سياسات من عرض البحر

حين فُرضت الضريبة على القيمة المضافة للمرّة الأولى في لبنان، ارتفعت أسعار سلع أساسيّة بطريقة لم تخطر في البال. سندويش الفلافل الذي كان يباع بألف ليرة، ارتفع فجأة إلى ألف ومئتين وخمسين ليرة. المنقوشة التي كانت تباع بمئتين وخمسين ليرة، ارتفعت إلى خمسمئة ليرة. زيادة في الأسعار كلّفت متقاضي الحدّ الأدنى للأجور نسبة مئوية لا بأس بها من رواتبهم. ينبغي القول إنّ الكثير من المواد الغذائيّة معفاة من الضريبة على القيمة المضافة: الأرز، السكر، الطحين، الخبز... إلخ. لكنّ موادّ أساسية أخرى غير معفاة، فيما الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، اللؤلؤ والماس والذهب والفضّة، كلّها معفاة من الـTVA، وكذلك وسائل النقل الجوّي، سواء المستعملة لنقل البضائع أو الأشخاص، فضلاً عن اليخوت والمراكب الأخرى وزوارق النزهة أو الرياضة العائدة لغير اللبنانيّين! سيرتفع إذاً سعر فنجان القهوة مع الـTVA، أمّا مستهلكو اليخوت فلن تثقل الدولة على ميزانيّاتهم، بل ستتركهم يتمتّعون بمشاوير البحر بحُريّة وبأسعار تشجيعيّة. فالدولة تشجّع البذخ، حتّى تتمكّن من التقاط صور تذكاريّة لجذب السيّاح. وما دام المتحكّمون في السلطة هم من أصحاب اليخوت أو من أصدقائهم ـــــ وليسوا من أكلة الفلافل ـــــ فإنّهم لن يعيروا انتباهاً كبيراً للدراسة التي أُعدّت بناءً على طلب وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي لاقت انتشاراً في الإعلام في الآونة الأخيرة. لقد أظهرت الدراسة أنّ نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات في اليوم للفرد) سترتفع من 28% إلى 35% و47% تباعاً، إذا ما رُفعت الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% و15%. الأستاذان في الجامعة الأميركية اللذان أعدّا الدراسة، نسرين السلطي وجاد شعبان، انتبها إلى مسألة أخرى، هي تركُّز نسبة كبيرة من الأسر اللبنانية حول خط الفقر. صحيح أنّ 28% من الأسر تحت الخط، إلا أنّ عدداً كبيراً من الموجودين فوقه، إنما يسكنون بجواره، ينتظرون قشّة تقصم ظهر البعير، حتّى يصبحوا مصنّفين رسمياً من الفقراء. التوجّهات المطروحة من رئاسة الحكومة ووزارة المال في الموازنة المقبلة، ومنها زيادة الـTVA، هي تلك القشّة. وهي قشّة يعبث بها من يقودون يخوتهم في عرض البحر، على مسافة أميال من خطوط الفقر التي سيغرق تحتها قرابة نصف اللبنانيّين خالد صاغية
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة