لم تمرّ الحلقة الأخيرة من البرنامج الذي تعرضه «سي. بي. إس» الأميركية مرور الكرام. المذيع بوب سايمون كشف أنّ السفير الإسرائيلي حاول الضغط لمنع عرض الحلقة التي تتناول مأساة أقلية مهدّدة بالانقراض على أيدي الاحتلال
صباح أيوب
لا شيء يردع إسرائيل عن محاولاتها التحكّم بالصورة التي تُنقل عنها في الإعلام العالمي. ورغم تفلّت الصورة من سيطرة جهة واحدة عليها، إلا أنّ المسؤولين الإسرائيليين ما زالوا يعتمدون أسلوب خطف الإعلام كإحدى أهم وسائل تمويه وحشيتهم وممارساتهم. ولعل أحدث مثال على ذلك ما جرى الأحد الماضي في برنامج «٦٠ دقيقة» الذي تعرضه شاشة «سي. بي. إس» الأميركية. البرنامج الشهير الذي يقدّمه بوب سايمون، تمحورت حلقته حول صعوبات الحياة التي يواجهها مسيحيو فلسطين في ظلّ الاحتلال واضطرارهم إلى الرحيل عن أراضيهم. سايمون الذي زار القدس وبيت لحم وتحدث مع بعض السكان ورجال الدين من مختلف المذاهب، بيّن المعاناة التي تتكبدها أقلية آخذة في الاضمحلال. «الضفة الغربية باتت أشبه بقطعة جبنة سويسرية. تحصل إسرائيل على الجبنة أي منابع المياه والمواقع الأثرية، والفلسطينيون يبعدون الى الفجوات»، يقول أحد الكهنة لسايمون في تقريره المصوّر. تضمّن الشريط أيضاً وثيقة تبيّن إجماع رجال الدين من مختلف المذاهب المسيحية على اعتبار الاحتلال الإسرائيلي «تمييزاً عنصرياً واضحاً».
كاميرا «٦٠ دقيقة» دخلت الكنائس والأحياء السكنية الفلسطينية المختنقة بسبب تضييق الاحتلال على أهلها، وصوّرت يوميات عائلة مسيحية يقع منزلها على حافة الجدار العنصري الذي يحوطه، فبدا المنزل كسجن صغير. كل ذلك أدى حسب البرنامج الى هجرة المسيحيين الفلسطينيين حتى باتوا لا يشكلون أكثر من ٢٪ من السكان.
لكن الحلقة لم تنته هنا. استضاف المذيع السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين الذي دحض ما جاء في الشريط، مشيراً إلى أنّ الفلسطينيين المسيحيين يهاجرون بسبب ممارسات المسلمين، ومتهماً رجال الدين المسيحيين بـ«معاداة السامية»! لكن خلال تقديمه للضيف الإسرائيلي، كشف سايمون أنّ السفير حاول الضغط على المحطة والاتصال بمدير شبكة «سي. بي. إس نيوز» خلال مرحلة إعداد الحلقة. وتوجّه سايمون الى أورين بالقول «سيّدي السفير، أنا أقوم بعملي منذ فترة طويلة. لقد شهدت ردود فعل كثيرة من معظم من تناولتهم في حلقاتي، لكنّها المرة الأولى التي أتلقى فيها رد فعل على حلقة قبل أن تبث»، علماً بأنّه في الشكوى التي قدّمها لمدير المحطة قبل عرض الحلقة، قال مايكل أورين إنّ التقرير «يتضمن الكثير من الحقد»
طبعاً، لم يخرج الإعلام الأميركي ليدين «الاعتداء على حرية الإعلام» و«التدخل الخارجي السياسي في مؤسسة إعلامية أميركية». وحده الصحافي روبرت رايت في مجلة «ذي أتلانتيك» علّق على ما جرى كاتباً: «التقرير عن مسيحيي فلسطين يعقّد الحكاية الإسرائيلية التي سُردت بعد أحداث ١١ أيلول وتفيد بأنّ إسرائيل والولايات المتحدة اليهودية ـــ المسيحية تشتركان في المعركة ضد المتطرفين الإسلاميين. من هذه الزاوية يجب أن يُفهم الاحتلال». ولفت رايت أيضاً الى أنّه «كلما كان أورين يصرّ في الحلقة على أنّ مسيحيي الضفة الغربية يرحلون بسبب الإسلاميين، لا بسبب الاحتلال، كان التقرير المصوّر يثبت العكس وينقض فكرته».
من جهتها، أشارت ناتاشا موزغوفايا على مدونتها في صحيفة «هآرتس» الى أنّ «المسؤولين الإسرائيليين يكنّون الضغينة لبرنامج «٦٠ دقيقة» بعدما تطرّق الى المستوطنات والفيروس الإلكتروني الإسرائيلي...». ولفتت الى أن الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية رأت في تدخل أورين لدى مدير المحطة «مثالاً جيداً على أسلوب التعامل الاستباقي للعمل الدبلوماسي الإسرائيلي». وتردف موزغوفايا «ربما كان حرياً بأورين أن يعمل مع الصحافي، لا أن يغضبه عبر تخطيه والاشتكاء الى مسؤولي المحطة».
الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢