الذكرى السادسة لرحيل جورج حبش

جورج حبش جورج حبش
31 Jan
2014

«لا بد من إعطاء هؤلاء (الإسلاميين) فرصتهم ليتسنى للمواطنين الحكم على أعمالهم. فاختبارهم يشكل أفضل السبل لإضعافهم».«كيف لهذه الأمة الكبيرة أن تهزمها عصابات صهيونية».جملتان قصيرتان قالهما يوماً «حكيم الثورة» جورج حبش. جملتان تلخصان استشرافاً لما آلت إليه أوضاع العرب اليوم حين اختلفوا على معنى «الثورة» وعلى قلبها النابض فلسطين، من تونس إلى مصر، وليبيا، وسوريا واليمن.. والآتي أعظم.فرصة الإسلاميين، تحدث عنها حبش، في كتاب «الثوريون لا يموتون أبداً»، الذي يتضمن سلسلة أحاديث أجراها الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو مع حبش، والذي يمكن وصفه بالوصية الأخيرة في الحديث عن الحقبة الكاملة من تاريخ فلسطين والمنطقة، أوصى الحكيم بحفظ المقاومة، التي تعاني اليوم ما تعاني من غدر «الأشقاء».كانت فرصة الإسلاميين الكبرى في مصر. مصر التي اتجهت بشكل مباشر إلى اختيار حكم «الإخوان المسلمين» بعد «ثورة 25 يناير» العظيمة، والتي صادفت ذكراها الثالثة قبل يوم من الذكرى السادسة لرحيل الحكيم. بعد الثورة، وقع المصريون بين خيارين، أحلاهما مرّ، فإما العودة إلى فلول النظام القديم أو السير قدماً.أعطى المصريون جماعة «الاخوان المسلمين» فرصتها، فصدق حبش وسقطت، وها هي مصر اليوم تستفيق من الصدمة، وتقاتل بقايا «إرهابهم».وها هي اليوم العصابات التي تحدث عنها الحكيم، تحاصر الأمة باسم الدين، وتنادي بالحرية على رقاب السوريين، وتسبح في بحر «دم الديموقراطية»، وتقاتل بسيف العرب علناً وهي خجلة من ذكر اسم فلسطين التي تقع على مرمى حجر منها، وتقف موقف العداء من المقاومة التي كان حبش رائدها يوماً، وملهمها أبداً.وفي الكتاب أيضاً، بالرغم من ارتيابه حيال النظام السوري، يؤكد حبش على «علاقة متميزة» جمعته بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي كان «يحترم كفاحي وصدقيتي». ويعتبر أن هذه العلاقة حالت دون طرده من سوريا عند مقابلته الرئيس العراقي السابق صدام حسين مطلع التسعينيات.جورج حبش «حكيم الثورة وضميرها» والقائد القومي الذي كرّس حياته طبيباً ومقاتلاً وسياسياً لأجل القضية الفلسطينية منذ ما قبل نكبة العام 1948، حين قطع دراسته للطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي التحق بها في العام 1944، ليعود إلى مدينته اللد، لمواجهة العصابات الصهيونية.حبش، الذي ولد في العام 1925، عاش تفاصيل حصار الصهاينة لمدينته، الذي أدى إلى استشهاد شقيقته واضطرار العائلة إلى دفنها في حديقة المنزل الخلفية، لعدم القدرة على مغادرة المنزل.كان لقرار التقسيم أثر كبير في نفس حبش، الذي كان في إطار وعيه الأولي على «حركة القومية العربية». إلا ان الهزيمة التي استغربها الحكيم وقعت بالفعل، ما اضطره وعائلته إلى الدخول في ركب اللجوء، فتنقّلوا بين يافا ورام الله وعمّان، التي عاد منها حبش إلى بيروت لإكمال دراسة الطب، فتخرج في العام 1951.وفي العام 1952 عمل على تأسيس «حركة القوميين العرب» مع رفيق دربه المناضل وديع حدّاد، وكان لها دور في نشوء حركات أخرى في الوطن العربي.أدّى ورفاقه دوراً قيادياً في التظاهرات الطلابية، التي عمت لبنان في تلك الفترة تأييداً لموقف حكومة مصطفى النحاس زعيم حزب «الوفد»، والتي ألغت المعاهدة المصرية - البريطانية. ثم تابع النشاط السياسي في الأردن في العام 1952، ومارس مهنة الطب هناك مع وديع حداد، وأقاما عيادة في وسط عمان، ولطالما عرفت بـ«القيادة»، وقدما علاجاً مجانياً للطبقة المسحوقة من أبناء المخيمات.كانت العيادة مركزاً للتعبئة والتوعية السياسية ونشر أفكار «حركة القوميين العرب»، إلا انهما تعرضا للملاحقة، ما اضطرهما إلى العمل السري والاختفاء لمدة عامين في الأردن، وبعدها انتقل إلى سوريا ليمارس نشاطه السياسي والجماهيري في دمشق.بعد نكسة العام 1967، وانحسار الفكر القومي العربي، أسّس حبش مع مصطفى الزبري المعروف بـ«أبو علي مصطفى»، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، التي تبنّت الفكر الماركسي.اعتقل الحكيم في العام 1968 في سوريا لمدة عام، ثم نفذت بعدها عملية اختطاف لتهريبه من السجن خطط لها ونفذها وديع حداد. وعندما أصبح خارج السجن في العام 1969، وجد نفسه أمام انشقاق سياسي تنظيمي قام به نايف حواتمة.انتقل حبش إلى الأردن سراً في العام 1969، حيث كانت مرحلة المقاومة الفلسطينية في الأردن، التي شهدت الكثير من المصادمات مع الجيش الأردني، وأدت إلى معارك ضارية في أيلول العام 1970 وخروج المقاومة الفلسطينية من عمان إلى أحراج جرش، وما سميّ بـ«أيلول الأسود».كان حبش بطل العمل الثوري في الأردن، بالإضافة إلى التيارات اليسارية الأخرى على الساحة الفلسطينية. إذ تخصصت الجبهة في عمليات خطف الطائرات، التي بدأ تنظيمها في العام 1968، وتولاها حداد، مثلها مثل العمليات اللاحقة، مجنداً في بعض الأحيان مناضلين يساريين من أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية من بينهم إيليتش راميريز سانشيز الملقب بـ«كارلوس».وكان أبرز هذه العمليات في العام 1970، حين خطفت خمس طائرات مدنية غربية أنزلتها الجبهة في «مطار الثورة» في الأردن، قبل تفجيرها من دون ركابها لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية. هذه العمليات، في رأي حبش، كانت ضرورية لأنها أتاحت عملياً إخراج هذه القضية من المجهول «بفعل احتكار الصهيونية الإعلام الغربي».جورج حبش الطبيب والمفكر والكاتب والشاعر والمقاوم المناضل، كان يجسد حلم الفلسطينيين والعرب بالتحرير. ثوري وضع أعداءه نصب عينيه وحددهم بثلاث: الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ليلهمنا.. علّنا نفلح.من أقوال الحكيم÷ «إعلان إنهاء الحرب مع إسرائيل خيانة صارخة».÷ «ندعو السوفيات إلى مراجعة موقفهم الخاطئ المتمثل في اعترافهم بالكيان الصهيوني».÷ «ليست لنا أية علاقة بالقرار 425 وهو لا يخصنا كثورة».÷ «لا للدولة الفلسطينية إذا كانت ستقوم وثمنها استمرار بقاء إسرائيل».÷ «أسجل تأييدنا المطلق للخميني من زاوية عدائه للأمبريالية الأميركية والصهيونية. ولكن لننتظر التجربة».÷ «إن أي نظام عربي يحيك الدسائس والمؤامرات ضد الثورة الإسلامية في إيران هو خائن خارج على إرادة الشعب العربي».÷ «العمل الفلسطيني في سوريا لا يمكن أن يكون على ما كان عليه في لبنان، لأن أمن سوريا هام».÷ «من حقنا أن نقاتل إسرائيل من الحدود العربية كلها وسنناضل لفتحها أمامنا».÷ «كارلوس مناضل أممي التحق بصفوف الجبهة من منطلق قناعاته الثورية وشعبنا سيحفظ له هذا الجميل ولكل المناضلين الشرفاء من أمثاله، وتهمة الإرهاب لا تخيفنا».

آخر تعديل على Monday, 03 February 2014 09:49

الأكثر قراءة