Hiba Awar

Hiba Awar

البطالة تفجّر ثورات... وثورات لم تحقق المطالب

الدول العربية التي تشهد حراكاً شعبياً يضرب بنيان أنظمتها السياسية تقف في مواجهة «دينامو» الثورات الأساسي، إنه «دينامو» البطالة لدى الشباب... من تونس ومصر الى الأردن وسوريا فلبنان، المشكلة واحدة: سوق العمل بدائي، والمهارات العلمية للتصدير.

رشا أبو زكي

حين أحرق البو عزيزي نفسه، كان عاطلاً من العمل، شرارة قهره تلقفها الشباب، هم كذلك يعانون المشكلة نفسها، انطلق الحراك التونسي اجتماعياً، والتغيير الاجتماعي والاقتصادي لا يتحقق بلا تغييرات في الواقع السياسي، فتصدرت السياسة الحدث. امتدت الثورات الى غير دولة عربية، تشابهت المسببات والمحرّكات والسمات الشبابية بغالبيتها... وهذا ما يحفّز السؤال عن ماهية التغييرات التي نشأت مع هذه الثورات.

هل انعكس التغيير السياسي تغيّراً في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية؟ هل جاءت البدائل متوافقة مع تطلعات الشباب الثائر؟ هل أصبح تأمين فرص العمل وتحسين البيئة الوظيفية من الاولويات في هذه الدول؟ ماذا عن الدول التي لا تزال تشهد سكون نسبي، ومنها لبنان مثلاً؟ أليس لشبابها مطالب اجتماعية يطرحونها؟ هل التيارات الدينية، التي تغذّت من ازدياد معدلات الفقر والبطالة، ستعمل بعد وصولها الى السلطة على قطع حبل السرّة مع ركائز وجودها وانتشارها؟ هل ستداوي انتشار الفقر وتحقق العدالة الاجتماعية؟ أسئلة لا تنتهي، تتزاحم في عقل من يتوسط حشداً من الشباب العربي، الذي جاء الى بيروت ليتحدث عن عمالة الشباب وفرص العمل في الدول العربية ونوعها، بدعوة من منظمة العمل الدولية بالتعاون مع فريدريش ايبرت الألمانية.

تونس، ياسمينة الثورات العربية، تصنّف دولة شابة، الا أن البطالة في صفوف الشباب تصل الى 19% كمتوسط اجمالي، لترتفع تدريجياً الى 30% في المناطق الداخلية، فيما نسبة البطالة لدى النساء ترتفع الى 70%. غالبية العاطلين من العمل هم من حملة الشهادات العليا. «البو عزيزي، هو أب ثورتنا، وقد أحرق نفسه لأنه عاطل من العمل، ولأن الدولة لا تنظر الى مشكلته بجدية»، هذا ما قاله عضو نقابة التعليم العالي في اتحاد الشغل في تونس كريم طرابلسي، واوضح أن أزمة البطالة لها أسبابها، منها غياب الخطط الاقتصادية والاجتماعية لخلق اقتصاد قادر على استيعاب الشباب التونسي. كذلك، هناك سلبيات في هيكلية القطاعات الاقتصادية التي لا تتلاءم مع الاختصاصات والتوجهات العلمية للشباب. «لا برامج خاصة لمن قام، بالثورة أي الشباب، لزيادة فرص العمل» يشرح طرابلسي، الا ان هذا المطلب لا يزال مرفوعاً في الشارع التونسي، «العمل حق ومن مسؤولية الدولة توفيره».

الانفعال هو ردّ الفعل الأول الذي تقوم بها آمال موافي (مديرة البرامج في منظمة العمل الدولية في مصر) عند سؤالها عن حجم البطالة لدى الفئة الشبابية في مصر. «بطالة كبيرة كبيرة»، تشرح أن نسبتها كانت اكثر من 25% كمعدل عام، وتتعدى هذه النسبة في عدد من المناطق، وبالطبع، ترتفع لدى النساء، وهذه المعدلات كانت مسجلة حين كان حجم النمو 5%، أما بعد سقوط النظام، فقد انخفض النمو الى 1،8%، وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة الى مستويات كبيرة. ترى موافي أن الثورات غيّرت الكثير في طبيعة الشباب العربي «أصبحت تطلعاته أكبر من السنوات السابقة، وقدرته على الصبر أقل، وإيمانه بإمكان التغيير مرتفع». تغيير كهذا يحتّم على الحكومة العمل على استراتيجية تشغيل عامة تتوجه في جزء منها الى الفئات الشبابية.

الحراك السوري قائم كذلك على الشباب، يقلب منسق الاستشارات التوظيفية علي الجندي عنوان المحاضرة من «لدينا المهارات! أين فرص العمل؟» الى «أين المهارات؟ وأين فرص العمل؟». ففي سوريا، سادت خلال فترة طويلة عقلية الاتكال على القطاع العام في التوظيف، تراجع الطلب في القطاع العام، وفتحت سوريا أبواب الخصخصة، فكان أن عمد أصحاب العمل إلى توظيف السوريين، وخلال توقيع عقد التوظيف يوقع الموظف بالتوازي ورقة استقالته، بحيث اذا صُرف يكون خالي الوفاض من أي حقوق تعويضية. يقول الجندي أن الحكومة حاولت مكافحة البطالة، الا أن دورها كان ضعيفاً. وبذلك، أصبح الجو التوظيفي في القطاعين العام والخاص غير صحي. بموازاة ذلك، تتوجه القدرات العلمية نحو اختصاصات قديمة، من دون صقلها بالتدريب والتحفيز. يلفت الجندي الى أن الذين يتحركون ويحدثون «اضطراباً في سوريا»، بحسب تعبيره، هم شباب بلا عمل ولا أمل بالمستقبل، اذ وصلت نسبة البطالة بين الشباب السوري الى 30%. فالكفاءات العالية جداً تهاجر، فيما السوق التوظيفية المحلية مضطربة، ما يفسّر الوجود السوري الكثيف في سوق العمل اللبنانية.

السعودية التي تعدّ نفسها بعيدة عن الحراك الشعبي العربي، تصل البطالة فيها الى نسبة «كاسحة» لدى النساء. بحسب ما يشير ممثل المملكة العربية السعودية في المؤتمر، ويقول إن هذه النسبة تصل الى حدود 75%. ويرى أن الحراك امتد الى بلده، لكن ليس بالشكل الذي انتشر في الدول العربية الأخرى، بل بطريقة مؤسساتية. اما في الأردن، التي تشهد بعض التحركات من الحين الى الآخر، فهي تعاني أعلى نسبة بطالة في الدول العربية نسبة الى عدد سكانها، بحيث تصل الى 28%، كما تعاني معدلات منخفضة في تشغيل النساء، بحيث تزيد بقليل عن الـ 50%. وتشرح ممثلة المنظمة الدولية للشباب الأردني رنا ترك أن مستوى التعليم والمهارات متدنّ جداً في المملكة، كما أن هناك فجوة ضخمة بين هذه المهارات ومتطلبات سوق العمل. وتلفت الى أن الأردن تتكوّن من حوالى 65% من الشباب، الا أن الشعب الاردني غير مدرك لحاجاته، ويعتمد على الحكومة حتى في ايجاد حل للثورة. وتلفت الى أن الحكومة الأردنية تسعى الى امتصاص اسباب انطلاق الثورات العربية، بحيث تحاول البحث عن حلول للبطالة، وكذلك أنشأت أخيراً وزارة للشباب، في محاولة منها لاستيعابهم.

حال لبنان كحال الدول العربية، بطالة، فجوة بين الاختصاصات العلمية وحاجات سوق العمل، غياب الدولة عن القيام بواجباتها في توفير فرص العمل للشباب. وفي آخر الدراسات التي أطلقتها منظمة العمل الدولية عن لبنان عام 2009، اشارة الى أن جودة التعليم تمثّل مشكلة تحتاج إلى معالجة، ولا سيما في حالة التعليم الأساسي والتقني. وبدلاً من تصدير المنتجات والخدمات المتخصصة، يميل لبنان إلى تصدير اليد العاملة المتخصصة، التي تولّد التحويلات المالية الضخمة التي يرسلها المهاجرون إلى أسرهم.

25 في المئة

معدل البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو الأعلى في العالم. وترتفع هذه النسبة كثيراً إذا استثني مجلس التعاون الخليجي

20 في المئة

 

الفارق الإيجابي بين انخراط الإناث في التعليم الجامعي مقارنةً بانخراط الذكور في المشرق العربي، ويبلغ 40% في المغرب العربي

إما استثمار أو تطرف

 

«المسار السياسي التغييري لم يكتمل في تونس»، يقول عضو نقابة التعليم العالي في اتحاد الشغل في تونس، كريم طرابلسي. الياسمينة بلا بترول، واقتصادها يقوم على تعزيز الاستثمار إلا أن ظاهرة السلفيين الى انتشار، والحكومة تتعاطى بتساهل مع هذه الظاهرة، ما يسمح بنموها. وفي وجود هذا الواقع، ليس بإمكان مستثمر أن يدخل السوق التونسية بلا ضمانات لاستمراريته.

 

الثلاثاء ١٣ آذار ٢٠١٢

حالة غضب غزاوية جارفة انفجرت على صفحات «فايسبوك» بسبب الصمت في كل من غزة والضفة ودول الربيع العربي عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، والذي أوقع حتى الآن عشرات الشهداء والجرحى

قيس الصفدي

غزة | العدوان المتصاعد على قطاع غزّة ولّد نقداً لاذعاً طاول من وصفهم الشارع الغزاوي بـ«الصامتين» في غزة والضفة الغربية، ولم يستثن جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وسخر غزاويون من «صمت» «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وعدم مشاركتها فصائل المقاومة في التصدي للعدوان. وقال إياد صلاح ساخراً: «عاجل... عاجل... فقدان أكثر من 20 ألف عنصر من كتائب القسام بكافة الأسلحة الثقيلة والخفيفة ولا أثر لوجودهم في القطاع. من يمتلك أي معلومات عن المفقودين يتصل في الميدان حيث الرجال الرجال من كتائب الأقصى والسرايا والألوية والجبهة»، في إشارة إلى الفصائل التي تشارك في إطلاق الصواريخ ردّاً على العدوان.

ولم يسلم «الإخوان المسلمون» في مصر من النقد بسبب صمتهم أيضاً إزاء العدوان. وتساءلت الناشطة والصحافية عبير أيوب على صفحتها الشخصية على «فايسبوك»: «لو اللي بيصير هلأ في غزة صار أيام (الرئيس المصري المخلوع حسني) مبارك. كان إيش سوو (فعلوا) الإخوان المسلمين؟»، قبل أن تجيب بنفسها «كان قضوها تظاهرات مليونية واتهموا النظام بالخيانة ودعم موقف إسرائيل! بس يظهر أنو كل واحد بيدخل البرلمان بيصيبو عدوى النظام الخاين!».

ولفت انتباه الصحافي، فتحي صباح، صمت الضفة الغربية إزاء العدوان، وقال ساخراً: «خبر عاجل: تظاهرات مليونية حاشدة تجتاح مدن الضفة الغربية الآن احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. معليش سامحوني هذه كذبة 12مارس (آذار)». ورأى أن هناك تمييزاً واضحاً ضدّ غزّة، وتساءل: «ماذا يعني ما يجري لغزة منذ عام 2007 والكل ساكت؟ وما يجري على أكثر من مستوى وقضية؟ أنا لست مع التمييز بين الضفة وغزة، لكن ما نراه بصراحة من البعض في الضفة هو تمييز بامتياز».

بدوره، كتب الناشط الحمساوي، ياسر العلي، معلقاً أن «سر الأسرار وصلني الآن. «حماس» متواطئة مع الاحتلال، من أجل القضاء على الحركات المقاومة، لأن مشروعها في السيطرة على غزة، في ظل المصالحة، سيفشل ومبعوث أميركي دخل غزة سراً قادماً من قطر لترتيب التهدئة»، فيما تساءل الناشط الحمساوي الآخر سامي حمود «هل نحن على أبواب مرحلة الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني؟! وإن كان البعض يُريدها حرباً مفتوحة في قطاع غزة، فهل يستعد الآخرون لأن يدخلوا في معركة الحرب المفتوحة إلى جانب قطاع غزة؟! إن كان الأمر كذلك، فلتكن الحرب المفتوحة». ورفض الناشط في حركة «حماس» نادر أبو شرخ، الانتقادات الموجهة إلى كتائب القسام، وقال إن «حماس ما تنازلت وما فرطت وما تقاعست ولا تزال ترعى فكرة المقاومة التي انتخبت من أجلها، ولا تزال تدعم حركات المقاومة لوجستياً ومادياً، ولا يزال خطابها السياسي يرتكز على مبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة». ورأى أن «الصواريخ ليست الطريقة الوحيدة للنكاية باليهود على الرغم من أهميتها في إحداث توازن الرعب وخلخلة المنظومة الأمنية الصهيونية»، في إشارة إلى عدم مشاركة كتائب «القسام» في إطلاق الصواريخ، ورأى أبو شرخ أن «الوضع الحالي لـ«حماس» في غاية الحساسية، بحيث إنها تقود الحكومة في غزة ومجرد إعلانها تبني إطلاق صاروخ على الأقل تجاه المغتصبات الصهيونية هو بمعنى إعلان حرب رسمية. هكذا ستفسرها دولة الكيان التي تتحرش بـ«حماس» وتنتظر الفرصة لتوجيه ضربات لها في قطاع غزة تشبه إلى حد قريب حرب الفرقان 2008». الناشطون على «فايسبوك» انتقدوا أيضاً صمت الدول التي حصلت فيها الثورات، فقالت راغدة يحيى: «والله أنا لا أشتم رحيق أزهار الربيع العربي، ولكن أشتم رائحة العفن والقذارة. حسبنا الله ونعم الوكيل. لا نريد وقوداً ولا نريد تهدئة». أما أسامة الباز فانتقد حكام مصر، قائلاً: «مفيش فايده في حكام مصر خادمين جزم الأميركان».

الثلاثاء ١٣ آذار ٢٠١٢

محمد زبيب

5

فقد الخطاب العوني مضمونه الذي صبغه عليه شربل نحاس. لم يعد لكلمتي «التغيير والإصلاح» الوقع نفسه لدى «العونيين». لم يعد معناهما هو نفسه الذي تراكم في أذهانهم حتى لحظة إعلان قبول استقالة «بطلهم». صارتا بلا معنى محدد، ككلمة «المستقبل» مثلاً، أو «التنمية والتحرير» أو «النضال الوطني» أو ربما «زحلة في القلب»... من الآن وصاعداً لن تستخدما إلّا للدلالة على حجم الكتلة النيابية التي يقودها «النائب» ميشال عون، والتي بيّنت التجارب انها تضمّ في صفوفها وزراء ونواباً اشدّ عداءً من غيرهم لكل ما يمتّ بصلة الى فكرة «العونيّة» وجوهرها، اي فكرة الاحتماء بالدولة في مواجهة الميليشيات، وجوهرها المتمثل بمعاداة «الحريرية» التي نشأت وترعرعت وترسخت في كنف الوصاية السورية وعلى حساب الدولة ومشروعها! صحيح أن البعض من غير «العونيين» لا يوافق على أن ميشال عون كان يحمل هذه الفكرة اصلاً، او يتبنّى جوهرها حقّاً، الا أن شريحة واسعة كانت تنظر الى خطابه بوصفه خطاب الضرورة، بمعنى ان ميشال عون لم يكن يمتلك فرصة اخرى للفوز في السباق نحو جنّة الحكم الا من خلال انتسابه الى مشروع «الدولة»، فهو ليس زعيم ميليشيا طائفية يمكنه فرض امر واقع على ارض طائفته، وهو ليس من اصحاب المليارات يستطيع من خلالها ان يشتري حصّة له من «الناس» و«البلاد»... لم يكن ميشال عون في مخيّلة «مريديه» سوى ذاك «القائد» الذي هتف مرّة «يستطيع العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي»، مذّاك طوّبوه قائدا عليهم، حتى اللحظة التي طلب فيها ان يأخذ من شربل نحّاس توقيعه والا يسحقه!

 

6

كان «العونيون» يتوقّعون من «قائدهم» ان يفعل فعلاً اكبر بكثير من مجرد قبول الاستقالة بوصفها بنداً ثانياً، بعد بند «مدام طعمة»، على جدول اعمال «تكتل التغيير والاصلاح» في اجتماعه «العادي» يوم الثلاثاء في 21 شباط الماضي. يومها انصتوا بانشداد الى الجنرال ميشال عون وهو يردد «لا نريد أن تتكرّر هذه المأساة»، مأساة تلك المتعاقدة في وزارة الخارجية التي امضت 28 عاما في الخدمة ولم تُثبّت في وظيفتها وحُرمت من حقوقها الاساسية»، كانوا يعتقدون ان عون اختار هذا المدخل تحديداً ليعلن ان معركة شربل نحاس لم تنته ما دامت «مأساة» العمّال والموظفين والفقراء عموماً متواصلة، ولها كل يوم فصل جديد وضحايا كثر. الا أن ظن «العونيين» خاب كثيراً، فقائدهم قدّم لهم استقالة «بطلهم» بوصفها مجرّد «مسألة داخلية»، اي مسألة تنظيمية بلغة الاحزاب، استدعت اجراءً تأديبياً. فاستقالة شربل نحاس، حسبما قال بعد ظهر ذلك اليوم المشؤوم، «لم تأت في سياق التهديدات التي أُطلقت (ضده)، بل بسبب رفض الوزير التزام ما قرره التكتل مجتمعاً».

بدت هذه النهاية محبطة جداً، لقد تمّ القفز فوق الاسباب والوقائع التي شغلت «العونيين» (وأترابهم) طوال الاشهر الخمسة الماضية. تلك الاسباب والوقائع التي حوّلت شربل نحّاس الى «رجل شجاع» في نظرهم يستحق احترام اكثريتهم ويعزز فيهم الشعور بالقدرة على مواصلة التحدّي. هذا ما جعل معظمهم غير متفهّم للدوافع الكامنة وراء قبول الاستقالة بهذه السرعة وبهذه الطريقة. اسئلة كثيرة لم يجدوا لها اجوبة شافية حتى الآن: لماذا انقلب على «بطلهم» اول مرّة بعد العشاء مع نجيب ميقاتي على مأدبة جبران باسيل؟ ولماذا انقلب عليه مرّة ثانية بعد الغداء على مأدبة نبيه بري؟ ما الذي وضعوه له في الطعام؟ معظم «العونيين» يتصرفون وكأن هناك سراً ما في ذاك الطعام! لكن بعضهم بات مقتنعاً بأن هناك من دس فيه «السم»!

7

يحاول «العونيون» ان يحتفظوا قدر الامكان بصورة ميشال عون «الرمز»، في حين ان المحيطين به لم يتركوا فرصة الا وحاولوا استدراجه الى مواقع الآخرين في السلطة التي يسعون الى التنعّم بمنافعها... اقنعوه في نهاية حياته السياسية بألّا يورثهم «وجع الرأس»، فطريق «التغيير والاصلاح» وعرة جداً وهي أبعد من انتخابات عام 2013، في حين ان «الواقعية السياسية» وحدها تُطعم خبزاً... اقنعوه بأن شربل نحاس يُكسبه الناس الضعفاء في حين ان السلطة لا تُمنح الا عبر ايجاد نقاط لقاء مع نبيه بري ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط. لقد دار العونيون «البراغماتيون» دورتهم الكاملة، ونجحوا أخيراً في تحويل «الرمز» الى واحد من هؤلاء... فمن يصدّق انه سيحصل على حصته من اسهم «الشركة» ما لم يكن الشركاء الآخرون مطمئنين الى انه حريص مثلهم على مصالحها. لقد خسر «العونيون» ميزتهم امام الملل الاخرى وقواعد القوى التي يتهمونها بالاستيلاء على الدولة والسطو على مقدراتها، لم يعودوا يشعرون بالعناد الذي طبع تجربتهم السابقة، او هكذا خُيّل لهم. بعضهم بات مضطر الى الاستنجاد بـ«الميكيافيلية» ليبرر «الوسيلة» حتى ولو بقيت «الغاية» غير واضحة امامه.

8

منذ الآن سيسود التجانس، او عفواً «التضامن»، في مجلس الوزراء... لن يعود وزراء تكتل «التغيير والاصلاح» محرجين امام زميلهم شربل نحّاس، بمعنى آخر، عادت الامور الى طبيعتها، وصارت الحاجة الى اجتماعات الخليلين مع جبران باسيل اقل الحاحاً، وبالتالي فإن مشاريع تملّك الاجانب وسلّة الحوافز للمستثمرين واعفاء شركة «سوليدير» من ملياري دولار ضرائب مستحقة على اعادة تقييم اصولها... ستسير بيسر اكبر مع غيرها من المشاريع التي وقف شربل نحاس في وجهها وحاول عرقلتها او تعطيلها!

ملاحظة اضافية: عندما أُطيحت حكومة سعد الحريري، عقد الوزراء المستقيلون يومها: جبران باسيل، فادي عبّود، وشربل نحّاس مؤتمراً صحافياً لتبرير استقالتهم. وأطلقوا على الحكومة السابقة لقب «حامية فساد السين، سين، سين: سوليدير، سوكلين، والسوق الحرّة في مطار بيروت». لكن عندما سمّى عون وزراءه للحكومة البديلة اختار لوزارة العدل محامي شركة «سوليدير» نفسها، شكيب قرطباوي!

الجمعة ٩ آذار ٢٠١٢

عبرت لجنة مناهضة التعذيب الأممية، في تقرير لها صدر في دورتها السابعة والأربعين (اكتوبر-نوفمبر 2011) والمتوفر الآن على موقع مجلس حقوق الإنسان، عن قلقها الشديد من استمرار المغرب في ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ضد المواطنين الصحراويين والمغاربة.

وجاء التقرير في ملاحظات ختامية للجنة ردا على التقرير الدوري الرابع للمغرب (CAT/C/MAR/4)، حيث خصصت صفحة واحدة فقط للتسطير تحت ما اعتبرته إنجازات "إيجابية" من طرف المغرب تمثلت بالأساس في مصادقة المغرب على بعض بروتوكولات الإتفاقيات، وتراجعه عن التحفظ على بعض موادها، في حين خصصت 16 صفحة المتبقية من التقرير لتحديد انشغالات اللجنة وملاحظاتها حول الممارسات والأشياء "السلبية" التي لا زال على المغرب معالجتها.

وتناول التقرير بالخصوص، دواعي القلق الرئيسية والتوصيات للمغرب حول ممارسات عامة، وحول بعض المواضيع بالتخصيص، بالإضافة إلى تخصيص صفحة كاملة للصحراء الغربية، أكدت فيها بالخصوص على "قلق اللجنة إزاء الادعاءات الواردة بشأن الوضع في الصحراء الغربية التي قد يكون مُورس فيها عمليات اعتقال واحتجاز تعسفي واحتجاز انفرادي وفي أماكن سرية، وأعمال تعذيب وسوء معاملة، وانتزاع اعترافات تحت التعذيب، واستخدام مفرط للقوة من قبل قوات إنفاذ القانون ومن قبل قوى الأمن المغربية".

وفي هذا الإطار اعتبرت اللجنة "بأنه لا يجوز، بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الاعتداد بأي ظرف استثنائي مهما كان لتبرير التعذيب في الأراضي الخاضعة للولاية القانونية للدولة الطرف"، حيث من المعروف أن المغرب، كقوة احتلال غير شرعي، مسؤول أمام الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني عن كل الإنتهاكات المرتكبة في الصحراء الغربية ما دام يستعمرها.

وأضاف التقرير أن على المغرب "تطبيق تدابير حفظ النظام وإجراءات التحقيق والتحري في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وللإجراءات القضائية والضمانات الأساسية السارية في الدولة الطرف"، ولا يجوز له بأي شكل من الأشكال تبرير استعماله للقمع والعنف تحت أية ذريعة سياسية أو أمنية.

من جهة أخرى، اعتبرت اللجنة أن على المغرب أن يتخذ "تدابير عاجلة وملموسة لمنع حدوث أعمال التعذيب وسوء المعاملة المذكورة آنفًا. وعلاوة على ذلك، ينبغي له أن يعلن سياسة من شأﻧﻬا أن تؤدي إلى نتائج يمكن قياسها ﺑﻬدف القضاء على كل أعمال التعذيب وكل سوء معاملة من قبل موظفي الدولة".

كما "ينبغي أن تعزز الدولة الطرف التدابير المتخذة من أجل إجراء تحقيقات مُسْهَبة ونزيهة وفعالة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرض لها سجناء ومحتجزون، وكذلك في جميع الحالات الأخرى"، وهو نفس المطلب الذي ما فتئت المنظمات الحقوقية الصحراوية وضحايا التعذيب من المعتقلين السياسيين والمعتقلين لأسباب سياسية يدعون له أمام المحاكم، ولدى وكلاء ملك المغرب في مختلف المدن المحتلة، ومدن المغرب حيث تجري محاكمتهم أو احتجازهم دون محاكمة.

كما أشار التقرير في فقرة خاصة عنونها ب: "مخيم اكديم إيزيك"، إلى قلق اللجنة "البالغ إزاء الظروف التي لابست إخلاء مخيم اكديم ايزيك في تشرين الثاني/نوفمبر عام ٢٠١٠، حيث قتل الكثير من الناس أثناء عملية الإخلاء من بينهم أفراد القوات المكلفة بإنفاذ القانون واعتقل مئات آخرون".

واعترفت اللجنة "بأن الغالبية العظمى ممّن أوقفوا تم الإفراج عنهم منذ ذلك الحين ريثما تتم محاكمتهم. ومع ذلك، فإﻧﻬا تشعر ببالغ القلق لأن هذه المحاكمات ستتم في محاكم عسكرية مع أن المعنييّن مدنيون"، في إشارة إلى المعتقلين السياسيين الصحراويين الـ23 في سجن سلا2 المغربي.

وعلاوة على ذلك، أعربت اللجنة عن "قلقها إزاء عدم فتح أي تحقيق نزيه وفعال لإلقاء الضوء على هذه الأحداث وتحديد المسؤوليات المحتملة للقوات المكلفة بإنفاذ القانون"، مضيفة أن الدولة المغربية مطالبة "بتعزيز التدابير المتخذة من أجل إجراء تحقيقات مسهبة ونزيهة وفعالة على وجه السرعة في أعمال العنف وفي حالات الوفيات التي وقعت أثناء تفكيك مخيم اكديم ايزيك، وأن تقدم المسؤولين عن هذه الأفعال إلى العدالة. وينبغي أن تعدّل الدولة الطرف تشريعاﺗﻬا لكي تضمن محاكمة جميع المدنيين أمام المحاكم المدنية دون غيرها".

وأوصى التقرير المغرب بضرورة التعاون "مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، خاصة بترخيص الزيارات و التي من بينها زيارة فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي، وزيارة المقررة الخاصة المعنية بالاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال، وزيارة المقرر الخاص المعني بحرية التجمع وتكوين الجمعيات".

أما بقية التقرير فقد تناول المواضيع العامة للممارسات المتبعة من طرف السلطات المغربية حيث خصصت فقرات للعناوين التالية: عدم الإبعاد وخطر التعذيب، اللجوء إلى التعذيب في الشؤون الأمنية، "عمليات الترحيل السري" فيما يتعلق بما يسمى الحرب ضد الإرهاب الدولي، الاعتقالات والاحتجازات السرية الأمنية وما يصاحبها من ممارسات، مقاضاة مرتكبي أعمال التعذيب وسوء المعاملة (حيث اكدت اللجنة أنها لم تتوصل بأي معلومات عن محاكمة مسؤولين عن التعذيب)، الاعتراف تحت الإكراه وقبول المحاكم به، مراقبة وتفتيش أماكن الاحتجاز، ظروف الاحتجاز، الوفيات في السجون، المحكوم عليهم بالإعدام، مستشفيات الأمراض النفسانية والمعاملة السيئة للمرضى بها، العنف المرتكب في حق المرأة، العقاب البدني، معاملة اللاجئين وطالبي اللجوء، معاملة المهاجرين والأجانب، الاتجار بالبشر، تدريب المظفين على احترام حقوق الإنسان، هيئة الإنصاف والمصالحة ومسألة التعويضات، التعاون مع آليات الأمم المتحدة.

وللإشارة فقد كان المغرب قد قدم تقريره الرابع، غير أن منظمات حقوقية مغربية وصحراوية قد سلمت تقريرين موازين منفصلين للجنة مناهضة التعذيب، حيث تقاطعا في عدد من ردودهم على مغالطات وأكاذيب تقرير الرباط، وهو ما ساعد اللجنة على الرد في هذا التقرير الذي ننشره على صفحة الإتحاد.

بالعربية:للإطلاع على التقرير باللغة العربية إضغط هنا بالإسبانية: للإطلاع على التقرير باللغة الاسبانية إضغط هنا بالفرنسية: للإطلاع على التقرير باللغة الفرنسية إضغط هنا بالإنجليزية: للإطلاع على التقرير باللغة الانجليزية إضغط هنا

وضع النائب وليد جنبلاط نفسه في موقع الوصيّ على دروز سوريا. يطلق التصريح تلو الآخر، مصوّراً نفسه بأنه أدرى منهم بمصالحهم. في السويداء، لا نتائج لدعوات جنبلاط، سواء في ذلك رجال الدين وغيرهم، وموالو النظام السوري ومعارضوه

محمد نزال

السويداء | لم يزر النائب وليد جنبلاط، منذ ثمانينيات القرن الماضي، محافظة السويداء السورية ذات الغالبية الدرزية، التي أغرقها «البيك» أخيراً بدعواته للانضمام إلى «الثورة ضد الطاغية». في جولة تخيّلية قد يقوم بها جنبلاط، اليوم، على المحافظة التي تبعد عن دمشق نحو 100 كلم جنوباً، ما الذي يمكن أن يسمعه ويراه؟

هناك، سيكتشف سيد المختارة أن آذان الناس قد صمّت، بقرار ذاتي، عن سماع صوته. وقد يُحبط لكثرة صور الرئيس بشار الأسد المنتشرة في أرجاء مدينة السويداء إلى جانب عبارات الولاء والتأييد.

يمكن «البيك» أن يجوب كل مناطق السويداء. من عرر ورساس والمزرعة وولغا وسالي وعرمان إلى صلخد وذكير... وسيكتشف أنها السويداء «قلعة الأسد». ففي هذه المحافظة التي يبلغ عدد سكانها 417 ألفاً، «لم تنجح دعوات المعارضين في جمع أكثر من 26 شخصاً أمام مبنى المحافظة» في «تظاهرة» ضد النظام، بحسب عضو مكتب تنفيذ المحافظة الدكتور بشّار نصار. لا يحبّذ المسؤول السوري الخوض كثيراً في «سيرة جنبلاط». بالنسبة إليه، سوريا دولة مستقلة «ولا يحق للبيك أن يتدخل فيها. لقد اعتدنا عليه، فهو كلما نضب جيبه من المال يرفع لهجته من جديد». يلفت نصار إلى أنه درزي، فيما زميله مازن سمارة، المسيحي حصد المركز الثاني في انتخابات الإدارة المحلية في السويداء، «وهذا يعني عدم وجود شعور مذهبي وطائفي هنا. وبالتالي، كل الدعوات التي يوجهها جنبلاط، من منطلق مذهبي، ليس لها صدى بيننا». ويضيف: «أصلاً في لبنان، أخذ الرجل حجماً أكبر بكثير من حجمه، فكيف يكون لديه شيء هنا؟».

من شارع الشعراني إلى شارع أميّة، وصولاً إلى «ساحة الأسد» الرئيسية في المدينة، والتي تضم نصباً للرئيس الراحل حافظ الأسد، يصعب العثور على مؤيّد واحد لسليل الزعامة الجنبلاطية. يسأل خالد كرباج مستنكراً: «من جنبلاط؟ هذا الرجل لا يمثّل إلا نفسه... فليصمت»، فيما يرى المحامي ماهر حلبي أن «جنبلاط يحضّ على التفرقة الطائفية، ولكن صدقني، لا أحد منّا هنا يصغي إليه». في «ساحة المشنقة» الأثرية، التي كان المحتل الفرنسي يعدم الثوار فيها، ينتفض المخرج المسرحي يعرب زهر الدين لدى سؤاله عن دعوات الزعيم الاشتراكي إلى أهل السويداء، ويقول: «نحن مع الرئيس (بشّار) الأسد. مع النظام وحبتين مسك. أما جنبلاط، المكروه هنا، فلا يعبّر إلا عن نفسه». شادي مسعود، ابن السويداء الذي عاد أخيراً من غربته في فنزويلا يؤكد: «نحن مع الرئيس بشار مهما صار. نحن معه معارضون ضد الفساد الموجود في كل دول العالم، مع ثقتنا بنية الرئيس الإصلاحية». أما جنبلاط «فلا تأثير له علينا. وعلى أي حال، فليثبت هذا الكائن على رأي، أولاً، قبل أن يوجه الدعوات إلى الآخرين».

من بائع خضر إلى صاحب دكان، ومن تاجر ثياب إلى سائق أجرة، ليس في السويداء سوى جواب واحد لجنبلاط: «فليصمت».

داخل مقهى فندق «ديونيزياس» الكائن قرب قصر أسمهان، يرتشف شبّان قهوتهم وهم يشاهدون قناة «الجزيرة». للقناة القطرية مشاهدون في السويداء! الأمر بسيط بالنسبة إلى المدرّس بسام كشور. يشاهدون الجزيرة على قاعدة «اعرف خصمك... وليس عدوّك»، إذ «لا عدو لنا سوى إسرائيل». يبدي كشور اطمئناناً كبيراً وتفاؤلاً بمستقبل «هذا البلد الذي يصنع رغيف خبزه بنفسه، لأن بلداً لا يصنع رغيفه هو بلد لا يملك استقراره السياسي».

على مقربة من المقهى، خلف ساحة تشرين، يقع منزل الشيخ إبراهيم أبو عسلي. الشيخ الطاعن في السن، ذو اللحية البيضاء المرسلة، يحظى باحترام وتقدير واسعين بين أهل السويداء. إكرام الضيف عنده «واجب». يصرّ، رغم ارتجاف جسده، على سكب القهوة لضيوفه بنفسه. يقول: «سوريا عقبة أمام إسرائيل، وهذه الأخيرة سخّرت أميركا لمهمة ضرب سوريا، وهذا ما يحصل اليوم في بلدنا». هكذا، ينهيها الشيخ جازماً بـ«المؤامرة»، الكلمة الأكثر انتشاراً في السويداء حالياً. الرئيس بشار الأسد «خط أحمر» بالنسبة إلى الشيخ، و«السوري الأصيل يموت جوعاً ولا يخون». أما سيرة جنبلاط فتزعجه جداً. لأنه «عدو نفسه، وسوريا لا تنزل إلى مستواه ولا ترد عليه».

بين منزل الأخير ومنزل شيخ عقل الموحدين الدروز في السويداء، حسين جربوع، يرتفع قوس نصر في ساحة الفردوس، حفرت في وسطه عبارة وحيدة: «ولاؤنا للأسد». جدران منزل جربوع مليئة بالصور التذكارية التي تجمعه مع الأسد الابن والأب. بدا الشيخ أكثر دبلوماسية في الحديث عن جنبلاط، لكن مع وضوح في الموقف. يقول إن لـ«عائلة وليد بيك تاريخاً مشرّفاً، أما هو فلا نراه يثبت على موقف. مرة يميل يميناً وأخرى شمالاً. لا نراه يمشي سوى مع مصلحته الشخصية، ونحن هنا خارج الصراع التقليدي بين اليزبكية والجنبلاطية، وبالتالي ليس لوليد جنبلاط شيء هنا». يبدي الشيخ امتعاضاً من الحديث عن جنبلاط، فيقرر وضع حدّ لـ«هذه السيرة»، ويقول: «باختصار، الموحدون الدروز في السويداء لن يمشوا وراء جنبلاط. هنا، لا هو ولا غيره يمون على ثابتة الخط الوطني القومي المتمثلة في الرئيس الأسد». يجزم الشيخ جربوع بـ«عدم وجود خوف أقليات لدينا. نحن لا نريد الحماية من أحد. فعددنا في سوريا يبلغ 600 ألف تقريباً، منهم 150 ألف مقاتل، وبالتالي مواقفنا نابعة من اقتناع وطني قومي عروبي راسخ، وليست من خوف أبداً».

من الموالين إلى المعارضين، لا تختلف الصورة كثيراً، لكن مع فارق صعوبة العثور على معارضين في السويداء. ليس في الأمر مبالغة، إذ يعترف بذلك المعارضون أنفسهم. البعض يرى أن النظام السوري تعامل بذكاء مع هذه المحافظة. فمنذ بداية الأحداث في سوريا، قبل عام تقريباً، لم يُسجل سقوط قتيل واحد فيها. وحدها مدينة شهبا، التابعة إدارياً للسويداء، شهدت خلال الأشهر الماضية بعض التحركات المعارضة التي حافظت على طابعها السلمي. لم تصبح المعارضة هناك مسلحة. كمال بكري، ابن المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 23 ألفاً، يرفض «تضخيم ظاهرة المعارضة في شهبا، لأن من يتحركون في هذا الاتجاه لا يتجاوز عددهم 400 شخص».

عند أطراف المدينة، ذات الطابع التراثي، يقع منزل المعارض «الصريح» الدكتور حسين نور الدين. طبيب الأسنان «لا يخاف من النظام ولا من أجهزة استخباراته»، خصوصاً بعدما اعتقل ابنه مدّة 10 أشهر. داخل منزله صورة بارزة لجمال عبد الناصر. هو ناصري الهوى، رغم «عدم دقة هذه التصنيفات في هذه المرحلة». له كلام كثير بحق النظام في بلده، ولكن عند الحديث عن لبنان، وتحديداً عن دعوة النائب وليد جنبلاط إلى أهالي السويداء للانضمام إلى «الثورة»، يقول بوضوح: «نرفض أي دعوة طائفية موجهة من جنبلاط إلينا. أقولها رغم ما أشعر به من ظلم من النظام».

نفاع: جنبلاط خطر على الدروز

إتهم الأمين العام للحزب الشيوعي في أراضي الـ48 الكاتب محمد نفاع، النائب وليد جنبلاط، بـ «قيادة وتنفيذ مخطط إقامة دويلة درزية في لبنان وسوريا». وقال نفاع في مقابلة مع مجلة «الصنارة» التي تصدر في الأراضي المحتلة إن جنبلاط «يستفيد من تنفيذ هذا المخطط، بل وأكثر من ذلك فإن أحد أهداف لقاءات عمان التي كان ينظمها جنبلاط لدروز أراضي الـ48، كان تجميع القوى الدرزية في جبل العرب ولبنان واسرائيل لإقامة هذا الكيان الطائفي». ووصف نفاع كلاً من جنبلاط والنائب مروان حمادة بأنهما «من أخطر الأشخاص على مصلحة الطائفة الدرزية وعلى مصلحة لبنان وسوريا».

الاثنين ١٢ آذار ٢٠١٢

أعادت إسرائيل خلال الأيام الماضية أجواء الرعب التي سيطرت على قطاع غزة منذ ثلاث سنوات، فكثفت غاراتها الجوية العنيفة التي طالت العديد من سكان القطاع، بينهم قيادات فاعلة في المقاومة الفلسطينية

قيس صفدي

غزة | ارتفع عدد شهداء الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ يوم الجمعة الماضي حتى مساء أمس إلى 18 شهيداً، بينهم رجل مسن وطفل إضافة إلى 30 جريحاً، في وقت واصلت فيه المقاومة الفلسطينية قصف بلدات وأهداف إسرائيلية.

وفي اليوم الثالث من الغارات التي شنتها طائرات العدو الإسرائيلية على القطاع، استهدفت المقاتلات الحربية أمس شارع النفق في حي الشيخ رضوان شمال شرق غزة، وأدت إلى استشهاد المسن عادل الإسي (61 عاماً)، فيما استهدفت طائرة حربية شرق بلدة جباليا، شمال القطاع، فاستشهد الطفل أيوب عامر عسلية (12 عاماً) وأصيب أطفال آخرون بجراح متفاوتة بينما كانوا في طريقهم إلى المدرسة. وفي ساعة متقدمة من مساء أول من أمس، استشهد المقاوم أحمد سالم ديب (23 عاماً)، وأصيب آخرون، في غارة جوية أخرى على حي الزيتون. كذلك استشهد الناشط في ألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية مهدي أبو شاويش (23 عاماً) وأصيب أربعة آخرون بجراح، في غارة شنتها طائرة حربية إسرائيلية استهدفت دراجة نارية ثلاثية العجلات تعرف شعبياً باسم «تكتك» في مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية، جنوب القطاع. واستهدفت الغارات في وقت متزامن مركز شرطة رفح، وموقع «بدر» التابع لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس شمال مدينة غزة. كذلك استهدفت الطائرات الإسرائيلية، بصاروخ، مركزاً للشرطة التابعة لحكومة حماس في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة. وسقط في هذه الغارات عدد من الجرحى.

وتدهورت الأوضاع الميدانية في قطاع غزة منذ الجمعة الماضي، إثر غارة جوية إسرائيلية مباغتة استهدفت الأمين العام للجان المقاومة الشعبية الشيخ زهير.

سلسلة الغارات المكثفة هذه ردّت عليها فصائل المقاومة، وخصوصاً ألوية الناصر صلاح الدين، و«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) بإطلاق نحو 100 صاروخ محلي الصنع، ومن طراز «غراد» روسي الصنع، وذلك على بلدات وأهداف إسرائيلية أدت إلى إصابة نحو عشرة إسرائيليين، بينهم جريح في حال الخطر، بحسب اعترافات مصادر إسرائيلية. وشدد المتحدث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، لوكالة «فرانس برس»، على «حق الفصائل الفلسطينية في الدفاع عن نفسها»، بينما قال المتحدث باسم حركة «الجهاد الإسلامي» داوود شهاب لـ«فرانس برس» «لا اتصالات ما دام العدوان الإسرائيلي متصاعداً ويوقع ضحايا، ولا مجال للحديث عن تهدئة في ظل العدوان».

ودعا القيادي في «حماس» إسماعيل الأشقر، الدول التي شهدت ثورات عربية إلى مساندة المقاومة الفلسطينية بكل الإمكانيات من أجل «لجم» التصعيد الإسرائيلي. لكن رئيس الحكومة المُقالة إسماعيل هنية علّق على هذه الاعتداءات قائلاً «إن أولويات الحكومة تنصبّ في الوقت الراهن على وقف العدوان وحماية الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده»، مشيراً إلى اتصالات مكثفة يقوم بها مع أطراف عدة لوقف العدوان الإسرائيلي.

وفي الوقت نفسه، أبدى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» رمضان شلح، حرصهما على عدم تصعيد الموقف والالتزام بالتهدئة، خلال اتصالين هاتفيين أجراهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس معهما. كذلك أجرى أبو مازن سلسلة اتصالات مع مصر والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية المهتمة بموضوع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.وبحث الرئيس الفلسطيني في اتصال هاتفي تلقّاه من الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، التصعيد الإسرائيلي والسبل الكفيلة لوقفه، وتشاور مع العربي بشأن إمكانية التحرك تجاه مجلس الأمن في حال استمر هذا «التصعيد الخطير».

وكان مجلس جامعة الدول العربية قد حمّل إسرائيل، في بيان أصدره في ختام اجتماع وزراء الخارجية، «المسؤولية الكاملة عن حماية الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع». بدوره، قال سفير مصر لدى السلطة ياسر عثمان، إن القاهرة تسابق الزمن وتجري اتصالات مكثفة مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة من أجل احتواء التصعيد ومنع تدهور الأوضاع، والتوصل إلى تهدئة متبادلة.

وفي المواقف الدولية، حمّلت واشنطن الفلسطينيين مسؤولية ما يحدث، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند، «نحن قلقون جداً إزاء عودة العنف إلى جنوب إسرائيل»، مضيفة «ندين بأشد التعابير قيام إرهابيين بإطلاق صواريخ من غزة على جنوب إسرائيل.. وندعو الطرفين إلى بذل كل ما هو ممكن لإعادة الهدوء».

ودعا حزب الله في لبنان «الشعوب العربية إلى تصويب بوصلتها، وتوجيه كل طاقاتها من أجل تحرير فلسطين، كل فلسطين، من الإرهاب الصهيوني المتفاقم، الذي يتخذ من الدعم الأميركي والغربي المطلق غطاءً له».

الاثنين ١٢ آذار ٢٠١٢

يتابع “التيار التقدمي الكويتي” بقلق الدعوات التي يطرحها بعض المتزمتين من أعضاء مجلس الأمة لاقتراح قوانين من شأنها فرض الوصاية على الحرية الشخصية للأفراد والتدخل في حياتهم الخاصة، وتحديداً ما يُسمى “قانون الحشمة”، وكذلك ما تقوم به بعض الأجهزة الحكومية من إجراءات متعسفة في التعامل مع حرية التعبير الفني، مثلما حدث أخيراً في معرض الفنانة شروق أمين.

ونحن في “التيار التقدمي الكويتي” في الوقت الذي نلتزم فيه ما قررته المادة 49 من الدستور في شأن مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة، فإننا نؤكد رفضنا التام لأي محاولة لتشريع القوانين المقيّدة للحرية الشخصية، التي هي إحدى الحريات المطلقة، حيث لا يجوز تنظيمها بقانون، شأنها في ذلك شأن حرية الاعتقاد، أيّاً كانت الحجج والمبررات، مثلما لا يجوز كذلك أن ينصّب أحد نفسه وصيّاً على الكويتيين وعلى الحياة الخاصة للأفراد.

وندعو بقية أعضاء مجلس الأمة إلى رفض إقرار مثل هذا الاقتراح المعيب لقانون غير دستوري ومقيّد للحرية الشخصية.

ويؤسفنا كذلك ما طال معرض الفنانة شروق أمين من إجراءات متعسفة غير مقبولة، ونعلن رفضنا للوصاية الحكومية على حرية التعبير الفني.

وأخيراً، نهيب بالقوى الوطنية والديمقراطية وبكل حريص على مبادئ الحرية والقيم الديمقراطية إلى إعلان موقف واضح وصريح لمعارضة مثل هذه الاقتراحات المتزمتة والإجراءات المتعسفة… فالحرية لا تتجزأ.

الكويت في 10 مارس 2012

فرج الأعور ثبتت تجربة شربل نحاس الوزارية، ومحاولته المجهَضة للإصلاح عبر ميشال عون، بما لا يدع مجالاً لأي شك بعد الآن، أنّ ليس هناك من «شواذ» في طبيعة الزعامات الطائفية اللبنانية، وأنّ جميع هذه الزعامات هي نسخ كربونية لا تختلف الواحدة منها عن الأخرى بأي شيء. وأثبتت هذه التجربة المريرة أيضاً أنّ الآمال التي بناها بعض الحالمين مثلنا بأي إصلاح للنظام الطائفي المقيت في لبنان، منذ أن وزّر نحاس لأول مرة، على ما ظهر من تصميم لدى ميشال عون على بناء مشروع «شهابي» يميّز زعامته عن باقي الزعامات الطائفية بالبلد، إنما كانت أضغاث أحلام، بنيت على سراب لا علاقة له بالواقع. فقد تبخر هذا التصميم في لحظة واحدة عندما خيّر عون بين الثبات على مشروعه المفترض، وبين «شراكة» تعده على ما يبدو بالحصول على حصته الكاملة من كعكة الحكم والدولة ووظائف القطاع العام. دروس عدة يمكن أن يستقيها المرء من فشل تجربة نحاس الإصلاحية، وأهم هذه الدروس هو استحالة إصلاح النظام الطائفي اللبناني من داخله، أو عبر أحد مكوناته.

فهناك عجز عن الإصلاح لدى الزعامات الطائفية المكونة لهذا النظام، ثبت أنّه لا يمكن تجاوزه بسبب الطبيعة الأساسية لتلك الزعامات الطائفية وطبيعة مصالحها. فاللافت في المعركة الشرسة التي نشبت بوجه شربل نحاس، هو وقوف جزء رئيسي (أو الجزء الرئيسي) من التيار العوني، ممن يمثلون المصارف والصناعيين والتجار، ضد مشروع نحاس من أساسه. وقد ثبت أنّ ثقل فادي عبود ونعمة فرام وتجار الأشرفية عند ميشال عون، أهم بما لا يقاس، من ثقل شربل نحاس ومشروعه. ذلك أنّ هؤلاء، ومن يمثلونهم، هم الدعائم الأساسية لزعامة عون المسيحية، ولا يمكن لعون بالتالي إلا أن يمثل مصالحها. أما شربل نحاس فلا يمثل سوى طاقة فكرية، تبيّن أنّ عون يمكن أن يوزره ويتبنى مشروعه الإصلاحي، ما دام لم يتسبب هذا المشروع في أي عرقلة للمشروع الأساسي لعون، وهو بناء الزعامة. لكن يجب الاعتراف بأنّ الآمال التي بنيت على تمكن شربل نحاس من إدخال مشروعه الإصلاحي في صلب مشروع زعامة عون، وجعله جزءاً لا يتجزأ من مشروع هذه الزعامة، لم تكن آمالاً واقعية على الإطلاق. واللافت أيضاً هو العداء العابر للقوى الطائفية والطبقة الحاكمة الذي قوبل به شربل نحاس ومشروعه. فالاستنتاج الوحيد الممكن إذاً هو استحالة أي إمكانية لاختصار الطريق نحو الإصلاح عبر التعاون مع زعامة طائفية، بغض النظر عن مقدار استعمال هذه الزعامة لخطاب إصلاحي. والمؤسف في هذا الاستنتاج هو ما يؤدي إليه من انعدام للأمل بأي إصلاح، أو بداية إصلاح، لهذا النظام الطائفي المقيت في المدى المنظور، بسبب واقع ميزان القوى بين الطوائف وملوكها من جهة، وبين القوى الإصلاحية في البلد من جهة أخرى. وقد كانت العنجهية التي تعامل بها ميشال عون مع شربل نحاس خلال اليومين الأخيرين اللذين سبقا استقالته خير تعبير عن ميزان القوى المذكور. فقد اعتبر «الجنرال» أنّ نحاس جندي من جنوده، فوجّه له الأمر بالتوقيع همساً أثناء حفلة عيد ميلاده، من دون أن يرى أي حاجة لنقاش الموضوع بعدما اتخذ هو القرار، وانتهت المسألة. ثم أُمر نحاس بأن «ينفذ ثم يعترض»، إلى أن وصل الأمر إلى حد منعه من مقابلة «الجنرال»، بعدما تمسك الرجل بقناعاته وموقفه. إنّ انعدام الثقل الشعبي الحقيقي للقوى الإصلاحية في البلد، للأسف الشديد، مكّن عون من التعامل مع نحاس بتلك الفوقية وقلّة الاحترام. لكن كيف سيفسر عون لجمهوره تخليه عن «الإصلاح والتغيير» وقفزه، بسرعة، يمكن أن يحسده عليها وليد جنبلاط بذاته، نحو «المشاركة و التغيير» بعد غداء عين التينة؟ مع التنويه طبعاً إلى أنّ التغيير الوحيد الذي نتج من هذا الغداء هو تغيير موقف عون من مشروع نحاس الإصلاحي، ومحاولة إجباره نفسه على تغيير موقفه من هذا المشروع. لكن على ميشال عون أن يعي أنّ بيعه لشربل نحاس في صفقة «الشراكة» لن يضمن له «حصته» التي وُعد بها خلال غداء عين التينة. ذلك أنّ هناك مشكلة بنيوية تعاني منها التجارة السياسية بين ملوك الطوائف في لبنان. والمشكلة هي أنّ هذه التجارة تعاني من ارتفاع مستوى «المخاطر» بشكل دائم. فخطر الذهاب ضحية للبيع والشراء لا يقتصر على أمثال شربل نحاس فقط، بل يتعداه ليشمل الطوائف وملوكها في سوق السياسة المتقلبة في لبنان. ومن تمكن من بيع نحاس اليوم بسعر بدا له مربحاً، لن يكون بمنأى عن التعرض للبيع والشراء في المستقبل، خصوصاً أنّ صفقة «الشراكة» قد عقدت مع نبيه بري، «استاذ» المساومات السياسية وأكثر دهاقنة السياسة في البلد دهاءً. ونتمنى لعون ألّا يعود من مشواره مع شريكه الجديد بخفّي حنين. تبقى كلمة أخيرة لشربل نحاس الذي برهن بالدليل القاطع أنّ السياسة، حتى في لبنان، يمكن أن تُمارس بمعناها النبيل حتى النهاية. والكلمة هي أنّه خيراً فعل باستقالته التي أقدم عليها في اللحظة المناسبة تماماً. فهو قد حافظ على احترامه لنفسه ولمبادئه، وجنّب نفسه التحول إلى زياد بارود آخر يتربع على كرسي وزارة، من دون أن يكون له أي تأثير على ما يجري حوله. ويكفي شربل نحاس أنّه سوف يُذكر مع من يُذكرون من شخصيات إصلاحية فذّة مرت على لبنان، من أمثال إميل بيطار والياس سابا، لم تتمكن من اختراق السد المنيع للنظام الطائفي المقيت القابض على البلد، ولكن يكفيها شرف المحاولة.

الاثنين ٥ آذار ٢٠١٢

الفساد يضرب لبنان: لحوم، ألبان وأجبان... وحتى حليب الأطفال

انه الفساد الذي يضرب المواد الغذائية مجدداً. لحوم، أسماك، معلبات، وأنواع متعددة من المأكولات التي تدخل الى بيوت اللبنانيين بلا «إحم ولا دستور»، تنشر الامراض، ترفع حالات التسمم، وتقتل أحياناً. إنه الاستهتار بحياة الناس ينتشر كالطاعون الاخلاقي، يطول كل ما يمكن استهلاكه، يطول كل مستهلك، حتى الأطفال. تجار الموت في كل مكان، ترقبوا مفاجآتهم...

رشا أبو زكي

25 طناً من اللحوم المنتهية الصلاحية في مستودعين في منطقة الطريق الجديدة ــ صبرا، علمت بها مصلحة حماية المستهلك أول من أمس. على هذه اللحوم كتب أن مدة الصلاحية انتهت منذ 6 اشهر. ما يعني أن الـ25 طناً، هي ما تبقى من اللحوم المنتهية الصلاحية، والتي بيعت بالأطنان طبعاً خلال الاشهر الستة المنصرمة الى المواطنين مباشرة أو من خلال عدد كبير من المطاعم. يضاف الى هذه الكمية 3 اطنان و300 كيلو غرام من اللحوم الفاسدة تم اكتشافها أمس في منطقتي الشويفات والضاحية الجنوبية.

28 طناً من اللحوم الفاسدة، ماذا تعني؟ يمكن القول أن كل كيلوغرام من اللحوم يُطعم 3 أشخاص، وبالتالي فإن كل طن من اللحوم يستهلكه نحو 3 آلاف لبناني، وهكذا فإن 28 طناً و300 كيلو من اللحوم كان من المفترض أن يستهلكها نحو 85 ألف لبناني. يمكن القول ومن دون أي مجازفة أن عملية حسابية بسيطة توصل الى استنتاج بأن رقماً موازياً من اللبنانيين استهلك اللحوم الفاسدة من دون أن يعلم. إذ يشير رئيس نقابة مستوردي اللحوم المجلدة محمد المبسوط إلى أن لبنان كله يستهلك بين 3 آلاف و4 آلاف طن من اللحوم المجلدة شهرياً، اي انه خلال 6 اشهر، تم استهلاك مئات الاطنان من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك. هذا ما تم اكتشافه، أما اللحوم الفاسدة المتوارية عن انظار مصلحة حماية المستهلك والوزارات المعنية والاعلام، فلا يمكن توقّع كمياتها، وتالياً لا يمكن توقع عدد اللبنانيين الذين تناولوا هذه اللحوم، تسمموا أو حتى لقوا حتفهم.

يشرح مصدر مسؤول في مصلحة حماية المستهلك أن اللحوم المنتهية الصلاحية التي تم اكتشافها حتى اليوم ذات مصادر متعددة. من البرازيل، استراليا، اوروبا وغيرها من البلدان، دخلت الى لبنان بحالة طبيعية، الا أن التجار (وفق معظم الحالات) اشتروا كميات كبيرة من اللحوم التي لم تصرف في السوق، فأكملوا بيعها رغم انتهاء صلاحيتها. يقول المصدر إن هذه الحالات تتكرر عادة خلال الاشهر الثلاثة التي تلي عيدي الميلاد ورأس السنة، وبالتالي يمكن القول ان اللحوم التي لا تُباع يعاد طرحها في السوق للبيع. يلفت المصدر الى أنه منذ مطلع العام تم اكتشاف كميات كبيرة من اللحوم والاسماك، وكذلك المواد الغذائية المعلبة المنتهية الصلاحية، وتكرار هذه الحالات يعود بالأساس الى عدم وجود رادع أخلاقي أو مادي أو جرمي يوقف التعرض لحياة المواطنين.

قضية الروادع يتحدث عنها أيضاً وزير الزراعة حسين الحاج حسن، الذي يلفت الى أن الاحكام التي تصدر بحق الفاسدين تكون بطيئة جداً، وخلال فترة ولايته في الوزارة لم يصدر حتى الآن اي حكم بأي مخالفة تم تحويلها الى القضاء. وحتى لو صدر حكم فهو لا يعتبر مكلفاً لا معنوياً ولا مادياً بالنسبة إلى المخالفين.

يؤكد الحاج حسن أنه منذ مطلع العام 2012 حتى اليوم تم اكتشاف عشرات الأطنان من الادوية الزراعية الفاسدة في الشمال، ومحل يبيع عشرات الاطنان من الالبان والاجبان الفاسدة في الشمال أيضاً، اضافة الى محل لحوم في بيروت، وأدوية زراعية فاسدة بعشرات الاطنان في الجنوب.

اما اذا تمت دراسة الاحكام القضائية التي تصدر بحق المخالفين فيمكن ملاحظة أن الفاسدين لا يواجهون أية احكام ثقيلة العيار ليتوقفوا عن فسادهم، أو ليكونوا عبرة لغيرهم، وذلك على الرغم من أن الفساد في سلامة الغذاء هو جريمة قتل بحق المواطنين، اذ على الرغم من ان الغرامات يمكن أن تصل الى 75 مليون ليرة، الا أن الغرامات المحررة كافة ضد من يسوّق مواد غذائية فاسدة لا تصل الى حدود المليونين ليرة، في حين أنه منذ سنوات حتى الآن، وعلى الرغم من التصريحات المتتالية التي تؤكد بالوثائق وجود تلاعب بالمواد الغذائية فإن أياً من المتهمين لم يُسجن.

يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو، إن اكتشاف حالات الفساد في المواد الغذائية هو استثناء، في حين ان القاعدة هي الفوضى وترك التجار على غاربهم. يلفت الى أن الاعلان عن الاسماك الفاسدة حصل قبل يوم من المداهمة، وهذا سيئ فعلاً. يأمل برو أن لا تكون حملة المداهمات موجة اعلامية ظرفية. يشرح أن معظم الشكاوى التي تتلقاها الجمعية هي من بيروت ومحيطها، وقد تم اكتشاف عدد من الحالات خلال الاشهر الماضية، تتراوح بين التلاعب بالصلاحيات وانتهاء الصلاحيات والمواد المغشوشة، اذ تم الكشف عن حليب للأطفال يحوي تلوثاً غذائياً، ومعكرونة فيها دود، اضافة الى حالات متكررة من المواد المعلبة الفاسدة وغير قابلة للاستهلاك.

ويمكن خلال السنوات الثلاث الماضية تبيان ازدياد عمليات الغش والفساد في ما يتعلق بالمواد الغذائية. فقد اكتشفت مصلحة حماية المستهلك أخيراً نحو طن من الأسماك منتهية الصلاحية والمشكوك بصلاحيتها وكمية متلاعباً بتواريخها. وهي بمجملها مستوردة من الصين. وقبل هذا الاعلان، كان الاعلان عن المواد الفاسدة يتوالى، من القمح الى الادوية، السمسم، الأرز، العدس، السمك وحتى البزورات، ليظهر في نهاية العام الماضي أن أحد التجار استورد نحو 15 مستوعباً من السموم الزراعية الممنوع دخولها الى لبنان، فضلاً عن اكتشاف مستودع كبير في الغازية يقوم بتصريف رقائق البطاطا الفاسدة.

وقبل ذلك، برزت قضية القمح غير الصالح للاستخدام البشري الذي كان يُعَدّ للدخول إلى السوق المحلية لصناعة الخبز. وتتبّع سلسلة «الاكتشافات» يظهر وجود كميات كبيرة من الأجبان والدواجن التي دخلت السوق اللبنانية على الرغم من انتهاء صلاحيتها.

وطبعاً يمكن العودة الى نيسان من العام 2010 الذي شهد الاعلان عن دواء الـ«بلافيكس» المزوّر (يسبب الموت لمرضى القلب) الذي اجتاح لبنان عبر مافيات دوائية مدعومة سياسياً، لتلحق هذه الحادثة فضيحة الأدوية الباكستانية التي استوردها عميل جمركي.

رجوعاً الى العام 2008 حين دخل إلى السوق اللبنانية 10 آلاف طن من اللحم الهندي السيئ النوعية، وبيع في المحالّ والسوبر ماركت على أنه لحم بلدي بأسعار مرتفعة، ليظهر أن هذا اللحم منتهي الصلاحية ومجهول المصدر والإنتاج وغير مراقب صحياً أو مخبرياً.

7 حالات

من الفساد في المواد الغذائية والزراعية تكشفها وزارة الزراعية شهرياً وفق ما يؤكد وزير الزراعة حسين الحاج حسن، ويشرح أن الوزارة لا تعلن سوى عن الحالات الضخمة والفاقعة من الفساد الغذائي

أدوية «الشنطة»

يشرح النائب السابق اسماعيل سكرية (الصورة) أن الأدوية في لبنان تعاني من استمرار غياب الرقابة وخصوصاً الادارية منها، اذ يجري تسجيل أعداد كبيرة من الادوية من دون معرفة محتوياتها. كذلك تنتشر ظاهرة رفض عدد من الاطباء للأدوية السرطانية، بحيث يتبين انها لا تحوي العناصر الصحيحة. كذلك، تدخل كميات من الادوية غير الفاعلة القادمة من الهند والصين، بحيث يتم تعبئتها في دبي وتباع على انها أصلية. تدخل هذه الادوية عبر المطار والمرفأ، كما يوجد حالات بحيث تدخل الادوية عبر «الشنطة» وخصوصاً من المطار.

الجمعة ٩ آذار ٢٠١٢

خبز وورود

بيان من فرع بيروت خبز وورود تحت هذا الشعار نزل الآلاف من النساء في الثامن من آذار عام 1857 إلى شوارع نيويورك للمطالبة بحقوقهم، حيث شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكُّل حركة نسوية متحمسة تعود جذورها النضالية إلى فترات النضال ضد العبودية.

أُعلن الثامن من آذار اليوم العالمي للمرأة بعد أن أثبتت بالقوة أنها جزء من المجتمع وبعد مظاهرات دامت سنوات.

هو يوم لنؤكد فيه على إعطاء المرأة حقوقها المسلوبة في التساوي في العمل، في منح جنسيتها لأولادها، في قانون يحميها من العنف الأسري والإغتصاب، لنؤكد فيه أنه يوم لنتذكر أنها أم ومبدعة، أنها المقاومة والشهيدة والأسيرة، أنها المثقفة والطموحة دائماً للأفضل... نؤكد فيه إستمرار نظامنا بسلب المرأة حقوقها خاصة بعد أن أضاع وزير الثقافة حتى حقها بالإحتفال بإنجازاتها وجعل الثامن من آذار يوماً للأبجدية...

سيبقى الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة، نستذكر فيه نضالاتها التاريخيّة،

وننطلق من خلاله نحو نضالات جديدة، لننتزع جميع الحقوق، بإتّجاه المساواة الحقيقيّة.

الأكثر قراءة