سياحة واصطياف

خالد صاغية منذ زمن بعيد، تُشَنّ حملات علنيّة وغير علنيّة على قطاعَيْ الزراعة والصناعة في لبنان، بحجّة أنّ بلادنا جنّة على الأرض، وينبغي تالياً التركيز على الخدمات والسياحة دون غيرهما. فمن تراه سيتكبّد عناء بناء مصنع، وتوظيف عمّال، وتحمّل مخاطر الفشل والبحث عن أسواق، ما دام بإمكانه بقليل من حسن الضيافة، أن يجني ما شاء من الأموال. كذلك مجنون من سينفق أيّامه منتظراً أشعّة الشمس وأمطار الشتاء كي يُنبت زرعاً لن يجد من يشتريه. نظريّات كاملة جرى الترويج لها كسياسة رسميّة يمكن اختزالها بكلمتين: سياحة وخدمات. وتماماً كما جرى نفخ أرقام المتظاهرين في الأعوام السابقة، بدأ التباري في تضخيم ما ينبغي أن يجذبه البلد من سيّاح. يتبجّح وزير برقم المليون سائح، ويبشّر بمليونين في العام المقبل، فيما يزايد عليه نائب مطالباً بثمانية ملايين... وكلّ ذلك «ماشي»، و«ولا يهمّك». لكن، هلّا توقّفنا قليلاً عند نوع الخدمات التي نقدّمها؟ هل كان علينا أن ننتظر هذا «المغامر» الشاب حتّى نكتشف أنّ بإمكان أيّ منّا أن يقوم برحلة على جناح إطار طائرة من دون أن يكشفه أحد؟ وأنّ المطار والسلامة فيه باتا جزءاً من المحاصصة والفساد واللهاث وراء الربح السريع؟ لقد انحصر همّ السلطة في إتمام صفقة بناء المطار، وفي الصراع على تسميته. أمّا حجمه، وشكله، وضمان سلامة المسافرين، فلا أحد يكترث لها ما دامت خارج البازار السياسي. لنضع المطار جانباً. اللبناني المضياف يريد أن يبني فنادق على شواطئ البحر. وهو يعتقد أنّ هواء «الساحل الفينيقي» كفيل وحده بجذب السيّاح، حتّى لو كانت معايير تصنيف الفنادق خاضعة للشطارة اللبنانيّة ليس إلّا. وغالباً ما تكون هذه المعايير على المواقع الإلكترونيّة مختلفة تماماً عمّا تجده على أرض الواقع. لنضع الفنادق جانباً، ولننتقل إلى مفخرة الخدمات اللبنانية، أي القطاع المصرفي. كيف لا، ولبنان لا يكفّ عن الاحتفال بالجوائز التي ينالها «الصيرفيّ الأوّل في العالم». لكنّ كلّ هذه الجوائز، وكلّ الأرباح السنويّة الخياليّة، لم تحفّز المصارف على تقديم الحدّ الأدنى المقبول من الخدمات. حاولْ أن تحصل على بطاقة ائتمان، ستكتشف لائحة من الرسوم هي أشبه بالسرقة العلنية. حاول أن تسحب أموالاً من صرّاف آليّ غير تابع لمصرفك، سيُحسم من حسابك مبلغ مجهول من دون إنذار. حاول أن تسحب أموالاً من فرع غير فرعك الأساسي، ستكون كمن يطلب خدمة مستعصية تتطلّب مجموعة من الاتصالات كأنّ الكمبيوتر الموجود أمام الموظّف عاجز عن المساعدة... حين يأتي السيّاح إلى لبنان، نعرف تماماً ماذا يجذبهم. إنّه تحديداً غياب سطوة جهاز الدولة. أمّا حين يغيبون، فلا تلوموا اليونيفيل!

عدد الثلاثاء ١٣ تموز ٢٠١٠ |
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة