شباب بلا عمل!

البطالة تفجّر ثورات... وثورات لم تحقق المطالب

الدول العربية التي تشهد حراكاً شعبياً يضرب بنيان أنظمتها السياسية تقف في مواجهة «دينامو» الثورات الأساسي، إنه «دينامو» البطالة لدى الشباب... من تونس ومصر الى الأردن وسوريا فلبنان، المشكلة واحدة: سوق العمل بدائي، والمهارات العلمية للتصدير.

رشا أبو زكي

حين أحرق البو عزيزي نفسه، كان عاطلاً من العمل، شرارة قهره تلقفها الشباب، هم كذلك يعانون المشكلة نفسها، انطلق الحراك التونسي اجتماعياً، والتغيير الاجتماعي والاقتصادي لا يتحقق بلا تغييرات في الواقع السياسي، فتصدرت السياسة الحدث. امتدت الثورات الى غير دولة عربية، تشابهت المسببات والمحرّكات والسمات الشبابية بغالبيتها... وهذا ما يحفّز السؤال عن ماهية التغييرات التي نشأت مع هذه الثورات.

هل انعكس التغيير السياسي تغيّراً في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية؟ هل جاءت البدائل متوافقة مع تطلعات الشباب الثائر؟ هل أصبح تأمين فرص العمل وتحسين البيئة الوظيفية من الاولويات في هذه الدول؟ ماذا عن الدول التي لا تزال تشهد سكون نسبي، ومنها لبنان مثلاً؟ أليس لشبابها مطالب اجتماعية يطرحونها؟ هل التيارات الدينية، التي تغذّت من ازدياد معدلات الفقر والبطالة، ستعمل بعد وصولها الى السلطة على قطع حبل السرّة مع ركائز وجودها وانتشارها؟ هل ستداوي انتشار الفقر وتحقق العدالة الاجتماعية؟ أسئلة لا تنتهي، تتزاحم في عقل من يتوسط حشداً من الشباب العربي، الذي جاء الى بيروت ليتحدث عن عمالة الشباب وفرص العمل في الدول العربية ونوعها، بدعوة من منظمة العمل الدولية بالتعاون مع فريدريش ايبرت الألمانية.

تونس، ياسمينة الثورات العربية، تصنّف دولة شابة، الا أن البطالة في صفوف الشباب تصل الى 19% كمتوسط اجمالي، لترتفع تدريجياً الى 30% في المناطق الداخلية، فيما نسبة البطالة لدى النساء ترتفع الى 70%. غالبية العاطلين من العمل هم من حملة الشهادات العليا. «البو عزيزي، هو أب ثورتنا، وقد أحرق نفسه لأنه عاطل من العمل، ولأن الدولة لا تنظر الى مشكلته بجدية»، هذا ما قاله عضو نقابة التعليم العالي في اتحاد الشغل في تونس كريم طرابلسي، واوضح أن أزمة البطالة لها أسبابها، منها غياب الخطط الاقتصادية والاجتماعية لخلق اقتصاد قادر على استيعاب الشباب التونسي. كذلك، هناك سلبيات في هيكلية القطاعات الاقتصادية التي لا تتلاءم مع الاختصاصات والتوجهات العلمية للشباب. «لا برامج خاصة لمن قام، بالثورة أي الشباب، لزيادة فرص العمل» يشرح طرابلسي، الا ان هذا المطلب لا يزال مرفوعاً في الشارع التونسي، «العمل حق ومن مسؤولية الدولة توفيره».

الانفعال هو ردّ الفعل الأول الذي تقوم بها آمال موافي (مديرة البرامج في منظمة العمل الدولية في مصر) عند سؤالها عن حجم البطالة لدى الفئة الشبابية في مصر. «بطالة كبيرة كبيرة»، تشرح أن نسبتها كانت اكثر من 25% كمعدل عام، وتتعدى هذه النسبة في عدد من المناطق، وبالطبع، ترتفع لدى النساء، وهذه المعدلات كانت مسجلة حين كان حجم النمو 5%، أما بعد سقوط النظام، فقد انخفض النمو الى 1،8%، وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة الى مستويات كبيرة. ترى موافي أن الثورات غيّرت الكثير في طبيعة الشباب العربي «أصبحت تطلعاته أكبر من السنوات السابقة، وقدرته على الصبر أقل، وإيمانه بإمكان التغيير مرتفع». تغيير كهذا يحتّم على الحكومة العمل على استراتيجية تشغيل عامة تتوجه في جزء منها الى الفئات الشبابية.

الحراك السوري قائم كذلك على الشباب، يقلب منسق الاستشارات التوظيفية علي الجندي عنوان المحاضرة من «لدينا المهارات! أين فرص العمل؟» الى «أين المهارات؟ وأين فرص العمل؟». ففي سوريا، سادت خلال فترة طويلة عقلية الاتكال على القطاع العام في التوظيف، تراجع الطلب في القطاع العام، وفتحت سوريا أبواب الخصخصة، فكان أن عمد أصحاب العمل إلى توظيف السوريين، وخلال توقيع عقد التوظيف يوقع الموظف بالتوازي ورقة استقالته، بحيث اذا صُرف يكون خالي الوفاض من أي حقوق تعويضية. يقول الجندي أن الحكومة حاولت مكافحة البطالة، الا أن دورها كان ضعيفاً. وبذلك، أصبح الجو التوظيفي في القطاعين العام والخاص غير صحي. بموازاة ذلك، تتوجه القدرات العلمية نحو اختصاصات قديمة، من دون صقلها بالتدريب والتحفيز. يلفت الجندي الى أن الذين يتحركون ويحدثون «اضطراباً في سوريا»، بحسب تعبيره، هم شباب بلا عمل ولا أمل بالمستقبل، اذ وصلت نسبة البطالة بين الشباب السوري الى 30%. فالكفاءات العالية جداً تهاجر، فيما السوق التوظيفية المحلية مضطربة، ما يفسّر الوجود السوري الكثيف في سوق العمل اللبنانية.

السعودية التي تعدّ نفسها بعيدة عن الحراك الشعبي العربي، تصل البطالة فيها الى نسبة «كاسحة» لدى النساء. بحسب ما يشير ممثل المملكة العربية السعودية في المؤتمر، ويقول إن هذه النسبة تصل الى حدود 75%. ويرى أن الحراك امتد الى بلده، لكن ليس بالشكل الذي انتشر في الدول العربية الأخرى، بل بطريقة مؤسساتية. اما في الأردن، التي تشهد بعض التحركات من الحين الى الآخر، فهي تعاني أعلى نسبة بطالة في الدول العربية نسبة الى عدد سكانها، بحيث تصل الى 28%، كما تعاني معدلات منخفضة في تشغيل النساء، بحيث تزيد بقليل عن الـ 50%. وتشرح ممثلة المنظمة الدولية للشباب الأردني رنا ترك أن مستوى التعليم والمهارات متدنّ جداً في المملكة، كما أن هناك فجوة ضخمة بين هذه المهارات ومتطلبات سوق العمل. وتلفت الى أن الأردن تتكوّن من حوالى 65% من الشباب، الا أن الشعب الاردني غير مدرك لحاجاته، ويعتمد على الحكومة حتى في ايجاد حل للثورة. وتلفت الى أن الحكومة الأردنية تسعى الى امتصاص اسباب انطلاق الثورات العربية، بحيث تحاول البحث عن حلول للبطالة، وكذلك أنشأت أخيراً وزارة للشباب، في محاولة منها لاستيعابهم.

حال لبنان كحال الدول العربية، بطالة، فجوة بين الاختصاصات العلمية وحاجات سوق العمل، غياب الدولة عن القيام بواجباتها في توفير فرص العمل للشباب. وفي آخر الدراسات التي أطلقتها منظمة العمل الدولية عن لبنان عام 2009، اشارة الى أن جودة التعليم تمثّل مشكلة تحتاج إلى معالجة، ولا سيما في حالة التعليم الأساسي والتقني. وبدلاً من تصدير المنتجات والخدمات المتخصصة، يميل لبنان إلى تصدير اليد العاملة المتخصصة، التي تولّد التحويلات المالية الضخمة التي يرسلها المهاجرون إلى أسرهم.

25 في المئة

معدل البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو الأعلى في العالم. وترتفع هذه النسبة كثيراً إذا استثني مجلس التعاون الخليجي

20 في المئة

 

الفارق الإيجابي بين انخراط الإناث في التعليم الجامعي مقارنةً بانخراط الذكور في المشرق العربي، ويبلغ 40% في المغرب العربي

إما استثمار أو تطرف

 

«المسار السياسي التغييري لم يكتمل في تونس»، يقول عضو نقابة التعليم العالي في اتحاد الشغل في تونس، كريم طرابلسي. الياسمينة بلا بترول، واقتصادها يقوم على تعزيز الاستثمار إلا أن ظاهرة السلفيين الى انتشار، والحكومة تتعاطى بتساهل مع هذه الظاهرة، ما يسمح بنموها. وفي وجود هذا الواقع، ليس بإمكان مستثمر أن يدخل السوق التونسية بلا ضمانات لاستمراريته.

 

الثلاثاء ١٣ آذار ٢٠١٢

الأكثر قراءة