شباب السفيريشكر خالد الهبر الأميركيين ساخراً، والسبب هو اختراع وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير بانتشار أعماله الموسيقية، والمساهمة بوصول الأغاني الملتزمة إلى فئات وشرائح اجتماعية لم يكن بوسعها الاطلاع عليها من قبل.صاحب "هيدا زمانك" يشدّد على أهمية استمرار الحزب الشيوعي، وضرورة تطوره. لا يوافق على تفضيل البعض لمصطلح اليساري، وكأنه مرادف لـ"شيوعي لايت". لخالد الكثير من الملاحظات على أداء الحزب، إلا أنه يرفض المجاهرة بها، ويفضل الاحتفاظ بها والإلان عنها في الوقت والأطر المناسبة. لو خيّر الهبر لكان اختار حنّا غريب لخوض الانتخابات النيابية عن الحزب الشيوعي.الفنان الملتزم الذي أخذ القرار بالانقطاع عن الغناء لمدة 5 سنوات بعد اتفاق الطائف، يتذكر تلك المرحلة معترفاً ان قراره ربما لم يكن صائباً. اليوم، يبدي الكثير من التشاؤم حيال ما آلت إليه الأمور في البلاد. لم يؤمن يوماً أن الحرب الأهلية انتهت، هي توقفت فقط عسكرياً، وهو يبشر اليوم بعودتها مجدداً. "لم يبق شيء في هذا البلد"، يقول الهبر. ويضيف "الشي الوحيد يلي باقي هو نحن الناس".ورغم التشاؤم يصرّ أن الحلم بالأفضل لا يزال متاحاً، وبأنه سيأتي يوم سيتمكّن أولئك الذين "سيلحقون" بنا بالعيش في بلد حر وديمقراطي بالمعني الحقيقي. لا فرق بين الهبر وزياد الرحباني، الاثنان متفقان سياسيا وفنياً. الجدل الذي ينفرد زياد بإثارته هو نتيجة كونه أكثر مباشرة من الهبر، بحسبه. ويرفض الهبر الانتقادات التي توجه إليه بأنه يكرر نفسه، معتبراً أن ما يراه البعض تكراراً، هو بصمته الفنية في كل أعماله. إعداد: آدم شمس الدينمنذ اندلاع الربيع العربي، شهدت معظم البلدان العربية صعوداً ملحوظاً للأغنية السياسية، لبنان كان بمنأى عن هذا الحراك، ألا تتوقع أن هذا الحراك سيؤدي إلى ضخ دم جديد في الأغنية السياسية؟شارك في السؤال:لا أعرف إلى أي حد هناك صعود للأغنية الملتزمة. سمعت عن تجارب عديدة، وعدد كبير منها من أغاني الراب، في تونس ومصر. فيما يتعلق بي وبالفرقة، ألّفنا عدداً من الأغاني. لبنان كان بمنأى عن الموجة التي طالت معظم البلدان العربي، وبطبيعة الحال كان بمنأى عن كل شيء يترتب على حراك من هذا النوع، وليس صعود الأغنية الملتزمة سوى أحد معالم هذا الحراك.أعتقد أن أحد أهم الأسباب لهذا الابتعاد، كان نتيجة الخوف والانقسام الذي حصل منذ اندلاع الثورات في العالم العربي، بين من رآها ثورة ناجزة، وبين من رآها حراك طويل الأمد، سيطول ظهور تأثيره الحقيقي في بلاد حكمتها أنظمة عفنة لعشرات السنين، ولن تزول بالمعنى الحقيقي للكلمة، في عدد من الأيام، كما حصل في بعض البلدان.بالنسبة للبنان، أنا لا أرى أن باستطاعته إنتاج حراك أو ثورة، هو بلد طائفي بامتياز، والشريحة التي يمكن المراهنة عليها في حراك شبيه، أقلية. الأغنية السياسية وصعودها وعدمه ليست إلا انعكاساً لهذا الوضع.بعد انقطاع طويل لماذا قرر خالد الهبر العودة إلى إحياء الحفلات بشكل متواصل؟ هل تشعر أن ظروف المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة تتطلب منك مضاعفة نشاطك؟شارك في السؤال:أنا انقطعت عن الغناء من العام 1992 حتى 1997. بعد اتفاق الطائف، اعتقد البعض أن الحرب انتهت. كنت على يقين أنها لم تنته، حتى لو انتهت بشكلها العسكري، لكنها استمرت. في تلك المرحلة دخلت البلاد في كرنفال فرح وبسط، نتيجة الاعتقاد بنهاية الحرب وقرب تحسّن الظروف. شعرت في تلك الفترة أنني لا أشكّل رقماً في تلك المعادلة الجديدة، اليوم حين أنظر إلى الوراء، أعيد النظر بالقرار الذي اتخذته بالانقطاع، ربما لم يكن صائباً. وتفضيل "العضّ على الجرح" ريثما تتغير الأمور، لم يكن الخيار الأنسب. بعد أن بدأت قناعة الناس تلك بالتراجع، وبعد أن شعرت بأن وهم انتهاء الحرب بدأ يزول، عاودت نشاطي الفني.ازدياد نشاطي الآن، يأتي بالتأكيد في سياق التحولات التي نشهدها اليوم، سواء في المنطقة بشكل عام أو في لبنان بشكل خاص. نحن نشهد الآن قمة انهيار النظام اللبناني. لم يكن الوضع يوماً بهذا السوء، على المستويات الاجتماعية والطائفية والمذهبية والمعيشية.إذا لم يكن دور الأغنية السياسية والملتزمة اليوم، متى يكون ذلك؟ كل ما يجري حالياً يبشر بأن هناك معركة عسكرية قادمة على البلد، وهي ليست سوى امتداداً للحرب الأهلية التي لم تتوقف يوماً.لست سياسياً لكنك فنان ملتزم يعنى بالشأن العام، هل تعتقد أن الوضع في البلد وصل إلى مرحلة اللاعودة، وإننا متجهون نحو اقتتال طائفي لا مفرّ منه؟شارك في السؤال:الاقتتال الطائفي، واقع وموجود، الإرهاصات بدأت من الآن، وما يحصل في مناطق عديدة، وبشكل خاص في طرابلس، يؤكد على ذلك. أنا أعتقد أن هذا النظام لا يعيش إلا بحرب أهلية، يحتاج إليها لتجديد نفسه. لكنني أرى أن المرحلة التي نعيشها اليوم، هي من أسوأ المراحل التي مرت بها البلاد. النظام يبحث عن وصايات جديدة بعد ابتعاد بعضها نتيجة التغيرات التي طرأت في الأعوام الأخيرة. لم يبق شيء في هذا البلد، كل شيء ينهار. "مش باقي شي منو غير نحن الناس". رغم ذلك سنستمر بما نقوم به، على الرغم من كل شيء، ونستمر بالحلم بأن الذين سيأتون من بعدنا سيعيشون في بلد ديمقراطي وحر بالمعنى الحقيقي.هناك دائماً ترابط بين خالد الهبر وزياد الرحباني. لماذا لم تثر مواقفك السياسية جدلاً واسعاً كالتي أثارها زياد؟شارك في السؤال:زياد مباشر جداً مع الناس، ويتكلم في السياسة أكثر مني، ويخرج في مقابلاتٍ لا يتكلم فيها سوى بالسياسة، على عكسي. أنا أكثر سلاسة منه ربما، لكن يمكنني أن أقول إننا متفقان فنياً وسياسياً أيضاً.هناك انتقادات توجه لخالد الهبر بأنه يكرر نفسه في أعماله، كيف تردّ على هذه الانتقادات؟شارك في السؤال:هناك توقيع اسمه خالد الهبر. أنا لدي شخصيتي الفنية. "بس حدا يسمع أغنية، دغري بيعرف إنو هيدا خالد الهبر". أنا لا اعتبر ذلك تكراراً، بل اعتبر أن هذه بصمتي التي اتركها في أعمالي الفنية. أما إذا كان المقصود بالتكرار الالتزام بمرحلة يعتقد البعض أنها انتهت، أو وصف هذا الالتزام بأنه متحجّر وخشبي، فهذا شأن آخر، ويأخذ إلى نقاش أبعد من ذلك. بالنسبة لي، الوضع لم يتغير.ما رأيك بعمل الفنانين الملتزمين الشباب الذين ابتعدوا عن نمط الأغاني الملتزمة التي اشتهروا بها يوما أو الذين اتجهوا إلى الغناء والعزف في المقاهي والبرامج التلفزيونية؟شارك في السؤال:أنا لا أمانع بأن يعمل الشخص في الموسيقى، إذا أراد أن يكمل مسيرته في الأغنية الملتزمة، ولا أعتبر أن من يقدم على ذلك يقدم تنازلاً. العزف والعمل في هذه البرامج "بشكل مرتب" لا أعارضه أبداً. أنا اضطررت إلى العمل في الحانات، لكي أؤمن معيشتي. أذكر أنني عملت مع زياد الرحباني لمدة 7 أشهر في مطعم في الحمرا كان اسمه "بيتزا أي فينو". كنت أعزف على الغيتار وأغني وكان زياد يعزف على البيانو، لكي نتمكن من تأمين معيشتنا. منذ فترة قصيرة فقط جنيت بعضاً من المال من حفلة غنائية. لم نكن نرضى بتقاضي الأموال لقاء العمل الذي نقوم به، بالنسبة لنا العزف والغناء هو رسالة ننادي بها، ولا يجب أن نتقاضى أجراً لقاء ذلك. طبعاً هناك بعض الاستثناءات، وهناك من يجني أرباحاً لقاء هذه الحفلات، خصوصاً تلك التي ترتفع أسعار بطاقاتها، لكنني لست واحداً منهم، وكذلك زياد.يتدخل ريان الهبر في الحديث: خالد أخذ مواقف كثيرة في الحياة ودفع ثمنها لاحقاً. الدليل على ذلك أنه لا يزال يعيش حتى الآن في منزل مستأجر. هذه الانتقادات ظالمة، ولا تعرف بالمبالغ التي تترتب على إنتاج عمل موسيقي، نظراً إلى غياب أي رعاية من قبل شركات الإنتاج. "إنو تخيل روتانا عم تنتج شريط لخالد الهبر". بالإضافة إلى ذلك يجب الإشارة إلى أن العمل في برنامج، أو القيام بأعمال موسيقية "على جنب" لا تساهم فقط بتأمين مصدر رزق حقيقي، بل أيضاً تساهم بتمكين هذا الفنان من الاستمرار بالعمل على تأليف وتلحين أعمالٍ غنائية ملتزمة، وذلك يتكفل في الكثير من الأحيان بكل تكاليفها.ما الجديد الذي قدمته في حفلتك الأخيرة؟شارك في السؤال:هناك أغانٍ جديدة لم تسجل بعد كـ"ما تنسوا فلسطين"، و"مش عم بكذب لتنامي" كتبت مقدمتها يارا أبو حيدر وهي تحية للاجئين السوريين الذين يعانون من كل أشكال التمييز والعنصرية والاضطهاد.هل جمهور خالد الهبر في توسع، آم لا يزال هو نفسه؟شارك في السؤال:أنا أعتقد أنه في توسع مستمر. في كل حفلة نجد وجوها شابة جديدة. وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت كثيراً بانتشار هذه الأعمال، ووصولها إلى شرائح وفئات اجتماعية لم يكن بوسعنا الوصول إليها قبل ظهور هذه الوسائل. "منشكر الأميركان عليها هيدي بالمناسبة". توسّع هذا الجمهور ليس محلياً فقط، بل حتى عربياً، وظهر هذا الأمر بشكل واضح خلال الحفلات التي أقمناها في تونس خلال إحياء الذكرى الـ40 لاغتيال المناضل شكري بلعيد.هل طالبت ابنك يوماً أن يبتعد عن هذا المجال نظراً إلى صعوباته؟شارك في السؤال:نعم، كنت أظن أن أولادي لن يختاروا هذا الطريق. ريان قرّر ذلك بنفسه. حذّرته من ذلك مراراً ومن كل الصعوبات التي سيواجهها، إلا أنه أصر على ذلك، وتعلم بنفسه في البداية، قبل أن يبدأ بدراسة الموسيقى بشكل جدي. ابني الأصغر رمزي، اختار طريقاً آخر، رغم دراسته العزف على البيانو، اختار دراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية. (يضحك) يمكن هو الوحيد يلي رح يعيّشنا بكرا.ما رأيك بحنا غريب؟شارك في السؤال:حنّا صديق قبل أن يكون رفيقاً في الحزب، هو قيادي نقابي عنيد، ويمتلك كاريزما مهمة ومؤثرة، ويتمتع بوعي طبقي، وهذا نتيجة البيئة التي أتى منها، ولو كنت في موقع القرار، لكنت طلبت ترشيحه إلى الانتخابات النيابية عن الحزب الشيوعي.أين خالد الهبر اليوم من اليسار ومن الحزب الشيوعي؟شارك في السؤال:أنا مع الحزب الشيوعي، رغم أنني لست عضواً فيه. وأعتقد أنني أساهم بالمساعدة، ربما أكثر من بعض المنتسبين إليه، وبعض الأعضاء فيه، سواء في المكتب السياسي أو في اللجنة المركزية. هناك الكثير من الملاحظات، لا أجاهر بها إمام الجميع، لكن أحاجج بها في الأطر المناسبة.أنا أصرّ على أن الحزب يجب أن يبقى وأن يتطور، وأن يستمر. "هيدا زمانه". لست مقتنعاً بتعريف اليساري بشكل عام وكأنها "شيوعي لايت"، ولا أعتقد أن هناك يسار خارج إطار الحزب الشيوعي "ما يواخزوني كل الحركات اليسارية"، ولا أعني بذلك الحزب بصيغته الحالية اليوم، بل بما معناه أن اليسار يجب أن يكون بقيادة الحزب الشيوعي كتنظيم سياسي قوي وحاضر، أي أن يكون نواة هذه الحركة. والقاعدة موجودة ولا ينقصها سوى التأطير.من هو الشخص الأنسب لقيادة الحزب باعتقادك؟شارك في السؤال:الأنسب لقيادة الحزب الشيوعي هو القادر على استيعاب كل تناقضات الشيوعيين واليساريين، الاسم ليس مهماً، المهم نوعية الشخص والكاريزما والوعي السياسي الذي يتمتع به.
«لا بد من إعطاء هؤلاء (الإسلاميين) فرصتهم ليتسنى للمواطنين الحكم على أعمالهم. فاختبارهم يشكل أفضل السبل لإضعافهم».«كيف لهذه الأمة الكبيرة أن تهزمها عصابات صهيونية».جملتان قصيرتان قالهما يوماً «حكيم الثورة» جورج حبش. جملتان تلخصان استشرافاً لما آلت إليه أوضاع العرب اليوم حين اختلفوا على معنى «الثورة» وعلى قلبها النابض فلسطين، من تونس إلى مصر، وليبيا، وسوريا واليمن.. والآتي أعظم.فرصة الإسلاميين، تحدث عنها حبش، في كتاب «الثوريون لا يموتون أبداً»، الذي يتضمن سلسلة أحاديث أجراها الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو مع حبش، والذي يمكن وصفه بالوصية الأخيرة في الحديث عن الحقبة الكاملة من تاريخ فلسطين والمنطقة، أوصى الحكيم بحفظ المقاومة، التي تعاني اليوم ما تعاني من غدر «الأشقاء».كانت فرصة الإسلاميين الكبرى في مصر. مصر التي اتجهت بشكل مباشر إلى اختيار حكم «الإخوان المسلمين» بعد «ثورة 25 يناير» العظيمة، والتي صادفت ذكراها الثالثة قبل يوم من الذكرى السادسة لرحيل الحكيم. بعد الثورة، وقع المصريون بين خيارين، أحلاهما مرّ، فإما العودة إلى فلول النظام القديم أو السير قدماً.أعطى المصريون جماعة «الاخوان المسلمين» فرصتها، فصدق حبش وسقطت، وها هي مصر اليوم تستفيق من الصدمة، وتقاتل بقايا «إرهابهم».وها هي اليوم العصابات التي تحدث عنها الحكيم، تحاصر الأمة باسم الدين، وتنادي بالحرية على رقاب السوريين، وتسبح في بحر «دم الديموقراطية»، وتقاتل بسيف العرب علناً وهي خجلة من ذكر اسم فلسطين التي تقع على مرمى حجر منها، وتقف موقف العداء من المقاومة التي كان حبش رائدها يوماً، وملهمها أبداً.وفي الكتاب أيضاً، بالرغم من ارتيابه حيال النظام السوري، يؤكد حبش على «علاقة متميزة» جمعته بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي كان «يحترم كفاحي وصدقيتي». ويعتبر أن هذه العلاقة حالت دون طرده من سوريا عند مقابلته الرئيس العراقي السابق صدام حسين مطلع التسعينيات.جورج حبش «حكيم الثورة وضميرها» والقائد القومي الذي كرّس حياته طبيباً ومقاتلاً وسياسياً لأجل القضية الفلسطينية منذ ما قبل نكبة العام 1948، حين قطع دراسته للطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي التحق بها في العام 1944، ليعود إلى مدينته اللد، لمواجهة العصابات الصهيونية.حبش، الذي ولد في العام 1925، عاش تفاصيل حصار الصهاينة لمدينته، الذي أدى إلى استشهاد شقيقته واضطرار العائلة إلى دفنها في حديقة المنزل الخلفية، لعدم القدرة على مغادرة المنزل.كان لقرار التقسيم أثر كبير في نفس حبش، الذي كان في إطار وعيه الأولي على «حركة القومية العربية». إلا ان الهزيمة التي استغربها الحكيم وقعت بالفعل، ما اضطره وعائلته إلى الدخول في ركب اللجوء، فتنقّلوا بين يافا ورام الله وعمّان، التي عاد منها حبش إلى بيروت لإكمال دراسة الطب، فتخرج في العام 1951.وفي العام 1952 عمل على تأسيس «حركة القوميين العرب» مع رفيق دربه المناضل وديع حدّاد، وكان لها دور في نشوء حركات أخرى في الوطن العربي.أدّى ورفاقه دوراً قيادياً في التظاهرات الطلابية، التي عمت لبنان في تلك الفترة تأييداً لموقف حكومة مصطفى النحاس زعيم حزب «الوفد»، والتي ألغت المعاهدة المصرية - البريطانية. ثم تابع النشاط السياسي في الأردن في العام 1952، ومارس مهنة الطب هناك مع وديع حداد، وأقاما عيادة في وسط عمان، ولطالما عرفت بـ«القيادة»، وقدما علاجاً مجانياً للطبقة المسحوقة من أبناء المخيمات.كانت العيادة مركزاً للتعبئة والتوعية السياسية ونشر أفكار «حركة القوميين العرب»، إلا انهما تعرضا للملاحقة، ما اضطرهما إلى العمل السري والاختفاء لمدة عامين في الأردن، وبعدها انتقل إلى سوريا ليمارس نشاطه السياسي والجماهيري في دمشق.بعد نكسة العام 1967، وانحسار الفكر القومي العربي، أسّس حبش مع مصطفى الزبري المعروف بـ«أبو علي مصطفى»، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، التي تبنّت الفكر الماركسي.اعتقل الحكيم في العام 1968 في سوريا لمدة عام، ثم نفذت بعدها عملية اختطاف لتهريبه من السجن خطط لها ونفذها وديع حداد. وعندما أصبح خارج السجن في العام 1969، وجد نفسه أمام انشقاق سياسي تنظيمي قام به نايف حواتمة.انتقل حبش إلى الأردن سراً في العام 1969، حيث كانت مرحلة المقاومة الفلسطينية في الأردن، التي شهدت الكثير من المصادمات مع الجيش الأردني، وأدت إلى معارك ضارية في أيلول العام 1970 وخروج المقاومة الفلسطينية من عمان إلى أحراج جرش، وما سميّ بـ«أيلول الأسود».كان حبش بطل العمل الثوري في الأردن، بالإضافة إلى التيارات اليسارية الأخرى على الساحة الفلسطينية. إذ تخصصت الجبهة في عمليات خطف الطائرات، التي بدأ تنظيمها في العام 1968، وتولاها حداد، مثلها مثل العمليات اللاحقة، مجنداً في بعض الأحيان مناضلين يساريين من أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية من بينهم إيليتش راميريز سانشيز الملقب بـ«كارلوس».وكان أبرز هذه العمليات في العام 1970، حين خطفت خمس طائرات مدنية غربية أنزلتها الجبهة في «مطار الثورة» في الأردن، قبل تفجيرها من دون ركابها لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية. هذه العمليات، في رأي حبش، كانت ضرورية لأنها أتاحت عملياً إخراج هذه القضية من المجهول «بفعل احتكار الصهيونية الإعلام الغربي».جورج حبش الطبيب والمفكر والكاتب والشاعر والمقاوم المناضل، كان يجسد حلم الفلسطينيين والعرب بالتحرير. ثوري وضع أعداءه نصب عينيه وحددهم بثلاث: الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ليلهمنا.. علّنا نفلح.من أقوال الحكيم÷ «إعلان إنهاء الحرب مع إسرائيل خيانة صارخة».÷ «ندعو السوفيات إلى مراجعة موقفهم الخاطئ المتمثل في اعترافهم بالكيان الصهيوني».÷ «ليست لنا أية علاقة بالقرار 425 وهو لا يخصنا كثورة».÷ «لا للدولة الفلسطينية إذا كانت ستقوم وثمنها استمرار بقاء إسرائيل».÷ «أسجل تأييدنا المطلق للخميني من زاوية عدائه للأمبريالية الأميركية والصهيونية. ولكن لننتظر التجربة».÷ «إن أي نظام عربي يحيك الدسائس والمؤامرات ضد الثورة الإسلامية في إيران هو خائن خارج على إرادة الشعب العربي».÷ «العمل الفلسطيني في سوريا لا يمكن أن يكون على ما كان عليه في لبنان، لأن أمن سوريا هام».÷ «من حقنا أن نقاتل إسرائيل من الحدود العربية كلها وسنناضل لفتحها أمامنا».÷ «كارلوس مناضل أممي التحق بصفوف الجبهة من منطلق قناعاته الثورية وشعبنا سيحفظ له هذا الجميل ولكل المناضلين الشرفاء من أمثاله، وتهمة الإرهاب لا تخيفنا».
سعدى علوه - السفير
يتيح مشروع القانون الذي يرعى إجراء الزواج المدني الاختياري في لبنان، والذي أعده وزير العدل شكيب قرطباوي وتم نشره على موقع وزارة العدل أمس، للّبنانيين كافة عقد زواج مدني اختياري على الأراضي اللبنانية. وبذلك لا تعود هذه الإمكانية محصورة فقط بمن يقومون بشطب مذاهبهم عن سجلات القيد، كما في حالة زواج خلود سكرية ونضال درويش وغيرهما.وأكد قرطباوي لـ«السفير» أن المشروع أصبح في الأمانة العامة لمجلس الوزراء لطرحه على جدول أعمال الحكومة الجديدة»، مشيراً إلى أنه عمل «ضمن الممكن في ظل الأجواء السائدة في البلاد، حيث لا يمكن حالياً أن نضع مشروعاً متكاملاً للزواج المدني في لبنان». ورأى أنه يسعى لوقف عملية «الكذب على النفس حيث يتم الاعتراف بالزواج المدني الذي يعقده لبنانيون في قبرص، بينما لا تتوافر هذه الإمكانية في لبنان». والأهم، وفق قرطباوي، أنه يتيح عقد الزواج المدني من دون شطب المذهب عن القيد «وهذا مرحلة أولى ومقدمة لكي نضع قانوناً في المستقبل ينظم مفاعيل الزواج المدني الاختياري في لبنان». وأكد أنه وضع المشروع مع مجموعة من قضاة هيئة التشريع والاستشارات برئاسة القاضية ماري دنيز معوشي.ويعدل مشروع القانون بعض النصوص القانونية، ومن بينها المادة 25 من القرار الرقم 60 ل.ر الصادر في 13/3/1936، ويلغي أحكام القرار الرقم 53 الصادر بتاريخ 30/3/1939، كما يعدل نص المادة 2 من قانون قيد الأحوال الشخصية الصادر في 7/12/1951، ويلغي أحكام المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية (المرسوم الاشتراعي الرقم 90 تاريخ 16/9/1983).ووفق المشروع، تنص المادة 25 الجديدة على أنه «إذا عقد زواج بالشكل المدني في الأراضي اللبنانية أو خارجها، يكون خاضعاً للقانون المدني الذي اختاره الزوجان لتنظيم مفاعيل الزواج، شرط أن لا يتضمن هذا القانون ما يخالف النظام العام والآداب العامة».وكانت أحكام القرار 53 تقضي باستثناء تطبيق القرار 60 ل/ر على المسلمين، فيما منح، عبر استبدال المادة 2 من قانون قيد الأحوال الشخصية الصادر في 7/12/1951، مأمور النفوس صلاحية تنظيم عقد الزواج المدني للراغبين في إجرائه في منطقة اختصاصه. ووفقاً للمادة 79 من أصول المحاكمات المدنية، تبت المحاكم المدنية بالزواج المدني الناتج من هذا المشروع، وليس كما كان سابقاً محصوراً بالزواج المدني المعقود في الخارج.وفي ما يبدو مسايرة، تصل إلى حدود «الرشوة»، للطوائف ولإرضائها، يفرض مشروع القانون رسماً مالياً مقطوعاً قدره 500 ألف ليرة لبنانية تمنح للمحاكم الدينية التي ينتمي لها الزوج.من جهتها، لاحظت «المفكرة القانونية» أن مشروع القانون وبإلغائه القرار الرقم 53 الصادر عن المفوض السامي بتاريخ 30-3-1939، الذي كان يقضي باستثناء تطبيق القرار 60 ل/ر على المسلمين «كسر تابو إسلاميا كبيرا، بحيث تصبح الطوائف والقوانين الإسلامية خاضعة لاعتراف الدولة، وقد يولد ممانعة هائلة في وجهه».وبالنسبة لحرية اختيار الزوجين للقانون المدني لتنظيم مفاعيل زواجهما، على أن لا يتضمن ما يخالف النظام العام والآداب العامة، رأت «المفكرة» أن المشروع «لم يجب على الثغرة التي اعترت الزواج المدني المعترف به لبنانيا في 2013، فلم ينظم أسباب بطلان هذا الزواج أو مفاعيله، تاركاً للزوجين مجالاً واسعاً في الاختيار، وللقاضي مجالاً واسعاً في استبعاد ما يعده مخالفاً للنظام العام والآداب العامة».ووصفت «المفكرة» رسم الـ500 ألف ليرة لبنانية بـ«المرتفع، وكأن عقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية يبقى حكراً على طبقة معينة». ورأت أن منح هذا الرسم للطوائف «يظهر شبه انفصام لدى واضعي المشروع، بحيث يترافق الإقرار بالزواج المدني مع سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ التشريع اللبناني تحول الدولة إلى مفوض لتحصيل رسوم لمصلحة الطوائف». واعتبرت أن هذه الخطوة «تظهر المشروع أنه محاولة لإرضاء الطوائف التي تخشى بالتأكيد خسارة مداخيل وموارد كثيرة بنتيجة تكريس الزواج المدني، أو أكثر من ذلك لرشوتها»، لافتة إلى أنه «يعكس تقييماً للوزارة للعوائق الاجتماعية أمام تمرير الزواج المدني، مفاده أنه لا يتصل بأمور أيديولوجية دينية، إنما بأمور مادية حصرا». وبالنسبة لمنح الرسم لطائفة الزوج رأت أنها «تعكس نظرة ذكورية، وكأنما مشروع القانون المدني الذي ينتظر منه المساهمة في إلغاء التمييز، يتحول إلى مناسبة لتكريس التقاليد التمييزية»..
يدعوكم مركز مهدي عامل الثقافيبالتعاون مع كل من "المنبر الاشتراكي" و"نادي اللقاء" ومجلة بدايات ودار الساقيالى المشاركة في نقاش كتاب "الشعب يريد، بحث جذري في الانتفاضة العربية"مع مؤلفه البروفيسور جيلبير الأشقرعنوان اللقاء: الانتفاضة العربية، نتائج وآفاق الزمان: الجمعة، 1 تشرين الثاني 2013، الساعة السادسة مساءًunesco palace
يستمر العدوان الإمبريالي، الذي لم ينقطع يوماً، على شعوبنا، بهدف استغلالها وإخضاعها والسيطرة على مصيرها ومنع تطورها وتقدمها، وتحديداً في مرحلة انهيار الأنظمة في مجتمعاتنا التي حدت من الاستقلال الوطني والتحرر والتقدم الإقتصادي والإجتماعي.
وتستمر كذلك حركة مقاومة هذه الشعوب بمختلف الأشكال ضد الإمبريالية وعملائها وأدواتها الداخليين و الخارجيين، هذه الحركة التي عمرها من عمر الإمبريالية وهجمتها على منطقتنا، والتي قدمت في سبيل أهداف التحرر والتقدم الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والتضحيات، ومعاناة وخسائر على كافة المستويات، ومنهم من لا يزال في سجونها ومعتقلاتها، ومنهم من بقي مصيره مجهولاً.
و بالرغم من أن منطق التمني لا وجود له، ولن يكون له وجود في علاقتنا بالإمبريالية، علاقة الصراع نحو الحرية، بل منطق المقاومة وانتزاع الحق بالقوة، اللغة الوحيدة التي تفهمها الإمبريالية وأدواتها، على طريق حقنا في تقرير مصيرنا.
نقف في الذكرى الثلاثين على اعتقال المقاوم اللبناني جورج ابراهيم عبد الله في السجون الفرنسية، الذي ترفض السلطات الفرنسية إخلاء سبيله بعد أن قضى فترة محكوميته في السجون الفرنسية، وذلك تعبيراً عن المنطق الفاشي الذي تسير فيه هذه الدول بحق من يقف في وجهها، لنوجه التحية إليه في معتقله، ونطالب من جديد بالإفراج عنه، وبذل كل الجهود نحو تحريره.
المنظمات والقوى الشبابية اليسارية
بيروت-
اخيرا، حسمت هيئة التنسيق النقابية قرارها، وقررت الخروج من حال الانتظار والدعوة الى اضراب عام يوم الثلاثاء في 26 تشرين الثاني، يشمل جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني والوزارات ومؤسسات الادارة العامة والسراي في المحافظات والاقضية.
الا ان هيئة التنسيق النقابية تراهن على مشاركة اوسع من قوى وهيئات المجتمع المدني، اذ دعتها الى «أخذ المبادرة والتحرك معا، كل من موقعه، رفضاً لسياسة التسيب والفراغ والشلل في كل المؤسسات الدستورية والمعتمدة من المسؤولين»، واعلنت الهيئة «استعدادها للتشاور والتعاون مع كل المتضررين من أجل مواجهة الركود السياسي والاقتصادي المفروض قسرا على الشعب اللبناني»، في اشارة من هيئة التنسيق الى جهوزيتها لاقامة تحالف واسع «إسهاما منها في تحمل المسؤولية الوطنية والنقابية تجاه من تمثل، وادراكها ان مواجهة حال الجمود والفراغ والشلل في مؤسسات الدولة هي من مسؤولية الجميع، وخصوصا الذين يدفعون أعباء وتكاليف هذه الحال». وعقدت هيئة التنسيق النقابية اجتماعا في نقابة المعلمين، تدارست خلاله نتائج لقاءاتها مع رئيس واعضاء اللجنة النيابية الفرعية المولجة درس مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، «وحال الفراغ والجمود والتعطيل في كل مؤسسات الدولة الدستورية والادارية، فلا حكومة تتشكل لمتابعة حاجات البلد والمواطنين الامنية والمعيشية، ولا مجلس نيابي ينعقد في جلسته العامة لاقرار سلسلة الرتب والرواتب وسائر مشاريع القوانين». واعلنت الهيئة في بيان لها: 1- على الرغم من تكرار اللقاءات والزيارات لرئيس واعضاء اللجنة النيابية، فإن هيئة التنسيق لم تتلق حتى الآن أي رد على مضمون المذكرة التي قدمتها منذ حزيران الماضي الى اللجنة. وهي بالتالي لم تتلق أجوبة تطمئن القطاعات حول مطالبها وحقوقها، وذلك ما يترك تساؤلات عند الهيئة عن اسباب عدم اطلاعها على أمر يعنيها مباشرة وله تأثيرات مستقبلية على المعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء والمياومين وسائر الاسلاك الاخرى. 2- إن هيئة التنسيق النقابية إذ تقدر جهود رئيس وأعضاء اللجنة النيابية الفرعية، فهي تعتبر أن ليس بحوزتها ما تنقله الى الموظفين ويطمئنهم الى مصير حقوقهم، على أمل أن يتحقق هذا الامر مع نهاية المهلة المطلوبة من رئيس اللجنة في 15 تشرين الثاني المقبل، إلا أنها في الوقت عينه ترى ان المعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء قد اكتووا طويلا بنار الغلاء ولم يعد في استطاعتهم الاستدانة لدفع ما يتوجب عليهم لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم. لقد مر عامان على احقية السلسلة لكنها حتى الآن ما زالت دون اقرار. 3- لأن حال الشلل والجمود في المؤسسات الدستورية ينعكس جمودا على السلسلة ويحول دون اقرارها، لا بل يضعها في مهب الريح لذلك قررت هيئة التنسيق النقابية التوصية الى هيئاتها بالآتي: تنفيذ اضراب في جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة وفي معاهد التعليم المهني والتقني وفي الوزارات ومؤسسات الادارة العامة والسراي في المحافظات والاقضية وذلك يوم الثلاثاء الواقع فيه 26 تشرين الثاني، وذلك من أجل إقرار السلسلة على اساس الاتفاقات والتعهدات، ووفق بنود المذكرة المقدمة للجنة النيابية الفرعية ودون فرض ضرائب على الفقراء، ومن اجل إعادة العمل في مؤسسات الدولة الدستورية المشلولة (تشكيل الحكومة - المجلس النيابي). 4- الدعوة الى عقد جمعيات عمومية مشتركة بين الاساتذة والمعلمين والموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والاجراء والمياومين يومي الاثنين والثلاثاء 11 و12 تشرين الثاني، على ان تحدد المراكز والمواعيد لاحقا من قبل هيئات التنسيق في المحافظات، وذلك من اجل التحضير للاضراب والاطلاع على المستجدات. 5- مواصلة الاتصالات برئيس واعضاء اللجنة النيابية الفرعية، وبالكتل النيابية والقوى السياسية كافة، ليتحمل الجميع مسؤولياتهم حيال الشعب اللبناني الذي يدفع تكاليف هذا الوضع المأزوم في حياته اليومية، والذي لم يعد بإمكانه تحمل هذا الوضع ونتائجه السلبية أمنيا واجتماعيا وتربويا. 6- ان هيئة التنسيق النقابية اذ تتخذ هذا الموقف، فذلك إسهاما منها في تحمل المسؤولية الوطنية والنقابية تجاه من تمثل، إلا أنها تدرك في الوقت عينه، ان مواجهة حال الجمود والفراغ والشلل في مؤسسات الدولة من مسؤولية الجميع، وخصوصا الذين يدفعون أعباء وتكاليف هذه الحال، وعليه، فهي تتوجه الى الجميع والى كل قوى وهيئات المجتمع المدني بالدعوة الى أخذ المبادرة والتحرك معا كل من موقعه رفضا لسياسة التسيب والفراغ والشلل في كل المؤسسات الدستورية والمعتمدة من المسؤولين، وتعلن استعدادها للتشاور والتعاون مع كل المتضررين من أجل مواجهة الركود السياسي والاقتصادي المفروض قسرا على الشعب اللبناني. (الأخبار)
مرسوم رئاسي أعفى جميل من مهامه نتيجة «غيابه عن مقر عمله ودون إذن مسبق، وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة».الخبر نشر خلال وجود أمين حزب الإرادة الشعبية على الهواء مباشرة مع قناة «روسيا اليوم»، حيث كان يقول إنه يمثّل خلال لقاءاته في جنيف بمسؤولين من وزرة الخارجية الأميركية «جزءاً هاماً من المعارضة السورية في الداخل»، مشدداً على أن موقف حزب «الإرادة الشعبية» و«الجبهة الشعبية» كان ولا يزال أنّ «خروجنا من الحكومة أسهل من دخولنا إليها».وفي حديث مع «الأخبار»، قال جميل: «لست موظفاً حتى أتنازل عن استقلاليتي كفريق سياسي. أنا في الحكومة كممثل للحزب. ولا أنتظر موافقة الحكومة على الاتصالات السياسية». واعتبر أنّ لقاءه مع الأميركيين كان مفيداً، وأنّه لقاء تعارفي، «وهم يتهموننا بأننا من النظام ولسنا معارضة، ونحن قلنا لهم إنكم تعملون على استبدال البعث كحزب قائد بالائتلاف كحزب قائد».وأكد أنه موجود في موسكو وأنه ذهب إلى جنيف في سياق التحضير لمؤتمر «جنيف 2».وكشف جميل أنّ موسكو واشنطن تصرّان على عقد «جنيف 2» قبل نهاية الشهر المقبل. وتمهيداً لهذه المؤتمر، دعت العاصمة الروسية إلى لقاءات في وزارة الخارجية لكافة أطياف المعارضة. كذلك سوف تعقد لقاءات مماثلة في جنيف مع ممثلين عن وزارة الخارجية الروسية والأميركية والموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي كلّ على حدة، على أن تجري اللقاءات بين 5 و10 تشرين الثاني.
«جنيف 2» سيكون من يومين
وقال جميل إن مؤتمر جنيف سيجري خلال يومين، الأول «بروتوكولي»، حيث سيكون هناك كلمات لممثلين عن 50 دولة.واليوم الثاني، سيثبّت فيه المرحلة الأولى من الاتفاق على حكومة انتقالية، يجري البحث والتفاوض حول صلاحياتها «وهناك جهد لاختيار رئيسها، والنقاش يدور حول نسب تمثيل قوى المعارضة فيها قبل الكلام عن نسب تمثيل النظام».كذلك، وبحسب جميل دائماً، سيحذف أيّ إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد أو دوره أو موقعه في «جنيف 2».وأكد جميل عودته إلى دمشق بعد انتهاء اجتماعات موسكو بين 7 و8 من الشهر المقبل. من ناحية أخرى، أبلغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي أنّ دمشق ستشارك في مؤتمر «جنيف 2» انطلاقاً من حقّ الشعب السوري «الحصري» باختيار قيادته ورفض أي شكل من اشكال التدخل الخارجي، مشيراً إلى أنّ المؤتمر سيكون «بين السوريين وبقيادة سورية».بدوره، اعتبر الإبراهيمي أنّ «وجهات النظر كانت متفقة حول أهمية وقف العنف والارهاب واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها»، متوقعاً «أن يتوافق السوريون على هذه المبادئ باعتبارها مبادئ أساسية في نجاح المؤتمر».بدوره، قال الإبراهيمي إنّ «الكلام الذي أقوله دائماً هو أننا نعمل حول جنيف 2، ومؤتمر جنيف أساساً لقاء بين الأطراف السورية، والأطراف السورية هي التي ستحدد المرحلة الانتقالية وما بعدها وليس أنا».في موازاة ذلك، وبعد لقائه الإبراهيمي أيضاً، أعرب وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية، علي حيدر، عن اعتقاده بوجود «تفكير جدي» لدى الولايات المتحدة «بفتح قنوات» مع دمشق، مشيراً إلى أنّ البحث في هذا الموضوع يبقى سابقاً لأوانه طالما لم يتوقف الدعم الأميركي للمعارضة. وعن تصريحات الإبراهيمي بوجوب مشاركة المعارضة بوفد موحد في جنيف، قال حيدر «لا يمكن توحيد المعارضة. من دون شك، لن نذهب تحت مظلة الائتلاف، لاننا نختلف اختلافاً جذرياً بالطرح»، واصفاً فكرة توحيد المعارضة بـ«الخيالية».من جهته، قال رئيس «هيئة التنسيق» المعارضة في الداخل، حسن عبد العظيم بعد لقائه الابراهيمي مع أمين سر الهيئة رجاء الناصر، إنّه طالب «بأن تكون وفود المعارضة ضمن وفد موحد باسم وفد المعارضة السورية، على أن يضم ممثلي الهيئة والائتلاف والهيئة الكردية العليا».
معارك ضارية بين الأكراد و«داعش»
ميدانياً، ارتفعت حدّة المعارك بين «وحدات حماية الشعب» الكردية (YPG) وتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» أمس، في رأس العين في ريف الحسكة. وأعلنت «وحدات الحماية» في بيان «انتهاء المرحلة الثالثة والأخيرة من حملة الوفاء لشهداء تربة سبية وجل آغا»، مضيفاً: «تمكنت وحداتنا من تحرير منطقة ديريك» و8 قرى والمزارع المحيطة بها، وشركة دجلة النفطية.في وقت استمر فيه الجيش السوري بمعاركه ضد المسلحين في ريفي دمشق وحلب، حيث أعلن الجيش السوري أنّ عدداً من المسلحين في المعضمية (ريف دمشق)، سلّموا أنفسهم وخرجوا مع المدنيين في عملية إخلاء. في المقابل، أعلنت تشكيلات سورية مسلحة في دمشق وريفها اندماجها ضمن تنظيم موحّد يحمل اسم «جيش الملحمة الكبرى». ومن بين أبرز هذه المجموعات: «لواء معاوية بن أبي سفيان» و«لواء السيف الدمشقي»، و«لواء أسود الغوطة» و«لواء عمر المختار».إلى ذلك، قال رئيس «جبهة تحرير سوريا» وقائد ألوية «صقور الشام»، أبو عيسى الشيخ، إنّ الاندماج بين فصيله و«أحرار الشام» و«لواء التوحيد» و«جيش الإسلام» «سيكون قريباً إن شاء الله». وجاء كلام الشيخ على حسابه الخاص على «تويتر».(الأخبار)
لينا فخر الدين في العيد الـ89 لـ«الحزب الشيوعي»، كان «الرفاق» الذين تدفّقوا إلى صالة «الأريسكو بالاس» يريدون من رئيس الحزب الدكتور خالد حدادة أن ينطق جملة واحدة: تحديد موعد انعقاد المؤتمر التأسيسي الحادي عشر.بالنسبة لهم، إن انعقاد المؤتمر خلال هذه الفترة يعني البدء بورشة تأهيل لـ«الحزب» الذي يقف على عتبة التسعين من العمر، في ظلّ تخبّطه بأزمات تنظيمية وسياسية لا تعد ولا تحصى، كان أبرزها فصل عدد من القياديين وتململ «الشيوعيين» من أداء القيادة.وبالرغم من الآمال المعلّقة على هذا المؤتمر، رحل «الشيوعيون» من «الأريسكو» دون أن يسمعوا من حدادة ما يبرّد قلبهم، إذ إن الأخير اكتفى بدعوة المجلس المركزي إلى الانعقاد لصوغ برنامج نضالي متكامل للمؤتمر المقرّر عقده في العام 2014، بالإضافة إلى تشديده على «إشراك الشيوعيين والديموقراطيين في صوغ وثائق المؤتمر».«النهاية المبهمة» للاحتفال، الذي جرى أمس الأوّل، رأى فيها «الرفاق» تأجيلاً جديداً بـ«مبررات» التحضير. أما حدادة فيرى الأمر بطريقة مغايرة. في نظره، إن «الأوضاع السياسية التي يمرّ بها لبنان والعالم العربي، بالإضافة إلى أطر التنظيم الداخلية، تستدعي مؤتمراً استثنائياً لا عادياً، وبالتالي فإن هكذا مؤتمر يحتاج إلى تحضير دقيق للوثائق السياسيّة والتنظيمية، حتى تحقّق المراد منها».«الشيوعي المتفائل» يريد من وثائق المؤتمر التأسيسي أن تجد صيغة لأزمة النظام اللبناني، على اعتبار أن هذا النظام هو ضاغط أساسي على عمل «الشيوعي» والأحزاب العلمانية والوطنيّة، وعلى المقاومة لتتقوقع في إطار طائفي مذهبي. حدادة لا يقول هذا الكلام من الهواء، فهو يعتقد انه إذا طرح «الحزب الأحمر» صيغة بديلة لحلّ أزمة البلد من خلال عمليّة تغيير، وبديلٍ ديموقراطي، «فإنه يستطيع أن يقطع شوطاً كبيراً من أزمة واقعه التنظيمي المتشابك والمرتبط بهذه الالتباسات، تماماً كعلاقة التغيير في لبنان التي تتقاطع مع عمليّة التغيير في العالم العربي». إذًا، الرجل ينطلق من العام إلى الخاص، حتى يكون بمقدور «الشيوعي» أن يطوّر «وعاءه التنظيمي»، «ويحافظ فيه على فئة الشباب التي تنضمّ بالمئات كلّ سنة، وتعود وتخرج من الحزب إلى أطر أخرى بعد أن يجدوا أنّ طموحاتهم تتعدّى هذا «الوعاء التنظيمي»، على حدّ قول حدادة. وإذا كان رئيس «الشيوعي» ومعه المكتب السياسي، يرون أنّ الأفضل هو التحضير لمؤتمر استثنائي للبحث عن بدائل فعليّة، فإن ذلك لا يعني أن هذا الخيار هو خيار حتمي. حدادة الذي يريد أن يكون رجلاً ديموقراطياً تماماً كحزبه، يؤكد أن القرار النهائي يعود إلى المجلس العام، المتمثّل باجتماع كلّ أعضاء المنطقيات والقطاعات المركزية والنقابية واللجان... مع المجلس العام. صحيح أنه لا سلطة تقريرية لهذا المجلس، ولكن رئيس الحزب تعهّد أن التوصية التي سيخرج بها هذا المجلس سيتمّ تنفيذها على الفور. فإذا قرّر الخيار الأوّل فسيتمّ التحضير للمؤتمر الاستثنائي، وإذا أوصى بضرورة عقد المؤتمر بأسرع وقت، فإن حدادة قد «حسب حساباً» لهذا التوجّه، مشيراً إلى أن اللجان التي شكلتها اللجنة المركزية حضّرت كلّ الوثائق والمواد التي يمكن أن يتمّ طرحها في المؤتمر.ولأنه ديموقراطي أيضا وأيضا، فإن حدادة لم يرجّح قرار المؤتمر الاستثنائي بفعل «استنباط فرديّ»، ولكن بعدما لمس أن الجوّ العام ينحو في هذا الاتجاه، وهو الذي لا يترك فرصة إلا ويعقد الاجتماعات المتتالية لمعرفة هواجس «الرفاق» ويعمد إلى معالجة الأزمات التنظيميّة، بالرغم من أن البعض يرى عكس ذلك!والقرار بتأجيل المؤتمر إلى حين تحضير الوثائق الضرورية، لا يعني، بحسب حدادة، عدم تفعيل العمل القيادي واللجان الحزبية، وإنما هذا الهدف هو من الأمور الملحّة التي يفترض العمل عليها إلى جانب التحضير للمؤتمر بآليات مرنة ومفتوحة.لا ينكر حدادة أن «الشيوعي» يعيش ضموراً حالياً، ولكن «الرجل المتفائل» يحاول أن يركّز على الإنجازات التي حققها الحزب منذ تأسيسه وخلال قيادته للحزب. يعدّد رئيس «الحزب الشيوعي» بعضاً منها: صوغ التحالفات وحماية الحزب نفسه من الضغوطات التي كانت تدفعه إلى الدخول في حركة «14 آذار» أو «8 آذار»، وضمان استقلالية الحزب، سواء على المستوى الوطني أو الاقتصادي أو الاجتماعي الثقافي... وغيرها من الانجازات التي «تنمو» في نظر حدادة.أما بالنسبة إلى الأزمات التنظيميّة، فإن رئيس «الشيوعي» لا يحبّ الخوض بتفاصيل هذه الأمور، أو هكذا يوحي، بل يفضّل السير على الضفاف. ويلفت الانتباه إلى أن الحزب يترك المجال لـ«الرفاق» للتعبير عن آرائهم إلى أبعد الحدود دون مساءلتهم، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالإساءة إلى الحزب بالمباشر، فإن الأمر يختلف كلياً. وفي الإطار التنظيمي أيضاً، يعتقد البعض أن تأجيل المؤتمر مرتبط برغبة حدادة بالبقاء في رئاسة «الشيوعي». في حين أن حدادة ينفي الأمر، ويؤكد «أنني غير متمسّك برئاسة الحزب أبداً، بل على العكس، فإنني مستعدّ لتنفيذ هذه الخطة دون أن أكون على هذا الكرسي، وأنا قد طرحتُ هذا الفكرة في إطار التقديم للمؤتمر». ويعتقد حدادة أن هذه الفكرة «هي خارج تفكير الحزب، وهي طرح شكلي يطرح من باب «المزح الالكتروني»!في المقابل، لا يرى رئيس «الشيوعي» أن الحزب ينأى بنفسه عن الوضع السوري أو أن هذا الوضع يسبّب إحراجا على مستوى القيادة والقاعدة، ويؤكد أنه «لا يجب أن يبقى النظام في سوريا، ولكننا أيضاً نرفض الخطة المضادة التي تقودها أميركا من خلال حكم الإرهاب الأصولي الذي تديره السعودية وقطر»، مشدداً على «أننا نسعى إلى إيجاد جسم ديموقراطي وإحياء الحوار بين القوى الديموقراطية واليسارية والشيوعية التي ترفض بقاء هذا النظام وفي الوقت نفسه ترفض التدخّل الأجنبي في سوريا».وفي الذكرى الـ89 للحزب، لا يغفل رئيس «الشيوعي» الدقائق الأخيرة لـ«حارس السنديانة الحمراء» محمّد دكروب «الماركسي الجدلي» الذي «عرف كيف يوائم بين النقد والالتزام، واخ
كانت «الطريق» ملحمته. دفع بها إلى واجهة المشهد الفكري في العالم العربي. أربعون عاماً بين يدين من قوة ونشاط استثنائيين. إنها الأمانة الكبرى لرجل ضد النسيان، يقف خلف أسلاك أحلامه، من دون تعصب
عبيدو باشا
لا يسع رجلٌ أن يشق نفسه، حتى لا يُجرّ الأطفال على الأرصفة في أعمال منهكة وطويلة، أو أن تتحوّل سيقانهم إلى خيطان، بارتجاف السيقان بالتعب والخوف في كبريات المصانع الآسيوية، المفصّلة أفخر الملابس بأيدي أفقر أولاد العائلات، البلا حجة بالأوضاع الاقتصادية غير الافتراضية المختلطة برقع البؤس الاجتماعي الكالح. لم يجد في ذلك إلا تخفيفاً من قبح رجال المنظومة الرأسمالية، بالحيل الجافة. لم يجد في ذلك، إلا إضعافاً، لعلامات الاستفهام، الطائرة فوق شقوق العالم المطرزة بإفرازات العولمة، الأسلوب غير المستقر، لا في الشعريات ولا اللسانيات ولا طرائق التحليل. لم يجد في العولمة إلا الذرائعيات، الضاجة بقياد الأطفال إلى بطش الآلة المعدنية والبشرية. بقيت صور الأطفال ترعبه، وهم ينساقون إلى فم الوحش أو جوفه. لا فرق. لأن الأول هو الطريق إلى الثاني. لم يخف شيئاً آخر، حتى الحرب. عبر الأخيرة بضحكة تقاس بالعرض لا بالطول.
لم يستعمل محمد دكروب، لا الوشم ولا الودع، حتى يهدئ الحشود التائهة خلف الصراخ والموت. وهو يهديها رسائله المكتوبة بيدين متعرقتين، ضد السقوط.
حمى الأطفال في الشوارع وعند المفارق وفي الكاراجات والمقاهي والنوادي الليلية، بتجاعيده المرصودة، على صفحة وجهه، وهو لا يزال/ بعد/ طفلاً يشبه الأطفال الحائرين، الواقفين على جلد الحرباء اللبنانية. جلد ممتد من أول خنجر مسلط عليهم، إلى آخر سيف. يستحق محمد دكروب، الإشادة، لأنه شيوعي ضد الشيوعية بحبال مطاطها المحترقة. لا علاقة لحذاء خروتشوف بذلك. ولا بغلاسنوست وبيريسترويكا غورباتشيف. ولا بالإصبع الناقص، بيد لاعب كرة اليد الشهير المعروف بيلتسين، وهو يقف على ظهر دبابة، موجّهاً الشعب والبلاد إلى الانقلاب المدوي على النظام الشيوعي المخفف، مع آخر الرؤساء السوفيات، بتغطية من الفاتيكان وأميركا، عملاق الضفة الأخرى. لم يدر الرجل حول الأفكار، لم يستهلكها. وجد أنّ استهلاكها بالطرق السائدة، لا يقود إلا إلى العدم. لم يتفكر كثيراً بذلك. لم يستعمل تقنيات الجدلية المادية، ولا أي تقنية أيديولوجية أخرى. ذلك أنه أكّد اللاحق بالسابق، باحساس عال بلا فلسفة أو تنميق أو تذويق. جعل من «سؤال الروح»، بحسب هايدغر، واحداً من أقطاب الأسئلة الكبرى في حياته. هكذا مضى، ضد النمذجة والنموذج. لم يفاخر ولم يهاتر. هكذا مضى، ضد التأليه، ضد المتحف والمتحفية. ضد الحزب، لأنه استعمل الوجود في قراءة الصيرورة. لا مبالغة في ذلك. الرجل، الطائر فوق طموحات تأييد الحجة، في الطريق إلى الانتساب إلى مراكز القرار، لم يهبط في اللجان المركزية والمكاتب السياسية، مرحباً بآثاره ولا بمائه الطافح بالواجب، كما فهم الواجب، منذ مسه الإحساس بالواجب مساً خفيفاً. شد عمره، بحيث قاده العمر وهو يقوده، إلى الصراط الإنساني. هذا رأسماله، أو مقدمته الدائمة إلى الانخراط في الصراعات، على تحقيق أمن الإنسان وفرحه وسعادته، لا السلطة. رجل ضد العبادة والحرير والتسري والرعب. صنع الدكروب حضوره بالقيمة، لا بالتفكيك. صنع ذلك، بالمصدر الأول، بالينبوع. لا بالافتراض. هذه بداهته الحاسمة. لا المجموعة المترابطة من المفاهيم. رجل سياق، لا رجل منظومة، ما لم يقده إلى الانغماس في أي نمط من أنماط الغموض الايديولوجي. فوّر الرجل قهوته على سرير من قش، بفراش من ضرورة وافتراضات بسيطة، صائبة. لم يلن أمام الفجائع. فجيعة اغتيال الشيوعيين على أسرّتهم أو في الطرقات والتشنيع بحيواتهم برميهم، بقواهم المولدة المقتولة بالحقد، على مزابل بيروت. لم يلن أمام النوافذ المرتعشة، حين مرّ الرفاق أمام ألوانها المقشرة إلى بيوت بنوافذ أخرى. لم يعاد كل صيغة جديدة أو شكل أساسي في العمل الحزبي. وجد في خروج رفاق من الحزب إلى اليسار الديمقراطي، جزءاً من الفاعلية السياسية للحزب. شكل من فرادة الروح. فرادة الروح محفورة بروحه. هكذا، أدرك أنّ الحقيقة، لا ما يعجبك. هكذا، ساهم في خلق التحديد، كماركسي لينيني، لا كستاليني. لم يستدعِ الخروج على الحزب، لصاحب العينين المخفوقتين بالقلق والبرق الصيفي والغيم والسؤال الدائم المستوطن، الدائر على الحياة والموت والحب، لم يستدعِ كراهيته لأحد. الأخير درعه، لا سيفه. الأخير كتابه، في مجموع كتبه المؤلفة، بقلم الأمي القديم، الواجد في الأمية خطر الظلمة وامتدادها، فوق كل خصب وكينونة. هذا رجلٌ، غير قابل للقياس على أي مسطرة. رجلٌ ضد النسيان، يقف خلف أسلاك أحلامه، من دون تعصب أو دحض منوط بالشكليات أو أطروحات الاهتزاز على قوارب الآخرين. لم يعلن الدكروب أنه ضد التسلية. لم يعلن أنه ضد التسلية العريضة. هو ضدها، لا ضد التسلية. لا بأس من نتفة صغيرة من الكوميديا، غير أن الانتباه يبقى ضرورياً من ارتدادات التسلية العريضة، في وعلى حياة الناس. هذا صاحب جودة روحية، لأنه بقي قادراً على أن يسامح. لم يقل إنّ من أساء اليك، امتلكك بالإساءة، وان الطريق الوحيدة للتحرر من امتلاكه لك، بأن تسامحه. فهم ذلك، من ارسالاته البلا تحديد. لذا، جاءه الموت، كما تجيء قواعد النحو والصرف إلى الجملة العربية الفصحى، غير مؤلمة وغير منتظرة، حيث تبقى ميزة الجملة بانتظار ميزة أخرى. جاءه الموت بصورة نسر، محلّق فوق اكتماله التاريخي، من إنجاز المهمات التاريخية المنوطة به، مذ دفع إلى أن يقطن في مجلة «الثقافة الديمقراطية»، مجلة الحزب الثقافية/ السياسية، وهو لا يزال بلا معرفة ولا دربة. وهو لا يزال، خارج حركة التشابه المنطقي مع الحزب ومسؤولي الحزب. كتب الدكروب، المهم والأعلى. قاد نفسه إلى ذلك، منذ راسل جريدة «التلغراف». البوليتاري، غير الرث، بدأ الكتابة بالمراسلة. كتب في «قصص للجميع» القاهرية وفي «الألواح» اللبنانية للسيد صدر الدين شرف الدين و«الآداب». كتب بلا أنماط تعيين. كتب لكي ينوجد. لكي يحيا، لكي يعيش، لكي لا يموت. ذلك أنّ ثمة بوناً شاسعاً بين العيش ومقاومة الموت. فتحت «الآداب» الآفاق الأعرض في حياته. غير أنّ «الطريق» هي ملحمة محمد دكروب، على نحو صارم، حين دفع بها إلى مقدم المشهد الفكري في العالم العربي. أربعون عاماً بين يدين من قوة ونشاط استثنائيين. إنها أمانته الكبرى. إنها صحن كتابه غير المكتوب، صحن استدعاء غير الشيوعيين إلى تقبيل الشيوعية بلا أثمان. بالمجان. محمد دكروب ضد الحيزية، ضد القوقعة. إنه في ذلك، مفارق غير موهم. وهو كذلك، إذ كتب في النقد المسرحي، مساهماً في انبثاق أسئلة الزمان في المسرح العربي. محاضر، منتدٍ، مثاقف بلا ترفع، بصياغات حنونة. امتيازه بالكتابة. التقط الحرف بجمرات. كتب بالنار «جذور السنديانة الحمراء». كتب «دراسات في الإسلام» و«الأدب الجديد والثورة» و«شخصيات وأدوار في الثقافة العربية الحديثة» وكتب كتباً أخرى. كَتبَ، الهزيل كالهواء، السمكري، الوراَق، بائع الأكياس في الأسواق التجارية القديمة، في أخطر الموضوعات. علَم نفسه بحركة عنقه، لا بالورق، حتى استطاع أن يكتب وجهه واسمه على العشب والماء. ثم أخذه الموت من طفولة تسمى، إلى غياب لا يسمى. ابتدع الرجل البسيط أعقد القضايا، بيدين من طبيعة اليدين. انفتح على شاشة الرؤى الجديدة وهو في الثمانين. يغيب وهو في الخامسة والثمانين، على بساط رقيق من أحباب وأحداث واسس لم يتغاضَ عنها، متخففاً من الروح الأرثوذكسية في التعاطي مع الاشتباك البلدي والاصطفاف والانحياز بأرواحه النازية والفاشية، بين قوى تستقوي على الجمهور بالجمهور. لم يتنمر الدكروب في موقعة أو حرب. تدري ذلك، صغار العصافير المعششة على جفنيه المسقسقين بدموع الرجاء على بلاد بلا رجاء. إهداء إلى أياد داغر * كاتب وناقد مسرحي
حضر الوزير السابق شربل نحاس إلى محكمة المطبوعات محاطاً بمجموعة من المتضامنين. أمس، كانت المرة الثانية التي يذهب فيها نحاس إلى «قصر العدل»، كضريبة يدفعها لإصراره على ما يراه انطلاقاً من حسابات تعدّ «هجينة» لبنانياً، عدلاً للعمال وحقوقاً لهم. وهذه الدعوى الثانية، المقامة ضدّه، من مايكل رايت و«سبينس» بتهمة التعاطف مع عمال المؤسسة، أو ما صُنّف في حسابات مدير سبينس «القوي»، قدحاً وذماً.
كما في المرة السابقة، كان المعتصمون قلة، غير أن علاقتهم بنحاس بدت عاطفية كما في المرات السابقة. لم يحدث الوزير المعروف بمشاكسته، وخروجه عن السائد في صرف الأمور المتعلقة بكبار التجار وأصحاب العمل في لبنان، جلبة كبيرة. اكتفى بتصريح مقتضب قبل دخوله إلى «العدليّة»، وقد بدت عليه علامات الارتياح كالعادة. لا يرغب اللبنانيّون عادةً في الاطلاع على تفاصيل مشابهة. فهم فردانيّون حينما تلامس القضايا حقوق أجزاء وافرة منهم، ويصيرون جماعات عندما تتخذ القضايا شكلها الغرائزي اللبناني. وفي الأساس، لا يرى نحاس أن المسألة قدحاً ولا ذماً. وبطريقته المعهودة، التي يحرص فيها على الترفع عن الأدبيات المتداولة في النزاعات المشابهة، أشار نحاس إلى أنه ليس لمايكل رايت بشخصه «أي أهميّة»، معقّباً بأن الأهميّة بالأفعال، أو الممارسات التي يرتكبها. وبغض النظر عن رأي القضاء في ذلك، فنحاس على حق، على الأقل من الناحية النظريّة، حتى لو لم يرغب اللبنانيّون في التعامل مع القضيّة كقضيّة وطنيّة ستصيبهم إذا سكت عنها، عاجلاً أو آجلاً. وإلى ذلك، يستفيض نحاس في اتهاماته، ويبدو قادراً على التحول من موقع الدفاع إلى الهجوم، حين أخبر الصحافيين أن الذين يتهمونه بما يتهمونه به تجاوزوا القانون ثلاث مرات. أولاً، الاعتداء على الحريات الفردية المصونة بالدستور. ويقصد نحاس بالحريّات حريّة نقد إدارة «سبينس»، لأن الخلاف جوهري، وما قيل ليس اعتراضاً على حملة إعلانية، بل يمس فئة كبيرة من عمالها ويقضم حقوقهم. وهذا ما بيّنه نحاس، في «التجاوز الثاني»، أي «منع العاملين من إنشاء نقابات تدافع عن حقوقهم، وترهيبهم، وابتزازهم وترهيبهم بالضرب والضغط لإرغامهم على الاستقالة من النقابة». وهذه اتهامات لم يحرّك لها القضاء ساكناً، بل تحركت المحكمة «الأنشط» في البلاد أخيراً، وهي المطبوعات. نتحدث هنا عن عمال، وهم بشر في الدرجة الاولى، لم تكتف مؤسساتهم بطردهم تعسفاً، بل لاحقتهم حتى تعرضت لهم بالأذى الجسدي والمعنوي. رغم ذلك، نحاس، الذي فضح التجاوزات وتصدى لها، هو الذي يحضر إلى المحاكمة. أما التجاوز الثالث، الذي عرضه الوزير، فيمس بسمعة البلاد بنحو مباشر، أو ما تبقى منها، حين ذكر أن لدينا تقريراً لمنظمة العمل الدوليّة في هذا الإطار يدين تصرّفات إدارة «سبينس»، وثمة من وصفه بالأكاذيب. لا يرغب اللبنانيّون في الوقوف مع نحاس. يشعرون بأن الموسى لم تصل إلى رقابهم، ولذلك، كونهم لا ينتمون إلى نقابات، والجماعات التي ينضوون في صفوفها ليست عماليّة، ولا تمت إلى العمل بصلة، لا يشعرون بأهميّة الأمر. ذلك لا ينفي أن نحاس نفسه يقع في فخاخ الشعبويّة، حينما يحاول استنهاض النائمين، خارج النقابات، وفي أحزابهم السياسية، والقصد هنا اللبنانيّون، عندما يصف رايت بالـ«الأجنبي»، في ما يبدو أنه محاولة لتحوير القضية من قضية عماليّة إلى قضيّة وطنيّة. على أيّ حال، يبدو نحاس الذي يحضر إلى المحاكمة محقّاً، حين يشرح أنه «بعدما تم إبلاغ هذا الشخص، بصفته الشخصية وبصفته مديراً عاماً للشركة، بجلسة استجوابه باتهام يتعلق بالمادة 329 عقوبات التي تجرّم أي فعل يمنع المواطنين اللبنانيين من ممارسة حقوقهم المدنية، أعلن مايكل رايت، قبل ثلاثة أيام من جلسة استجوابه، أنه لن يحضر ولا يهمه الامر ولن يحصل أي شيء، ولم يرسل أي وكيل عنه أو أي عذر». وهذا، برأي نحاس، تحقير للقضاء، وقلة احترام له. وقد قال نحاس هذا الكلام من قصر القضاء، على المدخل تماماً. وبما أن الإعلاميين بدوا غالبية المتضامنين، لقلة عدد الأخيرين، سجل نحاس موقفاً متضامناً معهم بدوره، وسط تململ رجال الأمن من البلبلة التي أحدثها نحاس، وهي بلبلة لم يعتدوها. والمفارقة أن رجال الامن هم عمال أيضاً، وقد تبادل بعضهم ابتسامات متعاطفة مع نحاس. في تصريحه، قال الرجل إن الابتزاز مرفوض، غامزاً من قنوات بعض المؤسسات الاعلاميّة التي رضخت لضغوط «سبينس». والحال، أن هذه تصريحات نحاس، فيما لم يبتّ القضاء شيئاً بعد، ولم يصدر أحكامه. أما الحكم الذي يطالب به نحاس، فهو «أن يساق هذا الشخص إلى السجن». وهذا الشخص، كما يعرف الجميع، يتعدى كيان مايكل رايت. هذا الشخص هو النظام السياسي اللبناني بأسره، الذي يبدو تغييره ضرباً من المزاح في الوقت الحالي.