لا يختلف العيد الـ89 للحزب الشيوعي كثيراً عن السنوات القليلة الماضية، سوى أن كثيرين من شيوعيي الشمال لم يستطيعوا القدوم إلى بيروت بسبب الحرب المستعرة في طرابلس. على المدخل الرئيسي للقاعة، يرمي عدد من الشيوعيين الشباب، كلٌّ بملاحظاته، عن وجه الشبه بين العيد العام الماضي في أنطلياس، وهذا العام. تُرى، ما الذي يدفع هؤلاء إلى القدوم كلّ عام في هذه المناسبة من البقاع والجنوب وبيروت والمتن، إلى احتفال مركزي، يسمعون فيه الخطب ذاتها ويرون أغلب الوجوه القديمة على قدمها؟ بل لماذا يبقون على التزامهم في «حزب الشعب» و«حزب الفقراء»، فيما التزم «الفقراء» و«الشعب» في أحزاب الطوائف والمذاهب؟ الجواب حاضر عند هؤلاء، «هذا حزبنا، عليه تربينا، وعليه سنربي أولادنا، وسواء كنا خارج التنظيم أو داخله، لا نخرج من الحزب». ببساطة، العيد يأتي بالجميع، طبعاً أولئك الذي لم يبتعدوا عن الحزب إلى توجهات سياسية أخرى. الحادية عشرة والربع، يقف الشيوعيون وضيوفهم تحية للنشيد الوطني اللبناني، ثم نشيد حزبهم. ترى شباناً وشابات، نساءً ورجالاً وأطفالاً ومسنين، تحركهم الحماسة، يزنّرون أعناقهم بالفولارات الحمراء المدموغة بالمنجل والمطرقة الذهبية والكوفيات الفلسطينية، يرفعون أياديهم اليسرى ويؤرجحونها على وقع النشيد. وإلى القاعة، يصل من الخارج صوت الشيوعيين الذين لم تتسع القاعة لهم، فجلسوا على أدراج الدخل، يرددون النشيد. يفرغ عريف الحفل وليد نعوس من الترحيب بممثلي الرئيس نبيه بري والنائب ميشال عون والسيد حسن نصر الله والأحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية، ثم يذكر عدداً من البرقيات التي وردت إلى الحزب من فروع الأحزاب الشيوعية في العالم المهنئة بالعيد، والمعزية برحيل المناضل محمد دكروب. ما إن يذكر نعوس ممثل الرئيس أمين الجميّل حتى يبدي الحاضرون أصواتاً توحي بالتململ. طبعاً، في كلّ مرة يذكر فيها عريف الحفل ومن بعده رئيس الحزب، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، تلتهب القاعة بالتصفيق الحار. ليست جبهة المقاومة وحدها تنال التصفيق، نصر الله أيضاً تلتهب القاعة عند ذكر اسمه. بعد عريف الحفل، يعتلي الأمين العام للحزب خالد حدادة المسرح، ويوافيه من الزاوية اليمنى خليفة، ليقدم الثنائي بعدها لتتيانا دكروب درعاً تكريمية لوالدها. تأخذ تتيانا الكلام، فتشكر الحزب على تكريم والدها، وتذكر من كتب وأعد التقارير عن والدها في الإعلام بعد رحيله أن يسأل عائلته رأيها في تفاصيل حياة الرجل، «محمد دكروب بقي منتجاً مادياً ومعنوياً إلى آخر يومٍ في عمره». أكثر من ثلث ساعة، يستفيض فيها حدادة شرحاً وتفصيلاً عن الواقع اللبناني المرير، ثمّ يمرّ مرور الكرام على أزمات سوريا ومصر العالم العربي. تنصت غالبية القاعة إلى ما يقوله حدادة، فيما تتسلل قلّة ممن ملّ من الخطابات والمواقف ذاتها لفنجان قهوة من الإكسبرس عند مدخل «أريسكو». يصل صوت حدادة إلى الخارج، عن «انهيار الطبقة الحاكمة بعد أن جلبت على لبنان الحروب وحكومات الفساد وأورثت المواطنين الفقر والجوع ومزقتهم طائفياً ومذهبياً»، ويؤكد أن «هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الحل، بل المطلوب بناء دولة وطنية ديموقراطية علمانية مدنية بعيدة عن الاصطفافات المذهبية». وما إن يذكر هيئة التنسيق النقابية والوزير السابق شربل نحاس حتى يعلو التصفيق. أمر أساسي آخر يهمّ الشيوعيين، هو تحديد موعد للمؤتمر العام للحزب. فما إن أعلن حدادة أن «قيادة الحزب دعت المجلس المركزي للحزب الشيوعي إلى الانعقاد لصياغة برنامج نضالي متكامل في المؤتمر الحادي عشر للحزب، والمطلوب هو إشراك الشيوعيين الديموقراطيين في صياغة وثائق المؤتمر»، حتى بدأ عدد من الشباب بالتساؤل عن موعد المؤتمر العام، «تأجل المؤتمر من شباط الماضي إلى حزيران، ثم إلى تشرين الأول الحالي ولم يعقد، وما قاله الأمين العام الآن هو تأجيل مبهم، لا نعرف السبب، لكن الحزب بحاجة إلى بلورة مشروعه وتجديد كوادره لمواجهة المرحلة المقبلة». وبالإضافة إلى موعد المؤتمر، ردّد الشيوعيون أن الطرح السياسي الذي تنتهجه القيادة الحالية يحمل الكثير من التأويل لموقف الحزب من التطورات الحالية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة السورية، «هل نحن مع الثورة أو ضد الثورة؟ هل نحن مع الجيش السوري أو ضده؟ ماذا عن العلاقة مع حزب الله؟ هناك ما يفرقنا عن الحزب في القضايا الطائفية، لكن ما يجمعنا في موضوع المقاومة كبير ومهم، ألا يستأهل الأمر مناقشة ودراسة لتحديد شكل أوضح للعلاقة مع حزب الله؟ الحزب يحتاج إلى المؤتمر لإعادة الشيوعيين الجالسين في بيوتهم على عناوين سياسية وتنظيمية واضحة». في ختام الحفل، وزّع حدادة 117 درعاً لشيوعيين أمضوا أكثر من ستين عاماً في الحزب، بعضهم حضر رغم كبر سنّه، وبعضهم تولى مسؤولو المناطق والأقارب إيصال الدرع إليه.