الكتائب: «حزب الحلاقين» أصبح démodé

 

لعلها الأرزة أو الصخر في الأغاني أو صورة الرئيس أمين الجميّل التي لا يتغير فيها شيء، ما يجعل حزب الكتائب «démodé». أو لعله فقط سامي الجميّل: الشاب الذي تسلم حزب الخمسة وسبعين عاماً لينفخ فيه حياة، فتركه كما كان، أو كاد يقضي على آخر أنفاسه

غسان سعود

لا يتعلق الأمر حصراً بتقلص حجم من يحصرون أنفسهم بثلاثي «الله والوطن والعائلة » في المدن، أو بتلاشي ألوان الحروف التي تنحَت على هذا الجدار أو ذاك اسمَ «الكتائب اللبنانية». انقطع شيء ما في الحزب مع بيار الجميّل الابن، ودفن. ينظم الحزب هنا دورة في الليخة وهناك دورة طاولة، ويكاد _ لولا تقدم غالبية أعضائه في السن _ ينظم بطولة في رفع المحدلة. «ديموديه» حزب الكتائب. لصفحة حزب الاتحاد (يرأسه النائب السابق عبد الرحيم مراد) على الفايسبوك ألفا معجب، ولصفحة الكتائب ألف ومئتان فقط.

توجع حالة الحزب القلب: يرفع في النبعة، مثلاً، لافتات تقول للشباب: «روح دروس أحسن ما تروح أوفر دوز »! حتى الشباب الذين دخلوا بصفتهم دم سامي الجميّل الجديد إلى الحزب ختيروا بسرعة خيالية: مسؤول الماكينة الانتخابية ألبير كوستانيان ينظِّر في كل إطلالة تلفزيونية في المثاليات السياسية كأنه جوزف أبو خليل. فيما مرّ أكثر من عامين على آخر علاقة بادر المسؤول الإعلامي سيرج داغر إلى استحداثها مع صحافي من خارج الحزب. وفي السياق نفسه، لا يمكن مسؤول الطلاب باتريك ريشا تسمية شاب واحد أهله غير كتائبيين، انتسب إلى الحزب في السنوات الثلاث الماضية.

حتى وفاة رئيس حزب الكتائب السابق النائب السابق جورج سعادة، كان للحزب صندوق أصوات انتخابية ثقيل واحد بعيداً عن المتن الشمالي، اسمه البترون. لكن أسباباً كثيرة أهمها تصفية أمين الجميّل حساباته مع إرث جورج سعادة جعلت البترون آخر الهموم في بيت الكتائب المركزيّ. فلا وزارياً سعت قيادة الكتائب لمزاحمة القوات وحلفائها الآخرين بترونياً، ولا مالياً أو سياسياً. في ظل عجز النائب سامر سعادة عن الإحاطة بكتائبييه خدماتياً وتنظيمياً خارج حدود بلدته شبطين. مع العلم بأن سامي الجميّل لم «يكف شرّ» التضييق على سامر ومحاولة محاصرته داخل الحزب وتحجيم نفوذه وسط كتائب الشمال، على اعتبار أن «والده كان قريباً (حتى لا يقول كلمة أخرى) من السوريين»، إلا قبل بضعة أشهر فقط.

ومن البترون إلى كسروان، انتخابياً لا تزال الكتل الناخبة بحسب غالبية الاستطلاعات كما كانت تقريباً عام 2009: 49% مع قوى 14 آذار و51% ضدهم. كل ما في الأمر أن 11% من مستطلعي السنوات الماضية كانوا يؤيدون الكتائب و4% القوات، فيما يؤيد 11% من مستطلعي اليوم القوات و4% الكتائب. أما المتن الشمالي، فإن ينسَ فلن ينسى خسارة رئيس الجمهورية السابق العنيد الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميّل الانتخابات الفرعية لشغل مقعد ابنه، أمام رجل نسي على الأرجح غالبية المتنيين اسمه. إن أخذ العماد ميشال عون هنا بنصيحة أحد نوابه وتحالف مع النائب ميشال المر في الانتخابات المقبلة، فسيضطر سامي الجميّل إلى خوض معركة جدية للفوز بمقعده.

ويمكن الحديث في هذا السياق قليلاً عن سامي الجميّل نفسه. الشاب الذي يعدّ له والده كل الترتيبات ليغدو في القريب العاجل رئيساً لحزب العائلة، والله والوطن، انسجاماً مع مبدأ التوريث الكتائبي الذي يشمل الكراسي النيابية، كما القيادة الحزبية.

في الداخل الكتائبي، انتهى اليوم حلم كثيرين بنهضة يشعلها الشاب الوافد إلى الحزب بأفكار ثورية وديناميكية جديدة. وبات كثيرون يحمّلون الشيخ الصغير المسؤولية عن هذا الجمود: فهذا أقصي لعلاقته المشبوهة مع رئيس الحزب السابق كريم بقرادوني أو غيره، وذاك لعدم قدرته على مواكبة أفكار الشيخ الصغير النيّرة، وثالث لقربه سابقاً من شقيقه بيار الجميّل، وآخر لمعارضته إحدى نظريات الجميّل في اجتماع ما. هكذا لا يسجل خرق مناطقي واحد لحزب الكتائب في السنتين الماضيتين، لا بل ثمة أقاليم كإقليم عكار كانت تسعى للحياة فخنقت في مهدها. ونقابياً، لم يعد يسمع بحضور كتائبي بعيداً عن بقايا البقايا في المحامين وفتات الفتات في المهندسين. أما طلابياً، فيروي أحد طلاب القوات كيف يفاوضهم الكتائبيون في بعض الجامعات ليقايضوا كل صوت يملكونه بـ«ديليغيه» في الهيئة الطالبية.

في الخارج، أدت عنترات الجميّل إلى إخراج الكتائب من الأمانة العامة لقوى 14 آذار من دون أن يتبين أحد من الكتائبيين إيجابية واحدة قطفها حزبهم من هذا الأمر. في ظل تهافت نواب سامي الجميّل على علاقات جانبية مع حلفائه بغض النظر عن مواقف حزبهم: عودة فادي الهبر إلى المجلس النيابي رهن بموقف النائب وليد جنبلاط منه، سامر سعادة يعلم أنه نائب بفضل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، لا بفضل الجميّل، إيلي ماروني ونديم الجميّل يتصرفان في زحلة وبيروت آخذين بالاعتبار أن الكلمة في دائرتيهما لتيار المستقبل والقوات اللبنانية، لا للكتائب أو سامي الجميّل. فبكل قدراته الانتخابية، قوة سامي الجميّل الانتخابية لا تتيح له الفوز من دون حلفائه بغير مقعد مختار في بلدة بكفيا. أما رسمياً، فعلاقة الكتائب مع المستقبل شبه مقطوعة، بينما يواظب الجميّل على تصوير المشكلة مع القوات بأنها خطأ بروتوكولي مرة، وخلاف على نسبة عدد من الشهداء مرة أخرى، بدل الشروع في حوار ندي مع رئيس القوات سمير جعجع يتحدد بموجبه ما للكتائب وما للقوات. أما في الجهة الأخرى، فيواظب الجميّل على الإيحاء لحزب الله بأنه يتوق إلى التفاهم معه على مجموعة أمور، وأن حلمه في هذه الحياة لقاء السيد حسن نصر الله، بينما يكرس مداخلاته في المجلس النيابي ونفوذه الإعلامي للهجوم على الحزب، حرصاً منه على تعزيز الثقة بينه وبين الحزب ربما. وفي السياق نفسه، يحرص على حجز كرسي له إلى جانب النائب علي بزّي لمتابعة مباريات كرة القدم على شاشة حركة أمل، بعد نقض كل ما اتفق عليه مع بري قبيل الدخول إلى جلسة المناقشة العامة. أما التيار الوطني الحر والمردة، فيقتصر جوابهما على سبعة أحرف حين يُسألون عن سامي الجميّل: لا نثق به.

يبقى الجميّل على المستوى الشخصي: للوهلة الأولى ينجح المحامي الشاب بإبهار سامعيه، وخصوصاً أولئك المعجبين بقصائد الهجاء؛ هجاء المقاومة. لكن سرعان ما ينتبه المستمعون اليقظون إلى أن الشعر بكل سحره لم يعد على الموضة، «ديموديه» هو الآخر. السياسة اليوم هي فن إعداد الملف وتقديم الحلول. في جلسات المجلس النيابي الأخيرة، أعدّ نائب من المتن ملفاً مالياً يملك تفصيل التفصيل في كل جوانب المشكلة والحل، وكان ثمة نائب متني آخر يحمل ملفاً يحيط بكل جوانب المشاكل الإنمائية التي يعانيها المتن الشمالي وقف يطالب الحكومة بهذه وهذه وهذه. وفي المقابل، بدا الجميّل كمن يفتقد لفريق عمل يمده بدراسات تحدد له المشكلة التي ينوي أن يتكلم عنها بوضوح. فبعيداً عن العنتريات والشعر، أثار المحامي المشرع الضحك عندما قال إنه استقى معلوماته في ملف الاتصالات من «غوغل»، كما أثار ضحك من يفهم في القانون: طالب الحكومة في موضوع فتوش وتعويضات الكسارات، أن تتعهد له بمخالفة قرار قضائي يقضي بوجوب الدفع. تماماً كما أظهر جهله الكامل بأصول إنشاء لجنة تحقيق برلمانية، ما اضطر رئيس المجلس إلى الظهور بمظهر الأستاذ الذي يعجز عن إفهام تلميذه أصولاً قانونية تأخر في إعدادها واستيعابها.

في زحلة، تستأجر الكتائب بيوتاً فارغة لتعوض الفراغ الكتائبي في البيوت المسكونة: في حي المعلقة، بيت كتائبي قدمه للحزب نائب كسروان السابق لويس أبو شرف الذي طرده أمين الجميّل من الحزب. في حي حوش الأمراء، يستأجر الحزب بيتاً. في حوش الزراعنة يستأجر مكتباً ثالثاً (أمامه قتل نصري ماروني وسليم عاصي). في حارة الرافية بيت رابع. في شارع البرازيل، بيت خامس للإقليم. في الفرزل سادس، في حي السيدة سابع وفي وادي العرايش بيت ثامن. لكل كتائبي بيت إذاً. عبثاً يحاول رئيس الإقليم بيار مطران استعادة حيثية غابرة: في ظل مال القوات وتنظيمها وإشراف جعجع المباشر على زحلة من دون المرور بأي وكيل، تبدو مناوأة القوات جنوناً.

تختصر كتائب زحلة حال كتائب لبنان: ابتلعتها القوات اللبنانية مبقية لها إيلي ماروني ومن يشبهونه. في التصويت على الثقة الأسبوع الماضي غاب ماروني (ونديم الجميّل) مع من غابوا، تاركاً رفاقه وحدهم: كتلته لا تعنيه، المستقبل يعنيه. وماروني سبق تيار المستقبل إلى عرسال للتضامن مع أهلها، ضارباً عرض الحائط أيضاً بإصرار الجميّل على وجوب الوحدة المسيحية حين قاطع دعوة مطران زحلة للروم الكاثوليك عصام درويش فاعليات زحلة للقاء مشترك. القوات ابتلعت الكتائب: اسألوا في زحلة عن رئيس إقليمها السابق غبريال صايغ تجدوه خارج الحزب، اسألوا عن رئيس الإقليم الأسبق رينيه صقر تجدوه في القوات، دققوا في هوية أعضاء منسقية القوات تكتشفوا أن أكثر من تسعين في المئة منهم كتائبيون سابقون أو أبناء كتائبيين سابقين. زحلة تختصر لبنان كتائبياً، باب المناورة مقفل: الحوار شبه مستحيل مع إيلي سكاف الوسطي، الحرب قائمة مع نقولا فتوش 8 آذار، ومنافسة سليم عون لإيلي ماروني على مقعد المدينة الماروني تقضي مسبقاً على أي تنسيق محتمل مع التيار الوطني الحر.

في زحلة كان يطلق على الكتائب اسم «حزب الحلاقين»، أما اليوم فلا تذكر كلمة الكتائب في عاصمة البقاع إلا وترد قربها كلمة «حَلَقولو».

الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٢

الأكثر قراءة