قطع الغاز: زوبعة في فنجان علاقات العسكر بإسرائيل؟

بين الأسباب التجارية ــ المالية من جهة، والسياسية ــ الشعبية التي تقف خلف قرار الطرف المصري إلغاء تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، جاء التحذير العسكري المصري من المسّ بسيناء ليعيد توجيه السجال

بيسان كساب

القاهرة | لا يمكن فصل قرار وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، عن اقتراب انتهاء المرحلة السياسية الانتقالية في مصر، والشقاق الشكلي في العلاقة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والمجلس العسكري الحاكم؛ إذ إنّ الجيش أصبح بحاجة ماسة إلى «تبييض وجهه»، بحسب تعبير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، العضو السابق في المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري، حسن نافعة.

والقرار الذي ربطه الطرف المصري، ممثَّلاً برئيس الشركة القابضة للغازات والمواد الطبيعية محمد شعيب، بإخفاق الطرف الآخر في الوفاء بالتزاماته في التعاقد، هو «سياسي في الجوهر لا تجاري» بحسب نافعة، مرجحاً أن يستخدمه المجلس العسكري في الدعاية السياسية لمصلحته، «وخصوصاً أنه (القرار) سيحظى في كل الأحوال بتأييد شعبي واسع». إلا أن نافعة يستبعد بشدة احتمال استخدام المجلس لتلك الشعبية الطارئة ضد معارضيه، بما أن «قدرة المجلس على المناورة باتت محدودة، في ظل ما يواجهه من ضغوط من قبيل مشروع قانون العزل السياسي لأركان النظام السابق».

ويعلّق على الصبغة التجارية للقضية، أي تأخُّر وفاء شركة شرق المتوسط للغاز بالدفع، بالقول إنها سمحت للجيش باتخاذ القرار على نحو يقلل من الضغوط المتوقعة من الولايات المتحدة وإسرائيل عليه.

تحذير مبني على تلميحات كتلك التي أوحى بها وزير البترول والثروة المعدنية عبد الله غراب، الذي أوضح في تصريحات بثّتها وكالة «أنباء الشرق الاوسط» الحكومية، أن «الإجراء لا يخرج عن كونه خلافاً تجارياً، لا تحكمه أي اعتبارات سياسية، كذلك فإنه لا يعكس أي توجهات من قبل الدول، ويُعد استخداماً لما تنص عليه بنود التعاقد في حال إخلال أحد الأطراف ببنود العقد».

وبدا أنّ ما يحذّر منه نافعة بات قاب قوسين أو أدنى بالفعل؛ فبطلة قضية التمويل الأجنبي، أحد رموز عهد حسني مبارك، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فائزة أبو النجا، قالت إن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وهي شريك في شركة شرق غاز المتوسط، أبلغت الطرف الإسرائيلي أنها لا تمانع في إعادة التفاوض لتوقيع عقد جديد لتصدير الغاز المصري إلى دولة الاحتلال، لكن بأسعار جديدة.

ولا يمكن النظر إلى احتمالات التراجع عن القرار المصري الذي قد توحي به تصريحات أبو النجا، بمعزل عن المعونة الأميركية لمصر كثاني أكبر مساعدات تقدمها الولايات المتحدة إلى دولة أجنبية بعد إسرائيل، وخصوصاً أن المعونة العسكرية تحتل فيها الموقع الأهم، بقيمة 1.3 مليار دولار مقابل 250 مليون دولار فقط للمعونة الاقتصادية.

وقالت أبو النجا إن «القرار المصري بوقف تصدير الغاز لم يأتِ اعتباطاً، لكنه كان بعدما وجّه الجانب المصري 5 إنذارات إلى إسرائيل لسداد مستحقات الغاز الموجودة لديه»، موضحةً أن آخر مهلة أعطاها الطرف المصري لسداد المستحقات كانت في 31 آذار الماضي.

ولم تنحصر التداعيات السياسية لوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل في هذا الحدّ، فشركة «امبال» الأميركية ــ الإسرائيلية، وهي شريك بنسبة 25 في المئة من ملكية شركة غاز شرق المتوسط، وصفت القرار بأنه «مخالف للقانون»، وكشفت أنها تبحث مع الشركاء كيفية مواجهته. أكثر من ذلك، فقد ذكّرت الشركة بأنها طالبت بالتعويض المالي قبل صدور القرار المصري، بسبب انقطاع إمداد الغاز بعد سلسلة التفجيرات التي تعرّض لها أنبوب الغاز في سيناء على يد مجهولين منذ اندلاع الثورة.

البيان قد يبدو تلويحاً باللجوء إلى التحكيم الدولي، «لكنها قضية خاسرة على كل حال»، على الأقل بحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة عين شمس، عضو «اللجنة لشعبية لاستعادة أموال مصر المنهوبة»، حسام عيسى. ويقول عيسى لـ«الأخبار» إن التخلف لأربعة أشهر عن سداد مستحقات الطرف المصري، يبدو سبباً وجيهاً لفسخ العقد الذي كان يفترض أن يمتد لعشرين عاماً، بما يسقط أي مزاعم بتسييس القرار أو إرجاعه إلى المطالب الشعبية بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل.

مجتمع الأعمال بدأ يتململ على الفور مثلما كان متوقعاً. على سبيل المثال، أصدرت «الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار»، بياناً جاء فيه أن «قرار وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل يجب أن توضَح أسبابه والأسانيد القانونية التي اتُّخذ على أساسها للمستثمرين الأجانب»، مشيراً إلى أن الوضع الاستثماري القائم يستلزم ضرورة التأكيد أن القرار تجاري وليس سياسياً، «فالقرار له مقدمات منذ أكثر من عام، ومن بينها الطلب الشعبي لإلغاء اتفاقية تصدير الغاز».

وفي ما بدا أنه تقاسم أدوار بين أطراف الحكومة والجيش، توعّد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، بالرد القاسي على أية دولة تعتدي على حدود مصر، في ردّ مبطَّن على ما نُقل عن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، بشأن ضرورة «الاستعداد لكل الاحتمالات» مع مصر، مقترحاً استحداث «ثلاث أو أربع فرق جنوبية» تحسباً لتدهور اجتماعي واقتصادي في مصر ولاحتمال زيادة عدد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء.

ونقلت صحيفة «الأهرام» المصرية عن طنطاوي قوله إن «حدودنا ملتهبة بصفة مستمرة، لكن نحن لا نعتدي على أحد من البلاد المحيطة بل ندافع عن حدودنا، وإذا اقترب أحد من حدود مصر فسنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة».

وفي السياق، دعا قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي، «الجميع إلى إعادة حساباتهم قبل التفكير بالاعتداء على أية بقعة من أرض مصر»، وذلك على هامش مناورة بالذخيرة الحية تحمل اسم (نصر 7) في سيناء.

الثلاثاء ٢٤ نيسان ٢٠١٢

الأكثر قراءة