دعوة للمشاركة في الوقفة التضامنية مع شربل نحاس أمام محكمة المطبوعات هذا الأربعاء
****
دفاعا عن حريّة التعبير
وتمسّكا بمسؤولية فضح المعتدين على حقوق العمّال والنقابيّين
وإصرارا على قيام القضاء بدوره
وبعد رفع مايكل رايت وسبينيس دعوة ثانية ضدّ شربل نحّاس بتهمة "القدح والذمّ"
وقفة تضامنية مع شربل نحاس في الجلستين الأولى/الثانية أمام محكمة المطبوعات
الجلستان متتاليتان ومفتوحتان للعلن ويليهما دردشة مع الصحافيين
المكان: محكمة المطبوعات في العدلية (شارع سامي الصلح) – بيروتالزمان: الأربعاء 30 أكتوبر – الساعة 9:30 صباحا
على الفايسبوك: https://www.facebook.com/events/746710488679293/?ref_dashboard_filter=upcoming
أين ترى محمد دكروب في ذاكرتك القديمة، وكم ساهمت هذه الذاكرة في بناء وجدان محمد دكروب وشخصيته الإنسانية والثقافية والفكرية؟
^ أنا لم أعش طفولة مرحة وظريفة ولطيفة لأنني ولدت في عائلة فقيرة وشغّيلة، لكنني انتميت لسنوات قليلة إلى مدرسة السيد عبد الحسين شرف الدين ومن بعدها ابنه جعفر التي صارت لاحقاً «الكلية الجعفرية»، هناك غمرني الأستاذ أحمد حجازي «ابن البادية» (1899- 1971) وزكي بيضون والد الشاعر عباس بيضون برعاية خاصة، ومنهما ومن مجلس السيد شرف الدين بدأت تتراكم عندي ذاكرة ثقافية ووجدت مزاجي يميل إلى هذا النوع من البشر وإلى ما كانوا يجترحونه من نشاطات ثقافية وفنية وأدبية ومسرحية، لم أتأخر عن الاشتراك فيها، ولا أنسى دوري «الذئب» في إحدى المسرحيات التي رعاها معلم اللغة العربية والموسيقى آنذاك، المخرج الراحل محمد سلمان. لكن صدف أن والدي يعمل فوّالاً، وقد شحّ نظره وكثرت شكواه من فقدان غلّته، فاضطر إلى سحبي من المدرسة التي تعلمت فيها أربع سنوات فقط، لأشتغل معه، وكنت حينها لا أتجاوز الحادية عشرة أو الثانية عشرة. لماذا لم تعد إلى المدرسة؟^ لم تجدِ الوساطات التي تولى السيد جعفر شرف الدين حيزاً منها في إعادتي إلى المدرسة، بسبب قلة حيلة أبي المادية، لكنني سرعان ما لجأت إلى المطالعة والقراءة بنهم لا يوصف طاولت حتى الكتب التي لم أكن افهمها؛ قرأت من القصص البوليسية وقصص الغرام، إلى كتب عبد الرحمن بدوي الفلسفية، ومنه تعرفت إلى (فريدريك) نيتشه وأفلاطون وسقراط... لأنني قررت أن أعلم نفسي، وصرت استعير الكتب من هنا وهناك وأقرأ حتى خلال سيري على الأقدام، وبقيت هكذا طوال عمري أقرأ الجريدة وأنا أجوب أرصفة بيروت.بعد الفوّال اشتغلت بائع ترمس وخبز وعامل بناء وفي مشتل زراعي. في هذا المشتل كنت أوزع مياه الشفة على العمال، وفي وقت الراحة أقرأ في سلسلة «اقرأ» التي كانت تنشر لطه حسين و(عباس محمود) العقاد و(إبراهيم) المازني وكرم ملحم كرم، وصرت أقرأ في كل يوم كتاباً، حتى شكلت لي هذه المرحلة مخزوناً ثقافياً أفادني إلى وقت طويل. في عام 1945 بدأت تأتي إلى صور مجلة «الكاتب المصري» رئيس تحريرها طه حسين، وصارت تبيع في صور لوحدها 15 عدداً وكنت أنا وكريم مروة وعلي سلامة نشتريها، وكانت أهم مجلة فكرية عربية. لقد شكلت هذه المجلة الركيزة الثقافية الأساسية لثقافة محمد دكروب وأعطتني مخزوناً هائلاً لم أزل استعين به.عندما أضحيت سمكرياً في دكان أخي، كنت التقي هناك جمعاً من أترابي نتداول القضايا العربية وبدأت تتشكل ميولي السياسية؛ ورحنا نفكر في إنشاء جمعية سرّية في العالم العربي غايتها القيام بثورة تحقق الوحدة العربية، وقتها لم يكن حزب البعث أو حزب القوميين العرب قد ظهرا على الساحة. بعدها بدأت تتكون الأفكار «القومية» عندي، ورحت أناقش القيادي الشيوعي في صور رفلة أبو جمرة (توفي 1995) وكان منفتحاً على مختلف أطياف المدينة السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، لقد أثّر فيّ رفلة كثيراً، وكان ينهي كل نقاش معي بعبارة: «أنت شيوعيّ يا محمد». فأرد بعصبية: «أنا قومي عربي، وأنتم قياصرة...».الكاتبكيف تعرفت إلى الكتابة أو الصحافة؟^ في أواخر الأربعينيات، كنت قد بدأت الكتابة، قصصاً عن البحارة والعمال والعتالين وغيرهم، أفكارها ومنابتها من داخل مدينة صور، أطلب من «ابن البادية» محمد حجازي قراءتها، فيصحح لي من دون أن يشطب كلمة، ثم يشرح ويوضح حتى تعلمت منه كثيراً في تلك الفترة، وأنا ببالي أن أكون شيئاً ما، لكن لم تراودني فكرة أن أصبح كاتباً في يوم من الأيام. وقد شجعني الأستاذ أحمد أن أجرب النشر. كانت «الحياة» تصدر ايام كامل مروة، (في النصف الثاني من الأربعينيات) وتنشر رسائل القراء في صفحتها الأخيرة. صرت أرسل إليها صفحة عن شؤون مطلبية في صور، فتنشر لي سطوراً. وعندما نُشر اسم محمد دكروب في الجريدة، مشيت في أزقة صور تتملكني بهجة ما بعدها بهجة وأفكار عن أنني أصبحت كاتباً، يجب عليه أن يطور أداءه وموضوعاته. ثم صرت أكتب القصص وأتلوها على «ابن البادية» فيصححها ويشجعني على النشر، وكانت «التلغراف» لنسيب المتني، يشرف على القسم الثقافي فيها رئيف خوري، فنشر لي أكثر من قصة.لم ينه خروجي من المدرسة علاقتي بكريم مروة، الذي سافر لاحقاً إلى العراق لإتمام دراسته ونزل في بيت قريبه حسين مروة (1910- 1987)، وصار الأخير يعرف محمد دكروب لكثرة ما تحدث كريم عن «السمكري» الذي يكتب ويقرأ، وصارت بيننا مراسلات. في عام 1949 كنت أشتغل في دكان السمكري، أطرق على إبريق التنك؛ وإذ برجل يقف بالباب، نحيل، وجهه طويل، شفتاه بارزتان، ويقول بصيغة السؤال: «محمد دكروب؟». (يبكي وهو يروي) نظرت نحوه، فقال: أنا حسين مروة. كانت يداي متسختين، وقفت بخجل وارتباك، حاولت مدّ يدي لأسلم عليه، ثم استحييت لما تحمله من زيوت وشحوم. مدّ هو يده وسلّم وقال: أنا صديقك يا محمد. ومنذ تلك الفترة بقيت التقي بحسين مروة حتى آخر رمق من حياته، كانت أجمل صداقة وكان هو أحد أهم السبل التي عبرها وصلت إلى الحزب الشيوعي اللبناني.كيف؟^ عام 1951 دبّر لي حسين مروة عملاً في دكان لبيع أكياس الورق و«الطرحيات» في بيروت، فتركت مدينة صور وانتقلت إلى بيروت. هنا تعرفت إلى عدد كبر من الكتّاب. كنت في صور قد التقيت الأديب محمد عيتاني (1926- 1988) معلّماً في المدرسة الجعفرية، بعد نقد لي في «التلغراف» لقصص رياض طه وردّ علي محمد عيتاني في «التلغراف». كنت متطرفاً في الثورية. بعد نقاش مستفيض انعقدت بيني وبينه صداقة جميلة. لذلك في بيروت وجدت أجمل صداقات العمر مع محمد عيتاني التي بقيت إلى يوم وفاته، وأنا لم أزل أشعر بوجوده قربي إلى الآن. كان محمد عيتاني قارئاً نهماً، ويجيد اللغة الفرنسية وأنا لا أعرف لغة غير العربية. كان يلخص لي المجلات الثقافية الفرنسية ويحكيها بشكل ممتع حتى زودني بالثقافة الفرنسية الحديثة من دون أن أعرف لغتها. لقد ملأني هذا الرجل بثقافته كثيراً وصداقته وإنسانيته، وعن طريقه تعرفت إلى ألبير أديب، صاحب مجلة «الأديب».كان محمد عيتاني يكتب في «الأديب» وكذلك أشهر كتاب العرب. لقد رعاني ألبير أديب (1908- 1985) بكل اهتمام ونشرت في مجلته قصصا ومقالات عدة. وكتبت مقالاً شبه اجتماعي سياسي فجعله افتتاحية أحد الأعداد، ما أعطاني دفعاً هائلاً للقراءة والكتابة، وثقة كبيرة بالنفس. كان فكر ألبير أديب متقدماً، لكنه كان متحفظاً في تبيان فكره اليساري. عبر محمد عيتاني وألبير أديب تعرفت أكثر على المجتمع الثقافي العربي، ومن خلال صالون حسين مروة بدأت أتعرف على قيادات الحزب الشيوعي اللبناني، ومنها فرج الله الحلو ونقولا شاوي.عن طريق حسين مروة بدأت انشر قصصا ومقالات في «الطريق»، ما لفت اهتمام قيادة الحزب. دعاني حسين مروة إلى اجتماع سري مهمّ. رحت، فوجدت نقولا شاوي وشخصين آخرين، أحدهما يرتدي بدلة بيضاء، كان قليل الكلام، لكن عندما كان يتحدث، يتحدث بهدوء واتزان وموضوعية وفي خضم الموضوع المتداول. لا يبدو عليه أنه قائد. في الاجتماع طرحوا عليّ تولي شؤون مجلة «الثقافة الوطنية» التي يعود امتيازها للحزب الشيوعي. قال نقولا شاوي: أنت يا محمد ستتسلمها وتستعين بحسين مروة وتتشاور معه. اعترضت وقلت إنني لا أعرف بالصحافة وأحتاج إلى ثقافة أكثر. قال صاحب البدلة البيضاء: لا، عندك ثقافة، وستترك عملك في دكان الورق وتأتي لاستلام المجلة (التي كانت أسبوعية ومن 8 صفحات). عندما خرجنا من الاجتماع الذي تضمن عدة اقتراحات حول أبواب المجلة وكتابها، سألت حسين مروة عن الرجل «الأبيض» فقال ألم تعرفه؟ إنه فرج الله الحلو. منذ لقائنا الأول تربع بقلبي هذا الإنسان الذي كانت مزاياه لا تعدّ ولا تحصى.نجحت نجاحاً باهراً في صناعة المجلة وإصدار أعدادها العدد تلو الآخر، كما وضعت لها إخراجاً مميزاً. صرت أكتب وأصحح المقالات. نشرناها أسبوعياً ثم شهرياً وانتشرت في العالم العربي انتشاراً غريباً وصار يكتب فيها أشهر الكتاب العرب والتقدميين حتى غير اليساريين، وقلّدت من خلالها أبواب «الكاتب المصري» وكنت أطلب من محمد عيتاني ونزار مروة وخليل الدبس إيجاز بعض المقالات الفرنسية. حتى أضحت غنية بالمواد والمقالات والتبويب. إلى أن، وآخ هذه حرقة بقلبي، في عام 1959 وكانت المجلة بعز ازدهارها ورواجها، يأتي قرار ليس من حكومة أو غيرها، من خالد بكداش، من دون أي تعليل، أن أوقفوا هذه المجلة. حتى اليوم لم أعرف لماذا قرر الأمين العام للحزب الشيوعي إيقاف المجلة. سألت ولم يأتني جواب. هذه حرقة بقلبي، كيف يقتل الحلم...وأنت ماذا قدّرت؟ أو إلام عزوت القرار؟^ إن خالد بكداش كانت له عادة، أنه إذا كبر رأس أي رفيق أو أديب فوق حد معين، يجب قطع رأسه. يجب على الجميع أن يكونوا تحت وهو فوق. هذه مجلة اشتهرت جداً وصارت تضخ فكراً متجدداً أكثر من الفكر التقليدي البيروقراطي للماركسية وانفتاحاً على التطور، وهو لا يريد ذلك، وممنوع أن يصعد أحد لفوق.السيّد خالد بكداشألم يدافع عنها أحد؟^ لم يجرؤ أحد أن يدافع عن المجلة، لأن من يدافع هو ضد القيادة وسينحّى جانباً. وكان في تلك الفترة من العار على الشيوعي أن ينحّى جانباً. غير هذا الزمن. لم يكن أحد يجرؤ حتى على السؤال لماذا؟ حتى اليوم يعزّ علي كيف أقفلت هذه المجلة من دون أدنى سبب، من قبل السيّد خالد بكداش، وليس الرفيق، برغم أنه كان يسايرنا كثيراً أنا وحسين مروة لأننا كنا نكتب عنه في تلك الفترة. لكنني من يومها اتخذت قراراً في أنني لن أكتب بعد اليوم حرفاً واحداً عن هذا المخلوق، وهكذا فعلت. أذكر أنني كنت مرة، أنا وحسين مروة في جريدة «النور» في سوريا، وكان لقاء للقيادة، فشاهدته كيف يتأمّر على القياديين في الحزب، كيف يشتمهم ويبهدلهم.بعد إقفال مجلة «الثقافة الوطنية» إلى أين انتقلت؟^ كانت «الأخبار» في تلك الفترة مجلة أسبوعية، أنشأنا لها صفحة ثقافية يكتب فيها حسين مروة ومحمد عيتاني وجورج حنا ومحمد دكروب. أهم دراسات حسين مروة التي صدرت في كتبه في ما بعد كانت مما نشره في الصفحة الثقافية في «الأخبار». ومحمد عيتاني كتب قصصاً عدة. بعدها اقتُرِح أن أكون في «الطريق» كانت سنة 1966، وكنت قبلها أتعاون مع ميشال سليمان وكانت مشكلته أن نفسه الصحافي محدود، تأتيه المقالات فينشرها، لكن لم يكن ذا هوس صحافي، كان الهوس الصحافي عندي أنا. أريد من المجلة متعددة الأبواب وأن تنفتح على مختلف الكتّاب. عقدنا اجتماعاً في بيت أنطون ثابت واقترحنا أن تكون المجلة، صاحبة الامتياز السياسي، فكرية ثقافية خصوصاً أن الحزب ينضح بمثقفيه، وقدمت اقتراحات عديدة، على أن نبقي على دراسات ومقالات سياسية. منذ ذاك الوقت صرت المسؤول الأساس لمطبخ المجلة التي تصاعدت ونزلت حتى باتت أشهر مجلة عربية. كانت همّي اليومي، همّي همّي. من خلالها صار اسمي معروفاً ومن أهم ما كتبته أنا، كتبته في «الطريق»؛ ومن أهم ما كتب حسين مروة ومحمد عيتاني كان في «الطريق». من أهم ما اقتحم به مهدي عامل (1936- 1987) الفكر الماركسي كان في «الطريق». بعدها أتى كريم مروة ووضع يده معنا وأعطاها أشياء كثيرة، وكان يومها غير كريم مروة اليوم لناحية الفكر. كان الاهتمام بالطريق عامّاً بين جميع المثقفين اليساريين اللبنانيين وكانت هي بمثابة جواز مرور للعديد منهم. كانت حرقة بقلبي أنها توقفت، مع علمي بالأسباب أنها مالية بامتياز. والحرقة الثانية أنني فيها تخصصت أكثر بالكتابة في النقد الأدبي والفكر السياسي.متى بدأت تشعر بخسارات لا تعوض، من أصدقاء رافقتهم وغابوا، إلى من يشدك الحنين؟^ أولهم حسين مروة ومهدي عامل. لم يكونا ثروة فقط للمجلة، بل ثروة إنسانية لي تحديداً، على الصعيد الشخصي الحميمي. الصداقة التي كانت تربطني بهما عميقة، ما زلت حتى اليوم عندما أتذكرهما أشعر بأنهما موجودان بقربي؛ وعندما أكتب نقداً أدبياً أو فكراً سياسياً أشعر بأن حسين مروة بجانبي. أما مهدي عامل، فكنت مهووساً بفكره الخلاق ودماغه الخلاق. كان إنساناً عجيباً خلال نقاشه. ما كان يرتجله من نقاش وقول كأنه كان مكتوباً أو مسجلاً سابقاً. كنت مندهشاً بتلك الحافظة عنده، بالفكر المفكِّك المحلل. مهدي عامل من أحب الناس لداخلي ونفسي هو وحسين مروة ومحمد عيتاني الذي خسارته كانت كبيرة بالنسبة إلي، كصديق وككاتب وفنان. هو أهم من كتب عن ناس بيروت وبحرها، حتى الآن لم تعط بيروت مثله. ثم بالعهد الحديث خسارتي بمحمود أمين العالم (توفي 2009) وعبد العظيم أنيس (توفي 2009) وقبلهما يوسف ادريس (توفي 1991) وكانت لي معهم علاقات متينة جداً، إن غيابهم أثر فيّ برغم أن غياب العالم وأنيس كان منتظراً، لكن حسين مروة ومهدي عامل لاغتيالهما، خصوصاً مهدي عامل الذي كان لم يزل بصعوده الصاروخي الهائل. هؤلاء فقدتهم، وأشعر بأنني أنقص كلما راح واحد من هؤلاء. ثمة شعور ظل يرافقني منذ أن تركت المدرسة أنني دائماً أتغذى من مواهب الآخرين، أتشرب أفكارهم. هم وصلوا بالدراسة لأبعد مني وأنا من قراءاتي لهم، برغم محاولاتهم اقناعي بالعكس وبموهبتي.ربما لو ِأكملت دراستك كنت أعطيت أهم مما أعطيته حتى الآن؟^ أعتقد بـ«لا»... لقد طرحت على نفسي هذا السؤال أكثر من مرة لكنني أنا استفدت من الأشخاص الذين أتيح لي مصادقتهم، استفدت كأنني في مدرسة، ناهيك عن العلاقات الإنسانية التي ربطتني بهم وتجذرت، ولم تكن عابرة، ما جعلني أتشرب أفكارهم. من محمد عيتاني اكتسبت الثقافة الأوروبية، كنا نذهب «مشاوير» إلى رأس بيروت، والزيتونة، وطوال الطريق يظل محمد عيتاني يحكي لي، هو حكّاء هائل، بنوع من التلذذ، ويشعر بأهمية ما يحكيه بالنسبة إلي، وكونه يحكي لي بالذات بكثير من الحب. كنت أعرف منه لأغذي مخزوني الثقافي الذي يظهر لاحقاً في كتابات لا تخطر ببالك، تتذكر فتكتب حتى لو لم تكتب ما سمعت، بل من هذا التكوين المزاجي الإبداعي النقدي. أنا الآن تجاوزت الثمانين، وأقول: إذا أتى وقت علي وتوقفت عن الكتابة معناها أنني متّ. هذه هي حياتي منذ 1958، بل قبلها منذ أواخر الأربعينيات وليس عندي حياة غيرها، حتى أن المهن التي مارستها أفادتني كثيراً، كانت بالنسبة إلي كما النهر.هل أنت فرح لأنك كتبت جذور السنديانة الحمراء؟^ جداً. كتبته من حرقة قلبي، بنوع من الوجد. وكتبت في مقدمة الكتاب كيف أرسلوا بطلبي من موسكو عام 1974 وكنت أدرس في «معهد العلوم الاجتماعية» لأكتب كتاباً في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الشيوعي، ثم كيف جمعت ما جمعته وكيف ساعدني كل من آرتين مادويان ويوسف إبراهيم يزبك وخليل الدبس. لكن وجدت خلال تركيزي على الفترة بين تأسيس الحزب سنة 1924 وسنة 1931، تاريخ تسلم خالد بكداش الأمانة العامة للحزب، أن الأخير محا كل الفترة التأسيسية للحزب وكأنها ليست موجودة. لا يوجد فيها لا فؤاد الشمالي ولا يوسف يزبك ولا غيرهما من مؤسسي الحزب. قررت بيني وبين نفسي أن فرصتك أتت يا محمد في إعادة كتابة تاريخ الحزب وتصويبه لا سيما هذه الفترة الممحوة. هذه الفترة كانت من أهم الفترات النضالية في حياة الحزب إن لم تكن الأهم. كيف أن ستة أشخاص صنعوا حزبا صار ملء لبنان، كانت فترة ملحمية لمسيرة الحزب. كانوا مناضلين حقيقيين وكان لديهم أمل أننا نحن سنبني نظامنا الآتي. عندما بدأت أكتب شعرت بأنني أتوحد مع هؤلاء الأشخاص الذين كانوا مظلومين والذي ظلمهم لم يكن حكماً أو حاكماً بل خالد بكداش. لقد مات فؤاد الشمالي من الجوع بعدما اتهمه خالد بكداش بأنه عميل استخبارات فرنسية. وكيف يموت العميل من الجوع؟ هكذا كان خالد بكداش، عندما يريد أن يزيح أحداً كان يرمي عليه تهمة، وهو قد أتى من الاتحاد السوفييتي منصباً أميناً عاماً وبقي كذلك 58 سنة، لا يوجد ملك بقي كل هذه المدة. لم أشعر بأنني أكتب تاريخاً بارداً وموضوعياً، بل تاريخ مناضلين أحببتهم، وكان كتابا موثقاً آخر درجات التوثيق. إنه الكتاب الذي أعتز به من بين كل كتبي وقد كتبته بوجد هائل.حرقة بقلبيلو لم يكتب محمد دكروب «جذور السنديانة الحمراء»، فهل كان أحد ما من شيوعيي الحزب سيقوم بهذه المهمة؟^ (يتنهد بعمق) لا، لا... وهذه حرقة بقلبي أن التاريخ التوثيقي العلمي للحزب في تلك الفترة وما تلاها يحتاج إلى لجنة اختصاصصين علميين وأين هي؟ يستحيل أن يكتبه واحد. أنا اخترت الشكل الذي كتب فيه بين التوثيقي والروائي وبنوع من الوجد والتوفق الكتابي لكي يكون كتاباً مؤنساً. وعندما انتهيت منه قال لي خليل الدبس الذي كنت أحترمه وأحبه: «هل تعلم يا محمد أن هذا الكتاب قد يكون كتابك الوحيد حتى في تقديرك انت؟ هذا الكتاب جمعته بثلاثة أشهر وكتبته بثلاثة أخرى، إنما كنت بحالة غير بشرية، كان عندي هوس بالكتابة، هوس بالحزب، هوس بداخلي تجاه الحزب. ويسألني البعض هل ما زلت بالحزب الذي انفرط عقده؟ فأرد: لو أن كل الحزب الشيوعي انفرط في لبنان، سيبقى حزب شيوعي اسمه محمد دكروب.كيف تزجي الوقت هنا في بيروت؟^ بعدما كبرت بالعمر صارت الكتابة مرهقة، وصرت أمضي اكثر الوقت بالبيت والكتابة. أنا محظوظ في أن لي صداقات واسعة وأطل من خلالها على مختلف الاتجاهات والأجواء، ولا توجد عندي عصبيات، كما أن علاقاتي جيدة مع الصحافة والصحافيين. ما عدت أشارك في سجال فكري ثقافي. في ذاك الزمن كان السجال يجري من كعب الدست ثم ننهيه بسكرة وفرح ومرح. إن أصدقائي الخصوصيين هم من رحلوا. وممن لم يأتوا من الزمن، حبيب صادق، هو من أعز الأصدقاء عندي والذي دائماً أنا وهو نشعر بنقص ما لو لم نحك كل يوم أو نلتقِ. إن صداقات الأدب والثقافة صداقات لا تنتهي. أما سياسيو هذا البلد فإن 99 بالمئة منهم كاذبون انتهازيون مع القول. لذلك أنا لست مغرماً كثيراً بصداقات السياسيين حتى لو كانوا في الحزب الشيوعي.هل هناك ما كنت ترغب بكتابته ولم تكتبه؟^ لم أندم على شيء في كل مسيرتي الطويلة، لكن كتابة القصص القصيرة التي كنت انتهجها بين الخمسينيات والستينيات، اصدرت منها مجموعة وتمنعت عن مجموعة أخرى أندم اليوم على فعلي هذا. ربما تملكني في الستينيات شعور بأن النمط الجديد لكتابة القصة قد تجاوزني وأنني قد تخلفت عنه فقطعت. هذه القطيعة ندمت عليها لأن كان من الممكن أن أتجاوز هذه العقبة التي تجلت بالتجديد على صعيد المسرح والموسيقى والشعر وغيرها، وأن أستمر بكتابة القصص. اتخذت قرارا واقتنعت به في حينه في أنني لم أعد أستطيع مجاراة الموجة الجديدة، فوقفت وقوفاً نبيلاً لكن كان غبياً، إذ كان يمكن أن أواصل. إنها حرقة في قلبي لأن حياتي كانت غنية بشكل يمكن أي روائي أن يغرف منها روايات وروايات. لذلك كانت مقالاتي وأبحاثي في النقد الأدبي فيها سرد قصصي، كان نوعاً من التعويض...أجرى الحوار: كامل جابر
لا يختلف العيد الـ89 للحزب الشيوعي كثيراً عن السنوات القليلة الماضية، سوى أن كثيرين من شيوعيي الشمال لم يستطيعوا القدوم إلى بيروت بسبب الحرب المستعرة في طرابلس. على المدخل الرئيسي للقاعة، يرمي عدد من الشيوعيين الشباب، كلٌّ بملاحظاته، عن وجه الشبه بين العيد العام الماضي في أنطلياس، وهذا العام. تُرى، ما الذي يدفع هؤلاء إلى القدوم كلّ عام في هذه المناسبة من البقاع والجنوب وبيروت والمتن، إلى احتفال مركزي، يسمعون فيه الخطب ذاتها ويرون أغلب الوجوه القديمة على قدمها؟ بل لماذا يبقون على التزامهم في «حزب الشعب» و«حزب الفقراء»، فيما التزم «الفقراء» و«الشعب» في أحزاب الطوائف والمذاهب؟ الجواب حاضر عند هؤلاء، «هذا حزبنا، عليه تربينا، وعليه سنربي أولادنا، وسواء كنا خارج التنظيم أو داخله، لا نخرج من الحزب». ببساطة، العيد يأتي بالجميع، طبعاً أولئك الذي لم يبتعدوا عن الحزب إلى توجهات سياسية أخرى. الحادية عشرة والربع، يقف الشيوعيون وضيوفهم تحية للنشيد الوطني اللبناني، ثم نشيد حزبهم. ترى شباناً وشابات، نساءً ورجالاً وأطفالاً ومسنين، تحركهم الحماسة، يزنّرون أعناقهم بالفولارات الحمراء المدموغة بالمنجل والمطرقة الذهبية والكوفيات الفلسطينية، يرفعون أياديهم اليسرى ويؤرجحونها على وقع النشيد. وإلى القاعة، يصل من الخارج صوت الشيوعيين الذين لم تتسع القاعة لهم، فجلسوا على أدراج الدخل، يرددون النشيد. يفرغ عريف الحفل وليد نعوس من الترحيب بممثلي الرئيس نبيه بري والنائب ميشال عون والسيد حسن نصر الله والأحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية، ثم يذكر عدداً من البرقيات التي وردت إلى الحزب من فروع الأحزاب الشيوعية في العالم المهنئة بالعيد، والمعزية برحيل المناضل محمد دكروب. ما إن يذكر نعوس ممثل الرئيس أمين الجميّل حتى يبدي الحاضرون أصواتاً توحي بالتململ. طبعاً، في كلّ مرة يذكر فيها عريف الحفل ومن بعده رئيس الحزب، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، تلتهب القاعة بالتصفيق الحار. ليست جبهة المقاومة وحدها تنال التصفيق، نصر الله أيضاً تلتهب القاعة عند ذكر اسمه. بعد عريف الحفل، يعتلي الأمين العام للحزب خالد حدادة المسرح، ويوافيه من الزاوية اليمنى خليفة، ليقدم الثنائي بعدها لتتيانا دكروب درعاً تكريمية لوالدها. تأخذ تتيانا الكلام، فتشكر الحزب على تكريم والدها، وتذكر من كتب وأعد التقارير عن والدها في الإعلام بعد رحيله أن يسأل عائلته رأيها في تفاصيل حياة الرجل، «محمد دكروب بقي منتجاً مادياً ومعنوياً إلى آخر يومٍ في عمره». أكثر من ثلث ساعة، يستفيض فيها حدادة شرحاً وتفصيلاً عن الواقع اللبناني المرير، ثمّ يمرّ مرور الكرام على أزمات سوريا ومصر العالم العربي. تنصت غالبية القاعة إلى ما يقوله حدادة، فيما تتسلل قلّة ممن ملّ من الخطابات والمواقف ذاتها لفنجان قهوة من الإكسبرس عند مدخل «أريسكو». يصل صوت حدادة إلى الخارج، عن «انهيار الطبقة الحاكمة بعد أن جلبت على لبنان الحروب وحكومات الفساد وأورثت المواطنين الفقر والجوع ومزقتهم طائفياً ومذهبياً»، ويؤكد أن «هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الحل، بل المطلوب بناء دولة وطنية ديموقراطية علمانية مدنية بعيدة عن الاصطفافات المذهبية». وما إن يذكر هيئة التنسيق النقابية والوزير السابق شربل نحاس حتى يعلو التصفيق. أمر أساسي آخر يهمّ الشيوعيين، هو تحديد موعد للمؤتمر العام للحزب. فما إن أعلن حدادة أن «قيادة الحزب دعت المجلس المركزي للحزب الشيوعي إلى الانعقاد لصياغة برنامج نضالي متكامل في المؤتمر الحادي عشر للحزب، والمطلوب هو إشراك الشيوعيين الديموقراطيين في صياغة وثائق المؤتمر»، حتى بدأ عدد من الشباب بالتساؤل عن موعد المؤتمر العام، «تأجل المؤتمر من شباط الماضي إلى حزيران، ثم إلى تشرين الأول الحالي ولم يعقد، وما قاله الأمين العام الآن هو تأجيل مبهم، لا نعرف السبب، لكن الحزب بحاجة إلى بلورة مشروعه وتجديد كوادره لمواجهة المرحلة المقبلة». وبالإضافة إلى موعد المؤتمر، ردّد الشيوعيون أن الطرح السياسي الذي تنتهجه القيادة الحالية يحمل الكثير من التأويل لموقف الحزب من التطورات الحالية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة السورية، «هل نحن مع الثورة أو ضد الثورة؟ هل نحن مع الجيش السوري أو ضده؟ ماذا عن العلاقة مع حزب الله؟ هناك ما يفرقنا عن الحزب في القضايا الطائفية، لكن ما يجمعنا في موضوع المقاومة كبير ومهم، ألا يستأهل الأمر مناقشة ودراسة لتحديد شكل أوضح للعلاقة مع حزب الله؟ الحزب يحتاج إلى المؤتمر لإعادة الشيوعيين الجالسين في بيوتهم على عناوين سياسية وتنظيمية واضحة». في ختام الحفل، وزّع حدادة 117 درعاً لشيوعيين أمضوا أكثر من ستين عاماً في الحزب، بعضهم حضر رغم كبر سنّه، وبعضهم تولى مسؤولو المناطق والأقارب إيصال الدرع إليه.
بسام القنطار
مع دخول جورج عبدالله عامه الثلاثين في السجون الفرنسية، ينتظر أن يصدر في 4 تشرين الثاني المقبل تقرير مفصل حول وضعه عن فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة. وكانت الحملة الدولية المطالبة بإطلاق سراح عبدالله ومركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب قد تقدما بشكوى أمام هذا الفريق بعدما رفضت السلطات الفرنسية ترحيل عبدالله إلى لبنان في كانون الثاني الماضي، رغم صدور قرار قضائي بإطلاقه. وأصدر فريق من خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالاعتقال التعسفي، في الدورة الـ67 التي عقدت في جنيف في آب الماضي، تقريراً حول جورج عبدالله.
لكن التقرير بقي سرياً حتى 18 الشهر الجاري عندما أرسل إلى الحكومة الفرنسية على أن يسلم بعد أسبوعين إلى الجهة التي تقدمت بالشكوى وفق الآلية الإجرائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة. ويرى الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي أن الحرمان من الحرية إجراء تعسفي إذا اتضحت استحالة الاحتجاج بأي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية مثل إبقاء الشخص رهن الاحتجاز بعد قضاء مدة عقوبته. ويعد تقديم شكوى ضد فرنسا أمام هذه الآلية الإجرائية في الامم المتحدة سابقة. فلقد أنشئ فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي عام 1991، بمبادرة من فرنسا التي ترأسته من عام 1991 إلى 1997، بموجب القرار 1942/91 للجنة حقوق الإنسان. وشهدت نهاية الأسبوع الماضي حملة تضامن واسعة مع عبدالله بالتزامن مع ذكرى اعتقاله. واحتشد قرب سجن لانميزان في منطقة البيرينيه، حيث يحتجز، قرابة 360 شخصاً، أول من أمس، قدموا من مختلف المناطق الفرنسية ويمثلون أكثر من ستين منظمة ومجموعة تنشط من أجل إطلاق سراحه. وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها: «الحرية الآن» و«ثلاثون عاماً تكفي، حرّروا جورج»، كما وقف ثلاثون ناشطاً بالقرب من جدار السجن حاملين صور عبدالله في دلالة على عدد السنوات التي قضاها في الأسر. وفي مقاطعة بو حيث تعيش الأغلبية الاوكستانية، حاولت مجموعة من الناشطين احتلال مقر الحزب الاشتراكي الحاكم تضامناً مع جورج عبدالله حيث احتجزت الشرطة ثمانية نشطاء. وفي الأرجنتين، نُظّمت وقفة تضامنية أمام السفارة الفرنسية بدعوة من حملة التضامن النوعية التي تشهدها تلك البلاد تضامناً مع من بات يوصف بانه أقدم سجين سياسي في أوروبا. وفي بيروت، نفذت الحملة الدولية للإفراج عن عبدالله اعتصاماً أمس أمام مقر السفارة الفرنسية. وأقفلت القوى الامنية كافة المداخل المؤدية الى السفارة ووضعت حاجزاً حديدياً وعناصر مكافحة الشغب عند مدخل السفارة، رغم عدم وجود السفير دوني بييتون أو أي من الدبلوماسيين الفرنسيين في المقر. ورفع المعتصمون أعلاماً حمراء تحمل صور عبدالله، كما رفعت صورة تسخر من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تحتجز حكومته الأسير عبدالله منذ قرابة ستة أشهر رهينة بعد أن صدر حكم قضائي بالإفراج عنه مطلع السنة الجارية. روبير عبدالله أكد باسم المعتصمين أنه منذ صدور قرار محكمة التمييز الفرنسية في 4 نيسان الماضي «تحول جورج الى رهينة بعد أن مارست الإدارة الفرنسية كل أساليب التحايل على القانون من أجل تعطيل قرار إطلاقه الصادر عن محكمة تنفيذ الأحكام، وشهرت بقيادة (وزير الداخلية الفرنسي) الصهيوني مانويل فالس قوة القهر عارية بوجه هذا المناضل وحولته إلى مخطوف ومارست بحقه ما تمارسه أي عصابة». وكان عدد من النواب الفرنسيين قد وجهوا رسالة مفتوحة إلى هولاند طالبوا فيها بالإفراج عن عبدالله، ووصفوا رفض طلب ترحيله الى لبنان بالمشين، مطالبين هولاند «بإنهاء هذا الظلم واتخاذ إجراءات أياً كانت الضغوط الخارجية من أجل الإفراج عنه وعودته إلى لبنان». وأكد عبدالله أن «موقف النواب المنتخبين خير دليل على أن الإدارة الفرنسية لم تسقط فقط مفاهيم العدالة واستقلالية القضاء، بل إنها أسقطت أيضاً كل مفاهيم الديمقراطية». ولفت إلى أن الحملة الدولية المطالبة بإطلاقه ستعلن قريباً «سلسلة تحركات جديدة ستفوق بكثير التحركات السابقة».
كثيرون من اللبنانيين يموتون على عقائد وقناعات دينيّة وفكرية وإنسانيّة غير التي ولدوا وأهلهم عليها.وكثيرون من هؤلاء يعبّرون عن ذلك، وفي مسيراتهم مواقف وسلوكيات وربما مؤلفات وعلاقات تؤكد خروجهم من المذاهب والعادات والتقاليد الأهليّة، وربما من الأديان.لكن مع موتهم يُطمس ذلك كلّه، أو يُسكَت عنه. ويؤخذ الموتى غرباء في جنازات تنتصر فيها المؤسسات المذهبية التي كانوا، في حياتهم، خارجها وربما متمرّدين عليها.يحصل ذلك مع صمت الرفاق والأصدقاء الأحياء الذين يسير بعضهم في الجنازات.لا أجوبة لأسئلة من نوع: لماذا يُخطف الأموات ويُحتكر الموت دينيّاً ومذهبيّاً؟ ولماذا لا يُترك الأموات مع قناعاتهم وخياراتهم؟فمع مصادرة الموتى تُمنح المذاهب والأديان فرصة إضافيّة للقبض على المساحات الإنسانيّة كلّها. وهي لولا الفوائد المعنوية والماديّة من ذلك لكانت ترفض «إعادة» كثيرين من الموتى إليها وإلى «جنّاتها». ومن أولى الفوائد تلك، فكرة أنها تمثّل من بيده الحياة والموت، وفكرة أنّها متسامحة مع أي خروج عنها ولو كان تمرّداً. وبالتالي تسخيف الخروج - التمـــــرّد وجعله خطــــيئة أو خطأ ونزوة. وهذا بحد ذاته تمويت إضـــافي للميّت.لكنَّ المسألة، لبنانيّاً، مذهبيّة أكثر منها دينية. والمواقف من الأديان، حتى مع أحمد فارس الشدياق وجبران خليل جبران والماركسيين، تراوح بين الشخصي ونقد المذهبيّة ومؤسساتها ورجالها.لماذا تُسلب حريّة المواطنين اللامذهبيين في لحظة الموت؟ فاختيار طريقة الدفن ومكانه حق على الدولة أن تكفله، وعلى المجتمع المدني والرفاق والأصدقاء أن يحفظوه، من أجل الكرامة الشخصيّة واحتراماً للقناعات والخيارات.. ولأهداف وطنية.لماذا لا يُطالب بمدافن لامذهبيّة يختار المواطن مكانه فيها وطريقة تشييع جثمانه؟حسان الزين
ياسمين شوّاف «متمسّكون بلبنان الذي ساهمنا في ولادته ونموّه»، تذكير سريع بالاستعمار وإنجازاته يزين شوارع بيروت وأزقّتها. اختارت إحدى المؤسسات العائدة إلى زمن الإرساليات التبشيرية الفرنسية هذه الجملة لتثقل كاهل اللبنانيين بجميل هم بغنى عنه. قد يُهيأ لفرنسا وممثليها في لبنان أن هذا الأخير لا يزال «محمية» اختيرت لتكون «أمه الحنون». وقد يكون جورج عبدالله رهينة هذه «النوستلجيا» ومثال على محاولات إعادة التمركز والسيطرة. «وين الدولة اللبنانية لتفهِّم الفرنساوية، نحنا بدولة مستقلة، نحنا ما عدنا محمية»، هكذا نادى المعتصمون أمام السفارة الفرنسية أمس، لمناسبة مرور 30 عاماً على اعتقال الأسير جورج عبدالله. تجمع أصدقاء جورج بدعوة من «الحملة الدولية للإفراج عن الأسير اللبناني جورج عبد الله» وندّدوا باستمرار احتجاز الإدارة الفرنسية عبدالله على الرغم من صدور حكم قضائي بالإفراج عنه مطلع العام الحالي. وبذلك أصبح الأسير اللبناني رهينة، أو «مختطفاً» على حد قول الناشطين، لدى الحكومة الفرنسية. وإن تغيّبت الدولة اللبنانية عن ملف عبدالله، لم تتهاون القوى الأمنية مع هؤلاء الذين أرادوا رفع الصوت من أجل حريته. فأقفلت القوى الأمنية جميع المداخل المؤدية إلى السفارة ووضعت حاجزاً حديدياً. كما انتشرت عناصر مكافحة الشغب عند مدخل السفارة، وذلك رغم عدم وجود أي من السفير دوني بييتون أو الديبلوماسيين.وعلى الرغم من أن سلسلة التحركات السابقة لم تحقق أهدافها بقدر ما أمل القيّمون عليها، يؤكد روبير عبد الله، شقيق جورج، أن «التضامن مع أخيه لن يتوقف مهما توالت السنوات والأيام». وتابع: «سنستمر بكل أشكال النضال كي يخرج جورج من السجن». وحيّا «الموقف الصادر عن نواب منتخبين في فرنسا موجّه إلى الرئيس فرنسوا هولاند ويقضي بإطلاق سراح جورج عبد الله»، وأشار إلى أن «هذا الموقف هو خير دليل على أن الإدارة الفرنسية لم تسقط فقط مفاهيم العدالة واستقلالية القضاء، بل أنها أسقطت أيضاً كل مفاهيم الديموقراطية». واستنكر روبير عبد الله «ممارسات الإدارة الفرنسية من أساليب تحايل على القانون من أجل تعطيل قرار إطلاق سراح جورج الصادر عن محكمة تنفيذ الأحكام»، متابعاً: «إن هذه الإدارة مارست بقيادة وزير الداخلية الفرنسي الصهيوني مانويل فالس بحقه ما تمارسه أي عصابة».وصدّق مؤيدو عبدالله في مطالبتهم الدولة التحرك لإبعاد الشبهات عن تبعيتها لفرنسا، التي قد تكون ظنّت أنها، وبعد مرور 70 عاماً على استقلال لبنان، أنها ما تزال تملك حق تقرير مصير الشعوب والتفرد بالقرارات المتعلقة باللبنانيين. ويصادف كل ذلك قبل فترة تقل عن الشهر تفصل عن ذكرى الاستقلال، فهل تكون قضية جورج عبد الله فرصة جديدة للدولة اللبنانية لتثبت استقلالها الفعلي؟
عند مدخل سينما «اريسكو بالاس» في منطقة الصنائع، حيث اقام «الحزب الشيوعي اللبناني» مهرجان الذكرى التاسعة والثمانين لتأسيسه، ارتفعت لافتة كتبت عليها بطاقة تعريف قديمة جديدة بالحزب: «مقاوم للمخطط الامبريالي الصهيوني، حزب وحدة لبنان وبناء الدولة المدنية الديموقراطية العلمانية»، لينتظم الحضور الشيوعي في قاعة ضاقت بهم وهي التي اعتادت عليهم لا لقلة حضورهم وحسب انما بسبب إلفتها للوجوه التي برغم تقدم معظمها في العمر، قد حافظت على ممارسة طقس سنوي توكيدا للهوية الحمراء.
وعلى جاري عادته، أطل الأمين العام الدكتور خالد حدادة عازفا وحيدا وبكلمة مطولة، استهلها بالاشارة الى ان قيادة الحزب دعت المجلس المركزي الى الانعقاد لصياغة برنامج نضالي متكامل للمؤتمر الحادي عشر للحزب المقرر عقده في العام 2014، مشيراً إلى أن «المطلوب هو إشراك الشيوعيين والديموقراطيين في صياغة وثائق المؤتمر». المؤتمر سيناقش بطبيعة الحال ازمة الحزب وهي مرتبطة بأزمة البلاد التي قال فيها حدادة اكثر مما قاله في ازمة حزبه. اشار الأمين العام الى ان لبنان «يعيش اليوم أكبر أزماته وهو بدون مجلس وزراء وبمجلس نيابي مشلول، وسط محاولات للعبث بالأجهزة الأمنية وتكوينها ومهامها الوطنية». لم يخرج حدادة عن خطابه التقليدي حين وصف «الطبقة الحاكمة المنهارة» بأنها جلبت للبنان الحروب الاهلية والازمات وحكومات الفساد والهدر والتبعية السياسية والاقتصادية، واورثت المواطنين الفقر والجوع، ومزقتهم طائفيا ومذهبيا، ومنعت عملية الاصلاح». وقال: «هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الحل، بل المطلوب بناء دولة وطنية ديموقراطية علمانية مدنية بعيدة عن الاصطفافات المذهبية». وخلص حدادة للمطالبة بالتغيير الديموقراطي عبر إقرار قانون انتخابي عصري على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي. واعلن وقوف الحزب الى جانب الشعب السوري وحقوقه. وانتقد سياسة النأي بالنفس المتبعة من الدولة اللبنانية، وغمز من قناة «الثورة الفلسطينية»، مطالبا «بالعودة الى سياسة المقاومة بأشكالها كافة، وعدم الانزلاق لمحاور الصراع على التسويات الاقليمية والدولية». المناسبة، وان كانت سياسية وحزبية بامتياز، إلّا انها كانت اجتماعية ايضا «رفاق الدرب يلتقون فقط في المناسبات». عبارة يكررها «رفاق» كثر، في معرض انتقاد الذات والآخرين، «فالشيوعي الذي كان مستعدا مع رفاق آخرين، للتضحية بحياتهم لأجل قضية، لم يعد يجد فعالية على الارض تجمعه برفاقه الا الذكريات النضالية». أما الخطاب «فحدث ولا حرج عن افتقاده للجاذبية». انعقدت الحلقات خارج قاعة المهرجان، وحملت في طياتها نقاشات حزبية يغلب عليها الطابع التنظيمي. الحاضر الابرز في العيد الـ89 هو الراحل محمد دكروب بصورته الكبيرة خلف المنصة وبحرص حدادة على تحيته في كلمته وبكلمة ألقتها ابنة الراحل تانيا وحيّت فيها الحشد الشيوعي، وقدم لها الفنان مارسيل خليفة درعا تقديريا «عربون وفاء لفقيد السنديانة الحمراء». وشمل التكريم أيضا نخبة من قدامى الشيوعيين بينهم المفكر كريم مروة والقيادي المعروف جورج بطل. وللمناسبة، اقام «الشيوعي» احتفالا في بلدة طيردبا في قضاء صور تحدث فيه عضو القيادة في الجنوب الزميل حسين سعد مستعرضا مسيرة الحزب والمحطات النضالية على اختلافها، وفي مقدمها الدفاع عن القضية الاجتماعية والحريات وإطلاق المقاومة الوطنية والذي دفع في سبيلهما اغلى التضحيات».
اعلنت «الحملة الدولية لإطلاق سراح الأسير جورج عبدالله» أن «عدداً من النواب الفرنسيين وجهوا رسالة مفتوحة الى الرئيس فرنسوا هولاند طالبوا فيها بالإفراج عن الاسير اللبناني جورج ابراهيم عبد الله الذي دخل هذا الاسبوع عامه الـ30 في السجن في فرنسا». ووصف الموقعون عبد الله بأنه «أقدم سجين سياسي في أوروبا، ولا شك في أنه من أقدم السجناء السياسيين في العالم»، مشيرين إلى أنه «كان يمكن ان يستفيد من إفراج مشروط منذ 1999». واعلنوا انه «فيما اعرب لبنان عن استعداده لاستقباله، رفض هذا الطلب ثماني مرات»، واصفين هذا الرفض بأنه «مشين لا سيما أنه في العام 1985 وفي إطار المفاوضات من أجل الافراج عن رهينة فرنسي، وافقت أعلى السلطات الفرنسية على الإفراج عنه، لكنها لم تف بوعدها»، وطالبوا هولاند «بإنهاء هذا الظلم واتخاذ إجراءات أياً كانت الضغوط الخارجية من اجل الإفراج عنه وعودته الى لبنان». اما محامي عبد الله، جان لوي شالانسيه، فندّد بطول مدة سجنه «بشكل واضح من اجل ارضاء الولايات المتحدة». ومن المقرر تنظيم تظاهرة دعم في لانميزان (جنوب غرب فرنسا) امام السجن الذي يحتجز فيه عبد الله، السبت المقبل، كما تنظم تظاهرة احتجاجية امام السفارة الفرنسية في بيروت عند الثانية عشرة والنصف من ظهر الأحد المقبل.
شهدت السنوات القليلة الماضية تطورات متسارعة على المستوى السياسي والاقتصادي، ارتبط ذلك باشتداد أزمة النظام الرأسمالي العالمي الذي انكشفت أزماته الدورية في انهيار المصارف وارتفاع معدلات البطالة في بلدان المركز الرأسمالي من جهة، والتحركات العمالية والشعبية المطالبة بوضع حد لسياسة الافقار والتهميش والمديونية من جهة أخرى. أمام اشتداد الازمة البنيوية للنظام الراسمالي، والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية التي شملت معظم دول العالم الراسمالي، دفع ذلك باتجاه المزيد من الأطماع ومحاولة السيطرة على مقدرات الشعوب وخيراتها عبر سياسة الهروب الى الأمام وافتعال الحروب وتعزيز الخلافات وتشديد الضغوط تحت ذرائع متعددة، مما يعني المزيد من التوتر العسكري والأمني والحروب الإقليمية التي تعطي دفعاً باتجاه صناعة وتجارة الأسلحة وتعزيز دور الشركات الامنية. إن الإمبريالية العالمية ما زالت تواجه المزيد من الإشكاليات والأزمات المتتالية، فالولايات المتحدة لا تزال تعيش هاجس الهزيمة و الخروج من العراق وتتعرض للهزائم في عدد من دول اميركا اللاتينية التي خرجت من تحت عباءتها باتجاه المشروع الرافض للهيمنة والسيطرة على إرادة ومقدرات الشعوب. كما أنها تواجه اليوم صعود أقطاب اقتصادية جديدة تدفع لتكون عالم متعدد الأقطاب، وتقف عاجزة في إيجاد التدابير والخطط الاقتصادية اللازمة للخروج من الأزمة التي عصفت بها منذ العام 2008. أمام التسابق الرأسمالي بين المراكز الرأسمالية القديمة والمستجدة، وفي ظل الصراع على اقتسام الأسواق العالمية، والسيطرة على المواد الأولية وأماكن المخزون النفطي، وحماية خطوط النقل التي تربط مراكز الإنتاج في الدول بمراكز الاستهلاك في الدول الراسمالية، تتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال إقريقيا - التي تحتفظ بمخزون نفطي يتجاوز ال 10% من مجمل المخزون العالمي - إلى مستويات متصاعدة من الحروب والصراعات ولجوء الامبريالية إلى إذكاء الصراعات المذهبية والإثنية فيها. في هذا الوقت الذي تعيد فيه الامبريالية الأميركية ترتيب أوراقها في المنطقة بعد أن منيت بالهزيمة في العراق، تسعى الى اعادة تنظيم حضورها في المنطقة عبر التخفيف من وطأة الهزيمة في العراق، وإعادة تشديد الحصار على إيران عبر إعطاء دور رئيسي للحكومة التركية في تنظيم وجود حلف شمال الاطلسي على أراضيها بشكل مركزي، ومحاولة إعطائها مبررات للتدخل في دول المنطقة مرة بحجة تمدد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، ومرة بحجة حماية حدودها مع الجانب السوري. هذا الدور التركي يُهدف من خلاله الى مركزة قوات الناتو في الداخل التركي، الملاصق للجمهوريات السوفياتية السابقة مما يساعد على تشديد الخناق على روسيا بعد أن وافقت حكومة افغانستان على إبقاء القوات العسكرية على اراضيها. فلسطين – القضية المركزية في المنطقة – تعاني من الاحتلال ، حيث يقوم العدو الصهيوني يوميا بالقصف على غزة وبالإعتقالات، ويتواصل تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وتتوسع بقعة الاستيطان السرطاني غير الشرعي في القدس والضفة الغربية بشكل يمنع أي أفق لبناء دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، كما لا يزال جدار الفصل العنصري يقطع أوصال فلسطين. إلى جانب ذلك، يمارس الإحتلال الصهيوني سياسة عنصرية ضد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، حيث تتم مصادرة أبسط حقوقهم وتمارس عليهم سلطات الإحتلال سياسة الترهيب تمهيداً لفرض تهجير جديد عليهم. هذا الواقع العدواني يقابله صمود فلسطيني ومقاومة باسلة متعددة الأشكال عمرها من عمر الإحتلال، يعبر من خلالها هذا الشعب الجبار عن إصراره على الدفاع عن حقوقه وعن رفضه التنازل عن ثوابته الوطنية، وكان منها صمود الرفاق في سجون الاحتلال الإسرائيلي في معركة الأمعاء الخاوية نحو إنتصار جديد حقق لهم مطالبهم. وصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في الحرب الأخيرة على غزة. يؤكد الوفدي دعوته إلى وقف الإحتلال الصهيوني، ويدعم بشكل حاسم وقاطع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة لجميع اللاجئين والإفراج الفوري عن جميع الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية. ويؤكد الوفدي على حق المقاومة في كافة أشكالها. وعلى أهمية المصالحة الفلسطينية في توحيد موقف الشعب الفلسطيني. عاشت مصر وتونس خلال الفترة الماضية حركة ثورية شعبية حقيقية اجتاحت الساحات بالملايين وطالب الناس بإسقاط النظام وتحقيق تغييرات جذرية سياسية واقتصادية – اجتماعية كما كان واضحاً من شعارات المتظاهرين. لقد حقق شعبا هذين البلدين إنجازاً كبيراً عبر تمكنهم من إزاحة رأس النظام في كل بلد تحت ضغط الشارع ودون تدخلات خارجية فاعلة، لكن استلام حركات الإسلام السياسي المرتبطة بالإمبريالية أعادت إنتاج نفس النهج على المستويين الإقتصادي والسياسي، ففي كل من مصر وتونس أبقت حركات الإسلام السياسي على النهج الاقتصادي التابع للمؤسسات المالية الكبرى، وحافظت على سياسة الإفقار التي أخرجت الملايين في الشوارع، كما أنها أعلنت منذ استلامها للسلطة اعترافاً واضحاً بالكيان الصهيوني وحفاظاً على العلاقات الدبلوماسية معه. نتيجة لذلك كان من الطبيعي أن تستمر القوى التقدمية في تونس وفي مصر في النضال من أجل إحداث تغييرات حقيقية وجذرية في بنية النظام تضمن الحقوق الاقتصادية الأساسية لشعبي البلدين إلى جانب المطالب الدائمة بالحريات العامة والحقوق السياسية والديمقراطية. وتخوض هذه القوى اليوم مواجهات حاسمة مع قوى الإسلام السياسي وفي ظل تدخل مستمر من قبل الامبريالية العالمية من خلال العديد من الأدوات إحداها "المنظمات غير حكومية" الممولة أجنبياً، لغايات الحفاظ على مصالحها ونفوذها وتجنب أية خيارات معادية لها قد تتمكن من الوصول إلى السلطة. وقد أبرزت الشهور الأخيرة تبلور مشروع وطني يناضل من أجل دولة مدنية بعيداً عن هيمنة الأحزاب الاسلامية وعن سطوة فلول النظام الأمني في نفس الوقت، وبدا واضحاً حجم التأييد الشعبي لهذا التيار التقدمي في الانتخابات وفي التحركات الشعبية. تشير حركة النضال الشعبية التي انطلقت في تونس، بعد اغتيال رمزين يسارين" شكري بلعيد" و"محمد البراهمي"، الى عودة الشعب التونسي الى طرح الشعارات الحقيقية التي قامت من أجلها الثورة وهي عناوين عريضة تبدأ من الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية الى رفض خطاب التيار الاسلامي المتمثل في حركة النهضة، وقد ظهر ذلك واضحاً فيما حققته القوى اليسارية في استعادة الاتحاد العام التونسي للشغل - والذي يعبر بشكل حقيقي عن مصالح العمال والفئات الشعبية – وفي نجاح القوى اليسارية والقومية في الاتحادات الطلابية في جامعات تونس، وكذلك في عودة الشعب المصري إلى الشارع وإسقاط حكم الاخوان المسلمين بسرعة قياسية وسط موجة اعتراضات شعبية استثنائية فاقت كل الأرقام والتوقعات إلى أن هذه الانتفاضات هي في مراحل أولى وتتطور بشكل متسارع بما يخدم مصالح الشعوب العربية في التحرر من هيمنة الإسلام السياسي من جهة والإملاءات الغربية من جهة أخرى. يتبنى الوفدي مطالب هذه القوى في تونس وفي مصر، ويدعم حق هذه الشعوب في التغيير، كما يؤكد على دور مصر المحوري في المنطقة ويؤكد على مطالب الشعب المصري في رفع الحصار عن قطاع غزة والعودة إلى موقع مصر الطبيعي في دعمها. تتعرض سوريا لأخطر هجمة امبريالية في تاريخها المعاصر، تقودها الإمبريالية وعلى رأسها الأمريكية والصهيونية عبر وكلائها وعملائها في المنطقة متمثلة بالحكومة التركية ذراع الناتو في المنطقة والممالك الرجعية الخليجية والإتحاد الأوروبي والعدو الصهيوني والعصابات التكفيرية الإجرامية المتسترة بالدين بهدف تدمير سوريا وتقسيمها وضرب محور المقاومة لاستكمال السيطرة على المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية. وإننا إذ نرفض التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر في سوريا والذي كان آخره التهديدات الأمريكية العدوانية بضرب سوريا وشعبها، وندين أيضاً العقوبات الإقتصادية المفروضة على الشعب السوري ونطالب بالإنهاء الفوري لهذه العقوبات الجائرة، والتي تضرب وتستهدف الشعب السوري. ونؤكد على ضرورة تعزيز عوامل الصمود الوطني السوري ضد هذه الحرب العدوانية وضد القوى التكفيرية والظلامية الممولة والمدعومة خليجياً وأمريكياً وامبريالياً، وذلك من خلال الإستمرار في نهج المقاومة وتعزيز الحريات الديمقراطية وتحقيق الإصلاحات والمطالب الشعبية من خلال العودة عن الأخطاء الجسيمة في السياسة الاقتصادية السورية خلال السنوات الماضية. ونؤكد أيضاً بأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة في سوريا، ذلك عبر الحوار الوطني الشامل بين جميع القوى السياسية الوطنية الرافضة للتدخل الخارجي والتسليح والإجرام التكفيري وصولاً إلى تحقيق الأمن والإستقرار والسلام في سوريا والمنطقة. كذلك لا يزال العدو الصهيوني يحتل الAffinityCMSن السوري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا جنوب لبنان، في هذا الإطار يؤكد الوفدي دعمه الواضح لإستعادة الAffinityCMSن وتحريره من الإحتلال الصهيوني والدعوة إلى الإفراج عن الأسرى، كما يدعم حق الشعب اللبناني في المقاومة وتحرير ما تبقى من أراضيه والتصدي للإعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليه. وفي العراق، يؤكد الوفدي دعمه للحراك الشعبي والشبابي الديمقراطي ونضاله السلمي الرافض لسياسة المحاصصة بكافة أشكالها، وسياسة خلق الأزمات والتهميش نتيجة الاحتلال الأمريكي الذي تفاقمت معه الأوضاع الأمنية السيئة والبطالة ومسائل الفساد المالي والإداري. كما يدعو الوفدي إلى محاربة ظاهرة العسكرة في المجتمع والميليشيات المسلحة المدعومة من الخارج وتداخلها مع السلطة. ويشير إلى خطورة بناء السدود باعتبارها حرب تجفيف مياه ظالمة تمارس ضد العراق ويؤيد الإسراع بإقرار القوانين المعطلة مثل قانون الأحزاب وقانون النفط والغاز والقوانين الأخرى التي تهم حياة الشعب وتضع العراق مجدداً في مواجهة المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة.
يعيش الأردن حالة من الغليان الشعبي حيث يعاني الناس من أزمة معيشية عميقة نتيجة الارتفاع العشوائي للأسعار بعد رفع الحكومة الدعم عن السلع الأساسية. يترافق ذلك مع استمرار سياسة التضييق على حركة الناشطين والأحزاب، فتمنع الندوات والتحركات الشعبية ويمارس النظام اعتقالات واسعة بحق المعارضين. وسط هذه الأزمة السياسية والاجتماعية، يقوم الشباب الأردني بحراك واسع بالتفاعل مع النقابات والأحزاب والهيئات الوطنية غير الممولة أجنبياً) حيث أن الحراك السياسي الأردني يعاني بشدة من انتشار المنظمات الممولة أجنبياً الهادفة إلى تفكيك المشهد السياسي وإجهاض تحقيق أية مكتسبات حقيقية له ومع المحافظات الأردنية من أجل المطالبة بتغييرات سياسية واقتصادية حقيقية وجذرية. يؤيد الوفدي مطالب الشعب والشباب الأردني بالتغيير ويدعو إلى إطلاق الحريات العامة ووقف كل أشكال التوقيف والمنع والقمع بحق شباب الأردن.
وفي البحرين يواصل الشعب مسيرته في الاحتجاج والتظاهر ضد آلة القمع المتمثلة في النظام الأمني، وسط تجييش طائفي ضد ثورة الشعب البحريني، وفي ظل غياب إعلامي مقصود عن تغطية الأحداث. في ظل ذلك يستكمل النظام ممارساته في الاعتقال والتعذيب وقمع المتظاهرين وملاحقتهم لفصلهم من عملهم، وفي مواجهة ذلك يطالب المحتجون في إنقاذ الاقتصاد البحريني المنهوب وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومواجهة سياسات التطبيع التي يتبناها النظام البحريني. يدعم الوفدي مطالب الشعب البحريني المحقة في الحرية والعدالة الاجتماعية. يدعم الوفدي نضال الشعب اليمني على قاعدة ثورة فبراير وحراكه الشعبي السلمي وحقه في التغيير والتقدم والبناء، كما يدين العنف والتدخلات والتجاذبات الإقليمية والدولية في الشأن السياسي الداخلي في اليمن والتي تهدف إلى عرقلة وإجهاض مشروع التغيير المنشود من منظور برغماتي ويطالب بإطلاق سراح كافة المعتقلين في السجون على ذمة قضايا سياسية وحقوقية ومطلبية. والإسراع في معالجة أوضاع شهداء وجرحى الثورة. وتنفيذ النقاط العشرين كمدخل لحل المشكلة الوطنية.
كما يدعم الوفدي الحراك الشعبي المطالب بالإصلاحات السياسية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية في السعودية ويطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي. ويدين القمع الوحشي والتعتيم الإعلامي الذي تمارسه السلطة على التحركات الشعبية في عدة مدن ومناطق سعودية. كذلك تتصاعد الأصوات المطالبة بالإصلاح في عدة دول خليجية مثل الكويت والإمارات وعمان في مسار تصاعدي. يدعم الوفدي هذه التحركات ويدعو لتطويرها والتنسيق فيما بينها وتصعيد احتجاجاتها السلمية باتجاه التغيير الديمقراطي. وندين التدخل القطري السعودي السافر في الشؤون العربية تنفيذاً للأجندة الأمريكية في المنطقة. في ليبيا اندلعت معارضة مسلحة أدت إلى تغيير النظام بدعم وتدخل مباشر وواسع من قبل الناتو وقوى خارجية أخرى، عربية وإقليمية، تحقيقاً لمصالحها الإستراتيجية، السياسية والإقتصادية، وطمعاً في ثروات البلاد الطبيعية، كما دمرت البلاد وقتلت عشرات الآلاف. الوفدي يطالب بالإنسحاب الفوري للناتو من ليبيا واحترام حق الشعب الليبي في اختيار نظامه السياسي الوطني الذي يستجيب لتطلعات الشعب الليبي في الحفاظ على وحدة أراضيه و الاستقلال الناجز والحرية والديمقراطية والتقدم والإستفادة من الموارد الطبيعية والنفطية في البلاد. أما لبنان فيعاني من احتدام أزمة النظام الطائفي وتزايد التحريض المذهبي وتتضاعف بوادر الانقسام بين مكونات المجتمع اللبناني، وتتفكك مؤسسات الدولة وهو ما يشكل خطراً على مستقبل البلاد الأمني والسياسي. كما تستمر الأزمة الاقتصادية الخانقة في ظل عجز السلطة عن تشكيل حكومة منذ أشهر ويقوم العمال والموظفون بنضالات كبيرة من أجل تحسين الأجور وحق التوظيف في وجه تحالف السلطة السياسية وطبقة رجال الأعمال المتحكمة في مصير البلاد. يدعو الوفدي إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق العدالة الاجتماعية كما يطالب بها الشباب اللبناني في تحركاته. في ظل هذا الواقع السياسي الصعب الذي تعيشه المنطقة لا بد للشباب من النضال من أجل مستقبل أفضل والتوحد على أهدافهم ومطالبهم ضد الامبريالية ومخططاتها في العدوان والحرب والتقسيم، وضد القوى الظلامية والرجعية العربية المتحالفة موضوعياً مع الامبريالية، والتي أنتجت أنظمة عربية تابعة للمراكز الرأسمالية العالمية. هذا النضال من أجل تحرير الأراضي المحتلة وتحقيق التغيير السياسي داخل البلدان والوصول إلى تغييرات اقتصادية اجتماعية جذرية تؤمن العدالة الاجتماعية لكل مواطني المنطقة. هذا النضال من أجل بناء حركات التحرر الوطنية المدخل الأساسي لتحرر الشعوب من الإستعمار والهيمنة الرأسمالية. في ظل هذه الأجواء يتكشف الشكل التناحري للصراع مع المشروع الصهيو-أمريكي، في مثل هذه الأيام اندلعت حرب تشرين لتؤكد أحداثها وقراراتها ،الصحيحة والخاطئة، أن لا سبيل للتصالح مع الامبريالية العالمية، وليس هناك من جسر للعبور إلى المشروع التحرري سوى نهج المقاومة الشاملة.
انتخب مؤتمر الاتحاد مجلساً وطنياً جديداً من الرفاق: احمد ترو إحسان المصري أحمد محيدلي أيمن مروة باسم عقل بلال نعمة حسان زيتوني حسين دلباني حسين سلطان خالد مشلب رائد عطايا ربيع القيم زهراء حجازية زياد يونس سهى شمص طارق بعبلكي عاصم ترحيني عدنان المقداد عفيف يونس علي حمود علي خليفة علي متيرك عمر الديب مازن المعوش مايا جلول محمد المعوش محمد بيز محمد جمول مروى صعب مصطفى شريف منى عوالي ميلاد لمع هاني عضاضة هبة الأعور يارا نمور يوسف اسماعيل وتستكمل العملية الانتخابية الأسبوع المقبل بانتخاب مكتب تنفيذي جديد للاتحاد