Hiba Awar

Hiba Awar

لم تمرّ الحلقة الأخيرة من البرنامج الذي تعرضه «سي. بي. إس» الأميركية مرور الكرام. المذيع بوب سايمون كشف أنّ السفير الإسرائيلي حاول الضغط لمنع عرض الحلقة التي تتناول مأساة أقلية مهدّدة بالانقراض على أيدي الاحتلال

صباح أيوب

لا شيء يردع إسرائيل عن محاولاتها التحكّم بالصورة التي تُنقل عنها في الإعلام العالمي. ورغم تفلّت الصورة من سيطرة جهة واحدة عليها، إلا أنّ المسؤولين الإسرائيليين ما زالوا يعتمدون أسلوب خطف الإعلام كإحدى أهم وسائل تمويه وحشيتهم وممارساتهم. ولعل أحدث مثال على ذلك ما جرى الأحد الماضي في برنامج «٦٠ دقيقة» الذي تعرضه شاشة «سي. بي. إس» الأميركية. البرنامج الشهير الذي يقدّمه بوب سايمون، تمحورت حلقته حول صعوبات الحياة التي يواجهها مسيحيو فلسطين في ظلّ الاحتلال واضطرارهم إلى الرحيل عن أراضيهم. سايمون الذي زار القدس وبيت لحم وتحدث مع بعض السكان ورجال الدين من مختلف المذاهب، بيّن المعاناة التي تتكبدها أقلية آخذة في الاضمحلال. «الضفة الغربية باتت أشبه بقطعة جبنة سويسرية. تحصل إسرائيل على الجبنة أي منابع المياه والمواقع الأثرية، والفلسطينيون يبعدون الى الفجوات»، يقول أحد الكهنة لسايمون في تقريره المصوّر. تضمّن الشريط أيضاً وثيقة تبيّن إجماع رجال الدين من مختلف المذاهب المسيحية على اعتبار الاحتلال الإسرائيلي «تمييزاً عنصرياً واضحاً».

كاميرا «٦٠ دقيقة» دخلت الكنائس والأحياء السكنية الفلسطينية المختنقة بسبب تضييق الاحتلال على أهلها، وصوّرت يوميات عائلة مسيحية يقع منزلها على حافة الجدار العنصري الذي يحوطه، فبدا المنزل كسجن صغير. كل ذلك أدى حسب البرنامج الى هجرة المسيحيين الفلسطينيين حتى باتوا لا يشكلون أكثر من ٢٪ من السكان.

لكن الحلقة لم تنته هنا. استضاف المذيع السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين الذي دحض ما جاء في الشريط، مشيراً إلى أنّ الفلسطينيين المسيحيين يهاجرون بسبب ممارسات المسلمين، ومتهماً رجال الدين المسيحيين بـ«معاداة السامية»! لكن خلال تقديمه للضيف الإسرائيلي، كشف سايمون أنّ السفير حاول الضغط على المحطة والاتصال بمدير شبكة «سي. بي. إس نيوز» خلال مرحلة إعداد الحلقة. وتوجّه سايمون الى أورين بالقول «سيّدي السفير، أنا أقوم بعملي منذ فترة طويلة. لقد شهدت ردود فعل كثيرة من معظم من تناولتهم في حلقاتي، لكنّها المرة الأولى التي أتلقى فيها رد فعل على حلقة قبل أن تبث»، علماً بأنّه في الشكوى التي قدّمها لمدير المحطة قبل عرض الحلقة، قال مايكل أورين إنّ التقرير «يتضمن الكثير من الحقد»

طبعاً، لم يخرج الإعلام الأميركي ليدين «الاعتداء على حرية الإعلام» و«التدخل الخارجي السياسي في مؤسسة إعلامية أميركية». وحده الصحافي روبرت رايت في مجلة «ذي أتلانتيك» علّق على ما جرى كاتباً: «التقرير عن مسيحيي فلسطين يعقّد الحكاية الإسرائيلية التي سُردت بعد أحداث ١١ أيلول وتفيد بأنّ إسرائيل والولايات المتحدة اليهودية ـــ المسيحية تشتركان في المعركة ضد المتطرفين الإسلاميين. من هذه الزاوية يجب أن يُفهم الاحتلال». ولفت رايت أيضاً الى أنّه «كلما كان أورين يصرّ في الحلقة على أنّ مسيحيي الضفة الغربية يرحلون بسبب الإسلاميين، لا بسبب الاحتلال، كان التقرير المصوّر يثبت العكس وينقض فكرته».

من جهتها، أشارت ناتاشا موزغوفايا على مدونتها في صحيفة «هآرتس» الى أنّ «المسؤولين الإسرائيليين يكنّون الضغينة لبرنامج «٦٠ دقيقة» بعدما تطرّق الى المستوطنات والفيروس الإلكتروني الإسرائيلي...». ولفتت الى أن الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية رأت في تدخل أورين لدى مدير المحطة «مثالاً جيداً على أسلوب التعامل الاستباقي للعمل الدبلوماسي الإسرائيلي». وتردف موزغوفايا «ربما كان حرياً بأورين أن يعمل مع الصحافي، لا أن يغضبه عبر تخطيه والاشتكاء الى مسؤولي المحطة».

الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢

ابراهيم الأمين

سلامة كيلة موقوف في سوريا.

خبر عادي في بلد مثل سوريا اليوم. وسلامة معارض عنيد للنظام في سوريا. ما يعني أن اعتقاله خبر عادي أيضاً. وسلامة معارض لتسويات جزئية من هنا أو هناك، ولذلك لديه مشكلة مع مؤسسات النظام في سوريا. ما يعني أن خبر اعتقاله عادي أيضاً.

ماذا يعني اعتقال معارض مثل سلامة كيلة؟ الرجل لديه تصوره للأزمة السورية. يصر على مقاربة المشهد من زاوية طبقية، مستعيناً بأدوات التحليل الماركسي للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلف الاحتجاجات التي انطلقت في سوريا.

سلامة لا يؤيد العنف. يدينه بقوة عندما يأتي من النظام، ويدينه بشدة عندما يأتي من الشارع. وهو ليس في موقع يخوّله إجراء محاكمات أو إصدار أحكام ميدانية أو حتى أخلاقية. لكنه بعد كل الذي حصل، لم يتراجع عن قناعته بأن النظام في سوريا يتحمل القسم الأكبر من المسؤولية. وهو في الوقت نفسه، يدين أي معارض يلجأ إلى الخارج، مهما كان هذا الخارج، فكيف إذا كان من جماعة الناتو أو مشيخات النفط أو جماعات الغرب على أنواعها؟

السؤال ليس عن اعتقال سلامة. السؤال هو، الآن، هل هناك مكان على المسرح السوري لمعارضين من قياس سلامة، أو من صنفه؟

السؤال هو: هل النظام في سوريا، الذي نجح في مواجهة موجة أولى وكبيرة من الحرب العالمية ضده، في وضع لا يسمح له بتحمل معارض من وزن سلامة؟ هل هذا يعني أن النظام يقول لنا في خطوة اعتقال سلامة، إنه إما لا يتحمل أي نوع من المعارضة، أو أنه مرتاح إلى حدود لا يهتم فيها لأي رد فعل على اعتقال معارض من صنف سلامة؟

لن يكون بمقدور أيٍّ منا توقع إجابة واضحة وسريعة على خطوة غبية ومدانة، مثل تلك التي أقدم عليها من قرر ونفذ اعتقال سلامة كيلة. وربما من الأفضل عدم انتظار إجابة؛ لأن الأمر يتجاوز الحسابات التي يمكن عقلاً مركباً بطريقة منطقية أن يتعامل معها.

ثمة قدر عال من العنجهية أو الغباء يقف وراء من قرر هذه الخطوة، لأنه يريد منا التصويب عليه، بينما نحن لم ننتظر منه إشارة للتصويب على الأعداء الحقيقيين لسوريا، ولا ننتظر منه جزاءً ولا شكورا!

الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢

 

لعلها الأرزة أو الصخر في الأغاني أو صورة الرئيس أمين الجميّل التي لا يتغير فيها شيء، ما يجعل حزب الكتائب «démodé». أو لعله فقط سامي الجميّل: الشاب الذي تسلم حزب الخمسة وسبعين عاماً لينفخ فيه حياة، فتركه كما كان، أو كاد يقضي على آخر أنفاسه

غسان سعود

لا يتعلق الأمر حصراً بتقلص حجم من يحصرون أنفسهم بثلاثي «الله والوطن والعائلة » في المدن، أو بتلاشي ألوان الحروف التي تنحَت على هذا الجدار أو ذاك اسمَ «الكتائب اللبنانية». انقطع شيء ما في الحزب مع بيار الجميّل الابن، ودفن. ينظم الحزب هنا دورة في الليخة وهناك دورة طاولة، ويكاد _ لولا تقدم غالبية أعضائه في السن _ ينظم بطولة في رفع المحدلة. «ديموديه» حزب الكتائب. لصفحة حزب الاتحاد (يرأسه النائب السابق عبد الرحيم مراد) على الفايسبوك ألفا معجب، ولصفحة الكتائب ألف ومئتان فقط.

توجع حالة الحزب القلب: يرفع في النبعة، مثلاً، لافتات تقول للشباب: «روح دروس أحسن ما تروح أوفر دوز »! حتى الشباب الذين دخلوا بصفتهم دم سامي الجميّل الجديد إلى الحزب ختيروا بسرعة خيالية: مسؤول الماكينة الانتخابية ألبير كوستانيان ينظِّر في كل إطلالة تلفزيونية في المثاليات السياسية كأنه جوزف أبو خليل. فيما مرّ أكثر من عامين على آخر علاقة بادر المسؤول الإعلامي سيرج داغر إلى استحداثها مع صحافي من خارج الحزب. وفي السياق نفسه، لا يمكن مسؤول الطلاب باتريك ريشا تسمية شاب واحد أهله غير كتائبيين، انتسب إلى الحزب في السنوات الثلاث الماضية.

حتى وفاة رئيس حزب الكتائب السابق النائب السابق جورج سعادة، كان للحزب صندوق أصوات انتخابية ثقيل واحد بعيداً عن المتن الشمالي، اسمه البترون. لكن أسباباً كثيرة أهمها تصفية أمين الجميّل حساباته مع إرث جورج سعادة جعلت البترون آخر الهموم في بيت الكتائب المركزيّ. فلا وزارياً سعت قيادة الكتائب لمزاحمة القوات وحلفائها الآخرين بترونياً، ولا مالياً أو سياسياً. في ظل عجز النائب سامر سعادة عن الإحاطة بكتائبييه خدماتياً وتنظيمياً خارج حدود بلدته شبطين. مع العلم بأن سامي الجميّل لم «يكف شرّ» التضييق على سامر ومحاولة محاصرته داخل الحزب وتحجيم نفوذه وسط كتائب الشمال، على اعتبار أن «والده كان قريباً (حتى لا يقول كلمة أخرى) من السوريين»، إلا قبل بضعة أشهر فقط.

ومن البترون إلى كسروان، انتخابياً لا تزال الكتل الناخبة بحسب غالبية الاستطلاعات كما كانت تقريباً عام 2009: 49% مع قوى 14 آذار و51% ضدهم. كل ما في الأمر أن 11% من مستطلعي السنوات الماضية كانوا يؤيدون الكتائب و4% القوات، فيما يؤيد 11% من مستطلعي اليوم القوات و4% الكتائب. أما المتن الشمالي، فإن ينسَ فلن ينسى خسارة رئيس الجمهورية السابق العنيد الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميّل الانتخابات الفرعية لشغل مقعد ابنه، أمام رجل نسي على الأرجح غالبية المتنيين اسمه. إن أخذ العماد ميشال عون هنا بنصيحة أحد نوابه وتحالف مع النائب ميشال المر في الانتخابات المقبلة، فسيضطر سامي الجميّل إلى خوض معركة جدية للفوز بمقعده.

ويمكن الحديث في هذا السياق قليلاً عن سامي الجميّل نفسه. الشاب الذي يعدّ له والده كل الترتيبات ليغدو في القريب العاجل رئيساً لحزب العائلة، والله والوطن، انسجاماً مع مبدأ التوريث الكتائبي الذي يشمل الكراسي النيابية، كما القيادة الحزبية.

في الداخل الكتائبي، انتهى اليوم حلم كثيرين بنهضة يشعلها الشاب الوافد إلى الحزب بأفكار ثورية وديناميكية جديدة. وبات كثيرون يحمّلون الشيخ الصغير المسؤولية عن هذا الجمود: فهذا أقصي لعلاقته المشبوهة مع رئيس الحزب السابق كريم بقرادوني أو غيره، وذاك لعدم قدرته على مواكبة أفكار الشيخ الصغير النيّرة، وثالث لقربه سابقاً من شقيقه بيار الجميّل، وآخر لمعارضته إحدى نظريات الجميّل في اجتماع ما. هكذا لا يسجل خرق مناطقي واحد لحزب الكتائب في السنتين الماضيتين، لا بل ثمة أقاليم كإقليم عكار كانت تسعى للحياة فخنقت في مهدها. ونقابياً، لم يعد يسمع بحضور كتائبي بعيداً عن بقايا البقايا في المحامين وفتات الفتات في المهندسين. أما طلابياً، فيروي أحد طلاب القوات كيف يفاوضهم الكتائبيون في بعض الجامعات ليقايضوا كل صوت يملكونه بـ«ديليغيه» في الهيئة الطالبية.

في الخارج، أدت عنترات الجميّل إلى إخراج الكتائب من الأمانة العامة لقوى 14 آذار من دون أن يتبين أحد من الكتائبيين إيجابية واحدة قطفها حزبهم من هذا الأمر. في ظل تهافت نواب سامي الجميّل على علاقات جانبية مع حلفائه بغض النظر عن مواقف حزبهم: عودة فادي الهبر إلى المجلس النيابي رهن بموقف النائب وليد جنبلاط منه، سامر سعادة يعلم أنه نائب بفضل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، لا بفضل الجميّل، إيلي ماروني ونديم الجميّل يتصرفان في زحلة وبيروت آخذين بالاعتبار أن الكلمة في دائرتيهما لتيار المستقبل والقوات اللبنانية، لا للكتائب أو سامي الجميّل. فبكل قدراته الانتخابية، قوة سامي الجميّل الانتخابية لا تتيح له الفوز من دون حلفائه بغير مقعد مختار في بلدة بكفيا. أما رسمياً، فعلاقة الكتائب مع المستقبل شبه مقطوعة، بينما يواظب الجميّل على تصوير المشكلة مع القوات بأنها خطأ بروتوكولي مرة، وخلاف على نسبة عدد من الشهداء مرة أخرى، بدل الشروع في حوار ندي مع رئيس القوات سمير جعجع يتحدد بموجبه ما للكتائب وما للقوات. أما في الجهة الأخرى، فيواظب الجميّل على الإيحاء لحزب الله بأنه يتوق إلى التفاهم معه على مجموعة أمور، وأن حلمه في هذه الحياة لقاء السيد حسن نصر الله، بينما يكرس مداخلاته في المجلس النيابي ونفوذه الإعلامي للهجوم على الحزب، حرصاً منه على تعزيز الثقة بينه وبين الحزب ربما. وفي السياق نفسه، يحرص على حجز كرسي له إلى جانب النائب علي بزّي لمتابعة مباريات كرة القدم على شاشة حركة أمل، بعد نقض كل ما اتفق عليه مع بري قبيل الدخول إلى جلسة المناقشة العامة. أما التيار الوطني الحر والمردة، فيقتصر جوابهما على سبعة أحرف حين يُسألون عن سامي الجميّل: لا نثق به.

يبقى الجميّل على المستوى الشخصي: للوهلة الأولى ينجح المحامي الشاب بإبهار سامعيه، وخصوصاً أولئك المعجبين بقصائد الهجاء؛ هجاء المقاومة. لكن سرعان ما ينتبه المستمعون اليقظون إلى أن الشعر بكل سحره لم يعد على الموضة، «ديموديه» هو الآخر. السياسة اليوم هي فن إعداد الملف وتقديم الحلول. في جلسات المجلس النيابي الأخيرة، أعدّ نائب من المتن ملفاً مالياً يملك تفصيل التفصيل في كل جوانب المشكلة والحل، وكان ثمة نائب متني آخر يحمل ملفاً يحيط بكل جوانب المشاكل الإنمائية التي يعانيها المتن الشمالي وقف يطالب الحكومة بهذه وهذه وهذه. وفي المقابل، بدا الجميّل كمن يفتقد لفريق عمل يمده بدراسات تحدد له المشكلة التي ينوي أن يتكلم عنها بوضوح. فبعيداً عن العنتريات والشعر، أثار المحامي المشرع الضحك عندما قال إنه استقى معلوماته في ملف الاتصالات من «غوغل»، كما أثار ضحك من يفهم في القانون: طالب الحكومة في موضوع فتوش وتعويضات الكسارات، أن تتعهد له بمخالفة قرار قضائي يقضي بوجوب الدفع. تماماً كما أظهر جهله الكامل بأصول إنشاء لجنة تحقيق برلمانية، ما اضطر رئيس المجلس إلى الظهور بمظهر الأستاذ الذي يعجز عن إفهام تلميذه أصولاً قانونية تأخر في إعدادها واستيعابها.

في زحلة، تستأجر الكتائب بيوتاً فارغة لتعوض الفراغ الكتائبي في البيوت المسكونة: في حي المعلقة، بيت كتائبي قدمه للحزب نائب كسروان السابق لويس أبو شرف الذي طرده أمين الجميّل من الحزب. في حي حوش الأمراء، يستأجر الحزب بيتاً. في حوش الزراعنة يستأجر مكتباً ثالثاً (أمامه قتل نصري ماروني وسليم عاصي). في حارة الرافية بيت رابع. في شارع البرازيل، بيت خامس للإقليم. في الفرزل سادس، في حي السيدة سابع وفي وادي العرايش بيت ثامن. لكل كتائبي بيت إذاً. عبثاً يحاول رئيس الإقليم بيار مطران استعادة حيثية غابرة: في ظل مال القوات وتنظيمها وإشراف جعجع المباشر على زحلة من دون المرور بأي وكيل، تبدو مناوأة القوات جنوناً.

تختصر كتائب زحلة حال كتائب لبنان: ابتلعتها القوات اللبنانية مبقية لها إيلي ماروني ومن يشبهونه. في التصويت على الثقة الأسبوع الماضي غاب ماروني (ونديم الجميّل) مع من غابوا، تاركاً رفاقه وحدهم: كتلته لا تعنيه، المستقبل يعنيه. وماروني سبق تيار المستقبل إلى عرسال للتضامن مع أهلها، ضارباً عرض الحائط أيضاً بإصرار الجميّل على وجوب الوحدة المسيحية حين قاطع دعوة مطران زحلة للروم الكاثوليك عصام درويش فاعليات زحلة للقاء مشترك. القوات ابتلعت الكتائب: اسألوا في زحلة عن رئيس إقليمها السابق غبريال صايغ تجدوه خارج الحزب، اسألوا عن رئيس الإقليم الأسبق رينيه صقر تجدوه في القوات، دققوا في هوية أعضاء منسقية القوات تكتشفوا أن أكثر من تسعين في المئة منهم كتائبيون سابقون أو أبناء كتائبيين سابقين. زحلة تختصر لبنان كتائبياً، باب المناورة مقفل: الحوار شبه مستحيل مع إيلي سكاف الوسطي، الحرب قائمة مع نقولا فتوش 8 آذار، ومنافسة سليم عون لإيلي ماروني على مقعد المدينة الماروني تقضي مسبقاً على أي تنسيق محتمل مع التيار الوطني الحر.

في زحلة كان يطلق على الكتائب اسم «حزب الحلاقين»، أما اليوم فلا تذكر كلمة الكتائب في عاصمة البقاع إلا وترد قربها كلمة «حَلَقولو».

الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢

 

فداء عيتاني

كان لا بد للحكومة الحالية من أن تقدم لمواطنيها شرحاً وافياً عن مخاطر ناشطين شابين وسوء تصرفهما، وكذلك تضامن عشرات قليلة من أنصارهما، وكيف كان يمكن أن تؤدي رعونة هذه التصرفات إلى حرب أهلية في لبنان، وإلى مسّ العلاقات الطيبة بين لبنان وجارته سوريا. إلا أن حكمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أفضت إلى حل الأمور عبر تويتر، ومخاطبة الجمهور (المكون من عشرات) بروية من جهة، والادعاء على الشابين ودهانهما من جهة أخرى، محققاً مرة أخرى ضربة وسطية لامعة.

تمر البلاد، اليوم، في حالة نقاش جدية، وهي في مرحلة خطيرة. فمن النقاش حول عمولات البواخر، إلى نقاشات عميقة في مجلس النواب طاولت كل الاتجاهات، وشتائم متكررة من كل الجهات السياسية إلى كل الجهات الأخرى، تبين في النتيجة أنها مجرد صراخ للصراخ؛ إذ حين وصلنا إلى مرحلة تسديد اللكمات عبر طرح الثقة بالحكومة، انسحب المعارضون من القاعة، وترك سامي الجميّل وحيداً، وكان يمكن أن تسمع الشاب يسأل: «إذا لم تحاولوا ضرب الحكومة فلماذا شتمتموها؟».

من بعد النقاش البرلماني المعمّق، عاد النقاش إلى شكل قانون الانتخاب، ومن ثم هربت الحكومة والأطراف السياسية من نقاش القانون الانتخابي الذي إذا اعتُمدت النسبية فيه، يمكن أطرافاً معينة أن تحرق البلد قبل الانتخابات النيابية. غرقنا اليوم في نقاش الحكومة نفسها، أي تبديل الحكومة الحالية بحكومة تكنوقراط برئاسة نجيب ميقاتي أيضاً.

وانتشرت معلومات عن إرادة حزب الله تبديل الحكومة؛ لأنه لم يعد يحتمل، والاتجاه إلى حكومة تكنوقراط، إلا أن وزراء حزب الله قد لا يوافقون أبداً، ومن حيث المبدأ فإن الكلام الجدي يفيد بأن قيادة الحزب ترى الحكومة الحالية حكومة انتخابات عام 2013، إلا أنه لا مانع من تسويق شائعات من هنا وهناك لدى الأطراف الحكومية عن إمكانية تغيير الحكومة.

في هذه الأثناء، يخرج وزير الداخلية، الممثل الأبرز لحنكة الحكومة سياسياً وإدارياً، لا ينازعه إلا نقولا نحاس، ليقول للناس إنه سيقر القانون الذي يتفق عليه الفرقاء، وإنه بانتظار اتفاق هؤلاء، وهو بكل الأحوال حين شرح قانون النسبية الذي يقول إنه أنتجه، لم يفهم تماماً ما يقوله، إلا أن هذا نقاش آخر، وحالة قد تتكرر مع وزير الداخلية الحالي.

لكن في خضم المنعطف الكبير الذي يمر به الوطن، يخرج شابان من الدهماء ليهددا السلم الأهلي ويرسما على الجدران مجموعة شعارات لن تثير تفاعل أي من الشرائح الطائفية الكبيرة، ولكنها فقط ستشعر هؤلاء الشابين ومن مثلهما بأنهم يتنفسون، وينفسون عن غضبهم في هذا البلد، فاقتضى اعتقالهما وتوجيه تهمتين لهما: واحدة في المحكمة العسكرية، وأخرى في المحاكم المدنية، ونقلهما من مقر الشرطة العسكرية إلى مخفر إلى مخفر آخر، قبل إطلاقهما.

منذ أشهر ولبنان يشهد حالة من السلم الأهلي والأمان، من دخول الجيش الحر إلى لبنان والعمل انطلاقاً من أراضيه، وصولاً إلى تسلل مقاتلين لبنانيين إلى سوريا والمشاركة في العمليات الحربية هناك، ودعم أطراف لبنانية للثورة السورية، ودخول الجيش السوري في المقابل إلى الأراضي اللبنانية وإطلاقه النار على المناطق اللبنانية، وقتل المصور الصحافي علي شعبان.

وفي إطار حالة الأمن الشاملة، تتعرض دورية أمنية، مثلاً، لإطلاق نار في منطقة باب التبانة منذ أيام، ويمر الخبر في المتفرقات، ثم يقع انفجار في صور ويؤدي إلى سقوط ستة جرحى، وبعد تلاسن خلال تظاهرة في منطقة أبي سمرا في طرابلس دعماً للشعب السوري، يتطور الأمر إلى إطلاق نار، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى.

فضلاً عن حالات تحريض واسعة يشهدها لبنان، من نزول أحمد الأسير إلى الوسط التجاري، وخطابه الذي بزّه فيه خطباء البرلمان في التحريض والتوتير، واعتصامه أمام البوابة الحدودية في المصنع، وكذلك خطب الجمعة في المساجد في عكار، التي يحرض بعض المتحدثين فيها على مواطنيه من الطائفة العلوية، وهم يقطنون على مبعدة خمسة أمتار من المسجد ويسمعون التحريض عليهم لمجرد انتمائهم إلى طائفة أخرى.

ولأن الاستقرار شامل في البلاد، أتى ما فعله الشابان خضر سلامة وعلي فخري شديد الشذوذ عن أحوال البلاد ونغّص نعمة العيش فيها، وكان قد سبقهما إلى هذه الفعلة الشنيعة سمعان خوام أيضاً، وأشنع ما في فعلتهم أنها لا تمت إلى أي من الطوائف اللبنانية بصلة، وأنها أدت إلى تضامن بضع عشرات، ولم تخلص إلى تبني أي جهة دينية أو مذهبية أو سياسية من تلك الجهات المسلحة على امتداد الوطن لقضيتهم، ما استوجب تلفيق أية تهمة لهم، وتحويلهم إلى القضاء المختص بالرسم على الجدران وبقمع شعارات الحرية.

عشتم وعاش لبنان.

الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢

بين الأسباب التجارية ــ المالية من جهة، والسياسية ــ الشعبية التي تقف خلف قرار الطرف المصري إلغاء تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، جاء التحذير العسكري المصري من المسّ بسيناء ليعيد توجيه السجال

بيسان كساب

القاهرة | لا يمكن فصل قرار وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، عن اقتراب انتهاء المرحلة السياسية الانتقالية في مصر، والشقاق الشكلي في العلاقة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والمجلس العسكري الحاكم؛ إذ إنّ الجيش أصبح بحاجة ماسة إلى «تبييض وجهه»، بحسب تعبير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، العضو السابق في المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري، حسن نافعة.

والقرار الذي ربطه الطرف المصري، ممثَّلاً برئيس الشركة القابضة للغازات والمواد الطبيعية محمد شعيب، بإخفاق الطرف الآخر في الوفاء بالتزاماته في التعاقد، هو «سياسي في الجوهر لا تجاري» بحسب نافعة، مرجحاً أن يستخدمه المجلس العسكري في الدعاية السياسية لمصلحته، «وخصوصاً أنه (القرار) سيحظى في كل الأحوال بتأييد شعبي واسع». إلا أن نافعة يستبعد بشدة احتمال استخدام المجلس لتلك الشعبية الطارئة ضد معارضيه، بما أن «قدرة المجلس على المناورة باتت محدودة، في ظل ما يواجهه من ضغوط من قبيل مشروع قانون العزل السياسي لأركان النظام السابق».

ويعلّق على الصبغة التجارية للقضية، أي تأخُّر وفاء شركة شرق المتوسط للغاز بالدفع، بالقول إنها سمحت للجيش باتخاذ القرار على نحو يقلل من الضغوط المتوقعة من الولايات المتحدة وإسرائيل عليه.

تحذير مبني على تلميحات كتلك التي أوحى بها وزير البترول والثروة المعدنية عبد الله غراب، الذي أوضح في تصريحات بثّتها وكالة «أنباء الشرق الاوسط» الحكومية، أن «الإجراء لا يخرج عن كونه خلافاً تجارياً، لا تحكمه أي اعتبارات سياسية، كذلك فإنه لا يعكس أي توجهات من قبل الدول، ويُعد استخداماً لما تنص عليه بنود التعاقد في حال إخلال أحد الأطراف ببنود العقد».

وبدا أنّ ما يحذّر منه نافعة بات قاب قوسين أو أدنى بالفعل؛ فبطلة قضية التمويل الأجنبي، أحد رموز عهد حسني مبارك، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فائزة أبو النجا، قالت إن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وهي شريك في شركة شرق غاز المتوسط، أبلغت الطرف الإسرائيلي أنها لا تمانع في إعادة التفاوض لتوقيع عقد جديد لتصدير الغاز المصري إلى دولة الاحتلال، لكن بأسعار جديدة.

ولا يمكن النظر إلى احتمالات التراجع عن القرار المصري الذي قد توحي به تصريحات أبو النجا، بمعزل عن المعونة الأميركية لمصر كثاني أكبر مساعدات تقدمها الولايات المتحدة إلى دولة أجنبية بعد إسرائيل، وخصوصاً أن المعونة العسكرية تحتل فيها الموقع الأهم، بقيمة 1.3 مليار دولار مقابل 250 مليون دولار فقط للمعونة الاقتصادية.

وقالت أبو النجا إن «القرار المصري بوقف تصدير الغاز لم يأتِ اعتباطاً، لكنه كان بعدما وجّه الجانب المصري 5 إنذارات إلى إسرائيل لسداد مستحقات الغاز الموجودة لديه»، موضحةً أن آخر مهلة أعطاها الطرف المصري لسداد المستحقات كانت في 31 آذار الماضي.

ولم تنحصر التداعيات السياسية لوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل في هذا الحدّ، فشركة «امبال» الأميركية ــ الإسرائيلية، وهي شريك بنسبة 25 في المئة من ملكية شركة غاز شرق المتوسط، وصفت القرار بأنه «مخالف للقانون»، وكشفت أنها تبحث مع الشركاء كيفية مواجهته. أكثر من ذلك، فقد ذكّرت الشركة بأنها طالبت بالتعويض المالي قبل صدور القرار المصري، بسبب انقطاع إمداد الغاز بعد سلسلة التفجيرات التي تعرّض لها أنبوب الغاز في سيناء على يد مجهولين منذ اندلاع الثورة.

البيان قد يبدو تلويحاً باللجوء إلى التحكيم الدولي، «لكنها قضية خاسرة على كل حال»، على الأقل بحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة عين شمس، عضو «اللجنة لشعبية لاستعادة أموال مصر المنهوبة»، حسام عيسى. ويقول عيسى لـ«الأخبار» إن التخلف لأربعة أشهر عن سداد مستحقات الطرف المصري، يبدو سبباً وجيهاً لفسخ العقد الذي كان يفترض أن يمتد لعشرين عاماً، بما يسقط أي مزاعم بتسييس القرار أو إرجاعه إلى المطالب الشعبية بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل.

مجتمع الأعمال بدأ يتململ على الفور مثلما كان متوقعاً. على سبيل المثال، أصدرت «الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار»، بياناً جاء فيه أن «قرار وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل يجب أن توضَح أسبابه والأسانيد القانونية التي اتُّخذ على أساسها للمستثمرين الأجانب»، مشيراً إلى أن الوضع الاستثماري القائم يستلزم ضرورة التأكيد أن القرار تجاري وليس سياسياً، «فالقرار له مقدمات منذ أكثر من عام، ومن بينها الطلب الشعبي لإلغاء اتفاقية تصدير الغاز».

وفي ما بدا أنه تقاسم أدوار بين أطراف الحكومة والجيش، توعّد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، بالرد القاسي على أية دولة تعتدي على حدود مصر، في ردّ مبطَّن على ما نُقل عن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، بشأن ضرورة «الاستعداد لكل الاحتمالات» مع مصر، مقترحاً استحداث «ثلاث أو أربع فرق جنوبية» تحسباً لتدهور اجتماعي واقتصادي في مصر ولاحتمال زيادة عدد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء.

ونقلت صحيفة «الأهرام» المصرية عن طنطاوي قوله إن «حدودنا ملتهبة بصفة مستمرة، لكن نحن لا نعتدي على أحد من البلاد المحيطة بل ندافع عن حدودنا، وإذا اقترب أحد من حدود مصر فسنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة».

وفي السياق، دعا قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي، «الجميع إلى إعادة حساباتهم قبل التفكير بالاعتداء على أية بقعة من أرض مصر»، وذلك على هامش مناورة بالذخيرة الحية تحمل اسم (نصر 7) في سيناء.

الثلاثاء ٢٤ نيسان ٢٠١٢

نحاس يعيد اقتراح زيادة سعر الربطة مع رغيفين اضافيين

انتهى الاجتماع بين وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس وممثلي أصحاب الافران أمس باتفاق على اعادة اقتراح الوزير زيادة سعر ربطة الخبز الى ألفي ليرة في مقابل زيادة رغيفين على الربطة خلال الجلسة المقبلة للحكومة. الطرفان مقتنعان بالحل، والبديل الذي تقترحه الأفران هو التوقف عن انتاج الرغيف بهدف الضغط!

رشا أبو زكي

ربطة الخبز مهددة. الاتجاه نحو رفع سعرها الى ألفي ليرة ينتظر قرار مجلس الوزراء غداً. الكل يخفف من وطأة الحدث، ولو كان ينطوي على استسهال يمكن ان يودي بما تبقى من أمن اجتماعي او معيشي... فرغم من سوء نوعية الرغيف واطراد انحداره، يريد «كارتيل» المطاحن والافران المزيد من الارباح على حساب كل المواطنين. اما الحكومة فتريد «السترة»، لتمضي بولايتها من دون اضطرابات اضافية قد تنجم عن ضغوط اصحاب المطاحن والافران الاقوياء، مطمئنة الى شعب غاف لن يتحرك دفاعاً عن رغيفه، وحركة نقابية لن تهتز بلا عصا سياسية.

الاتجاه نحو زيادة سعر الرغيف عبّر عنه وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس بوضوح، اذ قال لـ «الأخبار»: «نعمل وفق سياق واضح، سنعلن عن معادلة جديدة لسعر ربطة الخبز ووزنها وعدد الارغفة فيها، بحيث تكون مقبولة للمستهلك». لم ينته الحديث: «ولكن سيكون هناك زيادة على السعر نظرا الى عوامل التضخم وغيره من العناصر التي ساهمت في ارتفاع كلفة انتاج الخبز، وفي جلسة مجلسة الوزراء الاربعاء (غداً) سنطرح الحل، وسيكون وفق قاعدة تقضي بتنازل من عنّا شوي (الوزارة) ومن عندن شوي (الأفران والمطاحن)».

لا يتردد رئيس نقابة أصحاب الافران علي ابراهيم في الاعلان عن فحوى الاتفاق الذي توصل اليه مع نحاس خلال اجتماعهم به أمس. يقول ابراهيم «نحن اليوم نبيع ربطة الخبز زنة 1000 غرام بـ 1500 ليرة، الاقتراح الذي سيرفعه نحاس الى الحكومة يقضي بأن نزيد زنة الربطة 250 غراماً لتصبح 1250 غراماً، على أن نزيد السعر الى 2000 ليرة». وبذلك، وفق ابراهيم، يرتفع سعر الخبز بالنسبة الى المواطن 125 ليرة، بعد تنزيل سعر الـ 250 غراماً التي ستضاف الى زنة الربطة. يؤكد ابراهيم ان نحاس أبلغهم موافقته واقتناعه بهذا الحل، وأن تحرير سعر ربطة الخبز حل يؤذي المواطنين. لماذا؟ يقول ابراهيم: «لأنه من الممكن أن تتفق الافران في ما بينها وترفع سعر الخبز الى 3 الاف ليرة»! اما سياسة الدعم فهي أيضاً مؤذية. لماذا؟ «لأنه في سياسات الدعم تحصل سرقة وإهدار للأموال العامة».

يلفت ابراهيم الى أن اصحاب الافران لا يستطيعون أن يطالبوا بزيادة سعر الربطة الحالية 125 ليرة لتصبح 1625 ليرة، اذ لا يوجد تعامل بعملة الـ 100 أو الـ 25 ليرة في السوق اللبنانية. وبالتالي ليس هناك حل الا بزيادة السعر والوزن او استمرار الدولة في دعم طن الطحين بقيمة 70 ألف ليرة. شارحا أن الوزارة أعلنت انها ستدعم كل طن طحين بـ 70 الف ليرة بدءاً من الاول من نيسان الجاري الى حين ايجاد حل لسعر ربطة الخبز، ويعتبر ابراهيم ان استمرار هذه السياسة يمكن أن يكون حلاً. ولكن ماذا عن فرضية عدم قبول الحكومة باقتراح نحاس؟ يعلن ابراهيم أن الأفران ستذهب الى اضراب أكيد! ويضيف: «المشكلة ليست عندنا»، فسعر الطحين يرتفع، وكذلك اسعار جميع مكونات الخبز العربي. فقد زاد سعر المازوت، كذلك السكر والنايلون والخميرة والملح، فضلا عن اكلاف استهلاك الماكينات ومولدات الكهرباء. وبالتالي لا يمكن ابقاء سعر ربطة الخبز كما هو!

ينتج لبنان يومياً نحو 785 الف ربطة خبز، اي زهاء 23 مليوناً و540 ألف ربطة من الخبز شهرياً. (كل طن من الطحين ينتج 1070 ربطة من الخبز، ويستهلك لبنان قرابة 22 ألف طن شهرياً من الطحين بحسب احصاءات نقابة اصحاب الافران). أي أن اللبنانيين ينفقون شهرياً 23 مليوناً و540 ألف دولار على الخبز (سعر ربطة الخبز اليوم 1500 ليرة أي نحو دولار واحد). وفي حال موافقة مجلس الوزراء على قرار زيادة ربطة الخبز الى 2000 ليرة، يرتفع انفاق اللبنانيين على الخبز الى 31 مليوناً و387 ألف دولار شهرياً. علماً أن ارباح الافران تصل الى 10 في المئة على الطن، والمطاحن بحدود 3% على الطن، وفق وزير الاقتصاد السابق محمد الصفدي (http://www.al-akhbar.com/node/41422). في المقابل، تقوم الدولة حالياً بدعم كل طن من الطحين بمعدل 70 ألف ليرة عن كل طن.

بعد احتساب هذه الأرقام، لا بد من العودة الى التقارير الرسمية. فخلال فورة الدعم السابقة، صدرت تقارير متناقضة حول كميات القمح المستخدمة في صناعة الخبز العربي. اذ قالت المطاحن أن 90 في المئة من كميّة القمح التي تستوردها تُستخدم في صناعة الخبز الأبيض، فيما أكد أصحاب الأفران أن هذه النسبة هي 30 في المئة، وتنخفض في تقارير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الموثّقة إلى 20 في المئة فقط. وبرغم التناقضات الصارخة، وبرغم من امكان وجود إهدار كبير للمال العام في موضوع دعم الطحين، فضلا عن تحميل الفقراء دائما كلفة زيادة ارباح المطاحن والافران عبر سياسة خفض زنة ربطة الخبز تدريجياً منذ العام 2005 حتى اليوم، فإن هذا التفصيل لم يستدع دراسة رسمية واحدة تحدد حجم القمح المستخدم في صناعة الرغيف، ولا حجم ارباح الافران والمطاحن.

يشرح رئيس الاتحاد اللبناني لحماية المستهلك وجدي الحركة أن المستهلك اللبناني يدفع فعلياً 2250 ليرة ثمن ربطة الخبز، وليس 1500 ليرة. المعادلة الحسابية التي يتبعها الحركة هي تقليص زنة الربطة من 1500 غرام الى 1000 غرام. بذلك ارتفعت الكلفة الفعلية على المستهلك 750 ليرة. واعتبر الحركة ان سياسة الدعم هي إهدار للأموال العامة والتجارب السابقة أكبر دليل على ذلك، في حين ان خفض زنة الربطة هو استخفاف بعقول اللبنانيين.

ففي 21 شباط من العام 2005، خفّضت الحكومة زنة ربطة الخبز من 1500 غرام الى 1400 غرام، بسعر 1500 ليرة. بعد عام، اي في 17 ايار من العام 2006، عادت وخفضت زنة الربطة الى 1300 غرام وأبقت السعر نفسه. في نهاية العام 2006 عادت الحكومة لتخفض زنة الربطة الى 1170 غراماً، وفي 6 حزيران من العام 2007 خفّضت الزنة الى 1120 غراماً، لينخفض مجدداً الى 1000 غرام. وبذلك، خفضت الحكومة زنة ربطة الخبز بين 2005 و2007 حوالي 500 غرام، أي ان زنة الربطة انخفضت في عامين أكثر من 25 في المئة، فهل ستستمر الحكومة في سياسة معاداة الفقراء عبر اقرارها الزيادة الى ألفي ليرة؟

1,540 مليون دولار

هو ما ستدفعه الدولة الى اصحاب المطاحن في شهر نيسان عبر دعم طن الطحين بـ 70 ألف ليرة، علماً بأن الحكومة دفعت 60 مليون دولار كلفة دعم القمح خلال سنة ونصف في السابق، وقد وصلت تقديرات الإهدار الى 12 مليون دولار بسبب التوزيعات السياسية

استقال؟ لم يستقل؟

أعلنت نقابات اصحاب الافران رفضها استقالة رئيس الاتحاد كاظم ابراهيم التي تقدّم بها فور قرار الإتحاد تعليق التحرك الذي كان من المزمع تنفيذه في 20 من الجاري بفعل الإتفاق مع وزير الإقتصاد والتجارة على دعم سعر الطحين بـ70 ألف ليرة. ولفتت الى أنه تم «بالإجماع التمني على ابراهيم أن يعدل عن الاستقالة كونه اباً للافران والاب لا يتخلى عن ابنائه في الزمن الرديء، ونحن على ثقة بأنه سيلبّي نداءنا. هذا ما عوّدنا إياه وله الشكر سلفاً». الا أن ابراهيم رفض يوم أمس الاجابة عن سؤال «الأخبار» مؤكداً استقالته من الاتحاد!

الثلاثاء ٢٤ نيسان ٢٠١٢

لم تحمل نتائج التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية مفاجآت على صعيد المرشحَين اللذين عبرا إلى الدورة الثانية المقررة في السادس من أيار المقبل، بعدما تقدم المرشح الاشتراكي، فرنسوا هولاند، على الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، بحصول الأول على 28،4 في المئة من الأصوات، في مقابل 25،5 في المئة، لتنحصر المنافسة في الدورة الثانية بينهما، مع أفضلية للمرشح الاشتراكي. وفيما لم تكن النسب التي حصل عليها هولاند وساركوزي مختلفة كثيراً عن نتائج استطلاعات الرأي، فإن المفاجأة كانت في وصول نسبة الإقبال على الاقتراع إلى 80 في المئة، بعدما كانت التقديرات تشير إلى أن نسبة الممتنعين ستتخطى الـ 30 في المئة

عثمان تزغارت

باريس | لم ينجح تعتيم الـ ٤٨ ساعة الأخيرة، وما رافقه من تشويق وتكهنات متضاربة بفعل حظر نشر أي استطلاعات أو نتائج أو توقعات من قبل مؤسسات سبر الآراء، في إخراج الانتخابات الفرنسية، في دورتها الأولى التي جرت أمس، من الرتابة التي خيمت على الاستحقاق الرئاسي منذ بداية الحملة الانتخابية في تشرين الثاني الماضي. إلى غاية منتصف نهار أمس، لم تشهد مكاتب الاقتراع الإقبال المعهود في مثل هذه الانتخابات، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة ٢٨ في المئة. لكن تزايد المخاوف من أن تؤدي هذه النسبة الضئيلة من المشاركين إلى ارتفاع قياسي لنسبة الممتنعين عن التصويت، كما توقعته الاستطلاعات (راجع «الأخبار» ــ عدد ٢٠ نيسان ٢٠١٢)، دفعت مختلف الأفرقاء السياسيين إلى حشد همم أنصارهم وحث الناخبين على الانتقال الى مكاتب الاقتراع، ما أدى الى تحسن لافت في نسبة المشاركة خلال الساعات الأخيرة من الاقتراع. ووصلت النسبة إلى قرابة ٨٠ في المئة (مقابل ٨٣ في المئة في الاستحقاق الرئاسي الأخير، عام ٢٠٠٧)، لينجح بذلك تجنيد الساعات الأخيرة في خفض نسبة المقاطعين إلى أقل من ٢٠ في المئة، بعد كانت الاستطلاعات توقعت أكثر من ثلاثين في المئة.أما التفاوت في كثافة الإقبال وفي الاهتمام بالشأن الانتخابي عموماً، فقد فسره المحللون باختلاف المشهد الانتخابي للدورة الأولى هذه السنة على نحو جذري عن انتخابات ٢٠٠٧، حيث كان التنافس آنذاك محتدماً في الدورة الأولى بين نيكولا ساركوزي وسيغولين رويال وفرانسوا بايرو، الذين كانت شعبيتهم متقاربة بين ١٧ و٢٢ بالمئة. أما هذه السنة، فقد ساد الانطباع بأن سباق الجولة الأولى كان محسوماً سلفاً، لمصلحة ساركوزي وهولاند اللذين تصدرا الاستطلاعات بفارق أكثر من ١٠ نقاط عن باقي المرشحين.وبالتالي تركزت الأنظار أكثر على النتائج التي حققها ثلاثة مرشحين آخرين، هم فرانسوا بايرو وجان لوك ميلانشون ومارين لوبان، على أساس أن موازين القوى بين هؤلاء هي التي ستحدد ملامح الصراع بين ساركوزي وهولاند في الدورة الثانية من الاقتراع (راجع الكادر أدناه).وزاد من غموض المشهد الانتخابي تشدد السلطات الإدارية التي تشرف على الانتخابات في حظر نشر أي نتائج أو إحصاءات قبل الإغلاق النهائي للمكاتب الانتخابية في الثامنة مساء بتوقيت باريس. وكانت وسائل الإعلام الفرنسية قد احتجت على هذا القانون في انتخابات ٢٠٠٧ لأنه يعطي السبق لوسائل الإعلام الأجنبية، وخاصة في الدول الفرنكوفونية المجاورة (بلجيكا وسويسرا بالأخص)، التي تقوم بنشر النتائج الأولية قبل ساعتين من نهاية الاقتراع. وحيال رفض السلطات تعديل هذه القاعدة الانتخابية، لجأت وسائل الإعلام الفرنسية، سنة ٢٠٠٧، إلى التحايل عليها من خلال نشر النتائج أولاً بأول على مواقعها الإلكترونية، لأن المواقع لم تكن قد أخضعت لنفس الرقابة الانتخابية. لكن لجنة الرقابة على عمليات سبر الآراء عمدت الى تشديد القانون، من خلال فرض عقوبة مالية باهظة مقدارها ٧٥ ألف يورو على كل موقع إلكتروني فرنسي يقوم بنشر النتائج قبل الموعد الرسمي لإقفال صناديق الاقتراع. وهددت اللجنة أيضاً بفرض العقوبة ذاتها على أي معاهد لسبر الآراء تمدّ وسائل الإعلام غير الفرنسية بنتائج تنشر قبل التوقيت الرسمي.وساهم هذا التعتيم، الهادف إلى منع تأثير نشر النتائج قبل إغلاق كل مكاتب الاقتراع على خيارات الناخبين الذين يصوتون في الساعات الأخيرة من الاقتراع، في إضفاء المزيد من الغموض على المشهد الانتخابي. وكانت عمليات تقدير نسب المشاركة هي المعطى الوحيد المسموح بتداوله رسمياً، ما جعل التقديرات المتعلقة بموازين القوى الانتخابية حكراً على فئة محدودة من مسؤولي وسائل الإعلام وصانعي القرار. ووصل الأمر بلجنة الرقابة على الاستطلاعات الى حد منع الصحافيين من نشر أي تلميحات بخصوص النتائج حتى عبر موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» أو «فايسبوك»، ما زاد من فضول القطاع الأوسع من المتتبعين للانتخابات، ودفع الناس الى البحث عن وسائل للالتفاف على هذا التعتيم أو رصد أي مؤشرات غير مباشرة، من شأنها أن تساعد على التكهن بالاتجاهات الغالبة على الاقتراع. ومن النماذج عن ذلك، انتشار أخبار في حدود الرابعة عصراً، قبل نحو أربع ساعات من نهاية الاقتراع، عن تدفق حشود غير معتادة من الصحافيين (أكثر من ٦٠٠ مراسل صحافي ومصور) على مركز مرشح «جبهة اليسار»، جان لوك ميلانشون، في المقر التاريخي للحزب الشيوعي الفرنسي، بحي ستالينغراد، في الدائرة الثامنة عشرة من باريس، ما أدى الى انتشار شائعات فسرت هذا الإقبال الاعلامي بأن ميلانشون قد يحقق مفاجأة كبيرة.وبعد التسريبات من وسائل الإعلام البلجيكية والسويسرية غير المعنيّة بقانون التعتيم، خرجت وسائل الإعلام الفرنسية بالنتائج الأولية للاقتراع، كاشفة تقدم فرانسوا هولاند بـ ٢٨ في المئة، يليه نيكولا ساركوزي بـ ٢٥ في المئة. بينما جاء ترتيب المرشحين الثلاثة المؤهلين للعب دور الحكم بينهما في الدورة الثانية وفق ترتيب غير مخالف لما رصدته آخر الاستطلاعات يوم الجمعة الماضي، حيث حصلت مارين لوبان على 20 في المئة، ونال جان لوك ميلانشون ١1،7 في المئة، في مقابل 8.5 في المئة لمرشح الوسط فرانسوا بايرو

فائزان و٣ حكام!

لم يخالف الفارق بين النتائج التي حققها المرشح المتصدر للدورة الأولى، فرانسوا هولاند، ومنافسه في الدورة الثانية، نيكولا ساركوزي، (قرابة ثلاثة في المئة)، توقعات الاستطلاعات التي تكهنت بأن يكون الفاصل بينهما في الدورة الأولى ما بين ٣ إلى ٤ في المئة. كانت هذه التقديرات قد أخذت في الحسبان أن أصوات الذين اقترعوا لمرشح جبهة اليسار ميلانشون وبقية مرشحي اليسار الراديكالي ستذهب في الدورة الثانية بالتأكيد الى هولاند، إن لم يكن اقتناعاً بتوجهاته السياسية التي يجدها البعض «رخوة»، فمن أجل قطع الطريق أمام فوز ساركوزي بولاية ثانية. في المقابل، تتضارب التقديرات بخصوص مصير أصوات مارين لوبان (الصورة) ومرشح الوسط فرانسوا بايرو، اللذين حصلا على أكثر من ربع الناخبين. لوبان أعلنت سلفاً أنها لن تدعو إلى التصويت لساركوزي في الدورة الثانية، تاركةً حرية الاختيار لناخبيها. ويرجح المحللون أن تتوزع أصوات من اقترعوا للوبان في الدورة الأولى بين الناخبين التقليديين الموالين لليمين المتطرف (ما بين ٩ و١٢ في المئة)، والناخبين الذين استقطبهم خطاب لوبان من بين الفئات الناقمة على السياسات الساركوزية، وخاصةً في المجال الاجتماعي والاقتصادي (ما بين ٤ و٧ في المئة). والأرجح أن الفئة الأولى ستختار التصويت لساركوزي، بينما ستفضل الفئة الثانية الاقتراع ضده، سواء بدعم هولاند، من منطلق ما يسمى «الاقتراع العقابي» أو بمقاطعة الدورة الثانية. وهنا تلتفت الأنظار الى بايرو، الذي يعدّ الوحيد الذي يستطيع مدّ أحد مرشحي الدورة الثانية بمخزون حاسم من الأصوات. لكن السؤال: من سيقنع بايرو بالتحالف معه، ساركوزي أم هولاند؟

الأثنين ٢٣‎ نيسان ٢٠١٢

يوسف حاج علي

قرابة منتصف ليل الجمعة الماضي حمل الناشطان السياسيان علي فخري وخضر سلامة (صاحب مدونة «جوعان») قوارير الدهان الأحمر و«الستنسل». توجها إلى الطريق العام في منطقة رأس النبع لناحية تبعد بضعة أمتار عن جسر المشاة. حملا معهما شعارين، الأول «سوريا الثورة مستمرة»، والثاني صورة ملمّحة لرئيس عربي مع شعار «الشعب يسقط النظام». رشّا «الغرافيتي» على أحد الجدران وهمّا بالصعود في السيارة. لاحظهما عسكري من الجيش فصرخ بهما. وعندما حاولا أن يشرحا له الموضوع رفع جهاز اللاسلكي وأجرى اتصالاً. حضرت دورية برئاسة ضابط برتبة ملازم أول على عجل. اعتقلتهما ونقلتهما إلى مقر قيادة «فوج التدخل الخامس» في منطقة الكرنتينا. هناك حققت معهما مجموعة نصفها من العسكريين بالبزات الرسمية ونصفها الآخر من المحققين الذين تم إيقاظهم من النوم فحضروا بالملابس الرياضية و«البروتيلات» والمشاية «إم أصبع».

وبعدما جمعوا من سيارة سلامة ما أسموه «المضبوطات» وضعوها في صندوق صغير. صار صندوق «المضبوطات» المذكور يتنقل مع الشابين خلال رحلة التحقيقات. «المضبوطات» هي عبارة عن دفتر يحوي أرقاماً هاتفية لسلامة، ولافتة تقول «دولة ما بتسوى ليرة والبنزين بأربعين ألف ليرة»، وملصق لمحاكمة الشاب سمعان خوام، ودعوة لجمعية تعنى بالمعوقين، وكتابا «نقد الخطاب الديني» لنصر حامد أبوزيد و«قضايا في نقد العقل الديني» لمحمد أركون. الكتابان الأخيران سيظلان في عهدة الجيش لـ«مزيد من التدقيق فيهما».

كبّلوا أيديهما وأوقفوهما كل إلى ناحية ووجهه باتجاه الجدار. دام التحقيق زهاء ساعة من الزمن. قبل أن يتقرر نقلهما إلى مقر الشرطة العسكرية في منطقة المتحف. سيسمعان خلال التحقيق الأول عبارات من نوع: «سكوت ولاه! ما بتفتح تمّك! ما بترفع صوتك!». جندي «هرّب» سراً مياه الشرب لفخري الذي أجرى عملية جراحية في معدته أخيراً.

في مقر الشرطة العسكرية، حيث نقلا مخفورين، سمح لهما باتصال هاتفي واحد. أبلغ سلامة شقيقته الصغرى أنه سينام خارج المنزل بعدما طلب منه العسكري عدم الغوص في التفاصيل. وتولّى فخري الاتصال بناشطة صديقة بعدما ادعى أنها قريبته من أجل تعميم خبر الاعتقال. وضعا في زنزانة «مزرية»، عفنة، حمامها معطّل، لا يصل إليها ضوء، وتغزوها الصراصير.

في الصباح التالي وبعدما تناولا الفطور الذي أحضره الأهل بدأ التحقيق الثاني الذي استند على التحقيق الذي سبقه. لم يجد المحققون توصيفاً قانونياً واضحاً للتهمة. فتارة هي «محاولة فرار من عسكري»، وتارة أخرى «إثارة نعرات طائفية وانشقاقات»، وتارة ثالثة «زعزعة العلاقات مع دولة شقيقة»، وتارة رابعة «التحريض على أمن الدولة الداخلي».

بعد تحقيق الشرطة العسكرية سلّمتهما هذه الأخيرة إلى فصيلة طريق الشام التابعة لقوى الأمن الداخلي. حدث هذا عند الظهر. وضع الشابان في زنزانة مع سجين آخر لمدة ثلاث ساعات. كان الخبر قد انتشر بسرعة عبر موقع الـ«فايسبوك» ووصل إلى آذان الإعلام فبدأت الحملات الإلكترونية والحيّة. اعتصم المتضامنون أمام فصيلة طريق الشام ورفعوا اللافتات المنددة وقوارير الدهان. وبدأت اتصالات السياسيين والمراجع.

توسّعت التحقيقات بحضور ملازم وعنصر أمن مدني، وبإشراف ضابط برتبة رائد. تكرّرت الأسئلة «الكبيرة» ذاتها: من أرسلكم؟ من هي الجهة التي تموّلكم؟ ممن تقبضون؟ من أعطاكما الأوامر بالتنفيذ؟ هل تعملون مع سفارات أجنبية؟ من أين أحضرتم قوالب الرسم؟

لم يسمح للمحاميين بحضور التحقيق. وقّع الشابان على أقوالهما بعدما سمح لهما بقراءتها. تحقيق الأمن الداخلي ومعاملته كانا أرق من مثيلهما لدى الجيش. تقرّر نقلهما إلى «ثكنة بربر الخازن» في فردان. ليعاد التحقيق للمرة الرابعة على التوالي لدى محققي «الشرطة القضائية».

وقّع الشابان لدى «الشرطة القضائية» تعهّداً بعدم تكرار «الفعل»، أي الرسم على الجدران مجدداً، وأفرج عنهما بسندي إقامة مساء السبت. حيث من المفترض أن يرفع محضر التحقيق لاحقاً إلى النيابة العامة في بيروت التي تقرّر إذا ما كانت تريد الإدعاء في القضية، بعد تحديد التهمة، أم لا.

وعلى الرغم من عدم اقتناعهما بتوقيع التعهد، على الأرجح، لم يكن أمامهما خيار آخر. كان الحلّ الوحيد ليسمح لهما بالخروج من زنزانة بلد كثرت خيباته لتصل إلى حدّ القبض على «غرافيتي» ملوّن فوق جدار.

بيان صادر عن اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني

قام اليوم رفيق في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني بالتوجه إلى اللقاء الذي كان منعقداً بين رئيس الجمهورية والجالية اللبنانية في أستراليا في أحد فنادق ملبورن. وخلال اللقاء رفع الرفيق لافتات وصور للأسير في السجون الفرنسية جورج ابراهيم عبدالله مطالباً الدولة اللبنانية بتبني قضيته والسعي الحقيقي للإفراج عنه.

وقامت سلطات الأمن الأسترالية باعتقال الشاب لبعض الوقت وصادرت منه الشعارات ثم أطلق سراحه لاحقاً بعد ان تمكن من إيصال القضية إلى رئيس الجمهورية والإعلام الموجود.

وكان عدد آخر من اللبنانيين قد سلم الرئيس مذكرة تطالب باعتماد النسبية خارج القيد الطائفي في الانتخابات القادمة وخفض سن الاقتراع وإعطاء المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لعائلتها بالإضافة الى العديد من المطالب المدنية الديمقراطية التي تهم اللبنانيين.

بنبرة تحريضية، دعا الوزير السابق شربل نحاس، شباب لبنان إلى التمرد؛ إذ إن 50 في المئة من كل جيل شاب أصبح سلعة معدة للهجرة، سلعة يوفر النظام الآليات كافة لإبقاء هذه الدورة. فهل من أمل في التغيير؟ يقول نحّاس: نعم

رشا أبو زكي

تحت عنوان «وظّفك؟»، ألقى وزير العمل السابق شربل نحّاس محاضرة، بدعوة من نادي حقوق الإنسان والسلام في الجامعة الأميركية في بيروت، شرح فيها أن الجهات نفسها التي فككت المجتمع في الحرب الأهلية، تسلمت السلطة بعد الحرب، وارتضى الناس هذه المعادلة من منطلق اليأس والاعتقاد أن هذا الحل يوقف الحرب. وأشار إلى «أن لبنان أعلن سياسة النأي بالنفس في عام 1969 عندما وقّع اتفاق القاهرة ووضع المسلحين الفلسطينيين في العرقوب على أساس أن بيروت بعيدة عن هذه المنطقة»، مشيراً إلى أن «هذه السياسة أنتجت الحرب (بالإضافة إلى العوامل البنيوية الأخرى المعروفة)، وجرى التخلي عن المسؤوليات. وهو ما يشبه تماماً ما يقوله «زلم» النأي بالنفس اليوم».

وقال: «يتحدثون عن عدم ملاءمة الاختصاصات التعليمية لسوق العمل، إلا أن هذا الكلام «كذب»؛ فالمسألة أبسط من ذلك؛ إذ إن المؤسسات اللبنانية، إن كانت عامة أو خاصة، لا تريد اليد العاملة اللبنانية. البراهين واضحة أيضاً؛ إذ إن طلبات استقدام اليد العاملة الأجنبية المقدمة إلى وزارة العمل وصلت إلى 250 ألف طلب، في مقابل 200 طلب فقط تلقتها المؤسسة الوطنية للاستخدام لتشغيل اليد العاملة اللبنانية». وأضاف:«يبدو أنه لا حاجة للشعب، بحيث يُستبدَل باللبنانيين العمال الأجانب وفق ما يتلاءم مع النمط الاقتصادي القائم. ولهذه النظرية مؤشراتها:

1 _ يهاجر 50 في المئة من الشباب ممن تراوح أعمارهم بين 20 و 40 عاماً، وتُستورَد يد عاملة أجنبية بأعداد موازية. وهذه اليد العاملة موقتة، وذلك لضمان استمرارية عمل «الكفلاء».

2 _ ينفق اللبنانيون (دولة وشعباً) على التعليم العالي أموالاً هي الأعلى عالمياً، والسبب هو تخصص لبنان بتصدير سلعة، هي الشباب. ولضمان استمرارية هذه التجارة وازدهارها، حصل «تفقيس» الجامعات الخاصة.

3 _ أكثر من نصف الطلاب في لبنان هم من النساء. ورغم ذلك، فإن معدل تشغيل النساء في سوق العمل متدنٍّ جداً.

4 _ زيادة دفق التحويلات القادمة من السلع البشرية اللبنانية المصدّرة إلى الخارج تستخدم في تمويل الاستهلاك ووقف أي عمل إنتاجي، ما يؤدي إلى رفع الأسعار، وخصوصاً الأراضي، لتتلاقى بذلك عوامل الجذب إلى الخارج والطرد من الداخل.

5 _ تدخل التحويلات الخارجية إلى الجهاز المصرفي، ومن ثم إلى المديونية العامة، ويحصل التنازع في ما بعد بين «الزعامات» لتغطية الجماعات التي تمثلها كإقطاع في ما يسمى الدولة اللبنانية.

6 _ تتكامل هذه العوامل مع التسويق للمفهوم النيوليبرالي الذي يتحدث عن «سوق العمل»، وكأن العمل سلعة تجارية، ويُمنع عن الناس الدفاع عن كيانهم وكرامتهم الإنسانية.

وأكد نحاس أن البدائل موجودة؛ «إذ إن النجاح في كسر حلقة من حلقات النمط الاقتصادي يمكن أن يؤدّي إلى كسر بقية الحلقات، وهذا ما حاولنا أن نقوم به عبر مرسوم الأجور وبدل النقل ومشروع التغطية الصحية الشاملة».

ورأى أنه في البدء يجب تنمية شعور الكرامة، «لا ترضوا برئيس للجمهورية يمتنع عن توقيع مرسوم الـ 8900 مليار ليرة بحجة مخالفة القانون، وكان يريد إلزامي بتوقيع مرسوم مخالف للقانون، لا ترضوا بمن يقول إنه خفض سعر استقدام بوارج الكهرباء بعد أن كان يريدكم أن تدفعوا من ضرائبكم ومن المال العام فائض السعر، لا ترضوا بوزراء ومسؤولين وممثلين عنكم يحملون جنسية ثانية وثالثة. ارفضوا كل من يسخّف القضايا الاجتماعية، واختاروا ساحات المواجهة، وافرضوا مفاهيمكم، مرتكزين على ربط المسببات بالنتائج».

ولفت نحاس إلى أن من حاربوا مشروع الجيل الثالث من الاتصالات «يجأجئون مع نسوانهم وأولادهم» عبر خدمات الجيل الثالث «في حين أن أموال البلديات تواجه مخاطر داهمة لتوظيفها في التوزيعات السياسية. أما الحسابات العامة فلا تتوقف على سرقة خزنة، وإنما على استخدام المال العام لتنمية مواقع سياسية. إنه دين جائر، وأنتم غير ملزمين بدفع دين جائر».

ينظر نحاس إلى جمهوره الشاب ويقول: «ابدأوا معركتكم للانتقال من الفرد إلى المواطن، من مجتمع يصدر أبناءه إلى دولة مسؤولة عن مواطنيها».

الخميس ١٩ نيسان ٢٠١٢

الأكثر قراءة