عمر نشّابة قالوا: «اعترف الرجل بارتكابه جريمة القتل المروّعة... إنه القاتل! ردّة فعل الناس طبيعية» وصمتوا قليلاً ثمّ أضافوا «لكنها غير قانونية... طبعاً طبعاً غير قانونية». بعض الضبّاط أكّدوا ذلك خلال الدقائق الاولى التي تلت بثّ وسائل الإعلام المرئية أمس شريطاً مصوّراً عرضت فيه مشاهد من بلدة كترمايا لا تقوى الكلمات على وصف بشاعتها. ومنذ ما بعد الظهر صارت تلك الكلمات جزءاً من اسطوانة المسؤولين في الدولة تعليقاً على الحادث. وبذلك جدّد هؤلاء الضباط وغيرهم من المسؤولين الرسميين انتحال صفة المدعي العام وقاضي التحقيق ورئيس محكمة الجنايات عبر إصدار ما اعتُبر حكماً مبرماً بحقّ محمد سليم مسلم. وتبعت ذلك أمس أعمال وحشية لا مثيل لها إلا في دول تحكمها شريعة الغاب، إذ بادر حشد من الناس، بوجود رجال بزيّ قوى الامن والجيش والشرطة البلدية، الى سحل الشاب المشتبه فيه والتنكيل بجثته قبل تعليقها على عمود كهرباء في وسط بلدة كترمايا. المديرية العامة لقوى الأمن كانت قد وزّعت بياناً قبل وقوع ذلك بساعات قليلة (الساعة التاسعة والنصف صباحاً) جاء فيه أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أبلغ وزير الداخلية بأن «فصيلة درك شحيم قد أوقفت أحد المشتبه فيهم، وتمكنت من ضبط سكين وقميص عليها آثار دماء عُثر عليهما داخل منزله، ويقوم مكتب المختبرات الجنائية التابع لقسم المباحث العلمية في وحدة الشرطة القضائية بتحليل الـ دي أن إيه (DNA) لمقارنة دماء الضحايا ببقع الدماء الموجودة على الأدلة المضبوطة، وذلك تحت إشراف القضاء المختص». لا يخفى استعجال قوى الأمن التباهي بـ«إنجازها» على أحد، لكن لماذا أغفل كاتب البيان قرينة البراءة، علماً بأن الرجل يعمل في مسلخ للأبقار وقد يكون السكين من أدوات المهنة؟ لماذا استعجال عرض العضلات؟ ولماذا لم تحذّر «شعبة المعلومات» (غير القانونية) التي يتباهى بقدراتها اللواء والعقيد من احتمال وقوع الحادثة التي أذلّت الدولة والقضاء ولبنان واللبنانيين جميعاً؟ أين مديرية الاستخبارات في الجيش؟ أين الاستقصاء وقبضايات الدولة؟ جال أمس احد الزملاء في بلدة كترمايا سائلاً الناس عن دوافع الجريمة، فأجابوا: «لا نعرف لكن قوى الأمن تعرف». وصدر بيان مساء أمس أعلن فيه المدير العام لقوى الأمن اتخاذ إجراءات مسلكية بحق عدد من الضباط والعناصر «لخطأهم الجسيم في سوء تقدير الموقف الميداني، ولعدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمشتبه به في هذه الجريمة». لكن لم يفتح تحقيق مسلكي أو قضائي بشأن إفشاء معلومات تتعلّق بما أدلى به المشتبه فيه للمحققين. ألا يرى المدير العام ذلك، بالحدّ الأدنى، تجاوزاً لسرّية التحقيق يعاقب عليه القانون؟ أما بخصوص احتمال توظيف ما سرّب الى الناس لتحريضهم على القيام بما قاموا به، أفلا يفترض فتح تحقيق قضائي معمّق؟ «اعترف الرجل بارتكابه جريمة القتل المروّعة... إنه القاتل!» لكن لن يسمح وضع جثّته المشوّهة للطبيب الشرعي بإثبات ما إن كان قد تعرّض للتعذيب أثناء التحقيق معه. ألا تدفع قسوة التعذيب أي أحد إلى الاعتراف بأي فعل؟ قتل حشد من الناس محمد سليم مسلم، وقتلوا معه العدالة وهم يفاخرون بتحقيقها. لم توقف النيابة العامة أحداً حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، ولم يصدر عنها أو عن وزارة العدل ما يوازي حجم الجريمة وبشاعة الصورة المذلّة للبنان وللدولة ومؤسساتها.