوا على تياره السياسي. وأبعد من هذه وتلك، تخطّى وزير الداخلية حين رأى ذلك ضرورياً. أبرز ما اتصف به خلال السنوات الماضية، فضلاً عن دماثته، سعيه إلى عدم قطع صلته بأي طرف سياسي. وقبل أحداث أيار 2008، حاول تجنيب البلاد ما جرى عبر نصح رئيس الحكومة بعدم الإقدام على قرارات الخامس من أيار. ثمة ما تغيّر في أشرف ريفي هذه الأيام. يبدو أقرب إلى المحارب المستعد لأن يصل إلى النهاية مع خصومه منه إلى الأمني الذي يجيد نسج العلاقات السياسية. وعندما يُسأل عن ذلك لا ينفي، مكتفياً بالقول «إن المرحلة شديدة الحساسية».

عدد الجمعة ٨ تشرين الأول ٢٠١٠

الأكثر قراءة