كثيرون من اللبنانيين يموتون على عقائد وقناعات دينيّة وفكرية وإنسانيّة غير التي ولدوا وأهلهم عليها.وكثيرون من هؤلاء يعبّرون عن ذلك، وفي مسيراتهم مواقف وسلوكيات وربما مؤلفات وعلاقات تؤكد خروجهم من المذاهب والعادات والتقاليد الأهليّة، وربما من الأديان.لكن مع موتهم يُطمس ذلك كلّه، أو يُسكَت عنه. ويؤخذ الموتى غرباء في جنازات تنتصر فيها المؤسسات المذهبية التي كانوا، في حياتهم، خارجها وربما متمرّدين عليها.يحصل ذلك مع صمت الرفاق والأصدقاء الأحياء الذين يسير بعضهم في الجنازات.لا أجوبة لأسئلة من نوع: لماذا يُخطف الأموات ويُحتكر الموت دينيّاً ومذهبيّاً؟ ولماذا لا يُترك الأموات مع قناعاتهم وخياراتهم؟فمع مصادرة الموتى تُمنح المذاهب والأديان فرصة إضافيّة للقبض على المساحات الإنسانيّة كلّها. وهي لولا الفوائد المعنوية والماديّة من ذلك لكانت ترفض «إعادة» كثيرين من الموتى إليها وإلى «جنّاتها». ومن أولى الفوائد تلك، فكرة أنها تمثّل من بيده الحياة والموت، وفكرة أنّها متسامحة مع أي خروج عنها ولو كان تمرّداً. وبالتالي تسخيف الخروج - التمـــــرّد وجعله خطــــيئة أو خطأ ونزوة. وهذا بحد ذاته تمويت إضـــافي للميّت.لكنَّ المسألة، لبنانيّاً، مذهبيّة أكثر منها دينية. والمواقف من الأديان، حتى مع أحمد فارس الشدياق وجبران خليل جبران والماركسيين، تراوح بين الشخصي ونقد المذهبيّة ومؤسساتها ورجالها.لماذا تُسلب حريّة المواطنين اللامذهبيين في لحظة الموت؟ فاختيار طريقة الدفن ومكانه حق على الدولة أن تكفله، وعلى المجتمع المدني والرفاق والأصدقاء أن يحفظوه، من أجل الكرامة الشخصيّة واحتراماً للقناعات والخيارات.. ولأهداف وطنية.لماذا لا يُطالب بمدافن لامذهبيّة يختار المواطن مكانه فيها وطريقة تشييع جثمانه؟حسان الزين