نحاس: مايكل رايت مكانه السجن

نحاس: مايكل رايت مكانه السجن
31 Oct
2013

 حضر الوزير السابق شربل نحاس إلى محكمة المطبوعات محاطاً بمجموعة من المتضامنين. أمس، كانت المرة الثانية التي يذهب فيها نحاس إلى «قصر العدل»، كضريبة يدفعها لإصراره على ما يراه انطلاقاً من حسابات تعدّ «هجينة» لبنانياً، عدلاً للعمال وحقوقاً لهم. وهذه الدعوى الثانية، المقامة ضدّه، من مايكل رايت و«سبينس» بتهمة التعاطف مع عمال المؤسسة، أو ما صُنّف في حسابات مدير سبينس «القوي»، قدحاً وذماً.

كما في المرة السابقة، كان المعتصمون قلة، غير أن علاقتهم بنحاس بدت عاطفية كما في المرات السابقة. لم يحدث الوزير المعروف بمشاكسته، وخروجه عن السائد في صرف الأمور المتعلقة بكبار التجار وأصحاب العمل في لبنان، جلبة كبيرة. اكتفى بتصريح مقتضب قبل دخوله إلى «العدليّة»، وقد بدت عليه علامات الارتياح كالعادة. لا يرغب اللبنانيّون عادةً في الاطلاع على تفاصيل مشابهة. فهم فردانيّون حينما تلامس القضايا حقوق أجزاء وافرة منهم، ويصيرون جماعات عندما تتخذ القضايا شكلها الغرائزي اللبناني. وفي الأساس، لا يرى نحاس أن المسألة قدحاً ولا ذماً. وبطريقته المعهودة، التي يحرص فيها على الترفع عن الأدبيات المتداولة في النزاعات المشابهة، أشار نحاس إلى أنه ليس لمايكل رايت بشخصه «أي أهميّة»، معقّباً بأن الأهميّة بالأفعال، أو الممارسات التي يرتكبها. وبغض النظر عن رأي القضاء في ذلك، فنحاس على حق، على الأقل من الناحية النظريّة، حتى لو لم يرغب اللبنانيّون في التعامل مع القضيّة كقضيّة وطنيّة ستصيبهم إذا سكت عنها، عاجلاً أو آجلاً. وإلى ذلك، يستفيض نحاس في اتهاماته، ويبدو قادراً على التحول من موقع الدفاع إلى الهجوم، حين أخبر الصحافيين أن الذين يتهمونه بما يتهمونه به تجاوزوا القانون ثلاث مرات. أولاً، الاعتداء على الحريات الفردية المصونة بالدستور. ويقصد نحاس بالحريّات حريّة نقد إدارة «سبينس»، لأن الخلاف جوهري، وما قيل ليس اعتراضاً على حملة إعلانية، بل يمس فئة كبيرة من عمالها ويقضم حقوقهم. وهذا ما بيّنه نحاس، في «التجاوز الثاني»، أي «منع العاملين من إنشاء نقابات تدافع عن حقوقهم، وترهيبهم، وابتزازهم وترهيبهم بالضرب والضغط لإرغامهم على الاستقالة من النقابة». وهذه اتهامات لم يحرّك لها القضاء ساكناً، بل تحركت المحكمة «الأنشط» في البلاد أخيراً، وهي المطبوعات. نتحدث هنا عن عمال، وهم بشر في الدرجة الاولى، لم تكتف مؤسساتهم بطردهم تعسفاً، بل لاحقتهم حتى تعرضت لهم بالأذى الجسدي والمعنوي. رغم ذلك، نحاس، الذي فضح التجاوزات وتصدى لها، هو الذي يحضر إلى المحاكمة. أما التجاوز الثالث، الذي عرضه الوزير، فيمس بسمعة البلاد بنحو مباشر، أو ما تبقى منها، حين ذكر أن لدينا تقريراً لمنظمة العمل الدوليّة في هذا الإطار يدين تصرّفات إدارة «سبينس»، وثمة من وصفه بالأكاذيب. لا يرغب اللبنانيّون في الوقوف مع نحاس. يشعرون بأن الموسى لم تصل إلى رقابهم، ولذلك، كونهم لا ينتمون إلى نقابات، والجماعات التي ينضوون في صفوفها ليست عماليّة، ولا تمت إلى العمل بصلة، لا يشعرون بأهميّة الأمر. ذلك لا ينفي أن نحاس نفسه يقع في فخاخ الشعبويّة، حينما يحاول استنهاض النائمين، خارج النقابات، وفي أحزابهم السياسية، والقصد هنا اللبنانيّون، عندما يصف رايت بالـ«الأجنبي»، في ما يبدو أنه محاولة لتحوير القضية من قضية عماليّة إلى قضيّة وطنيّة. على أيّ حال، يبدو نحاس الذي يحضر إلى المحاكمة محقّاً، حين يشرح أنه «بعدما تم إبلاغ هذا الشخص، بصفته الشخصية وبصفته مديراً عاماً للشركة، بجلسة استجوابه باتهام يتعلق بالمادة 329 عقوبات التي تجرّم أي فعل يمنع المواطنين اللبنانيين من ممارسة حقوقهم المدنية، أعلن مايكل رايت، قبل ثلاثة أيام من جلسة استجوابه، أنه لن يحضر ولا يهمه الامر ولن يحصل أي شيء، ولم يرسل أي وكيل عنه أو أي عذر». وهذا، برأي نحاس، تحقير للقضاء، وقلة احترام له. وقد قال نحاس هذا الكلام من قصر القضاء، على المدخل تماماً. وبما أن الإعلاميين بدوا غالبية المتضامنين، لقلة عدد الأخيرين، سجل نحاس موقفاً متضامناً معهم بدوره، وسط تململ رجال الأمن من البلبلة التي أحدثها نحاس، وهي بلبلة لم يعتدوها. والمفارقة أن رجال الامن هم عمال أيضاً، وقد تبادل بعضهم ابتسامات متعاطفة مع نحاس. في تصريحه، قال الرجل إن الابتزاز مرفوض، غامزاً من قنوات بعض المؤسسات الاعلاميّة التي رضخت لضغوط «سبينس». والحال، أن هذه تصريحات نحاس، فيما لم يبتّ القضاء شيئاً بعد، ولم يصدر أحكامه. أما الحكم الذي يطالب به نحاس، فهو «أن يساق هذا الشخص إلى السجن». وهذا الشخص، كما يعرف الجميع، يتعدى كيان مايكل رايت. هذا الشخص هو النظام السياسي اللبناني بأسره، الذي يبدو تغييره ضرباً من المزاح في الوقت الحالي.

آخر تعديل على Saturday, 21 December 2013 12:34

الأكثر قراءة